Sharh Kashf al-Shubuhat by Muhammad ibn Ibrahim Al Sheikh
شرح كشف الشبهات لمحمد بن إبراهيم آل الشيخ
پوهندوی
محمد بن عبد الرحمن بن قاسم
خپرندوی
طبع على نفقة محمد بن عبد الرحمن بن قاسم
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤١٩هـ
ژانرونه
مقدمة
...
شرح كتاب كشف الشبهات
تأليف: محمد بن إبراهيم آل الشيخ
جمع وترتيب: محمد بن عبد الرحمن قاسم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فهذا شرح لكتاب "كشف الشبهات"١ للشيخ محمد بن عبد الوهاب -قدس الله روحه- جمعته من تقريرات شيخنا الشيخ/ محمد بن إبراهيم ﵀. كتبتها حال إلقائه الدروس في مسجده وفي بيته من عام ستة وستين وثلاثمائة وألف إلى عام اثنين وسبعين وثلاثمائة وألف هجرية. وقد تكررت كتاباتي لهذا الشرح ست مرات. أكتب لفظه من فيه في حينه حرصًا على تقييد الفوائد، ومحافظة على أمانة النقل. وإن كان الثقات من العلماء يقتنعون بالنقل عن مشايخهم سماعًا ويحدثون به، كما يقول ابن القيم أحيانًا: وسمعت شيخنا أو شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: وكما يذكره الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري ﵀ عن مشايخه بلفظ: "تقرير" وغيرهما.
وهذه التقريرات التي سمعتها منه وسجلتها في دفاتري كملت بعضها ببعض ورتبتها فتحصل منها شرح واف بالمقصود موجز سهل العبارة ولله الحمد والمنة. ووضعت عناوين في الهامش للشبه وأجوبتها لتسِّهل فهم الكتاب. وجعلت المتن في أعلا كل صفحة. وفصلت بين المتن والشرح. وأعدت فقرات المتن مع الشرح ليكون أوضح من وضعه بصفة تعليق. وذكرت بعض ما روى من الأحاديث، خرجت الآيات، ونبهت على ما يشكل أو يحتاج إلى توضيح.
_________
١ كشف الشيء أظهر عنه ما يواريه أو يغطيه. والشبهة الالتباس. والشبهات ما يلتبس فيه الحق بالباطل والحلال بالحرام على بعض الناس.
والنظر في الشبهات لا ينبغي مخافة الوقوع فيها. فالنظر فيها ليعرفها لينكرها أو يحذر منها. وإلا فهو شر وقربان الشر شر.
1 / 5
وقدمت للكتاب بمقدمة وصفت فيها طريقة الشيخ محمد بن إبراهيم في افتتاح الدروس، وبينت حرصه على تعليم التوحيد، وحث الطلاب على تعلمه، وذكرت الفرق بين دين قريش ودين محمد ﷺ، ثم ذكرت موضوع الكتاب، ثم نص الشبه وملخص الجواب عنها.
1 / 6
طريقة الشيخ في افتتاح الدرس
"الحمد لله رب العالين، والصرة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، قال رجمه الله تعالى":
كان شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم ﵀ يستفتح الدروس في هذا الكتاب وغيره بهذه العبارة التي فيها الثناء على الله سبحانه، والصلاة والسلام على رسوله وآله وأصحابه أجمعين، ثم يترحم على المؤلفين.
وكذلك الطلاب يستفتحون قراءتهم عليهم في المختصرات "المتون" و"المطولات" كتب الحديث والتفسير والعقائد والفقه والنحو وغيرها بهذه العبارة. يجمعون بين الصلاة والسلام على آله وأصحابه تبعًا للصلاة والسلام عليه؛ لا يقتصرون على الصلاة والسلام على "آله" دون "أصحابه". وإذا تلوا نص الأحاديث اقتصروا على الصلاة والسلام على الرسول ﷺ كما هما موجودان في كتب الحديث ومؤلفات العلماء المعروفين باتباع طريقة أهل السنة والجماعة. وقد نبَّهنا شيخنا ﵀ في تقريراته -وكما يذكر ذلك غيره- على سر الجمع بين الصلاة السلام على آله وأصحابه بأن ذلك تأكيدًا لعقيدة أهل السنة والجماعة في معرفة حقوقهم وفضائلهم ومحبتهم، وبراءة من المبتدعين الذميمتين بدعة "النواصب" وبدعة "الروافض" حيث كان الاقتصار على الصلاة والسلام على "آله" دون أصحابه شعارًا للروافض ودعاية لعقيدتهم. هذا بقطع النظر عما يعنون "بآله".
