[مُقَدِّمَةُ الشَّارِحِ]
قَالَ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ إمَامُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: اعْلَمْ بِأَنَّ السِّيَرَ الْكَبِيرَ آخِرُ تَصْنِيفٍ صَنَّفَهُ مُحَمَّدٌ ﵀ فِي الْفِقْهِ.
وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ أَبُو حَفْصٍ ﵀ لِأَنَّهُ صَنَّفَهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ الْعِرَاقِ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ أَبِي يُوسُفَ ﵀ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، لِأَنَّهُ صَنَّفَهُ بَعْدَ مَا اسْتَحْكَمَتْ النَّفْرَةُ بَيْنَهُمَا، وَكُلَّمَا احْتَاجَ إلَى رِوَايَةِ حَدِيثٍ عَنْهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ، وَهُوَ مُرَادُهُ حَيْثُ يَذْكُرُ هَذَا اللَّفْظَ.
وَأَصْلُ سَبَبِ تِلْكَ النَّفْرَةِ الْحَسَدُ، عَلَى مَا حَكَى الْمُعَلَّى قَالَ: جَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدٌ فِي مَجْلِسِ أَبِي يُوسُفَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقُلْت لَهُ: مَرَّةً تَقَعُ فِيهِ وَمَرَّةً تُثْنِي عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: الرَّجُلُ مَحْسُودٌ. وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ ﵏ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ ﵀ فِي أَوَّلِ مَا قُلِّدَ الْقَضَاءَ كَانَ يَرْكَبُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى مَجْلِسِ الْخَلِيفَةِ، فَيَمُرُّ بِهِ طَلَبَةُ الْعِلْمِ، فَيَقُولُ أَبُو يُوسُفَ: إلَى أَيْنَ تَذْهَبُونَ؟ فَيُقَالُ لَهُ: إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: أَبَلَغَ مِنْ قَدْرِ مُحَمَّدٍ أَنْ يُخْتَلَفَ إلَيْهِ؟ وَاَللَّهِ لَأُفَقِّهَنَّ حَجَّامِي بَغْدَادَ وَبَقَّالِيهَا.
1 / 1
وَعَقَدَ مَجْلِسَ الْإِمْلَاءِ لِذَلِكَ، وَمُحَمَّدٌ ﵀ مُوَاظِبٌ عَلَى الدَّرْسِ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ حَالِ أَبِي يُوسُفَ ﵀ رَأَى الْفُقَهَاءَ يَمُرُّونَ بِهِ بُكْرَةً فَقَالَ: إلَى أَيْنَ؟ فَقَالُوا: إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ. قَالَ: اذْهَبُوا فَإِنَّ الْفَتَى مَحْسُودٌ.
وَسَبَبُهَا الْخَاصُّ مَا حُكِيَ أَنَّهُ جَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدٌ فِي مَجْلِسِ الْخَلِيفَةِ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ. فَخَافَ أَبُو يُوسُفَ أَنْ يُقَرِّبَهُ، فَخَلَا بِهِ فَقَالَ: أَتَرْغَبُ فِي قَضَاءِ مِصْرَ؟ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَا غَرَضُك فِي هَذَا؟ فَقَالَ: قَدْ ظَهَرَ عِلْمُنَا بِالْعِرَاقِ فَأُحِبُّ أَنْ يَظْهَرَ بِمِصْرَ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَتَّى أَنْظُرَ. وَشَاوَرَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابَهُ، فَقَالُوا: لَيْسَ غَرَضُهُ قَضَاءَكَ وَلَكِنْ يُرِيدُ أَنْ يُنَحِّيَك عَنْ بَابِ الْخَلِيفَةِ. ثُمَّ أَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَبَا يُوسُفَ أَنْ يُحْضِرَهُ مَجْلِسَهُ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّ بِهِ دَاءً لَا يَصْلُحُ مَعَهُ لِمَجْلِسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَةُ الْجُلُوسِ. قَالَ الْخَلِيفَةُ: نَأْذَنُ لَهُ بِالْقِيَامِ عِنْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ خَلَا بِمُحَمَّدٍ وَقَالَ: إنَّ أَمِيرَ الْمُومِنِينَ يَدْعُوك. وَهُوَ رَجُلٌ مَلُولٌ فَلَا تُطِلْ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ. فَإِذَا أَشَرْت إلَيْك فَقُمْ. ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَى الْخَلِيفَةِ، فَاسْتَحْسَنَ الْخَلِيفَةُ لِقَاءَهُ لِأَنَّهُ كَانَ ذَا جَمَالٍ وَكَلَامٍ وَاسْتَحْسَنَ كَلَامَهُ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ. فَفِي خِلَالِ ذَلِكَ الْكَلَامِ أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَنْ قُمْ. فَقَطَعَ الْكَلَامَ وَخَرَجَ، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ هَذَا الدَّاءُ لَكُنَّا نَتَجَمَّلُ بِهِ فِي مَجْلِسِنَا. فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ ﵀: لِمَ خَرَجْت
1 / 2
فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ فَقَالَ: قَدْ كُنْت أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَقُومَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَكِنَّ يَعْقُوبَ كَانَ (١٣ آ) أُسْتَاذِي فَكَرِهْت مُخَالَفَتَهُ. ثُمَّ وَقَفَ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا فَعَلَهُ أَبُو يُوسُفَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَبَبَ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا مَا نَسَبَنِي إلَيْهِ. فَاسْتُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ فِيهِ. وَلِذَلِكَ قِصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ. وَلَمَّا مَاتَ أَبُو يُوسُفَ لَمْ يَخْرُجْ مُحَمَّدٌ إلَى جِنَازَتِهِ. وَقِيلَ إنَّمَا لَمْ يَخْرُجْ اسْتِحْيَاءً مِنْ النَّاسِ، فَإِنَّ جَوَارِي أَبِي يُوسُفَ كُنَّ يُعَرِّضْنَ بِهِ فِيمَا يَبْكِينَهُ، عَلَى مَا يُحْكَى أَنَّ جَوَارِيَهُ كُنَّ يَقُلْنَ عِنْدَ الِاجْتِيَازِ بِبَابِ مُحَمَّدٍ:
الْيَوْمَ يَرْحَمُنَا مَنْ كَانَ يَحْسُدُنَا ... الْيَوْمَ نَتْبَعُ مَنْ كَانُوا لَنَا تَبَعًا
الْيَوْمَ نَخْضَعُ لِلْأَقْوَامِ كُلِّهِمْ ... الْيَوْمَ نُظْهِرُ مِنَّا الْحُزْنَ وَالْجَزَعَا
فَهَذَا بَيَانُ سَبَبِ النَّفْرَةِ.
