188

البحث الثاني:

قوله «ورم الحلق» تارة يريد به الذبحة وتارة يريد به الخوانيق. أما الذبحة فقد عرفتها. وأما الخوانيق * فهي (1435) مرض يتعذر معه نفوذ ما ينفذ في الحلق، وذلك إما لورم عضل المريء أو عضل الحنجرة الباطن أو العضل المشترك بين المريء والحنجرة. وأجوده ما كان الورم فيه ظاهرا للحس ولم يكن التنفس والازدراد فيه متعذرين، وأردؤه ما كان بخلاف ذلك. والمخصوص باسم الكلبي ما تعذر فيه الاستنشاق PageVW1P093B والازدراد بحيث * أنه (1436) يحوج صاحبه إلى إدامة فتح * فاه (1437) وإدلاع لسانه، ومنهم من يخص * بذلك (1438) ما كان حادثا عن زوال فقرات العنق. وسبب عروض هذا المرض للصبيان * كثرة (1439) ما ينحدر من أدمغتهم إلى العضلات المذكورة لكثرة كلامهم وقراءتهم في هذا الوقت فتسيل تلك الرطوبات وتتهيأ للانحدار لا سيما وتكون الأعضاء المذكورة قد قبلت ذلك بالسخونة الحاصلة لها. وأما دخول خرزة القفا فلانجذاب * الرباطات (1440) المتصلة بها إلى ذاخل، فإن العضلات المذكورة إذا حصل فيها ورم تمددت ثم تتمدد الرباطات المتصلة بها وهي متصلة بالمجرى فيجذب * المجرى (1441) إلى داخل. ويعرف هذا القدر بالتقصع الحاصل في القفا وشر هذا الدخول ما كان في الخرزة الأولى، وذلك لقربها من الدماغ.

البحث الثالث:

قال جالينوس: لم لا ذكر أبقراط فيما * يعرض (1442) للصبى المولود من الأمراض ورم الحلق ودخول خرزة القفا إلى داخل لأنه أولى بذلك لتوفر رطوبات دماغه PageVW3P298B وقوة استعداد خرزة للزلق ثم إنه أجاب بجوابين: أحدهما أن الصبى يعرض له الموت قبل عظم الورم في حلقه؛ وثانيهما أن * الرباطات (1443) في هذا السن * تكون (1444) في غاية اللين فتكون في غاية القبول * للتمديد (1445) فلا يحصل من تمديد الورم لها أن يحدث * خرز (1446) العنق إلى داخل، ويمكن أن يجاب * بجواب (1447) ثالث وهو أن الحرارة في هذا السن ضعيفة فلا تقوى على إذابة الرطوبات التي في دماغه بحيث * أنها (1448) تسيلها وتحدث الورم المذكور ثم الجذب.

البحث الرابع

في الحصى وكيفية تولده: أما الربو فقد عرفته. وأما الحصى فالمراد به * حصاة (1449) المثانة فإن هذا المرض مخصوص بسن * الصبيان (1450) ، وذلك لوجوه أربعة: أحدها كثرة حركاتهم فتنحدر الفضلات الحاصلة * التي (1451) في أبدانهم إلى أسفل أعضائهم وتلك هي المثانة ؛ وثانيها قوة الدافعة في أبدانهم فتندفع الفضلات إلى أسفل * البدن (1452) ، وأسفل ما في البدن من الأعضاء هي المثانة؛ وثالثها كثرة الرطوبة في أبدانهم وسبب ذلك شرهم في مآكلهم ومشاربهم فتنحدر الرطوبة إلى أسفل مع البول ويحدث ذلك؛ ورابعها سعة المجرى الكائن بين الكلى والمثانة فإن ذلك مما يعين على انحدار المادة إلى أسافل البدن. وأما كيفية تولد الحصى فاعلم أن الحصى لها سبب فاعلي وسبب مادي * فالفاعلي (1453) حرارة غريبة * تعقد (1454) المواد بمعنى أنها تحلل لطيفها وتحجر كثيفها كما تفعله حرارة النار في إحياض الحمامات، والمادي مادة غليظة لزجة تنعقد من تلك الحرارة ثم * هذه (1455) المادة لها مادة ولها حابس فمادة المادة الأغذية الغليظة واللزجة كالفطر واللبن الحليب PageVW3P299A والجنب الطري والسمك الطري وشور بالقمح والأطرية والحلاوات لا سيما الكثيرة النشاء والمياه الكدرة والحابس للمادة مثل انسداد مجاري آلات البول فيتعذر نفوذ ما غلظ من المواد. وأما الفرق بين * حصاة (1456) والكلى * والمثانة (1457) فسنذكره.

