Sharh Umdat al-Ahkam by Ibn Jibreen
شرح عمدة الأحكام لابن جبرين
ژانرونه
خروج النساء إلى المسجد وهن تفلات
أذن النبي ﵊ للنساء في الخروج إلى المسجد، واشترط التبذل فقال: (وليخرجن تفلات)، والتفلة هي: الغير المتبرجة، يعني: تخرج بثياب بذلة لا بثياب زينة، ولا بثياب جمال، ولا بشيء يلفت الأنظار، ولا تتعطر، ولا تتخضب، ولا تتطيب، ولا يكون معها شيء مما يكون لافتًا لأنظار الناس إليها، وألا تكون شابةً بحيث يفتتن بها الرجال، وألا تقترب من صفوفهم، وأن تحذر من مزاحمة الرجال، وقد كان النبي ﵊ إذا انصرف من الصلاة مكث قليلًا قبل الانصراف بوجهه حتى لا ينصرف الرجال مع النساء، بل يمهل حتى يخرج النساء ويتمادين في المسير، ولا يكون بذلك احتكاك ولا ازدحام عند الأبواب.
عرفنا أن ابن عمر ﵁ روى الحديث على ظاهره، وأن ولده بلالا لم يعترض إلا لما رأى من المخاوف، ولما خافه من المفسدة، وإلا فهو أجل من أن يعترض على كلام الرسول ﷺ.
وقد روي أن عمر ﵁ كان له امرأة محتشمة، وكانت تُحب أن تصلي في المسجد، فطلبت منه أن يأذن لها، ولكنه نصح وقال: (صلاتك في بيتك أفضل) فقالت: أحب الصلاة في المسجد مع الجماعة فلم يستطع أن يمنعها، وقد سمع قول النبي ﷺ: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، ثم إنه احتال حيلة تسبب توقفها، فلما علم أنها ستخرج في وقت العشاء وقف لها في الطريق في مكان مظلم مختفيًا في زاوية من الزوايا، فلما مرت به وعرفها جاءها من خلفها وضربها بيده على عجيزتها، وهرب كأنه يريد السوء، فلما فعل ذلك وهي لم تعرفه رجعت إلى بيتها وبقيت، وسألها بعد ذلك وقال: (لماذا لا تخرجين إلى المسجد؟ فقالت: كنا نخرج والناس ناس، فأما الآن فإن الناس ذئاب) أو كما قالت، فهذه حيلة منه ﵁، وهو دليل على شدة غيرته، وأنه يخشى أن تتعرض- وإن كانت عفيفة- لبعض الفتن، إما أن تفتتن وإما أن يُفتتن بها، وإن كان ذلك مأمونًا في ذلك الزمان.
وبكل حال فخروج النساء إلى المساجد إذا كن في غاية من التستر والتبذل والاحتشام لا بأس به، ولكن بيوتهنَّ خير لهنَّ سيما في الأزمنة المتأخرة، سيما والنساء قد أحدثن أكثر مما ذكرت عائشة في قولها: (لو رأى النبي ﷺ ما أحدثه النساء لمنعهنَّ المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل) .
9 / 10