شرح كتاب الحماسة
لأبي القاسم زيد بن على الفارسي
المتوفى سنة ٤٦٧ هـ
دراسة وتحقيق
الدكتور محمد عثمان على
2 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
رحل أبو تمام حبيب بن أوس الطائي بعد الثلث الأول من القرن الثالث الهجري بعام أو عامين، مخلفا وراءه المئات من القصائد والقطع الشعرية التي أستحق بها عن جدارة وعلو كعب أن يكون زعيم مدرسة في شعرنا العربي، ومخلفا كذلك اختيارات شعرية، كان يختارها من شعر العرب بذوقه ونقده، فجاءت هي الأخرى دالة علي سلامة في الذوق، وبصيرة في النقد حتى قيل: إنه كان فيها «أشعر من شعرة».
وكان أروع اختياراته الشعرية- في نظر القدماء والمعاصرين- ديوان الحماسة الذي ما إن وقع تحت أيدي العلماء ودارسي الأدب حتى أقبلوا علية يوفونه حقه في الدراسة والشرح. بدأ ذلك منهم منذ منتصف القرن الثالث الهجري، وأستمر إلي عصرنا هذا الحديث.
لقد تصدي لشرحه كبار العلماء في مختلف العصور، منهم في القدماء أبو عبد الله النمري، والحسن بن بشر الآمدي، وأبو هلال العسكري وأبو علي المرزوقي، وأبو الفتح عثمان بن جني، وأبو العلاء المعري، وتلميذة أبو زكرياء التبريزي، ومنهم من المعاصرين سيد علي المرصفي، والشيخ إبراهيم الدلجموني، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور.
إن احتفال العلماء بديوان الحماسة كان عظيما، دل علي ذلك ما قمنا به من إحصاء لشروحهم، حيث بلغ تتبعنا لها- وفق ما وقفنا علية في المصادر ومكتبات العالم- أربعة وأربعين شرحا عدا الشروح المجهولة النسبة إلى أصحابها.
2 / 3
غير أن هذه الشروح لم تصل إلينا جميعها، ضاع جلها عبر الحقب والقرون، أو علي الأقل لا يعرف مكانها حتى الآن. إن ما وصل إلينا من مخطوطات هذه الشروح يعد ضئيلا بالقياس إلي ما خلفه العلماء من شرح هذا الاختيار، ومع ذلك فإن رحلة فك أسر هذه المخطوطات التي وصلت إلينا وإخراجها للقراء قد سارت بطيئة، بدأت في القرن الماضي عند المستشرق «غيورنغ ولهلم» الذي أخرج شرح التبريزي المتوسط محققا سنة ١٨٢٨ م، ثم تلاه شرح المرزوقي الذي حققته لجنة التأليف والترجمة والنشر بعناية أحمد أمين وعبد السلام هارون في سنة ١٩٥١ م.
ومع قيمة هذين الشرحين من شرح المادة الشعرية التي ضمها ديوان الحماسة، فإن هناك شروحا مخطوطة متناثرة في مكتبات العالم، بعضها فك أسرة بالتحقيق في رسائل جامعية لم تصل بعد إلي أيدي القراء، وبعضها لا يزال ينتظر دورة في خدمة أهل البحث العلمي.
وهذا الشرح الذي نقدم له بهذه الكلمات يعد ثالث شرح من عمل القدماء يخرج للقراء بعد شرحي المرزوقي والتبريزي السالفي الذكر، وهو شرح قام الترجيح علي أنة لأبي القاسم زيد بن علي الفارسي المتوفى بطرابلس الشام عام ٤٦٧ هـ.
لقد كانت دراسة هذا الشرح وما قمنا فيه من تحقيق جزءا من رسالة جامعية تقدمنا بها لنيل درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة فرع الخرطوم، وهي رسالة جاءت في كتابين: أحدهما «الموازنة بين شروح حماسة أبي تمام إلي نهاية القرن السادس الهجري» والآخر دراسة ها الشرح وتحقيقه.
وإذا كانت ظروف الطباعة قد أتاحت للكتاب الأول «الموازنة بين الشروح» أن يري النور قبل هذا الكتاب فإن هذا الأخير له من الفضل والقيمة ما يدركه كل قارئ له، ولعل فضلة وقيمتة- بالنظر إلي شرحي المرزوقي والتبريزي المطبوعين- يبدوان من منهج صاحبة، وهو منهج اختصاري تسهيلي يختلف عن منهج المرزوقي «الإبداعي الفني» ومنهج «التجميعي الإنتخابي»، إنه منهج يقدم للقارئ المعلومات المختلفة التي أثارها العلماء السابقون للشارح حول النص
2 / 4
وعناصر شرحه مختصرة موجزة، وفي عرض سهل ميسر ومن ثم كان هذا الشرح أليق بقراء العربية والأدب في زماننا هذا، من حيث إنه زمان موسوم بكثرة الأعباء التي يضطلع بها دارس الأدب والعربية بعامة، من جري وراء العيش، وملاحقة لما تخرجه المطابع من مؤلفات، ومساهمة في قضايا العصر الذي نعيشه، وهي كثيرة لا تحصي، لهذا ولغيرة كان لهذا الشرح المختصر الموجز قيمته بين الشروح ما طبع وما لم يطبع.
