بسم الله الرحمن الرحيم
وصلي الله علي سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه وسلم
[يقول عبد الله الراجي رحمه مولاه السائل منه توفيقه لما يحبه ويرضاه، أحمد ابن علي بن عبد الرحمن المنجور، لطف الله به وكفاه ما أهمه وما لم يهمه من أمر دينه ودنياه].
الحمد الله علي كل حال والشكر له سبحانه علي ما أولانا من الأفضال، والصلاة والسلام علي سيدنا محمد، وعلي آله خير صحب وآل.
وبعد فالغرض أن أضع علي المنهج المنتخب إلي قواعد المذهب شرحا يبين العسير، ويكمل به إن شاء الله التقرير] وقد احتوي هذا النظم من الفقه علي الغزير [وهو لصغر حجمه وكثرة علمه، وسهولة حفظه، وفهمه لا يوجد له في بابه - فيما علمت - نظير فعلي اللبيب أن يأخذ في تحصيله بالجد والتشمير ولا يلتفت لغض مقصر من قدره، واحتقار حقير، والله سبحانه ولي التوفيق، والتسديد والتيسير، وهو حسبي ونعم الوكيل، نعم المولي ونعم النصير.
[ص]
١ - يقول نجل قاسم علي ... عبيد ربه هو العلي
[ش]
النجل هو الولد، وقاسم اسم والد الناظم، وعلي اسمه هو، فهو أبو الحسن علي بن قاسم بن محمد التجيبي الشهير بالزقاق من أهل فاس.
1 / 96
وتجيبة بضم التاء، وفتحها اسم قبيلة من قبائل اليمن، كان ﵀ عارفا بالفقه متقنفًا لمختصر الشيخ الإمام أبي المودة خليل بن إسحاق كثير الاعتناء به والتقييد عليه، والبحث عن كشف مشكلاته، مشاركا في الفنون من النحو والأصول، والحديث والتفسير والتصريف خير دينًا فاضلا، ذا سمت حسن وحال مستحسن، مقبلا علي ما يعنيه، زوارا للصالحين، كثير التقييد للعلم.
أخذ عن الفقيه الحافظ العلامة، أوحد زمانه أبي عبد الله القوري وغيره من شيوخ فاس، وارتحل إلي الأندلس، فأخذ بغرناطة عن الفقيه العالم العامل الصوفي أبي عبد الله المواق وغيره.
وتولي آخر عمره الخطبة بجامع الأندلس، وتوفي عن سن عالية في شوال سنة ثنتي عشرة وتسعمائه وجدت بخطه في سبب الشهرة بالزقاق ما نصه: (حدثني بعض شيوخ
1 / 97
قرابتي، وهو موثوق به، أن الزقاق ليست بنسب لصناعة نعم كان جد والد والدي ذا مال، ولا يعيش له ذكر، فدل علي أن يكسب زقا من زيت علي ما يتزيد من ذكر له يسحمه به، ثم يتصدق به، ففعل فعاش ذو الزق، فاشتهر بذلك فبقي في ولده شهرة).
وعبيد تصغير عبد، وهو المملوك، والرب المالك والخالق، والمصلح والسيد، وهو عائد علي الرب، والعلي، والعلي في وصفه سبحانه وهو الذي لا رتبة فوق رتبته ولما كان في التسمية بعلي شم شئ من العلو، نفاه بقوله: (عبيد ربه) وبقوله: (هو العلي) بصيغة الحصر وفي تصغير عبيد مبالغة في ذلك النفي وجملة هو العلي، معترضة بين القول ومحكيه، وهو قوله: (حمد الإله) إلي آخر الرجز.
[ص]
٢ - حمد الإله ربنا يقدم ... والقول مهما لم يقدم أجذم
[ش]
الحمد: هو الثناء بالجميل، والإله: المعبود بحق، ويقدم: يبدأ به والقول: أراد به المقول، والمعني: حمد الله يبدأ به، والمقول أجذم مهما لم يقدم الحمد
والأجذم لغة: المقطوع اليد يقال: جذمت يده جذما، وجذمت الشئ جذما قطعته، وكني بالأجذم عن الناقص الشرف.
