الجزء الأوّل [المقدمة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير أنبيائه ورسله وخير من أشرقت عليه الشمس سيّدنا ونبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد؛ فإن كتاب «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» للقاضي عياض، من الكتب التي عدّها كثير من العلماء والمحققين من خير الكتب في موضوعه، فقد قال عنه المقري في أزهار الرياض: مما كمل تأليفه، رضوان الله عليه، «الشفا» الذي بلغ فيه الغاية القصوى، وسار صيته شرقا وغربا، ولقد لهجت به الخاصة والعامة، عجما وعربا، ونال به مؤلفه وغيره من الرحمن قربا. ثم قال: وفضائل هذا الكتاب لا تستوفى، ولا يمتري من سمع كلامه العذب السهل المنور في وصف النبي ﷺ أو وصف إعجاز القرآن، أن تلك نفحة ربانية، ومنحة صمدانية، خص الله بها هذا الإمام، وحلاه بدرها النظيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. وقال القاري: كتاب «الشفا» في شمائل صاحب الاصطفاء أجمع ما صنف في بابه مجملا في الاستيفاء. وقد اعتنى الأئمة بشرح هذا الكتاب والتعليق عليه، وكما اعتنى الناس بذلك اعتنوا أيضا بتصحيحه وضبطه وإتقانه. فمن العلماء الذين شرحوا الشفا، نذكر: ١- الشهاب الخفاجي، وقد شرحه شرحا مطولا، أسماه: «نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض» . ٢- شرح «الملّا علي القاري» وقد شرحه شرحا متوسط الطول. وهو الكتاب الذي بين أيدينا. ٣- الشيخ حسن العدوي الحمزاوي، وقد شرحه شرحا مختصرا، وأسماه: «المدد الفياض» .

1 / 3

٤- كتاب «مزيل الخفا عن ألفاظ الشفا» تأليف العلامة تقي الدين أحمد بن محمد بن حسن الشمني التميمي الداري الحنفي. ٥- كتاب «المقتفى في حل ألفاظ الشفا» تأليف العلامة برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي سبط ابن العجمي. ٦- ولما كان القاضي عياض قد اعتمد في مؤلفه «الشفا» على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فقد عنى السيوطي به، وخرّج أحاديثه في كتابه: «مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا» .

1 / 4

ترجمة القاضي عياض هو عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض بن محمد بن عبد الله بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي. وهو من أهل سبتة، وأصله من مدينة بسطة. ولد في منتصف شعبان من سنة ست وسبعين وأربعمائة، وتوفي، ﵀، بمراكش مغربا عن وطنه وسط سنة أربع وأربعين وخمسمائة. وقدم الأندلس طالبا للعلم، فأخذ بقرطبة عن جلة علمائها. وأخذ بالمشرق عن القاضي الصدفي، وعن غيره وعني بلقاء الشيوخ والأخذ عنهم، وجمع من الحديث كثيرا، وله عناية كبيرة به واهتمام بجمعه وتقييده. وقد استقضى ببلده، مدينة سبتة، مدة طويلة حمدت سيرته فيها، ثم نقل منها إلى قضاء غرناظة، فلم تطل مدته بها. وقال هو عن نسب أجداده: استقر أجدادنا في القديم بجهة بسطة من بلاد الأندلس، ثم انتقلوا إلى مدينة فاس وكان لهم استقرار بالقيروان، فلا أدري أكان قبل استقرارهم بالأندلس أم بعد. قال: وكان عمرون والد جد أبي رحمة الله على جميعهم، رجلا خيرا صالحا، من أهل القرآن، انتقل من مدينة فاس إلى مدينة سبتة بعد دخول بني عبيد المغرب «١» . وقال عنه ابنه: نشأ أبي على عفة وصيانة، مرضيّ الحال، محمود الأقوال والأفعال، موصوفا بالنّبل والفهم والحذق طالبا للعلم، حريصا مجتهدا فيه، معظما _________ (١) الصلة (١/ ٤٥٣)، أزهار الرياض (١/ ٢٨) .

