278

الثفل المذكور يشابه المدة والبلغم الخام في اللون وفي الرسوب لكن الفرق بينهما أن بين الثفل المحمود والمدة فمن وجوه سبعة. أحدها أن المدة منتنة الرائحة والثفل المحمود غير منتن. وثانيها أن المدة قوامها أغلظ من قوام الثفل المحمود. وثالثها أن المدة إذا حركت هبطت أجزائها إلى أسفل بسرعة وذلك لغلظها والثفل المحمود ليس كذلك. ورابعها أن بياض المدة مائل إلى الزرقة لعمل الحرارة الغريزية فيها، والثفل المحمود لونه خالص البياض لما ذكرنا. وخامسها PageVW5P086A أن البول الذي يحس في مجاري البول عند خروجه يحرقه لبورقية المدة والثفل المحمود لا يحس عند خروجه بشيء من ذلك. وسادسها أن الذي يتقدمه أو يخالطه أجراد دموية والثفل المحمود ليس كذلك. وسابعها أن الذي يتقدمه دلائل الورم في بعض الأعضاء التي (795) يمكن أن تندفع مادتها بالبول والثفل المحمود ليس حاله كذلك. وأما بين الثفل المحمود والخام فمن وجوه خسمة. أحدها أن الخام أجزاؤه مندمجة بعضها في بعض بخلاف الثفل المحمود لما علمت. وثانيها أن الخام أغلظ قواما من المحمود لفجاجته واستيلاء البرد عليه. وثالثها أن الخام إذا حرك كان هبوطه إلى أسفل أسرع من هبوط أجزاء الثفل المحمود لما ذكرنا. ورابعها أن الخام إذا حرك كانت أجزاؤه عند التحريك شبيهة (796) بالخيوط متشبكة (797) بعضها إلى بعض. وأما المحمود فإنه إذا حرك كان مثل القطن المنفوش. وخامسها أن الخام لا يخرقه البصر والثفل المحمود يخرقه البصر لما ذكرنا. وأما الفرق بين الخام والمدة فمن وجوه ثلاثة. أحدها بالنتن وثانيها باتصال الأجزاء وهو أن الخام متصل الأجزاء والمدة منقطعتها، وثالثها أن الخام إذا حرك كان نزول أجزائه إلى أسفل القارورة أسرع من نزول الأجزاء المدة. وذلك لثقل الخام وفجاجته (798).

البحث الخامس

اختلف الأطباء في فعل الطبيعة أولا في النضج. المشهور عن الفاضل (799) جالينوس أن فعل الطبيعة في النضج أولا في التكوين ثم في التقويم. ولا شك أن التكوين أسهل من التقويم على ما يدل PageVW5P086B عليه الاستقراء فالطبيعة أول فعلها في اللون ثم في القوام (800). وذهب الشيخ الرئيس (801) في القانون إلى أن فعلها أولا في القوام ثم في اللون. وحجته في ذلك أن الغرض من النضج إعداد المادة للدفع وهذا القدر يتم باعتدال قوام المادة فيكون المطلوب بالذات الاعتدال وما هو مطلوب بالذات بجب تقديمه في الفعل. فالتقويم (802) متقدم على التكوين. والذي أقوله في الجمع بين القولين أنه إن أريد بالأولية بالنسبة إلى ما يظهر لنا كان النضج أولا في اللون لأن الطبيعة عند ما تلتفت إلى نضج المادة تتجه معها الحرارة الغريزية والأرواح. أما الحرارة الغريزية فلأنها آلة لها. وأما الأرواح فلأنها مركب لها فإذا شرعت في النضج ظهر فعلها أولا في اللون لأنه أسهل. وإن أريد بذلك إلى فعل الطبيعة فيكون فعلها أولا في القوام. فإن قيل إذا كان النضج يظهر والثفل على ما ذكرنا والأسهال لا يجب استعماله إلا بعد ظهوره، فلم