فَأَمَّا سَبَبُ تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ السِّيَرَ الصَّغِيرَ وَقَعَ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرو الْأَوْزَاعِيِّ عَالِمِ أَهْلِ الشَّامِ. فَقَالَ: لِمَنْ هَذَا الْكِتَابُ؟ فَقَالَ: لِمُحَمَّدٍ الْعِرَاقِيِّ. فَقَالَ: وَمَا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَالتَّصْنِيفِ فِي هَذَا الْبَابِ؟ فَإِنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالسَّيْرِ. وَمَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ كَانَتْ مِنْ جَانِبِ الشَّامِ وَالْحِجَازِ دُونَ الْعِرَاقِ. فَإِنَّهَا مُحْدَثَةٌ فَتْحًا. فَبَلَغَ مَقَالَةُ الْأَوْزَاعِيِّ مُحَمَّدًا فَغَاظَهُ ذَلِكَ وَفَرَّغَ نَفْسَهُ حَتَّى صَنَّفَ هَذَا الْكِتَابَ. فَحَكَى أَنَّهُ لَمَّا نَظَرَ فِيهِ الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: لَوْلَا مَا ضَمَّنَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ لَقُلْت إنَّهُ يَضَعُ الْعِلْمَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ. وَإِنَّ اللَّهَ عَيَّنَ جِهَةَ إصَابَةِ الْجَوَابِ فِي رَأْيِهِ. صَدَقَ اللَّهُ ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٧٦] (*) .
ثُمَّ أَمَرَ مُحَمَّدٌ ﵀ أَنْ يُكْتَبَ هَذَا الْكِتَابُ فِي سِتِّينَ دَفْتَرًا، وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَجَلَةٍ إلَى بَابِ الْخَلِيفَةِ. فَقِيلَ لِلْخَلِيفَةِ: قَدْ صَنَّفَ مُحَمَّدٌ كِتَابًا يُحْمَلُ عَلَى
_________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: يناقش الشيخ محمد أبو زهرة وغيره من الباحثين هذا السبب لتأليف الكتاب ويرده؛ إذ لا مجال لتصديقه، لأن الإمام الأوزاعي توفي سنة (١٥٧هـ) والإمام محمد ولد سنة (١٣٢هـ) فيكون الأوزاعي قد توفي ومحمد عمره خمس وعشرون سنة، ومكث محمد نحو اثنتين وثلاثين سنة لا يؤلف، إذ إنه توفي سنة (١٨٩) أي بعد الأوزاعي باثنتين وثلاثين سنة، وهذا غير معقول ولا مقبول، ولا يتفق مع تاريخ الكتاب ولا مع حياة محمد - رضى الله عنه -.
وعلى ذلك فإن كلام السرخسي عن سبب تأليف الكتاب غير مقبول. . .
1 / 3
الْعَجَلَةِ إلَى الْبَابِ. فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَعَدَّهُ مِنْ مَفَاخِرِ أَيَّامِهِ. فَلَمَّا نَظَرَ فِيهِ ازْدَادَ إعْجَابُهُ بِهِ. ثُمَّ بَعَثَ أَوْلَادَهُ إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ ﵀ لِيَسْمَعُوا مِنْهُ هَذَا الْكِتَابَ وَكَانَ إسْمَاعِيلُ بْنُ تَوْبَةَ الْقَزْوِينِيُّ مُؤَدِّبَ أَوْلَادِ الْخَلِيفَةِ، فَكَانَ يَحْضُرُ مَعَهُمْ لِيَحْفَظَهُمْ كَالرَّقِيبِ، فَسَمِعَ الْكِتَابَ. ثُمَّ اتَّفَقَ أَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الرُّوَاةِ إلَّا إسْمَاعِيلُ بْنُ تَوْبَةَ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيُّ، فَهُمَا رَوَيَا عَنْهُ هَذَا الْكِتَابَ.
