الأنبياء وغيرهم فرق ولا خصوصية ولأنه لو جاز أن يكون متكلما بكلام قائم بغيره لجاز أن يكون عالما بعلم قائم بغيره وقادرا بقدرة وإرادة قائمتين بغيره.
(وأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيد ولا صفة لمخلوق فينفد):
قال بعض الشيوخ: القرآن لغة الجمع ومنه قولهم قرأت الماء في الحوض إذا جمعته. وقيل ليس بمشتق من شيء وإنما هو توقيف ويطلق تارة ويراد به الكلام القديم ويطلق تارة ويراد به العبارة عنه التي هي قراءة الخلق ويطلق على المكتوب أيضا لشهرته في الكلام القديم فلا يفهم عند الإطلاق إلا هو، فلهذا امتنع إطلاق القول بالقرآن أنه مخلوق واختلف العلماء إذا كان مقيدا مثل أن يقول كلامي بالقرآن مخلوق أو نطقي به أو ما أشبه ذلك في الصيغ التي ينتفي معها الإيهام. فذهب الإمام أبو عبدالله البخاري وعبدالله بن سعيد الكلاعي إلى جواز ذلك وهو مذهب أكثر المتأخرين وذهب الإمام مالك فلم يسمع عنه في ذلك شيء.
قال بعضهم: والصحيح ما ذهب إليه الإمام البخاري ومن تابعه في ذلك لأن الحكم إذا علل بعلة فإنه ينتفي بانتفائها وأما امتناع الإمام أحمد بن حنبل ﵁ من ذلك حين امتحن على أن يقول بخلق القرآن فأبى فقيل له فقل لفظي بالقرآن مخلوق فقال ولا أقول ذلك، ولا يسمع من التلفظ بالخلق مع ذكر القرآن مع ما في ذكر اللفظ من معنى المج والطرح فاتقى ﵁ أن يوهم المتبدعة على السامعين القول بخلق القرآن ويتوصلون بذلك إلى غرضهم فامتنع من كل إطلاق يؤدي إلى ذلك حسما للذريعة وصبرا على ما أوذي في الله ﷿. ثم حدثت فرقة أخرى بعد وفاته ﵀ وقالوا: إنما امتنع من ذلك لأنه يقول بقدم الحروف فاعتقدوا ذلك ونسبوه إليه وتسموا بالحنابلة وحاشاه منهم والله تعالى حسيبهم.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: "القرآن كلام الله ﷿ ليس بمخلوق"
1 / 31