البحث الخامس

في الددود وكيفية تولده: أما الحيات فهي الزيدان الطوال وباقي أصنافه تخص باسم الدود * وهي (1458) حيوانات * تتولد (1459) في المعاء في الأكثر. وإنما قلنا في الأكثر لأنها تتكون في البدن في غير المعاء، وذلك في ثلاثة مواضع أخر وهي الخياشيم والأذن والضرس. ولنبسط القول في ذلك فنقول: المعد * لقبول (1460) الصور عن الصانع تعالى ذكره المزاج الخاص بالشيء ثم على قدر الاستحقاق يكون قيضان الصور. فالمادة الدودية إذا اجتمعت * وعفنت (1461) استعدت بما حصل لها من المزاج لقبول * الصورة (1462) الدودية فأفيض عليها تلك الصورة. واعلم أن تكوين هذا الحيوان في البدن له فائدة عظيمة إذا كان معتدلا فإنه ينقي البدن مما فيه من العفونات. وذلك لأنه جسم * نأمي (1463) مغتذي فهو محتاج إلى ما * يغذوه (1464) ، والغذاء شبيه بالمغتذي، وذلك ليخلف عليه عوض ما * تحلل (1465) منه فيكون غذاؤه من مادة رديئة عفنة، * فهذا (1466) وجه انتفاع البدن به. فإن * فرط (1467) زاد في البدن عفونة ورداءة بسبب اجتماع أقداره وانحصار أبخرته ونفسه وجذبه لغذاء البدن. فلأجل هذا * اشترطنا (1468) الاعتدال في تكوينه ونسبة الدود إلى البدن نسبة الحشرات إلى العالم، فإنها متى كانت * معتدلة (1469) فعلت في عفونات العالم ما يفعله الدود * في (1470) عفونات البدن من PageVW3P299B التنقية، ومتى كثرت زادته وباء * ورداءة (1471) بعين ما ذكرنا في الدود، بل الدود متى كان * مما (1472) يستحقه البدن أثر في البدن من الفساد أكثر مما تؤثره الحشرات في العالم من الفساد لانحصار الدود في وعاء ضيق وانتشار حشرات العالم في * فضاء (1473) متسع، فإنه كم ما يؤثره ما يرتفع من الحشرات من الأبخرة وأنفاسها وأقدارها في هذا الفضاء الواسع على أنه في بعض الحيوانات * المذكورة (1474) قد يبلغ ذلك منها مبلغا عظيما، وذلك عند كون الخصوصية قوية جدا كما قد ذكروا أن الأفاعي * فيه (1475) نوعا يقتل بصفيره وبنظره ولا ينبت حول حجره نبات وأي حيوان مر به سقط ميتا فمثل هذا النوع ليس فيه فائدة في تنقية عفونات العالم بل له فائدة أخرى * وهي (1476) تخليص * أجزاء (1477) العناصر من التركيب الفاسد فيها * لتركيب (1478) نوع آخر * منه (1479) ينتفع به حتى لا يظن أن الخير المحض أفيض عنه شر محض. ولنرجع إلى غرضنا فنقول: * والمادة (1480) المتكون منها الدود لا يمكن أن تكون من غير البلغم. أما الدم فلأن الصيانة متسلطة عليه بسبب احتياج الأعضاء إليه لأجل التغذية والزيادة في النمو. وأيضا فإن الدم نادر أن ينصب إلى * المعاء (1481) ، ومتى انصب جمد ولم يعفن حتى يتكون منه دود * أي (1482) حيوان. قال الأطباء: وأيضا فإن لونه يدل على أنه مركب من غيره، وهذا وجه ضعيف فإن اللحم الغددي والشحم يتكونان من الدم ولونهما غير لونه. وأما الصفراء فلثلاثة * أنواع (1483) : أحدها أن لونها يدل على أنها ليست متكونة منها؛ وثانيها أنها لا * تصلح (1484) أن تكون مولدة لها بل مهلكة، ولذلك صارت تقلق عند استيلاء الصفراء على البدن كما في PageVW3P300A * الحميات (1485) الصفراوية والأدوية التي تقبلها مرة الطعم؛ وثالثها أنها بعيدة عن مناسبة الحياة لفرط حرها ويبسها. وأما السوداء فلوجهين: أحدهما من * وجه (1486) اللون؛ * والثاني (1487) PageVW1P094A بعدها عن مناسبة الحياة لبردها ويبسها فلم يبق ما يصلح أن يتولد منه سوى البلغم ولا كل أصنافه يولدها، فإن المالح لا يصلح لذلك لأنه قريب * من (1488) طبيعته * إلى (1489) الصفراء والحامض قريب من السوداء والحلو قريب من الدم فتكون أحكام هذه * الأقسام (1490) كأحكام تلك، فالصالح إذن لأن يتولد منه إما الزجاجي وإما التفه، والزجاجي * أنسب (1491) لأن التفاهة أول درجات الحلاوة فيكون حكم التفه قريبا من حكم الحلو من البلغم. وأصناف الدود أربعة الطوال ويخص باسم الحيات والعراض والمستديرة والصغار ويخص * هذا (1492) باسم الدود. والعلة في اختلاف مقاديرها من وجهين: أحدهما من جهة المادة، وثانيهما من جهة المحل. أما المادة فلا يخلو إما أن يكون قد استولى عليها الانقسام من * جهة (1493) الكبد لها أو لا يكون قد استولى عليها ذلك أو يكون حالها في ذلك متوسطا. فإن كان الأول كان المتكون عن تلك المادة الدود الصغار، وإن كان الثاني كان الدود الطوال وهو المعروف بالحيات، وإن كان الثالث كان المستدير والعراض . وأما المحل فالمحل المتكون فيه الدود إما أن يكون أول المعاء أو آخرها أو وسطها. فإن كان الأول فالمتكون فيه الطوال، وإن كان الثاني فالمتكون فيه الصغار، وإن كان الثالث فالمتكون * المستدير (1494) والمستعرض. وأقل هذه الأصناف * ضررا (1495) للبدن الصغار لأنها بعيدة عن الأعضاء الرئيسة ولأنها PageVW3P300B تندفع بخشونة البراز قبل أن تشتد وتقوى غير أنها إن بقيت وثبتت كانت أذيتها أكثر من أذية غيرها لأنها متكونة عن مادة رديئة وبعدها في الضرر الطوال لأنها متكونة عن مادة صالحة غير أنها تؤذي البدن من وجه آخر وهو * من (1496) نهمها وكثرة أكلها ومبادرتها إلى التقام الكيلوس * عند (1497) انحداره من المعدة حتى أنها في بعض الأوقات إذا عازها الغذاء صعدت إلى * المعدة (1498) . وربما قذفت بالقيء وأقل جودة من الطوال المستدير والمستعرض، وذلك لأن مادتهما رديئة. وللدود علامات عامة وخاصة بنوع نوع منها. فالعامة سيلان اللعاب من الفم في وقت النوم، وذلك لميل المادة إلى الباطن في الوقت المذكور وجذب الدود لها وجفاف الشفتين في النهار، وذلك * لانتشار (1499) الحرارة في ظاهر البدن * فتنتشر (1500) الرطوبة معها وتنبث فيه. وأن يكون العليل هيئته كهيئة الغضبان السيء الخلق، وذلك لارتفاع الأبخرة الرديئة من جهتها إلى جهة القلب والدماغ، وأن يحصل عند أخذ الغذاء غثيان وتهوع، وذلك لاختلاط ما يتخلف عنها من فضلاتها في المعدة عند صعودها إليها في حال عوز الغذاء بالغذاء المستعمل. وأما الخاصة إما بالطوال فدغدغة فم المعدة في بعض الأوقات، وذلك لصعودها إليها على ما عرفت ومغص شديد عند خلو المعدة والمعاء من الغذاء، وذلك لشدة طلبها للغذاء وفواق مفرط لنفور * المعدة (1501) منها. وأما الصغلر * فدغدغة (1502) فم المعدة وحكة فيها والعراض والمستديرة دغدغة في وسط المعاء.

البحث السادس

في الثآليث وكيفية تولدها: الثآليث PageVW3P301A زوائد تنبت في سطح البدن وأكثر نباتها يقرب المفاصل، وذلك لدوام حركتها ودفعها للفضول المائلة إليها، وأصنافها ثلاثة مستقيمة * ويخص (1503) باسم الثآليث ومستديرة الرؤوس ويخص بالمسامير ومعوجة الرؤوس ويخص بالقرون ومادة جميعها بلغم لزج * غليظ (1504) . وسبب عروضها للصبيان كثرة الرطوبة في أبدانهم لما ذكرنا. واندفاعها إلى ظاهر البدن لقوة الحرارة في بواطن أبدانهم والقوى الطبيعية فتدفع تلك الركوبات إلى ظاهرها وصارت الثآليل المتولدة في * هذه (1505) السن متعلقة لكثرة المادة * الممدة (1506) لها بخلاف حالها في سن الشباب فإنها كثيرا ما تسقط لانقطاع مادتها، وذلك لاستيلاء ضدها.

ناپیژندل شوی مخ