شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - حطيبة
شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - حطيبة
ژانرونه
ذكر ما جاء من احتجام النبي ﷺ ونهيه عن الحجامة ثم ترخيصه فيها
الحجامة: هي تشريط في جلد الإنسان في مواضع معينة يشفط بها الدم من هذا الموضع فيكون فيه شفاء لأمراض يعلمها الله ﷾، وجاء عن النبي ﷺ أنه احتجم وهو صائم، وجاء عنه أنه نهى عن الحجامة، وجاء عنه أنه رخص في الحجامة، وجملة الأحاديث التي جاءت عنه ﷺ في النهي عن الحجامة: (مر برجلين أحدهما يحجم الآخر فقال: أفطر هذان؟)، وجاء عنه أنه رخص في الحجامة ﷺ، الرخصة تكون بعد العزيمة، فكأنه نهى عن الحجامة ﷺ، ثم بعد ذلك رخص صلوات الله وسلامه عليه فيها، وإنما كرهت للصائم لأنه يضعف بسبب ذلك.
ففي صحيح البخاري عن ابن عباس ﵁ (أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم)، فدليل الجواز: (احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم)، ﷺ، وجاء عنه أنه قال: (أفطر الحاجم والمحجوم)، وجمع العلماء بين هذا وبين كونه احتجم وبين كونه رخص ﷺ: بأنه لعل هذا في وقت، ثم جاءت الرخصة بعد ذلك، أو أنه قال ذلك باعتبار ما يئول إليه، فقد يئول الأمر بالمحجوم أن يضعف، يخرج منه الدم فيضعف بسبب ذلك.
والحاجم كان في الماضي يشفط الدم بفمه، وذلك بوضع أنبوبة في فمه ويشفط بها، وكان في أيام النبي ﷺ لا يوجد أنابيب، إنما كان يأتي بقرن مجوف ويجعله على المكان الذي يشرطه، ومن ثم يشفط منه، فلعل الدم ينسحب إلى فمه ويقع في الفطر بسبب ذلك، ولذلك قال النبي ﷺ: (أفطر الحاجم والمحجوم).
وجاء عن أنس ﵁ قال: (أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به رسول الله ﷺ فقال: أفطر هذان ثم رخص النبي ﷺ في الحجامة للصائم) لاحظ الحديث فيه ترتيب، فالنبي ﷺ قال: (أفطر هذان ثم رخص) إذًا: هنا النهي كان عزيمة في الوقت، ثم جاءت الرخصة للخروج عن هذا النهي الذي هو عزيمة، فيحمل النهي على الكراهة فقط، ولذلك في سنن أبي داود عن رجل من أصحاب النبي ﷺ (أن رسول الله ﷺ نهى عن الحجامة والمواصلة)، وسيأتي الكلام عن المواصلة، قال: (ولم يحرمهما)، صحابي يقول ذلك، ففهم من النبي ﷺ أنه لم يحرم ذلك، قال: (إبقاء على أصحابه)، فلو أنهم احتجموا ونزل منهم كمية من الدم لضعفوا وما استطاعوا الصيام، فإبقاء عليهم حتى يقدروا على الصوم نهاهم عن الحجامة، (فقيل له: يا رسول الله! إنك تواصل إلى السحر، فقال: إني أواصل إلى السحر وربي يطعمني ويسقيني)، وسيأتي الكلام فيه.
إذًا: هنا الحديث فيه: (أن النبي ﷺ نهى عن الحجامة)، وأنه (احتجم وهو صائم)، ﷺ وأنه رخص في الحجامة، إذًا: جملة الأحاديث أن النهي كان في وقت، حين قال: (أفطر هذان)، إذًا: كان على التحريم، ثم بعد ذلك رخص النبي ﷺ وثبتت الرخصة فتجوز الحجامة في أثناء الصيام.
والحجامة: إخراج دم من الإنسان، ويقاس على ذلك التبرع بالدم في نهار رمضان، فلو أن إنسانًا مريضًا يحتاج إلى الدم ويطلب متبرعين بالدم لهذا المريض واحتاجوا لذلك، فالراجح: أن هذا لا يفطر الصائم؛ لأن النبي ﷺ رخص في الحجامة، واحتجم وهو صائم صلوات الله وسلامه عليه، فلو أن إنسانًا تبرع بالدم وهو صائم فصومه صحيح ولا يلزمه الإعادة، ولكن الإنسان إذا كان هذا يضعفه، ويئول أمره إلى أنه يفطر، فلا يتبرع بالدم في أثناء صومه إلا للضرورة.
إذًا: حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) الراجح: أن هذا إما باعتبار ما يئول إليه أمرهما، أو أن هذا منسوخ بأن النبي ﷺ رخص بعد ذلك.
8 / 3