وإنني لآمل- وأنا أقدم هذا الشرح لعالم من علماء العربية، تفصلنا عنة قرابة الألف عام إلا عقودا-أن أكون قد قدمت عملا ذا نفع لقراء الأدب والباحثين فيه، ولا أدعي فيه كمالا ولكنة جهد وفرت له من عقلي وحواسي ما حقق له التقدير والإعجاب من أساتذة أجلاء، هم سندي ومفتخري، الأستاذ الدكتور الطاهر أحمد مكي، والأستاذ الدكتور محمد رشدي حسن، والأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الرحمن، والأستاذ الدكتور محمود علي مكي، أسبغ الله عليهم جميعا ثوب الصحة والعافية ومنحهم طول العمر حتى ينتفع غيري بهم مثلما انتفعت بعملهم إنه سميع مجيب.
محمد عثمان علي
2 / 5
الفصل الأول: الدراسة
2 / 7
تمهيد:
ينبغي أن ننوه بادئ ذي بدء إلي أن هناك عقبات أربعا تعترض سبيل الدارس لهذا الشرح. أولاها: الاضطراب الذي وقع في نسبته إلي صاحبة. وثانيها: شح المصادر في إيراد المعلومات التي تتصل بأبي القاسم زيد بن علي الفارسي الذي قام الترجيح علي إنه صاحب هذا الشرح. وثالثتها: مخطوطة هذا الشرح، فهي الوحيدة التي عثرنا عليها في بحثنا وتنقيرنا في المكتبات. ورابعتها: ناسخها الذي جاء أسمة في أول المخطوطة وآخرها «ياقوت بن عبد الله»، فقد كشفت الدراسة أنه ليس ياقوت أبن عبد الله الرومي الحموي صاحب معجمي الأدباء والبلدان الذي ذكرت المصادر أنه كان يشتغل بحرفة نسخ الكتب، ولا ياقوت بن عبد الله الموصلي الذي ذكر كل من ياقوت وأبن خلكان أنه كان ينسخ الكتب ويبيعها، وأنه كان متقنا للكتابة علي طريقة أبن البواب.
ووفقا لهذه العقبات رأينا أن تقوم الدراسة في هذا الفصل علي مباحث خمسة نحاول في كل مبحث من المباحث الأربعة الأولي أن نكشف عن كل عقبة منها، وأن نسير بها إلي وضوح وجلاء، ومن ثم خصصنا المبحث الأول لمعالجة العقبة الأولي حيث تناولنا بالدرس والمناقشة توثيق هذا الشرح ورجحان نسبته إلي زيد بن علي الفارسي، أتبعناه بمبحث ثان في دراسة حياته وآثاره محاولين أن نستنطق المصادر التي ترجمت له، وصولا إلي صورة واضحة المعالم عنه.
2 / 9
أما المبحث الثالث: فقد عالجنا فيه المنهج الذي سلكه في الشرح ومصادرة، وقيمة شرحه بالموازنة مع شرحي المرزوقي والتبريزي المطبوعين ومآخذنا علية. وجاء المبحث الرابع: في المخطوطة وناسخها وبيان حقيقة أمرة من خلال استعراض كل من حمل أسم ياقوت بن عبد الله ممن ذكرته المصادر التي رجعنا إليها- أما المبحث الخامس والأخير: فقد عقدناه لتوضيح منهجنا في التحقيق وما قدمناه من خدمة لهذا الشرح.
-١ -
توثيق الشرح
إن أول ما يوجهه الدارس في الشرح هو نسبته إلي زيد بن علي الفارسي، وذلك لأننا نجد في أول الورقة الأولي من مخطوطة هذا الشرح خطأ واضحا وقع فيه الناسخ حيث كتب في العنوان وبخط كبير «كتاب الحماسة، اختيار أبي تمام حبيب أبن أوس الطائي مع شرحه المختصر من إملاء الشيخ أبي علي أحمد بن محمد المرزوقي» ثم نجد في الورقة ذاتها تصحيحا لهذا الخطأ بخط أحد الفضلاء جاء فيه «هذا كتاب شرح الحماسة مما اختاره أبو تمام الطائي من تصانيف الشارح الإمام العالم العلامة زيد بن علي بن عبد الله الفارسي الفسوي. قال أبن عساكر في تاريخ دمشق وأبن العديم في تاريخ حلب: كان عارفا بعلوم كثيرة فاضلا بعلم اللغة والنحو، مات بطرابلس في ذي الحجة أو ذي القعدة سنة سبع وستين وأربعمائة».