ولم نسمع منه ﵀ في الدروس ولا في الخطب ولا غيرهما بعد ذكر "آله" عبارة "الطيبين الطاهرين" لأن هذه العبارة خبر عن طهارتهم والآية والحديث الواردان في ذلك فيهما الأمر لهم، وفرق بين الأمر والخبر.
1 / 7
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في "منهاج السنة": والله لم يخبر أنه طهر جميع أهل البيت وأذهب عنهم الرجس فإن هذا من الكذب على الله، كيف ونحن نعلم أن من بني هاشم من ليس بمطهر، ولأنه قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ . [الأحزاب: ٣٣] . ففيه أنه يحب ذلك ويرضاه لكم ويأمركم به، فمن فعله حصل له هذا المراد المحبوب، ومن لم يفعله لم يحصل له ذلك.
وقال في موضع آخر: قوله ﷺ: "اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا". دليل على أنه لم يخبر بوقوع ذلك، فإنه لو كان وقع لكان يثني على الله بوقوعه ويشكره على ذلك لا يقتصر على مجرد الدعاء١ ولأنه قال في الدعاء لنفسه والأمة تبع له: "اللهم طهرني من الذنوب والخطايا". ٢
_________
١ منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية (ج٤/٢٠ ج٢/٤١٩، ١٤٥، ١٤٦) .
٢ قلت: ولبعض من لا أثق به عبارة أستريب منها في الصلاة والسلام على الرسول، وهي: "والصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله" وقد يرفع صوته بالجملة الأخيرة، أو حبيبي حبيبي يا رسول الله.
ولم أكن أسمع شيخنا يقول في خطبه ودروسه "سيدنا" وله في ذلك فتوى مطبوعة. ولا "شفيعنا" بهذا الإطلاق، بل يقول: الشافع المشفع في المحشر. والمراد الشفاعة العظمى. وأما شفاعاته الخاصة. فلا يجزم بها لكل شخص. ولا "ورسوله أعلم" فهذه تقال في حياته. أما الآن فيقال: الله أعلم. "يقول الله تعالى" قليلا ما يستعمل هذه العبارة في حال استدلاله بآية؛ بل يقول: قال الله تعالى. فالله قالها وقت إنزالها، لا الآن والمستقبل. ولا: "يقول القرآن" فالقرآن لا يتكلم، وليس هو القائل، بل هو المقول. ومثلها "يقول الحديث الشريف" بل يقول: قال رسول الله ﷺ. ولا: "إسمعوا الله يقول" لأن هذه العبارة توهم أمرين محذورين الأول: أن الحاضرين يكونون بمنزلة موسى حين كلمه الله. الثاني: أن الله يتكلم الآن بما يتلوه من القرآن. ورحم الله ابن مالك حيث قال في تمثيله لبعض مسائل التعجب:
... ... ... كما ... كان أصح علم من تقدما
1 / 8
حرصه على تعليم التوحيد، وحث الطلاب على تعلمه
قال شيخنا ﵀: لا يُزهد في التوحيد، فإن بالزهد فيه يوقع في ضده. وما هلك من هلك ممن يدعي الإسلام إلا بعدم إعطائه حقه ومعرفته حق المعرفة، وظنوا أنه يكفي الاسم والشهادتان [لفظًا]، ولم ينظروا ما ينافيه وما ينافي كماله هل هو موجود أو مفقود؟!
قال: ومما يذكر عن المؤلف ﵀ أنه قال يومًا: يذكر البارحة أنه وجد رجل على أمه يجامعها، فاستعظم المحضر ذلك وضجوا منه رأوا أنه منكر كبير، وهو كبير. ثم قال لهم مرة أخرى: واحد أصيب بمرض شديد، فقيل له: اذبح "دِيَيْكْ" لفلان "وَليٍّ" فلم يستعظموه. ثم بين لهم أن الأول فاحشة يبقى معها التوحيد، والآخر ينافي التوحيد كله. وهذا لم يستعظموه مثل ذاك. وهذا هو الواقع من أكثر الناس فإن النفوس تستبشع أشياء أعظم من استبشاعها ما هو ضد التوحيد.
