Sharh Lumat al-I'tiqad by Al-Mahmood
شرح لمعة الاعتقاد للمحمود
ژانرونه
شرح حديث الجارية
ثم قال ابن قدامة: [وقال للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: أعتقها فإنها مؤمنة) رواه مالك بن أنس ومسلم وغيرهما من الأئمة] .
هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، ورواه الإمام مالك، ورواه غيرهما؛ وقد استقصى طرقه أحد الإخوة الفضلاء، فألف رسالة أو جزءًا حديثيًا بعنوان: (أين الله)، تكلم فيه على من رواه، والكتاب جيد ومطبوع وموجود، وقد استقصى روايات كثيرة.
وهذا الحديث الصريح دل على أمرين مهمين جدًا يخالفان منهج المتكلمين: أحدهما: أنه يجوز السؤال عن الله بأين، وأن هذا السؤال لا يلزم منه لازم باطل، كالتجسيم أو المكان أو غير ذلك؛ لأن الرسول ﷺ وهو سيد الخلق سأل بأين، وقال للجارية: (أين الله؟) .
الثاني: أن الجارية أشارت بيدها أو برأسها، وقالت: (في السماء)، فأقرها رسول الله ﷺ، وقال: (أعتقها فإنها مؤمنة) .
إذًا: هذا يدل دلالة صريحة قطعية على أن الله ﷾ في العلو، وأنه في السماء، وأنه يسأل عنه بأين، وأنه لا يلزم من ذلك لازم باطل.
والعجيب أن المتكلمين تأولوا تأويلات غريبة جدًا! فبعضهم ضعف رواية: (أين)، وقال: الرواية الصحيحة: (من الله)، فنقول: أين وردت كلمة (من)؟! فإن الأئمة الجهابذة يروون بالأسانيد الصحيحة: (أين)، وهذا كأنه يرد هذه الرواية، فهو يرد الحديث خوفًا من أن يدل على شيء لا يعتقده ولا يقول به.
وبعضهم أجاب بجواب أعجب من هذا! ألا وهو أنه قال: حينما قال الرسول: (أعتقها فإنها مؤمنة) ما قصد إقرارها بأن الله في السماء، وإنما أراد أن يبين هل هي تعبد الأصنام أم تعبد الله؟ فسألها: (أين الله؟ فقالت: في السماء)، فدل على أنها لا تعبد هبل ولا العزى؛ لأنها لو كانت تعبد واحدًا منهم لقالت: هبل أو العزى في مكة أو في الطائف أو غيره، فلما قالت: (في السماء) دل ذلك على أنها تعبد الله، ولا تعبد الأصنام! وهذا تأويل ضعيف جدًا، اضطر إليه هؤلاء بسبب الاعتقاد الباطل الذي اعتقدوه؛ فإنهم قالوا: إن القول بأن الله في السماء يلزم منه أن الله في مكان، وأن المخلوقات تحوطه، ونحو ذلك من اللوازم الباطلة التي توهموها.
5 / 13