والحق أن الذي يقرأ هذا الشرح ويعارضه بشرح الإمام المرزوقي يجد أن فروقا عدة قامت بين الشرحين وتدل دلالة واضحة علي أن هذا الشرح لا صلة له بشرح المرزوقي فهو ليس بمختصر منه كما ذهب الناسخ، فالاختلاف بين في عدة أمور أهمها المنهج وعناصر الشرح والأسلوب والمصادر المعتمد عليها في كل من
2 / 10
الشرحين، هذا أفضل عن الاختلاف في الأبواب، وترتيب القطع الشعرية، وعدد الأبيات في كل قطعة، ورواية الشعر.
فإذا نظرنا إلي المنهج وجدنا أن منهج المرزوقي- كما أوضحناه في كتابنا: شروح حماسة أبي تمام- منهج إبداعي فني أدبي يقوم علي الجهد العقلي والذوق الأدبي في معالجة النصوص بصورة تؤكد المقدرة الفائقة التي يتمتع بها الإمام المرزوقي في استنباط المعاني من خلال محصولاتة الثقافية الواسعة في علوم اللغة والنحو والأدب والبلاغة وهي علوم أضطلع بها المرزوقي وبرزت بوضوح من خلال شرحه.
أما منهج المصنف فهو منهج تعليمي يقوم علي الاختصار والتسهيل وإبراز معني النص في تناول سهل وعبارات ميسرة تميل غالبا إلي الإيجاز، وتدل علي أنه قد قصد بشرحه هذا فئة معينة من المتعلمين، فهو وإن كان قد أتفق مع المرزوقي في أن كلا منهما قد صنع شرحه لغاية تعليمية فإن متلقي شرحه قد كانوا مختلفين عن متلقي شرح المرزوقي، فالمرزوقي صنع شرحه لتلاميذه من بني وهم فئة خاصة، تعد نفسها للإمارة وتريد أن تصقل عقلها ووجدانها بالعلم والأدب لتنال منهما نصيبا وافيا يتناسب والمكانة التي تتطلع إليها في بلاط البويهيين. أما المصنف فالواضح أنه أملي شرحه لتلاميذ من عامة الشعب لا يمتون إلي الإمارة أو السلطان بصلة.
هذا من حيث المنهج، وأما من حيث الشرح فالاختلاف فيها قائم تبعا للمنهج ذاته، وهي، كما رأيناها عند المرزوقي متنوعة، فيها الرواية، وفيها النحو واللغة والبلاغة والنقد، يصول فيها ويجول، في إيجاز تارة وإسهاب تارات أخري. أما المصنف فهو يهتم بالرواية كثيرا، ولكنة قليل الاهتمام بالنحو والبلاغة والنقد، يقصر جهده علي المعاني، يعرضها في إيجاز واضح حتى يخيل إليك وأنت تقرأ شرحه إنه قد جعل الإيجاز مذهبا آلي علي نفسه ألا يفارقه، ولذلك تراه حين يناقش اللغة يناقشها فقط ليبرز المعني الذي يريد إثباته، فهو يخالف المرزوقي الذي كثيرا ما نراه
2 / 11
يفرع الحديث في اللغة داعما شرحه لها بالشواهد من القرآن والشعر.
والدارس للشرحين يستطيع أن يدرك الفروق في عناصر الشرح، وذلك من خلال أي نص من نصوص الحماسة، فمثلا في بيتي أبن زيابة الواردين في الحماسية رقم (٢٢) في شرح المرزوقي (٢٣) في شرح المصنف وهما:
نبئت عمرا غارزا رأسه في سنة يوعد أخواله
وتلك منة غير مأمونة أن يفعل الشيء إذا قاله
نجد المرزوقي يتكلم أولا عن «غارزا» فيقول: جعل غرز الرأس كناية عن الجهل والذهاب عما علية وله من التحفظ، ثم وقف عند النحو فبين العلة النحوية في مجيء هذه الأسماء منصوبة، عمرا، غارزا، رأسه، فنبأ وأنبأ مما يتعدى إلي ثلاثة مفاعيل، فعمرا منصوب علي أنه مفعول ثان، وغارزا علي أنه مفعول ثالث، ورأسه انتصب من «غارزا» ثم أنتقل إلي «سنة» فأفاد بأنها الغفلة، وحددها بأنها ما يحدث من أوائل النوم في العين، ولم يستحكم بعد، ثم وقف عند جانب بلاغي فقال: وهذا من أحسن التشبيه وأبلغ التعريض والإبعاد إذا كان علي ما وصف حقيق بالتهجين يدل علي ذلك قوله:
وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينة سنة وليس بنائم
وقد فصل الله تعالي بينهما بقولة: «لا تأخذه سنة ولا نوم» والفعل وسن يوسن وسنا، ثم وضح موضع «يوعد» من الإعراب، فهي في موضع نصب علي الحال، وأخيرا رجع إلي «غارزا» التي بدأ بها حديثة عن البيت، فبين استخدامها في الحقيقة والمجاز حيث أشار إلي أن معني «غارزا رأسه» مدخلا، ومنة الغرز بالإبر. ويقال: «غرز فلان رجلة في الغرز أي في الركاب، وتوسعوا حتى قالوا: إغترز فلان في ركاب القول.