وأشار إلي ما خرجه أبو داود، وابن ماجه وأبو عوانة من طريق أبي
1 / 98
هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد - وفي رواية - بسم الله - وفي رواية - بذكر الله فهو أجذم - ويروي (أجدد، وأقطع، وأبتر) أي غير مكمل المقاصد المعتبرة/٣ ب شرعا.
[ص]
٣ - أحمده حمدا كثير العدد ... مصليا علي (الهدي) محمد
٤ - وآله وصحبه والتابعين ... وأهل طاعة الإله أجمعين
[ش]
مصليا: حال مقدرة أي طالبا من الله الرحمة له.
وقيل: الصلاة أبلغ من الرحمة لتضمنها معني العطف، ولذلك عديت بعلي.
(الهدي) اسم من أسمائه صلي الله عليه وسلم وهو في الأصل مصدر وصف به علي سبيل المبالغة.
ومحمد: اسم نبينا محمد صلي الله عليه وسلم، منقول من الصفة، وهو وصف مبالغة تقول: هذا محمود وإن حمد مرة واحدة، ولا تقول: محمد إلا لمن حمدا كثيرا، وهذا لكثرة خصال الحمد فيه صلي الله عليه وسلم.
وصحب: اسم جمع لصاحب، وهو من اجتمع مع النبي صلي الله عليه وسلم، مؤمنا به، والتابعي: من تبع الصحابي للاقتداء والأخذ بالصواب.
والطاعة: امتثال الأمر والنهي، وفي الصلاة علي غير نبينا صلي الله عليه وسلم الجواز، وعدمه، والجواز في الأنبياء لا غيره، والجواز في غير الأنبياء بحسب التبع لا بحسب الاستقلال، وهو المختار.
1 / 99
[ص]
٥ - وبعد فالقصد بهذا الرجز ... نظم وقواعد بلفظ موجز
٦ - مما انتمي إلي الإمام ابن أنس ... وصحبه وما لديهم من أسس
٧ - مع نبذ مما عليها قررا ... أومي لها فقط كي أختصرا
[ش]
أي وبعد الحمد والتصلية وهو علي تقدير أما العاملة في الظرف لتضمنها معني الشرط، والرجز: أحد الأبحر، وهو مبني من مستفعلن ست مرات، وله خمسة أضرب، وهذا من الضرب الرابع، وهو المشطور، وبيته:
ما هاج أحزانا ... وشجوا قد شجا
فهو من المشطور المزدوج.
والنظم لغة: الجمع.
واصطلاحا: الكلام الموزون الذي قصد وزنه فارتبط لمعني وقافية.
والقواعد: جمع قاعدة: وهي في اللغة: الأساس من القعود بمعني الثبات، أو بمعني مقابل القيام علي سبيل المجاز.
وفي/ ٤ - أالعرف هي: الأصل والضابط، والقانون: أمر كلي منطبق علي جزئياته لتعرف أحكامها منه.
وهذه القواعد التي قصد المؤلف نوعان كما سنبينه بالقرب عند قوله: فصل.
والإيجاز: الاختصار، وهو أداء المعني بأقل عن عبارة المتعارف، أو تأدية المعني بلفظ ناقص واف.
1 / 100
وانتمى: انتسب، والإمام: هو مالك بن أنس، وفضله وعلمه شهيران،
وليس يصح في الأذهان شئ ... إذا احتاج النهار إلي دليل
ولد ﵀ سنة ثلاث، أو أربع، أو خمس وتسعين من الهجرة وتوفي سنة تسع وسبعين ومائة.
وصحبه: علماء مذهبه، وما لديهم من أسس: أي ما عندهم من قواعد، والأسس بضم الهمزة والسين الأولي، جمع الأساس، أو فتحهما مقصور الأساس قاله الجوهري: وهذا مستغني عنه بما قبله.
والنبذ: جمع نبذة وهي الطرف من الشئ، وعني به الفروع. وعليها: أن علي القواعد، وهو يتعلق بقررا.