لا يرى لون المواد (803) الخارجة بالإسهال بلون الثفل الخارج في القارورة. فنقول المواد الخارجة بالإسهال البعض منها قريب من جوهر الأعضاء والبعض بعيد. فما كان منها قريب شبهته البطيعة بجواهرها فيما ذكرنا. وما كان منها بعيد عجزت عن أن (804) تفعل فيه ذلك. ولذلك (805) صرنا إذا أبططنا الورم لإخرج المادة القيحية فإنه عندما يخرج القيح ويعصر (806) الورم تخرج مدة يشوبه دم ثم إذا بالغنا في عصرها خرج دم فقط. وما سبب هذا إلا أن ما كان من المادة قريبا من جوهر العضو استحال إلى القيح وما كان بعيدا عنه PageVW5P087A استحال إلى صديديته كذلك المواد المواد (807) المحتبسة في تجاويف العروق فإن ما كان منها قريبا من جواهر (808) الأعضاء استحال إلى البياض وإلى التشابه المذكور وما كان بعيدا عن ذلك بقي على ما هو عليه. ولا شك أنها عند الخروج ليس الخارج منها هو ما قد نضج فقط بل الجميع الناضج وغير الناضج ولا شك أن الغير ناضج أكثر والحكم للغالب والأكثر فيكون الغالب على لون الخارج لونه. فإن قيل كيف يتأتى خروج ما لا ينضج من المواد لأنه ليس فيه مؤاتاة لذلك ويلزم هذا تعدد (809) الأسهال في الأسهالات الصناعية لأن الغالب على مواد البدن المواد الغير ناضجة. فنقول الطبيعة عندما ينضج الجزء من المادة القريبة من جواهر الأعضاء نضجا تاما تفعل بعض ذلك الفعل فيما بعدها من جواهر الأعضاء ويلزم ذلك البعض استعداد للخروج والبروز لا سيما والقوة قوية وهي معينة (810) للدواء المخرج للمادة في الإخراج.

البحث السادس

الثفل الطبيعي له في القارورة ثلاثة مواضع أعلاها ووسطها (811) وأسفلها. فمتى كان في أعلاها فهو لرياح متوفرة مداخلة لجرمه. ولا شك أن هذا يدل على عجز الطبيعة وضعفها عن نضج تلك المادة وتحليل ما فيها من الأجزاء المذكورة. والمتعلق في وسطها يدل على مذاخلة أجزاء ريحية أقل * من مقدار (812) تلك المداخلة للطافي. ومثل هذا يدل على توسط الطبيعة في القوة والضعف، والراسب يدل على فناء تلك الأجزاء وهذا يدل على قوة الطبيعة البدنية. لما كان حال الثفل PageVW5P087B كذلك كان الراسب أجود من المتعلق وهو أجود من الطافي المسمى بالغمامة وهذا هو الثفل الطبيعي. وأما في PageVW1P121A الغير طبيعي كالأسود الاحترقي والجمودي فالطافي منه أجود من المتعلق وهو أجود من الراسب لدلالة الراسب على قوة المحرق والمجمد والطافي على ضعفه والمتعلق على توسطه. فإن قيل هاهنا بحوث أربعة أحدها أن ذكر الغمامة البيضاء أكثر ودلالتها أبلغ. وثانيها أن تقديم الإنذار على المنذر به أولى من العكس. وأبقراط قد فعل في هذا الفصل العكس فإنه قدم المنذر به على يوم الإنذار فإنه قال من يأتيه البحران في السابع فإنه قد يظهر في بوله غمامة حمراء وكان من الواجب أن يقول قد يكون من ظهر في بوله غمامة حمراء ولم يقل فإنه (813) يظهر في بوله غمامة حمراء فإن لفظة قد يدل على التقليل. ورابعها لم خصص مثاله بيوم البحران والإنذار السابع والرابع ولم لا ذكر