شرح طلعت شمس
شرح طلعة الشمس على الألفية
ژانرونه
ينسخ القرآن بالقرآن اتفاقا كما في قوله تعالى: { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } (البقرة: 240) الآية، نسخت بقوله تعالى: { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } (البقرة: 234)، وكذا نسخ وجوب ثبات الواحد للعشرة بوجوب ثبات الواحد للاثنين، ومن ذلك نسخ آية السيف لآيات كثيرة، كقوله تعالى: { وأعرض عن المشركين } (الحجر: 94)، ونحوها، وهذا النوع مثير، ولم يخالف في جواز وقوعه أحد من المسلمين إلا ما يحكى عن أبي مسلم محمد بن بحر الأصفهاني من منع جواز النسخ رأسا، فإن مذهبه متضمن لمنع نسخ القرآن بالقرآن أيضا، وقد بينا بطلان مذهبه فيما تقدم، وأنه محجوج بقوله تعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } (البقرة: 106)، ومحجوج أيضا بالإجامع قبل حدوث خلافه، فإنه لا خلاف بين أحد من الصحابة والتابعين في أن في القرآن الناسخ والمنسوخ، وبالجملة فمثل خلافه لا يعتد به، وإنما ذكرناه لننبه على خطئه في ذلك.
وينسخ أيضا القرآن بالسنة المتواترة أو المشهورة المتلقاة عند الأمة بالقبول، وذلك كنسخ الوصية للوالدين من قوله تعالى: { إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } (البقرة: 180) بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا وصية لوارث"، وكحبس الزواني في البيوت الواجب بقوله تعالى: { فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } (النساء: 15)، نسخ بقوله عليه الصلاة والسلام: "قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب الرجم" الحديث، وإنما صح نسخ القرآن بالسنة المشهورة؛ لأن السنة المشهورة المتلقاة بالقبول مقطوع بصدقها كالمتواتر، فالنسخ بالمشهور المتلقا بالقبول نسخ بدليل قطعي، ومنع الشافعي من جواز نسخ الكتاب العزيز بالمتواتر من السنة، واحتج على منع ذلك بأمرين:
أحدهما: قوله تعالى : { نأت بخير منها أو مثلها } (البقرة: 106)، قال: "والسنة ليست خيرا من الكتاب ولا مثله".
وثانيهما: قوله تعالى: { قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي } (يونس: 15).
وأجيب عن الأول: بأن المراد بخير منها هو ما كان خيرا للعباد، وإلا لزم تفاضل القرآن، والقرآن لا تفاضل فيه من حيث ذاته، واعترض بأنه تعالى أضاف الإتيان بالناسخ إلى نفسه، ولم يضفه إلى غيره، فهو دليل على أنه لا يكون ناسخا إلا ما أتى من عنده، ورد بأن الرسول { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } (النجم: 3-4)، فالجميع من عنده تعالى.
وأجيب عن الثاني: بأن ما جاء به الرسول وحي يوحى سواء كان قرآنا أو غير قرآن، وليس هو من تلقاء نفسه.
مخ ۲۹۰