ثم أنتقل إلي البيت الثاني فبين الشاعر منة وهو التهكم والسخرية قال: وفي طريقته قول الآخر:
وأما أخو قرط فلست بساخر فقولا ألا يا اسلم بمرة سالما
2 / 12
قال هذا ومرة معرض لكل بلاء، قم وقف عند النحو فوضح موضع «أن يفعل» من الإعراب قال: موضعه علي البدل من قولة: «وتلك منة» ثم أنتهي إلي المعني وهو «تلك الخصلة لا يؤمن وقوعها من عمرو وهو فعلة لما يقوله».
أما المصنف فقد كان عملة في البيتين علي النحو التالي: قال: «غارزا رأسه» راكبا رأسه، في سنة أي في غفلة، وتلك منه غير مأمونة، يستهزئ به أي لا يقدر علي ذلك، لأنة أضعف من أن يفي بما يتوعد به، المعني: يصف بلوغه وعيد عمرو وأخواله، وهذا الشعار من جملة أخواله، أي خبرت أن عمرا توعدنا، ثم دل علي قلة اكتراثه به، وأنه إذا قال شيئا لم يف به».
وواضح أن المصنف كان همة في البيتين مقصورا علي المعني، يشرح المفردات التي يري ضرورة توضيحها، ثم يعمد إلي مجمل فيورده، فهو لا يشغل نفسه بالنحو، ولا البلاغة، وهو حين يتعرض للغة فإنما يتعرض لها من حيث المعني المراد من اللفظ في البيت غير ملتفت إلي توضيح استخدام اللفظ في الحقيقة والمجاز كما فعل المرزوقي، ولا متم شرحه بشواهد تدعم ما صورة من معان للغة.
كذلك يمكن أن تلحظ هذه الفروق في العناصر في بيتي عمرو بن كلثوم الواردين في الحماسية (١٦٠) في الشرحين معا، وهما:
فما أبقت الأيام ملمال عندنا سوي جذم أذواد محذفة النسل
ثلاثة أثلاث فأثمان خلينا وأقواتنا وما نسوق إلي العقل
نجد المرزوقي يقف عن كلمة «الأيام» فيفسرها بالوقعات، ثم ينتقل إلي «ملمال» فيقول: أراد من المال فجعل الحذف بدلا من الإدغام لما ألتقي بالنون واللام حرفان متقابلان، الأول متحرك والثاني ساكن لازما، ثم صور معني البيت الأول فقال: «ما بقي تأثير الحوادث ونكبات الأيام عندنا من أصول المال ومقتنياتها إلا بقايا أذواد قطع الضر نسلها، وتمكن الهزال وسؤ الحال منها، فهي علي شرف فناء
2 / 13
وذهاب ثم رجع إلي المفردات ففسر الجذم بالأصل، والأذواد جمع ذود، والذود يقع علي ما دون العشرة، وقال أكثر أهل اللغة: إنها تقع علي الإناث دون الذكور، وبعضهم يجوز وقوعها علي الذكور أيضا، وما في البيت يشهد للأول.
ثم أنتقل إلي البيت الثاني فقال: «أموالنا ثلاثة أثلاث، فيرتفع الثلاثة علي أنه خبر مبتدأ محذوف، وما بعدها تفسير لها وتعليل، ونبه بما أورد وقسم الوجوه التي انصرفت إليها أموالهم فأفنتها، والطرق التي توزعتها فقللتها، فقال: افترقت أموالنا فرقا ثلاثا: ففرقة منها صرفناها إلي أثمان خيلنا لأنا غزاؤون ومعالجو حروب فلا نستغني عنها، إذ كان جدنا وهزلنا منها وبها، وفرقة منها حبسناها علي أقواتنا ومعايشنا لأن العفاة والزوار كانت تنتابنا وتتناوب عليها حتى تستغرقها لان إقامتنا بدار الحفاظ شغلتنا عن الغزو واجتذاب الزيادة إليها، وفرقة وجهناها إلي الديات وأروش الجنايات التي كسبتها أيدينا وإجترحتها رماحنا إذ كنا لعزنا ومنعتنا لا يطمع في الاقتصاص منا، ومثل هذا قول الآخر:
«نأسو بأموالنا آثار أيدينا»
فواضح من شرح البيت الثاني: أن المرزوقي يجنح إلي الإطناب في تصوير المعني وهو إطناب قائم علي الترادف في الألفاظ وتتابع الجمل التي تؤكد المعني الواحد وتقوية وذلك مثل قولة: «الوجوه التي انصرفت إليها أموالهم فأفنتها، والطرق التي توزعتها فقللتها» ومثل «كسبتها أيدينا، وأجترحتها رماحنا» والترادف مثل «غراؤون ومعالجو حروب» ومثل «تنتابنا وتتناوب عليها» و«عزنا ومنعتنا» كما نراه يجنح إلي تفريغ المعني وتنميته، فهو حين ذكر الوجه الأول: من وجوه مصارف أموالهم وهو أثمان الخيل فرع منة قولة: لأنا غزاؤون ومعالجو حروب فلا نستغني عنها، إذ كان جدنا وهزلنا منها وبها، وحين ذكر الوجه الثاني: وهو الأقوات والمعايش فرع منة قولين كلاهما تعليل لحبس المال في هذا المصرف، أحدهما قولة: لأن العفاة والزوار كانت تنتابنا وتتناوب عليها حتى تستغرقها، والآخر قولة: لأن إقامتنا
2 / 14
بدار الحفاظ شغلتنا عن الغزو واجتذاب الزيادة إليها، وكذلك لما ذكر الوجه الثالث وهو الديات وأروش الجنايات فرع منه قولة: إذ كنا لعزنا ومنعتنا لا يطمع في القصاص منا.
