* الجزء الأول من شرح كتاب الفصول للإمام أبقراط لأبي الفرج * المسيحي (1)
قال الشيخ * الفاضل (2) أبو الفرج بن يعقوب المعروف بابن القف المسيحي الملكي المتطبب: الحمد لله خالق الخلق ومبدئه وباسط الرزق ومنميه، ومقدر العمر ومحصيه، وموجد المرض ومشفيه، ورضوانه على انبيائه وأوليائه * أجمعين (3) . وبعد: فقد سألني بعض من * اشتغل بصناعة الطب (4) أن أشرح له كتاب الفصول للإمام * أبقراط (5) ، وأن أذكر له مع ذلك الإيرادات التي للرازي وغيره وأجيب عنها وأرتب له على كل كلمة من كلمات فصوله بحثا خاصا. فأجبته إلى ذلك مستعينا بالله تعالي * ووسمته (6) بكتاب الأصول في شرح الفصول * والله يوفقنا وإياه لمعرفة الصواب بمنه وكرمه (7) .
المقالة الأولى * من كتاب الفصول (8) وهي أربعة وعشرون * فصلا (9) .
1
[aphorism]
قال أبقراط: العمر قصير والصناعة طويلة والوقت ضيق والتجربة خطر والقضاء عسر.
[commentary]
الشرح ههنا أربعة عشر بحثا.
البحث الأول
في علة تصدير أبقراط هذا الكتاب بهذا الفصل. اعلم أن الفضلاء قد اختلفوا في ذلك. فقال قوم غرضه بهذا الفصل صد الراغبين في هذا العلم عن الاشتغال به. قيل وذلك * لأن (10) عمر المشتغل به قصير وهو في نفسه طويل ووقت الاشتغال به ضيق والطرق الموصلة إلى معرفته بعضها خطر، * وهو التجربة، والبعض عسر شاق، وهو القياس (11) . قيل وإذا كان حال هذا العلم كذلك، فلا حاجة للاشتغال به. وهذا قول فاسد. فإنه كيف يليق بمن يريد تصنيف كتاب في علم ثم يصدره بما يصد الراغبين في ذلك العلم عن الاشتغال به؟ * وقال (12) الرازي: غرضه بذلك تمهيد عذر الطبيب متى وقع منه تقصير في معالجته. وهذا القول فيه نظر. وذلك لأنه إما أن يكون عند من يعرف * إمكان (13) صناعته وإما عند من لا يعرف ذلك. فإن كان الأول، فلا حاجة به إلى ذلك لأن من يشاركه في صناعته يعرف إمكان الصناعة. وإن كان الثاني، فإنه لا يقبله. وذلك لأن العوام لا يقبلون من الطبيب تقصيرا في المداواة فيمن فيه قبول المعالجة البتة لو لا علمهم بحتم الموت * الذي (14) لا بد منه. ولعلهم ينسبون ذلك في أكثر الأحوال إليه. ومنهم من قال غرضه بهذا بيان احتياج الطبيب إلى استعمال الحدس والتخمين في هذا العلم. فإن أكثر قوانينه ومطالبه من ذلك. وذلك لأنه قال: العمر قصير والصناعة PageVW5P002A طويلة والوقت ضيق. والأمور * المتوصل (15) بها إلى معرفة هذا الفن بعضها خطر، وهي ا لتجربة، * والبعض الآخر (16) عسر شاق، وهو القياس. * وحينئذ (17) فلا بد من استعمال الحدس والتخمين في هذا العلم، ويكون * أكثر (18) قوانينه مبنية على ذلك. ومنهم من قال غرضه بهذا * بيان (19) من كم سبب يخطئ الطبيب في غرضه بالمعالجة. قال وذلك لأنه قال: العمر * قصير أي العمر (20) الإنساني الذي فيه تحصيل مطالبه من هذا العلم قصير، والعلم في نفسه طويل ووقت الاشتغال به ضيق. والأمور * التي (21) تستخرج منها جزئياته بعضها يتضمن الخطر وهو التجربة، والبعض عسر شاق وهو القياس. وهذا الوجه قريب مما ذكره الرازي وعليه ما عليه. ومنهم من قال غرضه به بيان عذره في تصنيف هذا الكتاب على طريق الفصول. وذلك لأن الفصول أضبط للمعنى وأجمع له وألخص في * اللفظ (22) . ولا شك أنه إذا كان عمر المشتغل بهذا العلم قصيرا والعلم في نفسه طويل ووقت الاشتغال به ضيق * والأمور (23) المستنبط بها جزئيات هذا العلم يشتمل على ما ذكرنا، كان ترتيب هذا الكتاب وتصنيفه على ما ذكرناه أجود وأحسن. قلنا: وإن كان هذا وجها حسنا غير أنه ضعيف. وذلك لأن هذا الترتيب والتصنيف لم يختص بهذا الكتاب، بل وبكتاب تقدمة المعرفة والأمراض الحادة وغيرها في باقي تصانيفه. ومنهم من قال غرضه بيان عذره في تصنيف الكتاب أي كأنه يقول إنه لما كان عمر الإنسان قصير والعلم في نفسه طويلا ووقت الاشتغال به ضيق والأمور التي يستخرج بها جزئياته على ما عرفت، كان PageVW1P003A الواجب تدوينه في الكتاب خوفا من ضيعانه وفوات المصلحة فيه. فإنه إذا دون الأول للثاني كتابا وقد أودع فيه جميع ما علمه وانتهت معرفته إليه، أضاف الثاني إليه ما علمه وعرفه. * ولا (24) يزال كذلك * إلى أن انتهى (25) ذلك إلى المتأخر. فتكون * الصنعة (26) قد * ضبطت (27) وحفظت بحسب الإمكان والقدرة. وهذا وجه حسن. ومنهم من قال غرضه بهذا اعتذاره عن تقصير ما ألفه عن استيفاء جملة ما يحتاج إلى وضعه في هذا العلم وعن سبب ذلك. فيكون تقدير الكلام أن عمر الإنسان قصير والصناعة في نفسها طويلة ووقت الاشتغال بها ضيق * والطريق (28) المستنبط بها جزئيات هذه الصناعة البعض منها يتضمن بالخطر والبعض عسر شاق، وإذا كان كذلك، فيكون هذا * المقدار (29) المذكور في هذا الكتاب كافيا فيما يحتاج * إلى حفظه وضبطه (30) . وهذا وجه حسن. ومنهم من قال غرضه بهذا حث الراغبين في * هذا (31) الفن على الاشتغال به والاهتمام بأمره. فكأنه يقول أنه لما كان عمر المشتغل به قصيرا * والعلم في نفسه طويلا ووقت الاشتغال به ضيقا (32) * والطريق (33) المستنبط بها جزئيات * على (34) ما عرفت، كان من الواجب على المشتغل بها الاهتمام * به والقيام بتحصيله وتقريره (35) . وهذا وجه حسن * أيضا (36) . ومنهم من قال غرضه بهذا الامتحان همم المتعلمين والمشتغلين. وذلك لأنه قدم مثل * هذه (37) الأمور الهائلة التي لا يقدم عليها ويشتغل بعلم * هذا (38) صدره إلا من كان عالي الهمة قوي * العزيمة (39) . وهذا وجه حسن.
البحث الثاني
في ذكر شبه أوردت على هذا العلم والجواب عنها، وهي ثلاثة. أحدها * أنهم قالوا (40) إرادة الله PageVW5P002B تعالى وعلمه أو قدرته في الأزل أو * في (41) الطالع الفلكي على ما تقوله المنجمون إما أن يقتضي حفظ صحة زيد * وأن (42) لا يمرض إلى وقت مخصوص، وإما أن يقتضي تغير مزاجه واختلاله. فإن كان الأول، * فلم تحتج (43) إلى علم الطب لأن الصحة باقية * في البدن المذكور بدون استعمال قوانينه. وإن كان الثاني، لم يفد استعمال الطب (44) . والجواب عن هذا * نقول (45) كما أن الله تعالى قدر وجود الصحة، جعل استعماله لها على ما ينبغي سببا للصحة. ويقال لقائل هذه * الشبه (46) تلزمك أن تستريح من تكلفات المأكل والمشارب. وذلك لأن الأمور المذكورة إما أن تقتضي شيئا من * الشبع والري (47) أو لا تقتضي شيئا من ذلك. فإن اقتضت، فلا حاجة إلى استعمال ذلك. وإن كان الثاني، فلا حاجة إلى استعمالها أيضا لأنه يكون عبثا. وكل ذلك محال لأنه يلزم منه أن يكون وجود الأغذية * والأشربة (48) عبثا. وهذا قول بالتعطيل وهو خطأ محض. الشبهة الثانية أنهم قالوا لو كان الطب علما نافعا في حفظ الصحة وإزالة المرض، لكان الطبيب الفاضل قادرا على دفع الموت عن نفسه. لكن ذلك محال * فأن (49) أبقراط وغيره من أئمة الطب عجزوا عن ذلك. والجواب عن * هذا (50) أن نقول، كل علم فله غاية، * والطب علم فله غاية (51) . ولكن * ليست (52) غايته دفع الموت. فإن هذا غير ممكن على ما ستعرفه. ولا يلزم من انتفاء هذه الغاية انتفاء مطلق الغاية، إذا لا يلزم من انتفاء الخاص انتفاء العام. فإنه لا يلزم من انتفاء الإنسان انتفاء الحيوان. بل نقول غايته دفع الأسباب المعجلة للتجفيف لا الموجبة له، وهو منع العفونة وحفظ الرطوبة الأصلية من التحليل بقدر الإمكان. وذلك باستعمال الستة الضرورية على ما ينبغي في الكمية والكيفية والوقت والترتيب. وقد أوضحنا هذا القول في كتبنا المبسوطة إيضاحا شافيا الشبهة الثالثة أنهم قالوا: الأطباء مجمعون ومتفقون على أن أكثر قوانين الطب حدسية ظنية. وهذا أمر ظاهر، فإنه متى حضر جمع من الأطباء لمباشرة مريض وأحضر * واحد (53) واحد منهم، فإن * كلا (54) منهم يصف ما لا يصف الآخر ولا يحصل الاتفاق بينهم إلا نادرا. وعلم يكون حاله كذلك * خطأ (55) صاحبه أكثر من إصابته. وما كان كذلك، فلا حاجة إليه البتة لأنه يكون حاله * حال (56) المجرب لشيء في شيء بغير علم ومعرفة. والجواب عن هذه * الشبه (57) أن التقصير المذكور وخفي ما يخفى من أحوال البدن حتى * صار (58) أكثر قوانين العلاج حدسا وتخمينا ليس * هو لتقصير الصناعة (59) في نفسها، بل لعجز الطالب عن إدراك فروعها وقوانينها على ما ينبغي. * وكذلك صار (60) الجمع PageVW1P003B من الأطباء يختلفون فيما يأمرون به المريض من المداواة لأن كلا منهم يقع له من المداواة غير ما وقع للآخر بسبب أن هذا قد أدرك من الأعراض ومعرفة المريض ما لا * أدركه (61) الآخر. وكذلك متى جمع بين الفضلاء المحققين منهم، وقع اتفاقهم على نوع واحد من المعالجة. ومع هذا فاستمرار الأشخاص وبقاؤهم مناف للحكمة. وذلك من وجوه ثلاثة. أحدها تخليص الأنفس من شقاوة الأبدان. فإن النفس إما أن تكون سعيدة أو شقية. فإن كانت سعيدة، فخلاصها أصلح لاتصالها بسعادتها. وإن كانت شقية، فخلاصها * أيضا (62) أصلح خوفا من زيادة شقاوتها. وثانيها أن أشخاص نوع الإنسان متحدون في الطبيعة الإنسانية PageVW5P003A . وإذا كان كذلك، فليس بقاء بعضهم واستمراره أولى من بقاء البعض الآخر واستمراره. فإنه لو كان كذلك، كان ترجيحا * من (63) غير مرجح ,وذلك محال. وثالثها لو جاز ذلك، لجاز أن ينبغي أن يبقى الظالم المتحكم في الدنيا فيدوم شره وإفساده. وذلك لا محالة * مؤد (64) إلى الفساد والخروج عن مقتضى الحكمة. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يتصور أن يكون علم الطب دافعا لما تقتضيه الحكمة وتريده حتى يكون غاية ما ذكره المعترض.
البحث الثالث:
في عمر الإنسان. اعلم أن العمر عبارة عن زمان تعلق النفس الناطقة بالبدن وتصرفها فيه. وهو مدة * الحياة (65) بحسب المشهور. ثم هو على نوعين: طبيعي وغير طبيعي. والطبيعي مدته مائة وعشرون سنة. وغير طبيعي هو ما نقص عن ذلك. ومدته في غالب * الأحوال (66) ما بين الستين إلى السبعين. والطبيعي * إذا (67) اعتبر حاله، * كان النقصان (68) فيه ضعف مدة الكمال لأن كمال الإنسان في أربعين سنة. وصار * ذلك (69) لوجهين. أحدهما من جهة المادة، وهو أنها في زمان الشيخوخة يكون * قد (70) استولى عليها اليبس والجفاف. وعند ذلك يشتد حفظها لما * هو (71) حال فيها من الصور وغيرها، * فيشتد (72) حفظها لما بقي فيها من الحرارة. * والثاني (73) من جهة الطبيعة، وهو من شأنها أن * تبادر (74) إلى حفظ الأفضل وتذب عن الأنقص. ولا شك * أن بقاء (75) العمر عندها أفضل من * انتفاؤه (76) , فهو مطلوب لها والحرارة ناقصة وهي تذب عنها. * وقلما (77) * يتجاوز (78) العمر المدة المذكورة. والعمدة في هذا على الاستقراء. وأما ما جاء في التواريخ من طول الأعمار، وصدقته الكتب الاهية، فقد قيل فيه أقوال. أما المنجمون فقالوا الطوالع الفلكية في ذلك الزمان كانت تقتضي تلك الأعمار. وأما الأطباء فقالوا لعل كان حسابهم للسنين والأشهر أقل من حسابنا الآن. وأما أرباب الملل فقالوا فذلك لأن العالم كان في ابتدائه وكان نوع الانسان قليل العدد, فطول الله تعالي الأعمار ليكثروا ويتكامل نوع الانسان. وهذا هو الحق.
البحث الرابع:
العمر الطبيعي قليل الوجود, وذلك لأنه موقوف على عدة شروط متعذرة الاستعمال. ولا شك أن الموقوف على المتعذر الوجود متعذر الوجود. وتلك الشروط سبعة. أحدها أن يكون الشخص * عارفا (79) بقوانين الطب ليعلم النافع فيستعمله والضار فيتجنبه. وثانيها أن يكون * موسرا (80) ، فإن المقل لا يمكن أن * يستعمل ما يجب استعماله (81) في حفظ صحته من الأغذية الشريفة وغيرها. وثالثها أن يكون ذا فراغ لأن المشغول بخدمة غيره، فلا يمكنه استعمال ما يجب في وقته. ورابعها أن يكون سمحا فيما يصرفه في تدبير بدنه. فإن البخيل * لم (82) يسمح نفسه باستعمال الأغذية الشريفة وغيرها. وخامسها أن يكون ضابطا نفسه، فإن الشرة لا يمكنه * ضبط (83) نفسه * عن ما (84) لا يجب استعماله. وسادسها أن لا يكون مشغولا بطريقة الزهد، فإن من كان مشغولا بذلك كان كثير الصيام. وذلك * مما (85) يمنعه من استعمال ما يستعمله في وقته. وسابعها أن يكون * مقامه في مسكن معتدل من أقليم معتدل (86) ، فإن غير المعتدل مناف لحال الشخص * المشار إليه (87) . ولا شك أن هذه الشروط قلما يجتمع في شخص واحد. وإذا كان حالها كذلك، كان المرتب عليها قليل الوقوع. * فالعمر (88) PageVW1P004A الطبيعي قليل الوجود. وبهذا يجاب عن إشكال مقدر، وهو أنه لقائل أن يقول: الطبيعة PageVW5P003B المدبرة للبدن شأنها تحصيل * كمالات (89) * (90) من جلب النافع ودفع الضار. ولا شك أن * العمر (91) المشار إليه من القدر المذكور، * فلم لا يكون حصوله دائما أو أكثريا؟ فالجواب أن نقول العمر المذكور له محصل وله معين (92) ، فالمحصل الطبيعة المذكورة والمعين ما ذكرناه من الشروط. وقد علمت أن تلك الشروط متعذرة * الاجتماع (93) في شخص واحد. * وإذا كان كذلك فالعمر (94) الطبيعي متعذر الوجود لتوقفه عليها.
البحث الخامس
في بيان قصر هذا العمر. اعلم أن الشيء لا يوصف بالقصر إلا إذا كان متناهيا, فنحتاج أن نذكر ما يدل على تناهي عمر الإنسان. وذلك من وجوه أربعة. أحدها أن البدن * مركب (95) من أجزاء مختلفة الصور طالبة الانفكاك والافتراق. وإذا كان حالها كذلك، فاجتماعها والتئامها في البدن قسري وهو غير طبيعي، فليس هو بدائم، فالطبيعي افتراقها وانفكاكها. وثانيها البدن الغالب عليه من الكيفيات الحرارة والرطوبة. أما الرطوبة، فلأن تهيئه لقبول النمو. وأما الحرارة، فلتنضج غذاوه وتصلحه وتشبهه به، وهي مع ذلك مبخرة ومحللة للرطوبة المذكورة. ثم إن ذلك يتزايد على ممر الأيام إلى أن يتلاشاى البدن * ويضمحل (96) ويحصل الموت. وثالثها أن الصحة صورة طبيعية حالة في موضوع، وهو بدن الإنسان. وهو أخذ دائما في التحليل والتلاشى. * والموجب (97) لذلك بعضه وارد عليه من خارج والبعض * الآخر (98) من داخل. والأول علي نوعين: ضروري وغير ضروري. * فالضروري (99) مثل تحليل الهواء لرطوباتنا. فإن الهواء وإن كان في بعض الآفاق باردا، غير أنه لا يبلغ في برده في الآفاق المعمورة إلى أن لا يحلل شيئا. بل هو يحلل دائما بما يستفيده من تسخين الشمس وقوى الأجرام الفلكية ومثل الحركات البدنية والنفسانية التي لا بد للإنسان منها في حال حياته. * والغير الضروري (100) العرضية مثل إيراد * السم (101) على البدن * وقطع السيف والبرد المجمد (102) وغير ذلك من الأسباب العرضية. * والكائن (103) من داخل أيضا على نوعين: ضروري وغير ضروري. فالضروري مثل تحليل الحرارة وفعلها دائما في رطوباتنا. فإنها بطبعها محللة. وغير * الضروري (104) مثل الرطوبة الغريبة المتولدة عن أغذيتنا. فإن مثل هذه الرطوبة تضاد الغريزة من وجهين. أحدهما الخنق والغمر، والآخر بمضادة الكيفية. فهذه الأسباب كلها متعاونة متعاضدة على تحليل رطوباتنا الغريزية. * ويلزم من نقصانها نقصان الحرارة الغريزية (105) لضرورة نقصان المحمول لنقصان الحامل. فإن قيل * فلم (106) لا تورد القوة ا لغاذية بدل ما يتحلل من البدن؟ فنقول: القوة الغاذية ولو أوردت بدل ما يتحلل على السواء، غير أن التحلل يزداد دائما. فلم يكن ما تورده القوة مساويا لما يتحلل. فإن عاد المعترض. وقال: ازدياد التحلل إما لازدياد المتحلل أو لضعف القوة عن * الازدياد (107) . والأول محال. فإن الأسباب المحللة وهي التي ذكرناها وجودها في سن الشباب كوجودها في سن الكهول. وإذا لم تزدد، استحال ازدياد التحلل. والثاني باطل. فإن الغاذية إلا تضعف إلا لنقصان الحرارة والرطوبة. فلو عللنا نقصانها بضعف الغاذية، لزم الدور. قلنا: PageVW5P004A الجواب عن الأول أن الأسباب المحللة, وإن لم تزدد غير أنه متى طال زمان تأثيرها، قوي أثرها، فكان فعلها أقوى وأبلغ. فلذلك صار التحلل يزداد ويكثر. والجواب عن الثاني أنا لم نعلل ضعف الغاذية بما ذكر، بل نقول القوة الغاذية * تضعف (108) لنقصان الحرارة والرطوبة. وهما ينقصان لاستيلاء الأسباب المجففة, وهي التي ذكرها. ويلزم من استيلاء التحلل استيلاء الجفاف ثم الموت. * ورابعها (109) * أن (110) يقال بقاء البدن بدون الغذاء محال على ما دل عليه الاستقراء. ثم الغذاء ليس هو * شبيها (111) بالبدن * ولا (112) بد له من مشبه، والمشبه له هو القوة الغاذية، وهي جسمانية لأنها حالة في الأجسام. وكل قوة جسمانية فإنها متناهية الفعل بحسب العدة والمدة والشدة. وأما بيان تناهي القوة المذكورة في هذه الأمور والفرق بينها, فقد ذكرنا ذلك جميعه في شرحنا لكليات القانون. وأوردنا هناك بحوثا لا يليق ذكرها * في (113) هذا الكتاب.
البحث السادس:
قال الفاضل جالينوس: إنما قال أبقراط العمر * قصير (114) بالإضافة إلى PageVW1P004B طول الصناعة * فإنها طويلة (115) على ما سنوضحه. * أقول إن (116) هذا القول من جالينوس يفضي إلى امتناع تحصيل الصناعة. وذلك أنه كان جملة العمر قصيرا * بالقايس (117) إلى طول الصناعة، فتكون الصناعة أطول من أن يستقصى معرفتها في جملة العمر، مع أن العالم بها يكفيه تحصيل العمل بها في بعض عمره والعمل بها في البعض الآخر. وعلى ما قاله، يلزم أن يكون ما يعلم منها في ذلك البعض قليلا لا يكفي من حصول الغرض المطلوب في تحصيلها مع أن الأمر على خلافه. فإن الطبيب إذا * حصل (118) الأصول، تنبه على الطريقة في استخراج ما يحتاج إليه من الفروع. وما يبقى منها من الأمور التي تحتاج إليها في حفظ الصحة وغير ذلك يمكنه استخراجه مقايسا على ما علمه من الأصول. فالقول إذا * بذلك (119) التعليل * باطل (120) . والحق عندي أن يقال إن العمر في نفسه قصير من غير أن يؤخذ مضافا إلى الصناعة.
البحث السابع
في قوله * والصناعة (121) . الصناعة ملكة نفسانية يقتدر بها الإنسان على استعمال موضوعات ما نحو غرض من الأغراض على سبيل الإرادة صادرة عن بصيرة بحسب الإمكان. وعلى هذا يكون جميع العلوم صنائع. وفي الحقيقة * فإن (122) إطلاق لفظ العلم على هذا الفن أولى من * إطلاق لفظ (123) الصناعة لأنه أمر كلي. وقد علم في غير هذا الفن أن العلم عبارة عن إدراك الكليات والمعرفة عبارة عن إدراك الجزئيات، غير أن أبقراط إنما أطلق عليه لفظة الصناعة * تجويزا (124) منه في العبارة. أو أنه كان يطلق عليه هذه اللفظة في قديم الزمان، فاستعملها للشهرة. أو يقول * إن (125) هذا الفن كان ناقصا فيما تقدم من زمانه أو في زمانه عما يحتاج إليه. * وهو (126) محتاج إلى أن يتمم ويزداد، فلم يستحق أن يسمى علما.
البحث الثامن:
اعلم أن الألف واللام في اللغة العربية تستعمل لثلاثة معان. أحدها الاستغراق في الجنس. فيكون موقعها موقع الجنس كما يقال الحيوان. * ويراد به (127) حقيقة ما له حس وحركة إرادية. وليس هذا مراد بقراط بذلك هاهنا * لوجهين (128) . أما * الأول (129) فليس كلامه في الصنائع أجمع، بل في صناعة الطب. وأما * الثاني (130) PageVW5P004B فلأن بعض الصنائع قصيرة جدا، فلا تكون طويلة عسرة المعرفة. وأما الثاني * فلطلب (131) الحقيقة والماهية. وهذا أيضا غير مراد أبقراط. وثالثها المعهود السابق، أي الذي كلامنا فيه، وهو الطب. وهذا هو مراد أبقراط.
البحث التاسع
في بيان طول هذه الصناعة. قال جالينوس: أقول إنما قال ذلك لأن الوقت الذي يفعل فيه كل واحد من * حيل (132) أفعالها الجزئية يسير ضيق. لذلك يعسر الوقت عليه * فيحتاج (133) الذي يريد معرفته إلى رياضة طويلة, ودربة بالغة. والذي نقول نحن في إيضاح هذا أول تبيينه أن كل علم فله موضوع ومبادئ ومسائل. فالموضوع فيه البرهان والبمادئ منها البرهان والمسائل عليها البرهان وهي المطالب. وأحوال الموضوع ههنا الذي هو بدن الإنسان هي المطالب في هذا الفن. ولا شك أنها دائمة أخذه في التبدل * والتغير (134) ، فتكون مطالب هذه الصناعة كثيرة جدا غير متناهية. * ولذلك (135) تفرعت مطالب هذه الصنعة إلى الطبائعية والجراحية والكحالة. وإنما كانت متبدلة متغيرة من قبل أن موضوعها على ما علم بدن الإنسان من جهة عروض الصحة له والمرض، وهو دائم * التغير (136) من داخل * وخارج (137) على ما عرفت. ثم أن الغذاء الوارد عليه ليس هو * شبيها (138) به من جميع الوجوه, فهو لا محالة يغيره ويزعزعه. * وإذا (139) كان * التغير (140) حاصلا له دائما، فأحواله متبدلة متجددة دائما. فكانت مطالبه كثيرة جدا * غير متناهية (141) . وصناعة الطب لا شك أنها ناظرة في تلك الأحوال. فلما كان حالها كذلك، وصفها بالطول. فقال: الصناعة طويلة.