وأومي: أشير، ولها: للنبذ، وقط: اسم فعل بمعني اكتفي، أي اكتف بالإيماء عن التصريح، وهو بضم الطاء مخففة، ولا تسكن هنا وان كان السكون فيه أفصح لئلا ينكسر الوزن.
[ص]
٨ - أفصله كما يليق بالفصول ... إذا هو أقرب لطالب الوصول
[ش]
أي أفصل الرجز أو النظم، ويليق: يحسن.
الجوهري: لاق به الثوب يليق.
ومن الحسن كون كل نوع علي حدة الطهارة في فصل، والصلاة في آخر ونحو ذلك إذ هو أقرب لمن يطلب الوصول إلي شئ من هذا النظم، لكن قد تجر القاعدة مسائل من أنواع ولا يسلم أنه أقرب إلي الوصول إلا إذا عين الفصل بالإضافة كفصل الطهارة، وفصل الصلاة، وفصل الصوم ونحو ذلك.
1 / 101
وفي نسخة بدل الشطر الأخير (في غالب ما لم يكن جمع الأصول)
أي: أفضله بالفصول كما يليق في الغالب كفصل الطهارة، والصلاة، والزكاة ما لم تجمع الأصول فروعا من أنواع فلا يفصل حتي يكملها. فجمع مصدر مضاف إلي الفاعل.
وقوله: (في غالب) يحتمل أن يريد بغير الغالب ما أشار إليه بقوله/ ٤ - ب: (ما لم يكن جمع الأصول) أي في غالب الأمر يفرد النوع في الفصول، وذلك حيث لا يجر الأصل إلي فروع من أنواع، وغير الغالب حيث يجر إلي ذلك.
ويحتمل أن يخرج به بعض الفصول مما أدخل فيه أبوابا لقلتها، وهذا هو ظاهر لفظه، ويؤيده، أيضا، أنه قد يقع في بعض النسخ عوض الشطر الأخير: (إن عدم التضمين أو جمع الأصول) أي تضمين الأصل فروعا من أنواع فلا يفصل حتي يكملها، أو كان اللائق جمع أبواب في فصل واحد لقلة قواعدها.
[ص]
٩ - وبعد أن يكمل إن شاء الإله ... أتبعه شرحا مبينا حلاه
[ش]
... الحلي جمع حلية، وهي الصفة، واستعارها للمعاني، وهذا وعد منه بالشرح وقد توفي ﵀ قبل اكماله، قاله ولده الفقيه العلامة شيخ شيوخنا أبو العباس أحمد وقد رأيت منه أوراقا بخط المؤلف أجاد فيها ماشاء، دلت علي تحصيله، وتحقيقه، وليته أكمله.
١٠ - فمن أراد كتبه منفردا ... فغير ممنوع له ما قصدا
١١ - ومن أراد أكمل الغابات ... لم يفصل الشرح عن الأبيات
تضمن هذان البيتان تخيير الكاتب والإذن له فيما أراد من الوجهين] وبيان الأولي منهما والمعني [فمن أراد كتب هذا المنهج وحده فغير ممنوع له قصده، ومن أراد الأكمل لم يفصل الشرح عن المشروح.
1 / 102
١٢ - سميته بالمنهج المنتخب ... إلي أصول عزيت للمذهب
المنهج والمنهاج: الطريق الواضح المنتخب: المختار وعزيت: نسبت للمذهب أي مذهب مالك، والمذهب: اسم مكان للذهاب ثم استعير للعلم لأنه أفضل ما يذهب فيه وإليه.
١٣ - والله ينفع به من حصله ... بحفظ أو فهم، وشيئا عن له
[ش]
يئا: معطوف علي مفعول حصل: أي كأن يحتاج لمسائل فيحصلها منه والتقدير: أو حصل منه شيئًا عن له، أي عرض فالواو: بمعني أو/ ٥ - أوالجملة خبرية لفظا طلبية معني عدل إلي لفظ الخبر تفاؤلا، أو حرصا علي حصول مضمونها.
