161

والقوم لا يقولون بهذا ، فلا يمكنهم الاستدلال بالسمع على شيء أصلا. وعلى أنا قد بينا أن النظر ليس هو الرؤية ، وتكلمنا عليه فلا وجه لإعادته.

ومما يتعلقون به قوله تعالى : ( رب أرني أنظر إليك ) [الأعراف : 143] قالوا : فهذا سؤال ، فقد سأل موسى الله الرؤية ، فدل ذلك على أنها جائزة على الله تعالى ، فلو استحال ذلك لم يجز أن يسأله. قالوا : والذي يدل على أن السؤال سؤال موسى عليه السلام وجهان ، أحدهما هو أنه أضاف الرؤية إلى نفسه ، والثاني أنه تاب ، والتوبة لا تصح إلا من فعل نفسه.

وقد أجاب شيخنا أبو الهذيل عن هذا : بأن الرؤية هاهنا بمعنى العلم ولا اعتماد عليه ، لأن الرؤية إنما تكون بمعنى العلم متى تجردت ، فأما إذا قارنها النظر فلا تكون بمعنى العلم. فالأولى ما ذكره غيره من مشايخنا ، وهو أن السؤال لم يكن سؤال موسى وإنما كان سؤالا عن قومه. والذي يدل عليه قوله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وآله : ( يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة ) [النساء : 153] وقوله عز وجل : ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) [البقرة : 55] فصرح الله تعالى بأن القوم هم الذين حملوه على هذا السؤال.

ويدل عليه أيضا قوله حاكيا عن موسى عليه السلام : ( أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) [الأعراف : 155] فبين أن السؤال سؤال عن قومه ، وأن الذنب ذنبهم.

فإن قيل : لو لا أن الرؤية غير مستحيلة على الله تعالى وإلا لما جاز أن يسأله ذلك لا عن نفسه ولا عن قومه ، كما لا يجوز أن يسأل الله عن الصاحبة والولد لما كانت مستحيلة عليه.

قلنا : فرق بينهما : لأن مسألة الرؤية يمكن معرفتها بالسمع فجاز أن يطلب فيها دلالة سمعية ، بخلاف مسألة الصاحبة والولد.

وقيل : إنه علم أن الرؤية مستحيلة على الله ، ولكن سأله عن ذلك لأن الأمة لم يكن يقنعهم جوابه ، فسأله الله سبحانه ليرد من جهته جوابا يقنعهم.

فأما ما ذكره في الصاحبة ، والولد فلا يصح ، لأنه إنما لم يسأل لا لأن الصاحبة والولد مستحيل على الله تعالى والرؤية غير مستحيلة ، بل لأنهم لم يطلبوا منه ذلك ، حتى لو قدرنا أنهم طلبوا منه ذلك ، وعلم أنه لا يقنعهم جوابه لجاز أن يسأل الله تعالى

مخ ۱۷۶