البحث العاشر:
قال جالينوس في بيان طول هذه الصناعة ولأن استخراج جميع ما يستخرج من الصناعات يكون * بسببين (142) . أحدهما التجربة والآخر القياس واستعمال الأول خطر والثاني ليس بسهل، لكنه من أعسر ما يستعمل. * أقول (143) : هذا الوجه لا * يصلح (144) أن يعلل به طول الصناعة، بل صعوبتها وعسر إدراكها. وذلك لأن الأمور * التي (145) تستنبط بها * معارفها (146) * منحصرة (147) في أمرين. أحدهما * التجربة (148) وهي خطرة PageVW1P005A على ما ستعرفه. والآخر القياس، وهو عسر شاق. ولذلك وقع الاختلاف فيه إلى الآن. وستعرف المراد بالقياس هاهنا.
البحث الحادي عشر:
في قوله: والوقت ضيق. ذهب الفاضل جالينوس إلى أن مراده هاهنا بالوقت وقت استعمال التدابير الجزئية. فإنه يسير ضيق من قبل أن الموضوع المستعمل فيه هذه الصناعة دائم التحلل والتغير من ذاته ومن خارج. فلا يقدر على ضبط ما نحن محتاجون إلى ضبطه من الأحوال المتجددة على ما ينبغي. وإذا كان كذلك، فيتعذر على الطبيب أن يستعمل ما يجب * استعماله (149) . وذلك لأن أحوال البدن تتغير بتغير موضوعها في الزيادة والنقصان. فربما تحصل من المعالجة حالة لا يتوقع حدوثها وهو أن الدواء ربما يكون أقوى قوة منه. وذلك إذا كان * التغير (150) إلى أمر أنقص من قوة الدواء، أو يكون الدواء أضعف منه إذا كان * التغير (151) بالعكس. وكذلك الكلام في حفظ الصحة. فالحاصل أنه جعل ضيق الوقت بحسب الحالة التي عليها البدن. أقول هاهنا * ثلاثة بحوث (152) . أحدها * أنه علل (153) طول الصناعة بضيق الوقت لأن أحوال البدن متجددة. وهاهنا قد علل ضيق الوقت بطول الصناعة PageVW5P005A لكثرة ما يحتاج إلى استخراجه منها بحسب الوقت، أي الحالة الحاصلة فيه. * ولا شك أن هذا (154) دور وهو محال. وثانيها الحالة المنتقل إليها البدن إما إن يمكن الطبيب أن يحصل ما يحتاج * إليه (155) بحسب الوقت أو لا يمكنه. فإن أمكنه، فليس الوقت * ضيقا (156) من هذه الجهة. وإن لم يمكنه، تعذر وصول الصناعة إلى غرضها. وذلك باطل بالاستقراء. فإنا نرى الصناعة تبلغ غرضها في أكثر الأوقات في * أمر (157) المعالجة وحفظ الصحة. وثالثها أنك ستعرف أن الأمراض على نوعين: حادة ومزمنة. والحادة على نوعين: مهياجة وغير مهياجة. والمزمنة والحادة الغير مهياجة حركاتها متراخية الأزمنة يمكن حصول الغرض من صواب تدبيرها. وكيف لا يكون ذلك؟ وإلا، كانت الصناعة قاصرة جدا فيما يحتاج إليه. فتبقى الأحوال السريعة التبدل والتنقل التي لا يمنكن الطبيب أن يحصل غرضه منها ولا من معالجة الأمراض المهياجة. فالقدر الذي ذكره الفاضل جالينوس لا يتأتى ويمشي * إلا (158) في هذه الأحوال. وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن يعلل ضيق الوقت بتبدل الأحوال وتغيرها مقلطا. وقال ابن أبي صادق: عنى بضيق الوقت وقت التعليم. فيكون مراده بالوقت * الزمان (159) الذي يمكن الإنسان صرفه إلى تحصيل هذه الصناعة * في (160) جملة عمره. فإن بعض العمر ينصرف في النوم والبعض في اللهو والبعض في وقت المرض والبعض في زمان الطفولية والبعض في زمان الشيخوخة والبعض في هم يرد أو غم أو غير ذلك من الأمور الطارئة على الإنسان. ولا شك أن أمثال هذه مما تحيل بينه وبين تحصيل العلم، فيضيق وقت التعليم. فإن * قيل (161) هاهنا بحثان: أحدهما أن يقال الوقت إذا ضاق عن التعليم يضيق, فضيقه إما أن يبلغ فيه الغرض من التعليم أو لا يبلغ فيه. فإن كان الأول، فليس الوقت يضيق. وإن كان الثاني، * فيمتنع (162) معه تحصيل الصناعة وتعليمها، وهو باطل. ثانيها أنه إذا * أنسب (163) ضيق الوقت بالإصفافة إلى تعليم الصناعة ، كان ذلك في ضمن قولنا والعمر قصير بالإضافة إلى طول الصناعة. وفي ذلك جعل الوقت عديل الكل وقسيما له، وهو خطأ. * والجواب (164) عن الأول قوله الوقت إما يبلغ فيه الغرض أو لا يبلغ. قلنا يبلغ فيه بحسب الإمكان والقدرة الإنسانية، غير أن هذا يكون نادرا جدا. * ولذلك (165) صار وجود الطبيب الحاذق الماهر نادرا جدا. وكيف لا يبلغ في هذه الصناعة ذلك * ومثل (166) هذا القدر منها ممكن الحصول * المعرفة (167) ؟ والجواب عن الثاني أنه علل طول الصناعة بكثرة مطالبها التي هي الأحوال المتجددة الحادثة. وعلل ضيق الوقت أي وقت الاشتغال بكثرة الأمور المانعة من ذلك، وهي التي عددها. فلم يلزم ما ذكره المعترض.
البحث الثاني عشر
في معنى التجربة. التجربة هي القضية التي يصدق العقل بها بواسطة الحس وشركة من القياس. فإن الحس إذا تكرر عليه اقتران شيء بشيء مرارا غير محصورة، حصل في الذهن من هذا التكرار شيء، وهو أن هذا القدر ليس باتفاقي. فإن الاتفاقي ليس بدائم ولا أكثري، بل هو أمر طبيعي مثاله السقمونيا. فإنها تسهل الصفراء وهذا القدر لما رأيناه قد تكرر مع شرب السقمونيا، علمنا قطعا أن التكرار هو الموجب لذلك الاعتقاد إذ لا بد لكل حادث من سبب * وليس (168) ذلك السبب أمر إرادي من * السقمونيا (169) ، وليس هو * في (170) الجسمية. وإلا، تساوت الأجسام في ذلك. بل هو لقوة PageVW1P005B حاصلة فيه. فحينئذ يقضي العقل بأن السقمونيا التي في بلادنا PageVW5P005B تسهل الصفراء إذا كان المنفعل مستعدا للإسهال.
البحث الثالث عشر
في بيان خطر التجربة. قال جالينوس: وذلك لشرف الموضوع. فإن الطبيب متى أخطأ فيه، لم يمكنه أن يعيده أو يعمل منه شيء آخر كما يمكن النجار إن يعمل من الخشبة التي أخطأ فيها. ولم يعمل منها مفتاحا إن يعمل منها * شيئا (171) آخر. أقول وصارت التجربة خطرة وذلك من وجوه ثلاثة. أحدها أن أحوال البدن ليست على نوع واحد ولا هي حادثة بمقدار واح، بل هي مختلفة في ذلك. وإذا كان كذلك، فكيف يمكن أن يستعمل الطبيب في البعض ما جربه في البعض الآخر؟ ولو فعل ذلك، لأهلك المريض أو جلب عليه آفة عظيمة. وثانيها الحالة الحاصلة التي جرب فيها الدواء والغذاء وشهدت التجربة بنفعه لها. وربما ما كان مقدار نالها، * عرض (172) لأجل وقع النفع. ثم الحالة الثانية لم يحصل فيها ذلك الغرض أو حصل فيها غرض مقابل الغرض الأول. فمتى استعمل ما * استعمله (173) في الحالة الأولى، جلب على العليل بلية عظيمة. وثالثها أن أشخاص نوع الإنسان * ليست مما هي موجودة (174) بالفعل، بل البعض منها بالقوة والبعض بالفعل. فتكون أشخاص الناس * غير (175) متناهية العدد، فتكون أحوالهم كذلك. ومن * المعلوم أنه (176) مستحيل أن تجرب شخص واحد أو أكثر من واحد في كل واحد * واحد (177) من تلك الأحوال التي هي غير متناهية. فإن * قاس البعض (178) بالبعض، لم يصلح أن يستعمل ما جربه في الأبدان الأخر إلا بعد أن نعرف أن حالاتها هي تلك الأحوال بأعياهنا وبذلك المقدار، غير أن هذا القدر * لا يكون تجربة بل قياسا (179) . وبهذا * يبايان (180) المجرب والقياس. فإن القياس لا يمكنه أن يستعمل شيئا إلا بعد الثقة به، والمجرب لا يثق بالشيء إلا بعد استعماله. وبالجملة معرفة ما لا يتناهي بالتجربة محال. ولما كان حال التجربة كذلك، قال والتجربة خطر. قال ابن أبي صادق: التجربة على نوعين. أحدها امتحان ما اقتضاه القياس وعلم به كما إذا دل الدليل على برد الافيون غير أن هذا القدر * لا (181) يظهر لنا في الوجود الخارجي. فإن أردنا امتحانه وإظهار ذلك منه إلى الفعل، فنجربه, أي * (182) نستعمله في بدن ما. فأحتاج هذا النوع من القياس إلى التجربة لا بمعنى أنها تصححه وتجبر نقصانه، بل بمعنى أنها تظهر فضيلته ويشهد له. وهذا النوع من التجربة ليس في خطر البتة. وثانيها امتحان الشيء من غير قياس كاستعمالهم * للشيء (183) عند ظهور نفعه بالاتفاق أو معرفة ذلك منه في بعض الحيوانات أو من الرؤيا والمنام. ومثل هذا النوع رديء جدا على ما عرفت. ومراد بقراط بالتجربة الخطرة هذا النوع. وهذا تفصيل جيد من ابن أبي صادق.
البحث الرابع عشر:
في معنى القضاء وعسره. قال جالينوس: أصحاب القياس فهموا منه القياس والقياس * عسر (184) شاق. * ولذلك (185) وقع الاختلاف فيه حتى أن الواحد يخالف نفسه. * وأصحاب التجارب فهموا (186) منه الحكم على منفعة أو على مضرة حصلت عقيب أنواع من المعالجة. * مثاله أن (187) محموما فصد ثم استعمل ما يبدل مزاجه ثم اغتذى ثم * أحقن (188) أو استعمل ما يلين طبعه ثم حصل له عقيب هذه الأنواع ضرر أو نفع. فما يعرف إلى أي نوع منها ينسب ذلك. فإن ذلك عسر * شاق (189) .
[aphorism]
قال أبقراط: * وقد ينبغي (190) أن لا تقتصر على توخي فعل ما ينبغي * دون (191) أن يكون ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك والأشياء التي من خارج.
[commentary]
الشارج هاهنا بحثان.
البحث الأول
في هذا القول: هل هو تمام الفصل أو هو فصل قائم بذاته. والحق عندي الثاني. وبيانه أن الأول يتضمن الأخبار PageVW5P006A عما ذكرنا، وهذا يتضمن المشورة. فكأنه يقول مع ما علم، ينبغي للطبيب أن لا يقتصر في معالجته على استخراج ما يستخرجه من القوانين الكلية دون أن يكون المريض مطيعا له فيما يأمره به من استعمال ما يستعمله في وقته وبمقداره. وهو المعنى بقوله «ما يفعله PageVW1P006A المريض»، وأن يكون خدمه مطيعين له في ذلك بمعنى انهم يستعملون ما يأمرهم به الطبيب في وقته وبمقداره * «والمريض (192) » * يعني (193) أن يكون عندهم لطافة وطرافة، وهو المعنى بقوله «ومن يحضره كذلك»، وأن تكون الأخبار الواردة عليه من خارج * أخبارا (194) مفرحة لا * محزنة (195) وأن يجعل مسكنه موافقا له وكذلك حال الهوى، وهو المعنى بقوله «والأشياء التي من خارج». فلما كانت موافق التدبير إذا كانت صوابا، خالصه من هذا * نبه (196) عليها وأشار بمراعاتها. والذي * أراه (197) * أن (198) في هذا الفصل أنه وإن كان جاريا، تجري المشورة والتنبيه على فعل ما يجب فعله. فإن فيه فائدتين * أخريين (199) أحدهما * أنه (200) برهان على صعوبة الصنعة. فكأنه يقول * ومع ما (201) * بيناه (202) من صعوبة هذه * الصنعة (203) من قصر العمر وطولها وأن * التي (204) اكتسابها بالتجربة وهي خطرة، والقياس وهو عسر شاق أن استعمالها في الأمور الجزئية عسر شاق أيضا لأنه موقوف على * مراعاة (205) ما ذكرناه. وثانيهما * أنه (206) تنبيه على وجه الغلظ الذي يقع في مباشرات هذه الصناعة. فإنه ربما أن ظانا يظن عند * وقوع (207) هذا الغلط أن الصناعة في نفسها قاصرة. ولم يعلم أن سبب الغلط ليس هو من جهتها بل من الأمور التي ذكرناها فلذلك نبه عليها.
البحث الثاني:
لقائل أن يقول: «ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك والأشياء التي من خارج إما أن يكون مما ينبغي * أن (208) يفعل أو لا يكون. فإن كان الأول، فيكون * داخلا (209) فيما يتوخاه. وإن لم يكن فيما لا ينبغي * أن يفعل (210) ، لا حاجة إليه». والجواب عن * هذا (211) : ما ينبغي أن يفعل على نوعين: خاص بالطب ووارد من غيره. فالخاص * به ما يتعلق بما (212) تقتضيه الصناعة من واجب التدبير وحسن استنباط ما يستنبط مع قطع النظر عما عما عداه. والحاصل من غيره * هو (213) ما ذكرنا من مطاوعة المريض والخدم والأخبار الواردة من خارج. ولما كانت هذه الأمور مؤثرة فيما يفعله الطبيب، نبه عليها وقال لا بد من مراعاتها.
2
[aphorism]
قال أبقراط: إن كان ما يستفرغ من البدن عند استطلاق البطن والقيء اللذين يكونان طوعا من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن، * نفع (214) ذلك وسهل احتماله. وإن لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد. وكذلك خلاء العروق فإنها إن خلت من النوع الذي ينبغي أن يخلو منه، * نفع (215) ذلك وسهل احتماله، وإن لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد. * وينبغي أيضا أن تنظر (216) في الوقت الحاضر من أوقات السنة وفي * البلد (217) وفي السن وفي الامراض هل يوجب استفراغ * ما (218) هممت باستفراغه أم لا.
[commentary]
الشرح هاهنا أحد عشر بحثا.
البحث الأول
في الغرض من هذا الفصل. الغرض منه * تقديم (219) مقدمة يبني عليها جميع الأحكام الطبية * هي (220) أن الأفعال الطبية يجب أن يحذو بها حذو * الأفعال (221) الطبية. ولذلك قيل «إن الطبيب خادم * للطبيعة (222) » أي أنه يجب عليه أنه متى وجدها * ناهضة (223) بشفاء مرض، قواها أو تركها على حالها. وإن وجدها مقصرة، قواها وقابل مقاومها بما يضاده أو عادمه PageVW5P006B آلة أو * ملسلكا هيأ لها. ذلك (224) مثل رد خلع أو تسوية كسر أو فتح عرق، كل ذلك بحسب الإمكان. وضرب لنا * المثال (225) في ذلك بالاستفراغ لوجوه أربعة. أحدها لظهوره. وثانيها أن أكثر العلاجات والأشفية كائنة بالاستفراغ. فإن الطبيعة تفعل هذا في حال الصحة. وثالثها أن غرضه في أكثر هذه المقالة الكلام في قوانين * التغذية (226) ، والغذاء إنما يكون بعد نقص الفضول من المعاء وغيرها. فوجب * ذكر (227) الاستفراغ. ورابعها أن الغذاء هو * خليف (228) لبدل ما يتحلل، والتحلل استفراغ. فوجب تقديم الكلام في الاستفراغ * لأنه (229) مقدم على التغذية. فلذلك ضرب * المثال (230) بالاستفراغ.
البحث الثاني:
ما لمراد بالنوع الخارج؟ قال جالينوس * مراده (231) بالنوع الذي ينبغي أن يستفرغ الخلط الفاسد في كيفيته لا الخارج في كميته. * واستدل على ذلك بأمرين. أحدهما تكرار اسم «النوع» مرتين (232) والثاني لفظة النقاء. قال «هما لا يستعملان في اللغة اليونانية إلا فيما يؤدي البدن بالكيفية». قال: «ولو أراد الكمية، * لقال (233) إن * استفرغ (234) البدن بالمقدار الذي ينبغي، أو كان استعمل لفظا أعم من النقاء، وهو أن يقول: إن استفرغ البدن من النوع الذي ينبغي أن يستفرغ منه». أقول: إن هذا التأويل الذي تأوله الفاضل جالينوس إنما * يصح (235) لو كان المستفرغ لزيادة الكمية طوعا غير نافع. وليس في كلام الإمام أبقراط ما يدل PageVW1P006B عليه. أما إذا كان ينتفع به وفي كلامه احتمال، فلا وجه للتأويل بما يخرجه عن كلامه وينسب لأجله إلى التقصير. وأيضا * فإن (236) كان الخارج في الكمية * خارجا (237) عن النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن، فيكون * أمرا غير طبيعي (238) مؤذ للبدن، لكن خروجه عن النسبة الطبيعية التي له في البدن ليس طبيعيا وعلاج كل خروج بضده والخروج بالزيادة يعالجج بنقصان موجبها. وأيضا فإنه ذكر في هذا الفصل * خلو (239) العروق وخلوها لا يستعمل فيما يؤذي البدن بالكيفية بل بالكمية أو بهما جميعا. * وقوانين الطب أكثرية فظهر ما ذكرنا دخول زيادة الكمية في نوع ما ينبغي أن ينقى منه البدن (240) . وأما جالينوس فيعارض بما جاء في اللغة اليونانية ووقع الاصطلاح عليه وهو أن فيها ألفاظا يقال على سبيل الحقيقة وألفاظا على سبيل المجاز. ويكون أبقراط قد استعمل لقطي النوع والنقاء في هذه الصورة على سبيل المجاز لا على سبيل * الحقيقة (241) . ومراده بالطوع هو الذي لا تستعين الطبيعة في إخراجه بدواء مسهل ولا بغيره وبالنوع المادة الموجبة للمرض. ومثل هذا الإسهال متى حصل، كان نافعا سهل الاحنمال. أما نفعه، فلأن فيه إخراج المؤذي. وأما احتماله، فلأن الطبيعة لا تظن به لأنه مؤذ لها * فسهل (242) عليها مفارقته، إلا أنه ربما حصل معه في حاضر الوقت ضرر لا من كونه كذلك، بل من جهة إعياء يعقبه في الأوعية أو سحج في * المعاء (243) لحرارة المادة. فلا يحس بنفعه في الحال إلى أن يزول العارض.
البحث الثالث:
اعلم أن * هذا (244) الاستفراغ قد يكون بالعرق وقد يكون بالرعاف وقد يكون بالقيء وبغير ذلك من الاستفراغات المذكورة. وإذا كان كذلك، فلقائل أن يقول: فلم ذكر في * هذا (245) المثال استطلاق البطن والقيء؟ فنقول: * لأن (246) الاستفراغ * فيهما (247) محسوس. وذكر من ذلك ما هو من جهة الأعالي وما هو من جهة الأسافل، ولأنهما أكثر وقوعا من غيرهما. * ولأنهما للإرادة فيهما تصرف، فيكونان أقرب إلى الطول غيرهما (248) .
البحث الرابع
في قوله «وإن لم PageVW5P007A يكن كذلك كان، الأمر على الضد»: ومعناه أن الاستفراغ الطوعي متى وقع ولم يكن من النوعي فإنه يكون مضرا. قال جالينوس: «وهو الاستفراغ من غير الشيء المؤذي». * ونحن نقول: إن استفراغ ما لا ينفع من غير الشيء المؤذي (249) * لا (250) يلزم أن يكون مضرا فإن استفراغ الخلط الأصفر الزائد في بدن المحموم حمى دموية غير ضار بل قد يكون نافعا بوجه ما. بل الذي يضر استفراغه إذا لم يكن من النوع هو الشيء المقاوم للشيء المؤذي، أعني الضد. وذلك كاستفراغ البلغم من البدن في الحمى الصفراوية والصفراء في الحمى البلغمية. وإلى هذا أشار * الأوحد (251) أبقراط فإنه * قال (252) «إن كان ما يستفرغ من البدن طوعا من النوع الذي ينبغي أن * ينفي (253) منه البدن، نفع ذلك وسهل احتماله». ثم أتى بما يقابل ذلك فقال «وإن لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد». ومقابل ما ينبغي ما لا ينبغي وما * لا (254) ينبغي أن يستفرغ في * الحال (255) التي البدن عليها بالحقيقة هو الضد لا المخالف. * فهذا (256) هو الحق في هذا البحث.
البحث الخامس
في تحقيق مراده * بخلو (257) العروق. * قال (258) جالينوس: «أبقراط يسمي كل استفراغ * خلو (259) العروق من قبل ما يعرض منه من * خلو (260) العروق». * وهذا (261) الكلام فيه نظر. فإن الاستفراغ قد يكون من العروق وقد لا يكون من العروق. وذلك من مواضع، منها الاستفراغ لتنقية المعدة * وحوالاها (262) . ومنها الإسهال بالحقن وإخراج ما في المعاء من الثقل. ومنها التحليل لما تحت الجلد بالدلك اللطيف. ومنها استفراغ * ما (263) في الصدر والرئة بالنفث. ومنها استفراغ مادة الزكام من الأنف. ومنها إخراج مائية الاستسقاء بالبزل الرقيق. ومنها تحليل مواد الأورام المجتمعة في عضو عضو. ومنها تحليل المواد * الغليظة (264) المجتمعة في المفاصل. وكل هذه الاستفراغات لا يعرض معها * خلو (265) العروق. فعلى * هذه الحال فحينئذ (266) لا يصح قوله «كل استفراغ يعرض منه * خلو (267) العروق». ولو كان استفراغ يعرض منه * خلو (268) العروق، لكان ذكر أبقراط الاستفراغ الأول لا حاجة إليه لدخوله في عموم الثاني وصلاحية حمل الثاني عليه على ما قاله من تسمية أبقراط لكل استفراغ * خلو (269) العروق. والذي نقوله نحن في هذا الموضع: إن الفائدة من قوله هذا * في الموضع (270) من وجهين. أحدهما أن أبقراط لما خصص ما يستفرغ من البدن النوعي الطوعي * بالإسهال والقيء (271) وحكم عليه بالنفع، نقل هذا الحكم إلى ما هو أعم من ذلك. فكأنه * يقول (272) «ولست أقول إن هذا القدر حاصل في هذا الخاص فقط، بل فيما * هو (273) أعم منه، * ومنه (274) * خلو (275) العروق. فإن * خلوها (276) قد يكون بالقيء وقد PageVW1P007A يكون بالإسهال وقد يكون بالرعاف وقد يكون بالفصد وقد يكون بالبول. * فهذا (277) مراده بالعموم لا ما ذكره الفاضل جالينوس. * والفائدة الثانية (278) أنه لما تقدم كلامه بذكر استفراغ الأخلاط الثالثة وغالبا هو إما بالقيء * أو (279) بالإسهال وبقي الدم، ذكر استفراغه بمكانه. فيكون قد استوفى الكلام في استفراغ ما يحتاج * إليه في استفراغه من جملة (280) الأخلاط من سائر جهاتها وحينئذ يكون قد أعطى الصناعة حقها.
البحث السادس:
* قال (281) جالينوس: «إن أبقراط يعني * بخلو (282) العروق الاستفراغ الصناعي لأنه أكثر ما يكون بالفصد». وهذا القول يخرج عن الفصل فائدة أخرى داخلة فيه وهي * خلو (283) العروق طوعا أي من جهة الطبيعة * كفتحها (284) أفواه العروق في بجارين الحميات الدموية وغيرها من الحميات الدائمة. وإذا كان كذلك، فلا حاجة إلى تخصيص جالينوس بالصناعي، بل الواجب إبقاؤه على إطلاقه * المحتمل (285) لكلى القسمين * الصناعي والطبيعي (286) PageVW5P007B وليس المراد * بالخلو (287) أن تخلو بالكلية.، فإن هذا محال. بل المراد به التنقيص.