غير ذلك من أيام البحران والإنذار كالرابع عشر والحادي عشر المنذر به والسابع عشر والرابع عشر المنذر به. والجواب عن الأول أن الغمامة البيضاء ذلك (814) معلوم منها وإنما الشك في الحمراء لأن النضج فيها أقل ولعلها لأجل ذلك يعتقد أنها لا يدل على كمال النضج في السابع فلذلك خصصها بالذكر ويعلم من ذلك أن البيضاء بطريق الأولى في ذلك. والجواب عن الثاني من وجهين أحدهما أن ذكر العكس أولى من ذكر الأصل لأنه لازم وصدق لازم الشيء إنما يكون بعد صدق ملزومه واللازم هاهنا مجيء البحران في السابع والملزوم إنذار البرابع به على ما ذكره أبقراط هاهنا. فإذا بين أن لازم PageVW5P088A الشيء صادق كان العلم بصدق ملزومه أولى وأكد من العلم بصدق لازمه عند التصريح به على صدق لازمه. وثانيهما (815) أنه لو ذكر القضية على أصلها وهو أن تقدم الملزوم * على اللازم (816) لم يمكن ذكرها إلا جزئية لأن إنذار الغمامة الحمراء ببحران السابع ليس هو بتلك الوثاقة حتى يكون دائما كإنذار الغمامة الببضاء به. والمراد بالدائم في عرف الأطب الأكثري الوجود وإذا كان لا يمكن ذكرها إلا جزئية أشعر ذلك (817) أنها لا تصدق كلية فإن صدق الجزئي لا يمنع صدق الكلي. أما إذا ذكر عكسها جزئيا لم يشعر بذلك لأن عكس الكلي جزئي. والجواب عن الثالث أن دلالة الغمامة الحمراء على كون البحران في السابع أقلية ولأجل هذا نبه أبقراط على ذكرها لئلا تهمل ودلالة البيضاء أيضا على ذلك أكثرية ولأجل هذا ترك ذكرها للعلم به. ولما كانت دلالة الحمراء أقلية عبر عنها بلفظة قد التي المراد بها التقليل فكانت العبارة موافقة للأمر في نفسه. والجواب عن الرابع أنه ليس كل يوم منذر بيوم يكون حاله معه كحال الرابع مع السابع فإن الغمامة الحمراء إذا وجدت في الحادي عشر لا تدل على أن البحران يكون في الرابع (818) عشر أبدا لأن الرابع عشر مدته قصيرة فإذا ظهر فيها علامة نضج دل على أن المادة مطاوعة سهلة الإجابة إلى النضج. فإذا مضى أي السابع فقد مضى على تلك المادة زمان * مساو للزمان (819) الذي انفعلت فيه بالنضج فوجب أن يكمل لأن بوم الإنذار يظهر فيه نصيب وافر من النضج. أما النصف أو قريبا منه وتمامه يظهر في يوم البحران والحادي عشر مدته PageVW5P088B طويلة فإذا ظهر فيه إنذار دل على أن المادة غير مطاوعة للنضج. ومثل هذه المادة لا يتغير في المدة التي بين (820) الحادي عشر والرابع عشر لأنه ليس هو مثل الزمان الذي ظهر فيه ابتداء النضج فلا يلزم أن يكمل النضج فيه فلا يكون فيه البحران ولذلك صار يتخلف في الإنذار ويتأخر إلى السابع عشر والعشرين والحادي والعشرين على اختلاف المذهبين. فإن وقع فيه دفع فليس هو لكمال النضج كما وقع في السابع بل قد يكون لاستعجال الطبيعة للدفع بسبب شدة أذية المادة لها. فالحاصل أنه ليس إنذار الرابع بالبحران الآتي بعده كإنذار الحادي عشر بالبحران الآتي. فلما كان حال الرابع مع السابع كذلك خصصه بالذكر في المثال باليوم المنذر بالبحران (821).