ولما ذكر المؤلف قصة بني إسرائيل الذين قالوا: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ . [الأعراف: ١٣٨] وقصة الذين سألوا النبي ﷺ "أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ ذَاتَ أَنْوَاطٍ" قال: ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك وهو لا يدري، وتفيد أن قول الجاهل: "التوحيد فهمناه" أن هذا من أكبر الجهل ومكائد الشيطان. قال شيخنا: إذ كان السائل في القصة الأولى مع نبي وهو موسى وهم أوسع علمًا منه والسائل في القصة الثانية مع نبي وهم أعلم وأقدم فضيلة استحسنوا ذلك ظنًّا منهم أن الله يحبه وأنه من العبادات التي يتقرب بها إلى الله.
وهذه الكلمة "التوحيد فهمناه" قد صدرت من بعض الطلبة لما كثر التدريس في التوحيد متنه أو كتب نحوه سئموا وأرادوا القراءة في كتب أخرى. وقيل: إنها صدرت من المراسلين١.
_________
١ الذين يكاتبون الشيخ -والله أعلم-.
1 / 9
دين قريش ودين محمد ﷺ
عقيدة المشركين ودينهم:
قريش أناس يتعبدون ويحجون ويعتمرون ويتصدقون ويصلون الرحم ويكرمون الضيف ويذكرون الله كثيرًا ويعترفون أن الله وحده هو المتفرد بالخلق والتدبير ويخلصون لله العبادة في الشدائد. ولكنهم يتخذون وسائط بينهم وبين الله يدعونهم ويذبحون لهم وينذرون لهم ويستغيثون بهم ليشفعوا لهم ويسألوا الله لهم زعمًا منهم أنهم أقرب منهم إلى الله وسيلة.
فبعث الله محمدًا ﷺ يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم ﵇ ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله، وأن فعلهم هذا أفسد جميع ما هم عليه من العبادات وصاروا بذلك كفارًا مرتدين حلال الدم والمال، وقاتلهم رسول الله ﷺ ليكون الدعاء كله لله، والذبح كله لله، والنذر كله لله، والاستغاثة كلها لله، وجميع أنواع العبادة كلها لله.
وانتقد المؤلف والشارح -رحمهما الله- من يدعي الإسلام بل يدعي العلم بل يدعي الإمامة في الدين وهو لا يعرف من كلمة "لا إله إلا الله" إلا مجرد التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني. وأن الحاذق منهم الذي يرى أن المراد شيء آخر غير اللفظ يخطئ المعنى المراد ولا يعرفه، يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق إلا الله ولا يدبر الأمر إلا الله، فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بأصل الإسلام. هذا أجهل من أبي جهل وأضرابه.
قلت: وسمعت أحد هؤلاء يشرح حديثًا يروى في فضل ليلة النصف من شعبان ونصه: "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن".
1 / 10
ففسر المشرك: بأنه الشخص إذا أتى إلى صاحب القبر وسجد له وسأله جلب نفع أو كشف ضر فهذا هو الشرك.
وقال الشارح أيضًا: كثير ممن ينتسب إلى الإسلام من هذه الأمة ليسوا على الدين إنما معهم اسمه فقط، ولا يعرفون شرك الأولين وشرك أهل هذا الزمان ولو عرفوه لوجدوه هو هو؛ بل شرك مشركي هذه الأزمنة أعظم بكثير١.
وقال المؤلف والشارح في آخر الكتاب: كثير من الناس إذا بين له أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل قالوا: هذا حق، وهذا الذين ندين الله به؛ ولكن لا نقدر أن نفعله، ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم، وغير ذلك من الأعذار. ما جهلوا ذلك ولا جحدوه؛ لكن آثروا العاجل والحطام على الآجل. والعياذ بالله.
هذا من أسباب بقاء كثير على الشرك.
ومن أسباب بقاء عامتهم على الشرك أن كثيرًا ممن يدعي العلم والإمامة في الدين منهم يشارك عبَّاد القبور في عباداتهم واحتفالاتهم ويأكل من نذورهم.
_________
١ لأن الأولين يشركون في الرخاء، وفي الشدة يخلصون، في الشدائد لا يدعون إلا الله وحده لا شريك له، وأما في زماننا فشركهم في الحالين جميعًا؛ بل إذا كانوا في الشدة نسوا الله بالكلية ولهجوا بمعبوداتهم من دون الله هذا يقول: يا متبولي! يا عيدروس! يا بدوي! يا عبد القادر! يا علي! يا حسين! يا رسول الله! يا فلان! أهـ (الشارح) .
