فقد تقدم معنى الحمد والشكر لغة واصطلاحا، والبحث هاهنا ه\عن كون الجملة في الحمد مضارعية وكونها فيما تقدم اسمية، فنقول إنما جئنا بنوعي الجملة لنحرز فائدتيهما، فإن الجملة الاسمية إنما تفيد الثبوت والدوام، والجملة المضارعية تفيد التجدد والحدوث فيكون في الجمع بين الجملتين، جمع بين الفائدتين وفيه التأسي بحديث الحمد لله أحمده، (والهدي) يطلق ويراد به التوحيد والتقديس، ويطلق على ما لا يعرف إلا من لسان الأنبياء من فعل أو م ترك، (والنعم) بكسر ا لنون جمع نعمة وهي الحالة التي يستلذ بها الإنسان، وهي إما دنيوية أو أخروية والأولى إما وهبية أو كسبية، والوهبية إما روحانية كنفخ الروح وما يتبعه، أو جسمانية كتخليق البدن وما يتبعه، والكسبية إما تخلية أو تحلية، واما الأخروية فهي مغفرة وما فرط منه وإثابته في مقعد صدق، (ومعنى استمد) أي أستزيد، أي أطلب زيادة شكره تعالى من كرمه، (والكرم) إفادة ما ينبغي لا لغرض فمن يهب المال لغرض جلبا للنفع وخلاصا عن الذم فليس بكريم، (والمعنى) أحمده سبحانه وتعالى على حصول الهدي لي مع تلك النعم التي صدرت منه إلى وأطلب منه زيادة شكره، أي أرغب أن ييسر لي الأسباب التي تعينني على أن أشكره على حصول ذلك الهدي وتلك النعم شكرا كثيرا، (واعلم) أن المصنف حمد الله تعالى هاهنا على حصول نعم له هي غير النعمة التي حمده عليها في أول الكلام، فيكون قد أدى بذلك فرضين، حيث أحدث لكل نعمة حمدا وهنا أبحاث، (أحدها) أن الهدي وإن كان من جملة النعم فهو أخص منها رتبة وأعلاها درجة، فكيف قال مع نعمة والظاهر أن ما بعد مع أشرف مما قبلها فإنك تقول الوزير مع السلطان ولا تعكس إلا لعارض فما وجه كلامه، (والجواب) عنه أنه لما كان الهدي من جنس النعم أعم منه، وأراد أن يخص الهدي بالذكر من بين سائر أفراد النعم ولم يتيسر له العطف، أضاف مع إلى النعم، وجعل النعم في حكم المقدم والهدي في حكم المؤخر، وإن تقدم فيكون ذلك كمن عطف خاصا على عام، فلا يستلزم أشر فيه النعم على الهدى، (وثانيها) لم عبر عن قوله وأشكره بقوله وأستمد شكره، (وجوابه) أن قوله وأستمد شكره من كرمه أبلغ من قوله وأشكره، لما فيه من طلب زيادة أساب الشكر منه تعالى، فكأنه نبه بذلك على عظم هذه النعم وكثرتها وعجز نفسه عن القيام بشكر بعضها فكيف بشكر جملتها، وفيه أيضا تنبيه على أن أفعال العبد كلها خلق الله تعالى، (ثالثها) ما وجه المناسبة بين قوله واستمد شكره وبين قوله من كرمه، (وجوابه) أن وجه المناسبة في ذلك ظاهر وهو ان الكرم صفة منها تستفاد المنافع، وزيادة الشكر من أكبر المنافع فناسب أن تضاف إلى الكرم ثم أنه لما فرغ من الثناء على الله تعالى بما هو له أهل له على تلك النعم التي بينها أخذ يؤدي ما أمر به في حق نبيه عليه الصلاة والسلام فقال:
مصليا على الرسول أحمدا أزكى صلاة وسلام أبدا.
مخ ۹