أما المصنف فإنه لم يخرج عن منهجه في الشرح الذي لاحظناة في النص السابق فعناصره لم تتجاوز الرواية والمفردات ومجمل المعني، فهو يبدأ بالمفردات فيقول: «ملمال» أراد من المال، والجذم الأصل، ومعني محذفة النسل مقطوعة الأولاد، هذا ما أوردة في شأن البيت الأول، أما البيت الثاني فقد وقف فيه عند رواية أخري أثبتها التبريزي في متن شرحه، وهي رواية «وما نسوق إلي القتل» بدل العقل، ثم فسر معني البيت في إيجاز ظاهر قال: «ثلاثة أثلاث، أي أموالنا ثلاثة أثلاث: ما نسوق إلي القتل لأجل القتل، أي ما نعطي في الديات، ونتحمل من المغارم، وثلثه ثمن الخيل، وثلثه للقوت والضيافة. وهو بهذا لا يتجاوز شرح المفردات وإيراد مجمل المعني في إيجاز بعيد عن الإطناب الذي أتخذه المرزوقي سبيلا في الشرح وإيضاح المعاني، ونحن هنا لا نريد أن نفاضل بين الشرحين، وإنما قصدنا أن ثمة فروقا واضحة في عناصر الشرحين جاءت تبعا للمنهج أتخذه كل من الرجلين.
وبجانب الاختلاف في المنهج وعناصر الشرح لاحظنا أيضا اختلافا في تفسير الشعر، فبيت بشامة بن حزن الوارد في الحماسية (١٣٤)، والذي يقول فيه:
إني امرؤ أسم القصائد للعدا إن القصائد شرها إغفالها
قال المصنف في شرحه: «أسم القصائد علي وجهين أحدهما أن يكون المراد أجود القصائد في هجاء العداكي تروي لجزالة معناها وبراعة لفظها، والآخر أن يكون المراد أذكر من أهجوه فيها كي تروي، والمعني يصف تجويده الشعر ليكثر إنشاده».
2 / 15
هذا ما فهمه المصنف من البيت، أما المرزوقي فقد قال في معني «أسم القصائد» أعملها بما يصير كالسمة عليها حتى لا تنسب إلي غيري، وحتى يعرف منها السبب الذي خرجت علية، فمن سمعها عرف قصتها، ولهذا قال: إن القصائد شرها إغفالها أي شر الشعر ما لا ميسم لقائلة والمقول فيه علية. ثم عرض رأيا آخر في البيت قال: «وسمعت من يقول: في البيت إنه مقلوب، والمراد أسم العدا بقصائدي كما قال الآخر:
جعلت له من فوق العرانين ميسما
والأول أكشف وأصح بدلالة أن الغفل جعله من القصائد فكذلك الموسوم يجب أن يكون منها».
ولا شك أن الفرق واضح بين التفسيرين، فالأول يذهب إلي أن السمة هنا الجودة القائمة علي جزالة المعني وبراعة اللفظ، أو هي أن يذكر في القصيدة المهجو حتى تشيع بين الناس وتروي، أما الآخر فيذهب إلي أن السمة هنا هي العلامة التي تميز شعرة، فلا ينسب إلي غيرة، أو تعني السبب الذي قيلت القصيدة من أجلة، فيعرف السامعون قصتها، ولم يقف المصنف عند قول الشاعر: «أن القصائد شرها إغفالها» ولكن واضح من شرحه أنه يذهب إلي أن شر القصائد ما لا جودة فيها، أو لم يذكر فيها أسم المهجو، في حين أن المرزوقي يفسر العبارة بأن شر القصائد ما لا سمة لقائلها أو دلالة تدل علي المقول فيه، والمقول فيه هنا هو المهجو، وهذا يدل علي أنها التقيا في هذا الجانب الجزئي من التفسير، غير أن ذكر المهجو في الشعر وأن كان سمة تسم القصيدة وتميزها فإنه لا يعني الجودة التي ذهب إليها المصنف في تفسيره الأول وأعتمدها في مجمل المعني.