البحث السابع

في قوله سائر العلامات يكون على هذا القياس. قال جالينوس من المفسرين من ظن أنه يريد بالعلامات المذكنورة (822) التي تؤخذ من النوم ومن اليقظة ومن التنفس ومن الاضطجاع ومن النهوض وغير ذلك مما ذكره أبقراط في كتاب تقدمة المعرفة. * قال فهذه (823) كلها إذا كانت على ما ينبغي دل على أن البحران يكون في البوم السابع. قال وهذا ظن فاسد فإن المرضى في الأكثر الأمر يسهرون ويقلقون وتشتد بهم الحمى وكثير منهم يتغير نفسه بالقرب من البحران. قال بل الحق عندي أنه يعني بالعلامات العلامات المأخوذة من البول والبراز والعرق وهو أنه إذا أخذ البول إلى الاعتدال في القوام بعد أن كان رقيقا أو غليظا في اليوم PageVW5P089A الرابع فالبحران في السابع وكذلك إن حصل فيه الصبغ بعد أن كان مائيا في البوم الرابع فالبحران في السابع. فمثل هذه إذا ظهرت في الرابع أنذرت بالبحران في السابع لكن لا تدل دائما على بحران محمود. واعلم أن الجميع حق (824) أي ما قاله المفسر الأول وما قاله جالينوس لأن العلامات الماخوذة مما ذكره الأوائل (825) إذا كانت في اليوم الرابع على ما ينبغى دلت على بحران محمود يكون في السابع وإن لم يكن كذلك دلت على بحران رديء غير أن ما ذكره جالينوس أقرب إلى الحق لأن كلام أبقراط في العلامات المأخوذة من البول فلما ذكر العلامات المأخوذة من الغمامة استثنأ وقال لست أقول ذلك في الغمامة فقط بل وسائر (826) العلامات المأخوذة مما نحن فيه مثل المأخوذ من القوام ومن اللون لأنك قد عرفت أن البول يدل على أحوال الأعضاء بقوامه ولونه ورسوبه (827).

البحث الثامن

في الثفل الغير طبيعي وهو ثمانية عشر قسما النخالي والدشيشي والصفائحي والسويقي والذوباني والكرسني واللحمي (828) والخامي والعلقي والشعري والأصفر والأسود والأحمر والخميري والرملي والحصوي والرمادي والمذي. فالنخالي تارة يكون من انجراد الأعضاء الأصلية وتارة يكون من انجراد المثانة كما في جربها وسنتكلم في هذا. والدشيشي PageVW1P121B تارة يكون من انجراد باطن الأعضاء الأصلية وتارة يكون من احتراق الدم وتارة يكون من جهة المثانة لكنه يكون نادر الوجود وتارة يكون من احتراق البلغم وانعقاده وتارة يكون من انحلال اللحم وتفتته. أما الكائن من انجراد الأعضاء فسببه تمكن الحرارة الغريبة منها بحيث أنها تنشف الرطوبات PageVW5P089B الأصلية الموجبة لاتصالها. ولا شك أن العظام الغالب عليها الأجزاء الأصلية (829) والأجزاء الأرضية إذا عدمت الأجزاء المائية الموجبة لاتصالها تفتت أجزاؤها وتناثرت. وهذا النوع من الثفل أردأ من النخالي لوجهين. أحدهما أن النخالي من انجراد سطح الأعضاء والدشيشي من باطنها وعمقها. ولا شك أن الأول يدل على ضعف الحرارة الغريبة والثاني على قوتها بحيث أن فعلها تعدى إلى باطن الأعضاء. وثانيهما أن الدشيشي أكثر من النخالي والأجزاء المنفصلة (830) من الأعضاء كلما كانت أعظم فالآفة الموجبة لما أقوى وكلما كانت أصغر فالآفة أضعف. ولا شك أن قوة الآفة أدل على الهلاك من ضعفها ويخص هذا من العلامات عموم الحمى وقوتها وعدم نضج البول لأنه قد عرفت أن المعدة والعروق وجواهر الأعضاء هي العاملة