عرف الأمر بأنه: طلب فعل غير كف لا على وجه الدعاء، فدخل في قوله: طلب فعل النهي، على مذهب من جعل الترك فعلا، لكن خرج بقوله غير كف؛ لأن النهي إنما هو: طلب فعل كف، وبعض يرى الترك ليس بفعل، فلم يذكر هذا القيد؛ لحصول التحرز عن النهي بقوله: طلب فعل، وخل أيضا الدعاء وهو: طلب العبد من ربه الهداية أو نحوها، لكنه خرج بقوله: لا على وجه الدعاء، فإن الطلب الجاري على وجه الدعاء، لا يسمى أمرا، وزاد بعضهم قيدا آخر هو: أن يكون على جهة الاستعلاء، وفسروه بأنه: طلب العلو، سواء كان ذلك موجودا في الآمر في نفس الأمر، أو غي موجود، واحترزوا بهذا القيد، من قول الرجل لمن يساويه مرتبة، افعل كذا، وهو غير مستعل عليه، فإن هذا عندهم يخص باسم الالتماس، وأسقط هذا القيد المصنف؛ لعدم احتياج الأمر إليه، فإن الطلب المخصوص يسمى أمرا، سواء حصل في الأمر صفة الاستعلاء، أو لم تحصل، وتخصيص الأمر للمساوي بالالتماس لا يمنع من تسميته أمرا حقيقيا، وهذا الطلب المخصوص بكونه أمرا، يكون بالقول المخصوص والموضوع للأمر حقيقة، نحو: (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وبالقول الذي لم يوضع لذلك، مع القرينة الدالة على المراد، نحو: (كتب عليكم الصيام) وقد يجيء بالفعل، لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر -رضي الله عنه- لما قضيت الصلاة: (ما منعك أن تصلي بالناس إذ أمرتك) ولم يكن هناك لفظ، بل دفعه، وقد يكون بالإشارة، كالإشارة إلى لجلوس والضرب ونحوها، ويستدل على كون ثبوت الإشارة أمرا، بالحديث السابق في الفعل، وبقوله تعالى: { فأوحى إليهم أن سبحوه بكرة وعشيا } مع قوله تعالى: { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا } وأيضا فالغرض من القول المخصوص، إنما هو فهم الخطاب منه، فإذا حصل ذلك الفهم بغير القول، وجب أن يعطى حكمه في الطلب وغيره، وتنقسم العبارة التي هي: اللفظ الدال على طلب فعل غير كف لا على وجه الدعاء إلى قسمين: (أحدهما) حقيقة في ذلك الطلب، وهو ما كان على وزن افعل، نحو: (أقيموا الصلاة) وما كان على وزن ليفعل، بلام الأمر نحو: (لينفق ذو سعة من سعته) ونحو:
مخ ۳۶