وفي بيت عبد الشارق بن عبد العزي الوارد في الحماسية (١٥٢) وهو البيت القائل:
ألا حييت عنا يا ردينا نحييها وإن كرمت علينا
2 / 16
قال المرزوقي في شرحه: «هذا علي كلامين، وألا افتتاح، والتحية قال بعضهم هي الوداع ها هنا، يقول: ألا أبلغت وداعنا يا ردينه، ثم قال: نحييها أي نودعها وإن عزت علينا مفارقتها، ويجوز أن يكون دعا لردينه فقال: جزاك الله عنا أي تولي الله ذلك من دوننا، ثم راجع نفسه فقال: نفعل علي فخامة موقعها منا، وجلالة محلها في قلوبنا، إذ كنا لا نقدر لها علي غير ذلك، وقولة: «نحييها وإن كرمت» يسمي التفاتا، كأنة التفت إلي من معه فقال ذلك».
أما المصنف فقد جاء في شرحه قولة: «يعني نفارقها وإن كرمت علينا، قال أبو رياش: إن رجلا إذا عرف بمحبة امرأة لم يزوجوها له، وإذا سلم عليها عرف إنه يحبها ويهواها فقال: نسلم عليها وإن كان في السلام بأس منها، وهذا من إفراط شوقه وغلة هواة، وقبج غيرة: كان هذا الشعار غائبا عن ردينه فحن إليها، وأشتاق إلي قربها فقال: ألا خصصت عنايا ردينه بتحية منا، ثم قال معتذرا عن التسليم عليها في حال الغيبوبة نحييها وإن كرمت علينا أي وإن جلت عندنا من أن يتولى تحيتها غيرنا، غيرة منا عليها».
فواضح أن كلا من الشيخين ينقل قول من سبقه في معني البيت دون تعليق أو مناقشة، وهذا يدل علي أنهما ارتضيا ما نقلا، غير أن الاختلاف واضح بين ما نقلة المرزوقي وما نقلة المصنف، وطبيعي أن يقع ذلك لأن مصادرهما في الشرح مختلفة، وذلك علي النحو الذي سنوضحه في موضع آت.
وإذا كنا قد لاحظنا فروقا في المنهج وعناصر في المنهج وعناصر الشرح وتفسير الشعر فإن هناك فرقا في الأسلوب، فالمرزوقي- كما نعلم- كان أديبا كاتبا، ولذا أصطبغ أسلوبه في الشرح بصبغة أدبية عالية، قال عنة ياقوت: «كان يتفاصح في تصانيفه كابن جني، وقال عبد السلام هارون: «والمرزوقي ذو عبارة رصينة متخيرة، يتكلف لها الصنعة
2 / 17
حينا، ويعمد آخر إلي السجع الهين. وأفاد الدكتور أحمد جمال العمري عن أسلوب المرزوقي فقال: «وأسلوب المرزوقي مشرق مملوء حياة، هذا ما لمسناه يشرح فكرته ويدلل عليها، كان يختار التعبير الرائق الذي يثير في النفس ذكريات أو يوحي بخيالات تدعم المعني وتثير الشعور».
والحق أن الذي يقرأ شرحه يحس بأن الرجل كان في أسلوبه كما صورة هؤلاء العلماء، فقد كان يعني بأسلوبه عناية فائقة، ويكفي أن تقرأ مقدمته التي شرحها الشيخ محمد الطاهر بن عاشور لتدرك أنه كان ذا درجة عالية في السبك وصوغ الجمل والعبارات، أما المصنف فأسلوبه نابع من طريقته وهي طريقه-كما رأينا- بنيت علي السهولة واليسر والإيجاز، ومن ثم فهو لا يتكلف صوغ العبارة ولا يجتهد في تزيين كلامه وتوشيته بلون من ألوان البلاغة، وإنما يطلق العبارة سهلة لتوضح المعني الذي يريد إيصاله لمتلقي شرحه، فهو مثلا يقول في بيتي عمرو بن سبره الحرشي الواردين في الحماسية (١٦٢):
إذا سالت الجوزاء والنجم طالع فكل مخاضات الفرات معابر
وإني إذا ضن الأمير بإذنه علي الأذن من نفسي إذا شئت قادر
«إذا أشتد الحر، وقلت المياه عبرت الفرات ولك يمنعني خوف الغرق، وإذا بخل الأمير علي بإذنه قدرت علي الأذن من نفسي بالانصراف عن بابه وهربت من سلطانة». وفي حين نجد المرزوقي يقول في البيتين: «إذا تناهي الحر وارتفعت الجوزاء في أول الليل إلي كبد السماء، وطلع الثريا عند السحر، فكل مخاضه من جوانب الفرات معبر لي، أهرب فيه، لأن نضوب الماء ونقصانه يكون في ذلك الوقت، وإذا تمنع عن الأذن، وصدني الوقت عن مرادي، ولم أقدر علي جواز المسالح والمراصد لكونها مشحونة بالمرتبين فيها انتظرت غيض الماء وجزره في
2 / 18
الفرات وإمكان المخاضات من العبور والذهاب فحينئذ آذن لنفسي وأهرب، وإنما قال ذلك لأن المشارع لا تضبط كما تضبط الجسور ومضائق الطرق".