١٤ - فمن أجاد مقولا سد الخلل ... والتمس المخرج لا أخطا بطل
١٥ - إذ جاء شر الشر عن خير البشر ... من لا يقيل عثرة لمن عثر
أجاد: أحسن. والمقول: اللسان والتمس: طلب. والمخرج: الخروج أو مكانه والخطأ ضد الصواب.
والمعني فمن أحسن من جهة لسانه سد الوهم. الكائن في هذا الكتاب بالتلطف وحسن التأويل والتعبير، لا بقوله: أخطأ المؤلف أو بطل كذا، أو ما اشبه ذلك، لأنه جاء عن خير البشر ما معناه، ما ذكره المؤلف بزعمه، وجاء في الحديث الذي أشار إليه من طريق عبد الله بن عباس رض الله عنههما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بشراركم؟ من نزل وحده - وفي رواية - أكل (وحده) ومنع رفده، وجلد عبده - وفي رواية- وضرب. ألا أخبركم بشر من ذلكم؟ من يبغض الناس ويبغضونه، ألا أخبركم بشر من
1 / 103
ذلكم؟ من لا يقيل عثرة، ولا يقبل معذرة. ألا أخبركم بشر من ذلكم؟ من لا يرجي خيره ولا يؤمن شره).
وفي أخذ المؤلف منه ما ذكر نظر من وجهين:
الأول: أنه ليس فيه ما يدل علي أن من لا يقيل عثرة هو شر الشرار، وإنما جعله شرا مما قبله فقط، بل دل الحديث علي أن غيره شر منه، وهو من لا يرجي خيره ولا يؤمن شره، فلا يكون هو شر الشرار، وهذا ظاهر.
الثاني: أن الموصوف في الحديث بكونه شرا مما قبله من الشرار هو الجامع بين هذين الوصفين، لا يقيل عثرة، ولا يقبل معذرة.
ولا يلزم من كون الجامع بينهما شرا مما قبله أن يكون الموصوف بأحدهما كذلك وهذا ظاهر أيضا، ولهذا ونحوه منع جماعة نقل الحديث بالمعني.
وإنما نسبت للمؤلف أنه ما في النظم من الحديث المذكور، لأني رأيته كذلك بخطه. وشر الشر علي حذف المضاف: أي شر ذوي البشر، فشر الأول:
أفعل تفضيل بحذف/ ٥ - ب الهمزة وهو الأفصح فيه.
والثاني: مصدر. ويحتمل أن يكون الثاني أيضا للتفضيل، أي: أشر الجنس الأشر وقوله: (لا أخطا بطل) معمول لمحذوف وبحذف العاطف، أي فمن أجاد مقولا سد الخلل
1 / 104
والتمس المخرج لا قال أخطأ المؤلف، أو بطل كلامه أو هذا باطل ونحو ذلك.
١٦ - فقلما ينجو الذي قد صنفا ... من هفوة أو عثرة من ألفا
هذا اعتذار عما قد يقع في الكتاب من الخلل.
والهفوة: الزلة والعثرة: السقطة.
والمصنف من جعل العلم أصنافا كرزمة الطهارة، والصلاة، والبيوع.
والمؤلف: من زاد عليه بمراعاة الألفة بين الكتب والمسائل، وبه تظهر رتبة المصنفين ويتميزون، ويفضل بعضهم بعضا، والأقرب من جهة المعني أن تجعل (أو) عاطفة لمن ألف علي من صنف عطف خاص علي عام.
وعثرة مجرور بمن محذوفة متعلقة بألف، وإن كان غير مقيس، والتقدير فقل نجاة مصنف من هفوة، وقل نجاة مؤلف من عثرة، ويصح أن يكون عثرة معطوفا علي هفوة، كما هو الظاهر من اللفظ، ومن ألف بدل (بعض) من قوله: (من صنفا) إن استعمل التصنيف فيما هو أعم، كما هو حقيقته أو بدل أضراب، ان استعمله فيما هو مباين للتأليف، وكأنه يقول: بل قلما ينجو من ألف الذي له شفوف ومزية علي من صنف، وكثيرا ما هاب الناس التأليف حتي قيل: من ألف فقد استقذف أي جعل نفسه هدفا، أي غرضا وإشارة لمن يرميه بعيب، وطلب أن يقذف أي يرمي بقول:
١٧ - والله ربنا يقي من الخطل ... بجاه من عصمه من الزلل
١٨ - المجتبي من خير أصناف الأمم ... بحبوحة العلم وينبوع الحكم
1 / 105
يقي: يحفظ. والخطل: الخطأ، يقال خطل في كلامه خطلا وأخطل: أخطأ.
