ثم دعا على الريح، ولم يدع لها، ودعا للسيل، ولم يدع عليه؛ لأن الريح اعترضت سيف الدولة في مسيره، ولم تسعده على شيء من أموره، والسحاب وإن كان رام ثنيه بوبله، ووعر طريقه بسيله، فإنما تلاه متعلمًا من جوده، وصحبه مسعدًا له على رأيه، قاضيًا لذمام القبر الذي قصده، ومروضًا بسقياه للربع الذي اعتمده. فيقول: ضل سعي هذه الريح، ووفق لهداه هذا السيل، ماذا تريده هذه، وماذا يقصده هذا، حين يعترضان سيف الدولة في مسيره، ويجاهران بالخلاف على أمره.
ألم يَسْألِ الوَبْلُ الذي رَامَ تَيْنَنَا ... فَيُخْبِرَهُ عَنْكَ الحَديدُ المُثَلِّمُ
ثم قال: ألم يسأل الوبل الذي رام ثنينا بسكنه، واعترضنا في طريقنا بسيله، كاشفًا عن أمره سيف الدولة، ومستفهمًا عن حاله، فيخبره الحديد الذي ثلمته وقائعه، وكسرته بالجلاد كتائبه، ويعلمه بأنه الذي لا يرد عزائمه، ولا تواجه بالاعتراض مطالبه.
وَلَّمَا تَلَقَّاكَ السَّحَابُ بِصَوْبِهِ ... تَلَقَّاهُ أعْلى منه كَعْبًا وَأكْرَمُ
فَبَاشَرَ وَجْهًا طَالَ ما بَاشَر القَنَا ... وَبَلَّ ثِيَابًا طَالَ ما بَلَّها الدَّمُ