فالمرزوقي يصور المعنى بوجدانه وعقله، يتدخل الوجدان في تخير الألفاظ وصوغ العبارات، ويتدخل العقل في هذا التعليل الذي يتبع كل معنى يصوره ويقرره، بينما نجد المصنف يقف في تصويره للمعنى عند الإيجاز، وبعبارات سهلة، لا تخير في ألفاظها ولا تأنق في صوغها.
وأما المصادر فإن المصنف يعتمد على شروح سبقته لم يرها المرزوقي، ولم يفد منها فمن ذلك شرح أبي رياش الذي أفاد المصنف منه في أكثر من موضع، ومثله المبهج في شرح أسماء شعراء الحماسة لابن جني، وهذان المصدران لم يقف عليهما المرزوقي، ولذا خلا شرحه مما فيهما من فوائد، قال عبد السلام هارون في الموازنة بين شرح المرزوقي وشرح التبريزي: "إن المرزوقي قد فاته كثير من أخبار الشعر ومناسباته، والكلام على أسماء الشعراء واشتقاق أعلامهم، وهما الميزتان اللتان امتاز بهما التبريزي عليه، والتبريزي في الناحية الأولى أفاد من شرح أبي رياش للحماسة، ويبدو أن كتاب أبي رياش لم يقع للمرزوقي حتى يمكنه الانتفاع به كما صنع التبريزي، وفي الناحية الأخرى قد أفاد من شرح أبي هلال ومن المبهج لابن جني".
وأفاد المصنف من شرح الديمرتي للحماسة وكذلك شرح أبي علي الاستراباذي ورأيته ينقل من "معاني أبيات الحماسة" لأبي عبد الله النمري دون عزو، وهذه الشروح الثلاثة لا أثر لها في شرح المرزوقي.
والمصنف أيضًا ينقل عن رجال لم يردوا في شرح المرزوقي مثل أبي سعيد السيرافي، وأبي علي القاساني، وأبي سعيد الفسوي.
2 / 19
ولعل المصدرين الوحيدين اللذين التقى فيهما المصنف مع المرزوقي هما أبو علي الفارسي والبرقي، فأما الأول فقد كان أستاذا للمرزوقي، قرأ عليه كتاب سيبويه وتتلمذ له، ولذا نراه يذكر سماعه عنه في جملة من المواضع في شرحه. أما المصنف فإن صلته بصاحب الإيضاح كانت عن طريق أبي الحسين ابن أخت أبي علي الفارسي أخذ عنه كتاب خاله "الإيضاح" وشرحه للناس، وأخذ الناس الإيضاح عن المصنف من هذا الطريق. وقد أفاد المصنف من أبي علي الفارسي في بعض مواضع من شرحه. أما البرقي فقد أفاد منه الرجلان، غير أن البرقي -وكما سيتضح لنا في موضع ترجمته من هذا البحث- غير معروف في المصادر التي وقفنا عليها.
والمصنف كثيرا ما يورد عدة روايات للبيت الواحد، وهذا يدل على أنه قد وقف على نسخ مختلفة لمتن الحماسة أو روايات الشروح التي أفاد منها، والمرزوقي نفسه يشير في أكثر من موضع إلى أنه وقف على نسخ مختلفة لديوان الحماسة، غير أنني حين وازنت بين ما يناقشه المرزوقي من روايات وما يعرضه المصنف منها في شرحه وجدت أنه لا بد أن تكون مصادر الشيخين مختلفة في هذا الجانب، وربما كان مرد ذلك إلى تلك الشروح التي ذكرت أن المصنف أفاد منها، ولم يقف عليها المرزوقي.
وبجانب ما ذكرنا من اختلاف في المنهج وعناصر الشرح وتفسير الشعر والأسلوب والمصادر هناك اختلاف في الأبواب، وعدد القطع الشعرية، وترتيبها وعدد
2 / 20
الأبيات في القطعة الواحدة، فضلا عن الاختلاف في رواية الشعر، فالأبواب عند المرزوقي أحد عشر بابًا، وهي عند المصنف وغيره من الشراح عشرة أبواب، وذلك لأن الباب السادس جاء في شرح المرزوقي مشطورًا إلى بابين باب الأضياف وباب المديح، في حين أن قطع هذين البابين جاءت في باب واحد عند المصنف تحت عنوان باب الأضياف ولقد سبق أن ناقشنا ذلك في الكتاب الأول "الموازنة بين الشروح" وذكرنا أنه ربما يكون هذا قد وقع من النساخ الذين نسخوا شرح المرزوقي، ولكنه على أية حال يبقى فرقا بين الشرحين.
أما عدد القطع الشعرية في هذه الأبواب فقد اتفقا في بعضها واختلفا في بعض، اتفقا في باب الحماسة فقطعه عند كليهما ٢٦١ قطعة، وكذلك في باب المراثي فهو عندهما ١٣٧ قطعة، وفي باب السير والنعاس الذي بلغ عندهما ٩ قطع، وكذلك في باب مذمة النساء، فهو في روايتيهما ١٩ قطعة، أما بقية الأبواب فالاختلاف فيها واضح، فباب الأدب ٤٧ قطعة عند المرزوقي ٥١ عند المصنف وباب الهجاء ٨٠ عند المرزوقي ٧٦ عند المصنف، وباب الأضياف والمديح جاء مجموعهما عند المرزوقي ١٤٢ قطعة وعند المصنف ١٣٩، وجاء باب الصفات ثلاث قطع عند المرزوقي وأربع قطع عند المصنف.
