الفصل الثاني في التواتر
وهو مأخوذ من مجيء الواحد بعد الواحد بفترة بينهما.
ومن ذلك قوله تعالى: «ثم أرسلنا رسلنا تترا» (١) أي واحدًا بعد واحد بفترةٍ بينهما. وقال بعض اللغويين: من لَحْن العوام قولهم تواترت كتبك عليّ ومرادهم تواصلت وهو لَحْن، بل لا يقال ذلك إلاّ في عدم التواصل كما تقدم، وقال بعضهم ليس هو مشتقًا من هذا بل من التوتر وهو الفرد، والوتر قد يتوالى وقد يتباعد بعضه عن بعض.
وفي الاصطلاح خبر أقوام عن أمر محسوس يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة.
الأخبار في الاصطلاح ثلاثة أقسام: المتواتر وهو ما تقدم، والآحاد وهو ما أفاد ظنًا كان المخبر واحدًا أو أكثر، وما ليس بتواتر ولا آحاد وهو خبر المفرد إذا احتفَّت به القرائن فليس متواترًا لاشتراطنا في التواتر العدد ولا آحادًا لإفادته العلم، وهذا القسم ما علمت له اسمًا في الاصطلاح.
وقولي: (عن أمر محسوس) احتراز من النظريات، فإن الجمع إذا أخبروا عن حدوث العالم أو غير ذلك فإن خبرهم لا يحصل العلم، وتعني بالمحسوس ما يدرك إحدى الحواس الخمس.
قال الإمام في البرهان: يلحق بذلك ما كان ضروريًا بقرائن الأحوال كصفرة الرجل وحمرة الخجل فإنه ضروري عند المشاهدة.
وقولي: (يستحيل تواطؤهم على الكذب) احتراز عن أخبار الآحاد.
(١) ٤٤ المؤمنون.