168

شرح مشکت

شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى ب (الكاشف عن حقائق السنن)

پوهندوی

د. عبد الحميد هنداوي

خپرندوی

مكتبة نزار مصطفى الباز مكة المكرمة

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

د خپرونکي ځای

الرياض

ژانرونه

١١٨ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط عن ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصًا من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب! من هؤلاء؟ قال: ذريتك. فرأى رجلًا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، قال: أي رب! من هذا؟ قال: داود. فقال: رب! كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة. قال: رب زده من عمري أربعين سنة». قال رسول الله ﷺ: «فلما انقضى عمر آدم إلا أربعين جاءه ملك الموت، فقال آدم: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك
ــ
الحديث السادس عن أبي هريرة ﵁: قوله: «نسمة» النسمة كل ذي روح، وقيل: كل ذي نفس، مأخوذة من النسيم، و«هو خالقها» صفة لـ «نسمة»، ذكرها ليتعلق به «إلى يوم القيامة». «الوبيص» البريق واللمعان. وفي هذا دليل على أن إخراج الذرية كان حقيقيًا، وتفسير قوله: ﴿ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ بالحديث كما ذكرنا عن القاضي في الوجه الأول من ذلك الحديث أظهر من الوجه الآخر.
وقوله: «وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصًا» إيذان بأن الذرية كانت في صورة الإنسان على مقدار الذرة، وفي ذكر «الوبيص» تنبيه على الفطرة السليمة الأصلية كما مر، وفي تخصيص التعجب من وبيص داود ﵇ إظهار لكرامة من كراماته، ومدح له، فلا يدل على تفضيله على الغير؛ فإن في الأنبياء من هو أفضل منه، وأكثر كرامة. وفيه إشارة إلى ما رواه الشيخان «يهرم ابن آدم، ويشب فيه اثنان: الحرص على المال، والحرص على العمر». و«نسى آدم» وارد على سبيل الاستطراد، وابن آدم مجبول من أصل خلقته على الجحد، والنسيان، والخطأ، إلا من عصمه الله بتوفيقه. و«بين عيني» ثاني مفعول «جعل» أي جعل وبيصًا علامة بين عينيه، ويجوز أن يكون جعل بمعنى خلق، وحينئذ يكون «بين عيني» «ظرفًا له»، و«كم» مفعول مقدم؛ لكونه استفهامًا، أي كم سنة «جعلت عمره» و«أربعين» ثاني مفعولي «زد» كقوله تعالى: ﴿وقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾. قال أبو البقاء: زاد يستعمل لازمًا كقولك زاد الماء، ويستعمل متعديًا إلى مفعولين، كقوله: زدته درهما، وعلى هذا جاء قوله تعالى: ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾. و«من عمري» صفة «أربعين» فقدم، فصار حالا.
فإن قلت: ما الفرق بين قوله: «انقضى عمر آدم إلى أربعين» وبينه إذا قيل: بقي من عمر آدم أربعون. قلت: في الاستثناء توكيد ليس فيه. قال الزجاج في قوله: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلاَّ خَمْسِينَ عَامًا﴾: الاستثناء يستعمل في كلامهم، وتأويله تأكيد العدد وكماله، لأنك قد تذكر الجملة ويكون الحاصل أكثرها، وإذا أردت التوكيد في تمامها قلت: كلها، وإذا أردت التوكيد في

2 / 580