والجاه: المنزلة عند السلطان. والعصمة لغة: المنع واصطلاحا/ ٦ - أ: صفة توجب الحكم بامتناع عصيان موصوفها. والزلل: الخطأ.
] والمجتبي: المختار. والأصناف: الأنواع. والأمم: جمع أمة وهي هنا جماعة الناس [
والبحبوحة: وسط المحلة وهي معظمها والعلم: الاعتقاد الجازم المطابق لموجب. والينبوع: العين. والحكم: جمع حكمة. واختلف في تفسير الحكمة في قوله تعالي:﴾ يؤتي الحكمة من يشاء ﴿.
فقيل: هي الإصابة في القول والفعل، وقيل: هي معرفة الأشياء كما هي بقدر الطاقة البشرية، وقيل: المراد علم الشرائع والاحكام وقيل: كل كلام وافق الحق، وقيل غير ذلك.
والمعني: والله سبحانه يقي المؤلف والقارئ من الخطأ بجاه سيدنا محمد المعصوم من الزلل المختار من خير أصناف الأمم، وسط المحلة للعلم وعين الحكم، روي عن
1 / 106
رسول الله ﷺ أنه قال: (توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم).
وروي عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله اصطفي من ولد إبراهيم إسماعيل، وإصطفي من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفي من بني كنانة قريشا، واصطفي من قريش بني هاشم، واصطفاتي من بني هاشم).
وروي عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال:] أنا مدينة العلم وعلي بابها [.
وروي عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: (أوتيت جوامع الكلم) فرد كل حديث إلي ما يليق به علي التوالي. والجملة خبرية لفظا دعائية معني، عدل إلي لفظ الخبر تفاؤلا، أو حرصا علي القبول.
١٩ - وها أنا أشرع في المقصود ... بعون ذي الطول عظيم الجود
1 / 107
ها: حرف تنبيه، والعون: خلق القدرة علي الفعل، والطول والإحسان، والجود الكرم.
فصل
أي فصل الطهارة وذلك لأن أكثر مسائل هذا الفصل في الطهارة وقد ذكر فيه ما هو من غيرها لدخوله تحت القاعدة، فلابد من ذكره مع قاعدته وإلا طال الكلام وكثر التكرار، وكذا في سائر الفصول وقد مر التنبيه علي هذا في قوله: (أفصله كما يليق بالفصول) - البيت -.
تنبيهان: الأول القواعد علي/ ٦ - ب قسمين:
الأول: ما هي أصول لأمهات مسائل الخلاف.
والثاني من القسمين ما هو أصول المسائل، فيقصد بقواعده ذكر النظائر فقط لا مع الإشارة إلي خلاف.
وبدأ المؤلف بالأول إلي الفصل الذي صدره (إعطاء ما وجد حكم ما عدم) البيت - وثني بالثاني، وهذا في غالبهما، والقسم الأول هو مراد الإمام العلامة وحيد عصره
1 / 108
أبي عبد الله المقري في قواعده الجليلة القدر العظيمة الخطر بقوله: (قصدت غلي تمهيد ألف قاعدة ومائتي قاعدة هي الأصول القريبة لأمهات مسائل الخلاف المبتذلة والقريبة.
قال: ونعني بالقاعدة كل كلي هو أخص من الأصول وسائر المعاني العقلية العامة، وأعم من العقود، وجملة الضوابط الفقهية الخاصة اهـ.
يعني لا يقصد القواعد الأصولية العامة، ككون الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس حجة، وكحجية المفهوم، والعموم وخبر الواحد، وكون الأمر للوجوب والنهي للتحريم ونحو ذلك.
