148

البحث الثالث

في علة جودة بعض الطبائع في فصل ورداءته في فصل آخر: قال جالينوس: * صاحب (64) المزاج البارد يكون في الصيف على أفضل حالاته، وصاحب المزاج الحار يكون في الشتاء * كذلك (65) . أقول: * وذلك (66) لأن الاستحالة في الجنس القريب أسهل منها في الجنس البعيد وعلة ذلك شدة الاستعداد. ولذلك يسرع اشتغال الكبريت بنار لا تشتغل غيره من الأجسام بمثلها. * وكمية (67) ذلك أن كل كيفية من الكيفيات من شأنها أن تجعل قوام الجسم الحالة فيه مستعدا لما يناسبها. ويدل على صحة هذا صور منها أنا إذا أخذنا جسمين قابلين للوقود من النار وسخنا أحدهما بنار أو * بشمس (68) سخونة ظاهرة أياما متوالية والآخر PageVW5P130B لم نسخنه، ثم أدنيناهما من النار فإن المسخن يشتغل أسرع من عير * المسخن (69) ؛ ومنها أنا نرى شارب الخمر يفرح من أدنى سبب مفرح لا يفرح بمثلها من لم يكن كذلك، والسوداوي يحزن من أدنى سبب محزن لا يحزن بمثله من لم يكن * كذلك (70) ، * وكذلك (71) لم تكن الحمى في سن الشيوخة قوية كما هي في سن الشباب وإن تساوت. إذا عرفت هذا فنقول صاحب المزاج الحار الصحي إذا ورد عليه أمر مسخن كفصل الصيف أو غيره من المسخنات زاده تسخينا أو * انحرافا (72) ، وليس لهذا علة سوى شدة استعداده لذلك. وذلك موجب لضرر أفعاله وأحواله * مما (73) إذا ورد عليه ما يضاد مزاجه كفصل الشتاء وغيره فإنه يقاوم مزاجه ويمنعه من الإفراط والخروج عن الاعتدال الخاص به.

البحث الرابع:

لقائل أن يقول هذا الكلام فيه نظر من وجوه ثلاثة: الأول: قال الرازي: الصحة إذا كانت تحفظ بالمثل كيف صار المحرور * يتضرر (74) بالصيف والمبرود بالشتاء؟ الثاني أنه يكفى في بيان ما * ذكره (75) أحد الحكمين وهو أن من الطبائع ما يكون حاله في الصيف أجود وفي الشتاء أردأ من غير أن يكرر ذلك من الجانب اللآخر. والثالث أنه ذكر في الحكم المذكور الصيف والشتاء * فهلا (76) ذكر الربيع والخريف؟ أجاب علاء الدين ابن النفيس في شرحه لهذا الفصل عن الأول بأن هذا ليس حفظا للصحة بل نقلا لها إلى ما * هو (77) أفضل منها. والنقل لا يكون * إلا (78) بالضد. ثم قولهم إن الصحة تحفظ بالمثل إنما هو للصحة الفاضلة، والصحة الفاضلة لا تكون إلا مع اعتدال المزاج وحفظ المزاج المعتدل * بالمعتدل (79) . وهذا الجواب فيه نظر قوله إن هذا ليس حفظا للصحة بل نقلا لها. نقول إن الإمام أبقراط لم يرد بقوله هذا نقل الحالة الغير طبيعية إلى الحالة الطبيعية بل جودة حالها عند حصول الهواء المشار إليه. فإنه قال إن من الطبائع ما يكون * حاله (80) في الصيف أجود أي أتم في أحواله الجيدة. والحق * عندي (81) في هذا أن يقال إن المراد بقولهم أن حفظ الصحة بالشبيه أي بالغذاء لا بالدواء ولا شك أن * الهواء (82) يوثر في البدن كتأثير الدواء لأنه يؤثر في البدن مع بقاء الصورة النوعية. والجواب عن الثاني أنه قد علمت أن المراد من هذا الفصل إثبات الاختلاف في الاستعداد بالاستقراء، وذلك لا يثبت إلا بتكرار الجزئيات، وذلك بذكر الحكم من الطرفين. والجواب عن الثالث من وجهين: أحدهما أنه قلما يوجد من يتضرر بالربيع وينتفع بالخريف فإن الربيع كما علمت معتدل، والمعتدل * لا (83) يضر شيئا من الطبائع، وأما الخريف فإنه لما كان خروجا عن الاعتدال إلى جانب اليبوسة وهو مختلف في هوائه كانت المضرة متوقعة منه دائما؛ وثانيهما أن * فصل (84) الصيف وفصل * الشتاء (85) المستولي عليهما PageVW5P131A من الكيفيات الحرارة والبرودة وهما * فاعلتان (86) فضرر البدن بهما أشد من ضرره بغيرهما. وإذا كان حالهما كذلك فضرب PageVW1P073B المثال بهما أولى من ضربه بغيرهما.