قلت: ومن القصص الحية: أن بعض نسائهم إذا أخذهن الطلق نادت يا علي! يا حسين! وأن بعض الرجال إذا أيقن أحدهم بموت في بئر أو نفق استغاث بعلي أو بالنبي أو بالخمسة أو غيرهم ممن يعتقد فيه. وآخر يصرخ: من لبلادنا غيرك يا رسول الله!
وآخر وعظنا يومًا في أحد المساجد من ينتسب إلى السنة، وذكر أن وفاة النبي ﷺ، أشكلت على بعض الصحابة حتى جاء أبو بكر ﵁ فكشف عن وجهه وقال: بأبي وأنت وأمي طبت حيًا وميتًا، أذكرنا يا رسول الله عند ربك. أهـ. وهذه الجملة الأخيرة لا تصح نسبتها إلى أبي بكر، ولا يصدق أن الصديق يقول مثل ذلك وهو الذي تلا على المنبر: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ . [سورة آل عمران- الآية ١٤٤]، وقال: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله إلخ.
1 / 11
وإذا شدد الإنكار عليه وانقطعت حجته قال: "هذه مظاهر الكفر" وهذه الكلمة تخفي تحتها أن عقائدهم في التوحيد صحيحة سليمة.
ويعتذر بعضهم عن عامتهم: بأنهم جهال جهال، أو خرافيون، أو صوفية، أو ما قصدوا بعبادة أصحاب القبور إلا الله فلا يخرجون من دائرة الإسلام بهذه الأفعال وأشباه هذه العبادات التي فيها التهوين من شأن الشرك أو تسويغه.
لم يصرح لهم بالتوحيد الذي بعث الله به الرسل ولا بأن ما يفعلونه مثل ما كان يفعل عند اللاَّت والعزى وهبل، بل أعظم، حتى أن بعضهم يحلف بالله كاذبًا ولا يحلف بمعبوده إن كان كاذبًا١، بل إن بعض ينتسب إلى الإسلام بدلًا من أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله ينشدون:
أشهد أن لا إله إلا ... حيدرة الأنزع البطين٢
وإذا أضيف إلى ذلك الشهادة لهم بالإسلام بموجب البطاقة "الهوية" أو بأن آبائهم كانوا مسلمين. فمتى يقلع هؤلاء عن دعاء الأموات والطواف بقبورهم والعكوف عندها وبناء المساجد عليها والذبح والنذر لها وسؤال أصحابها العون والمدد وغير ذلك من الشركيات والبدعيات التي الإسلام والمسلمون حقًا براء منها ومن أهلها؟ ٣ ومتى يدخلوا في الإسلام المبني على خمسة أركان. ويسلم البعض الآخر من الإلحاد في الدين، واتباع طريقة العلمانيين (اللادينيين)؟ ومتى تصحح عقائد الناشئين، ويعرفوا الفرق بين دين المرسلين ودين المشركين؟ ومن يتحمل إثم الأريسيين؟!!
_________
١ وهذا دليل على أن عظمة محلوفه أعظم في قلبه من عظمة الله. ثم كيف أعمال القلوب الأخرى من الحب والخوف والرجا. ومن الأناشيد والأشعار التي فيها الغلو والشرك بالنبي ﷺ ما لا يزال يسمع كالهمزية والبردة وغيرهما.
٢ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (ج٣٥/١٦١) .
٣ وكيف ينصرون.
1 / 12
موضوع كتاب كشف الشبهات
(للشيخ محمد بن عبد الوهاب -قدس الله روحه-)
أما موضوعه فقد عبر عنه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بقوله:
هذا الكتاب جواب لشبه اعترض بها بعض المنتسبين للعلم في زمانه عليه؛ فإن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ﵀ لما تصدى لبيان التوحيد والدعوة إليه وتفصيل أنواعه والموالاة والمعاداة فيه ومصادمة من ضاده وكشف شبه من شبه عليه -وإن كانت أوهى من خيط العنكبوت وبين ما عليه الكثير من الشرك الأكبر- اعترض عليه بعض الجهلة المتمعلمين أزَّهم إبليس فجمعوا شبها شبهوا بها على الناس، وزعموا أن الشيخ ﵀ يكفر المسلمين وحاشاه ذلك؛ بل لا يكفر إلا من عمل مكفرا١ وقامت عليه الحجة، فأجابهم المصنف بهذا الكتاب، وما يميز به المنصف ما عليه الشيخ وأتباعه وما عليه أولئك.
