شرح مشکت
شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى ب (الكاشف عن حقائق السنن)
پوهندوی
د. عبد الحميد هنداوي
خپرندوی
مكتبة نزار مصطفى الباز مكة المكرمة
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
د خپرونکي ځای
الرياض
ژانرونه
أخلق قال: موسى بأربعين عاما. قال آدم: فهل وجدت فيها (وعصى آدم ربه فغوى)؟ قال: نعم. قال: افتلومني على أن عملت عملا كتبه الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟» قال رسول الله ﷺ: «فحج آدم موسى». رواه مسلم. [٨١]
ــ
كَلَّمَ اللَّهُ﴾. «فيها تبيان كل شيء» أي أعطاك التوراة فيها تبيان لكل شيء من الإخبار بالغيوب، والقصص، والحلال، والحرام، والموعظة، وغير ذلك، وهو من قوله تعالى: ﴿وكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾. «وقربناه نجيا» أي خصك بالنجوى، النجي المناجي الواحد والجمع سواء، هو من يخاطب الإنسان ويحدثه سرا، هو من قوله تعالى: ﴿ونَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وقَرَّبْنَاهُ نَجِيًا﴾. و«فبكم وجدت» أي فبكم زمانا وجدت الله أمر بكتبه التوراة قبل أن يخلقني.
«تو»: ليس معنى قول آدم ﵇: «كتب الله على» ألزمه إياي وأوجبه علي، فلم يكن لي في تناول الشجرة كسب واختيار، وإنما المعنى: إن الله تعالى أثبته في أم الكتاب قبل كوني، وحكم بأن ذلك كائن لا محالة لعلمه السابق، فهل يمكن أن يصدر عني خلاف علم الله. فكيف تغفل عن العلم السابق، وتذكر الكسب الذي هو السبب، وتنسى الأصل الذي هو القدب؛ وأنت ممن اصطفاك الله من الصطفين الأخيار، الذين يشاهدون سر الله من وراء الأستار؟
واعلم أن هذه القصة تشتمل على معاني محررة لدعوى آدم ﵇، مقررة لحجته، منها: أن هذه المحاجة لم تكن في عالم الأسباب الذي لم يجوز فيه قطع النظر عن الوسائط والاكتساب وإنما كانت في العالم العلوي عند ملتقى الأرواح. ومنها: أن آدم احتج بذلك بعد اندفاع موجب الكسب منه، وارتفاع أحكام التكليف عنه. ومنها: أن اللائمة كانت بعد سقوط الذنب، ووجوب المغفرة.
أقول – والعلم عند الله -: مذهب أهل الجبر إثبات التقدير لله تعالى ونفي القدرة عن العبد أصلا، والمعتزلة بخلافه، كما سبق. وكل الفريقين من الإفراط والتفريط على شفا جرف هار، والمنهج القويم والصراط المستقيم، القصد بين الأمرين، كما هو مذهب أهل السنة، إذ لا يقدر أحد أن يسقط الأصل الذي هو القدر، ولا أن يبطل الكسب الذي هو السبب، فلما جعل موسى ﵇ مساق كلمه وقصته إلى الثاني، بأن صدر الجملة بحرف الإنكار والتعجب وصرح
2 / 532