والجواب عما تمسكوا به من الآية أن أهل اللغة قالوا: إذا قيل: لا أريد ظلمك، فمعناه: لا أريد أن تظلم أنت من غير تعيين الفاعل، وإذا قيل: لا أريد ظلما لك، فمعناه لا أريد أن أظلمك، ونحن نقول: لا يريد الله أن يظلم أحدا، فهذا اللفظ وإن احتمل المعنيين، فنحن نعين أحدهما، وهو أن المراد: لا أريد أن أظلمك، بما مر من الدلائل، فيكون معنى الآية: وما الله يريد أن يظلم عباده فيعذبهم بغير ذنب، أو يزيد على قدر ما يستحقون من العذاب.
وعن المعقول أن إرادة السفه وما لا يرضى به حكمة إذا تعلقت به حميدة، وهي تحقيق ما علم على ما علم، والأمر بما لا يريد ليتحقق به علمه، وهو واقع، فإن إبراهيم عليه السلام أمر بذبح الولد بدليل: ?يا أبت افعل ما تؤمر? [الصافات: 102]، وإرادة الله تعالى أن لا يوجد ذبح ولده، بل ذبح الكبش. على أن السفه عند الأشعري ما نهي عنه، ولا نهي لأحد على الله تعالى، فلا يتصور في فعله السفه.
روي أن جماعة من القدرية دخلوا على أبي حنيفة رحمه الله تعالى شاهرين سيوفهم، فقالوا: أنت الذي يقول: إن الله تعالى شاء الكفر من عباده، ثم يعاقبهم على ذلك؟ فقال رحمه الله تعالى: أتحاربون بسيوفكم أم تناظرون بعقولكم؟ فقالوا: نناظر بعقولنا، وغمدوا سيوفهم، فقال: أخبروني، هل علم الله في الأزل ما يوجد من هؤلاء أم لا؟ قالوا: نعم، قال: فإذا علم الله منهم الكفر، فهل شاء أن يحقق علمه كما علم أم شاء أن يصير علمه جهلا. فعرفوا صحة كلامه وبطلان مذهبهم، فرجعوا عن ذلك وتابوا.
فإن قيل: لو كان الكفر مرادا لوجب الرضا به، والرضا بالكفر كفر، وأيضا لو كان الكفر مرادا لكان الكافر مطيعا بكفره، لأن الطاعة تحصيل مراد المطاع.
مخ ۷۰