294

شرح تنقيح الفصول

شرح تنقيح الفصول

ایډیټر

طه عبد الرؤوف سعد

خپرندوی

شركة الطباعة الفنية المتحدة

شمېره چاپونه

الأولى

د چاپ کال

۱۳۹۳ ه.ق

ژانرونه

اصول فقه
أحد التأويلات، أي النقل الذي كنت تجده من أمر العبادة والتقرب، فهذه يتجه، وأما بفتحها فيقتضي أن يكون الله تعالى تعبده بشريعة سابقة، وذلك يأباه ما يحكونه من الخلاف هل كان متعبدًا بشريعة موسى أو عيسى فإن شرائع بني إسرائيل لم تتعدهم إلى بني إسماعيل، بل كان نبي من موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وغيرهما إنّما كان يبعثه الله إلى قومه فلا يتعدى رسالته قومه، حتى نقل المفسرون أن موسى ﵊ لم يبعث إلى أهل مصر بل لبني إسرائيل ليأخذهم من القبط من يد فرعون، ولذلك لما عدى البحر لم يرجع إلى مصر ليقيم فيها شريعته، بل عرض عنهم إعراضًا كليًا لما أخذ بني إسرائيل، وحينئذ لا يكون الله تعبد محمدًا ﷺ بشرعهما البتة فبطل قولنا إنه كان متعبدًا بفتح الباء بل بكسرها كما تقدم، وهذا بخلافه بعد نبوته ﵊، فإنه تعبده تعالى بشرع من قبله على الخلاف في ذلك بنصوص وردت عليه في الكتاب العزيز فيستقيم الفتح (١) فيما بعد النبوة دون ما قبلها.
ومما يؤكد أنه ﵊ لم يكن متعبدًا قبل نبوته بشرع أحد، أن تلك الشرائع كانت دائرة لم يبق فيها ما يمكن التمسك به لأهلها فضلًاَ عن غيرهم، وهو ﵊ لم يكن يسافر ولا يخالط أهل الكتاب حتى يطلع على أحوالهم، فيبعد مع هذا غاية البعد أن يعبد الله تعالى على تلك الشرائع، ولأنه لو كان يتعبد بذلك لكان يراجع علماء تلك الشرائع، ولو وقع ذلك لاشتهر.
احتج القائلون بذلك بأنه ﵊ تناولته رسالة من قبله فيكون متعبدًا بها، ولأنه ﵊ كان يأكل اللحم ويركب البهيمة ويطوف بالبيت، وهذه أمور كلها لا بد له فيها من مستند، ولا مستند إلاّ الشرائع المتقدمة، خصوصًا على قول الأشاعرة: أن العقل لا يفيد الأحكام وإنما تفيدها الشرائع.
والجواب عن الأوّل: أن ما ذكرتموه إنّما يتأتى في إسماعيل وإبراهيم ونوح عليهم
الصلاة والسلام، لأنه ﵊ من ذريتهم، أما موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام فلا، وقد وقع الخلاف في هؤلاء كلهم أيهم كان يعبد الله

(١) ٢٣ الإسراء.

1 / 296