شرح المشکل له شاعر المتنبي
شرح المشكل من شعر المتنبي
العثير: ماء اي غطى مالُهُمُ البيداء، في هذا الموضع المسمى بالعثير، حتى تحيرت متالية وعشاره: اي أعز أولادها، وذلك لكثرة العدد، وغزارة المَدَد.
) وَجيشٍ كلما حارُوا بأرضٍ ... وأقبل أقبلتْ فيه تحارُ (
اي أن سيف الدولة تبع بنى كعب بجيشه، فكان الكعبيون كلما مروا بأرض واسعة حاروا فيها وكان جيش سيف الدولة كلما مروا بتلك الأرض التي حار أولئك فيها، حارتِ الأرض فيه، وذلك لعظمه، وحمهور أممه، مع ما خالط الكعبيين من الخَوَر، وهؤلاء من التحدث بالظفر. فالضمير في حاروا راجع إلى هؤلاء المتبوعين، وغي أقلب: راجع إلى الجيش. وكذلك الهاء في قوله) فيه (راجعة إليه أيضًا.
) وَأجفَل الفُرات بنُو نُميرٍ ... وزأرُهُم الذي زأرُوا خُولرُ (
الزئير للأسد، والخُوار للضأن، يقول: كانوا أسدًا قبل لقاء سيف الدولة، فعادوا ضأنًا عند لقائه. وكنى بالزئير عن الأسد، وبالخوار عن الضأن، لان الزئير والخُوار في هذين النوعين خاصتان، والخالصة دالة على مخصوصها فتفهمه.
) فَهثم حِزقٌ على الخابور صَرْعى ... بهمْ من شُربِ غيرهمُ خُمارُ (
قيل معناه: اراد غيرهم، فظنوا انه ارادهم، ففروا وتفرقوا.
والذي عندي أن سيف الدولة أوقع ببني كعب، فذلك معنى قوله:) من شُرب غيرهم خُمار (، وخاف النميريون من مثل ذلك فتفرقوا، فذلك خُمارهم لان الخُمار أقرب إلى الصحو من السكر المُغرق. ففزعُ هؤلاء النميريين اخف من موت الكعبيين.
) بَنو كعبٍ وما اثرتَ فيهم ... يدٌ لم يُدمها إلا السوارُ (
اي أنك وإن نلتهم بمساءةٍ؛ فقد شرفتهم باعتمادك إياهم، واشتغالك بهم، كالكف التي إن أدماها السوار، زينها ذلك وإن آلمها.
وله ايضا:
) أيا راميًا يُصمى فُؤاد مرامهِ ... تُربي عداهُ ريشها بسهامِهِ (
يخاطب سيف الدولة. يقول: أيا راميًا يصيب مارامه، فرماه بسهمٍ ريشهُ أجنحة عداه. عنى بالسهم: جيشه، وبريش عداه: سلاحهم الذ سلبهم إياه، وكساه جيشه. وجعل سلاح عداه ريشًا، لكونه عونًا لهم. كما أن الريش عون للسهم، وسوغ ذلك أيضا أن السلاح لباس، واللباس يُكنى عنه بالريش، لقوله تعالى:) وريشًا ولِبَاسُ التقوى (، وكنى بالسهم عن جيشة، لانه يقتل به عدوُه، كما يقتُل بالسهم.
وحسن لن يناديه بالنكرة، لانه قد أطال وصفها، وذهب إلى أنه ليس أحد يستحق هذه الصفة إلا هو. فكأن النكرة هنا معرفة. والعدا: اسم للجمع عند سيبويه، وليس بجمع لان) فَعُولا (لا يكسر على) فِعَل (وإنما جمع عَدُوً، وأما عُداةٌ فجمع عادٍ. حكاه أبو زيد عن العرب. أشمت الله عاديك، اي عدوك.
وما كان على) فاعل (من المعتل اللام، فَفُعَلَة فيه مطردة كقاضٍ وقُضاة، ورامٍ ورُماة. ولا يكون) عُداة (جمع عدو، لان) عدو (فَعول، و) فَعُول (لا يُكسر على) فُعَلة (، ولم أسمع لعادٍ يجيء) عادٍ (عليه، اي لم يجيء) عَدَوته (في معنى) عاديتُه (. ولن هذا عندي على النشب، اي ذو عداوة، ونظيره. فاعل، ونايل، وأشياءُ قد حكاها سيبويه وغره.
) وَيَجْعَلُ ما خُولتُه من نَوَالَ ... لما خُولتُه من كلامهِ (
اي إن أياديه تُنطقني بجيد وتطلعني على بالغ الشكر، فهو سبب ما خُولته من الكلام. فإن ذا الكلام إنما هو منه، ثم يجازيني بالنوال، على ما اعاننى عليه من المقال. يُغرب المتنبي بذلك وهو كقول البحتري:
فهو بُعطى خيرًا ويُثنى عليه ... ثم يُعطى على الثناء جزاء
قوله: جزاء لما خُولته من كلام: أراد) جزاء على ما خولته (، فأبدل اللام مكان) على (ضرورة. ويجعلُ هنا: بمعنى) يُصير (فهي متعدية إلى مفعولين، كقولك: جعلتُ الطين خزفًا.
وله ايضا:
) قاسَمتَك المنونُ شخصين جورًا ... جعل القسمُ نفسه فيك عدلا (
ويروى) فيه عدلا (يعني بالشخصين) أختيه (أخذتِ المنون إحداهما، وهي الصغرى، وأبقت لك هذه الأخرى. وهذه المقاسمة جور، لأنه تسورٌ عليه في أهله. إلا أن القسم صير نفسه عدلًا في ذلك الجور بأن أبقى لك الكبرى، وسلبك الصُّغرى، كقوله:
قد كان قاسمكَ الشخصين دهرهُما ... وعاش دُرُّهما المفدي بالذهبِ
1 / 75