قلنا: ولا يجوز أن يريد سبحانه بذكر إلحاقهم بهم في أحكام الآخرة لأمرين:
أحدهما: القرينة اللفظية في آخر الآية وهو قوله تعالى: {كل امرئ بما كسب رهين(21)}[الطور] ، فثبت بذلك أن أحدا لا يلحقه حكم أبيه في الآخرة، وقد خالفتنا([2]) في ذلك المجبرة، ولا وجه لذكر خلافهم ها هنا.
والثاني: القرينة المعنوية في وسط الآية وهي قوله تعالى: {وما ألتناهم من عملهم من شيء}[الطور:21] ، فنبه سبحانه بذلك على أنه يريد الإلحاق في أحكام الدنيا؛ لأن الألت في أصل اللغة هو النقص ، والنقص من عمل العامل لا يجوز عليه سبحانه، فلزم من ذلك أن أولادهم لا يشركون في أحكامهم الأخروية، لأن التبعيض يوجب النقص بالإتفاق؛ ولأن ثواب العمل لا يستحقه إلا عامله، خلافا للمجبرة على ما ذلك مقرر في مواضعه من كتب العدل.
ولا يجوز أن يلحقهم بهم سبحانه في مجموع الأمرين من أحكام الدنيا والآخرة، لما بينا من الموانع أن يراد بذلك أحكام الآخرة، فلم يبق إلا أن المراد بذلك إلحاقه لهم بهم في أحكام الدنيا، وإلا تعرت الآية الشريفة من الفائدة رأسا، وذلك لا يجوز، فلم يبق إلا أن المراد بذلك إلحاقه سبحانه لهم بأبائهم في أحكام الدنيا فيما عليهم ولهم، فبذلك قضى الله تعالى على أولاد الأرقاء بالرق في هذه الدنيا وهو حكم آبائهم ليصبروا، وقضى لأولاد الأنبياء -عليهم السلام- بالإمامة والزعامة إلحاقا لهم بحكم آبائهم ليشكروا، فمن شكر من هؤلاء أجر ، ومن صبر من أولئك أجر، ومن كفر من هؤلاء ثبر([3]) ، ومن جزع من أولئك دحر([4]) ، فلا وجه لمتأمل ينكر به ما ذكرنا من وجوه الإستدلال، والحمد لله.
مخ ۱۰۲