وقدم مقدمة في بيان حقيقة دين المسلمين وما دعوا إليه، وحقيقة دين المشركين وما كانوا عليه. وبين أن مشركي زمانه هم أتباع دين المشركين. اهـ.
_________
١ ويأتي قوله: ليس المراد اللفظ بل اللفظ وإقرار وعمل. لكن لما كان العمل هو الأظهر للناس أكتفى به هنا.
1 / 13
ملخص الشبهات وأجوبتها
هذه "الشبه" أجاب المصنف عنها بجواب مجمل، ومثل لذلك بآية ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢] وأن الشفاعة حق، والأنبياء لهم جاه عند الله. ثم أجاب عن كل شبهة بجواب يخصها أو جوابين أو أكثر.
الشبهة الأولى: أن من أقر بتوحيد الربوبية -أنه لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر الأمر إلا الله- وأن محمدًا ﷺ لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا فضلًا عن عبد القادر أو غيره -وإنما قصد من الصالحين الجاه والشفاعة فليس بمشرك.
والجواب: أن الذين قاتلهم رسول الله ﷺ مقرون بما ذكرت وإنما أرادوا مثل ما أردت.
الشبهة الثانية: قوله: إن الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام.
الجواب: أن الكفار منهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد الأولياء ومنهم من يدعو عيسى ابن مريم وأمه، ومنهم من يعبد الملائكة، ولا فرق بين المعبودات١ فالكل شرك والكل مشركون، كفر الله من يعبد الأصنام وكفر من يعبد الصالحين والملائكة.
الشبهة الثالثة: أن طلب الشفاعة منهم ليس بشرك.
والجواب: أن هذا هو قول الكفار سواء بسواء ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣] ليس لهم قصد إلا شيء واحد وهو طلب الشفاعة من رب الجميع، وأنه كفرهم بذلك.
_________
١ في أن شيئًا منها لا يصلح للإلهية.
1 / 14
الشبهة الرابعة: نفيهم عبادة الصالحين مع أنهم يدعونهم أو يذبحون لهم ويقرون بأن هذا عبادة وأن المشركين الأولين هكذا كانت عبادتهم. وإن أنكروا أن هذا عبادة أو جهلوا فهذه الآيات والأحاديث تبين ذلك.
الشبهة الخامسة: أن من ينكر طلب الشفاعة من الرسول والصالحين فهو منكر لشفاعة الرسول ومنتقص للأولياء.
والجواب: أن الأمر بالعكس؛ فإن الشفاعة ملك لله ولا تكون إلا من بعد إذنه ولا يأذن الله إلا لأهل التوحيد، وأن طلبها من غير الله شرك وهو سبب حرمانها.
الشبهة السادسة: أن النبي ﷺ أعطي الشفاعة وأنها تطلب منه.
والجواب: إن إعطاءه الشفاعة إعطاءً مقيدًا لا مطلقًا، وشفاعته للعصاة لا للمشركين. وأيضًا الشفاعة أعطيها غير الرسول -فلا يدل على أنه يعطيها من سألها ولا أنها تطلب منه.
الشبهة السابعة: أن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك، فليس مشركًا.
الجواب بالتحدي: يسأل عن الشرك ما هو؟ وعن عبادة الله ما هي؟ فإنه لا يدري ما هو التوحيد، ولا ما هو الشرك الذي وقع فيه.
الشبهة الثامنة: قوله: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام.
فيقال له: هل هم يعتقدون أنها تخلق وترزق.
وإن قال: هو من قصد خشبة أو حجرًا أو بنية على قبر أو غيره يدعونه ويذبحون له يقولون: إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع الله عنا ببركته. فهذا تفسير صحيح لعبادة الأصنام وهو فعلكم بعينه. مع أن الشرك ليس مخصوصًا بعبادة الأصنام.
الشبهة التاسعة: قولهم: إنكم تكفرون المسلمين -تجعلوننا مثل المشركين الأولين ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله
1 / 15
ونصدق بالبعث ونصلي ونصوم ونحج ونعتمر -وهم بالعكس- كيف تجعلون من كان معه هذه الخصال وهذه الفروق كمن ليس فيه منها شيء.
وقد أجاب عنها بتسعة أجوبة بين فيها أن هذه الفروق غير مؤثرة بالكتاب والسنة والإجماع، بل هذه الخصال والفروق مما يتغلظ بها كفرهم.
