كلُّ واحد منهما عامًا من وجه، خاصًا من وجه، فيدخل تحت القاعدة، اللهمَّ إلا أن يدَّعيَ المالكيةُ انصرافَ لفظة (١) (السباع) إلى البري؛ لتبادر الفهم عند الإطلاق إليه، فعلى هذا لا يعارض كل واحد منهما الآخر من وجه، وإذا عورضوا بوجود الحقيقة في السَّبُعية، وثَبَتَ لهم العرفُ في الاستعمال، كان الاستعمالُ مقدَّما على الحقيقة اللغوية، وإن لم يثبت ذلك، فلابدَّ من ترجيح، فإن طُلِبَ الترجيحُ العامُّ الخارفيُّ عن مدلول اللفظين، فقد يرجِّحُ المالكيةُ عمومَ هذا الحديث بموافقة ظاهر قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ﴾ [المائدة: ٩٦].
الرابعة والثلاثون: الحكمُ بحلّ ميتته يدلُّ على طهارتها، مع ضميمة مقدمة أخرى، وهي: أن النجسَ لا يحل أكلُه، بدليل نهيِهِ ﵇ بأن لا يُقرَب مائعُ السَّمنِ إذا وقعتْ فيه الفأرةُ (٢).
الخامسة والثلاثون: اختلفوا في إباحة أكل السمك الطافي، والذي ذكره الحنفيةُ ﵏ كراهتَهُ، ومذهبُ الشافعي ومالك
(١) "ت": الفظ".
(٢) رواه أبو داود (٣٨٤٢)، كتاب: الأطعمة، باب: في الفأرة تقع في السمن، والإمام أحمد في "المسند" (٢/ ٢٦٥)، من حديث أبي هريرة ﵁ بلفظ: سئل النبي ﷺ عن الفأرة تقع في السمن فقال: "إن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه".
قال الترمذي في "سننه" (٤/ ٢٥٦): وهو حديث غير محفوظ، ثم نقل عن البخاري أنه قال: هذا خطأ، أخطأ فيه معمر، قال: والصحيح: حديث الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة. وانظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر (٣/ ٤).