البحث الخامس:

قال الشيخ الرئيس ابن سينا في الكتاب الأول من القانون حيث تكلم في فصول السنة: كل فصل * يوافق (87) من به مزاج صحي مناسب له ويخالف من به سوء مزاج مناسب، * إلا (88) إذا عرض خروج عن الاعتدال جدا فيخالف المناسب وغير المناسب بما يضعف من القوة. أقول: هذا الحكم من الشيخ فيه نظر. وذلك لأن الموافق للمحرور من الفصول الشتاء على ما دل عليه الاستقراء الطبي وليس هو مناسبا لمزاجه بل المناسب في المزاج فصل الصيف، والمخالف للسوء المزاج ليس هو مناسبا للمزاج الأصلي بل قد يكون مناسبا وقد لا يكون، فإن من حصل له حرارة مفرطة قد يكون في حال صحته حار المزاج وقد يكون بارد المزاج والمخالف للسوء * المزاج (89) الحاصل له من الفصول الفصل البارد وليس هو * مناسبا (90) لمزاجه الأصلي. والتحقيق في هذا الباب أن يقال مزاج الشخص الحاصل في الفصل إما أن يكون مناسبا له أو مخالفا وكل واحد إما أن يكون * صحيا (91) أو مريضا فيكون هاهنا أقسام أربعة: أحدها المزاج المناسب الصحي، وثانيها المناسب المرضي، وثالثها المخالف الصحي، ورابعها المخالف المرضي. أما الأول فإنه ينتفع به من جهة أنه يحفظ الصحة ويبقيها على حالها إذا المناسب للشيء لا يزعزعه ولا * يقلقله (92) غير أن هذا لا يصح إلا في الربيع وأول الصيف. أما الأول فلاعتداله وأما الثاني فلقربه من الاعتدال فهما ينتفع بهما المناسب وغير المناسب، غير أن انتفاع الأول به أكثر وأبلغ. وإلى هذا التحقيق أشار الأوحد أبقراط فيما بعد حيث * تكلم (93) «وأما في اوقات السنة ففي الربيع * وأوائل (94) الصيف يكون الصبيان والذين يتلونهم في السن على أفضل حالاتهم وأكمل الصحة، وفي باقي الصيف وطرف من الخريف يكون المشايخ أحسن حالا.وفي باقي الخريف والشتاء يكون المتوسطون بينهما في السن أحسن * حالا (95) (iii. 18)». وذلك لأنه قد عرف أن سن الصبي سن معتدلة لا سيما وسطها وستعرف أن الربيع معتدل فيكون مناسبا لهم، والذي يتلو سن الصبي أول سن الشباب وأول الصيف كذلك فيكون موافقا لهم. واما الخريف * فتعرف (96) أنه معتدل بين الحرارة والبرودة وآخر الصيف شبيه به فيكون مناسبا لسن الشيخوخة * فيكونون (97) أحسن حالا في هذين الوقتين. ومراده بالمتوسطين الشباب والكهول، فالشباب يكون في الشتاء أحسن * حالا (98) لانكسار حدة المرار فيهم والكهول لقوة الهضم فيهم بسبب انعكاس الحرارة فيهم إلى بواطنهم. فظهر مما ذكرنا أنه لا يصح أن يقال إن المناسب من الفصول ينتفع به سوى الربيع لاعتداله وأول الصيف لقربه من ذلك، والخريف أيضا لاعتداله بين الحرارة والبرودة. وأما باقي الفصول PageVW5P131B فلا يصح هذا فيه إلا على وجه آخر. وأما النوع الثاني فهو رديء لأنه يزيد في الخروج عن الاعتدال غير أنه على القواعد الصحيحة أقل خطرا من المضاد. وقد تكلمنا في هذا وبينا أن المرض المناسب للفصل والمزاج والسن أقل خطرا من غير المناسب. وأما النوع الثالث فينتفع به من جهة تعديل المزاج كحال الشتاء بالنسبة إلى الشبان. وأما النوع الرابع فينتفع به * في (99) المعالجة بشرط أن يكون حصول المضادة بعد حصول المرض. وأما متى كانت المضادة حاصلة قبل حصول المرض فهو رديء لدلالته على قوة السبب. وأما قوله «إلا أن يفرط الخروج عن الاعتدال جدا فيخالف المناسب وغير المناسب» * فظهر (100) مما ذكرنا * أن (101) الإفراط مناف للصحة سواء كان فيما يناسب كيفيات الفصل كالصيف إذا أفرطت حرارته ويبوسته أو فيما * يضاده (102) كالصيف إذا حصل فيه برودة * ورطوبة. (103)

