209

Sharh Umdat al-Ahkam by Ibn Jibreen

شرح عمدة الأحكام لابن جبرين

ژانرونه

شرح حديث: (بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت) حديث ابن عمر هو في قصة أهل قباء، فقد ذكر أن النبي ﵊ لما قدم المدينة استقبل الشام قبلة أنبياء بني إسرائيل، وبقي كذلك ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، حتى اشتاق إلى أن يستقبل الكعبة، فلما اشتاق إلى ذلك أخذ يقلب بصره، فقال الله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ [البقرة:١٤٤] يعني: انتظار الوحي الذي يتضمن صرفك إلى القبلة؛ قال: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ [البقرة:١٤٤] فنزلت عليه هذه الآية في الليل، فأخبر صحابته بأن هذا أمر من الله، وأنه أمرنا بأن نستقبل الكعبة بدل ما كنا نستقبل بيت المقدس. وكان مكان أهل قباء نائيًا، فجاءهم الخبر بعدما كبروا، ولعلهم قد صلوا بعض الصلاة أو لم يصلوا بعضها، وفي أثناء الصلاة كلمهم ذلك المتكلم فقال: إن النبي ﷺ قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى جهة الشمال، فاستداروا كما هم يمشون، وإمامهم يمشي معهم، واستداروا إلى أن أصبحت وجوههم إلى جهة الجنوب، وهذا عمل كثير، وبالأخص الإمام، فإنه سار وهو قدامهم وهم ينحرفون إلى أن صارت وجوههم إلى جهة الجنوب، فالذي كان في طرف الصف من جهة الشرق أصبح في طرف الصف من جهة الغرب، والإمام بدل ما كان أمامهم وهم إلى الشمال أصبح أمامهم وهم إلى الجنوب إلى جهة اليمن، وهذه الحركة لم تعتبر مبطلة للصلاة؛ وذلك اغتنام منهم لإيقاع الصلاة كلها كما أمر الله، فانحرفوا وقد كانوا على قبلة متحققين لها، وعملوا بذلك الخبر. فالحاصل أن هذا دليل على أن آيات القبلة نزلت، وأن المسلمين عملوا بها، وأنهم بادروا إليها، وأن استقبال القبلة واجب على المصلين في فرائضهم ونوافلهم إلا أنه يُخفف في النوافل إذا كان الإنسان راكبًا، وذلك اغتنامًا لكثرة العبادة والتنفل حال السفر.

11 / 6