1 / 4
[سَنَدُ السَّرَخْسِيِّ] قَالَ ﵁: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَلْوَانِيُّ ﵀ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ: أَنَا الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْخَضِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّسَفِيُّ، أَنَا الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَأَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ الْخَطِيبُ الْمُهَلَّبِيُّ قَالَا: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحَارِثِيُّ قَالَ: ثِنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ دَاوُد السَّمْنَانِيُّ، ثِنَا أَبُو إبْرَاهِيمَ إسْمَاعِيلُ بْنُ تَوْبَةَ الْقَزْوِينِيُّ، ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ﵀.
قَالَ ﵁: كَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ شَيْخُنَا ﵀ يَقُولُ: قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: كُنَّا نَقْرَأُ هَذَا الْكِتَابَ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ ﵀ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إلَى أَبْوَابِ الْأَمَانِ تُوُفِّيَ ﵀ فَقَرَأْنَاهُ عَلَى الْخَطِيبِ الْمُهَلَّبِيِّ، فَإِلَى أَبْوَابِ الْأَمَانِ الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا وَالْبَاقِي عَنْ الْخَطِيبِ.
قَالَ ﵁: وَأَخْبَرَنَا بِهِ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّغْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: ثِنَا الْحَاكِمُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْكُفِينِيُّ، ثِنَا الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، ثِنَا أَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ بْنُ جَمِّ بْنِ عِصْمَةَ الْبَلْخِيُّ، أَنَا نَصْرُ بْنُ يَحْيَى، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ﵀. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ﵁: وَأَخْبَرَنَا بِهِ الشَّيْخُ الصَّالِحُ الثِّقَةُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مَنْصُورٍ الْبَزَّارُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: أَنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَرَّاقُ قَالَ: أَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إشْكَابَ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْقَزْوِينِيُّ، ثِنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ تَوْبَةَ الْقَزْوِينِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثِنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ.
1 / 5
[فَضِيلَة الرِّبَاط]
١ - عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ رَابَطَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ لَهُ كَصِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ. وَمَنْ قُبِضَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أُجِيرَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى سَلْمَانَ فَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِأَنَّ مَقَادِيرَ أَجْزِيَةِ الْأَعْمَالِ لَا تُعْرَفُ بِالرَّأْيِ بَلْ طَرِيقُ مَعْرِفَتِهَا التَّوْقِيفُ.
٢ - وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا: عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ مَرَّ بِشُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ. وَهُوَ مُرَابِطُ قَلْعَةٍ بِأَرْضِ فَارِسَ، فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُك بِحَدِيثٍ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَكُونُ لَكَ عَوْنًا عَلَى مَنْزِلِك هَذَا؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَرِبَاطُ يَوْمٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ. وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ مُرَابِطٌ أُجِيرَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَنُمِّيَ لَهُ عَمَلُهُ كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يَعْمَلُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
1 / 6
فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ حَدِيثٌ مِنْهُمْ فَتَارَةً كَانَ يَرْوِيهِ وَتَارَةً كَانَ يُفْتِي بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْوِي، فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ.
وَالْمُرَابَطَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُقَامِ فِي ثَغْرِ الْعَدُوِّ لِإِعْزَازِ الدِّينِ، وَدَفْعِ شَرِّ الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ (١٤ آ) . وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ رَبَطَ الْخَيْلَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ [الأنفال: ٦٠] فَالْمُسْلِمُ يَرْبِطُ خَيْلَهُ حَيْثُ يَسْكُنُ مِنْ الثَّغْرِ لِيُرْهِبَ الْعَدُوَّ بِهِ. وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ عَدُوُّهُ. وَلِهَذَا سُمِّيَ مُرَابَطَةً، لِأَنَّ مَا كَانَ عَلَى مِيزَانِ الْمُفَاعَلَةِ يَجْرِي بَيْنَ اثْنَيْنِ غَالِبًا، وَمِنْهُ سُمِّيَ الرِّبَاطُ رِبَاطًا لِلْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ فِي الْمَفَازَةِ لِيَسْكُنَهُ النَّاسُ لِيَأْمَنَ الْمَارَّةُ بِهِمْ مِنْ شَرِّ اللُّصُوصِ. وَجُعِلَ رِبَاطُ يَوْمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَصِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ.
