237

محل القدرة مما يجب أن يكون واقعا بآلة ، لو لا ذلك وإلا كان يجب أن تكون الحياة آلة في العلم ، فإنه لا يصح وجود العلم إلا في محل فيه حياة ، ولكان يجب في الجسم أن يكون آلة للأكوان ، فإنها لا يصح وجودها إلا في محل ، وهذا يوجب على مرتكبه القول بأنه تعالى فاعل بآلة ، وقد عرف فساده.

ومما يتعلقون به ، قولهم : قد ثبت أن الله تعالى قادر على أن يقدرنا على هذه التصرفات ، فيجب أن يكون عليها أقدر ، كما أنه لما كان قادرا على أن يعلمنا هذه الأمور ، كان بها أعلم.

الجواب ، قلنا : بأية علة جمعتم بينهما؟ فلا يجدون إلى ذلك سبيلا.

ثم يقال لهم : ليس إذا قدر القادر على مقدور أن يكون قادرا على غيره من المقدورات ، وليس في قدرته تعالى على إقدارنا على هذه التصرفات سوى كونه قادرا على خلق القدرة فينا ، فمن أين يجب إذا قدر على القدرة أن يكون قادرا على تصرفاتنا؟ هذا مما لا يجب.

فأما ما ذكروه في العلم ، فإنما وجب أن يكون تعالى أعلم بسائر المعلومات منا لأنه عالم لذاته ، والمعلومات غير مقصورة على بعض العالمين دون بعض ، فيجب في العالم للذات أن يعلمها على الوجوه التي يصح أن تعلم عليها وإلا قدح في كونه عالما لذاته ، وليس كذلك في القدرة ، لما قد ذكرنا أن المقدورات مقصورة على بعض القادرين دون بعض. على أن هذا لازم لهم في الكسب ، فيقال : أليس أنه تعالى يقدر على إقدارنا على الكسب وإن لم يقدر على الاكتساب ، فهلا جاز مثله في الحدوث؟ ومتى قالوا إنه تعالى قادر على الاكتساب ، غير أنه لا يوصف به لأن هذا الوصف إنما يجري على من اكتسبه بآلة ، قلنا : قد فرغنا من الكلام على هذا ، فلا معنى للتطويل.

ثم يقال لهم : أليس أنه تعالى قادر على أن يخلق في الكافر إرادة الإيمان ولم يقدر على أن يريد منه الإيمان؟ هلا جاز مثله في مسألتنا؟ وهذا الكلام للنجارية والأشعرية جميعا ، لأن عند أحد الفريقين وهم النجارية أنه تعالى مريد لذاته ولا يقدر أن يريد تعالى من الكافر خلاف ما أراده في الأزل لاستحالة خروجه عن صفته الذاتية ، وعند الفرقة الثانية وهم الأشعرية ، أنه تعالى مريد بإرادة قديمة ولا يقدر على أن يريد من الكافر خلاف ما أراده منه فيما لم يزل.

ومما يتعلقون به أيضا ، قولهم : لو كان الواحد منا محدثا لتصرفاته لوجب أن

مخ ۲۵۳