شرح تطهير الاعتقاد للصنعاني - الراجحي
شرح تطهير الاعتقاد للصنعاني - الراجحي
ژانرونه
الأسماء لا تغير المعاني والحقائق
قال المصنف: [وفعله القبوريون لما يسمونه وليًا وقبرًا ومشهدًا] يقول: لا فرق بينهم إلا في تغيير الأسماء، فالمشركون القدامى يذبحون وينذرون لأي شيء من الأصنام والأوثان، والمتأخرون يذبحون وينذرون للولي، ولصاحب القبر الذي يسمونه وليًا أو قبرًا، ولا فرق بين فعل هؤلاء وهؤلاء إلا في التسمية، والتسمية لا تغير من الحكم شيئًا، ولهذا قال المؤلف: [والأسماء لا أثر لها ولا تغير المعاني، ضرورة لغوية وعقلية وشرعية؛ فإن من شرب الخمر وسماها ماء ما شرب إلا خمرًا، وعقابه عقاب شارب الخمر، ولعله يزيد عقابه للتدليس والكذب في التسمية.
وقد ثبت في الأحاديث أنه يأتي قوم يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها، وصدق ﷺ؛ فإنه قد أتى طوائف من الفسقة يشربون الخمر ويسمونها نبيذًا، وأول من سمى ما فيه غضب الله تعالى وعصيانه بالأسماء المحبوبة عند السامعين: إبليس لعنه الله، فإنه قال لأبي البشر آدم ﵇: ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى﴾ [طه:١٢٠] فسمى الشجرة التي نهى الله تعالى آدم عن قربانها شجرة الخلد؛ جذبًا لطبعه إليها، وهزًا لنشاطه إلى قربانها، وتدليسًا عليه بالاسم الذي اخترعه لها، كما يسمي إخوانه المقلدون له الحشيشة بلقمة الراحة.
وكما يسمي الظلمة ما يقبضونه من أموال عباد الله تعالى ظلمًا وعدوانًا أدبًا، فيقولون: أدب القتل، أدب السرقة، أدب التهمة، بتحريف اسم الظلم إلى اسم الأدب، كما يحرفونه في بعض المقبوضات إلى اسم النفاعة، وفي بعضها إلى اسم السياقة، وفي بعضها أدب المكاييل والموازين، وكل ذلك اسمه عند الله ظلم وعدوان كما يعرفه من شم رائحة الكتاب والسنة، وكل ذلك مأخوذ عن إبليس، حيث سمى الشجرة المنهي عنها شجرة الخلد].
يقصد المؤلف بكلامه هذا: أن الأسماء لا تغير المعاني والحقائق، وإنما العبرة بالمعاني والحقائق.
فالمشركون السابقون يتقربون للأصنام والأوثان، فيذبحون وينذرون لها، والمتأخرون يتقربون للقبور والمشاهد والأولياء، والحكم واحد.
فهؤلاء يسمونه صنمًا وهؤلاء يسمونه قبرًا ومشهدًا، وكل منهم يصرف له العبادة والمعنى واحد، فكلهم يشركون وإن تغيرت الأسماء، فالعبرة بالمعاني والحقائق.
ولهذا لما قال الذين أسلموا حديثًا للنبي ﷺ في غزوة حنين حين مروا على المشركين، ولهم سدرة يعكفون عندها ويعلقون عليها أسلحتهم، قالوا: (يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط.
فقال النبي ﷺ: قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة).
فالنبي ﷺ جعل مقالتهم مثل مقالتهم، فبنو إسرائيل قالوا: اجعل لنا إلهًا، وأصحاب النبي ﷺ قالوا: اجعل لنا ذات أنواط.
فالرسول ﷺ قال: المقالة هي المقالة،؛ لأن العبرة بالمعاني وليست بالألقاب.
كذلك هؤلاء الأوائل يذبحون للأصنام والأوثان، والمتأخرون يذبحون للقبور والمشاهد، فالحكم واحد.
وكذلك من شرب الخمر وسماها شراب الروح، فهي خمر وإن سماها شراب الروح، والذي يتعامل بالربا ولا يسميه ربا، بل يسميه فائدة أو عمولة أو ربحًا مركبًا، لا تخرج عن كونها ربا.
قوله: (وأصل ذلك تدليس) أي: أن إبليس هو الذي شرع للناس تغيير الحقائق، إذ أمر آدم وحواء أن يأكلا من الشجرة التي نهى الله آدم عنها، وسماها شجرة الخلد حتى يهز النشاط ويلبس عليهما، ويجرهما إلى الأكل منها فيطيعوه في المعصية.
قوله: [فإن من شرب الخمر وسماها ماء ما شرب إلا خمرًا، وعقابه عقاب شارب الخمر، ولعله يزيد عقابه بالتدليس].
يعني: يستحق عقابًا أشد.
فالذي يشرب الخمر عقابه ثمانين جلدة، أما الذي يغيرها ويسميها شراب الروح، فينبغي أن يزاد له في العقوبة؛ للتدليس والكذب في التسمية.
قوله: [وأول من سمى ما فيه غضب الله وعصيانه بالأسماء المحبوبة عند السامعين: إبليس لعنه الله؛ فإنه قال لأبي البشر آدم ﵊: ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى﴾ [طه:١٢٠] فسمى الشجرة التي نهى الله آدم عن قربانها شجرة الخلد؛ جذبًا لطبعه إليها، وهزًا لنشاطه إلى قربانها، وتدليسًا عليه بالاسم الذي اخترعه لها) وهو: شجرة الخلد، فلو قال: الشجرة التي نهى الله عنها ما قرب إليها آدم.