1 / 5

من الأشياخ من أهل العلم، كثير المجالسة لهم، والاختلاف إليهم، إلى أن برع أهل زمانه، وساد جملة أقرانه؛ فكان من حفاظ كتاب الله تعالى، مع القراءة الحسنة، والحظ الوافر من تفسيره وجميع علومه. وكان من أئمة الحديث في وقته، أصوليا متكلما، فقيها حافظا للغة والأخبار والتواريخ، حلو الدعابة، صبورا حليما، حسن العشرة جوّادا سمحا، دؤوبا على العمل، صليبا في الحق «١» . وفي أزهار الرياض يتمثل بقول ابن عاصم في وصف عياض: قد كان، ﵀، علم الكمال، ورجل الحقيقة، وقارا لا يخفّ راسيه، ولا يعري كاسيه، وسكونا لا يطرق جانبه، ولا يرهب غالبه؛ وحلما لا تزل حصاته، ولا تمهل وصاته، وانقباضا لا يتعدّى رسمه، ولا يتجاوز حكمه؛ ونزاهة لا ترخص قيمتها، ولا تلين عزيمتها، وذهنا لا يخبو نوره، ولا ينبو مطروده، وفهما لا يخفى فلقه، وحفظا لا يسبر غوره، ولا يذبل نوره، وطلبا لا تتحد فنونه، ولا تتعيّن عيونه، بل لا تحصر معارفه، ولا تقصر مصارفه «٢» . وقال الملاحي: كان القاضي ﵀ بحر علم، وهضبة دين وحلم، أحكم قراءة كتاب الله بالسبع، وبلغ من معرفته الطول والعرض، وبرّز في علم الحديث، وحمل راية الرأي ورأس في الأصول، وحفظ أسماء الرجال، وثقب في علم النحو، وقيّد اللغة، وأشرف على مذاهب الفقهاء وأنحاء العلماء، وأعراض الأدباء «٣» . وقال المقري في أزهار الرياض: وكان القاضي أبو الفضل كثير الاعتناء بالتقييد والتحصيل. قال ابن خاتمة: كان لا يبلغ شأوه، ولا يبلغ مداه في العناية بصناعة الحديث، وتقييد الآثار، وخدمة العلم من حسن التفنّن فيه، والتصرف الكامل في فهم معانيه، إلى اضطلاعه بالأداة، وتحققه بالنظم والنثر، ومهارته في الفقه، ومشاركته في اللغة _________ (١) أزهار الرياض (٣/ ٢٧) . (٢) أزهار الرياض (٣/ ٦) . (٣) أزهار الرياض (٣/ ٧) .

1 / 6

والعربية، وبالجملة فقد كان جمال العصر، ومفخر الأفق، وينبوع المعرفة، ومعدن الإفادة، وإذا عدّت رجالات المغرب فضلا عن الأندلس حسبناه منهم. وقال: وكان، ﵀، معظّما للسنّة، عالما عاملا، خاشعا قانتا، قوّالا للحق، لا يخاف في الله لومة لائم، وكان معتنيا بضبط الألفاظ النبوية على اختلاف طرقها، وكتابه «المشارق» أزكى شاهد على ذلك. وكان حاضر الجواب، حادّ الذهن، متوقّد الذكاء، جامعا للفنون، أخذ منها بالحظ الأوفر، وكان بارع الخط المغربي، حسن العبارة، لطيف الإشارة؛ وتآليفه شاهدة بذلك. وله في الفقه المالكي اليد الطولى، وعليه المعوّل في حل ألفاظ المدونة، وضبط مشكلاتها، وتحرير رواياتها، وتسمية رواتها.

1 / 7

اصول - د اسلامي متنونو لپاره څیړنیز اوزار

اصول.اي آی د اوپنITI کورپس څخه زیات له 8,000 اسلامي متونو خدمت کوي. زموږ هدف دا دی چې په اسانۍ سره یې ولولئ، لټون وکړئ، او د کلاسیکي متونو د څیړلو کولو لپاره یې آسانه کړئ. لاندې ګډون وکړئ ترڅو میاشتني تازه معلومات په زموږ د کار په اړه ترلاسه کړئ.

© ۲۰۲۴ اصول.اي آی بنسټ. ټول حقوق خوندي دي.