164
لما كان الإنسان من جملة الحيوانات التي تشرب الماء، ومع ذلك فحرارته ليست قوية شديدة التحليل كما في الطيور، ولا أعضاؤه كثيرة المائية كما في السمك وجب بالضرورة أن يكون من جملة الحيوانات التي تحتاج أن تبول ولو كان بوله يبرز إلى الخارج أو لًا فأولًا على قدر انفصاله من الكلى لكانت تلك حركة رديئة مستقذرة فيلطف الخالق تعالى فجعل ما ينفصل من كلاه قليلًا قليلًا يجتمع في تجويف عضو إلى أن يكثر، وذلك في أو قات متباعدة وذلك العضو هو المثانة، ولا بد من أن تكون هذه المثانة موضوعة في أسفل البدن لتكون بالقرب من الموضع الذي ينبغي أن يكون اندفاع الفضول منه وهو أن يكون في جهة مقابلة لمدخل الغذاء، أو الآلة التي يندفع فيها البول في الرجال هو الإحليل وفي النساء هو الفرج فلذلك يجب أن يكون وضع المثانة هو بقرب هذين العضوين وجرم المثانة لا بد من أن يكون قويًا جدًا ليتمكن من الصبر على حدة البول ولذعه ومع ذلك لا يقبل الانشقاق عند امتلاء هذا العضو من البول وتركزه، ومع ذلك فيجب أن لا يكون جرمه غليظًا جدًا فيزاحم الأعضاء الأخر خاصة وتجويف هذا العضو يحتاج أن يكون كثير السعة ليمكن أن يجتمع فيه مقدار كثير من البول فلذلك جرم هذا العضو الذي هو المثانة يجب أن يكون عصبيًا غشائيًا ليكون جرمه مع قلة ثخنه قويًا ويجب أن يكون أعلاه ومقدمه من طبقة واحدة لأن هذا الموضع لا يشتد تركزه عند امتلاء المثانة من البول لأن البول بثقله يميل إلى أسفل، وما فوق المثانة يمنع شدة تمددها إلى فوق، وكذلك ما أمامها من الأعضاء يمنع تمددها إلى قدام فلذلك إنما يشتد تمددها إلى خلف وإلى أسفل فلذلك احتيج أن يكون جرم المثانة في هاتين الجهتين قويًا، فلذلك جعل اسفل المثانة ووراؤها من طبقتين وإذا نفذ إليها العرقان المعروفان بالحالبين: أحدهما من الكلية اليمنى، والآخر من الكلية اليسرى. فأول نفوذهما يخرقان الطبقة العالية وينفذان كذلك مسافة ما ثم يخرقان الطبقة السافلة ويفضيان إلى تجويف المثانة، وفائدة ذلك أن تكون المثانة إذا امتلأت حتى ضغطت الطبقة الداخلة الخارجة انضغط ذنك العرقان الحالبان النافذان بين الطبقتين فانسدا فامتنع رجوع البول إلى ما وراء المثانة وامتنع أيضًا رجوع البول بعد ذلك إلى المثانة. وألفاظ الكتاب ظاهرة. والله ولي التوفيق.
فصل
تشريح الأنثيين وأوعية المني
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه قد خلق الأنثيان كما علمت ... إلى قوله: يصل برقبة المثانة أسفل من مجرى البول.
الشرح
إنا عند شرحنا للأمور الطبيعية من هذ الكتاب تكلمنا في المني وذكرنا مذاهب الناس فيه. وذكرنا مذهب جالينوس وأصحاب العلم فيه وحججهم ومع ذلك فلم نحقق الكلام فيه هناك.
وأما ها هنا فإنا نريد أن نحقق الكلام في المني ونبين كيفية تكونه ولكن على وجه مختصر ونبين بعد ذلك ما فعل الأنثيين فيه. وذلك على الوجه المحقق ولا علينا من مخالفة المشهورين.
فنقول: إن المادة التي يتكون منها البدن محال أن تكون متشابهة الأجزاء وإلا لم يكن تكون بعضها عظمًا أولى من تكونه عصبًا ورباطًا بل لحمًا وجلدًا ونحو ذلك فلذلك لا بد من أن تكون هذه المادة مختلفة الأجزاء، وإن كان ذلك الاختلاف قد لا يظهر للحس فلذلك يكون بعضها أولى بأن يكون عظميًا وبعضها أولى بأن يكون عصبيًا وبعضها أولى أن يكون عروقًا ونحو ذلك لا بد من أن يكون هذه الأجزاء المختلفة المزاج والقوام معدودة بعدد الأعضاء التي لا بد منها في تكون الإنسان حتى يكون كل واحد منها على مزاج وقوام يستعد لأجلهما لأن يكون مثلًا عظمًا أو عصبًا أو رباطًا ونحو ذلك وهذه المادة إما أن تكون منفصلة من بدن آخر ليكون منها بدن الجاذب فيكون تكون الإنسان ونحوه بالتوالد أو لا يكون كذلك فيكون تكون الإنسان ونحوه حينئذٍ هو بالتكون كما يكون آدم ﵇ فإن تكونه من طين مختلف الأجزاء في المزاج والقوام حتى كان كل جزء من ذلك الطين مستعدًا لعضو من الأعضاء الإنسانية بحسب ماله من ذلك المزاج وذلك القوام.

1 / 164