أما الاختلاف في الترتيب فهو كثير متعدد، يكاد يشمل جميع الأبواب، فمثلا في باب الحماسة وهو باب اتفق الاثنان في عدد قطعه نجد أن الحماسية (٢٥٦) عند المرزوقي رواها المصنف بعد أربع قطع فهي عنده رقم (٢٦٠)، وفي باب المراثي الذي تساوت قطعه عندهما نجد أن مرثية جاءت عند المرزوقي هي مرثية جرير التي يرثي فيها قيس بن ضرار بن القعقاع، في حين أن هذه المرثية جاءت عند المصنف رقم (١٣٥) أي قبل قطعتين من نهاية الباب عنده. وفي باب النسيب في قطعة ابن هرم الكلابي وهي القطعة رقم (١٣٥) في شرح المصنف نجد أن المرزوقي روى بعدها خمس قطع جاءت متقدمة في شرح المصنف، فهي في رواية المصنف على الترتيب: ٧٥، ٧٦، ٧٧، ٧٨، ٧٩، والقطعة (٧٩) التي نسبها المصنف إلى خلف بن
2 / 21
خليفة أو عبد الملك الحارثي هي آخر باب النسيب عند المرزوقي، بينما آخر قطعة عند المصنف هي قطعة ابن المولى التي رواها المرزوقي قبل القطعة (١٣٤) في ترتيب المصنف.
وأما الاختلاف في عدد الأبيات في القطعة الواحدة فكثير بين الشرحين، وهذا يرجع غلى اختلاف نسخ الحماسة التي اعتمد عليها كل من الرجلين، والأمثلة عديدة يستطيع من يقف على الشرحين أن يلم بها، فحماسية قيس بن الخطيم وهي رقم (٥٧) رواها المرزوقي أربعة أبيات، بينما جاءت في رواية المصنف سبعة أبيات، وحماسية إبراهيم بن الحكم أو ابن أنيف النبهاني رقم (٧١) فهي عند المرزوقي خمسة وعند المصنف سبعة أبيات، وهكذا لو تتبعنا أبواب الحماسة لوجدنا الاختلاف متعددًا بين الشرحين في رواية عدد الأبيات في القطعة، وهو أمر أثبتناه في هوامش هذا الشرح، ويمكن أن يرجع إليه في سائر الأبواب.
وكذلك نجد اختلافًا في رواية البيت الواحد، صحيح أن هناك التقاء في الرواية كثير من أبيات الحماسة غير أن هذا الالتقاء صحبه أيضًا اختلاف في مواضع متعددة بل هناك اختلاف في الاحتجاج لصحة الرواية التي اعتمدها كل منهما، فمثلا بيت الفند الزماني الوارد في الحماسية رقم (٢) رواه المرزوقي هكذا:
مشينا مشية الليث غدا والليث غضبان
وقال في شرحه: "سعينا إليهم مشية الأسد ابتكر وهو جائع" وقال: "من روى " عدا " على أن يكون من العدوان فليست روايته بحسنة لأن الليث في أكثر أحواله ظالم".
2 / 22
أما المصنف فقد اعتمد رواية "عدا" بالعين غير المعجمة وقال: "وعدا من العدوان، أي مشينا كما يمشي الأسد عاديا غضبان" ونقل رأي بعضهم "إن الرواية "عدا" ولا يجوز "غدا" لأن الليث لا يغدو ثقة بنفسه إلا لصيد لا يفوته متى قصده".
وفي الحماسية التي نسبها المصنف إلى مؤرج السدوسي جاء البيت الأول منها في روايته على النحو التالي:
لا يمنعنك خفض العيش في دعة ... نزوع نفس إلى أهل وأوطان
بينما أثبت المرزوقي في روايته الأولى "نزاع نفس" وقال في الشرح: "ويروى نزوع نفس والنزوع اشتهاره في الكف عن الشيء والنزاع الشوق، وإن كان جائزًا وقوع أحدهما موقع الآخر".
كذلك روى المصنف البيت الأول من حماسية العباس بن مرداس رقم (١٤٩):
أبلغ أبا سلمى رسولا تروعه ... ولو حل ذا سدر وأهلي بعسجل
وقال: "الرسول ها هنا الرسالة ولذا أنث فقال: تروعه" وروى المرزوقي "رسولا يروعه" على أجراء اللفظ لا المعنى وقال: "الرسول يقع على المرسل والرسالة جميعا ويجري مجرى المصادر".
وفي حماسة القتال الكلابي رقم (٢١٧) روى المصنف البيت الرابع منها هكذا:
يرى أن بعد العسر يسرا ولا يرى ... إذا كان عسر أنه الدهر لازب
2 / 23