٣ - وَقَدْ رُوِيَ بَعْدَ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ فَإِنَّهُ رُوِيَ: عَنْ مَكْحُولٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إنِّي وَجَدْت غَارًا فِي الْجَبَلِ فَأَعْجَبَنِي أَنْ أَتَعَبَّدَ فِيهِ وَأُصَلِّيَ حَتَّى يَأْتِيَنِي قَدَرِي. فَقَالَ ﵇: لَمُقَامُ أَحَدِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهِ سِتِّينَ سَنَةً فِي أَهْلِهِ» . وَهَذَا التَّفَاوُتُ إمَّا بِحَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ، فَكُلَّمَا كَانَ الْخَوْفُ أَكْثَرَ كَانَ الثَّوَابُ فِي الْمُقَامِ أَكْثَرَ. أَوْ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ مَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِ بِمُقَامِهِ، فَإِنَّ أَصْلَ هَذَا الثَّوَابِ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَتَحْصِيلِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ بِعَمَلِهِ. قَالَ ﵇: «خَيْرُ النَّاسِ مَنْ يَنْفَعُ النَّاسَ»
1 / 7
أَوْ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْأَوْقَاتِ فِي الْفَضِيلَةِ، وَبَيَانُهُ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ مَكْحُولٌ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَرِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مِنْ وَرَاءِ عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ مِائَةِ سَنَةٍ صِيَامِ نَهَارِهَا وَقِيَامِ لَيْلهَا. وَلَرِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مِنْ وَرَاءِ عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ عِبَادَةِ أَلْفِ سَنَةٍ صِيَامِ نَهَارِهَا وَقِيَامِ لَيْلِهَا. وَمَنْ قُتِلَ مُجَاهِدًا وَمَاتَ مُرَابِطًا فَحَرَامٌ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لَحْمَهُ وَدَمَهُ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَحَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَزَوْجَتَهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، وَحَتَّى يُشَفَّعَ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَيُجْرَى لَهُ أَجْرُ الرِّبَاطِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَفِي قَوْلِهِ: «أُجِيرَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ» دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ، فَإِنَّ الْفِتْنَةَ هُنَا بِمَعْنَى الْعَذَابِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ﴾ [الذاريات: ١٤] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [البروج: ١٠] أَيْ عَذَّبُوا. وَأَصْلُ الْفِتْنَةِ الِاخْتِبَارُ. يَقُولُ الرَّجُلُ: فَتَنْت الذَّهَبَ إذَا أَدْخَلَهُ النَّارَ لِيَخْتَبِرَهُ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢] (١٤ ب) أَيْ لَا يُبْتَلَوْنَ. وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَفَتَنَّاك فُتُونًا﴾ [طه: ٤٠] وقَوْله تَعَالَى: ﴿إنْ هِيَ إلَّا فِتْنَتُك﴾ [الأعراف: ١٥٥] بِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ أَيْضًا. وَمِنْهُ يُقَالُ: فَتَّانَا الْقَبْرِ؛ لِمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، فَإِنَّهُمَا يَخْتَبِرَانِ صَاحِبَ الْقَبْرِ بِالسُّؤَالِ عَنْ إيمَانِهِ.
وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِ: «أُجِيرَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ» أَيْ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ. فَكُلُّ أَحَدٍ
1 / 8
يُبْتَلَى بِهَذَا إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ لَمَّا سُوِّيَ التُّرَابُ عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ﵁ تَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ فَارْتَجَّ الْبَقِيعُ بِالتَّكْبِيرِ. فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ؛ فَقَالَ: إنَّهُ ضَغَطَهُ الْقَبْرُ ضَغْطَةً اخْتَلَفَتْ مِنْهَا أَضْلَاعُهُ، ثُمَّ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ. وَلَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ لَنَجَا هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ» . وَلَكِنْ فِي حَدِيثِ «عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: تِلْكَ الضَّغْطَةُ لِلْمُؤْمِنِ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدَةِ الشَّفِيقَةِ يَشْكُو إلَيْهَا ابْنُهَا الْبَارُّ بِهَا الصُّدَاعَ، فَتَضَعُ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهِ تَغْمِزُهُ، وَهِيَ لِلْمُنَافِقِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْضَةِ تَحْتَ الصَّخْرَةِ» . وَمَعْنَى هَذَا الْوَعْدِ فِي حَقِّ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ فِي حَيَاتِهِ كَانَ يُؤَمِّنُ الْمُسْلِمِينَ بِعَمَلِهِ فَيُجَازَى فِي قَبْرِهِ بِالْأَمْنِ مِمَّا يَخَافُ مِنْهُ.
أَوْ لَمَّا اخْتَارَ فِي حَيَاتِهِ الْمُقَامَ فِي أَرْضِ الْخَوْفِ وَالْوَحْشَةِ لِإِعْزَازِ الدِّينِ يُجَازَى بِدَفْعِ الْخَوْفِ وَالْوَحْشَةِ عَنْهُ فِي الْقَبْرِ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ الصَّائِمِينَ إذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُؤْتَوْنَ بِالْمَوَائِدِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَالنَّاسُ جِيَاعٌ عِطَاشٌ فِي الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُمْ اخْتَارُوا الْجُوعَ وَالْعَطَشَ فِي الدُّنْيَا فَجَازَاهُمْ اللَّهُ بِإِعْطَاءِ الْمَوَائِدِ فِي الْآخِرَةِ. وَقَوْلُهُ: «وَأَجْرَى عَلَيْهِ عَمَلَهُ وَنَمَّى لَهُ عَمَلَهُ» فَذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﷿ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء: ١٠٠] . وَقَالَ ﵇: «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَجَّةً مَبْرُورَةً فِي كُلِّ سَنَةٍ» . فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ أَيْضًا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا لِأَنَّهُ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَابِطِ إلَى فَنَاءِ الدُّنْيَا فِيمَا يُجْرَى لَهُ فِي الثَّوَابِ.
1 / 9
وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ كَانَ بِنِيَّتِهِ اسْتِدَامَةُ الرِّبَاطِ لَوْ بَقِيَ حَيًّا إلَى فَنَاءِ الدُّنْيَا، وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ. قَالَ ﵇: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» .
٤ - وَرَوَى مُحَمَّدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِلَيْلَةٍ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ: حَارِسٌ يَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي أَرْضِ خَوْفٍ لَعَلَّهُ لَا يَئُوبُ إلَى أَهْلِهِ أَوْ رَحْلِهِ» . فِي الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى الْحِرَاسَةِ لِلْغُزَاةِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، فَقَدْ جَعَلَ لَيْلَةَ الْحَارِسِ أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (١٥ آ) .
وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَارِسَ يَسْعَى لِإِزَالَةِ الْخَوْفِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّذِي يُحْيِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ يَسْعَى فِي فِكَاكِ نَفْسِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمُقَامُ سَاعَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ مِنْ إحْيَاءِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ» . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ثَلَاثَةُ أَعْيُنٍ لَا تَمْسَسْهَا نَارُ جَهَنَّمَ: عَيْنٌ فُقِئَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
وَقَوْلُهُ: «لَا يَئُوبُ إلَى أَهْلِهِ» . أَيْ يُسْتَشْهَدُ فِي وَجْهِهِ فَلَا يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ.
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَارِسَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِدَرَجَةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا بَاعَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [التوبة: ١١١] الْآيَةَ.
1 / 10
- قَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: أَخْبَرَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعُدَتْ مِنْهُ جَهَنَّمُ مَسِيرَةَ خَمْسِينَ عَامًا لِلرَّاكِبِ الْمُجِدِّ لَا يَفْتُرُ وَلَا يُعَرِّسُ. لَا يَفْتُرُ أَيْ لَا يَضْعُفُ، وَلَا يُعَرِّسُ أَيْ لَا يَنْزِلُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَهُوَ التَّعْرِيسُ.
وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْجِهَادِ، فَالطَّاعَاتُ كُلُّهَا سَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يُبْتَغَى بِهَا رِضَاءُ اللَّهِ تَعَالَى. غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْجِهَادُ. وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَشَدُّ عَلَى النَّفْسِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ. عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ قَالَ: أَحْمَزُهَا»، أَيْ أَشُقُّهَا عَلَى الْبَدَنِ. وَهَذَا أَبْلَغُ فِي قَهْرِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ. وَمَا رُوِيَ " عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ أَنَّهُ كَرِهَ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْمَشْيِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ. فَذَلِكَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْجِدَالِ فِي الْحَجِّ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀ فَقَالَ: إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا سَاءَ خُلُقُهُ وَجَادَلَ رَفِيقَهُ وَالْجِدَالُ فِي الْحَجِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَأَمَّا إذَا أَمِنَ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ. ثُمَّ بَيَّنَ مَسَافَةَ تَبْعِيدِ جَهَنَّمَ خَمْسِينَ عَامًا.
٦ - وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ السُّلَمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى بُوعِدَ مِنْ النَّارِ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ» .
1 / 11
وَفِي هَذَا اللَّفْظِ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا الْإِجْرَاءُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ جَهَنَّمَ تَبْعُدُ مِنْهُ. وَيُؤَيَّدُ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] ﴿لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾ [الأنبياء: ١٠٢] .
لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّبْعِيدِ الْأَمْنُ مِنْهُ، لِأَنَّ مَنْ كَانَ أَبْعَدَ عَنْ جَهَنَّمَ كَانَ آمِنًا مِنْهَا.
وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فِي التَّقْدِيرِ بِحَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي نِيَّةِ الْمُجَاهِدِ (١٥ ب) أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي بَيَانِ تَبْعِيدِ جَهَنَّمَ مِنْهُ لَا حَقِيقَةَ الْمَسَافَةِ، وَذِكْرُ السَّبْعِينَ وَالْخَمْسِينَ وَالْمِائَةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ. وَأَيَّدَ هَذَا قَوْله تَعَالَى ﴿إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ [التوبة: ٨٠] .
٧ - وَعَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ كَانَ يَهْتِفُ بِأَهْلِ مَكَّةَ فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ يَا أَهْلَ الْبَلْدَةِ أَلَا الْتَمِسُوا الْأَضْعَافَ الْمُضَاعَفَةَ فِي الْجُنُودِ الْمُجَنَّدَةِ وَالْجُيُوشِ السَّائِرَةِ. أَلَا وَإِنَّ لَكُمْ الْعُشْرَ وَلَهُمْ الْأَضْعَافُ الْمُضَاعَفَةُ.
وَهَذِهِ خُطْبَةُ الِاسْتِنْفَارِ لِتَحْرِيضِ النَّاسِ عَلَى الْجِهَادِ. وَقَدْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي مَوَاطِنَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾ [الأنفال: ٦٥] ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ عُمَرُ ﵁ فِي تَحْرِيضِ أَهْلِ مَكَّةَ حِينَ تَقَاعَدُوا عَنْ الْجِهَادِ.
1 / 12
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِمَكَّةَ مَشْرُوعٌ، يَنَالُ بِهَا الثَّوَابُ. أَشَارَ إلَيْهِ عُمَرُ ﵁ فِي قَوْلِهِ: أَلَا إنَّ لَكُمْ الْعُشْرَ، وَلَكِنَّ الثَّوَابَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَعْظَمُ، فَحَثَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ بِبَيَانِ تَحْصِيلِ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ لِكَيْ لَا يَتَخَلَّفُوا عَنْ الْجِهَادِ مُتَعَمِّدِينَ عَلَى أَنَّهُمْ جِيرَانُ بَيْتِ اللَّهِ وَسُكَّانُ حَرَمِهِ. وَاعْتَمَدَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَضْعَافِ الْمُضَاعَفَةِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٦١] . إلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاَللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦١] . فَإِذَا كَانَ هَذَا مَوْعُودًا لِمَنْ يُنْفِقُ الْمَالَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَنْ يَبْذُلُ نَفْسَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ أَوْلَى.
