شرح مقاصد په علم الکلام کې
شرح المقاصد في علم الكلام
خپرندوی
دار المعارف النعمانية
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
1401هـ - 1981م
د خپرونکي ځای
باكستان
ژانرونه
جعل هذا من مباحث العقول نظرا إلى أن الملائكة عند الفلاسفة هم العقول المجردة والنفوس الفلكية وتخص باسم الكروبيين مالا يكون له علاقة مع الأجسام ولو بالتأثير والقائلون من الفلاسفة بالجن والشياطين زعموا أن الجن جواهر مجردة لها تصرف وتأثير في الأجسام العنصرية من غير تعلق بها تعلق النفوس البشرية بأبدانها والشياطين هي القوى المتخيلة في أفراد الإنسان من حيث استيلائها على القوى العقلية وصرفها عن جانب القدس واكتساب الكمالات العقلية إلى اتباع الشهوات واللذات الحسية والوهمية ومنهم من زعم أن النفوس البشرية بعد مفارقتها عن الأبدان وقطع العلاقة منها إن كانت خيرة مطيعة للدواعي العقلية فهم الجن وإن كانت شريرة باعثة على الشرور والقبائح معينة على الضلالة والانهماك في الغواية فهم الشياطين وبالجملة فالقول بوجود الملائكة والجن والشياطين مما انعقد عليه إجماع الآراء ونطق به كلام الله تعالى وكلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحكى مشاهدة الجن عن كثير من العقلاء وأرباب المكاشفات من الأولياء فلا وجه لنفيها كما لا سبيل إلى إثباتها بالأدلة العقلية ( قال وزعموا أن لكل فلك روحا ) يشير إلى ما ذهب إليه أصحاب الطلسمات من أن لكل فلك روحا كليا يدبر أمره وتتشعب منه أرواح كثيرة مثلا للعرش أعني الفلك الأعظم روح يدبر أمره في جميع ما في جوفه يسمى بالنفس الكلية والروح الأعظم وتتشعب منه أرواح كثيرة متعلقة بأجزاء العرش وأطرافه كما أن النفس الناطقة تدبر أمر بدن الإنسان ولها قوة طبيعية وحيوانية ونفسانية بحسب كل عضو وعلى هذا يحمل قوله تعالى
﴿يوم يقوم الروح والملائكة صفا﴾
وقوله تعالى
﴿وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم﴾
وهكذا سائر الأفلاك وأثبتوا لكل درجة روحا يظهر أثره عند حلول الشمس تلك الدرجة وكذا لكل يوم من الأيام والساعات والبحار والجبال والمفاوز والعمران وأنواع النباتات والحيوانات وغير ذلك على ما ورد في لسان الشرع من ملك الأرزاق وملك الجبال وملك البحار وملك الأمطار وملك الموت ونحو ذلك وبالجملة فكما ثبت لكل من الأبدان البشرية نفس مدبرة فقد أثبتوا لكل نوع من الأنواع بل لكل صنف روحا يدبره يسمى بالطباع التام لذلك النوع تحفظه من الآفات والمخافات وتظهر أثره في النوع ظهور أثر النفس الإنسانية في الشخص وقد دلت الأخبار الصحاح على كثرتهم جدا كقوله عليه السلام أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجدا وراكع قال وعندنا ظاهر الكتاب والسنة وهو قول أكثر الأمة أن الملائكة أجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكلات بأفكار مختلفة كاملة في العلم والقدرة على الأفعال الشاقة شأنها الطاعات ومسكنها السموات هم رسل الله تعالى إلى أنبيائه عليهم السلام وأمناؤه على وحيه يسبحون الليل والنهار لا يفترون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون والجن أجسام لطيفة هوائية يتشكل بأشكال مختلفة وتظهر منها أفعال عجيبة منهم المؤمن والكافر والمطيع والعاصي والشياطين أجسام نارية شأنها إلقاء النفس في الفساد والغواية بتذكير أسباب المعاصي واللذات وإنساء منافع الطاعات وما أشبه ذلك على ما قال الله تعالى حكاية عن الشيطان
﴿وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم﴾