البحث السابع
في بيان نفع ما يخلو * منه (288) العروق. وضرره. قد تقدم لنا كلام مناسب لهذا وهو أنه متى كان الخلو من النوع الذي ينبغي أن يخلو منه وكان طوعيا أو صناعيا، فإنه يعقبه خفة وراحة. ومتى لم يكن كذلك، أعقبه ضررا، وهو أن يكون النوع الموجب للمرض مادة بلغمية. ثم كان الخلاء من الدم إما من جهة الطبيعة وإما من جهة الصناعة، فإنه حينئذ يكون مضرا.
البحث الثامن
(289) في احتياجه إلى ذكر الوقت الحاضر وغيره مما ذكره: وذلك لأنه قد ثبت أن النفع وسهولة الاحتمال لازمان مساويان لكون المستفرغ من النوع الذي يجب أن ينقى منه البدن * لأنهما (290) لو * كانا (291) أعم منه لجاز حصوله عند كون المستفرغ * من الضد (292) ، وحينئذ لم يصدق قوله «وإذا لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد». وإذا صح * أنهما (293) * لازمان مساويان (294) ، فيستدل بكل واحد * منهما (295) على الآخر، لكن * استدلال النفع (296) وسهولة الاحتمال إنما يكون بعد الاستفراغ. فلما كان أمرهما على هذه الصورة، احتاج إلى ذكر أمور تدل على النوع المستفرغ قبل الاستفراغ.
البحث التاسع
في أنه قال «ينبغي أن ينظر إلى الوقت الحاضر» وغيره، ولم يقل «ويجب أن ينظر» مع أن النظر في هذه نافع جدا في الاستفراغ. * وذلك لأن هذه إذا كانت مانعة من الاستفراغ (297) لا يترك مع الحاجة إليه. فإن الحاجة ربما دعت إليه وشهادة هذه مضاد لما دعت * إليه الحاجة (298) . وذلك كحدوث الحمى الصفراوية للشيخ في زمان الشتاء وفي البلد البارد * واحتياجها (299) إلى استفراغ الصفراء، وإن كان حدوثها قليلا، لكن القلة لا يلزم منها الامتناع. وليس في قول أبقراط ما يمنع من ذلك. وقوله «أم لا» لا ينبغي أن يفهم منه المنع إن لم يكن موجبه له فإنه لم * ينه (300) عن الاستفراغ مع كونها غير موجبه. فإن الاستفراغ الضروري * له (301) موجبان. أحدهما زيادة المادة أو رداءتها. والآخر احتمال القوة. فمتى تهيأ ذلك * بلا (302) مانع منه، وجب الاستفراغ * سواء (303) إن وافقت * تلك (304) أو خالفت. * فلذلك (305) قال «وينبغي أن ينظر» في هذه ولم يقل «وجب أن ينظر» في هذه لأنه يحتمل أن يكون كلامه في الاستفراغ الاختياري. ولما كان كذلك، عبر عباره تشمل الاستفراغين جميعا الضروري والاختياري * لأنه (306) لو قال * «وجب (307) » خرج عن ذلك الاستفراغ الضروري. فهذه الفائدة في قوله وينبغي.
البحث العاشر
في معرفة النوع المراد استفراغه. قال بعضهم: * هذا يعرف (308) * من وجوه ستة. أحدها (309) من لون البدن. وهو أنه إن كان أصفر، فالمستولي عليه * من المواد (310) الصفراء. وإن كان أحمر، فالمستولي عليه الدم. وكذلك الحال في السوداء والبلغم. وهذا وجه ضعيف لاحتمال أن يكون حيز الأذي في باطن البدن، مثل أن يكون هناك ورم فتتجه الطبيعة إلى جهته طلبا لمقاومته. وحينئذ يتجه باتجاهها * إليه (311) الدم والروح والحرارة الغريزية. أما الدم والروح فلأنهما مركبان لها. وأمأ الحرارة الغريزية فلأنها آلة لها في جميع أفعالها وحينئذ يستولي على مكانها ضدها وهو البرد والمواد البلغمية. وذلك يلزمه اللون الأبيض، * أو يكون في ظاهر البدن وجع شديد، فتميل الطبيعة إلى جهته للمقاومة ويميل معها ما ذكرنا PageVW5P008A بحمر اللون، وإن كان الوجع حادثا عن مادة باردة (312) بلغمية. * وإذ (313) قد ثبت ضعف هذا فنقول: معرفة ذلك النوع من الدلائل * الخاصية (314) بكل واحد من المواد. وقد ذكرناها في كتابنا * المعروف (315) بالشافي وفي شرحنا لكليات القانون. * وثانيها من التدبير المتقدم. فإنه إذا كان سخن مرطب، فالمادة دموية سخنا مجففا. فالمادة صفراوية. وكذلك الحال في البلغم والسوداء. وثالثها من السن فإنك قد عرفت أن لكل سن مادة مخصوصة. ورابعها من الفضل فإنك أيضا قد عرفت أن لكل فضل مادة مخصوصة. وخامسها من الصناعة، فإنه إن كان يحتاج فيها إلى مباشرة النار، فالمادة حارة، أو إلى مباشرة الماء، فالمادة باردة . وسادسها من الأعراض (316) الخاصية بكل واحد من المواد فإن حلاوة الفم ودروس العرق وكثرة النوم وانتفاخ السخنة واحتكاك مخارج الدم المعتادة واحتباس دم معتاد الخروج كأفواه العروق والبواسير والحيض والرعاف وروية الألوان الحمر في النوم. فالمادة دموية وكثرة النوم وبياض اللون وبلادة الذهن واسترخاء الأعضاء وفتور الحركات وكثرة البزاق والغشيان ودلاعة الفم وترك استفراغ بلغم معتاد ورؤية البخار والثلوج في النوم، فالمادة بلغمية. والعطش المبرح والتلهب ومرارة الفم والصداع والقيء الصفراوي وترك استفراغ الصفراء المعتاد ورؤية النيران والصواعق والبروق، فالمادة صفراوية. وحموضة الجشاء وسواد البدن وقحله وهم وغم بلا سبب وخفقان الفؤاد وجفاف الطبع وكثرة السهر وترك استفراغ سوداء معتادة ورؤية المقابر والموتى والألوان السود، فالمادة * سوداوية (317) .
البحث الحادي عشر
في ذكر أمور واردة على * هذا (318) الفصل والجواب عنها. أحدها اشتراط النوع والطوع في استفراغ ما يستفرغ وسهولة الاحتمال. يلزم من عدم كل واحد منهما عدم النفع وسهولة الاحتمال PageVW1P007B لكن الاستفراغ قد يكون بالصناعة وقد يكون من النوع الذي ينبغي استفراغه وينفع ويسهل احتماله. وثانيها أن المستفرغ يكون في بعض الصور * نوعيا طوعيا (319) وفي بعضها * نوعيا وصناعيا (320) ولا يحصل منه خفة ولا احتمال. وذلك عند إفراط خروج ما يخرج من الخراجات عند انفتاحها من جهة الطبيعة أو من جهة الصناعة. فإن المدة الحاصلة فيها متى كان خروجها دفعة، أعقبها غشي. ولا شك أنه بالنظر إلى المادة من النوع الواجب خروجه وفتحها من جهة الطبعة يجب أن لا يعقبها شيء من ذلك. وثالثها قوله * هاهنا (321) «إن كان المستفرغ نوعيا طوعيا نفع وسهل احتماله» يناقض قوله «فيما بعد الخلط الأسود الشبيه بالدم الآتي من تلقاء نفسه كان مع حمى أو مع غير حمى، فهو من أردأ العلامات». ولا شك أن هذا المستفرغ نوعي وطوعي. ورابعها أن هذه الأمور الأربعة التي هي الوقت الحاضر والبلد والسن والأمراض إنما ينتفع بمراعاتها في الاستفراغ الصناعي * الاختياري (322) . * ولذلك (323) قال: هل * موجب (324) استفغراغ ما هممت باستفراغه أم لا؟ وأما الكائن من * جهة (325) دفع الطبيعة والصناعي الضروري، فلا حاجة * فيهما إلى النظر في هذه الأمور (326) . أما الضروري فاستعماله واجب متى دعت الحاجة إليه. وأما الكائن من جهة الطبيعة فليس لنا فيه تصرف فضلا عن * أن يراعيها (327) . والجواب عن الأول * أن (328) عدم النفع * وسهولة الاحتمال (329) * لا (330) يحصل من حصول مقابلها أي النوع والطوع. ولذلك قال أبقراط «ومتى لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد» أي متى لم يكن الاستفراغ لا نوعيا ولا طوعيا PageVW5P008B كان الأمر على الضد أي ضد الخفة وسهولة الاحتمال. أما إذا عدم أحدهما، لم يعدم النفع، بل ينقص في الفضيلة لكن * لا (331) مطلقا بل بشرط أن يعدم الطوعي وكان عوضه الصناعي. أما إذا عدم النوعي، * فلم (332) يلزم منه عدم النفع سواء كان ذلك طوعيا أو صناعيا. * وإنا (333) قلنا إن النوعي الطوعي أفضل منه عند كونه صناعيا. وذلك لأن في استعمال الأدوية المسهلة مضرة بالطبيعة المدبرة للبدن وبالأعضاء المارة بها بما فيها من القوى السمية. والجواب عن الثاني أن الاستفراغ متى أسرف، كان مضرا بل ربما أعقبه غشي إما من المواد الصالحة، فذلك ظاهر فيها بالاحتياج إلى الأعضاء إليها والقوى أيضا، وأما متى كان من المواد الفاسدة كمادة الخراجات ومائية * المستسقين (334) . فإن هذه، وإن كانت مادة فاسدة، فإن في استفراغها استفراغ الأرواح والحرارة الغريزية. وذلك لأن القوة * المدبرة للبدن متصرفة فيه (335) وحاله في جميع رطوباته لكن تصر فها وحلولها فيها على نوعين. تارة تكون بمعنى أنها مادتها، وتارة تكون بمعنى أنها مصلحة لها ودافعة لنكايتها بالأعضاء المجاورة لها فحلولها في المادة الفاسدة بالمعنى الثاني. وحينئذ يلزم من استفراغها استفراغها. * ولذلك (336) أمر حداق الأطباء بالرفق في استفراغ مادة الخراجات عند بطنها؟ ومادة الاستسقاء الزقي عند نزلها. والجواب عن الثالث مراده هاهنا بالخلط الأسود المرة السوداء. ولا شك أن هذا الخلط رديء في خروجه وفي احتباسه لأنه في خروجه يدل على أنه قد تولد في البدن وتولده فيه يدل على قوة السبب واستيلاء المؤذي. وأما احتباسه فهو بالأولى أن يكون أردأ. والجواب عن الرابع أنك قد عرفت أن المفهوم من * خلو (337) العروق محتمل لمفهومي الطبيعي والصناعي. وإذا كان كذلك، فبتقدير أن * يكون (338) صناعيا يحتمل أن يكون اختياريا. وعند ذلك يجب مراعاة ما ذكره. فذكر هذه الأمور لاحتمال أن يكون الاستفراغ على ما ذكرنا * ولذلك (339) قال «ينبغي أن تنظر» ولم يقل «يجب أن تنظر».
3
[aphorism]
قال أبقراط: خصب البدن المفرط لإصحاب الرياضة خطر إذا كانوا قد بلغوا منه الغاية القصوى. وذلك أنه لا يمنكن أن يثبتوا على حالهم تلك ولا استقروا. ولما كانوا لا * يستقرون (340) ولم يمكن أن يزدادوا صلاحا، فبقي أن يميلوا إلى * حال (341) هي أردأ. فلذلك ينبغي أن ينقص خصب البدن بلا تأخير PageVW1P008A كما يعود البدن فيبتدئ في قبول الغذاء ولا يبلغ من استفراغه الغاية * القصوى (342) ، لكن بمقدار احتمال طبيعة البدن * الذي (343) يقصد استفراغه. وكذلك كل استفراغ يبلغ منه الغاية القصوى فهو خطر. وكل تغذية أيضا تبلغ فيها الغاية القصوى فهي خطرة.
[commentary]
قال الشارح: إن شرح هذا الفصل فثه خمسة عشر بحثا.
* الشرح هاهنا (344) خمسة عشر بحثا.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله * وهي (345) من وجوه أربعة:
أحدها أنك قد عرفت أن الامتلاء على نوعين: بحسب الكمية وبحسب الكيفية فالفصل الأول يتضمن الكلام في النوع الأول، والثاني في النوع الثاني. وهذا الوجه إنما يمشي على مذهب جالينوس في تأويله * للفصل (346) الأول. وقدم الامتلاء الكيفي على الامتلاء الكمي لأن الأول ضرره بالقوة والثاني ضرره بالأوعية. PageVW5P009A ولا شك أن مراعاة القوة أهم من مراعاة الأوعية فلذلك قدمه عليه.
وثانيها أن الأول يتضمن الكلام في الاستفراغ النافع السهل الاحتمال. وهذا يحتمل أن يكون في حال الصحة ويحتمل أن يكون في حال المرض * فالكائن (347) في حال الصحة * هو جزء (348) منه ولا شك أنه أشرف من القسم الآخر. وهذا الفصل يتضمن الكلام في التنقيص لحفظ الصحة فيكون بعض ما احتمله الأول فهو متصل به وجعل له فصلا قائما بذاته لشرفه. وإنما * قدم (349) الأول على هذا لأنه يتضمن حكما عاما وهذا يتضمن حكما خاصا والعام * مقدم (350) على الخاص لأنه أعرف منه. وبهذا إيجاب عن إشكال مقدر وهو أن يقال الاستفراغ لحفظ * الصحة (351) * أشرف (352) من غيره من الاستفراغات فيجد تقديم هذا الفصل على * الفصل (353) الأول.
وثالثها أنك قد عرفت في الفصل المتقدم أن الأفعال الطبية يجب أن * يحذى بها (354) حذو الأفعال الطبيعية لكن لا مطلقا بل في الأفعال الذاتية لا الغريبة وهو * إذا وقع (355) مثلا استفراغ طوعي ولم يكن من النوع فمثل هذا ينبغي للطبيب أن لا * يحذو حذوه (356) بل يبادر * ويقابله (357) بما يضاده. ثم ذكر ذلك في جانب الاستفراغ فاحتاج إلى ذكره في جانب الامتلاء كالخصب. فإن الخصب ليس هو عن فعل الطبيعة بالذات بل بالعرض. وذلك لأن فعلها الذاتي * هو (358) هضم الغذاء وتوزيعه على جملة البدن غير أنه إن كان كثير المقدار بحيث أن يكون أكثر * من المتحلل (359) حصل منه الزيادة في * اللحم والشحم (360) وهو الخصب. وفي مثل هذا * يجب على الطبيب (361) * أن (362) يخالفها في فعلها، * ولذلك (363) أمر بالتنقيص.
ورابعها * أنه (364) * كما (365) يراعي * في الاستفراغ (366) نوع المادة، * كذلك (367) يراعي فيه مقدارها واحتمال القوة بل مراعاة * احتمال القوة (368) * أهم (369) * من (370) غيره. فذكر * الشرط الأول (371) في الفصل الأول. * وذكر الثاني والثالث في هذا الفصل. فهذه وجوه الصلة (372) .
البحث الثاني
في معنى الخصب: الخصب * مقابل (373) الهزال والنمو * مقابل (374) الذبول. * فالخصب (375) هو زيادة البدن في لحمه * أو شحمه (376) أو فيهما جميعا من غير مداخلة مادتهما * لجواهر (377) الأعضاء. وإنما احتجنا إلى القيد الأخير * لتمييز (378) الخصب عن النمو. وذلك لأن النمو الزيادة حاصلة فيه * في الأعضاء (379) في * أقطارها (380) الثلاثة على التناسب الطبيعي. وأما في السمن فليس هي كذلك بل ملتصقة بسطوحها، وفي النمو المادة مداخلة * لجواهر (381) الأعضاء. وأما في السمن فغير مداخلة. * ولذلك (382) صار يحدث السمن * حيث (383) لا نمو كما في * سن (384) الشيخوخة وهو ينقسم إلى نوعين جبلي وغير * جبلي (385) . * فالجبلي حادث من أول الخلقة وغير الجبلي حادث فيما بعد (386) . وكل واحد منهما ينقسم إلى شحمي ولحمي. ويفرق بينهم بوجوه أربعة:
أحدها أن اللحمي سواء كان جبليا أو حادثا فإن العروق تكون معه واسعة لأن فاعله الحرارة ومادته متين الدم وهما موجبان لسعة المجاري والمنافذ. وأما الشحمي * فإن (387) بالضد لأن فاعله البرودة ومادته دسم الدم والبرد موجب لضيق المجاري.
وثانيها * أن (388) اللحمي قوام الأعضاء فيه يميل إلى الصلابة والشحمي إلى اللين والترهل.
وثالثها أن صاحب اللحمي أصبر على الجوع والحركات من صاحب الشحمي.
ورابعها أن اللحمي يكون * اللحم فيه (389) أحمر وفي الشحمي أبيض، وذلك * للون (390) مادتهما.
البحث الثالث:
* المراد (391) بالخصب هاهنا: * المراد به (392) اللحمي لا الشحمي، وذلك لوجهين: PageVW5P009B أحدهما أن الرياضة محللة ومادة الشحمي * لطيفة هوائية (393) * يتعذر (394) بقاؤها مع ذلك. وثانيهما أن الرياضة مثيرة للحرارة مقوية لها، وذلك مذيب للشحم. وأما أنه هل المراد به الكسبي أو الجبلي فكلامه * مجمل محتمل (395) الوجهين جميعا غير أن * ظاهر كلام أبقراط PageVW1P007B يشعر بأن مراده الكسبي لأنه أسنده إلى الرياضة أي أنه حاصل منها.
البحث الرابع
في معنى المفرط: المفرط هو الذي لا يبقى معه في الأعضاء قبول * للتمديد (396) والانحناء التأمين. والمفرط تارة يفهم منه أنه صفة للبدن أي في العظم، ولا شك أن هذا العظم رديء لأصحاب الرياضة من * قبل (397) أن القوة لم تقله في النقلة والحركة؛ وتارة يفهم منه أنه صفة للخصب أي * الإفراط (398) في السمن، ولا شك أن هذا * رديء (399) لأصحاب الرياضة * أيضا (400) على ما ستعرفه. وهذا أولى من الأول لأن عظم البدن وكبر الجثة ليس فيهما * من الخطر (401) بأصحاب الرياضة * كالسمن والخصب (402) المفرطين على ما يدل عليه الاستقراء * والدليل (403) . وأيضا فإنه متى فهم من المفرط * أنه صفة لعظم البدن (404) لم يكن الكلام مستقيما على ما ستعرفه.
البحث الخامس
في حقيقة الرياضة: الرياضة حركة إرادية معتدلة في الكمية والكيفية * تلزمها (405) نفس متواتر. ثم هذه تختلف باختلاف الأشخاص في السحنات والأسنان، فرب شخص ذي سحنة أو * سمن (406) تكون هذه الحركة معتدلة بالنسبة إليه غير معتدلة بالنسبة إلى شخص آخر. وأما ما عدا هذا النوع من أنواع الحركة * فإنه لا (407) يسمى رياضة بل حركة.
البحث السادس
في المراد بالرياضة هاهنا: قال جالينوس: المراد بها * هاهنا التي جعلت (408) * ما كان مهنة أو حرفة (409) كالصراع. فإن صاحبه يتناهى في تعظيم بدنه وتخصيبه. وأيضا فإنه قلما يتفق * خصب (410) البدن مع ما عدا هذه الرياضة وأشباهها من أصناف الحركات لاستمرارها واستيلاء * المتحلل (411) فيها. وأيضا فإن القوة في المصارعين أقوى وأوفر مما هي * فيمن (412) عداهم من المتحركين، وستعرف الغرض * في (413) هذا الأمر.
البحث السابع
في كيفية اقتضاء هذه الرياضة للخصب: قد علم في غير هذا الكتاب أن الحرارة الغريزية آلة للقوى في جميع أفعالها، والآلة متى قويت تمكن الفاعل من فعله، ولا شك أن الرياضة تنمي الحرارة وتقويها، وحينئذ متى قوي الفاعل ولد ما ينبغي توليده من الخلط الجيد الموافق للاغتذاء. والغرض أن الحرارة قوية والقوة متوفرة فيجود الاغتذاء ويعظم البدن ثم يخصب بزيادة الحرارة ونموها ووفورها وكثرة الغذاء وجودة الاغتذاء غير أن هذا القدر من الرياضة لا ينبغي أن يفهم مطلقا. فإنه يجوز أن * تكون (414) * مقتضية للخصب، ويجوز أن لا تكون (415) مقتضية له. فإن من الأبدان ما * هي يابسة قحلة (416) ومثل هذه الرياضة تعين * في (417) تحليل * رطوباتها (418) * وتزيدها (419) قحلا وحرارة * هذا ولو (420) نمت بالرياضة فإنها تعين على ذلك، وذلك يؤدي إلى نقصانها * في نفسه. ومن الأبدان ما * هي رطبة (421) ومثل * هذه (422) متى * ارتاضت (423) نمت * حرارتها (424) وجاد * هضمها (425) وتولد * فيها (426) من المواد ما * يخصبها ويسمنها (427) . فإن * قيل (428) هاهنا بحثان. أحدهما: إذا كانت زيادة الحرارة الغريزية معينة في تخصيب البدن وزيادته فلم * اختصت (429) الزيادة بالخصب في اللحم والشحم دون غيرهما من الأعضاء والحرارة في جملتها * سارية (430) ؛ وثانيها الرياضة من حيث هي رياضة مقتضية بذاتها للتحليل وذلك موجب للنقص وايجابها الخصب بالعرض، وإذا كان ذلك كذلك فلأن * يعد (431) من أسباب التهزيل * أولى (432) من أن يعد من أسباب PageVW5P010A الخصب. والجواب عن الأول أنا * لا (433) نمنع زيادة جملة الأعضاء بالرياضة لكن في سن النمو بشرط أن يحصل لها من الزيادة بقدر ما تستحقه. * وكذلك (434) صار من كان من الصبيان أكثر رياضة زيادة بدنه ونموه أكثر ممن هو تاركها منهم. وأما علة اختصاص زيادتها في اللحم والشحم فلا عانتها على توليد مادتها التي هي الدم. فإنك قد عرفت * كيفية (435) إعانتها على ذلك. والجواب عن الثاني: فرق بين * المنمي (436) والمحلل فالحركة متى كانت معتدلة وهي المسماة بالرياضة أنمت الحرارة وفعلت ما ذكرناه، ومتى كانت غير معتدلة حللت وفعلت ما ذكره المعترض.
البحث الثامن
في فائدة ذكر هذا المثال: اعلم أن كل * كثرة فهي عدوة للطبيعة (437) سواء * كانت (438) من PageVW1P048A جانب الامتلاء أو من جانب الاستفراغ. ولما كان كذلك ذكر الخصب المفرط * هاهنا (439) على سبيل المثال. فإنه من عادته أن يقيم * الجزئي (440) مقام الكلي تسهيلا على الناظر، وضرب المثال بالكثرة الامتلائية لأنها أظهر وأعرف ولأن الكلام في الاستفراغ قد تقدم، وضرب المثال بأصحاب الرياضة أي المصارعين * لأن هؤلاء (441) أوفر الناس قوة وأصحهم أبدانا * وكأنه (442) يقول * إذا أفرط (443) الامتلاء بهؤلاء خطر * فحكم (444) بالأحرى والأولى بغيرهم الذين هم دون هولاء فيما ذكرنا.
البحث التاسع
في بيان علة خطر إفراط الخصب بالأبدان المرتاضة: قال جالينوس «لأن العروق إذا امتلأت بأكثر مما ينبغي لم يؤمن عليها أن تتصدع أو تختنق الحرارة الغريزية * فتنطفى (445) . فقد عرض من هذا * لقوم (446) كثير من أصحاب الصراع عندما صارت أبدانهم * إلى (447) غاية الامتلاء * أن (448) ماتوا فجأة». وهذا تعليل جيد لخطر الخصب المفرط غير أنه لم يبين كيفية انصداع العروق وخنق الحرارة الغريزية. قال ابن أبي صادق في بيان ذلك: «وذلك لأن الطبيعة ترسل الدم * في (449) كل يوم إلى العروق لأنها لا تمسك عن فعلها من توليد الدم وتوزيعه على الأعضاء فيحدث أحد أمرين: إما انشقاق عرق كبير لا يمكن معه أن يلتحم فيستفرغ منه الدم الذي في البدن كله، وذلك إذا كان جرم * العروق (450) أرخى وأسخف؛ وإما أن * يحدث ضربا (451) من ضيق النفس * قاتلا (452) سريعا، وذلك إذا كان جوهر العروق أصلب وأشد تلززا. وربما انصب شيء من الامتلاء في مثل هذه الصورة إلى تجويف القلب فيقتل قتلا وحيا لأنه ليس في البدن تجويف * تفضي إليه (453) العروق التي يسبح فيها الدم * إلا (454) تجويف القلب». أقول: وهاهنا وجه آخر وهو أن الرياضة مسخنة للمواد والسخونة موجبة * للتخلخل (455) ، وذلك يلزمه زيادة الحجم، والأعضاء ليس فيها قبول للتمديد لازدحامها بما حولها، فيحدث من ذلك ضرب من ضيق النفس أو تنصب المواد إلى تجويف القلب أو يحدث ما ذكره من الانشقاق.
