312

في كيفية إحداث البارد لما ذكره: أما التشنج والتمدد فمن وجوه ستة: أحدها من جهة تكثيفه وجمعه للعصب والعضلات فيتعذر على القوة المحركة * لتلك (282) الأعضاء انبساطها وانقباضها. فإن كان الأول كان التشنج، وإن كان الثاني كان التمدد. وقدم ذكر التشنج على التمدد لأنه أبسط منه والبسيط متقدم PageVW5P207B على المركب والتمدد مركب لأنه تشنج مضاعف. وثانيها أنه لقوة تأثيره يجمد المواد التي يصادفها في تلك الأعضاء فيسد خللها ومنافذها، وعند ذلك يتعذر على القوة المذكورة النفوذ ويحصل ما * ذكرنا (283) . وثالثها أن البرد نفسه إذا قوي غلظ جوهر الروح بل ربما جمده، وعند ذلك يتعذر أو يمتنع نفوذها أو مسالكها، ويحصل ما ذكرنا. ورابعها أن البرد إذا استولى على البدن هربت منه الحرارة إلى باطن البدن هروب الضد من الضد، وفي هذا كلام طويل قد ذكرناه. وقد عرفت أن الحرارة آلة للقوى جميعها في أفعالها والآلة متى ضعفت * ضعف (284) الفاعل فتضعف * القوى (285) المذكورة عن الفعل المذكور. وخامسها أن البرد المذكور يتبعه سقوط الشهوة والهضم، وذلك * تتبعه (286) قلة الغذاء ويتبع ذلك ضعف القوة المحركة عن التحريك المذكور. وسادسها أن البرد * يكثف (287) المسام ويمنع * ما (288) من شأنه أن يتحلل منها، وعند ذلك تغلظ أجرام الأعصاب والعضلات وغير ذلك من آلات الحركة، وهذه متى غلظت زاد عرضها ونقص طولها فيحصل التشنج والتمدد الامتلائيات. وأما الاسوداد فهو أن البرد القوي يجمد المادة ويجمد الحرارة الغريزية الموجبة للإشراق، ومتى حصل ذلك في الدم والحرارة الغريزية حصل الاسوداد للعضو. وأما النافض الذي يكون معه الحمى * والمراد (289) بهذه الحمى حمى يوم فإن الغالب على من أطال اللبث في الماء البارد وأكثر من استعماله من خارج فإن جلده يتكاثف ومسامه ينسد وتحتقن أبخرته ويحدث له حمى يوم. وأما الحميات الأخر فعروضها في مثل هذه الصورة قليل جدا، فإن البرد يجمد المواد ويمنعها من قبول العفن. والله أعلم.

18

[aphorism]

قال أبقراط: البارد ضار للعظام والأسنان والعصب والدماغ PageVW1P136A والنخاع، وأما الحار فموافق * نافع (290) لها.

[commentary]

الشرح هاهنا مباحث خمسة.

البحث الأول

في الصلة: أما صلة هذا بما قبله فذلك ظاهر لأنه ذكر فيه مضار البارد أيضا كحال الأول. فإن قيل كان الأحسن للإمام أبقراط أن يجعلهما فصلا PageVW5P208A واحدا لاشتراكهما في ذلك فنقول في الحقيقة حكم هذا الفصل، وإن شارك الأول فيما ذكرنا، غير أنه يغايره من وجهين : أحدهما أن الأول يتضمن ذكر مضار البارد بالنسبة إلى ذاته، وهذا يتضمن ذكر مضار البارد بالنسبة إلى القابل؛ وثانيهما أنه ذكر في الفصل الأول ضررا قويا صادرا عن البارد وهو لا يحصل إلا عن برد قوي، ولذلك قلنا لا بد من ذكر الشرط المذكور في الحار في الفصل الماضي، وفي هذا الفصل ذكر مطلق * الضرر (291) ومطلق الضرر أعم من الضرر القوي والعام غير الخاص فيكون غيره. وإذا ظهر مغايرته له تعين أن يكون غيره * فيوجب (292) أن يكون فصلا مستقلا.

البحث الثاني

في ذكر ما يدل على برد الأعضاء المذكورة: أما * العام (293) فالذي يدل على بردها وجوه أربعة: أحدها * أنها (294) أصلب الأعضاء قواما وأكثفها جرما، والصلابة في المركبات لغلبة الأجزاء الأرضية التي * هي (295) باردة؛ وثانيها أنها قليلة الدم، والدم حار على ما * بان (296) في غير هذا الكتاب؛ وثالثها بياض لونها فإنه قد ثبت أن البرودة تفعل من الألوان هذا اللون في الممتزج الأول؛ ورابعها عدم حسها على رأي الأطباء أو قليلة على رأينا وقوة الحس أنسب بالحرارة وضعفه أنسب بالبرودة والأسنان حكمها في ذلك قريب من حكم العظام. وأما العصب فالذي يدل على برده وجوه ثلاثة: أحدها صلابة قوامها، وثانيها بياض لونها، وثالثها ضعف حسها، وقد عرفت هذا جميعه. فإن قيل كيف يتصور أن تكون الأعصاب ضعيفة الحس وهي مسلك الحس؟، فنقول: ليس كلما كان مسلكا لشيء ففيه ذلك الشيء، فإن عصبي البصر مسلكا للقوة الباصرة، وليس لهما بصر، ولذلك صار الوجع الخاص بالعصب خدريا وباللحم ضربانيا، ومعنى الخدر نقصان الحس. وأما الدماغ فالذي يدل عليه أنه * بارد (297) وجوه أربعة: أحدها أنه * محيط (298) به أميه والقحف، وهذه كلها باردة؛ وثانيها قلة دمه، وثالثها بياض لونه، ورابعها عدمه للحس على رأي * غيرنا (299) وعلى رأينا قلته. فإن قيل على رأي PageVW5P208B الأطباء كيف يجوز أن يكون مبدأ الحس عديم الحس؟، فنقول: كما جاز أن يكون مبدأ الأبصار عديم البصر ومبدأ القوة الذائقة ليس له ذوق، جاز أن يكون مبدأ الحس ليس له حس لأن أفعال هذه القوى صدورها عنها موقوف على ورودها على أعضاء مخصوصة فقوة الحس، وإن كان مبدأها الدماغ لكن صدور فعلها عنها موقوف على * ورودها (300) إلى الأعصاب ثم إلى اللحم كحال قوة الأبصار والذوق في ورودهما على * الرطوبة (301) الجليدية وللسان. وأما النخاع فالذي يدل على برده وجوه أربعة: أحدها إحاطة أمي الدماغ به مع غشاء ثالث وجوهر الفقرات؛ وثانيها قلة دمه؛ وثالثها بياض لونه؛ ورابعها قلة حسه. وقدم ذكر العظام لأنها أبرد الأعضاء المذكورة هاهنا، * فإنها (302) أصلب من العصب وهو من الدماغ والدماغ أبرد من النخاع لأن النخاع مجاور للقلب ولأن حركته أوفر من حركة الدماغ كما أن حس الدماغ أوفر من حس النخاع والحركة أنسب باليبس والحس بالرطوبة واليبس أنسب بالحر من الرطوبة، وإن كان الحكم * بذلك (303) على الدماغ والنخاع فيه خلاف قد ذكرناه في شرحنا لكليات القانون.

ناپیژندل شوی مخ