قيل تركيب الأنواع الثلاثة من امتزاج العناصر الأربعة إلا أن الغالب على الشياطين عنصر النار وعلى الآخرين عنصر الهواء وذلك أن امتزاج العناصر قد لا يكون على القرب من الاعتدال بل على قدر صالح من غلبة أحدها فإن كانت الغلبة للأرضية يكون الممتزج مائلا إلى عنصر الأرض وإن كانت للمائية فإلى الماء أو للهوائية فإلى الهواء أو للنارية فإلى النار لا يبرح ولا يفارق إلا بالاختيار أو بأن يكون حيوانا فيفارق بأن الاختيار وليس لهذه الغلبة حد معين بل تختلف إلى مراتب بحسب أنواع الممتزجات التي تسكن هذا العنصر ولكون الهواء والنار في غاية اللطافة والشفيف كانت الملائكة والجن والشياطين بحيث يدخلون المنافذ والمضائق حتى أجواف الإنسان ولا يرون بحس البصر إلا إذا اكتسبوا من الممتزجات الأخر التي يغلب عليها الأرضية والمائية جلابيب وغواشي فيرون في أبدان كأبدان الناس أو غيره من الحيوانات والملائكة كثيرا ما تعاون الإنسان على أعمال يعجز هو عنها بقوته كالغلبة على الأعداء والطيران في الهواء والمشي على الماء وتحفظه خصوصا المضطرين عن كثير من الآفات وأما الجن والشياطين فيخالطون بعض الأناسي ويعاونونهم على السحر والطلسمات والنيرنجات وما يشاكل ذلك قال ولا يمتنع أن يكتسبوا إشارة إلى دفع إشكالات تورد على هذا المذهب وهي أن الملائكة والجن والشياطين إن كانت أجساما ممتزجة من العناصر يجب أن تكون مرئية لكل سليم الحس كسائر المركبات وإلا لجاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة وأصوات هائلة لا نبصرها ولا نسمعها والعقل جازم ببطلان ذلك على ما هو شأن العلوم العادية وإن كانت غلبة اللطيف بحيث لا تجوز رؤية الممتزج يلزم أن لا يروا أصلا وأن تتمزق أبدانهم وتنحل تراكيبهم بأدنى سبب واللازم باطل بما تواتر من مشاهدة بعض الأنبياء والأولياء إياهم ومكالمتهم ومن بقائهم زمانا طويلا مع هبوب الرياح العاصفة والدخول في المنافذ الضيقة وأيضا لو كانوا من المركبات المزاجية لكانت لهم صور نوعية وأمزجة مخصوصة تقتضي أشكالا مخصوصة كما في سائر الممتزجات فلا يتصور التشكل بالأشكال المختلفة وحاصل الجواب منع الملازمات إما على القول باستناد الممكنات إلى القادر المختار فظاهر لجواز أن تخلق رؤيتهم في بعض الأبصار والأحوال دون البعض وأن يحفظ بالقدرة والإرادة تركيبهم وتبديل أشكالهم وإما على القول بالإيجاب فلجواز أن يكون فيهم من العنصر الكثيف ما يحصل معه الرؤية لبعض الأبصار دون البعض وفي بعض الأحوال دون البعض أو يظهروا أحيانا في أجسام كثيفة هي بمنزلة الغشاء والجلباب لهم فيبصروا أن تكون نفوسهم أو أمزجتهم أو صورهم النوعية تقتضي حفظ تركيبهم عن الانحلال وتبدل أشكالهم بحسب اختلاف الأوضاع والأحوال أو يكون فيهم من الفطنة والذكاء ما يعرفون به جهات هبوب الرياح وسائر أسباب انحلال التركيب فيحترزون عنها ويأوون إلى أماكن لا يلحقهم ضرر وأما الجواب بأنه يجوز أن تكون لطافتهم بمعنى الشفافية دون رقة القوام فلا يلائم ما يحكى عنهم من النفوذ في المنافذ الضيقة والظهور في ساعة واحدة في صور مختلفة بالصغر والكبر ونحو ذلك قال خاتمة يشير إلى ما ذهب إليه بعض المتألهين من الحكماء ونسب إلى القدماء من أن بين عالمي المحسوس والمعقول واسطة يسمى عالم المثل ليس في تجرد المجردات ولا في مخالطة الماديات وفيه لكل موجود من المجردات والأجسام والأعراض حتى الحركات والسكنات والأوضاع والهيئات والطعوم والروائح مثال قائم بذاته معلق لا في مادة ومحل يظهر للحس بمعونة مظهر كالمرآة والخيال والماء والهواء ونحو ذلك وقد ينتقل من مظهر إلى مظهر وقد يبطل كما إذا فسدت المرآة والخيال أو زالت المقابلة أو التخيل وبالجملة هو عالم عظيم الفسحة غير متناه يحذو حذو العالم الحسي في دوام حركة أفلاكه المثالية وقبول عناصره ومركباته آثار حركات أفلاكه وإشراقات