ولما كان الجواب على هذه السؤالات جوابا مقنعا يمتنع بدون واسطة العلم، كان أقدم الروايات في الخليقة عند الشعوب المختلفة مشحونا بالخرافات، مملوءا من كل عجيب وغريب من التصورات الخاصة بالشعوب إذ كانوا في مهد الطفولية.
وهذه رواية الخليقة عند الأرمن على ما في كتاب أرمان:
إن الكائن الأول الأزلي غير المنظور، والذي لا يدرك إلا بالعقل أراد أن يتجلى بكل قدرته وبكل مجده، فخلق أولا الماء من فكر واحد ووضع فيه بذرة الخليقة، فصارت البذرة بيضة تلمع كالذهب وتضيء كالشمس. ثم دخل في هذه البيضة على صورة بارام براما؛ أي الإنسان الإله. ثم انفلقت البيضة فلقتين بعد ملايين ملايين من السنين الشمسية، فخلق من الفلقة الواحدة السماء، ومن الفلقة الأخرى الأرض التي فصل اليابسة منها عن المياه. ثم شطر نفسه شطرين، خلق من الشطر الواحد الذكر، ومن الشطر الآخر الأنثى؛ أي إنه تقلد طبيعتين طبيعة فاعلة، وطبيعة قابلة.
ولذلك كان الأرمن يتهادون البيض في رأس السنة، ثم أجاز النصارى هذه العادة، وقد نقلوها إلى عيد الفصح.
ورواية سكان جزائر البحر الجنوبي في الخليقة على ما نقله لنا المرسل تورنر أبسط من ذلك؛ فإنهم يعتقدون أن الأرض كانت أولا مغطاة كلها بالماء، ثم انسحب الماء شيئا فشيئا، فأرسل أبو الآلهة ابنته على صورة حمامة ومعها قبضة تراب ونبات حي، فوضعت التراب على الحجار، وغرست النبات ولما امتدت أصوله تغطى بالذباب، ومنه تكون الرجال والنساء، وبعض السمك الذي كان في الماء حيث اليابسة اليوم تحول إلى حجار؛ ولهذا السبب كنا نجد حجارا كثيرة كانت من قبل أسماكا أو حيوانات أخرى.
وعند اليهود خلق الله العالم وأتمه في ستة أيام، وبعد أن خلق النور في اليوم الأول خلق الشمس والقمر والكواكب في اليوم الرابع فقط! وأخيرا خلق الإنسان على صورته، وهو - أي الله - فوق كل مادة، وفيه أصل كل شيء، وقد خلق العالم من العدم خلافا لمعتقدات الشعوب غير السامية، الذين عندهم مادة أولى أزلية هي أصل كل شيء، والذين تبتدئ عقائدهم بتأليه النور أو الشمس،
1
وفي كل عقائد الهنود - على قول الأستاذ «دياتاريشي» - الخلق كائن من مادة أزلية فيها قوة أزلية متصلة بها؛ أي عبارة عن غراب (كاوس) أزلي تنمو فيه القوة الخالقة.
وعند الفرس الخلق كائن من مادة أولى كذلك ذات قوة أولى متصلة بها؛ أي من الكاوس الذي ينشأ فيه هرمز وأهرمن إلاهاهم العظيمان، فهرمز إله النور خلق العالم في ستة أيام، كما في رواية التوراة مع الفرق في الترتيب، فخلق في اليوم الأول النور والسماء والكواكب، وفي اليوم الثاني المياه والغيوم، وفي اليوم الثالث الأرض والجبال والسهول، ثم في الرابع النبات، ثم في الخامس الحيوانات، وفي السادس الإنسان.
وأهل بابل يعتقدون أن كل شيء كان في الأصل ماء وظلمات مسكونة بالجن، ثم فصل الإله «بل» من هذا الكاوس السماء والأرض وصنع الكواكب، ثم كلف الآلهة فخلقت البشر والحيوانات.
ناپیژندل شوی مخ