ولا القواعد الفقهية الخاصة كقولنا: كل ماء ما لم يتغير أحد أوصافه طهور وكل طير مباح الأكل وكل عبادة بنية ونحو ذلك وإنما المراد ما توسط بين هذين مما هو أصل لأمهات مسائل الخلاف فهو اخص من الأول، وأعم من الثاني.
قلت: هذا هو الغالب من فعله، وإلا فقد ذكر أيضا قواعد أصولية، وقواعد فقهية تكميلا للفائدة، ولذا قال في آخر قواعده: (قد أتيت علي ما قصدت زائدا علي ما شرطت تكميلا لما أردت).
التنبيه الثاني: (هل) حرف وضع لطلب التصديق لا التصور، وإنما يدخل علي الكلام الموجب ويجاب بنعم أو لا، وقد يحذف جوابه، وكثيرا ما حذف في هذا الرجز اختصارا لصلاحية كل منها.
1 / 109
[ص]
٢٠ - هل غالب أو ما بشرع قد عدم ... أو ضده كما بتحقيق علم
٢١ - كالسؤر، والصيد، وكالوطء رعاف ... تيمم وكامام واصطراف
[ش]
... اشتمل كلامه علي ثلاث قواعد:
الأولي: هل الغالب كالمحقق ام لا/ ٧ - أ.
الثانية: هل المعدوم شرعا كالمعدوم حسا أم لا؟.
الثالثة: هل الموجود شرعا كالموجود حقيقة وحسا أم لا.
أشار إلي الأولي بقوله: (هل غالب).
وإلي الثانية بقوله: (أو ما بشرع قد علم).
وإلي الثالثة بقوله: (وضده) وقوله: (كما بتحقيق علم) راجع إلي الثلاث.
أي: هل الغالب كالمحقق أم لا؟ وهل المعدوم شرعا كالمعدوم تحقيقا وحسا أم لا؟.
وهل الموجود شرعا كالموجود حسا وتحقيقا أم لا؟ وهذا لأن المعني: كالذي علم بتحقيق الوجود، أو العدم فغالب: مبتدأ، وخبره كما.
قوله: (كالسؤر والصيد) مثالان للقاعدة الأولي، أي سؤر ما عادته استعمال النجاسة إذا لم تر التجاسة في أفواهها، ولم يعسر الاحتراز منها كالطير والسباع، والدجاج، والأوز المخلاة هل ينجس ماء كان أو طعاما، فيراقان حملا علي الغالب أم لا تغليبا للأصل.
ثالثهما المشهور يراق الماء دون الطعام لاستجارة طرح الماء.
1 / 110
وسؤر الكافر وما أدخل يده فيه وسؤر شارب الخمر وشبهه مثله.
وأما الصيد فإشارة إلي مسألة من أدرك الصيد منفوذ المقاتل وظن أنه المقصود ومسألة من أرسل الجارح وليس في يده ومسألة ما إذا اشترك فيه معلم مع غير معلم. أو كلب مسلم مع كلب مجوسي وظن أن المعلم كلب المسلم القاتل وفي كل منهما؟ قولان: ولو شك ولم يغلب الظن لم يؤكل اتفاقا.
ومما ينبني أيضا علي هذه القاعدة، لباس الكافر وغير المصلي هل يحمل علي الطهارة أو النجاسة ومن علق الطلاق بالحيض والحمل في التنجيز والتأخير قال القاضي: أبو
1 / 111
عبد الله المقري: قاعدة: المشهور من مذهب مالك أن الغالب كالمحقق في الحكم، ابن شاس وابن الحاجب في التنبيه علي ذلك بأن وضعا الخلاف الذي في سؤر ما عادته استعمال النجاسة في القسم الثالث من المياه.
ومنه من أرسل الجارح وليس في يده، ومن أدرك الصيد/ ٧ - ب منفوذ المقاتل وظن أنه المقصود، ومن علق الطلاق بالحيض والحمل في التنجيز والتأخير.
قوله: (وكالوطء رعاف تيمم) هذه أمثلة للقاعدة الثانية، والكاف تشعر بذلك كما تقتضي عدم الحصر فيما ذكره، وحذف العاطف من (رعاف وتيمم) للضرورة وهو كثير في هذا الرجز.