البحث العاشر
في قوله «وذلك أنه لا يمكن أن يثبتوا على حالهم تلك ولا يستقروا»: هذا الشخص المفروض لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه من الخصب بل يزداد دائما رداءة، وذلك * لوجوه ثلاثة: أحدها ما قاله (456) ابن أبي صادق وهو أن الطبيعة المدبرة للبدن تنضج الغذاء دائما PageVW5P010B وتوزعه وتنفذه إلى مواضعه. قال الأطباء وهي مع ذلك عديمة الشعور بفعلها فيزداد الخصب ويعظم البدن، * فلذلك (457) قال لم يمكن أن * يزدادوا (458) صلاحا بل يميلوا إلى * حالة (459) هي أرد، ففهم الفاضل جالينوس من الحال الأردأ زيادة الخصب وعظم * البدن (460) . وثانيها ما ذكرناه وهو * التخلخل (461) وزيادة * الحجم (462) الحاصلان من الحرارة التي أوجبتها الحركة. وثالثها ما نقوله نحن أيضا وهو أن الأبدان الخصبة يجب أن يكون الوارد عليها أزيد من المتحلل * منها (463) حتى يفنى برد * البدل (464) وبالزيادة في السمن، * فإذا (465) انتهت الزيادة * إلى (466) * غايتها (467) بقي ما كان * ينصرف (468) في إمدادها في البدن * فىيحدث ما ذكرنا من الضرر. وذلك أنه (469) * إما (470) أن يخرج عن البدن أو لا يخرج. فإن * خرج أضعف (471) القوة * وأجحف (472) بها * وربما (473) * استصحب (474) شيئا مما يحتاج إليه * البدن (475) * من (476) البدل * فيهزل (477) البدن ويميل إلى * حالة (478) هي أردأ ويدخل في هذا القسم الانصداع. وإن لم يخرج * أثقل (479) القوة * وأضعفها (480) . فإن كان ذلك كثيرا خنقها وغمرها وكان من ذلك الموت فجأة. وإن لم يكن كثيرا فلا بدو أن يفسد لعجز * القوة (481) والحرارة الغريزية عن تدبيره. وإذا فسد عسر علاجه وولد عللا صعبة * كالحميات (482) المتطاولة والاستسقاء وبالجملة أحوالا رديئة، وهذا أكثر وقوعا. وإلى * ذلك (483) أشار * الأوحد (484) أبقراط بقوله «فبقي أن يميلوا إلى * حالة (485) هي * أردأ (486) » من الخصب المفرط لا إلى الموت فجأة. فإن الموت هلاك وعدم لا حال أردأ. ولعله لو قال رديئة لساغ حمل ذلك عليه بوجه. وكذلك انصداع * العروق المستفرغة (487) لدم جملة البدن. * فلذلك (488) قال «فينبغي أن يميلوا إلى حال هي أردأ».
البحث الحادي عشر
في معنى قوله * «فلذلك (489) ينبغي أن ينقص خصب PageVW1P048B البدن بلا تأخير»: قد علمت أن كل كثرة فهي عدوة * للطبيب (490) مفسدة للبدن سواء كانت من جانب الامتلاء * أو من جانب الاستفراغ . ولما كان الخصب كثرة من جانب الامتلاء (491) وكان مفسدا للبدن * مؤذيا (492) للطبيعة، أمر بتنقيصه ليعود البدن إلى * حالة (493) الاعتدال. فلذلك قال * «ينبغي (494) أن ينقص خصب البدن من غير تأخير» كيلا تزداد الكثرة * وتعظم (495) البلية. فيحصل لنا بالتنقيص فائدتان: * إحداهما (496) الأمن من هذا الخطر، والثانية عود اغتذاء البدن إلى الحالة الجيدة. وقوله * «فيبتدئ (497) في قبول الغذاء» لا شك أن هذا له كالابتداء في قبول الغذاء. وذلك لأن الطبيعة لما استراحت من غمر المادة لها * وأثقالها (498) لها والأوعية من تمديدها كأنها رجعت إلى الحالة الأولى وهي عند عدم هذه فيكون ما * يحصل (499) له بعد الاستفراغ كحاله في الابتداء. فلذلك قال «فيبتدئ في قبول الغذاء». ومما ذكرنا يعلم أن الإفراط المذكور صفة للخصب لا * لعظم (500) البدن لأن أبقراط أمرنا * بتنقيصه (501) وتخفيفه. والإفراط الزائل * بالتنقيص (502) هو السمن لأكبر الجثة.
البحث الثاني عشر
في قوله «ولا * يبلغ (503) من استفراغه الغاية القصوى»: لما أمر بتنقيص الامتلاء لما يترتب عليه من المصالح، ذكر له شرطا وهو أن لا * يبالغ (504) في التنقيص لأن المبالغة * فيه (505) مما يحجف بالقوة ويسقطها لأنها كثيرة بل يجعل ذلك بحسب احتمال الطبيعة، فإن هذا هو القانون PageVW5P011A المرجوع إليه في الاستفراغ. * لكن (506) لما كان ذلك الاحتمال غير محدود * ولا مضبوط (507) لأنه يختلف باختلاف الأشخاص * في (508) التراكيب * والسحن (509) * والسن (510) والتدبير المتقدم، * أمر أن يكون الاستفراغ بحسب (511) طبيعة ذلك الشخص المقصود تنقيص الماده من * بدنه (512) . وإنما احتجنا إلى ذلك لأن الاستفراغ لا بدو أن يراعي فيه مقدار المادة واحتمال القوة لأن عليها العمدة في المداواة. وذكر القوة ولم يذكر مقدار المادة لأن اعتبار القوة أهم، * فإنه متى (513) دعت الحاجة إلى الاستفراغ بحسب الكمية ولم * تحتمل (514) القوة رجح جانب القوة. وذكر الاستفراغ هاهنا لأن عادته أن يضرب الأمثلة بالأمور الجزيئة ليقرب الشيء إلى ذهن المبتدئ، فكأنه يقول إذا عالجت هؤلاء بالاستفراغ فلا تبلغ فيه الغاية القصوى، فإن ذلك يتبعه ما ذكرنا.
البحث الثالث عشر
في فائدة قوله «ينبغي أن ينقص»: اعلم أن * تهزيل (515) البدن الخصب تارة يكون بالاستفراغ ويدخل فيه الإسهال والفصد والتعريق والتحليل الخفي وتقليل الغذاء وإدرار البول، وتارة يكون باستعمال ما يجفف ظاهره وباطنه كالاندفان في الرمل والتمرغ فيه واستعمال الأغذية المجففة كالباردة اليابسة * والقلايا والمطجن (516) والمشوي * والمملوح (517) ومثل هذه تنقص البدن بغير استفراغ. وإن كان يتبعها استفراغ * ما (518) فالنوع الأول يبتعه النقصان لعدم المقتضي للخصب، والثاني يتبعه النقصان بتجفيفه وتنقيص جوهره * فلا يصح إطلاق الاستفراغ على ذلك (519) . ثم لما كانت الأبدان مختلفة في قبول المهزلات وكانت في أنفسها متعددة وكان المريد لتهزيل بدنه قادرا على استعمال البعض دون البعض أطلق عليها ما يعمها. فقال «ينبغي أن ينقص» ولم يقل «ينبغي أن يستفرغ».
البحث الرابع عشر
في قوله «وكذلك كل استفراغ يبلغ فيه الغاية القصوى * فهو خطر (520) . وكل تغذية * تبلغ (521) الغاية القصوى فهي خطرة»: قد علمت أن من عادته أن يعطي الحكم في الأمر الجزئي ثم ينقله إلى الأمر الكلي تقريبا إلى * إفهام (522) المشتغلين. فذكر * خطر (523) الاستفراغ المفرط في قضية مخصوصة ثم نقل ذلك إلى أمر أعم وذكره كليا للمبالغة في * أمر (524) التعليم. فقال «وكل استفراغ»، فإن هذا قانون يعم الاستفراغين جميعا أي استفراغ المداواة وحفظ الصحة. ثم لما شارك * هذا (525) الحكم الكلي في الإضرار بالقوة الزيادة في الغذاء * المقابلة (526) لإفراط الاستفراغ، قال «وكل تغذية * تبلغ (527) الغاية القصوى فهي خطرة». وأيضا فإنه * لما (528) تقدم خطر إفراط التغذية في قصية مخصوصة وهي الخصب المفرط ، * نقل (529) ذلك الحكم من هذه الصورة المخصوصة إلى ما هو أعم فيها، فقال «وكل تغذية تبلغ في كثرتها فهي خطرة سواء * كانت تغذية الأصحاء أو المرضى».
البحث الخامس عشر:
لقائل أن يقول «خطر الإفراط في الخصب بأبدان أصحاب الدعة أعظم منه بالأبدان المرتاضة، وذلك لأن التحليل من هذه الأبدان أكثر من تلك بل لا نسبة بينهما، ولا شك أن ذلك يخفف الامتلاء ويريح القوة PageVW5P011B ويزيل العائق لها عن فعلها، PageVW1P049A وإذا كان كذلك فليس لتخصيصه بالأبدان المرتاضة وجه»، قلنا الجواب عن هذا من وجهين: أحدهما أنه ليس غرضه تخصيص الخطر بأحد البدنين دون الآخر بل غرضه أن يبين أن كل كثير فهو عدو للطبيعة، ثم ضرب المثال في ذلك بالخصب وجعله في الأبدان المرتاضة خطرا لما ذكرناه. الثاني أن ذكر الأبدان المرتاض أولى من ذكر مقابلها. وذلك لأن تلك حرارتها ناهضة والتحلل فيها متوفر، وكل * منهما (530) موجب لنقصان الوارد عن المتحلل، وذلك موجب لتعذر السمن بل لعدمه. وإذا كان كذلك فحدوثه في أبدانهم دليل على قوة السبب، وذلك رديء بخلاف أصحاب الدعة. فإن حالهم بضد ذلك وهو موجب لكثرة الوارد الموجب لكثرة * السمن (531) .
4
[aphorism]
قال أبقراط: التدبير البالغ في اللطافة عسر مذموم في جميع الأمراض المزمنة لا محالة والتدبير الذي يبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم تحتمله قوة المريض * فهو (532) عسر مذموم.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثمانية.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله، وهي أنه لما تكلم في الفصل المتقدم في شيء من أحكام الغذاء، ذكر في هذا الفصل مراتب الغذاء بحسب مراتب الأمراض.
البجث الثاني
في معنى التدبير. التدبير في اللغة هو التصرف يقال «فلان حسن التدبير» أي حسن التصرف. وأمأ في العرف الطبي فهو التصرف في الستة الضرورية. وأبقراط يريد به هاهنا التصرف في الغذاء، وليس ذلك مطلقا * بل (533) من جهة ما هو غليظ أو لطيف بعد أن يعلم أن الغذاء المستعمل في حال المرض ليس هو غذاء محضا، بل فيه قوة دوائية.
البحث الثالث
في معنى الغليظ واللطيف. الغذاء الغليظ هو الذي يتولد عنه دم غليظ، وهذا يحتاج في هضمه وإحالته، ويشبه بالعضو إلى قوة متوفرة * ليفي (534) له بذلك. ولذلك صرنا لا نستعمله إلا عندما تكون القوة قوية وليس لها شاغل يشغلها. والغذاء اللطيف هو الذي يتولد عنه دم رقيق، وهذا لا يحتاج في هضمه وإحالته ويشبهه بالعضو إلى ما يحناج إليه مقابله. * ولذلك (535) صرنا نستعمله عند ما تكون القوة مشغولة بما يقاومها أو عند كونها ضعيفة. وينبغي أن يعلم أن الغذاء اللطيف غير الملطف. فإن اللطيف على ما ذكرنا هو الذي يتولد عنه دم رقيق، والملطف هو الذي يجعل قوام الشيء أرق ومما هو عليه. وهذا قد يكون جوهره * غليظا (536) كالحال في الفجل وكل لطيف ملطف ولا ينعكس.
البحث الرابع
في تحقيق القول في المرض الحاد والمزمن. المرض الحاد هو القصير المدة الشديد الخطر. وبهذا تخرج حمى يوم عن كونها مرضا حادا والمزمن هو الطويل المدة القليل الخطر. فإن أراد مريد إدخال حمى يوم في ذلك، فليسقط الشرط الأخير وهو الخطر. ويعرف أحدهما من الآخر من أمور سبعة. أحدها من التدبير المتقدم. فإنه متى كان قليلا أو لطيفا، فهو حاد؛ وإلا، فهو مزمن. وثانيها من السخنة. فإنها متى كانت متخلخلة، فهو حاد. ومتى كانت متلززة، فهو مزمن. وثالثها من الوقت الحاضر. فإنه متى كان حارا، فهو حاد في الأكثر، ومتى كان باردا PageVW5P012A فهو مزمن في الأكثر. ورابعها من المهنة. فإنها متى كانت من الصنائع التي يحتاج في عملها إلى مباشرة النار كصناعة الحدادة والصياغة، فهو حاد في الأكثر. ومتى كانت من الصنائع * التي (537) يحتاج في عملها إلى مباشرة المياه كالقصارة والملاحة فهوو مزمن في الأكثر. وخامسها من السن. فإنها متى كانت سن الشباب أو سن الصبى، فهو حاد في الأكثر، * ومتى كان سن الكهولة أو الشيخوخة، فهو مزمن في الأكثر (538) . وسادسها من نوع المادة. فإنها متى كانت صفراء أو دما، فهو حاد، ومتى كانت بلغما أو سوداء، فهو مزمن. وسابعها من جهة القوة المدبرة للبدن. فإنها متى كانت قوية وافية بالمرض مستقلة به، فهو حاد، ومتى كانت بعكس ذلك، فهو مزمن. فبهذه الوجوه يعرف هل المرض حاد أو مزمن.
البحث الخامس
في تحقيق القول في الغذاء المستعمل في المرض. اعلم أن الغذاء صديق للطبيعة لأنه يقويها وغذوها لأنه يقوي ضدها الذي هو المرض. * ولذلك (539) كان من الواجب أن يكون فيه قوة دوائية عند استعماله في المرض ليحصل به الغرض من الجهتين جميعا. وحينئذ يجب أن يراعي في ذلك الأهم، وهو القوة إن كانت ضعيفة أو المرض إن كان عظيما. والغذاء يستعمل في حال الصحة إما لإخلاف عوض المتحلل أو للإخلاف. والزيادة في النمو إن كان موجودا وفي المرض لحفظ القوة أو لتقويتها إن طرأ * عليها (540) أمر مضعف وتارة يستعمل لتخفيف المادة وهو عند ما تكون كثيرة المقدار * وليكن (541) في هذا الوقت قليل التغذية كالبقول. ويمنع الغذاء في المرض لئلا تشتغل الطبيعة به عن التصرف في مادة المرض. فإن كان غرضنا مع ذلك حفظ القوة، قللنا من كميته أو من تغذيته أو منهما جميعا. وذلك بحسب الحاجة، فإنه من جهة تقليله يراعى جانب المادة لئلا يزيد في مادة المرض، * ومن (542) تكثيره يراعى جانب القوة لئلا تخور. ويجب أن يراعى الأهم في ذلك. ومعرفة الأهم تكون من وجهين، أحدهما من جهة المرض، وثانيهما من جهو القوة. أما المأخوذ من جهة المرض فإنه يختلف باختلاف مرتبته. فإن عنايتنا بالقوة في الأمراض المزمنة أكثر من عنايتنا بها في الأمراض الحادة، لأنا نعلم أن منتهاها بعيد وتحتاج القوة فيها إلى مجاهدات كثيرة بسبب غلظ المادة. فلذلك يكون استعمالنا * الغذاء (543) فيها أكثر من استعماله في مقابلها، ويكون في ابندائها أكثر، ثم ينقص منه قليلا قليلا. وذلك بحسب القرب من المنتهى. فإذا جاء المنتهى، لطفناه أو قللناه إلى الغاية ثقة منا بما سلف * وتخفيف (544) على القوة وقت جهادها. وأما الأمراض الحادة فإن منتهاها قريب، فلا تحتاج الطبيعة فيها إلى ما يحتاج إليه في الأمراض المزمنة. فلم نحتج إلى التغذية فيها كحاجتنا إليها في المزمن. فإن خففنا، خور أن القوة لأمر طارئ استعملناه. فإن استعماله أجود من تركه على ما ستعرفه.
البحث السادس
في مراتب التدبير اللطيف والمرض الحاد. التدبير اللطيف يترتب ثلاثة مراتب. أحدها التدبير اللطيف في الغاية القصوى، وهو ترك الغذاء. ويقابل به المرض الحاد في الغاية القصوى، وهو الذي لا يتجاوز بحرانه الرابع. بل ينفصل حكمه فيه إما إلى السلامة وإما إلى العطب. هذا متى كان في القوة احتمال. وإلا، فغذوناه. وثانيها التدبير اللطيف لا في الغاية القصوى كماء الشعير PageVW5P012B أو الجلاب أو ماء العسل. ويقابل به المرض الحاد لا في الغاية القصوى، وهو الذي لا يتجاوز بحرانه السابع. بل ينفصل حكمه فيه إما إلى السلامة وإما إلى العطب. وثالثها التدبير اللطيف مطلقا كالأحساء. ويقابل به المرض الحاد مطلقا، وهو الذي لا يتجاوز بحرانه الرابع عشر أو السابع عشر. بل ينفصل حكمه فيه إما إلى السلامة وإما إلى العطب. وما بعد هذه المدة إلى الأربعين فإنه يسمى المنتقل. وما بعد ذلك فإنه يسمى المزمن، اشتقاقا من الزمان. ومثل هذه الأمراض لا يجوز أن يستعمل فيها التدبير اللطيف لأنه يفي بحفظ القوة لطول الزمان ولما قلناه.
البحث السابع
في تحقيق ما يمنع فيه من استعمال التدبير البالغ في اللطافة. أما أبقراط فإنه قال يمنع في جميع الأمراض المزمنة لما ذكرنا وفي بعض الأمراض الحادة، وهي التي لم يكن للقوة * فيها (545) احتمال للمقاومة. فإن مثل هذه الواجب أن يغلظ فيها الغذاء. * ولذلك (546) قال «التدبير البالغ في اللطافة» أي منع الغذاء عسر مذموم. وقوله «لا محالة» يريد به بت الحكم ودوامه مطلقا بلا شرط. وقوله «والتدبير الذي يبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم تحتمله قوة المريض عسر مذموم» ذكره بشرط، وهو أن تكون القوة ضعيفة لا مظلقا. * ولذلك (547) لم يبت الحكم هاهنا كفعله في الأمراض المزمنة لأنه احتاج * فيه (548) إلى شرط.
البحث الثامن:
لقائل أن يقول هاهنا ثلاثة شكوك. أحدها منعه من استعمال التدبير اللطيف في * جميع (549) الأمراض المزمنة. قال الرازي الواجب أن يحمل هذا على مزمن الحميات لا على المزمن مطلقا. فإن لنا من المزمنات ما ينتفع بالتدبير اللطيف كالنقرس والصرع، فإنهما مزمنان لأنهما طويلا المدة وينتفع فيهما بالتدبير اللطيف لأنه يخفف مادتهما ويقلل الألم فيهما بخلاف التدبير الغليظ. والتجارب الطبية تشهد بصحته هذا. وثانيها حكمه ينفع التدبير اللطيف في الأمراض الحادة إذا كان في القوة احتمال للمقاومة. قال. وهذا لا يجب أن يحمل كليا أيضا بل يحمل على حاد الحميات. فإن لنا من الأمراض الحادة ما ينتفع بتغليظ التدبير كالتشنج والكزاز اليابسين، فإنهما مرضان حادان لأنهما قصير المدة. ومع ذلك فالتدبير الغليظ أنفع فيهما من التدبير اللطيف لاحتياجهما إليه. وذلك مثل الترطيب ومنع التحليل وبالجملة استعمال ما يرطب الأعصاب والعضلات ويزيل جفافها. ولا شك أن هذا من قبيل التغليظ. وثالثها كلام الإمام أبقراط هاهنا في نفع الغذاء اللطيف في الأمراض الحادة والغليظ في الأمراض المزمنة، وحينئذ فالعبارة الصحيحة الموافقة لذلك أن يقول «الغذاء اللطيف» إلى إخره مع أنه لم يقل كذلك بل قال التدبير اللطيف، والعبارة الأولى أنسب وأجود. والجواب عن الأول من وجهين. أحدهما أن التدبير النافع في المزمنين المذكورين اللطيف مطلقا لا البالغ في اللطافة الذي هو عبارة عن ترك الغذاء. وأبقراط لم يمنع من استعمال التدبير المذكور في الأمراض المتطاولة التي هي المزمنة. بل منع من استعمال البالغ في اللطافة الذي هو ترك الغذاء. ولا شك أن مثل PageVW5P013A هذا التدبير لو استعمل في الأمراض المذكورة، انخدلت القوة وضعفت عن مقاومة المرض إلى وقت المنتهى. وثانيها أن المرضين المذكورين لا يرد بهما النقض. وذلك لأنهما ليسا مزمنين من جميع الوجوه. فإن الصرع مثلا له اعتبار أن أحدهما بحسب مدته والثاني بحسب نوبته. فبالنظر إلى الأول يقتضي تغليظ التدبير. وبالنظر إلى الثاني يقتضي تلطيف التدبير، لأن نوائبه يصح إطلاق الحدة عليها لقصر مدتها وشدة أعراضها. والجواب عن الثاني أن قول أبقراط إذا لم يحتمله قوة المريض، يندفع هذه الإيراد. وذلك لأن معنى «الاحتمال» هاهنا الاحتياج. فكأنه يقول «التدبير اللطيف نافع في الأمراض الحادة إذا احتيج إليه وكان في القوة احتمال لاستعماله». وأما متى لم يكن كذلك، كان استعماله ضار. ولا شك أن المرضين المذكورين أي التشنج والكزاز اليابسين يحتاج فيهما إلى تغليظ التدبير، وهو الترطيب ومنع التحليل. والجواب عن الثالث يقول إنما قال «التدبير اللطيف» ولم يقل «الغذاء اللطيف» ليدخل فيه ترك الغذاء على ما عرفت. وترك الغذاء ليس بغذاء فلذلك كان إطلاق التدبير اللطيف على ما ذكره أولى من إطلاق الغذاء اللطيف. والله أعلم.
5
[aphorism]
قال أبقراط: في التدبير اللطيف قد يخطئ المرضى على أنفسهم خطأ يعظم ضرره عليهم. وذلك أن جميع ما يكون منه من الخطأ أعظم ضررا مما يكون من الغذاء الذي له غلظ يسير. ومن قبيل هذا صار التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء أيضا خطرا لأن احتمالهم لما يعرض من خطائهم أقل. ولذلك صار التدبير البالغ في اللطافة في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث عشرة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله. وهي أنه لما ذم من جهة الصناعة في الفصل المتقدم استعمال التدبير البالغ في اللطافة في جميع الأمراض المزمنة وأمر بأن يجتنب ويحذر من استعماله، أراد أن ينبه في هذا الفصل على أن الخطأ قد يقع في استعماله من جهة المريض نفسه دون الطبيب ليتقدم بالتحذير منه. فإن كثيرا من المرضى يعتقدون أنهم إذا لطفوا التدبير لأنفسهم في أي مرض كان، أنفذهم من مرضهم. ويأخذون ذلك إما بالقياس إلى أمراض وقعت لهم ودبرت بالتدبير المذكور وكانت محتملة له ومحتاجه إليه فخلصوا من تلك الأمراض به، أو بالقياس على أمراض مثل هذه وقعت بغيرهم واحتملت التدبير المذكور وانتفعت به أو اعتقادهم بأن ذلك من جملة الحمية المعتبرة في شروط * المدواة (550) ، ولما كان الحال كذلك، نبه على الضرر الحاصل منه متى كان استعماله من جهة المريض لا من جهة الطبيب.
البحث الثاني
في تحقيق من يخطئ على نفسه من المرضى باستعماله التدبير اللطيف. هؤلاء هم أصحاب الأمراض المزمنة أو الذين قواهم ضعيفة إما بمقتضى طبائعهم التي خلقوا عليها أو بمقتضى حدة المرض وشدته فتضعف القوة لذلك، أو أنهم كانوا في حال الصحة معتادين لكثرة الغذاء أو تغليظه. ففي مثل هذه الصور متى استعمل التدبير اللطيف كما ذكرنا، حصل منه ضرر عظيم على المريض يتعذر تداركه وهو ضعيف القوة وخور أنها بخلاف ما إذا كان التدبير له غلظ يسير فإنه تتبعه زيادة يسيرة في مادة المرض. وذلك أسهل من انحلال القوة.
البحث الثالث
PageVW5P013B في أنه لم قال في التدبير اللطيف «قد يخطئ المرضى» ولم يقل في كل التدبير اللطيف؟ وذلك لأن بعض ذلك اللطيف لطيف بقول مطلق كإحراق الفراريج وإطرافها. ومثل هذه الأغذية متى استعملت، أنعشت القوة وقوتها بخلاف المرتبة الأولى PageVW1P051B والثانية، فإنها متى استعملا، أوجبا خوران القوة وسقوطها. فلذلك جعل القول في التدبير اللطيف همهل ولم * يقيده (551) بحرف السور.