من وجد منه مكفر بأن صدق الرسول في شيء وكذبه في شيء، أو رفع المخلوق في رتبة الخالق، أو غلا في أحد الصالحين فادعى فيه الألوهية، أو خالف الشريعة في أشياء مثل استحلال نكاح الأختين، أو وجد منه نوع من أنواع الردة، أو استهزأ بالله أو آياته. فهو مرتد، ليس من شرط الردة أن يجمع أطراف الردة أو يجمع الشركيات أو أن رب العالمين ومعبوده واحد في جميع ما يستحق. فإن الردة ردتان: ردة مطلقة، وهي الرجوع عما جاء به الرسول جملة. والثانية: أن يكفر ببعض ما جاء به الرسول.
الشبهة العاشرة: أن من قال: لا إله إلا الله لا يكفر ولا يقتل ولو فعل ما فعل. واستدلوا بأحاديث.
والجواب: أنها لا تدل على ما زعم المشبه من أن مجرد قول لا إله إلا الله يمنع من التكفير، بل يقولها ناس كثير وهم كفار؛ إما لعدم العلم بمعناها أو عدم العمل بمقتضاها أو وجود ما ينافيها -ومثل لذلك بأن اليهود يقولونها، وأصحاب مسيلمة الذين قاتلهم الصحابة، وكذلك الذين حرقهم علي ﵁، فقولها باللسان لا يكفي في عصمة الدم والمال.
الشبهة الحادية عشر: قولهم: إن الاستغاثة بغير الله ليست شركًا لجواز الاستغاثة بالأنبياء يوم القيامة. وقد بين المؤلف جهلهم حيث لم يفرقوا بين الاستغاثتين.
الشبهة الثانية عشر: استدلالهم على أن الاستغاثة بالأموات والغائبين
1 / 16
ليست شركًا بعرضها على إبراهيم من جبريل.
والجواب: أن هذه الاستغاثة جنس وتلك جنس آخر، فمن سوى بينهما فقد سوى بين المتباينين.
الخاتمة:
في بيان أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل. فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلمًا.
هذا والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم إنه سميع قريب مجيب وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
محمد بن عبد الرحمن بن قاسم
٢٤/٤/١٤١٧هـ
1 / 17
كشف الشبهات
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم رحمك الله..
ــ
﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾
ابتدأ المصنف ﵀ كتابه بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز وتأسَّيًا بالنبي ﷺ في مكاتباته ومراسلاته؛ فإنه كان يبدأها بالبسملة، وعملًا بحديث "كل أمر ذي بال" أي حال وشأن يُهتم به شرعًا: "لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع".
مقدمة المؤلف
قدَّم المؤلف ﵀ بعد البسملة مقدمة نافعة في بيان حقيقة دين المرسلين وما دعَوا إليه، وحقيقة دين المشركين وما كانوا عليه؛ ليعلم الإنسان حقيقة دينهم عند ورود الشبهات، ويعلم من هو أولى بدين المرسلين من دين المشركين١ ثم ذكر شبهاتهم التي أوردوها عليه، وأجاب عنها حيث قال: وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جوابًا لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا ... إلخ. وهي موضوع الكتاب.
(اعلم) هذه الكلمة يُؤتَى بها عند ذكر الشيء الذي له أهمية وينبغي
_________
١ تبتدي هذه المقدمة من قوله: "اعلم رحمك الله ... " وتنتهي عند قوله: "وأنا اذكر لك أشياء" (ص ٣٢) .
1 / 19
أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة
ــ
أن يصغي إليه المتعلم، ويتفهَّم ما يُلفى إليه، وما قرَّره المصنف في هذا الكتاب حَقِيقٌ بأن يصغى إليه غاية الإصغاء.
(اعلم) هذا الكلمة يأتي بها المتكلم لقصد التفهم لما بعدها؛ أي: اجمع قُوَاك وحواسك وكن متفهمًا لما يلقى إليك بعدها. ولا شيء أعظم من أن يُعتنى به ويُلقى له السمع والقلب أعظم من كلمة التوحيد (عبارة أخرى) .
(رحمك الله) كثيرًا ما يجمع المصنف ﵀ بين الدعاء للطالب مع ما قرره ووضحه وهذا من حسن مسلكه ومحبته ورحمته بالمسلمين.
"رحمك الله" أي: غفر لك فيما مضى ووفقك فيما يستقبل.
(أن التوحيد) الذي بعثت به الرسل وأول واجب على المكلَّف علمًا وعملًا.
