والبوما
12
والنعام والجاجوار
13
أصغر من أمثالها في العالم القديم. وفي سوريا والعجم جميع ذوات الثدي - حتى الصادرة من بلاد غريبة - ذات شعر طويل أبيض. والكلاب والخيل في بلاد الكورس جلدها مرقط، وقد تضاعف غلظ الخنازير، واستقامت آذانها واسود وبرها في جزيرة كوبا. والقطط المدخلة إلى باراجي قد تغيرت جدا، حتى صارت القطط التي يؤتى بها حديثا من أوروبا تأبي مباضعتها إلا بكره. وخيل سهول أميركا الجنوبية تختلف جدا عن خيل العرب، مع أن أصلها من خيل أضاعها الإسبانيون هناك سنة 1537 وهي عربية الأصل. فلون شعر الحيوانات وجلدها غالبا يتغير بحسب طبيعة الإقليم، فالتربة وكل ما يحيط بالحيوان يفعل في ظاهره فعلا واضحا؛ فإن المناطق الحارة تولد الألوان الشديدة الزاهية، والمناطق الباردة تولد اللون الأبيض غالبا وكل لون باهت، والحيوانات التي تقطن الرمال تتلون بلونها، والتي تقيم على أصول الشجر تأخذ لون القشور، والتي تعيش على الأوراق تكون خضراء ... إلخ.
فإذا كان مثل هذه الأمثلة على ضيق مجال اختبارنا كافيا لإظهار فعل الأحوال الخارجية وتغيراتها في الأجسام الحية؛ فلا شك إذن أن فعلها البطيء والمستمر في الأدوار الطويلة لتكون الأرض كاف لأن يجعل في الأجسام الحية - نباتا كانت أم حيوانا - تغيرات كلية شديدة جدا، ولا سيما إذا اعتبرنا الاختلافات التي وقعت في الإقليم والهواء والحرارة وتوزيع المياه. فإن سطح الأرض قد تغير جدا، فارتفع في جهات، وانخفض في أخرى، وكم هبطت الجبال وهادا، وكم ارتفعت الوهاد جبالا، وكم طغى الماء على اليابسة فصيرها بحرا، وكم ظهرت اليابسة في وسط المياه. وكثير من العلماء الذين لا يسلمون بمذهب دارون يجعل للأحوال الخارجية فعلا يكتفي به وحده للتعليل عن تسلسل الأنواع وتحولها في الماضي والحاضر.
14
على أن هذا القول تطرف، لكن لو عدلنا إلى الحالة الوسطى وقسمنا العمل بين الانتخاب الطبيعي من جهة والأحوال الخارجية من جهة أخرى، لسهل الأمر علينا جدا، وكان لنا حينئذ عاملان قويان صحيحان لتعليل التحول.
ولا بد أيضا من التسليم بعامل ثالث لم يبسط كما ينبغي، ولم يذكره دارون، ولكنه يتم في الأحياء بحالتها الجرثومية مدة أطوار التكوين، ويجعل ما يسمونه «تغير التكوين». وهذا القول غير حديث، وقد ذكر مرارا عديدة، والأستاذ بمجرتنر من فريبورج قال فيه سنة 1855 ما معناه أن الحيوانات العليا ربما كانت قد خرجت من جراثيم أو بيوض حيوانات أدنى بانقسام الجراثيم أو بتحولها، غير أن الأدلة على ذلك كانت قليلة وغامضة، فلم يمكن الاستناد عليها. أما مذهب دارون فنبه العقول لإعادة البحث في هذه المسألة حتى جعلها بعض العلماء الجديرين بهذا الاسم موضوع بحثه، أعني به المشرح والفزيولوجي الشهير الأستاذ كوليكر، فإنه جمع أبحاثه في تقرير تلاه على مجمع العلوم الطبيعية والطبية في ورزبورج، وهذا التقرير طبع في لبزيج سنة 1864. فكوليكر بعد أن بين في تقريره ما في مذهب دارون من النقص، شرع في تبيين ما له من المزايا، فقال: إن دارون قد خط الطريق الوحيد المؤدي إلى حل مسألة أصل الأحياء حلا صحيحا، فظهور الأجسام الحية - حسب كوليكر - بصفة أحياء كاملة غير مقبول، بل تتكون على مقتضى ناموس للارتقاء عام. وعنده أن مبدأ هذا الناموس موجود أقل في عامل «الانتخاب الطبيعي» الداروني منه فيما يسميه مذهب «التكوين الكثير الطبائع»؛ ويراد به أن بيوض الأجسام الحية الدنيا أو جراثيمها ملقحة كانت أم غير ملقحة، تستطيع في بعض الأحيان أن تتحول إلى صور أخرى قد تكون أعلى منها في الأصل، ليس بالطريقة البطيئة التي يعول عليها دارون، بل بالتحول فجأة. وهو يذكر تأييدا لمذهبه الأحوال العجيبة لتغير التكوين، وللبرثنوجنزيا،
15
ناپیژندل شوی مخ