البحث الرابع
في قوله «يعظم ضرره عليهم». اعلم أن التدبير الغليظ كما أشرنا إليه تتبعه زيادة المادة وفي ذلك زيادة المرض وبعد المنتهى، غير أن القوى تقوى به أكثر من قوتها بالغذاء اللطيف. وذلك * لمثانة (552) الدم المتولد منه. وأما التدبير اللطيف فتتبعه قلة المادة وفي ذلك نقصان المرض وقرب * منتهاه (553) ، غير أن القوة تضعف معه لرقة دمه وقوة القوة مع بعد المنتهى أجود من ضعفها مع قربه. لكن هذا القدر الحاصل من الغذاء الغليظ ليس هو من الغليظ مطلقا. فإن الغليظ في الغاية مثقل للقوة؛ بل الذي يفعل هذا هو الغذاء المعتدل. ولذلك قيد قوله باليسير أي الذي له غلظ يسير. فإن مثل هذا الغذاء متى استعمل أنعش القوة وقواها.
البحث الخامس
في قوله «ومن قبل هذا صار التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء أيضا خطرا»: التدبير البالغ في اللطافة ضار * ببعض المرضى وبالأصحاء أيضا. أما الأول فقد ذكرناه، وأما الثاني فإن التدبير البالغ ضار (554) بهم من وجهين أحدهما من جهة مخالفتهم * العادة (555) وسنعلم أن ذلك مضر، والثاني أنه لا يخلف على أبدانهم عوض ما تحلل منها ولما كان * حال (556) الغذاء البالغ في اللطافة في حال الصحة كذلك، لم يجعل ضرره بهم في البعض منهم كما حكم به في الأمراض الحادة. وغرضه بذكر * ضرر (557) التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء ليجعله مثالا دليلا على الضرر الحاصل منه في الحالة المرضية. * فكأنه (558) يقول «تأمل خطر التدبير المذكور في الأصحاء كيف نضعف معه قواهم * وتنحل (559) أرواحهم. ومثل ذلك يحصل في المرضى، غير أنه خفي لاسنارته بتأثير المرض. فجعل الأمر الظاهر دليلا على الخفي.
البحث السادس:
* النسخ التي وقفنا عليها عند شرحنا لهذا الفصل على صورتين. أحدهما قال فيها «إلا أن احتمالهم لما يعرض من خطئهم أقل» فأتى فيها بلفظ الاستثناء. والأخرى قال فيها «لأن احتمالهم لما يعرض من خطئهم أقل» فأتى فيها بلغظ التعليل فقط. والحق عندي هو الأول. وذلك لأن ضرر الخطأ في الميل إلى تلطيف الغذاء في الحالتين (560) حاصل * على (561) ما * ذكرت (562) إلا أنه في الحالة الصحية دون ما هو الحالةة المرضية. ولذلك وصف ما يحصل منه في الحالة المرضية بالعظم. ولما كان الحال كذلك، كان ذكر الاستثناء واجب * فكانت (563) النسخ التي وجد فيها لفظ الاستثناء أصح من النسخ التي وجد فيها لفظ التعليل. وإنما قلنا إن ضرر ذلك في * الحال الصحية (564) دون ما هو في * الحالة (565) المرضية لأن الحاجة إلى قوة القوة في حال المرض أشد منها إلى ذلك في * حال (566) الصحة. وذلك لأنها في حال المرض مشغولة بأمرين. أحدهما تدبير البدن في إيراد بدل ما يتحلل منه والزيادة فيه بالنمو إن كان هناك نمو. وثانيهما دفع غائلة المرض ومقاومة مادته. وفي حال الصحة مشغولة بأمر واحد، وهو تدبير البدن فقط. ومراده بالاحتمال الحمل. فإن قيل «كان يجب على أبقراط * أن يقدم (567) في الذكر ضرر الحالة الصحية بذلك على ضرر الحالة المرضية به لأن الصحة أشرف من المرض». فنقول إنما فعل ذلك لثلاثة أوجه. أحدها أن معظم كلامه في هذه المقالة في تغذية المرضى. فكان تقديم * ذكر (568) * ضرره (569) بالحالة المرضية أولى من تقديم ذكر ذلك PageVW5P014A بالحالة الصحية. وثانيها أنه لما كان الضرر الحاصل منه في الحالة المرضية أعظم، استحق التقديم لعظمه. وثالثها أنه ذكر الحالة الصحية في ذلك على سبيل المثال على ما عرفته. والمثال فرع على الممثل عليه، فيكون الممثل عليه أصلا والأصل مقدم على الفرع. فيكون ضرره بالحالة المرضية أولى بالتقديم.
البحث السابع:
الذي لاح لنا من هذا الفصل ترجيح أحد التدبيرين على الآخر إذا تعارض الموجبان. وتحقيق ذلك * إذا (570) تعارض موجبا التلطيف والتغليظ في مرض أي إذا تساوت الحاجة في حالة ما إلى استعمال التدبير اللطيف من قبل المرض وإلى استعمال الغليظ من قبل القوة، فبأيهما يعمل؟ الذي وقع إشارة أبقراط به الميل إلى التغليظ. وهو الحق لأن التدبير اللطيف لا يزيد في المرض وتضعف القوة على ما علمت. والغليظ يقوى به أثر المرض وتقوى به القوة ما لم يثقلها بإفراط غلظه أو كقهرته، فإذن قد اشتركا في الخطر إما اللطيف فبما يضعف القوة، وإما الغليظ فبما يقوى به أثر المرض. إلا أن أقلهما خطرا ما تثبت به PageVW1P052A القوة. وهذا وإن اشتد معه تأثير المرض إلا أن القوة إذا أقويت، أمكن بعد فراغها من الغذاء وقوتها به أن تعود قوية على دفعه وقهرها إياه. وليس ذلك في إمكانها إذا ضعفت. هذا جميعه مع تساوي الحاجة إلى التدبيرين. أما إذا لم يحصل التساوي، فيحتمل أن يرجح أحدهما على الآخر. واعلم أن القدر الحاصل من غلظ التدبير ليس هو حاصل منه * كيف اتفق بل هو حاصل منه (571) بحسب نهوض القوة في الحالة المرضية وهو ما له فلظ يسير على ما اشترط أبقراط وذكرنا شرحه.
البحث الثامن
في قوله «ولهذا صار التدبير البالغ في اللطافة في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا» هذا هو نتيجة ما تقدم من حكمه. وإنما قال «في أكثر الحالات» * احترازا (572) عن المرتبة الأولى من مراتب الأمراض الحادة على ما تقرر وعن من فيه من الأصحاء عضو ضعيف يحتاج بسبيه أن يلطف التدبير. وفيد قوله في الغليظ * لما (573) له غلظ يسير لما علمت. فإن ما له غلظ كثير غامر للقوة وللحرارة الغريزية.
البحث التاسع:
قال الرازي «قول * الإمام (574) أبقراط: التدبير البالغ في اللطافة ضار في حال الصحة لا يصح مطلقا. فإنا إذا فرضنا أن شخصا قد اعتاد التدبير اللطيف ثم استعمل الغليظ، فإنه يضره من وجهين. أحدهما من جهة مخالفته للعادة. والثاني أن قواه لا تقدر على هضمه وإحالته». قلنا: الجواب عن هذا من ثلاثة أوجه. أحدها أن هذا الشخص المعتاد لاستعمال مثل هذا التدبير ليس هو بصحيح البدن مطلقا. وإلا، كيف صلح له التدبير المذكور؟ فإن موافقته له تدل على ضعف بعض أعضائه المتولية لتدبير غذائه. ومثل هذا * لا (575) يقال له صحيح البدن> وثانيها أن مثل هذا الشخص يخرج عن كلام أبقراط بقوله «في أكثر الحالات». وكذلك المرتبة الأولى من مراتب الأمراض الحادة على ما عرفت. * وثالثه (576) ا أن الاستقراء الطبي شاهد بأن هذا الشخص إذا أعطى من الأغذية ما له غلظ يسير، فإن قوته تنتعش وتظهر لا الغليظ مطلقا على ما فرضه الرازي. وأبقراط لم يقل «الغليظ» مطلقا، بل قال الذي له غلظ يسير.
البحث العاشر:
لقائل أن يقول حكم الإمام أبقراط بأن احتمال الأصحاء للخطأ الواقع من تلطيف التدبير أقل فيه نظر. فإنه إن كان أقل من احتمال المرضى فهو خطأ لأن المرضى PageVW5P014B تضعف قواهم معه أكثر. وذلك لأنه يتعاون عليها مقاومة المرض ونقص مدد الأرواح الحاملة لها بلطافة التدبير. وإذا كان كذلك، فيكون احتمال المرضى للخطأ الحاصل من لطافة التدبير أقل من احتمال الأصحاء. والجواب عن هذا أن حكمه المذكور في حق الأصحاء ليس هو بالنسبة إلى المرضى، بل النسبة إلى حال الأصحاء عند استعمالهم التدبير البالغ في اللطافة. ويكون تقدير الكلام: إلا أن احتمال بعض الأصحاء للضرر الواقع من التدبير البالغ في اللطافة أقل من احتمال البعض الآخر منهم. والله أعلم.
6
[aphorism]
قال أبقراط: أجود التدبير في الأمراض التي في الغاية القصوى التدبير الذي في الغاية القصوى .
[commentary]
الشرح هاهنا * مباحث (577) خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله. * وهي (578) أنه لما تقدم قوله فيما يمنع قيه التدبير اللطيف والبالغ في اللطافة من الأمراض والوجه الذي يقع منه الخطأ في استعماله في الأصحاء أيضا، أتبع ذلك بذكر ما يستعمل فيه من الأمراض يستوفي القول فيه بحسب ما يستعمل منه فيها وما * تجنب (579) منه فيها أيضا.
البحث الثاني
في معنى قوله «أجود»، أي أجود ما يستعمل بحسب الأفضل لا بحسب الضرورة. فإنه لو استعمل في الأمراض المذكورة الغذاء الذي له غلظ يسير، لم يكن ذلك خطأ لأنه يقوي القوى وينتعشها. ولكن الأفضل أن يستعمل في الأمراض المذكورة التدبير المذكور لأنه أنجح فيها وأقرب إلى البرؤ. وذلك لقصر مدد الأمراض المذكورة.
البحث الثالث
في بيان الأمراض التي في الغاية القصوى المحتملة للتدبير الذي في الغاية القصوى. قال جالينوس: * «هذه هي (580) الأمراض * التي (581) في غاية العظم وليس وراءها غاية». أقول إن هذا الحكم منه فيه تفصيل لا بد من تحقيقه. وهو قوله «الأمراض التي في الغاية القصوى» يحتمل أن يراد بها في قصر لا في العظم والحدة والخطر. ويحتمل أن يراد بها * الأمران (582) جميعا، وحمل كلام أبقراط على الأول أولى وأجود من حمله على الثاني. وذلك لأن المبالغة في تلطيف التدبير إنما يكون مع حصول الأمر على القوة من الاحتلال والىعة؟ ىىعىاها؟ إلى وقت المنتهى، وذلك إن/ا يتحقق في الأول أولى وأجود من حمله على الثاني. وذلك لأن المبالغة في تلطيف التدبير إنما تكون مع حصول الأمن على القوة من الانحلال والثقة ببقائها إلى وقت المنتهى. وذلك إنما يتحقق في الأول دون الثاني فإن المرض إذا كان في غاية العظم لا يؤمن معه على القوة أن ينحل بغاية عظمه وإن قصرت مدته. وفي مثل هذا، الواجب أن يغلظ التدبير تغليظا يسيرا. وعند هذا التفصيل PageVW1P052B يكون ما قلناه مخالف لما ذهب إليه الفاضل جالينوس. فإن قيل «حمى يوم * ينقضي (583) في الأكثر في يوم واحد. ومع هذا فالغذاء لا يجب تلطيفه فيها لاسيما في الجوعية». قلنا: الجواب عن هذا من وجهين. أحدهما أن حمى يوم لا يصح إطلاق الحدة عليها بحسب المشهور. فلا يكون داخله في الحكم المذكور، وثانيها أن كلامنا في تقدير الغذاء بحسب حدة المرض وأزمانه إنما هو بالنظر إلى أمر القوة واشتغالها بنضج المادة وإن لا يعيقها عن ذلك هضم الغذاء، وحمى يوم ليست من الأمراض المادية.
البحث الرابع
فيما يستعمل في هؤلاء من التدبير. قال أببقراط: «التدبير الذي في الغاية القصوى» قال جالينوس: «وهو التدبير الذي ليس وراءه غائة في الاستقصاء». وقد علمت أن المراد بذلك ترك الطعام لا ترك ما يستعمل. فإن هذا * يستحيل (584) * فأن (585) به لا بد من إعانة PageVW5P015A القوة * ولو بما (586) يعدل المزاج ويكسر سورة المرض ويضاده.
البحث الخامس:
لقائل أن يقول: هذا الفصل مناقض لقوله أولا «والتدبير الذي يبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم تحتمله قوة المرض عسر مذموم». فإنه في * ذلك (587) الفصل ذكر هذا الشرط وهو أن التدبير المذكور نافع في الأمراض المذكورة بشرط الاحتمال، أي عند الاحتياج إليه. * وفي (588) الفصل المذكور هاهنا لم يذكر هذا الشرط بل حكم به حكما جزئيا وقال أجود التدبير في الأمراض التي في الغاية القصوى التدبير * الذي (589) في الغاية القصوى من غير أن يذكر الشرط المذكور هاهنا وهو غير واجب الترك، فإنه لا بد من ذكره. وذلك * لأنه (590) من المحتمل أن تكون القوة في المرض المذكور واهية أو البدن نحيفا أو أن المريض قد تقدم له استفراغ * مفرط (591) أو لم يكن المريض له عادة بتقليل الغذاء أو تلطيفه. ففي مثل هذه الصورة التدبير المذكور ضار فيها. وإذا كان ضارا، * فذكر الشرط المذكور واجب (592) ليحصل الاحتراز به عن الصور المذكورة. والجواب عن هذا أن الأمراض المذكورة في هذا الفصل بالنظر إليها من غير تخصيص بشيء مما ذكرنا. * فتدبيرها (593) واجب بما ذكره لقصر مدتها. فقوله «أجود التدبير» أي مع عدم * المعاوق (594) والمعارض. وأما بالنظر إلى تخصيصها بالأحوال أخرى وهي ما ذكرنل، فإنها * تفتقر (595) من التدبير إلى ما هو أغلظ من ذلك. وكلام أبقراط فيه إشعار بذلك في قوله «أجود التدبير» يريد أن في تدبير هذه الأمراض ما * هو (596) أجود في الغاية وجيد في الغاية. فقوله التدبير * البالغ (597) * الذي (598) في الغاية القصوى لهذه الأمراض أجود لا يمنع أن يكون غيره جيدا أيضا، غير أن قوله أجود بالنظر إلى طبيعتها غير مقيد بشيء. والاحتمال الجيد بالنظر إليها * مقيد (599) بشرط وهو ما * ذكرنا (600) .
7
[aphorism]
قال * أبقراط (601) : وإذا كان المرض حادا جدا، فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى تأتي فيه بديا. فيجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير * الذي (602) في الغاية القصوى من اللطافة. * فإن (603) لم يكن كذلك * لكن (604) كان يحتمل من تدبير ما هو أغلظ من ذلك، فينبغي أن يكون الانحطاط على حسب لين المرض ونقصانه عن الغاية القصوى. فإذا بلغ المرض منتهاه * فعند ذلك يجب (605) ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي في الغاية القصوى من اللطافة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث * تسعة (606) .
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله. * وهو أنه (607) لما تكلم في الفصول المتقدمة في التغذية بحسب الأمراض الحادة والمزمنة، أراد أن يعرفنا الأمر الذي يعرف ذلك منه. وذلك مأخوذ من شيئين، أحدهما مدة المرض والآخر قوة المريض. أما الأمر الأول فهو الآن يتكلم فيه. وأما الثاني ففي الفضل الذي يلي هذا.
البحث الثاني:
قال ابن أبي صادق: «مراده بالحاد جدا الذي هو في الغاية القصوى من الحدة لأنه أمر أن * يقابل (608) بالتدبير * الذي (609) في الغاية القصوى من اللطافة». والحق عندي أن معنى هذا الكلام على غير هذه الصورة وهو أن تدبير الحاد جدا * إنما (610) هو أغلظ من ذلك وأن مراده بالوقت الذي يستعمل فيه التدبير * الذي (611) في الغاية القصوى وقت ظهور الأوجاع التي في الغاية القصوى وهو وقت المنتهى. ولا شك * أن (612) مثل هذا الوقت يستعمل فيه هذا التدبير لوجهين. أحدهما خوفا من اشتغال القوة عن مقاومة المرض. وثانيهما أنه إذا كان استعمال ذلك في المرض الحاد من حيث هو حاد واجبا، فبالأولى أن يكون استعمال ذلك التدبير في منتهاه * واجبا (613) قصدا للتخفيف عن القوة عند نهاية PageVW5P015B اشتداد الأعراض. وهذه الأمراض لما كان منتهاها يأتي في الأيام، الأول منها كان استعمال التدبير المذكور في ابتدائها * واجبا. (614)
البحث الثالث:
مراده بالأوجاع الأعراض على ما ذكره جالينوس. لكن يجب أن تعلم أن الأعراض على نوعين. منها ما هي مقومة للمرض، أي لوجوده بمعنى أنه يستحيل وجوده بدونها كالأعراض الخمسة في ذات الجنب التي هي النبض المنشاري والحمى اللازمة والوجع الناخس وضيق النفس والسعال؛ والتي هي غير مقومة منها ما له وقت معلوم. ومنها ما ليس له ذلك. والأول مثل إعلام البحران. والثاني على قسمين. منها ما هي مناسبة للمرض بمعنى أن طبيعة المرض يوجبها مثل الصداع والعطش في الحمى الصفراوية. والغير مناسبة مثل الغشي واختلاط الذهن في الحمى المذكورة. فإن طبيعة المرض من حيث هي غير موجبة لها. فالحاصل أن مراده هاهنا بالأعراض المقومة للمرض لأن مثل هذه تشتد في المنتهى (615) .
البحث الرابع
(616) : قوله «التي في الغاية القصوى يأتي فيه بديا». مراده بالوقت * الذي (617) تكون الأوجاع فيه في الغاية القصوى المنتهى. ولا شك أن منتهى الأمراض المذكورة يأتي فيها بديا. قال جالينوس: «بديا أي أنها تكون في الأيام الأول من المرض من قبل أن فيها منتهاه». وهذه العبارة فيها * إيهام (618) * بشيء (619) فاسد وهو أن المنتهى يأتي في الأيام الأول من المرض وهو لا يأتي إلا في الأيام الأخيرة منه. وذلك لأنه يكون بعد وقتين من أوقاته وهما الابتداء والتزيد وبعده الانحطاط والمرض. وإن قصرت مدته، فلا بد * له (620) من الأوقات الأربعة إذا كان سليما وينفضي في الرابع * منها (621) . وذلك لأن الرابع إذا وقع فيه البحران، كان * نهاية (622) المنتهى * فيه (623) ولا * شك أن ذلك (624) في اليوم الأخير من أيام المرض لا من أيامه الأول. وإذا كان كذلك، فلا ينبغي أن يقال لذلك المنتهى إنه يأتي في الأيام الأول. بل الذي يقال إن منتهى المرض يكون فيه شدة الأعراض. وذلك يأتي في مثل هذه الأمراض في أقصر مدة من مدد الأمراض المادية أعني في اليوم الرابع وما قبله لا في الأيام الأول من أيامه. وإنما استعمل أبقراك هذه العبارة أي بديا بمعنى أن المنتهى * فيها يأتي (625) مزاجها للابتداء وقريبا منه لا معه. وذلك لقصر زمان التزيد في مثل هذه الأمراض الحادة جدا وضيق وقته. فلا يبعد فيه المنتهى عن * الابتداء (626) لهجومها دفعة. ولذلك كان أطول أوقات هذه وقت المنتهى وبعده الابتداء وأقصرها التزيد وبعده الانحطاط.
البحث الخامس
(627) بدؤ المرض تارة يراد به الزمان الذي * ظهر (628) فيه المرض ولم يظهر بعد * اشتداده (629) ، وتارة يراد به أول ساعة حصول * فيها (630) المرض وهو وقت * ظهور (631) ضرر الفعل؛ وتارة يراد به الأيام الثلاثة الأول. * وهذا (632) هو المعنى بقوله بديا لاستحالة عروض أعراض المنتهى في الابتداء بالتفسيرين الأولين.
8
البحث السادس
(633) : قوله * فإذا (634) لم يكن كذلك تارة يفهم منه النفي لقوله حادا جدا، وتارة يفهم منه نفي الحدة مطلقا. وليس بين المفهومين خلاف فيما يعود إلى تحصيل معنى التدبير فيما ليس بحاد جدا، فإن التدبير يكون أغلظ * مما (635) يستعمل فيه. فلذلك قال: * «فينبغي (636) أن يكون الانحطاط على حسب لين المرض ونقصانه عن الغاية القصوى» أي أن المرض كلما كان أحد، كانت الحاجة إلى الغذاء أقل لما ذكرنا إذا لم يحصل هناك مانع وهو ما ذكرنا. وكلما كان أقل حدة، كانت الحاجة إلى PageVW5P016A الغذاء أكثر، غير أنه لقائل أن يقول قوله ونقصانه عن الغاية القصوى إنما يحسن إذا كان المرض الذي فرض أن هذا المرض ألين منه هو المرض الحاد في الغاية القصوى. لكن ذلك هو الحاد جدا عاى ما ذكره. وعل هذا كان ينبغي * له (637) أن يقول فينبغي أن يكون الانحطاط على حسب لين المرض ونقصانه عن الحاد جدا. قلنا الجواب عن هذا * هو (638) أن معنى * هذا (639) أن المرض إذا لم يكن حادا جدا بل ألين منه، فينبغي أن يكون الانحطاط عن تدبير الحاد جدا على حسب الانحطاط في تدبير الحاد جدا عن تدبير المرض الذي في الغاية القصوى فذكر * هذا (640) على سبيل المثال والمقايسة . فإن عاد المعترض وقال هذا الحكم في التدبير مخالف لتدبيرنا الآن للأمراض، وذلك لأنا الآن نستعمل في مبادئ الأمراض تلطيف الغذاء كماء الشعير بل ربما اقتصرنا في بعض الأوقات على الشراب * وعلى (641) الجلاب * وترك (642) ماء الشعير ثم * نستعمل (643) عند المنتهى أمزاق الفراريج وشيئا من لحومها. قلنا الجواب عن هذا أن حكم الإمام أبقراط في الأمراض الحادة والمزمنة بهذا الحكم هو بالنظر إلى طبيعتها أي قصر زمانها وطوله. وتدبير أطباء زماننا إنما هو لغرض آخر. وذلك إما لنفور المريض عن استعمال الغذاء الغليظ في وقت الابتداء، وإما لتقدم تخم وامتلاء * البدن (644) . * يرجو (645) الأطباء زوالها وعطف الطبيعة على إنضاج مادتها بترك الغذاء وتلطيفه؛ وإما لأن المرض دموي أو بلغمي يرجون اغتذاء الأعضاء بمادتهما عند ترك الغذاء أو تقليله. * ويترتب (646) لهمعلى ذلك نقصان المادة وخفتها.
البحث السابع
(647) * في (648) قوله «وإذا بلغ المرض منتهاه، فعند ذلك يجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير * الذي (649) في الغاية القصوى من اللطافة». أقول استعمال التدبير المذكور ليس هو مختصا * هاهنا (650) بمنتهى الأمراض PageVW1P053B الحادة * مطلقا (651) فقط بل وبمنتهى المزمنة، وإنما اختص هذا الوقت بهذا التدبير. قال جالينوس: «لعظم الأعراض في هذا الوقت ولكيما ينضج المرض. وذلك * لأنه (652) لا ينبغي أن تشتغل الطبيعة عن إنضاج الأخلاط المولدة للمرض إذا كانت في ذلك الوقت مكبة عليها بقوتها كلها أو قد بقي لها اليسير حتى تستكمل الغلبة عليها. فيجب أن لا تشتغل بإنضاج غذاء جديد * نوردها (653) عليها». ونزيد نحن في تقرير ذلك ونقول: إن وقت المنتهى هو الوقت الذي يكون فيه نهاية اشتداد * الحالة المرضية (654) ومصارعة الطبيعة * لها (655) لأنه وقت الملحمة والقتال. فإذا حصل للطبيعة شاغل عن ذلك، صرعها المرض وقوي عليها. هذا * إن (656) اشتغلت به اشتغالا تاما. * وإن (657) لم يشتغل به ذلك الاشتغال انفسد * الوارد (658) ، وزاد في * مادة (659) المرض وصار معينا على القوة لا لها. فلذلك يجب ضرورة أن * تلطف (660) التدبير في وقت المنتهى. وهذا الحكم من الإمام أبقراط بالنظر إلى طبيعة المنتهى. وإلا فمتى حصل لنا أمر يعيقنا عن ذلك التدبير وهو ضعف القوة * وخفنا (661) خورانها، فإنا في مثل هذه الصورة نستعمل إمراق الفراريج لا ترك الغذاء. واعلم أيضا أن هذا الحكم يختلف باختلاف الأمراض في حدتها وزمانها. فإن منتهى الأمراض المزمنة لا يجب أن نبالغ في تلطيف ما يستعمل * فيها (662) كما نبالغ فيه عند استعماله في الأمراض الحادة. فإذن القول الصحيح المتضمن لتدبير المنتهى بحسب الأمراض هو أن يقال: وإذا بلغ المرض منتهاه، فعند ذلك يجب ضرورة أن * يستعمل (663) تلطيف التدبير عما كان عليه قليل قبل المنتهى بمقتضى القوة وطبيعة المرض.