(هو إفراد الله بالعبادة) فأل فيه للعهد. والمصنف كثيرًا ما يعتمد هذه العبارة، وهي أحسن التعاريف وأخصرها.
نعرف أن التوحيد ثلاثة أقسام:
الأول: توحيد الألولهية والعبادة؛ وهو المَعنِيّ هنا.
الثاني: توحيد الربوبية؛ وهو العلم والإقرار بأن الله هو الخالق الرازق المدبر وحده.
الثالث: توحيد الأسماء والصفات؛ وهو أن يوصف الله بما
1 / 20
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد ﷺ في السنة من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
والقسم الأول هو مدلول كلمة لا إله إلا الله مطابقة١ وإن كانت قد دلت على القسمين الأولين بطريق التضمّن٢.
"والعبادة" مشتقة من التعبد وهو التذلل والخضوع. يقال: طريق مُعَّبد؛ أي: مذلل قد وطئته الأقدام. وسميت وظائف الشرع على المكلَّفين عبادات لأنهم يفعلونها خاضعين ذليلين.
وفي الشرع لها تعاريف عند العلماء. أحدها ما عرَّفها به شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
ومنها ما عرفه الفقهاء بقولهم: العبادة ما أُمر به شرعًا من غير
_________
١ دلالة المطابقة هي دلالة اللفظ على تمام ما وُضع له؛ كدلالة لفظ البيت على معنى البيت (السقف والجدران) . ودلالة التضمن كون الجزء في ضمن المعنى الموضوع له؛ كدلالة لفظ البيت على (السقف) لأن لفظ البيت عبارة عن السقف والجدران. ودلالة الالتزام كون الخارج لازمًا للمعنى الموضوع له؛ كدلالة لفظ السقف (على الحائط) لأن السقف غير موضوع للحائط حتى يكون مطابقًا له، ولا يتضمن إذ ليس الحائط جزءًا من السقف كما كان السقف جزءًا من نفس البيت وكما كان الحائط جزءًا من نفسه أيضًا؛ ولكنه كالرفيق الملازم الخارج من ذات السقف الذي لا ينفك السقف عنه. (اهـ. روضة الناظر وشرحها، ص ٥٠، ٥١) .
٢ فدلالتها على القسمين باعتبار كونه المستحق أن يُعَبد هو بما اتصف به من صفات الكمال ن الربوببة وسائر الصفات العليا.
1 / 21
وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده
ــ
اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي.
ومنها ما عرفها به ابن القيم ﵀ بقوله:
وعبادةُ الرحمن غاية حبه ... مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائرٌ ... ما دار حتى قامت القطبان
وداره بالأمر أمر رسوله ... لا بالهوى والنفس والشيطان
(وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده) عرفه بأنه دين جميع المرسلين من أولهم إلى آخرهم كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ١ وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ٢ وإن تفرقت شرائعهم كما قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ ٣ وقال ﷺ: "ألأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد"٤ فدين جميع لرسل واحد والذي بعثوا به هو عبادة الله، والذي بُعثوا به هو الذي من أجله خُلِق الخلق، وهو الذي من أجله أُرسِلت الرسل وأنزلت الكتب.
_________
١ سورة الأنبياء، الآية: ٢٥.
٢ سورة النحل، الآية: ٣٦.
٣ سورة المائدة، الآية: ٤٨.
٤ أخرجه البخاري (ك. ٦ب٤٨) ومسلم (ص ١٨٣٧) أولاد العلات هم الإخوة لأب. فأصلُ دين الرسل واحد وشرائعهم مختلفة.
1 / 22
فأولهم نوح ﵇ أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين
ــ
(فأولهم نوح ﵇ نوح هو أول رسول بعث إلى أهل الأرض كما قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ الآية.
وكان بنو آدم قبله عشرة قرون كلهم على دين الإسلام١.
(أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين) فأول ما حدث الشرك في قوم نوح بسبب الغلو؛ وهو مجاوزة الحد في محبة الصالحين وتعظيمهم فوق ما شرعه الله؛ عظموهم تعظيمًا غير سائغ لهم بأن عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم، وإن كانوا ما عبدوهم وإنما عبدوا الصور لأنهم لم يأمروهم بعبادتهم، وإن كانوا أيضًا لم يعبدوا الصور إنما عبدوا الشيطان في الحقيقة لأنه الذي أمرهم. وبه تُعرَف مضرة الغلو في الصالحين فإنه الهلاك كل الهلاك، فإن الشرك بهم أقرب إلى النفوس من الشرك بالأشجار والأحجار، وإذا وقع في القلوب صعب إخراجه منها؛ ولهذا أتت الشريعة بقطع وسائله وذرائعه الموصلة إليه والمقربة منه.