الأول: إذا حلف ليطأنها فوطئها حائضا أو صائمة هل يبر بذلك أم لا؟ قولان وذلك أن الوطء في الحيض أو الصوم حرام فهو معدوم شرعا، فإن نزل منزلة المعدوم حسا لم يبر، وإلا بر، ولا يحلل وطء الحائض ولا يحصن ولا يوجب رجعة ولا يكون فيئة خلافا لعبد الملك وهذا كله داخل تحت الوطء في كلام المؤلف.
1 / 112
الثاني: إذا جاوز الرعاف الأنامل العليا هل يعتبر في الزائد قدر الدرهم أو أكثر أو لا؟.
وذلك أن من رعف في الصلاة وعلم دوام الرعاف إلي آخر الوقت المعلوم بل المختار فإنه يتم الصلاة كذلك، فإن شك في دوامه فتله ومضي علي صلاته كذلك إن كان قليلا بحيث لا يزيد علي الأنامل العليا ما لا يعفي عنه من الدم فغنه لا يتمادي علي صلاته كذلك، ولكن يقطع، إن تلطخ به، وإن لم يتطلخ جاز أن يقطع أو يخرج لغسل الدم، ثم يبني، وإن زاد علي الأنامل العليا اليسير من الدم وهو ما يعفي عنه وذلك قدر الدرهم علي قول، أو دونه علي قول آخر، فهل يعتبر في عدم التمادي كالكثير أو لا يعتبر، لكونه معدوما شرعا، فيمضي علي صلاته كذلك، كما لو لم يزد قولان بناء علي القاعدة المذكورة.
الثالث: إذا فقد الحاضر الماء وقلنا ليس هو من أهل التيمم قال التونسي: يجري علي حكم من لم يجد ماء ولا ترابا وهذا علي أن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا.
وعلي الآخر لا يصلي حتي يتطهر بالماء.
1 / 113
ومما يبنى أيضا علي هذه القاعدة لو حلف ليتزوجنّ فتزوج تزويجا فاسدًا أو ليبيعن العبد أو الأمة فباعهما بيعا فاسدا، أو ألفيت حاملا.
أو حلف ليأكلن هذا الطعام ففسد ثم أكله.
أو حلف علي فعل معصية من قتل أو شرب ثم تجرأ وفعله/ ٨ - أ.
وإذا جار في القسم فلا يحاسب ويبتدئ واستقرأ اللخمي خلافه.
وعليه عدم انتقال ضمان المشتري فاسدا إلي المشتري ولو فات المبيع بيده كوديعة عنده.
وإذا قتل محرم صيدا فهو ميتة خلافا للشافعي ..
قال القاضي أبو عبد الله المقري: قاعدة: المشهور من مذهب مالك أن المعدوم شرعا
1 / 114
كالمعدوم حقيقة، قال ابن رشد: إذا تجاوز الرعاف الأنامل العليا اعتبر في الزائد قدر الدرهم أو أكثر علي القولين، ونحوه لابن يونس قال التونسي: إذا فقد الحاضر الماء وقلنا ليس من أهل التيمم جري علي حكم من لم يجد (ماء) ولا ترابا. وإذا قتل المحرم الصيد فهو ميتة خلافا للشافعي.
وإذا جار في القسم فلا يحاسب ويتسامح وااستقرأ اللخمي خلافه ولا يحلل وطء الحائض ولا يحصن، خلافا لابن الماجشون.
تنبيه: لم يجعلوا من فروع هذه القاعدة حل يمين المكره بالإكراه الذي لا حنث به كمن حلف لا يفعل كذا فأكره عليه ففعله بعده مختارا حنث لعدم حنثه أو لا والجاري علي القاعدة الخلاف.
قوله: (وكإمام واصطراف) هما مثالان للقاعدة الثالثة، وتشعر به الكاف كما مر الأول: إذا صلي الإمام الراتب وحده هل لا يعيد ولا يجمع في مسجده لتلك الصلاة، لوجود الجماعة في تقدير الشرع أم لا؟ لعدمها حسا.
1 / 115