البحث الثامن
(664) لقائل أن يقول * لم (665) اقتصر أبقراط على تدبير هذا الوقت دون غيره من الأوقات الأخر؟ نقول: وذلك PageVW5P016B لفرط خطر هذا الوقت على * باقي (666) الأوقات الأخر لأنه وقت الملحمة والقتال. وأيضا فإن بحسبه تقدر الغذاء في لطافته وغلظه. وأيضا فإن في آخره يتوقع البحران الجيد. ولما كان حاله كذلك، خصصه بالذكر. أو نقول إن أبقراط لم * يحل (667) بذكر تدبير غيره من الأوقات الأخر في ضمن هذا الفصل. وذلك * أن (668) تعيينه بلطيف التدبير في هذا الوقت يفهم منه تغليظه في باقي الأوقات * وبالإضافة (669) إليه سواء كان المرض حادا أو غير حادأ. أما * فيما (670) قبل المنتهى، فلاستبقاء القوة. وأما بعد المنتهى * أي (671) في الانحطاط فلاسترجاعها. وهذا الجواب عندي أشد من الأول.
البحث التاسع
(672) في ذكر بحث شريف متعلق بالأوات الأربعة * ساقنا (673) إليه هذا الجواب وهو أنه يجب أن يعلم أنه ليس لكل الأمراض أوقات أربعة. بل لنصفها باعتبار ولربعها وثمنها باعتبار آخر. وتقرير ذلك هو أن الأطباء حدوا الأوقات الأربعة بالنضج على * ما (674) * أوضحناه (675) في شرحنا * لكليات (676) القانون. والأمراض على قسمين ساذجة ومادية. فالسادجة لا ينتظر فيها النضج لخلوها عن المواد. والمادية إن اعتبرنا * فيها (677) النضج للإسهال وهو أن يقول حدا لابتدالة كذا وكذا ويظهر فيه النضج للإسهال، كانت الأمراض الدموية خارجة عن هذا الحكم لأن موادها لا تستفرغ بالإسهال. فعلى هذا الحكم يكون * ربع (678) الأمراض وثمنها * لها (679) أوقات أربعة * وهي (680) الأمراض البلغمية والصفراوية والسوداوية وإن لم يذكر الإسهال ، كانت الدموية داخلة في هذا الحكم. فيكون لنصف الأمراض أوقات أربعة وهذا موضع شريف ينبغي ضبطه فإنه غريب.
9
[aphorism]
قال أبقراط: وينبغي أن تزن قوة * المريض (681) فتعلم إن كانت تثبت إلى وقت منتهى المرض وتنظر أي الأمرين كائن أ قوة المريض تخور قبل غاية المرض ولا يبقى على ذلك الغذاء أم المرض يخور قبل ويسكن عاديته.
[commentary]
الشرح هاهنا * مباحث (682) ستة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله، وهو ما عرفته * من (683) أن تقدير الغذاء في لطافته وغلظه لا يقتصر فيه على ما ذكرنا * أي (684) بحسب طبائع الأمراض بل لا بد مع ذلك من اعتبار القوة. * ولذلك (685) قال هاهنا «وينبغي أن تزن أيضا قوة * المريض (686) » فإنها متى كانت قوية وفيها احتمال لمقاومة المرض لطفنا التدبير لتتفرغ الطبيعة لمقاومة المرض ودفع نكايته. ومتى كانت ضعيفة وخفنا خورانها، غلظناه خوفا من ذلك. فإن هذا التدبير أجود في مثل هذه الصورة من التدبير الأول لما عرفته * من التدبير (687) في الفصل المتقدم. فإن به تقوي القوة غير أن * مادتها (688) تزيد في مادة المرض فيطول المرض، وفي الأول بخلافه. ولا شك أن * طول (689) المرض مع قوة أجود من قصره مع ضعفها، غير أنك قد عرفت أن الغذاء كما أنه صديق الطبيعة فهو صديق * لعدوها (690) أيضا. وذلك يشرط وهو أن يكون غذاء مخصا. فلذلك يجب PageVW1P054A أن يعتبر في الغذاء * الذي يستعمل (691) في حال المرض * أمران (692) . أحدهما أن لا يكون خاليا من قوة دوائية ليقاوم بها المرض. وثانيهما أن يكون * مقدرا (693) بقدر ما يمكن به بقاء القوة من غير أن يكون فيه زيادة.
البحث الثاني:
المراد بالوزن هاهنا مقايسة القوة والمرض في استظهار كل * منهما (694) على الآخر أو تكافئهما ويحصل الغلم بذلك. PageVW5P017A أما استظهار القوة فيعلم من ثلاثة أشياء. أحدها من جهة النبض، فإنه متى كان جيدا مستويا في حركاته، دل على صحة القوة * الحيوانية (695) . وثانيها من جهة الذهن، فإنه متى كان صحيحا جيدا في أحكامه وتخيلاته، دل على * قوة (696) القوة النفسانية. وثالثها من جهة شهوة الطعام وهضم الغذاء، فإنهما متى كانا جيدين بحيث أنهما * يكونان (697) على ما ينبغي، * كانت القوة الطبيعية قوية (698) . فإن أنصاف إلى ذلك استقلال العليل بعلته، كان ذلك أكد في الدلالة على قوة القوة ونهوضها. فبهذه الأمور تعرف * استظهار (699) القوة. وأما * استظهار (700) المرض، فيعلم من مقابل ذلك.
البحث الثالث
لفائل أن يقول: إن علمنا بطبيعة المرض في حدته وزمانته يكفينا في العلم بوزن القوة وثباتها * وعدمه (701) . فإن القوة تبقى في * المرض (702) الحاد القصير المدة وينحل في المزمن الطويل المدة. وقد تقدم هذا في ضمن الفصول المتقدمة. قلنا: الجواب عن * هذا (703) أنه لا يكفي في وزن القوة النظر في الأمراض دون النظر في القوة نفسها. وذلك لأن طبائع الأمراض قد تقتضي تدبيرا ما بحسبها والقوة تقتضي خلافه. فإنها إذا ضعفت وخيف سقوطها في أى مرض كان، فإن * العناية (704) يجب أن تصرف إليها سواء كان المرض * حادا (705) أو ليس بحاد. بل الذي يجب أن يعتمد عليه في ذلك ما نذكره في مقايسة بين المرض والقوة. وقياسها بالأمراض يكون على أربع مراتب. أحدها أن تكون القوة قوية في نفسها والمرض قصير المدة. * والثانية (706) أن تكون ضعيفة والمرض طويل المدة. * والثالثة (707) أن تكون القوة قوية والمرض طويل المدة. * والرابعة (708) أن تكون * القوة (709) ضعيفة والمرض قصير المدة. فهذه أربع مراتب يختلف بحسبها التدبير * بالغذاء (710) .
البحث الرابع
في تقدير التدبير بالغذاء على حسب هذه المراتب. أمأ التدبير بحسب القسم الأول، فالواجب التلطيف. وبحسب * القسم (711) الثاني التغليظ في مبادئ الأمر ثم التنقيص من الغلظ إلى حين يأتي المنتهى. وبحسب * المرتبة الثالثة (712) الحفظ على ما هي عليه مع زيادة تغليظ في الغذاء. وبحسب * المرتبة الرابعة (713) استعمال ما ينعشها ويقويها. واعلم أن التدبير الزائد في الكمية يقوم مقام الغليظ وإن لطف جوهور. والناقص في الكمية يقوم مقام * اللطيف (714) وإن غلظ جوهره.
البحث الخامس
في ذكر حال القوة مع المرض بالنسبة إلى المنتهى بمثال ظاهر للحس. قد شبه الأوائل قوة المريض بالحمال والمرض بالحمل الذي يحمله ومدة المرض بالمسافة * التي (715) * يروم قطعها (716) . فمتى كانت قوة الحمال قوية والحمل * خفيفا (717) والمسافة قصيرة، كانت العاقبة محمودة. ومتى كان الأمر بالعكس، كانت مذمومة. ومتى كان الأمر متوسطا بين ذلك، كانت العاقبة متوسطة.
البحث السادس
لقلئل أن يقول: أن هذا الفصل * يناقض (718) الذي قيبله. وذلك * أن (719) العلم المأخوذ منه بتقدير الغذاء مقدر بحسب طول المرض وقصره، ومأخذ العلم بذلك في هذا الفصل من القوة. وهذا المأخذ مخالف للأول ومباين له. وذلك لأن القوة متى كانت قوية وفيها احتمال لمقاومة المرض، لطفنا التدبير سواء كان المرض حادا * أيضا (720) أو مزمنا. ومتى كانت ضعيقة، استعملنا خلافه سواء كان حادا أو مزمنا. وإذا صار * ملاك (721) الأمر في ذلك PageVW5P017B على القوة، * انتسخت (722) بها أحكام الفصول المتقدمة ولم يبق لها حكم وبقي مدار الأمر في ذلك على هذا الفصل دونها. والجواب عن ذلك أن * لاستخراج (723) * معرفة (724) كيفية أغذية المرضى طرقا، منها طبيعة المرض. ومنها اعتبار القوة. ولا يصح الأول بدون هذا. ولذلك قال: * «وينبغي (725) أن تزن قوة المريض * أيضا (726) » ومنها أمور أخر ليست في * القوة كحال (727) هذين الأمرين. وذلك مثل بنية البدن فإنها متى كانت متخلخلة، اقتضت غلظ التدبير، ومتى كانت مستحصفة، اقتضت لطافته. * ومنها (728) العادة فإنها متى كانت جارية بتغليظ التدبير أو بكثرة الغذاء، فالواجب مراعاة هذا القدر في حال المرض. ومتى كانت جارية بعكس ذلك، كان الأمر بالعكس. ومنها شهوة أيضا وهضمة لكن أهم هذه الأمور * جميعا (729) مدة المرض وقوة المريض. ولذلك * خصصهما (730) أبقراط بالذكر.
10
[aphorism]
قال أبقراط: والذين يأتي منتهى مرضهم بديا، فينبغي أن يدبروا بالتدبير اللطيف بديا. والذين يتأخر منتهى مرضهم، فينبغي أن يجعل تدبيرهم في ابتداء مرضهم أغلظ ثم ينقص من غلظه قليلا قليلا كلما قرب منتهى المرض وفي وقت منتهاه بمقدار ما تبقى قوة المريض عليه. وينبغي أن PageVW1P054B يمنع من الغذاء في وقت منتهى المرض فإن الزيادة فيه مضرة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث سبعة.
البحث الأول
في * صلة هذا الفصل بما قبله (731) : وهو أن هذا الفصل فيهخ أحكام الأول وزيادة ذلك لأن قوله «والذين يأتي منتهى مرضهم بديا» يتضمن * ما تقدم، وقوله «والذين يتأخر منتهى مرضهم» يتضمن ذكر الأمراض المزمنة (732) . فلذلك قلنا إن هذا أعم من الأول. ولا شك أن العام مناسب للخاص ومتصل به. فهذا وجه * صلة هذا الفصل بما قبله (733) .
البحث الثاني
قوله «والذين يأتي منتهى مرضهم بديا» * عائد (734) إلى مرض سريع المنتهى. وإنما * أمر (735) باستعمال التدبير المذكور في * مثل (736) هذه الأمراض خوفا من اشتغال * الطبعية (737) بتدبيره عن تدبير المرض. وذلك أنها إما أن تتشمر لتدبير الغذاء بحيث أنها لا تلتفت * البتة لجانب (738) المرض، وإما أن تشتغل بدفع المرض ومقاومته عن تدبير الغذاء أو بتوزع فعلها على الجهتين. فإن كان الأول، استولى المرض عليها وقهرها. وإن كان الثاني أو الثالث، لم ينهضم الغذاء على ما ينبغي فيتولد منه فضلات تزيد في مادة المرض. ولما كان الأمر كذلك، أمر * الإمام (739) أبقراط باستعمال التدبير المذكور لتفرغ القوة لمقاومته ودفع نكايته. هذا متى كانت قوية، وإلا فمتى كانت ضعيفة، استعملنا الغذاء رجاء منا لتقويتها.
البحث الثالث
* في (740) قوله «والذين يتأخر منتهى مرضهم فينبغي أن يجعل تدبيرهم في ابتداء مرضهم أغلظ». الأمراض * التي (741) يتأخر * منتها انقضائها (742) * الواجب (743) أن يغلظ التدبير في ابتدائها لوجهين. أحدهما خوفا من خوران القوة وسقوطها لبعد وقت المنتهى الذي فيه المقاومة وشدة القتال. وثانيها خوفا من احتداد الحرارة وزيادة العلة. فإنا متى لطفنا التدبير في مبادئ الأمراض المذكورة، حصل منه ما ذكرنا وفي ذلك جلب آفة أخرى للمريض. أما إذا غلظنا التدبير أمنا من ذلك ثم ينقص من غلظه قليلا فليلا PageVW5P018A إلى حين يأتي المنتهى ثم تلطيفه.
البحث الرابع
في أنه متى يجب * علينا (744) أن نشرع في تلطيف التدبير * بعد تغليظه (745) في الابتداء الذي ظهر لنا من كلام * الإمام (746) أبقراط أن الشروع في ذلك في أواخر التزيد بقوله «وكلما قرب منتهى المرض». وذلك إنما يكون في أواخر التزيد لأنا لو شرعنا في ذلك في أول التزيد لبعد وقت المنتهى. ومع ذلك لا يؤمن على القوة الانحلال لكن ينبغي أن تحفظ القوة إلى حيث يقرب المنتهى ويتدرج في التلطيف. وذلك لأن لكل واحد من الأوقات الأربعة أولا يظهر فيه حكمه ووسطا يكون فيه نهاية اشتداد، وإخيرا ينحط فيه تلك النهاية من الاشتداد. ولست أعني انحطاط اشتداد المرض في نفسه بل انخطاط اشتداد * ذلك (747) الاشتداد. ففي مثل هذا الوقت من التدبير، الواجب أن يشرع في التلطيف. وأمأ وجوب استعماله في وقت المنتهى، فقد عرفته.
البحث الخامس
في قوله «بمقدار ما تبقى قوة المريض عليه». * هذا فيه (748) إشارة إلى معرفة القانون في تقدير الانخطاط عن التغليظ. وذلك بمقدار ما تبقى معه قوة العليل. فإنا لا ينبغي لنا أن نجعل التلطيف في جميع منتهى الأمراض على وتيرة واحدة. بل نجعل ذلك بحسب احتمال القوة لمقاومة المرض * وثباتها (749) لذلك. وإلا فقد نستعمل الغذاء في وقت المنتهى نفسه لما ذكرنا.
البحث السادس
في قوله «وينبغي أن يمنع من الغذاء في وقت منتهى المرض فإن الزيادة فيه مضرة» لقائل أن يقول: هذا الكلام ليس بمستقيم فإن كون الزيادة في الغذاء مضرة لا يوجب المنع من الغذاء أصلأ. واعلم أن الإذهان * في تأويل هذا قد اختلفت (750) . فإنه يحتمل أن يقال إن الضمير في قوله «فإن الزيادة فيه مضرة» يجوز أن يكون الضمير في الهاء * عائدا (751) إلى المرض. ويكون تقدير الكلام فإن الزيادة في * المرض بالغذاء (752) مضرة. وهذا القدر وإن كان حاصلأ في جميع زمان المرض غير أنه في المنتهى أبلغ في المضرة لما ذكرنا من أمر هذا الوقت. ويحتمل أن يقال إنه عائد إلى الغذاء الزائد عما يجب في وقت المنتهى فإن الزيادة فيه مضرة. وهذا القدر * أيضا (753) وإن كان * حاصلأ (754) في جميع أوقات المرض غير * أنه في (755) المنتهى أشد ضررا لما قلنا. ويحتمل أن * يقال إن الضمير في ذلك (756) عائد إلى ما انتهى * الحال فيه إلى (757) تلطيف التدبير بحسب ما يقتضيه حال المرض والمريض بقرب المنتهى مضرة. ويحتمل أن يقال إنه عائد إلى الغذاء إذا * قصدت (758) إلى استعماله في وقت المنتهى. فإنه وإن كان يزيد * في (759) القوة، * فهو (760) يزيد في المرض * أيضا (761) . ففيه المضرة من هذا الوجه. ويحتمل أن يقال إنه عائد إلى زيادة البدن من كيموس الغذاء. فإن ذلك مضر من حيث أنه يثقل القوة. * وهذه (762) التأويلات كلها صحيحة، فإن كلام أبفراط يحتمل لها.
البحث السابع
لقائل أن يقول: أن هاهنا * اعتراضان (763) . أحدهما PageVW1P055A أنه قال فيما مضى * وإذا (764) بلغ المرض منتهاه، فعند ذلك يجب ضرورة أن يستعمل * فيه (765) التدبير الذي هو في الغاية * القصوى (766) من اللطافة. وذلك كماء الشعير الرقيق والجلاب على ما قيل. وهاهنا * يجب (767) منع الغذاء بالكلية * إذ قال (768) «وينبغي أن يمنع من الغذاء في وقت منتهى المرض». وثانيهما قوله هاهنا «والذين يأتي منتهى مرضهم بديا فينبغي أن يدبروا بالتدبير اللطيف بديا» يناقص قوله فيما مضى «وإذا كان المرض حادا جدا، فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى يأتي فيه بديا. فيجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي في الغاية القصوى من اللطافة». وقد علمت أن الأوجاع التي هي الأعراض تكون في المنتهى. * فمثل (769) هذه * حينئذ (770) يأتي المنتهى فيها PageVW5P018B بديا. وعند هذا يقول قد أمر في هذا الفصل باستعمال التدبير اللطيف بديا في الأمراض التي يأتي المنتهى بديا فيها. وفي الفصل الآخر قد أمر أن يستعمل فيها التدبير الذي في الغاية القصوى من اللطافة والتدبير اللطيف غير اللطيف في الغاية القصوى. والجواب عن الأول * لنا فيه (771) وجوه. منها أن نقول: إن كان الضمير في قوله «فإن الزيادة فيه مضرة» عائدا إلى الغذاء الزائد على ما يجب، لم * يرد الأعتراض (772) لأنه يكون هناك قد أمر بالغذاء الذي في الغاية * القصوى (773) وهاهنا منع من الغذاء الزائد * عن (774) المقدار الواجب. ولا * منافاة (775) بين الكلامين. ومنها أن نقول: إن الكلام * هاهنا (776) بحسب مقتضى القوة وفيما مضى بحسب مقتضى المرض. ولا منافاة بين أن يكون مقتضى القوة عدم الغذاء ومقتضى المرض أن يكون فيه غذاء، لكن لا في الغاية القصوى من اللطافة. فإن لنا من الأمراض ما * منتهاه (777) متأخر كالمزمنة. فمثل هذه الواجب أن يكون التدبير في منتهاها بما ذكرنا. ومنها أن يقول * فمن (778) الناس من فهم * من (779) قوله «التدبير الذي في الغاية * القصوى» (780) ترك الغذاء. وذلك هو المنع منه. والجواب عن الثاني أن مراده بقوله «والذين يأتي منتهى مرضهم بديا» أي * أن (781) من يأتي * في مرضه (782) مبادئ المنتهى ومقدماته بديا، فيدبر بالتدبير اللطيف بديا. والمرض الحاد جدا * هو الذي يأتي فيه (783) المنتهى بكماله في مبادئه. ولهذا قال «وإذا كان المرض حادا جدا فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى يأتي فيه بديا». ومراده بذلك نهاية المنتهى، فإن غاية الأوجاع تكون فيه. ولهذا أمر * في هذا الوقت بالتدبير الذي (784) في الغاية القصوى من اللطافة. فظهر مما ذكرنا أن التدبيرين المتقابلين * المذكورين (785) الذين أمر بهما في المرض الواحد إنما كان اعتبار حالتين لا باعتبار حالة واحدة. فاندفعت المناقضة. والله * أعلم (786) .
11
[aphorism]
قال أبقراط: وإذا كان للحمى * أدوار (787) ، فامنع من الغذاء في أوقات نوائبها.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثمانية.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (788) بما قبله: اعلم أن الأوقات التي يمنع فيها الغذاء على نوعين، كلية وجزئية. فالكلية قد تقدم الكلام فيها، وهي منتهى الأمراض. والجزئية هي وقت * النوائب (789) سواء كانت * النوائب (790) في المنتهى أو في غيره من أوقات المرض. فتكلم أولا في الوقت الكلي ثم أتبعه بالوقت الجزئي فتم له * حينئذ (791) بذلك حصر أوقات منع الغذاء * ولذا (792) قال «فامنع من الغذاء أيضا» * أي (793) كما منعت في الكلي.
البحث الثاني
في تحقيق القول في ماهية الحمى. البدن الإنساني في * حال (794) حياته عند وجود صحته فيه حراراتان. أحدهما تفاض عليه عند * فياض (795) نفسه الناطقة، وتسمى «غريزية». والآخرى حاصلة فيه عند اجتماع بسائطه * وتسمى (796) استقصية. وهذه غير تلك من وجهين. أحدهما أن الغريزية مقومة لوجوده. وهذه لماهيته. وثانيهما أن الغريزية تفارقه عند موته والاستقصية باقية بعد ذلك. * وأما عند (797) وجود مرضه * ففيه (798) تانك الحرارتان. وأخرى حاصلة عند اجتماع فضلالته في بدنه. فإن مثل هذه الفضلات متى اجتمعت، حصل فيها حالة بها يستعد لقبول حرارة أخرى غير بينك الحرارتين. ويدل عليها حال الفضلات عند اجتماعها في الخارج كالزبل وما يجري مجراه. فإنه عند تراكم بعضه على بعض يسخن ثم يعفن ثم تشتعل فيه نار ثم يترمد. وهذه الحرارة PageVW5P019A غير الغريزية من وجهين. أحدهما أن تلك مضرة بالأفعال والغريزية غير مضرة. * وثانيهما أن تلك (799) معدومة عند وجود الصحة والغريزية موجودة. * وهي (800) غير الاستقصية من وجهين. أحدهما أن الاستقصية موجودة في حال الصحة وهذه معدومة. وثانيهما أن * مدة (801) الاستقصية باقية ببقاء البدن * وهذه (802) معدومة في حال موته. وسنوضح الكلام في مثل هذه المطالب أيضاحا شافيا فيما بعد من هذا الكتاب عند شرحنا لقول أبقراط ما كان من الأبدان في النشوء، فمثل هذه الحرارة المذكورة إذا حصلت في أي عضو كان، فإنها تتصل بالقلب * بواسطة (803) الشرايين ثم تسري منه فيها إلى جميع البدن وحينئذ PageVW1P055B تسمى «حمى». وكيفية اتصالها على وجهين. إما بالمشاركة وإما بالمحاورة. أما بالمشاركة فهو عند ما يكون في العضو ذي العفونة شريان فتسري هي وما بحملها من الأجزاء العفنة إلى حين تصل إلى القلب، ثم ينفذ فيه عند إفتاح * معلق (804) المجاري النابتة منه على ما عرفت في التسريح. وأما بالمجاورة * فهو (805) عند ما يكون محل العفونة خاليا من الشرايين. فإنه * قد (806) عرف بالتشريح أن في البدن مواضع خالية منها. فمتى * حصلت هذه الحرارة المذكورة في هذه المواضع (807) ، اتصلت بما يحاورها وما يحاورها لا بد أن يكون فيه * شرايين (808) * ثم يمر فيها (809) * وينفذ (810) * فيها (811) إلى القلب. وهذه الحرارة لا تصل إلى القلب بذاتها لاستحالة الانتقال على الأعراض بذواتها، بل لا بد أن يسري معها شيء من المادة العفنة لكن لطيفها. فهذا هو تحقيق القول في ماهية الحمى.