له القوام والرسوب. وبهذا يفارق الدشيشي المنفصل من جوهر المثانة والكائن من احتراق الدم يكون قوامه صلبا عسر التفتت ولونه أحمر وتكون الحمى معه قوية وإلا لما انعقد. والكائن من جهة المثانة قليل الوقوع لأن جرم المثانة رقيق على ما دل عليه التشريح فلا يبلغ أن يكون الخارج منه في الجرب في ثخانة الدشيش إلا وتبلغ الآفة إلى آخرها كما في خرقها وذلك نادر الوقوع. ويخص هذا من الأعراض حكه عند (831) أصل القضيب وحرقه عند مجيء البول والكائن من انعقاد البلغم يكون لونه أبيض مع كمودة وتكون الحمى معه قوية. واللحمي يكون قوامه لينا وهو عسر الانفصال وتكون الحمى معه قوية لكن قوتها دون قوتها مع ما ذكرنا. والصفائحي ويسمى العرقي والعرق هو القشر الذي PageVW5P090A يوجد داخل القضيب الفارسي بقرب العهد بالانعقاد الذي له. وقيل هو القشر الرقيق الأبيض الذي بين بياض البيض وبين القشر الخارج وهو أن يخرج من أجزاء عرضية قليلة السمك. وهذه الأجزاء تارة يكون انفصالها عن الأعضاء الأصلية كالعروق والعصب والشرايين وتارة يكون انفصالها من المثانة وتارة يكون من انجراد الكلية والأعضاء اللحمية والنوع الأول أردأ الجميع. ولذلك صار هذا الثفل متى ظهر في الحميات أنذر بالدق. والفرق بين الخارج من الأعضاء الأصلية وبين الخارج من المثانة بما ذكرنا من نضج البول وعموم الحمى ويخص الثاني وجع في العانة (832) والخارج من الكلى حمرة (833) اللون ووجع في القطن ويفرق بين الخارج من اللحم والأعضاء الأصلية باللون وهو أن الخارج من اللحم أحمر اللون ومن الأعضاء الأصلية أبيض. واعلم أن الصفائحي الخارج من الأعضاء الأصلية أردأ من النخالي ودون الدشيشي في الرداءة. أما الأول فلأنه قد علم أن الأجزاء المنفصلة متى كانت أعظم فالفساد مستول على أجزاء متباعدة ومتى كانت أصفر فالفساد مستول على أجزاء متقاربة. ولا شك أن الصفائحي أكثر من النخالي فيكون أردأ لأن الفساد فيه مستول على أجزاء كثيرة. وأما الثاني فلأن الصفائحي من ظاهر الأعضاء والدشيشي من باطنها والآفة لا تصل إلى الباطن إلا وقد بلغت في الظاهر. والسويقي قريب من الدشيشي في اللون ويفارقه أن هذا * أدق وأصغر (834) جرما. والذوباني هو أجزاء دسمة ترسب في قعر القارورة عند برد المثانة وذلك لحرارة قوية مذيبة. ولذلك صار PageVW5P090B هذا في الحميات الحادة منذر بالدق. وفي الدق منذر بالهلاك. ثم هذا الذوباني تارة تكون في شحم الكليتين (835) وتارة (836) من ذوبان شحم باقي الأعضاء. والفرق بين ذلك من وجوه أربعة. أحدها أن الخارج من جهة الكلى كثير المقدار وذلك لقرب المسافة فلا يتفرق منافذ أخر وإن كان قليلا فهو في غيرها من الأعضاء وإن كان كثيرا غير أنه يتفرق في مواضع أخر ولا يخرج بالبول منه إلا قليل. فإن قيل الشحم الذي على الكلى خارجها فكيف إذا ذاب خرج بالبول؟ قلنا يدخل إلى تجويف الكلى في المنافذ التي خرج منها مع غذاء ظاهرها. وثانيها أن الخارج من جهة الكلى يكون منفصلا عن المائية لقرب المسافة. والخارج من باقي الأعضاء يكون مختلطا بالمائية لتموجه بها بسبب بعد المسافة. وثالثها أن الخارج من جهة الكلى لا يكون معه حرارة في جملة البدن بل في القطن فقط. والكائن من باقي الأعضاء تكون معه الحرارة شاملة لسائر الأعضاء. واربعها أن الخارج من جهة الكلى يكون البول معه ناضجا في قوامه ولونه ورسوبه لأن الفاعل له ذلك صحيح على ما عرفت. والخارج من باقي الأعضاء لا يكون ناضجا نضجا تاما. وأما الكرسني ويسمى العدسي وهو قطع صغار محببة قريبة من الاستدارة وهو تارة يكون من الكلى لاستيلاء حرارة غريبة عليها تفتتها وتارة يكون من الكبد وتارة يكون من الأعضاء اللحمية التي فوق الكبد. فإن الحرارة الغريبة شأنها أن تذيب الأعضاء لا سيما ما كان منها قريب العهد بالانعقاد حتى تجعله صديدا ثم تجففه وتصلبه لا سيما ما كان PageVW5P091A منها قد استحكم انعقاده وجموده بمنزلة الأشياء التي تجعله في المقلى وتقلى قليا محكما فإنها يعرض لهاه عند ذلك أن تتفتت وتارة يكون لانعقاد الدم. ويفرق بين هذه أن الخارج من جرم الكلى يكون معه وجع في القطن وبول نضيج لما ذكرنا وضعف الحمى والخارج من الكبد وجع تحت الشراسيف في الجانب الأيمن. وربما تقدمه بول PageVW1P122A غسالي وبول غير نضيج * والخارج مما فوق الكبد يكون معه حرارة مشتعلة وبول غير نضيج (837) وربما تقدمه بول ذوبناني والخارج من الدم شديد الصلابة سريع التفتت. وأما اللحمي فهو أن يخرج مع البول أجزاء لحمية أكثر مقدارا من الكرسني. * فهذه الأجزاء (838) تارة تكون من الكلية وتارة تكون من الكبد وتارة تكون مما فوق الكبد من الأعضاء اللحمية. ويفرق بين ذلك بما (839) ذكرنا وقد عرفته. وأما الخامي فهو لاستيلاء مواد بلغمية لزجة غليظة على المائية. فإذا خرجت معها رسبت في قعر القارورة ثم هذه المادة تارة تكون مستولية على جملة البدن ويخرج معها (840) شيء مع البول للكثرة وتارة تكون لبرد آلات البول بحيث أنه يولد تلك (841) المادة وتارة تكون بحرانا لبعض الأمراض البلغمية كعرق النسا وأوجاع المفاصل البلغمية. والفرق بين الكائن للكثرة وبين الكائن لدفع الطبيعة من وجوه ستة. أحدها أن الخارج للكثرة لا تعقبه خفة ولا راحة والذي للدفع تعقبه خفة وراحة. وثانيها أن الخارج للكثرة لا تتقدمه دلائل النضج وللدفع يتقدمه ذلك فإن الدفع لا بد وأن تتقدمه تهيئة للدفع. وثالثها الكائن للكثرة يكون خروجه في أي وقت كان وللدفع في يوم PageVW5P091B بحراني. وربعها أن الكائن للكثرة لا يتقدمه مرض بلغمي وللدفع يتقدمه ذلك، وإلا لأي شيء يكون البحران؟ وخامسها أن الكائن للكثرة لا يكون متوفر المقدار متراكم الأجزاء وللدفع يكون كذلك لقوة الطبيعة واستيلائها على ذلك. وسادسها أن الكائن للكثرة لا يكون أبيض اللون ساطعه وللدفع يكون كذلك لاستيلاء الطبيعة عليه. وأما العلقي فهو أن يخرج مع البول جسم مستطيل أحمر اللون دقيق وحدوثه لجمود دم يشوبه بلغم لزج يعينه في الامتداد والاستطالة. ثم هذا تارة يتكون (842) في مجاري الكبد المفضية (843) إلى آلات البول (844) وتارة يتكون (845) في المثانة وتارة في القضيب ويخص الخارج من الكبد اختلاطه بالمائية ويكون لونه أسود والخارج مما دونها يكون منفصلا عنها. وأما الشعري فهو أن يخرج مع البول جسم مستطيل أحمر اللون دقيق جدا شبيه بالشعر وهو كائن عن مادة غليظة