وَاَلَّذِي يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُجَاوَرَةَ بِمَكَّةَ، فَتَأْوِيلُهُ مَعْنَيَانِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَنْ كَثُرَ مُقَامُهُ بِمَكَّةَ يَهُونُ الْبَيْتِ فِي عَيْنِهِ لِكَثْرَةِ مَا يَرَاهُ، أَوْ لِكَيْ لَا يُبْتَلَى فِي الْحَرَمِ بِارْتِكَابِ الذُّنُوبِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥] .
٨ - وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى شِرْعَةٍ مِنْ الْإِسْلَامِ حَسَنَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ شَرِيعَةٍ مِنْ الْإِسْلَامِ (١٦ آ)، هُمْ فِيهَا لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرُونَ وَعَلَيْهِمْ ظَاهِرُونَ، مَا لَمْ يَصْبُغُوا الشَّعْرَ وَيَلْبَسُوا الْمُعَصْفَرَ وَيُشَارِكُوا الَّذِينَ كَفَرُوا فِي صَغَارِهِمْ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَانُوا قَمِنًا أَنْ يَنْتَصِفَ مِنْهُمْ عَدُوُّهُمْ. فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ النُّصْرَةِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مَا دَامُوا مُشْتَغِلِينَ بِالْجِهَادِ.
1 / 13
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ [محمد: ٧] . وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّهُمْ إذَا اشْتَغَلُوا بِالدُّنْيَا وَاتَّبَعُوا اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَأَعْرَضُوا عَنْ الْجِهَادِ يَظْفَرُ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " كَانُوا قَمِنًا " أَيْ خَلِيقًا وَجَدِيرًا. ثُمَّ كَنَّى عَنْ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ بِأَنْ يَصْبُغُوا الشَّعْرَ، يُرِيدُ بِهِ () الْخِضَابَ لِتَرْغِيبِ النِّسَاءِ فِيهِمْ. فَأَمَّا نَفْسُ الْخِضَابِ فَغَيْرُ مَذْمُومٍ بَلْ هُوَ مِنْ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ قَالَ ﵇: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَتَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» . وَقَالَ الرَّاوِي: رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ ﵁ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلِحْيَتُهُ كَأَنَّهَا ضِرَامُ عَرْفَجٍ، بِنَصْبِ الْعَيْنِ وَرَفْعِهِ مَرْوِيَّانِ. يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ مَخْضُوبَ اللِّحْيَةِ. فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الْغُزَاةِ لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي عَيْنِ الْأَعْدَاءِ كَانَ ذَلِكَ مَحْمُودًا مِنْهُ. فَأَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: كَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي يُعْجِبُهَا أَنْ أَتَزَيَّنَ لَهَا.
وَقَوْلُهُ: " وَيَلْبَسُوا الْمُعَصْفَرَ "، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لُبْسَ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ مَكْرُوهٌ. وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ، وَعَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ. وَقَالَ ﵇: إيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا زِيُّ الشَّيْطَانِ» . وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ: «رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعَلَيَّ مِلْحَفَةٌ حَمْرَاءُ فَأَعْرَضَ عَنِّي بِوَجْهِهِ، فَذَهَبْت وَأَحْرَقْتهَا، ثُمَّ رَآنِي فَقَالَ: مَا فَعَلْت بِالْمِلْحَفَةِ؟ قُلْت: أَحْرَقْتهَا حِينَ
1 / 14
رَأَيْتُك أَعْرَضْت عَنِّي، فَقَالَ: هَلَّا أَعْطَيْتهَا بَعْضَ أَهْلِك»؟ وَمَا رُوِيَ بَعْدَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ «الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْت ذَا لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» . فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ كُرِهَ اسْتِعْمَالُهَا لِلرِّجَالِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَمَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ، فَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُمْ أَرَادُوهُ لِلْقَضَاءِ مِرَارًا فَلَبِسَ الْمُعَصْفَرَ وَلَعِبَ الشِّطْرَنْجَ وَكَانَ يَخْرُجُ مَعَ الصِّبْيَانِ لِنَظَرِ الْفِيلِ. حَتَّى رَأَوْا ذَلِكَ مِنْهُ فَتَرَكُوهُ. وَقَوْلُهُ: " وَيُشَارِكُونَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي صَغَارِهِمْ " أَيْ الْتَزَمُوا الْخَرَاجَ وَاشْتَغَلُوا بِالزِّرَاعَةِ وَقَعَدُوا عَنْ الْجِهَادِ. فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ حُجَّةٌ لِمَنْ كَرِهَ الِاشْتِغَالَ بِالزِّرَاعَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «أَنَّهُ رَأَى شَيْئًا مِنْ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ فِي بَيْتِ قَوْمٍ. فَقَالَ: مَا دَخَلَ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إلَّا ذَلُّوا حَتَّى كَرَّ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ» (١٦) . وَلَكِنَّ تَأْوِيلَهُ عِنْدَنَا إذَا أَعْرَضُوا عَنْ الْجِهَادِ.
فَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالِاشْتِغَالِ بِالزِّرَاعَةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَزْدَرَعَ بِالْجَرْفِ، هُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ. وَلَا بَأْسَ بِالْتِزَامِ الْخَرَاجِ وَتَمَلُّكِ الْأَرَاضِيِ الْخَرَاجِيَّةِ، فَإِنَّ الصَّغَارَ فِي خَرَاجِ الرُّءُوسِ لَا فِي خَرَاجِ الْأَرَاضِيِ، فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ كَانَتْ لَهُمْ أَرَاضٍ خَرَاجِيَّةٌ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ، وَكَانُوا يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ مِنْهَا.
٩ - وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ ﵀ بَعْدَ هَذَا عَنْ عُثْمَانَ ﵁ أَنَّهُ قَامَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ خُذُوا بِحَظِّكُمْ مِنْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. أَلَا تَرَوْنَ إلَى إخْوَانِكُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ مِصْرَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ؟
1 / 15
فَوَاَللَّهِ لَيَوْمٌ يَعْمَلُهُ أَحَدُكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ يَعْمَلُهُ فِي بَيْتِهِ صَائِمًا قَائِمًا لَا يُفْطِرُ وَلَا يَفْتُرُ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " قَامَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ " يَعْنِي قَامَ خَطِيبًا، وَهَذِهِ أَيْضًا كَانَتْ خُطْبَةَ اسْتِنْفَارٍ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ ﵁ بِأَهْلِ مَكَّةَ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْمَرْءِ أَنْ يَحْلِفَ صَادِقًا بِاَللَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ عُثْمَانَ ﵁ حَلَفَ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَعْدِ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ. ثُمَّ عَيَّرَهُمْ عُثْمَانُ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ [وَالْعِرَاقِ]، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَقَاعَدُوا عَنْ الْجِهَادِ، تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ. وَمَعْنَى هَذَا التَّفْصِيلِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ فِي الْجِهَادِ إعْزَازَ الدِّينِ وَقَهْرَ الْمُشْرِكِينَ وَدَفْعَ شَرِّهِمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ. وَذَلِكَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي عَمَلِ مَنْ يُقِيمُ فِي أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ.
١٠ - وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا طَاوُسٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَنِي بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ، وَجَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ رُمْحِي أَوْ ظِلِّ رُمْحِي، وَجَعَلَ الذُّلَّ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَنِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» .
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «بَعَثَنِي بِالسَّيْفِ» أَيْ بَعَثَنِي بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا قَالَ ﵇: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»، وَلِأَنَّ الْقِتَالَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ وَخُصَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ، وَصِفَتُهُ فِي التَّوْرَاةِ: نَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ عَيْنَاهُ حَمْرَاوَانِ مِنْ شِدَّةِ الْقِتَالِ.
1 / 16
وَفِي صِفَةِ أُمَّتِهِ: أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ، وَسُيُوفُهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي قَوْلِهِ ﵇: «السُّيُوفُ أَرْدِيَةُ الْغُزَاةِ» . وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأَرْبَعَةِ سُيُوفٍ: سَيْفٌ لِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بَاشَرَ بِهِ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ. وَسَيْفٌ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ [الفتح: ١٦] فَقَاتَلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ ﵁ (١٧ آ) بَعْدَهُ فِي حَقِّ مَانِعِي الزَّكَاةِ. وَسَيْفٌ لِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ﴾ [التوبة: ٢٩] إلَى أَنْ قَالَ: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] فَقَاتَلَ بِهِ عُمَرُ ﵁. وَسَيْفٌ لِقِتَالِ الْمَارِقِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٩] فَقَاتَلَ بِهِ عَلِيٌّ ﵁ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أُمِرْت بِقِتَالِ الْمَارِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ. وَقَوْلُهُ: " بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ " أَيْ بِالْقُرْبِ مِنْ الْقِيَامَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ﴾ [القمر: ١] وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا﴾ [النازعات: ٤٣] فِيمَ السُّؤَالُ عَنْ السَّاعَةِ وَأَنْتَ مِنْ أَشْرَاطِهَا؟ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " وَجَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ رُمْحِي أَوْ ظِلِّ رُمْحِي "، قِيلَ هَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ كَانَ الْغَازِي إذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ فَرَكَزَ رُمْحَهُ عِنْدَ قَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُضِيفُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحَ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ يُغَرِّمَهُمْ،
1 / 17
ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﵇: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبَةِ نَفْسٍ مِنْهُ» .
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ حِلُّ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِنَّهَا [مَا] كَانَتْ تَحِلُّ لِأَحَدٍ قَبْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ [الأنفال: ٦٩] . وَقَالَ ﷺ: «خُصِّصَتْ بِخَمْسٍ» وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا حِلَّ الْغَنَائِمِ.
وَلَمْ يُرِدْ بِالظِّلِّ حَقِيقَةَ الظِّلِّ، لَكِنْ أَرَادَ بِهِ الْأَمَانَ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ: السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ. يُرِيدُ بِهِ الْأَمَانَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَنِي» أَيْ ذُلُّ الشِّرْكِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨] فَهَذَا بَيَانُ الذُّلِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ الصَّغَارِ صَغَارُ الْجِزْيَةِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] . وَقَوْلُهُ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»، أَيْ تَشَبَّهَ بِالْمُجَاهِدِينَ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُمْ وَالسَّعْيِ فِي بَعْضِ حَوَائِجِهِمْ وَتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ، فَيَكُونُ مِنْهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ. وَفِي مِثْلِ هَذَا قَالَ ﵇: «هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ» . فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ.