لكن لما قال: شجرة الخلد.
صار فيه تلبيسًا وتدليسًا.
وقوله: (كما يسمي إخوانه) يعني: إخوان إبليس.
قوله: (المقلدون له الحشيشة بلقمة الراحة) الحشيش محرم، وهو نوع من المخدر، ويسميه البعض: لقمة الراحة، حتى يغر الناس.
قوله: (وكما يسمي الظلمة ما يقبضونه من أموال عباد الله ظلمًا وعدوانًا أدبًا).
يعني: الضرائب التي يأخذونها بغير حق، يسمونها أدب القتل، أدب السرقة، أدب التهمة.
فيروج لها بتحريف اسم الظلم إلى اسم الأدب.
وقوله: (كما يحرفون في بعض المقبوضات إلى اسم النفاعة) كأن هذا كان في زمن المؤلف، يسمونها النفاعة، مثل: الذي يسمونها عمولة، أو مساعدة، أو معاونة، وهي محرمة.
وقوله: (وفي بعضها إلى اسم السياقة، وفي بعضها أدب المكاييل والموازين، وكل ذلك اسمه عند الله ظلم وعدوان، كما يعرفه من شم رائحة الكتاب والسنة، وكل ذلك مأخوذ عن إبليس، حيث سمى الشجرة المنهية شجرة الخلد) فاقتدى به الفسقة، وصاروا يسمون الخمر بغير اسمها، ويسمون الحشيشة بغير اسمها، والربا بغير اسمه، اقتداء بإبليس حيث سمى الأسماء بغير اسمها تغريرًا بالناس.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك تسمية القبر مشهدًا، ومن يعتقدون فيه وليًا لا يخرجه عن اسم الصنم والوثن؛ إذ هم معاملون لهم معاملة المشركين للأصنام، ويطوفون بها طواف الحجاج ببيت الله الحرام، ويستلمونها استلامهم لأركان البيت، ويخاطبون الميت بالكلمات الكفرية، من قولهم: على الله وعليك، ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد ونحوها، وكل قوم لهم رجل ينادونه، فأهل العراق والهند يدعون عبد القادر الجيلاني، وأهل التهائم لهم في كل بلد ميت يهتفون باسمه يقولون: يا زيلعي، يا ابن العجيل، وأهل مكة وأهل الطائف: يا ابن العباس، وأهل مصر: يا رفاعي، يا بدوي، والسادة البكرية وأهل الجبال: يا أبا طير، وأهل اليمن: يا ابن علوان.
وفي كل قرية أموات يهتفون بهم وينادونهم ويرجونهم لجلب الخير ودفع الضر.
وهذا هو بعينه فعل المشركين في الأصنام كما قلنا في الأبيات النجدية: أعادوا بها معنى (سواعًا) ومثله (يغوث) و(ود) بئس ذلك من ود وقد هتفوا عند الشدائد باسمها كما يهتف المضطر بالصمد الفرد وكم نحروا في سوحها من نحيرة أهلت لغير الله جهرا على عمد وكم طائف حول القبور مقبلا ويلتمس الأركان منهن بالأيدي].
يقول المؤلف ﵀: (إن من ذلك تسمية القبر مشهدًا) فيسمون القبر الذي يعبدونه من دون الله مشهدًا؛ حتى يلبسوا على الناس، لأنهم لو سموه معبدًا لانصرف الناس عنه، ولكن عندما سموه مشهدًا صار تلبيسًا.
وقوله: (ومن يعتقدون فيه وليًا لا يخرجه عن اسم الصنم والوثن) يعني: إذا قال: هذا قبر ولي.
وهم يعبدونه من دون الله فهو صنم ووثن، ما داموا يصرفون له العبادة من دون الله فهو وثن، ولو سموه قبرًا أو مشهدًا.
قوله: (إذ هم معاملون لها معاملة المشركين للأصنام، ويطوفون بها طواف الحجاج ببيت الله الحرام، ويستلمونها استلامهم لأركان البيت) يعني: كثير من المشركين صرفوا العبادة لأصحاب القبور، حتى إن بعض المشركين من الشيعة ألف كتابًا سماه: (حج المشاهد) يعني: حج القبور، إذا أقبل على القبر يقول: يحرم من مسافة كذا كما يحرم الحاج والمعتمر، ثم إذا وصل إلى القبر استلمه وطاف به، ثم بعد ذلك يذبح، ثم يحلق رأسه، ثم يهنئ بعضهم بعضًا، فيقول: تقبل الله منك، فإذا قيل له: هل تبيع هذه الحجة إلى القبر بحجة إلى بيت الله.
فيقول: لا.
فيدعو الميت حتى يشفي مريضه ويرد غائبه، أنه لابد أن يقرب له الذبائح.
والطواف بالقبور شرك ومحرم، وهو عين ما كان يفعله المشركون لأصنامهم، وما يفعله القبوريون عند أهل القبور هو عين ما يفعله عباد الأصنام عند أصنامهم.
ثم يقول المؤلف بعد ذلك: [فإذا أبان العلماء ذلك للأئمة والملوك؛ وجب على الأئمة والملوك بعث دعاة إلى الناس؛ يدعونهم إلى إخلاص التوحيد لله؛ فمن رجع وأقر حقن عليه دمه وماله وذراريه، ومن أصر فقد أباح الله منه ما أباح لرسوله ﷺ من المشركين] أي: أن يقاتلوا ويجاهدوا.
3 / 7