لزجة جدا قارنتها حرارة عاقدة. وأما الأصفر فهو أن يخرج مع البول ثفل مشبع الصفرة ومثل هذا الثفل يدل على استيلاء الحرارة النارية وخبث المرض. فإن كان معه ذوبان دل على تمكن الحرارة الغريبة في الأعضاء مع قوتها . وأما الأسود فالمراد به في هذا الموضع الجمودي والاحتراقي لا الكائن للدفع الطبيعة. فإن هذا طبيعي لأنه (846) تعقبه خفة وراحة. والفرق بين الجمودي والاحتراقي من وجوه خمسة أحدها أن الجمودي يكون آخذا إلى ذلك من الخضرة ثم إلى الكمودة ثم إلى السواد والاحتراقي من الحمرة ثم إلى الصفرة ثم إلى السواد. وثانيها أن الجمودي يكون عديم PageVW4hP092A الرائحة والاحتراقي له رائحة حادة. وثالثها أن الجمودي يكون كمد اللون والاحتراقي براقا. ورابعها أن الجمودي يكون مجتمع الأجزاء لأن البرودة شأنها الجمع بين المختلفات والمشاكلات، والاحتراقي مشتت الأجزاء لأن الحرارة شأنها التفريق بين المختلفات والمشاكلات. وخامسها أن الجمودي لا تكون علامات الحرارة ظاهرة معه واحتراقي بعكس ذلك. وأما الأحمر فهو أن يخرج مع البول ثفل أحمر غليظ القوام. وهذا الثفل يدل على طول المرض وسلامته لما عرفته. وأما الخميري فهو أن يخرج في البول شيء أبيض منقطع الأجزاء شبيه بالخمير الممروس في الماء وسببه تناول أغذية مولدة لمواد غليظة أو رداءة في المعدة. والرملي هو أن يخرج مع البول أجزاء رملية ثم هذه تارة تكون من الكلى وتارة تكون من المثانة. وعلى كلي التقديرين تارة تدل على انحلال الحصا وتارة تدل على توليده. وسنتكلم في هذا جميعه * في شرح قوله من كان يرسب في بوله شيء شبيه بالرمل فالحصا يتولد في مثانته (847). والحصوي وهو أن يخرج مع البول أجزاء كثيرة الجرم حجرية الجوهر بحيث أنها تقف في مخرج البول وتحبسه (848). وهذه (849) في الأكثر يتولد في الكلى وفي المثانة، وقد يتولد في البدن في مواضع أخر مثل المفاصل والمعاء والرئة والكبد. وأما الفرق بين الكلوية والمثانية اختصاص الكلوية بسن الشيخوخة والمثانية بسن الصبى. والسبب المولد للحصى قد مضى الكلام فيه جميعه. وأما الرمادي فهو أن يخرج مع البول ثفل لونه بين البياض والزرقة اليسيرة. وأجزاؤه صغار مستديرة PageVW5P092B الشكل وحدوث ذلك من مادة طال احتقانها واحتباسها، فاستفادت بسبب ذلك هذا اللون أو لأن بعضها احتراقي واستفاد سودا بسبب ذلك ثم خالطه ما لا احترق وحصل للمجموع اللون المذكور. لذلك (850) صار هذا يدل تارة على البرد وتارة على الحر. وأما المدي فهو أن يخرج مع البول مدة ترسب في قعر القارورة (851) وذلك لانفجار ورم في آلات البول وقد يكون لانفجار ورم في بعض آلات التنفس كمادة ذات الرئة وذات الجنب. فإن هذه تندفع بالبول وبالبراز أيضا. وذلك في الوريد الشرياني إلى جهة الكبد فإن مادة ذات الجنب إذا خرجت إلى فضاء الصدر على طريق الرشح التقصت بالرئة وتشربتها ثم أن الرئة إن قويت على ذلك دفعتها بالسعال وإلا دفعتها في المجرى المذكور إلى جهة PageVW1P122B الكبد. فإن كانت لطيفة مالت إلى محدبها وخرجت بالبول وإن كانت غليظة مالت إلى جهة مقعرها وخرجت بالإسهال. فهذه أنواع الرسوب الرديء، والله أعلم.

71

ناپیژندل شوی مخ