وبعد فإن علم الأصول الجامع بين المعقول والمنقول، النافع في الوصول إلى مدارك المحصول أجل ما يتنسم في إحكام أحكام الشرع قبول القبول، وأعز ما يتخذ لإعلاء أعلام الحق عقول العقول، وإن كتاب التنقيح - مع شرحه المسمى بالتوضيح للإمام المحقق والنحرير المدقق علم الهداية وعالم الدراية معدل ميزان المعقول، والمنقول، ومنقح أغصان الفروع والأصول صدر الشريعة والإسلام، أعلى الله درجته في دار السلام - كتاب شامل لخلاصة كل مبسوط واف، ونصاب كامل من خزانة كل منتخب كاف، وبحر محيط بمستصفى كل مديد وبسيط، وكنز مغن عما سواه من كل وجيز ووسيط، فيه كفاية لتقديم ميزان الأصول وتهذيب أغصانها، وهو نهاية في تحصيل مباني الفروع وتعديل أركانها، نعم قد سلك منهاجا بديعا في كشف أسرار التحقيق، واستولى على الأمد الأقصى من رفع منار التدقيق، مع شريف زيادات ما مستها أيدي الأفكار، ولطيف ما فتق بها رتق آذانهم أولو الأبصار، ولهذا طار كالأمطار في الأقطار، وصار كالأمثال في الأمصار، ونال في الآفاق حظا من الاشتهار، ولا اشتهار الشمس في نصف النهار. وقد صادفت مجتازي ما وراء النهر لكثير من فضلاء الدهر أفئدة تهوى إليه وأكبادا هائمة عليه، وعقولا جاثية بين يديه، ورغبات مستوقفة المطايا لديه، معتصمين في كشف أستاره بالحواشي والأطراف، قانعين في بحار أسراره على اللآلئ بالأصداف لا تحل أنامل الأنظار عقد معضلاته ولا يفتح بنان البيان أبواب مغلقاته فلطائفه بعد تحت حجب الألفاظ مستورة وخرائده في خيام الأستار مقصورة ترى حواليها همما مستشرفة حامدا لله تعالى أولا وثانيا ولعنان الثناء إليه ثانيا وعلى أفضل رسله وآله مصليا
...................................................................... ..........................
الأعناق، ودون الوصول إليها أعينا ساهرة الأحداق، فأمرت بلسان الإلهام، لا كوهم من الأوهام، أن أخوض في لجج فوائده وأغوص على غرر فرائده، وأنشر مطويات رموزه، وأظهر مخفيات كنوزه، وأسهل مسالك شعابه، وأذلل شوارد صعابه، بحيث يصير المتن مشروحا، ويزيد الشرح بيانا ووضوحا، فطفقت أقتحم موارد الشهر في ظلم الدياجر، وأحتمل مكابد الفكر في ظمإ الهواجر، راكبا كل صعب وذلول، لاقتناص شوارد الأصول، ونازفا غلالة الجد في الأصول إلى مقاصد الأبواب والفصول، حتى استوليت على الغاية القصوى من أسرار الكتاب، وأمطت عن وجوه خرائد قناع الارتياب، ثم جمعت هذا الشرح المرسوم بالتلويح إلى كشف حقائق التنقيح. مشتملا على تقرير قواعد الفن وتحرير معاقده، وتفسير مقاصد الكتاب وتكثير فوائده، مع تنقيح لما آثر فيه المصنف بسط الكلام، وتوضيح لما اقتصر فيه على ضبط المرام، في ضمن تقريرات تنفتح لورودها أصداف الآذان، وتحقيقات تهتز لإدراكها أعطاف الأذهان، وتوجيهات ينشط لاستماعها الكسلان، وتقسيمات يطرب عند سماعها الثكلان، معولا في متون الرواية على ما اشتهر من الكتب الشريفة، ومعرجا في عيون الدراية على ما تقرر من النكت اللطيفة، وسيحمد الغائص في بحار التحقيق الفائض عليه أنوار التوفيق، ما أودعت هذا الكتاب الذي لا يستكشف القناع عن حقائقه إلا الماهر من علماء الفريقين، ولا يستهل للاطلاع على دقائقه إلا البارع في أصول المذهبين، مع بضاعة في صناعة التوجيه والتعديل، وإحاطة بقوانين، الاكتساب والتحصيل، والله سبحانه ولي الإعانة والتأييد، والملي بإفاضة الإصابة والتسديد، وهو حسبي ونعم الوكيل.
قوله: "حامدا" حال من المستكن في متعلق الباء أي بسم الله أبتدئ الكتاب حامدا آثر طريقة الحال على ما هو المتعارف عندهم من الجملة الاسمية والفعلية نحو الحمد لله وأحمد الله تسوية بين الحمد والتسمية ورعاية للتناسب بينهما فقد ورد في الحديث: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر" "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجزم" فحاول أن يجعل الحمد قيدا للابتداء حالا عنه كما وقعت التسمية كذلك إلا أنه قدم التسمية؛ لأن النصين متعارضان ظاهرا، إذ الابتداء بأحد الأمرين يفوت الابتداء بالآخر وقد أمكن الجمع بأن يقدم أحدهما على الآخر فيقع الابتداء به حقيقة وبالآخر بالإضافة إلى ما سواه فعمل بالكتاب الوارد بتقديم التسمية والإجماع المنعقد عليه وترك العاطف لئلا يشعر بالتبعية فيخل بالتسوية ولا يجوز أن يكون حامدا حالا من فاعل يقول؛ لأن قوله وبعد فإن العبد على ما في النسخة المقررة عند المصنف صارف عن ذلك. وأما على النسخة القديمة الخالية عن هذا الصارف فالظاهر أنه حال عنه. وأما تفصيل الحمد بقوله أولا وثانيا فيحتمل وجوها: الأول أن الحمد يكون على النعمة وغيرها فالله تعالى يستحق الحمد أولا بكمال ذاته وعظمة صفاته وثانيا بجميل نعمائه وجزيل
مخ ۶