7
فكل واحد عقله بقدر ما قسم له من التهذيب، وأين العقل البشري إذ يقتل المتوحش عدوه ويشرب من دمه؟ وإن قيل: إن ما يميز الإنسان عن سواه إن لم يكن العقل نفسه فقابليته لأن يصير عاقلا، فالاختبار يكذب ذلك؛ لأنه إذا كنا قادرين أن نعقل فالفضل في ذلك لحواسنا ولجميع وسائطنا العقلية، إلا أن نمو هذه القوى العالي الذي يضعنا فوق الحيوان ليس واحدا في سائر الناس.» ولقد أصاب ليل بقوله: «إن عاملا واحدا روحيا، لا فرق في تسميته بديهة أو نفسا أو عقلا، يتحرك في سائر العالم الحي من أسفل إلى أعلى.» وعلى رأي شفهوزن: «إن القول بأن الإنسان يتميز عن سائر الحيوان لاستعانته بالآلات وحده خطأ مبين؛ لأننا نعلم عن ثقة أن القرد يكسر الجوز بالحجر، وأنه يرمي الحجر بين طبقتي صدفة أم الخلول لكي يفترسها.»
وإنا لفي غنى عن إطالة البحث في هذه الاختلافات بين الإنسان والحيوان؛ فإنها لا تخفى على أحد، وهي ذات شأن عظيم في المدارس، وكتب التعليم مشحونة بها، والمعلمون يدخلونها جبرا أولا وثانيا وثالثا في رءوس التلامذة الذين تأخذهم هزة العزة لعلو مقامهم البشري، وأكتفي منها بذكر قضيتين كافيتين وحدهما لتبيين فساد المذهب كله؛ وهما: الانتصاب في المشي، والنظر المتجه نحو السماء. والقضية الأخيرة مغلوطة؛ لأن الإنسان لا ينظر إلى السماء دائما، كما أن الحيوان لا ينظر إلى الأرض دائما، وإنما كلاهما ينظران أمامهما طبيعيا، وأما أولئك الذين يوجهون أنفهم نحو السماء أكثر مما إلى الأشياء التي أمامهم، فمما يسخر بهم، وبكل الأحوال لا يعتبرون من طبقة أصحاب الأفكار.
وأما المشي عموديا فموجود في كثير من القرود، وربما كان فيها أكثر لولا أنها تقيم غالبا على الأشجار، ولولا أنها ماسكة، فالجيبون وهو أصغر القرود الشبيهة بالإنسان، يكون أكثر قيامه منتصبا إذ يكون على الأرض. وكاستلنو يقول عن اللاكوتريش:
8
إنه إذا ربطت يداه وراء ظهره مشى ساعات طويلة على رجليه ولم يتعب. والأتل - أو القرد ذو الصنارة - متحرك جدا، ونبيه كذلك يقف غالبا منتصبا. والشمبانزي والكورلا لا يلمسان الأرض في مشيهما إلا بأصابع اليد أو بقفاها، وهي تشبه يد الإنسان كثيرا. وقد قلنا فيما تقدم: إن مشي الكورلا متوسط بين مشي الإنسان ومشي الحيوان. ويوجد أيضا كثير من القوم المتوحشين يقيمون غالبا على الأشجار كالقرود، وفيهم الرجل كما في القرود إبهامها موضوعة كما في الرجل الماسكة، فرجل أهالي كلادونيا الجديدة على - قول روكاس - تفيدهم للإمساك، كما تفيدهم للتعرش على الأشجار؛ إذ إنهم يتمسكون بها بالغصون كما تفعل اليد. وأهالي جزائر فيليبين
9
لا يتجاوزون أربع أقدام ونصف قدم، وهم قوم متوحشون يقومون عراة أو يشدون على وسطهم فقط منطقة من قشر الشجر. ويقيمون تارة على الأشجار، وتارة على الأرض. وأصابع رجليهم، ولا سيما الإبهام منها، موضوعة وضعا يمكنها من التمسك بها بالأغصان والحبال كاليد. وإحدى قبائلهم المتوحشة واسمها الأجطاس ينصبون غفرهم على الأشجار. ويوجد في الملازيين - سكان جافا الذين يستعملون أرجلهم أيضا كأيديهم - بعض صفات خاصة بالقرد لا وجود لها في الفرع القوقاسي ، فلا يصيبهم الدوار، وينامون معلقين في الهواء مستندين إلى غصن أو ما شاكل.
10
ولا شبهة أن الرجل البشرية لم تخسر حركتها إلا شيئا فشيئا؛ لاستخدامها لعمل آخر ولاستعمال الحذاء، ولنا شاهد على ذلك في سكان جنوبي فرنسا، فإن عادتهم على التعرش على الأشجار جعلت عندهم سهولة كلية في تحريك أصابع رجليهم، بحيث يقابلون إبهامهم لباقي الأصابع كالقرود، ويتناولون بأرجلهم أصغر الأشياء (شفهوزن).
ناپیژندل شوی مخ