127

Sharh Kitab Al-Fawaid

شرح كتاب الفوائد

ژانرونه

مفاسد الكبر قال: [فالكبر يمنعه الانقياد] أي: الانقياد للحق وللكتاب والسنة، فقد ثبت أن النبي ﷺ قال لرجل يأكل بشماله: (كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت ما منعه إلا الكبر، قال: فما استطاع أن يرفعها بعد ذلك)، وسبب امتناعه وضحه رسول الله ﷺ قال: (ما منعه إلا الكبر)، يعني: الكبر هو الذي جعله يمتنع أو يرفض أن يأكل بيمينه، فالكبر يمنعه من الانقياد. جاء شخص إلى أناس يحضرون محاضرتي لهم يوم الأربعاء فقال: من الذي يحاضركم كل يوم أربعاء؟ فقالوا له: شيخ اسمه فلان. فلما دخلت نظر إلي هذا الشخص، واستمع للمحاضرة، وإذا به بفضل الله أصبح صديقًا لي والحمد لله، وأصبح يزورني، فحكا لي كيف أحبني فقال: في الحقيقة أنا جلست أولًا هكذا -يعني: لا تغضب مني- وضعت رجلًا على رجل، فلما وجدت الكلام جيدًا ابتدأت أنزل رجلي، ثم بدأت أجتمع معك، ثم بدأت أعدل ظهري، ثم بدأت أجري وراءك في كل منطقة. قلت: وذلك بسبب التواضع، فقد كان رسول الله ﷺ متواضعًا، ومن تواضعه أنه كان يجعل الصحابة يمشون أمامه ويقول: (خلوا ظهري لملائكة ربي)، وقال ﷺ: (لا تسبقوني في ركوع ولا سجود، قالوا: أوترانا يا رسول الله؟! قال: أتظنون أن قبلتي بين عيني، إني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي). وثبت أن النبي ﷺ نبأ السيدة عائشة ﵂ بما قالت، فقالت عائشة ﵂: ﴿مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا﴾ [التحريم:٣]. وكان رسول الله ﷺ يدير غزوة مؤتة وهو جالس في المدينة ويقول: قتل زيد رفع الراية جعفر قتل جعفر، رفع الراية عبد الله بن رواحة، وقد وقعت هذه الغزوة في شمال فلسطين، والنبي ﷺ جالس في المدينة يترجم الأحداث. إذًا: الكبر يمنع العبد من الانقياد، فـ أبو جهل -والعياذ بالله- قال: تسابقنا نحن وبنو عبد مناف، فقالوا: لنا السقاية ولنا السدانة، وقلنا: لنا الراية والجيش في الحرب، فقالوا: منا نبي فأنى ندرك هذا الشرف؟ والله لا نؤمن به أبدًا، فما منعه من الإيمان إلا الكبر، قال الله ﷾: ﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ [القصص:٥٧]، فهم يعرفون أن الرسول على هدى، لكن الذي منعهم من الإيمان به هو الكبر. كان النبي ﷺ جالسًا بجانب عمه أبي طالب وهو يموت، وكان يقول له: (قل يا عماه! لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)، وكان عمه أبو طالب إذا نظر إلى أخيه أبي لهب قال له أبو لهب: يا رجل لا تفتضح أمام العرب بعد أن تموت، فإنهم سيقولون: الرجل غير دينه عند موته، وكان إذا نظر إلى الرسول ﷺ قال له رسول الله ﷺ: (يا عماه! قلها). ويروى أن العباس قال للنبي ﷺ: يا ابن أخي! ألم تشفع لعمك عند ربك؟ قال: (لقد شفعت يا عماه! قال: وماذا أعطاه؟ قال: يوضع في ضحضاح من النار يلبس أبو طالب نعلين من نار يغلي منهما دماغه) وهذا أخف عذاب في النار والعياذ بالله.

14 / 5