والوسائل إما قولية أو فعلية، وهؤلاء غَلَوا فعلًا؛ غلوا بكثرة التردد إلى قبورهم وهذا فيه مشروع لكن زادوا فيه، وغلوا بالعكوف
_________
١ قال قتادة: ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الهدى وعلى شريعة من الحق ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله نوحًا ﵇ وكان أول رسول إلى أهل الأرض (مختصر السيرة ص ٤٧) .
1 / 23
ودّ وسُوَاع ويغوث ويعوق ونَسْر
ــ
وهو نسفه عبادة ووسيلة إلى عبادة أربابها؛ فلما رأى منهم الشيطان ذلك زين لهم تصويرهم. وهاتان الذريعتان -التصوير والعكوف- من أعظم الوسائل الموصلة إلى الشرك كما تقدم ويأتي.
ثم ذكر المغلوّ فيهم:
(ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر) وكانوا أهل خير وعلم وصلاح، فماتوا في زمن متقارب، فأسفوا عليهم وفقدوا ما معهم من العلم، فزيَّن لهم الشيطان التردد إلى قبورهم واللبث عندها، ثم أوقعهم فيما هو أعظم من ذلك فقال ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه صار أهون عليكم من التردد إلى قبورهم واللبث عندها؛ فدلهم على تصوير تماثيلهم وقال إذا فعلتم ذلك كان أشوق لكم إلى الإكثار. من العبادة فكأنكم تشاهدونهم في مجالسهم وعلى حالتهم ولم يكن مفقودًا منهم إلا الأجسام فقط؛ ففعلوا. ثم انقرض ذلك الجيل وأتى جيل آخر لم يدروا لما صُوِّرت تلك الصور، فقال إن مَن كان قبلكم كانوا يستسقون بهم المطر، يعني يسألونهم ويزعمون أنهم يسألون الله لهم. فوقع الشرك في بني آدم بسبب الغلو في الصالحين، فهو الباب الأعظم المفضي إلى الشرك بالله.
ولما أرسله الله إلى قومه فدعاهم إلى عبادة الله وحده ولم يحبه إلا القليل أمره الله بصنع السفينة فصنعها، وأرسل الله على أهل الأرض الطوفان وأغرق جميع من عَصَوه.
ورُوي أن السيل ألقى هذه الأصنام في جدة لما أغرق قوم نوح.
1 / 24
وآخر الرسل محمد ﷺ وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين.
ــ
ثم بعد مضي سنتين أتى إبليس إلى عمرو بن لحي الخزاعي -وكان رئيس قومه تلك المدة- فقال له: إئت جده، تجد بها أصنامًا مُعدَّه، فَرِّقها في العرب، وادعُ إليها تجب، فإنك إذا فعلت ذلك لم تختلف عليك منهم اثنان؛ ففعل -لعنه الله- فعُبِدت.
(وآخر الرسل محمد ﷺ وهو خاتم النبيين كما قال تعالى: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ ١ وقال ﷺ: "وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي"٢.
(وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين) المعبودة على عهد نوح ﵇؛ صور ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر. فانظر إلى آثار الشرك وعروقه إذا علقت متى تزول وتنمحي؟! فإن هذه الأصنام بقيت من يوم عُبِدت من دون الله حتى بعث محمد ﷺ وكسرها٣،
_________
١ سورة الأحزاب، الآية: ٤٠.
٢ أخرجه مسلم (ص ٢٢٨٦) .
٣ قال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ قال: على الإسلام كلهم، وكان أول ما كادهم به الشيطان هو تعظيم الصالحين، وذكر الله ذلك في كتابه في قوله: ﴿وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ قال ابن عباس: كان هؤلاء قومًا صالحين، فلما ماتوا في شهر جزع عليهم أقاربهم فصوَّروا صورهم.
وفي غير حديثه قال أصحابهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة.
قال: فكان الرجل يأتي أخاه وابن عمه فيعظمه حتى ذهب ذلك القرن، ثم جاء قرن فعظموهم أشد من الأول، ثم جاء القرن الثالث فقالوا ما عظَّم أولونا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله فعبدوهم! فلما بعث الله إليهم نوحًا وغرق من غرق=
1 / 25