البحث الثالث
في حد الحمى: الحمى حرارة غريبة * تتصل (812) * بالقلب (813) ثم تنبعث منه في العروق الضوارب بواسطة الروح إلى جميع البدن مضرة بالأفعال الطبيعية ضررا أوليا. فمطلق الحرارة جنس لما ذكرنا. وقولنا «غريبة» تمييز لها عن الفلكية والاستقصية. أما الأول فذلك ظاهر * فيها (814) . وأما * الثانية (815) * فلأنها (816) ليست بغريبة * أيضا (817) لأنها ليست مضرة بالأفعال وموجودة في حال االصحة. وقولنا «تنبعث من القلب» تمييز لها عن الحرارة الغريبة * الكائنة في عضو واحد ولم تبلغ أن تستولي على البدن كله كالحرارة الغريبة (818) الموجبة للصداع الاحتراقي. * وقولنا (819) «في العروق الضوارب» تمييز للحمى عن الطاعون الحاصل عن إدفاع مادة عفنة من القلب إلى تحت الأبطين. وقولنا «بواسطة الروح» وذلك لأن الحرارة عرض والعرض يستحيل الانتقال عليه بذاته بل بمحله. وقولنا «مضرة بالأفعال» تمييز لها عن الحرارة الغريبة المنبعثة * عن (820) القلب التي لم تضر بالأفعال مثل الحرارة الحاصلة عند حدوث الغعصب إذا لم * يقو (821) * على إيجاب (822) حمى. وقولنا «الطبيعية» أي الطبيعة المدبرة للبدن. وقولنا «ضررا أوليا» تمييز لها عن نفسها. واعلم أن ابن رشد قد علمها عرفها بتعريف آخر قد أبطلناه في شرحنا الكليات في القانون. وكذلك في هذا الموضع مباحث * أخر قد ذكرناها في ذلك الكتاب (823) لا يليق ذكرها هاهنا.
البحث الرابع
في تقسيم الحمى: * قال (824) الأطباء الحمى تنقسم أولا إلى قسمين بسيطة ومركبة. والبسيطة تنقسم إلى ثلاثة أقسام دقية وعفنية وروحية. والدقية تنقسم إلى ثلاثة أقسام دق بقول مطلق ودبولية ومفتتة. والعفنية تنقسم إلى حمى مرض وحمى غرض. فالغرضية مثل حمى الأورام. والمرضية إلى PageVW5P020A لازمة وإلى مفترة. واللازمةة أربعة: دموية وصفراوية وبلغمية وسوداوية. والدموية إلى نوعين غليانية وهي المسماة عند الأطباء * سونوخس (825) وعفنية * ومدة (826) وهي إلى ثلاثة أنواع: * متزيدة (827) * ومنقصة (828) ومتساوية. والصفراوية إلى * محرقة وغب دائمة (829) ، والبلغمية * إلى (830) ثلاثة أنواع اللثقة * وهذه (831) إلى * الخالصة (832) وغير * الحالصة (833) والنهارية واليلية. والسوداوية إلى أربعة أنواع السوداوية مطلقا والخمس والسدس والسبع. والمفترة إلى ثلاثة أنواع صفراوية وبلغمية وسوداوية. وكل واحد من هذه إلى * خالص (834) وغير * خالص (835) ، * والخالص (836) من الحميات الصفراوية أقصر مدة من غير * الخالص (837) . وباقي الحميات بعكس هذا * اللهم إلا (838) أن يكون المخالط بعضها لبعض. والروحية تنقسم ثلاثة أقسام. فإن الأرواح ثلاثة: * طبيعية (839) ، وتخصها سبعة: التحمية والجوعية والعطشية والاستحصافية والقشفية والورمية والسددية؛ والحيوانية وتخصها أيضا * سبعة (840) : الهمية والغمية والعصبية والفرحية والفزعية والحجلية؛ والنفسانية وتخصها * ستة (841) : الفكرية والسهرية والنومية والوجعية والتعبية والراحية. * فيكون جملتها عشرون قسما. وأما الحميات المركبة فتنقسم إلى قسمين. أحدهما ينقسم إلى أربعة أقسام. أحدها تركيب جنسين متباعدين كحمى الدق مع العفونة. والثاني تركيب جنسين متقاربين كالغب مع الثانية. والثالث تركيب نوعين كالغب مع الدائرة مع الغب الدائمة. والرابع تركيب صنفين كغبين دائرتين أو دائمتين. والقسم الثاني ينقسم إلى ثلاثة أقسام. أحدها تركيب مبادلة وهو أن تنوب الثانية عند انفصال الأولى. والثاني تركيب مداخلة وهو أن تنوب الثانية قبل انفصال الأولى. والثالث تركيب مشابكة وهو أن تنوبا معا. قال بعضهم «ويفارقا معا». أقول: هذا لا يتصور لأن المادة إن كانت مختلفة، ففساد ذلك ظاهر. وإن كانت من نوع واحد كالصفراء مثلا، فالحميات الحادثتان عنها إن كانت مادتها داخل العروق، فهما في الظاهر حمى واحدة لا حماتان (842) لأنهما * تأتيان (843) معا فارقتا معا. ولذلك إن كانت مادتهما خارج العروق وإن كانت مادة أحدهما داخل العروق والأخرى خارجها، ففساد ذلك أيضا ظاهر. فإن التي داخل العروق تكون بنوبتها طويلة بالنسبة إلى التي خارجها. فإن الصفراوية الخارجة إذا انقضت في الرابع، انقضت الداخلة في السابع. إذا عرفت هذا، فنتكلم في الحميات الحادة. نقول أولا إن أريد بالحاد القصير المدة، فحمى يوم حادة. وإن أريد إلا ما كان كذلك وكان شديد الخطر، لم تكن حمى يوم حادة. فعلى التقدير الأول يكون الحميات الحادة على نوعين: خلطية وروحية. والخلطية على نوعين: صفراوية ودموية. وعلى التقدير الثاني تكون الحميات PageVW5P020A الحادة على نوعين: دموية وصفراوية. والدموية على نوعين: عفنية وغير عفنية. والعفنية هي المسماة عند الأطبأء بالمطبقة. وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: متزيدة ومتنقصة ومتساوية. قال الأطباء وذلمك لأن الدم المتعفن لا يخلو إما أن يكون مساويا للمتحلل منه أو أزيد أو أنقص. فإن كان الأول، فهي الحمى المسماة بالمتساوية. وإن كان الثاني، فهي المتزيدة. وإن كان الثالث، فهي المتنقصة. قالوا: والعلة في ذلك من وجوه ثلاثة. أحدها من جهة الهيئة البدنية. وثانيها من جهة القوة المدبرة للبدن وثالثها من جهة المادة . أما الأول فإنه متى كانت السخنة متخلخلة، كان التحلل من المادة أكثر من المتعفن وكانت الحمى متنقصة. ومتى كانت متكاثفة، كان الأمر بالعكس. فكانت الحمى متزيدة. ومتى كانت معتدلة في ذلك، كانت الحمى متساوية. وأما أمر القوة فإنها متى كانت قوية بادرت إلى تحليل المتعفن ودبت عن غير المتعفن، فكانت الحمى منتقصة. ومتى كانت ضعيفة، كان حال المادة بالعكس وكانت المادة متزيدة. ومتى كان حالها متوسطا بين ذلك، كان الحمى كتوسطة. وأما أمر المادة فإن الدم متى كان كثيرا وكان قابلا للعفن ثم عفن حر منه، سرت العفونة إلى جميع أجزائه، وكان المعفن أكثر من المتحلل، فكانت الحمى متزيدة. ومتى كان حالها بضد ذلك، كانت الحمى منتفضة. ومتى كان متوسطا بين ذلك، كانت الحمى متساوية. والعلة في اختصاص الحمى الدموية بذلك اجتماع سمى العفن في الدم وهما القابل والفاعل. فالفاعل متى كان مساويا للقابل في قبوله، كان المتعفن مساويا للمتحلل، فكانت الحمى متساوية. ومتى كان الفاعل في فعله أقوى من القابل في قبوله، كان المتحلل أكثر من المتعفن، فكانت الحمى منتقضة. ومتى كان الأمر بالعكس كانت متزيدة. واعلم أن الأطباء مختلفون في الدم إذا عفن: هل يتغير عن صورته الدموية أو يبقى على ما هو عليه؟ ذهب الفاضل جالينوس إلى أنه إذا عفن، صار لطيفة صفراء وكثيفة سوداء، وتكون الحمى الحادثة عنه من قبل الحميات الصفراوية على ما صرح في كتابه المعنون بالحميات وعينا تلك المواضع المنقولة عنه في شرحنا لكليات القانون. ووافقه على ذلك من المتأخرين القاضي أبو الواليد بن رشد. وذهب الإمام أبقراط إلى أنه إذا عفن لم يتغير عن صورته الدموية البتة. وواقفه على ذلك من المتأخرين الشيخ الرئيس وصاحب الكامل وابن أبي صادق. واستدل جالينوس على صحة ما ذهب إليه بوجه وهو أن ذات الجنب إذا كانت عن مادة دموية، يراها يشتد غبا. فلو لم يكن الدم، انتقل إلى طبيعة الصفراء. وإلا، كيف صار ينوب غبا؟ والدليل على كون المادة الموجبة لذلك دموية حمرة لون الثقب. واعلم أن الحق في هذه المسئلة مع الإمام أبقراط وشيعته. قال الشيخ الرئيس في الكتاب الرابع من القانون حيث تكلم في حميات العفن: «هذا القول من الفاضل جالينوس مخالف للحق ولكلام أبقراط». فجعل الشيخ كلام أبقراط عديلا للحق. والدليل على ذلك من وجوه أربعة. أحدها ما ذكره الشيخ في الموضع المذكور وهو أن صيرورة الدم صفراء لا يخلو إما أن تكون في حال العفن أو بعده. فإن كان الأول، فهو باطل لأن العفن استحالة وهي كحركة وكل حركة فهي محتاجة إلى زمان ومن المستحيل PageVW5P020B أن يصير صفراء في زمان الاستحالة. بل إن كان ولا بد، فلا يكون كذلك إلا بعد الاستحالة. وإن كان الثاني وهو أن يصير صفراء هذا العفن، فهو أيضا باطل. وذلك أنه إذا عفن وصار لطيفة صفراء وكثيفة سوداء، لا يلزم أن يكونا عفنين، * إذ (844) لو لزم ذلك، يحصل أيضا عن السوداء حمى. فيكون هناك حميات صفراوية وسوداوية لا صفراوية فقط. بل نقول لا يلزم أن يكون من العفن ما هو عفن، فإنه قد يحصل من العفن ما هو خال من العفن كما يتولد من العفونات حيوانات صحيحة تامة التركيب في نوعها. وثانيها لو صار الدم عند عفنه صفراء لنابت نوائبها والوجود بخالفه. فإنا قد نرى المطبقة مستمرة الأخذ في نوائبها. وما ذكره الفاضل جالينوس من أمر ذات الجنب قال الأطباء: أكثر ما يكون ذات الجنب عن مادة صفراوية لطيفة أيضا، وذلك لصفافة الغشاء الذي هو محل الورم. فلا ينفذ فيه إلأ اللطيف من الأخلاط. وإن حصل ذلك عن دم فيكون نادرا ويكون قد خالطه مع ذلك صفراء تنفذه وتداخله في خلل العضو المذكور. وأما استدلاله بحمرة لون النفث على أن المادة دموية، فتقول: ولون الصفراء أيضا أحمر، فإن كان قد خالطها دم، فيكون فانيا، وإن كانت بمفردها فيكون ناصعا. وثالثها أنه لو صار الدم عند عفنه صفراء، لكانت أعراضه عند ذلك أعراض الصفراء عند عفنها، والوجود يخالفه. فإن القارورة فيها حمرة فانية كدرة القوام وطعم الفم حلو ولون السخنة شديد الحمرة إلا أن الفم يصير مرا والقارورة فيها حدة ولونها أصفر وغير ذلك من أعراض الصفراء. ورابعها لو صار الدم عند عفنه صفراء، لكانت مداواة حماه مداواة الحمى الصفراوية والوجود يخالفه. فإن الدموية تعالج بالفصد. قال جالينوس إني نحرته بذلك نحرا. وإن فصدنا، فذلك لإخراج شيء منها مع الدم وما يبرد ويرطب، هذا أمر الحمى الدموية العفنية. وأما الحمى الدموية الغليانية وهي المسماة عند الأطباء «سونوخس»، فجالينوس روى أنها من قبل حمى يوم. قال «وذلك لأنها خالية من العفن». والحق أنها غير حمى يوم وغير حمى عفن وغير حمى دق. أما أنها غير حمى يوم، فمن وجوه ستة. أحدها أن حمى * يوم (845) في الأكثر * تفارق (846) في يوم واحد. * ولذلك (847) سميت بهذا الاسم، * وسونوخس (848) يمتد إلى سبعة أيام. * وثانيها (849) أن حمى يوم * تفارق (850) في * واحد (851) * بغير (852) استفراغ محسوس * وسونوخس (853) * لا بد في علاجها من (854) الاستفراغ * ثم (855) تبديل المزاج. * وثالثها (856) أن حمى يوم لا * يحصل (857) فيها * من اختلاف النبض ما يعيد به (858) * وسونوخس يؤخذ فيها ذلك ظاهرا (859) . * ورابعها أن حمى يوم متعلقة بالأرواح وسونوخس متعلقة بالدم. وخامسها أن حمى يوم لا يتغير فيها السخنة لا في لونها ولا في ملمسها تغييرا يعيد به وسونوحس لا بد من حصول ذلك فيها. وسادسها أن البول في حمى يوم كما هو في حال الصحة أو فيه ميل إلى الاترجية وفي سونوحس مائل إلى حمرة ظاهرة. وربما كان فيه كدورة (860) . * وأما أنها غير حمى عفن فمن وجوه ثلاثة (861) . * أحدها أن سونوخس خالية من العفن بخلاف حمى العفن (862) . * وثانيها أن سونوخس لا يحتاج فيها إلى تواتر الإسهال كما يحتاج إليه حمى العفن. وثالثها لا تكون القارورة فيها مملئة كما هي في خمى العفن (863) . وأما أنها * غير (864) حمى دق * فمن وجوه (865) * ثمانية (866) . PageVW5P021A أحدها أن * النبض في سونوخس موخي لرطوبة المادة وفي الدق صلب دقيق. وثانيها أن البول في سونوحس يكون قانيا وربما كان ناصعا كدرا غليظا وفي حمى الدق يكون صافيا وربما كان دهينا. وثالثها أن الحرارة في سونوخس تستمر على حالة واحدة وفي الدق تشتد بعد أخذ الغذاء على ما ستعرفه في المقالة الثالثة في شرح قوله الخريف لأصحاب السل رديء. ورابعها أنذ سونوخس ينقضي في سبعة أيام والدق يمتد زمانا طويلا (867) . وخامسها أن سونوخس يحتاج في علاجها إلى الفصد ثم تبديل المزاج والدق من حيث هي دق لا يحتاج إلى تبديل المزاج. وسادسها أن سونوخس تكون فيها السخنة ممتلئة منتفخة وفي الدق نحيفة منخرطة. وسابعها أن سونوخس متعلقة بالأخلاط والدق متعلقة بالأعضاء. وثامنها أن سونوخس الحرارة فيها تائرة قوية وفي الدق هادئة ساكنة إلأ بعد الغذاء لما * ستعرفه (868) . * والحق أنها من قبل الحميات الخلطية غير أن الأطباء إذا قسموا الحميات على وجه كانت أقسامها ثلاثة. أما الوجه الأول فهو أن يقال الحميات روحية وخلطية ودقية. وأما الوجه االثاني فهو أن يقال الحميات روحية وعفنية وعليانية ودقية، فتكون أربعة أقسام. ولكل واحد من الوجهين. أمأ الأول فيقال الحميات إما أن تكون مادتها ذات قوام أو لا يكون. فإن كان الثاني، فهي حمى يوم. وإن كان الأول، فتلك المادة إما سيالة أو جامدة. فإن كان الأول، فهي حمى خلط. وإن كان الثاني، فهي حمى دق. وأما الوجه الثاني (869) * فيقال (870) الحمى لا تخلو إما أن تكون متعلقة بالأعضاء أو لا تكون. فإن * كان الأول (871) ، فهي حمى الدق. وإن * كان الثاني (872) ، فلا يخلو إما أن يكون معها عفن أو لا يكون * معها عفن (873) . فإن كان * الأول (874) ، فهي حمى * العفن (875) . وإن * كان الثاني (876) ، فلا يخلو إما أن يكون * لمادتها (877) قوام أو لا يكون. فإن كان الأول، فهي سونوخس. وإن كان الثاني، فهي حمى يوم. * وأما الحميات الصفراوية فتنقسم إلى دائمة، وهي التي تكون مادتها داخل العروق، وإلى مفترة وهي التي تكون مادتهما خارج العروق. وتلك المواضع هي فرج الأعضاء. وكل واحد منها ينقسم إلى خالص وغير خالص. فالدائمة الخالصة إن كانت مادتهما قريبة من القلب، سميت الحمى المحرقة. وذكر أبقراط في أبيدميا أن هذه أيضا تحدث عن بلغم مالح، وكذلك جالينوس في تفسير المقالة الثالثة من الأمراض الحادة لأبقراط. ومعنى قولنا «خالصة» أي تكون مادتهما صفراوية فقط لا يخالطها بلغم؛ والغير الخالصة وهي أن يخالطها بلغم اختلاط اتحاد. وهذه الحمى تكون طويلة المدة. وقولنا «اختلاط اتحاد» لتمييز الغب غير الخالصة عن شرط الغب. فإن مخالطة البلغم للصفراء في سطر الغب تمييز لا اختلاط اتحاد. وهو ينقسم إلى أربعة أقسام. أول تم يتفرع إلى إثني عشر قسما. وذلك لأن البلغم إما أن يكون يكون داخل العروق والصفراء خارجها أو بالعكس وإما أن يكونا داخل العروق أو خارجها. وكل واحد من هذه، أما أن يكون البلغم فيه مساويا للصفراء في المقدار أو أزيد أو أنقص. فتبلغ الأقسام عند ذلك إلى إثني عشر قسما. والمسمى بالخالص منها هو الأول من الأربعة. والعلامة الخاصة بهذا النوع أن تكون إحدى النوبتين أقوى من الأخرى. وذلك لاجتماع نوبة الصفراء مع نوبة البلغم الدائمة (878) .
البحث الخامس
في معنى الدور. الدور عند الأطباء عبارة PageVW5P022A عن زمان الأخذ والترك. ثم هذا القدر يختلف باختلاف المادة الموجبة * لها (879) . فزمان أخذ السوداوية أربع وعشرون ساعة وتركها * ثمان (880) * وأربعون (881) ساعة. فيكون الدور الواحد من أدوارها * اثنان وسبعون (882) ساعة. والبلغمية أخذها ثمانية عشر ساعة وتركها ست ساعات. فيكون دورها أربعة * وعشرون (883) ساعة. والصفراوية أخذها * إثنتا (884) * عشرة (885) ساعة وتركها * ست ثلاثون (886) ساعة. فيكون دورها * ثمان وأربعون (887) ساعة. واعلم أن الحكم * في مدة (888) الحميات المذكورة بحسب الأكثر وغالب الأحوال. وإلا فقد تنوب * الصفراوية (889) * ست ساعات (890) وأكثر من ذلك. * وكذلك (891) الكلام في * السوداوية والبلغمية (892) .
البحث السادس
في علة اختلاف أدوار الحميات المذكورة. نقول العلة في هذا منحصرة في * وجوه ثلاثة (893) . أحدها سهولة * تجمع (894) الخلط العفن إلى مستوقد العفونة أو عسر تجمعه. ويؤخذ ذلك من مقداره. وثانيها سهولة تعفنه * وعسره (895) . ويؤخذ ذلك من كيفيته أعني حرارته ورطوبته * أو مما يقابلهما (896) . وثالثها سهولة استفراغه * عن (897) البدن * وعسره (898) . ويؤخذ ذلك من قوام الخلط أعني غلظه * ولزوجته (899) أو مما يقابلهما. * وإذا (900) عرفت هذا، فنقول: البلغم لما كان سهل التجمع لكثرة مقداره، سهل التعفن لرطوبة مزاجه وفيه حرارة من العفن * ما (901) يكفيه في ذلك كان عسر التحلل بسبب لزوجته وغلظ قوامه، صارت حماه تنوب وتفتر على ما ذكرنا. والسوداء لما كانت عسرة التجمع بسبب * قلة (902) مقدارها عسرة التعفن لبردها * وتبسطها (903) سهلة التحلل لعدمها اللزوجة، صارت الحمى الحادثة عنها تنوب وتفور على ما ذكرنا. والصفراء لما كانت متوسطة بين ذلك لأنها إذا قيست إلى البلغم، كانت أعسر تجمعا منه لقلتها * بالنسبة إليه (904) وأعسر تعفنا * منه (905) ليبسها وأسهل تجللا منه للطافتها وحرارتها. وإذا قيست إلى السوداء، كانت أسهل تجمعا منها لكثرتها بالنسبة إليها وأسهل تعفنا لحرارتها ولأنها رطبة بالنسبة إليها وأسهل تحللا منها للطافتها. ولذلك صارت * الحمى (906) تنوب وتفتر على ما * ذكرتا (907) .
البحث السابع:
اعلم أن غرض أبقراط بهذا الحكم * أنه (908) لا يجب أن يعطى الغذاء عند اشتداد الحالة المرضية في أي وقت كان كليا أو جزئيا. وذكر في منع الغذاء الجزئي الحمى ذات الأدوار على سبيل المثال، وإلا فالحميات الدائمة الواجب منع الغذاء فيها عند اشتدادها واستعماله عند خفتها. فإن قيل فما الفائدة في ذكر الدور، وكان يمكن أبقراط PageVW1P056B أن يقول وإذا كان * للحمى (909) نوبة الحمى، فامنع فيها الغذاء؟ قلنا: * وذلك (910) لأن الحميات قد تكون لها نوائب ولا تكون لها أدوار وذلك عند اتصال نوائبها * وهو عندما (911) تنوب النائبة عند * انفصال (912) الأولى. ومثل هذه لا يكون فيها راحة فلا يكون لها دورز * فيغذى (913) في وقت النوبة خوفا من سقوط القوة. وحكم أبقراط هاهنا إنما يصح ونستعمله عند الأمن من حهة القوة وهو أن تكون قوية، وإلا فقد يستعمل الغذاء في وقت النوبة عندما يخاف سقوطها.
البحث الثامن
في علة المنع من استعمال الغذاء في وقت النوبة. وذلك من وجوه ثلاثة. أحدها أن الحرارة تشتد لاجتماع حرارة الحمى مع حرارة الطبخ. وثانيها أن الحرارة الغريزية والقوى الطبيعية في مثل PageVW5P022A هذا الوقت تكونان مغمورتين بالمادة الموجبة للنوبة. فإذا ورد الغذاء على البدن في مثل هذا الوقت، زاد القوة إعمارا * فتكون (914) حالها في مثل هذا الوقت حال النار اليسيرة إذا وضع عليها حطب كثير. وثالثها أن الطبيعة المدبرة للبدن عند ورود ذلك الغذاء إلى البدن إما أن يتوجه إلى جهة الغذاء * بكنهها (915) طلبا لهضمه وإحالته أو لا يتوجه. فإن كان الأول، اشتغلت بذلك عن تدبير مادة المرض * في (916) مثل هذا الوقت * فيستولي (917) المرض عليها ويقهرها. وإن كان الثاني، كان فعلها في كل واحد منهما أقل من فعلها * مما لو (918) انفردت به. وهذا في غاية الرداءة لأن الغذاء * في (919) هذه الصورة لم ينهضم * على ما ينبغي (920) ومادة المرض لم تقاوم على ما ينبغي. وحينئذ يتولد من الغذاء فضلات تزيد في مادة المرض ويتضاعف البلية. وقد علمت أن الحميات على نوعين: * حميات لها (921) فترات * وملازمة (922) . فما كان منها من القبيل الأول، فالواجب أن يكون الغذاء * فيها (923) في حال الفترة لا * في (924) النوبة لما * بيناه (925) . وما كان منها من القبيل الثاني، جعل وقت الغذاء فيها إما الأبرد من النهار وإما عند * انتقاص (926) الحرارة فيها. فإن الحميات الدائمة لها اشتداد ونقص.
12
[aphorism]
قال أبقراط: إنه يدل على نوائب المرض * ومرتبته ونظامه (927) الأمراض أنفسها وأوقات السنة وتزيد الأدوار بعضها على بعض نائبة كانت في كل يوم أو * يوما (928) ويوما لا أو في أكثر من ذلك الزمان والأشياء التي تظهر * من (929) بعد. ومثال ذلك ما يظهر في أصحاب ذات الجنب. فإنه إن ظهر النفث فيهم بديا منذ أول المرض، كان المرض قصيرا. وإن تأخر ظهوره، كان المرض طويلا. والبول والبراز والعرق إذا ظهرت بعد، فقد تدلنا على جودة بحران المرض ورداءته وطول المرض وقصره.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث عشرة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (930) بما قبله وهو أن الإمام أبقراط لما بين * لنا (931) الأوقات التي يجب منع الغذاء فيها * وهي (932) منتهى * المرض (933) ونوائب الحميات، * فإن (934) الغذاء يقدر بحسب مدة المرض في طوله وقصره، شرع في هذا الفصل يبين لنا ما يعرف به ذلك أي وقت النوبة ومنتهى المرض. وأما النطام فإنه * يسيق (935) * لنا منه (936) كلام فيه، * أو نقول (937) العلم به مأخوذ من العلم بالقوة ومن المرض نفسه. أما من القوة فإنها متى كانت قوية على المرض وأثرها فيه ظاهر، كان * ذلك (938) المرض منتظما. وذلك لاستيلائها * وقوتها (939) عليه بحيث أنه لا يغلبها ويخرج بها عن النظام كما إذا كانت ضعيفة. وأما من المرض فإن مادته متى كانت بسيطة، كانت نوائبه جارية في الأخذ والترك على نمط واحد. ومتى كان فيها تركيب، كان أمرها بخلاف ذلك. فلما كان حاله كذلك، ترك الكلام * فيها (940) اتكالا منه على ما ذكرنا. ومما ذكرنا يعرف مراده بالنظام. وأما الفاضل جالينوس فإنه لم يفرق بين مرتبة المرض ونطامه فإنه قال في تفسير هذا الفصل الأمراض نفسها تدل على تناسب نوائب الحميات وعلى نظامها كالغب يدل أن المرض قصير والبحران يأتي سريعا. وقال أيضا أما نظام المرض فهل هو حاد جدا أو مزمن؟ ومن هذا يعلم أنه لا فرق بينهما عنده. قال ابن أبي صادق عنى بالمرتبة حال المرض في الحدة والزمانه. وعنى بالنظام تأليف المرض * في (941) أوقاته كما ذكر في أبيدميا أن لكل واحد من الحميات نظاما. فإن الحمى قد تأخذ PageVW5P022B بقوة وتبلغ غايتها في الشدة ثم تخف عند البحران * وربما (942) تبتدئ وهي هادئة ثم * تستصعب (943) كل يوم إلى * أن تنتهى (944) غايتها عند البحران. واعلم أن هذا الكلام بعيد من الغرض لأن غاية ما ذكره * هو (945) أن الأمراض نظاما وليس هو المطلوب هاهنا بل المطلوب هو أنه كيف * تدل (946) * الأمراض (947) أنفسها على النظام وعدم النظام، وهو لم يأت به.