١١ - وَذُكِرَ بَعْدَ هَذَا عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ «لَمَّا قُتِلَ ابْنُ رَوَاحَةَ قَالَ ﵇: كَانَ أَوَّلَنَا فُصُولًا وَآخِرَنَا قُفُولًا، وَكَانَ يُصَلِّي الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا» فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالثَّنَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ بِمَا هُوَ فِيهِ. وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ بِذِكْرِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " أَوَّلَنَا فُصُولًا " أَيْ مِنْ الصَّفِّ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُبَارَزَة " وَآخِرُنَا قُفُولًا " أَيْ رُجُوعًا عَنْ الْقِتَالِ، فَبَيَّنَ شِدَّةَ رَغْبَتِهِ فِي الْجِهَادِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ.
1 / 18
قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: ١٤٨] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ١٣٣] . وَبَيَّنَ شِدَّةَ صَبْرِهِ عَلَى الْقِتَالِ حَيْثُ (١٧ ب) كَانَ آخِرَهُمْ رُجُوعًا. وَهُوَ صِفَةُ مَدْحٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، أَيْ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الْقِتَالِ كَانَ يَحْفَظُ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، وَهُوَ أَشَقُّ مَا يَكُونُ عَلَى الْمُجَاهِدِ، وَهُوَ صِفَةُ مَدْحٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ [البقرة: ٢٣٨] . وَجَاءَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: ﴿إلَّا مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: ٨٧] أَنَّهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي وَقْتِهَا. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يُجِيز الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ، وَالْجِهَادُ أَبَدًا يَكُونُ فِي حَالِ مَا يَكُونُ مُسَافِرًا. وَمَعَ هَذَا مَدَحَهُ عَلَى مُحَافَظَةِ الصَّلَوَاتِ فِي وَقْتِهَا، وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ جَائِزًا لَمَا اسْتَقَامَ ذَلِكَ.
١٢ - وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا عَنْ مَعْبَدِ قَالَ: إذَا زَرَعَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ نُزِعَ مِنْهُمْ النَّصْرُ وَقُذِفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبُ.
وَرُوِيَ بَعْدَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿إنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٩] أَهُوَ التَّعَرُّبُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ الزَّرْعُ.
وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثَيْنِ وَاحِدٌ. فَتَأْوِيلُ الْأَوَّلِ: إذَا زَرَعَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ
1 / 19
يَعْنِي إذَا اشْتَغَلُوا بِالزِّرَاعَةِ وَأَعْرَضُوا عَنْ الْجِهَادِ أَصْلًا نُزِعَ مِنْهُمْ النَّصْرُ. فَأَمَّا إذَا اشْتَغَلَ الْبَعْضُ بِالزِّرَاعَةِ وَالْبَعْضُ بِالْجِهَادِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَتَقَوَّى الْمُقَاتِلُ بِمَا يَكْتَسِبُهُ الزَّارِعُ وَيَأْمَنَ الزَّارِعُ [بِمَا] يَذُبُّ الْمُقَاتِلُ عَنْهُ.
قَالَ ﵇: «الْمُؤْمِنُونَ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» . وَهَذَا لِأَنَّ الْكُلَّ إذَا اشْتَغَلُوا بِالْجِهَادِ لَا يَتَفَرَّغُونَ لِلْكَسْبِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى مَا يَأْكُلُونَ وَيَعْلِفُونَ دَوَابَّهُمْ، فَلَا يَجِدُونَ فَيَعْجِزُونَ عَنْ الْجِهَادِ، فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْصِ. ثُمَّ فَهِمُوا مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ التَّعَرُّبَ. وَهُوَ الْمُقَامُ بِالْبَادِيَةِ وَتَرْكُ الْهِجْرَةِ لِلْقِتَالِ.
وَكَأَنَّهُمْ اعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ ظَاهِرَ قَوْله تَعَالَى ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا﴾ [التوبة: ٩٧] فَبَيَّنَ لَهُمْ عَلِيٌّ ﵁ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْجِهَادِ بِالِاشْتِغَالِ بِالزِّرَاعَةِ، وَأَيَّدَ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْله تَعَالَى: ﴿إنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: ١٤٩] وَهَذَا لِأَنَّ طَاعَةَ الْكُفَّارِ فِيمَا يَطْلُبُونَ مِنَّا، وَهُمْ يَطْلُبُونَ مِنَّا الْإِعْرَاضَ عَنْ الْجِهَادِ لَا نَفْسَ الزِّرَاعَةِ.
١٣ - وَذَكَرَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ «أَنَّ رَجُلًا وَضَعَ قَرْنًا لَهُ، أَيْ جَعْبَةً، وَقَامَ يُصَلِّي. فَاحْتَمَلَ رَجُلٌ قَرْنَهُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ نَظَرَ فَلَمْ يَرَ قَرْنَهُ، فَأَفْزَعَهُ ذَلِكَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» .
مِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي: فَاحْتَلَّ، أَيْ حَلَّهُ لِيُخْرِجَ بَعْضَ مَا فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ
1 / 20