شخصية القاضي عبد الوهاب
رزق الشيخ أبو محمَّد عبد الوهاب الفطنة والذكاء، وقوة العارضة وسرعة البديهة، والذاكرة الحافظة لما يمر عليها، ورهافة الحس، وذلك ما تنطق به آثاره القائمة شواهد على ذلك معلنة به.
وكان إلى جانب هذه المنح الإلهية التي خص بها، طيب المعشر وفيًا. ظنينًا بروابط صداقاته أن تتراخى.
فمن شعره:
لاتتعجل قطيعتي فكفى ... يوم أبي د الدهر بيننا تقطع
عما قليل تحين فرقتنا ... ثمت لا ملتقى ولا مجمع
ويروي ابن بسام (١) أنه لما كان على قضاء أسعرد بلغه عن أحد أدبائها أنه نوه به فذكر أنه مجيد في كل ما يريد إلا أنه ربما فتر قوله إذا شعر. فأنشأ القاضي يقول:
أبغي رضاكم جاهدًا حتى إذا ... أملت حسنى عادلي منكم أذى
إني لأصبح من تجن خائفًا ... وبسلمكم من حربكم متعوذا
فإلى م صبري للتعتب منكم ... وإلى م إغضائي الجفون على القذى
لو شئت أمّنني القريض من الذي ... أنا خائف ولكان لي مستنقذا
فيظل بي متململا متنغصا ... من كان قبل الشرّ بي متلذذا
لكنني أدعي الوداد وإن غدا ... غيري به متشدقا متطرمذا
وأظل يملكني الحنو عليكم ... وأكف عائر أسهمي أن ينفذا
وأجل قدري في المودة أن أرى ... بعد الحفاقالعهدهم أن ينبذا
ومنها:
إن تعتذر منها تجدني قابلًا ... أو رمت تجديد الوداد فحبذا
طبعي التجاوز عن صديق إن هفا ... وبغفر زلات الأخلاء اغتذى
وما كان تجاوزه إلا تعبيرًا عن علو نفسه وشهامته. واستمع إليه إذ يقول:
_________
(١) الذخيرة ج ٤ ص ٥١٧.
1 / 18