قوله تعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه(24)}[عبس]، معناه نظر
القلب الذي هو الفكر، والنظر في عجائب الصنع؛ لأن النظر بالأعيان قد وقع من الكافة، وهو لحكمته لا يأمر بالواقع، ولعمري إن من أنعم النظر فيما ذكر سبحانه حصل له العلم به تعالى على أبلغ الوجوه، لأن الماء واحد، والأرض واحدة، والهواء واحد، والحبة واحدة، والتأثير في الحبة الواحدة مختلف، إذ بعضها يهبط إلى أسفل، وبعضها يصعد إلى أعلى، وبعضها قشر، وبعضها لب، وبعضها ورق، وبعضها عمود، وبعضها غصن، وهي واحدة فيأتي منها أعداد أكثر منها يعسر حصرها لكثرتها، وربما اختلفت ألوانها، بل قد شاهد الكافة ذلك، ثم جميع ذلك يحصل في وقت بعد وقت، شيئا بعد شيء، والعلل موجودة عند من قال بها، والمعلول لا يجوز تراخيه عن علته([23]) وإلا انتقض كونها علة فيه، فحينئذ يضطر الناظر العاقل إلى إثبات الصانع، المختار، ونفي العلل.
[سبب البسط في تفسير هذا البيت]
واعلم أن العلة في بسط الكلام في معنى هذا البيت الذي فيه ذكر الأرواح إعتراض رجلين من الإخوان : أحدهما من العترة -عليهم السلام-، والثاني من شيعتهم -تولى الله توفيقهم- في أمر الأرواح وذكرها، فقاد الكلام بعضه بعضا، والفائدة واقعة في الجميع.
ثم لنرجع إلى ذكر معاني ألفاظ البيت:
(الأرواح): جمع الريح والروح لما بينهما من الأخوة - أعني
الياء والواو ، ولأنهما جمعا للقلة، ولأن الروح من قبيل الريح وجنسها، فالروح ما قدمنا ذكره.
[ذكر أنواع الرياح]
والرياح أربع: قبول ودبور وشمال وجنوب، فالقبول ما أقبل من مطلع الشمس وهي الصبا، والدبور ما أتى من جهة الغرب، سمي دبورا لاستدباره البيت الحرام، والجنوب من ناحية اليمن، والشمال من جهة الشام، ولها أسماء كثيرة ولا وجه لتطويل الكلام بها.
وكل ريح اعترضت بين ريحين فهي نكباء.
مخ ۶۱