البحث السادس:

قال الشيخ * الرئيس (104) * في (105) الكتاب الثالث من القانون حيث تكلم في الاستدلال من الموافقات والمخالفات: الموافقات والمخالفات لا يخلو إما أن يكون * يتغير (106) في حال لا ينكر صاحبها من صحته التي يحسبه شيئا أو في حال خروجه عن الصحة وتغير مزاجه عن الطبيعة، فموافقه في حال صحته التي تحسبه * في (107) الشبيه بمزاجه فمزاجه يعرف من ذلك، ومخالفه * من (108) تلك الحالة ضد مزاجه. وأما في حال خروجه عن صحته وتغير مزاجه عنه فالحكم بالضد إلا أنه يجب أن يعتبر ما يخالفه في الطرف الآخر أيضا كما يخالفه هذا في هذا الطرف حتى يعلم بالحدس المقدار الذي له من المزاج. فإن الإفراطين معا * مخالفان (109) مؤذيان لا محالة. * وحاصل (110) هذا الكلام أن الاستدلال بالموافقات والمخالفات الواردة على البدن سواء كانت من فصول السنة أو من غيرها لا يخلو إما أن يعتبر حالها مع البدن في حال الصحة أو حال الخروج عنها. فيكون هاهنا أقسام أربعة: الموافق في حال * الصحة (111) ، الموافق في حال المرض. فإن كان الأول فالموافق هو الشبيه بمزاجه فمنه يعرف مزاجه، وهذا لا يصح إلا في الفصل المعتدل والغذاء المعتدل في المعتدل المزاج كما ذكرنا في الربيع والصبيان. وأما فيما عدا هذا فلا يصح هذا الحكم، فإن أوفق * الفصول (112) للشبان على ما دل عليه الاستقراء الطبي فصل الشتاء وليس هو شبيها * بمزاجهم (113) . وأما الموافق في حال المرض فقد يكون ضد مزاجه الأصلي بناء على أن المرض يداوي بالضد فمزاجه الأصلي يعرف من ذلك. وأما غير الموافق في حال الصحة فهو ضد مزاجه فمزاجه يعرف من ذلك. وهذا أيضا لا يصح مطلقا، فإن الفصل الحار غير موافق للشبان وليس هو ضد مزاجه، وغير الموافق في حال المرض هو المناسب لمزاجه المرضي * منه (114) يعرف مرضه. وقوله «إلا أنه يجب أن يعتبر ما يخالفه في الطرف الآخر أيضا كما يخالفه هذا في هذا الطرف حتى يعلم بالحدس المقدار PageVW5P132A الذي له من المزاج» معناه أن المخالف للمزاج البدني في حال الصحة أو في حال المرض يجب أن يعلم رتبة مزاجه في أي درجة هو، فإن منه يعلم رتبة المزاج البدني الصحي والمرضي، وهذا العلم حدسي لا حقيقي. ومع ذلك PageVW1P074A فلا يعرف إلا من الغذاء والدواء المعلومين * درجتهما (115) .

3

[aphorism]

ناپیژندل شوی مخ