العالم العقلي وهذا ما قال الأقدمون أن في الوجود عالما مقداريا غير العالم الحسي لا تتناهى عجائبه ولا تحصى مدته ومن جملة تلك المدن جابلقا وجابرصا وهما مدينتان عظيمتان لكل منهما ألف باب لا يحصى ما فيهما من الخلائق ومن هذا العالم تكون الملائكة والجن والشياطين والغيلان لكونها من قبيل المثل أو النفوس الناطقة المفارقة الظاهرة فيها وبه تظهر المجردات في صور مختلفة بالحسن والقبح واللطافة والكثافة وغير ذلك بحسب استعداد القابل والفاعل وعليه بنوا أمر المعاد الجسماني فإن البدن المثالي الذي تتصرف فيه النفس حكمه حكم البدن الحسي في أن له جميع الحواس الظاهرة والباطنة فيلتذ ويتألم باللذات والآلام الجسمانية وأيضا يكون من الصور المعلقة نورانية فيها نعيم السعداء وظلمانية فيها عذاب الأشقياء وكذا أمر المنامات وكثير من الإدراكات فإن جميع ما يرى في المنام أو يتخيل في اليقظة بل يشاهد في الأمراض وعند غلبة الخوف ونحو ذلك من الصور المقدارية التي لا تحقق لها في عالم الحس كلها من عالم المثل وكذا كثير من الغرائب وخوارق العادات كما يحكى عن بعض الأولياء أنه مع إقامته ببلدته كان من حاضري المسجد الحرام ايام الحج وأنه ظهر من بعض جدران البيت أو خرج من بيت مسدود الأبواب والكوات وأنه أحضر بعض الأشخاص أو الثمار أو غير ذلك من مسافة بعيدة في زمان قريب إلى غير ذلك والقائلون بهذا العالم منهم من يدعي ثبوته بالمكاشفة والتجارب الصحيحة ومنهم من يحتج بأن ما يشاهد من تلك الصور الجزئية في المرايا ونحوها ليست عدما صرفا ولا من عالم الماديات وهو ظاهر ولا من عالم العقل لكونها ذوات مقدار ولا مرتسمة في الأجزاء الدماغية لامتناع ارتسام الكبير في الصغير ولما كانت الدعوى عالية والشبهة واهية كما سبق لم يلتفت إليها المحققون من الحكماء والمتكلمين قال المقصد الخامس في الإلهيات أي المباحث المتعلقة بذات ا لله تعالى وتنزيهاته وصفاته وما يجوز عليه ومالا يجوز وأفعاله وأسمائه فلهذا جعل المقصد ستة فصول يشتمل الأول منها على تقدير الأدلة على وجود الواجب وعلى تحقيق أن ذاته هل تخالف سائر الذوات وطريق إثبات الواجب عند الحكماء أنه لا شك في وجود موجود فإن كان واجبا فهو المرام وإن كان ممكنا فلا بد له من علة بها يترجح وجوده وينقل الكلام إليه فإما أن يلزم الدور أو التسلسل وهو محال أو ينتهي إلى الواجب وهو المطلوب وعند المتكلمين أنه قد ثبت حدوث العالم إذ لا شك في وجود حادث وكل حادث فبالضرورة له محدث فإما أن يدور أو يتسلسل وهو محال وإما أن ينتهي إلى قديم لا يفتقر إلى سبب أصلا وهو المراد بالواجب وكلا الطريقين مبني على امتناع وجود الممكن أو الحادث بلا موجد وعلى استحالة الدور والتسلسل والمتكلمون لما لم يقولوا بقدم شيء من الممكنات كان إثبات القديم إثباتا للواجب ولا يرد عليهم ما جوزه الحكماء من تعاقب الحوادث من غير بداية كالحركات والأوضاع الفلكية أما أولا فلما مر في مسألة حدوث العالم وأما ثانيا فلأن ذلك إنما هو في المعلولات دون العلل الموجدة التي لا بد من وجودها مع وجود المعلول وتوهم بعضهم أنه يمكن الاستدلال على وجود الواجب بحيث لا يتوقف على امتناع الترجيح بلا مرجح بأن يقال لا بد أن يكون في الموجودات موجود لا يفتقر إلى الغير دفعا للدور والتسلسل ولا معنى للواجب سوى هذا وفيه نظر لأن مجرد الاستغناء عن الغير لا يقتضي الوجوب وامتناع العدم إلا على تقدير بطلان الترجح بلا مرجح وإلا لجاز أن يكون المستغني عن الغير يوجد تارة ويعدم أخرى من غير أن يكون ذلك الوجود والعدم لذاته ولا لغيره بل بمجرد الاتفاق ومنهم من توهم صحة الاستدلال بحيث لا يفتقر إلى إبطال الدور والتسلسل وذلك وجوه
مخ ۵۷