البحث الثاني
في كيفية * دلالة (948) الأمراض على الأمور المذكورة. أما على * النوائب (949) فظاهر. وذلك PageVW1P057A * أنه (950) إذا علم أن الحمى صفراوية، علم منها أنها تنوب غبا. * وإن (951) علم أنها بلغمية، علم منها أنها تنةب كل يوم. * وإذا علم أنها (952) سوداوية، * علم منها أنما (953) تنوب يوما ويومين لا. وأما على مرتبة المرض فإنه متى علم أن المرض صفراوي خالص، علم منه أنه قصير المدة فكان حادا. ومتى كان سوداويا أو بلغميا، علم منه أنه طويل المدة فكان مزمنا. وأما على نظامه فهو أن المرض إذا كان حادثا عن مادة واحدة، كانت نوائبه آتية على نمط واحد ومنهاج مستو . فهذه كيفية * دلالة (954) الأمراض على الأمور * الثلاثة (955) التي أشار إليها.
البحث الثالث
في علة كيفية دلالة أوقات السنة على ذلك: أما على النوائب * فقال (956) جالينوس إن نوب الحمى في الصيف في الأكثر غبا وفي الخريف ربعا وفي الشتاء كل يوم. قال * هذا (957) إذا كان ابتداء الحميات المذكورة في الفصول المذكورة. وذلك لأن لكل واحد من الفصول الأربعة مادة مخصوصة وللأمراض الحادثة عنها * نوائب (958) مخصوصة. فمتى علم اختصاص كل فصل * بمادته المخصوصة (959) ، علم نوائب الأمراض * الحاصلة (960) فيه. وأما دلالتها على مرتبة المرض * فمعلوم (961) مما ذكرنا وهو أن أمراض الصيف قصيرة المدة. ولذلك حكم * الأوحد (962) أبقراط بقصر الربع الصيفية وطول الخريفية. وذلك لأن هواء * الصيف (963) حار يخلخل المسام ويرقق المادة ويهيئهاعلى التحلل. فإن وجد القوة قوية، أعانها على تحليل مادة المرض، فكان قصيرا. وإن وجدها ضعيفة، أعان على إسقاطها بالتحليل. وأما على النظام فإن أوقات * السنة (964) متى كانت آتية على واجبها لازمة لنظامها، كانت حركة الأمراض الحادثة فيها آتية على نسق واحد ونمط متشابه، فكانت منتظمة. وأما إذا كان الوقت مختلفا، لم تكن الأمراض الحادثة فيه كذلك. وذلك لوجهين. أحدهما اختلاف المواد الحادثة فيه عند اختلاف هوائية لأنك قد عرفت أن لكل هواء فصل مادة * مخصوصة (965) . وثانيهما أنه متى كان كذلك، قاوم الطبيعة في حركاتها وأفعالها. وذلك أنه إذا مال الصيف مثلا في بعض أوقاته إلى برد قوي، أخر النضج وأبطأ بتحليل المادة * وترقيقها (966) . وحينئذ يتأخر البحران فتكون الأمراض الحادثة فيه غير منتظمة. واعلم أن السن والبلد والعادة والمهنة والسخنة والتدبير المتقدم حكمها في دلالتها على الثلاثة المذكورة كحكم الفصل. فإن من كلن سنه سن الشباب، * كان أكثر (967) أمراضه صفراوية * فكانت (968) تنوب غبا وهي قصيرة المدة وكانت حادة وجارية على نمط واحد متى لم تخالطها مادة أخرى * فكانت (969) منتظمة. ومن كان سنه سن الكهولة أو الشيخوخة، * كان (970) أكثر أمراضه بلغمية وكان حالها كذلك. * ومن (971) كان مسكنه بلدا حارا أو باردا، كان أكثر أمراضه * صفراوية (972) PageVW5P023A حارة أو باردة * فكانت (973) * تنوب (974) غبا أو نائبة أو ربعا، وكانت على قياس ما ذكرنا. ومن كان صناعته الحدادة والقصارة * والملاحة (975) ، كانت أمراضه إمأ صفراوية وإما بلغمية وكانت على قياس ما قلناه. ومن كانت سخنته متخلخلة أو مستحصفة، كانت أكثر أمراضه قصيرة المدة أو طويلة. وكانت على قياس ذلك وكذلك الحال في التدبير المتقدم.
البحث الرابع
في الاستدلال على ذلك من تزيد الأدوار: اعلم أن دلالة تزيد الأدوار على الأمور المذكورة تفهم على وجهين. أحدهما ما ذكره الفاضل جالينوس بعد أن تعلم أن مراده * هنا (976) * بالدور (977) النوبة. فإن تزيد * النوبة (978) يعرف من ثلاثة أشياء: تقدم وقتها وطولها وعظمها وشدتها. وهذه الثلاثة إنما تعرف بالقياس إلى نوبة أخرى تقدمت في وقت معلوم. فمتى تقدم وقت النوبة * الثانية (979) عن الأولى * سواء (980) كانت الحمى غبا أو ربعا أو نائبة، * ولبثت (981) زمانا أطول وكانت في ذاتها أشد وأعظم، دل ذلك على تزيد المرض وقوة حركته وقرب منتهاه. فإن انفرد بعض هذه الثلاثة، دل * على (982) ذلك لكن أقل من دلالة الأول. * ودلالة (983) ذلك على المرتبة * ظاهر (984) . فإن * النوائب (985) متى كانت أخذه في * التزيد (986) ، فالمنتهى قريب والمرض قصير المدة. ومتى كان بالعكس، فالعكس. وأما دلالته على النظام * وخلافه (987) فإن التزيد في النوبة إذا كان على نسبة معمولة، كان المرض منتظما. ومتى لم يكن كذلك، كان غير منتظم. واعلم أن الأدوار على هذا التأويل ليس لها دلالة على * النوائب (988) لتقدم العلم بها على العلم مبالتزيداللهم إلا أن يقال إن المرض متى كان منتهاه شديد التقدم، كانت * نوائبه (989) في الأكثر غبا. ومتى كان بالعكس، كانت ربعا أو نائبه. فيكون تزيد الأدوار بهذه الطريقة دالا على * النوائب (990) . الوجه الثاني قد عرفت أن لكل واحد من الحميات * دورا مخصوصا (991) ، فمتى رأينا حمى دورها PageVW1P057B على ما ذكرنا علمنا منه أنها تنوب غبا أو ربعا أو كل يوم وأنها قصيرة المدة أو * طويلتها (992) * وأنها (993) منتظمة أو غير منتظمة. فقوله نائبة كانت في كل يوم يريد به البلغمية أو يوما ويوما لا يريد به الصفراوية الدائرة الخالصة أو في أكثر * من ذلك (994) . الزمان يريد به الربع الدائرة والخمس والسدس والسبع.
البحث الخامس
(995) في بيان الاستدلال على ذلك من النفث. أما النفث فإنه يدل على ذلك بلونه وبقوامه وبمقداره وبوقت خروجه وطعمه وبرائحته. أما لونه فإنه متى كان أصفر، دل على استيلاء المواد الصفراوية وأن * النوائب (996) * غب (997) في الأكثر والمرض قصير المدة. فإن كان خالص الصفرة بحيث لا يشوبه لون آخر، كان المرض منتظما، وإلا فهو غير منتظم. وأما قوامه فإنه متى كان متشابه الأجزاء بحيث أنه لا يخالطه شيء آخر يوجب اختلاف قوامه، دل * ذلك (998) على أن المرض من نوع تلك المادة. وعرف من ذلك * نوائب (999) المرض ومرببته ونظامه. وأما مقداره * فمتى (1000) كان كثير المقدار بحيث أنه لم * يكن (1001) * للكثرة (1002) ، * فهو دليل (1003) على قوة القوة وانطياع المادة للاندفاع. ومثل هذا يدل على قصر PageVW5P023B * مدة (1004) المرض وأنه ينوب غبا في الأكثر. ومتى كان قليل المقدار، فهو دال على طول مدة المرض وأنه ينوب ربعا أو نائبة. وأما وقت خروجه فإنه متى كان * خروجه (1005) بعد ظهور علامات النضج * وكانت هذه العلامات متقدمة (1006) ، دل * ذلك (1007) على أن المرض قصير المدة وأنه * ينوب في الأكثر (1008) غبا. ومتى كانت متأخرة، دل على طول المرض وأنه ينوب في الأكثر ربعا أو نائبة. وذكر ذات الجنب في هذا الموضع على سبيل المثال لكن قوله بديا وقد علمت أن مراده بهذه اللفظة الأيام الأول من * مرضه (1009) وخروج النفث في مثل هذا الوقت تارة يكون لكثرة المادة وتارة يكون لاستيلاء القوة. والفرق بينهما من وجوه أربعة. أحدها أن الأول لا يكون النفث معه نضيجا والثاني * نضيجا.والثاني (1010) أن الأول لا يكون متشابه الأجزاء والثاني يكون كذلك. والثالث أن الأول لا يسكن به الألم والثاني يسكن به. والرابع أن الأول مجيئه في * غير (1011) يوم * باحوري (1012) والثاني في يوم * باحوري (1013) . واعلم أن الإمام أبقراط لما أورد ما * ذكرنا (1014) على سبيل المثال، لم يحتج إلى استقصاء القول فيه بل اكتفى بأخذ ما يدل على ذلك.
البحث السادس
في بيان * دلالة البول على ذلك (1015) : البول يدل دلالة واضحة على معظم أحوال البدن، وإن كان في هذا القدر خلاف. ولنبسط القول في هذا الباب. فنقول: * اختلف (1016) الأطباء في دلالة البول على أحوال البدن. فقال بعضهم إن دلالته على جملة الأعضاء بالذات. قال: وذلك لأن البول ينفذ مع الدم إلى جهة الأعضاء جميعها ثم يرجع * القهقري (1017) إلى المثانة ويستحصب ما * (1018) عندها من الفضلات والمواد وحينئذ يدل على أحوالها لا بواسطة أعضاء أخرى. وتدل على النفوذ المذكور وجوه ثلاثة. أحدها أنا نرى المحتصبة بالحناء ينصبغ بولها ويتغير عن واجبه. وثانيها أن من * كثر (1019) عرقه، قل بوله وبالعكس. ويدل على ذلك حال الأبدان في الصيف وعند الحركة وفي الحمام. وثالثها * أنا نرى (1020) أن العرق شبيه بالبول في اللون والقوام * والطعم (1021) . ومنهم من قال إن دلالته على آلات الغذاء بالذات وعلى ما عداها بواسطتها. قال: فإنها هي المغيرة له في قوامه ولونه. أما الأول فالمعدة * وأما الثاني فالكبد (1022) . فمثل هذه متى كانت سليمة، كان البول على ما ينبغي. ومتى كانت مؤوفة، تغير البول. واعلم أن هذين * القولين (1023) * فيهما نظر. أما الأول فإنه لا شك أنه يدل على أن (1024) البول ينفذ إلى جملة البدن لكن ليس فيه ما يدل على أنه * يدل على جملة (1025) الأعضاء بالذات. فإنه يحتمل أن يدل * على البعض منها بواسطة البعض. وأما الثاني فإنه ضعيف أيضا فإن البول، وإن كان يدل (1026) بلونه وبقوامه، فقد يدل برسوبه. وهذا منه من جهة الأعضاء كافة. فإن الرسوب فضلات الأعضاء من الهضم الرابع على ما أوضحناه في كتبنا المبسوطة. والحق أن له دلالة على الأعضاء * كلها (1027) لكن دلالته PageVW5P024A على آلات الغذاء أقوى وأبلغ. * وإذا (1028) عرفت هذا، فنقول: البول يدل على الأعضاء بلونه وبقوامه وبمقداره وبرسوبه * وبصفائه (1029) * وبكدورته (1030) وبرائحته. ومنهم من زاد * المأخوذ من ملمسه والمأخوذ من طعمه وهذا أن لا حاجة إليهما (1031) . أما الطعم فلأنه متى غلب عليه، دل استيلاء * المادة (1032) PageVW1P058A الموجبة له، وحينئذ تفيده لونا. ومدرك اللون أقوى * مدرك (1033) في إدراكه لمدركاته من * مدركات (1034) الطعوم لمدركاته لأنه ألطف وأشد نفوذا في ذلك. وإذا كان كذلك، * فالاعتماد (1035) عليه أولى من الاعتماد على غيره. وأما * المأخوذ من اللمس (1036) فهو في غاية الضعف. وذلك أنه قد يدل على الحرارة ويكون البول في نفسه يدل على البرودة. كما إذا بيل البول وكان أبيض ولمس حين خروجه فإنه مثل هذه الصورة يكون كذلك. وأما باقي الأمور: أما اللون فمتى غلب عليه لون من الألوان وكان خالصا ولم يكن لصابغ ورد على البدن لا من داخل ولا من خارج ولا لألم مبرح، دل على غلبه مادة من المواد. ومن ذلك يعلم * النوائب (1037) والمرتبة والنظام. وأما القوام فإنه متى كان غليظا وكان من نوع واحد، فإنه * يحصل (1038) ما يحدث عنه على ما ذكرنا. ومتى لم يكن كذلك، كان خال من ذلك على ما ذكرنا. وأما المقدار قكثرة البول تارة تكون لاستيلاء الذوبان وتارة تكون لضعف القوة الماسكة عن مسكه وتارة تكون * لكثرة (1039) المادة وتارو تكون لدفع الطبيعة له وتارة تكون لكثرة المشروب * وقلته (1040) لإضداد ذلك. ومن كان فطنا لم يعسر عليه معرفة * النوائب (1041) والمرتبة والنظام من * ذلك (1042) * واستخراج ذلك (1043) * مما (1044) بقي من * الأمور (1045) ، * وكذلك معرفة النوائب والمرتبة والنظام ما بقي من الأمور الأخر (1046) .
البحث السابع
في بيان دلالة البراز والعرق على ذلك. أما البراز فمظم دلالته على أحوال المعدة والمعاء والكبد. ثم * هذا (1047) يدل على ما ذكره أبقراط بولنه وبقوامه وبمقداره وبوقت خروجه. واستخراج دلالته هذه على ذلك ظاهر قياسا على البول. وأما العرق فإنه يدل بقوامه وبلونه وبرائحته وبطعمه * وبملمسه (1048) وبمقداره وبما يعقبه من الأعراض وباليوم الذي يحدث فيه ويسبوغه * للبدن (1049) واختصاصه بعضو دون عضو. أما اللون فقد * عرفت (1050) ما يدل * عليه (1051) من النوائب والمرتبة والنظام. وأما القوام فإنه متى كان لزجا يرتصق باليد عند وضعها عليه، دل على غلبة المواد البلغمية. وقد علمت * أن ما (1052) يحدث عنها ينوب في كل يوم وطويل المدة. فإن كانت المادة الموجبة له خالصة، كان الحادث عنها منتظما. وأما الرائحة فإنها متى كانت حادة، دلت على حدة المواد والأمراض الحادثة عن هذه في الأكثر تنوب غبا، ومتى لم تكن حادة، دلت على غلبة * الفجاجة (1053) ، والأمراض الحادثة عن هذه تنوب في الأكثر في كل يوم أو ربعا وهي طويلة المدة. فإن كانت خالصة، كانت الأمراض الحادثة عنها منتظمة. ودلالته * الطعم (1054) معلومة مما ذكرنا وكذلك * اللمس (1055) . وأما المقدار فإنه متى كان كثير المقدار ولم يكن مجيئه في يوم باحوري، دل على كثرة المادة. وقد علمت أن المرض الحادث عن مثل هذه تنوب في الأكثر في كل يوم أو ربعا وهو طويل المدة. فإن كانت المادة من نوع واحد كان منتظما. * والقليل (1056) المقدار بعكس ذلك. وأما قوامه فإنه متى لزجا، PageVW5P024B دل على ما عرفت. ومتى كان * خاليا (1057) من ذلك، دل أيضا على ما عرفت. وأما ما يعقبه من الأعراض فدلالتها على جودة البحران * ورداءته (1058) أقوى من دلالتها على ما ذكرنا. وكذلك اليوم الحادث فيه. وأما سبوغه أو اختصاصه بعضو دون عضو * فإن (1059) الأول * يدل (1060) على كثرة المادة بحيث أنها عمت جملة البدن. * والثاني يدل (1061) على قلة المادة بحيث أنها عجزت عن ذلك. ومن ذلك تعلم * النوائب والمدة (1062) والنظام ثم * يعلم بعد ذلك (1063) ما هي المادة ويعرف منه النوب والمرتبة والنظام.
البحث الثامن:
اعلم أن البول والبراز والعرق ليست من الأشياء * التي (1064) تظهر في المرض بعد أن لم تكن. فإن هذه دائمة الخروج والجريان. فمعنى قوله « * وكذلك البول (1065) والبراز والعرق إذا ظهرت بعد» أي إذا ظهر فيها دلائل النضج بعد أن لم تكن، لأن المفهوم من «بعد» أنها لم تكن موجودة في حال * الصحة (1066) . ولذلك لما كان حال هذه الأمور كذلك، ميزها عن النفث، * فقال (1067) « * وكذلك والبول (1068) والبراز والعرق». وأما النفث فإنه يظهر بعد أن لم يكن لأنه ليس له وجود في حال الصحة.
البحث التاسع
قوله «فقد يدلنا على * جودة بحران المرض (1069) ». اعلم أنه قد جعل دلالته نضج البول والبراز والعرق على عاقبة البحران أقلية لا أكثرية. وذلك حق لوجهين. أحدها أنه يحتمل أن يكون المرض حادثا عن مادة غير المادة الخارجة * من (1070) * أحد (1071) هذه * الطرق (1072) . وإذا كان كذلك، فنضج هذه لم يدل على نضج مادة المرض. فلم تكن سرعة * ظهوره (1073) دليلا على قصر المرض وبطؤ * ظهوره (1074) دليلا على طوله. وذلك كذات الجنب التي ضرب بها المثال. فإن البول * يكون فيها (1075) نضيجا ولا يدل على قصرها. وذلك لأن محل الآفة ليس له فعل في البول البتة لا في لونه ولا في قوامه. وأما في رسوبه PageVW1P058B فشيء لا يعتد به البتة. وثانيهما * أنها (1076) ربما دلت على المرض لكن لا * يلزم (1077) من دلالتها عليه دلالتها على * جودة (1078) البحران لجواز وقوع البحران من غير جهتها كوقوع بالرعاف * أو لحصول مانع (1079) يمنع من جودته. وذلك كامتلاء من غذاء أو سوء تدبير الطبيب أو وجود برد قوي أو حلركة مفرطة أو ورود أمر نفساني. فإن مثل هذه * إذا (1080) وقعت، غيرت البحران عن جودته. فلهذا جعل دلالتها على ذلك أقلية. وأما دلالتها على مرتبة المرض فمعلوم مما ذكرنا. وذلك لأن ظهور النضج متى تقدم، دل على قصر المرض. ومتى تأخر، دل على * طوله (1081) قياسا على النفث.
البحث العاشر:
الإمام أبقراط أطلق القول بدلالة النفث على مرتبة * المرض (1082) وجعل دلالة نضج البول والبراز والعرق على المرض أقلية. وذلك لأن الدائل الدالة على الشيء على نوعين: خاصة * له (1083) وعامة له ولغيره. فالخاصة متى أظهرت، دلت دائما على ذلك الشيء. وأما العامة فقد تدل على ذلك الشيء وقد لا تدل كما نقول في حق النفث ودلالته على المرتبة في ذات الجنب. * فإن (1084) دلالته دلالة خاصة بالمرض وبالعضو المريض بخلاف البول والبراز والعرق. فإن هذه تدل على ذلك وعلى غيره. فلذلك جعل دلالتها أقلية بخلاف النفث. أو نقول: إنه لما كانت دلالة البول والبراز على أحوال الكبد أقوى من دلالتها على ذات الجنب جعل دلالتها على ذلك أقلية. وكذلك العرق فإنه قلما يندفع مادة ذات الجنب بالعرق بل بالنفث * والبرعاف (1085) . فلهذا ما جعل دلالة ذلك أقلية. واعلم PageVW5P025A أن قوله هاهنا «جودة البحران ورداءته» وقع ههنا دخيلا لأن غرضه بهذا الفصل أن يذكر فيه ما يدل على الأمور الثلاثة التي هي النوبة والمرتبة والنظام.
13
[aphorism]
قال أبقراط: المشايخ أحمل الناس للصوم ومن بعدهم الكهول. والفتيان أقل احتمالا له. وأقل الناس احتمالا للصوم الصبيان. ومن كان من الصبيان أقوى شهوة، فهو * أقل (1086) احتمالا له.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث سبعة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله * وهي (1087) أن الغذاء المستعمل في حال المرض كما أنه يعتبر في غلظه ولطافته مدد الأمراض وقوة * العليل (1088) كذلك يعتبر فيه * في (1089) أمر الإسنان فإنه يختلف باختلافها. وذلك لأن الصبي لا يحتمل من تلطيف التدبير عند الاحتياج إليه كما يحتمل الشيخ إذا تساوى موجبهما من جميع الوجوه لأن الشيخ أحمل الناس للصوم، وكذلك الحال في التدبير الغليظ. * وإذا (1090) كان أمر الإسنان معتبرا فيما ذكرنا تنبه * عليه (1091) في * هذا (1092) الفصل. وقد أشار الفاضل جالينوس إلى ما ذكرنا في تفسير هذا الفصل فإنه قال هناك إنه ينتفع بمعرفة اختلاف الأسنان في تدبير الأغذية. وذلك * لأن (1093) الإمساك عن الطعام في سن الشيخوخة أسهل منه في سن الصبا. وما ذكره ابن أبي صادق من أن غرض أبقراط مبهذا الفصل الكلام في أغذية الأصحاء ليس بشيء. وذلك لأنه لم يسبق لنا منه ما يشعر بذلك في هذه المقالة. وأيضا فإن الكلام في تقدير الغذاء بحسب الأصحاء متقدم على ذلك بحسب المرضى على ما عرفته في كتبنا المبسوطة. فلو كان غرضه ذلك لقدمه على الكلام في أغذية المرضى وابتدأ * بذكره (1094) المشائخ دون باقي الأسنان في هذا الفصل لأن تدبيرهم * أشبه شيء (1095) بالغذاء اللطيف الذي معظم كلامه السابق فيه. وستعرف * ذلك (1096) فيما بعد.
البحث الثاني
في تحقيق القول في الأسنان. هذا البحث ينتفع به في هذا الفصل وفيما بعده. ولذلك وجب علينا إيضاحه وتبيينه. أقول إن الجيين متكون من مادة الغالب عليها الحرارة والرطوبة. وذلك لأنة متكون * من (1097) المني والدم وهما حاران رطبان، لكن الحرارة كيف كان فعلها أظهر من فعل الرطوبة. وكيف لا وإلا خقنها الرطوبة ومنعتها من الهضم والإحالة. الظاهر أن في بدن الصبا ثم أنها تقوى شيئا فشيئا على تحليل الرطوبة. فمتى لم يظهر فعلها ظهورا تاما فالزمان المذكور هو زمان الصبا. فإن الرطوبة في مثل هذا السن البعض منها متوجه إلى جهة النمو والبعض يحفظ الحرارة الغريزية. مثاله خمسة أجزاء منها للزيادة في النمو وخمسة تحفظ الحرارة. فإذا ظهر فعل الحرارة في التحليل، تحلل أولا القدر المتوجه إلى جهة النمو لا الحافظ للحرارة لأن هذه هي الأصلية, فيجب الاعتناء بها. ومثل هذا الزمان هو سن الشباب ثم إذا طال فعل الحرارة في التحليل نقص شيء من مادتها ويلزم من نقصانها نقصانها ضرورة لانتقاص المحلول عند انتقاص PageVW1P059A الحامل. ومثل هذا الوقت هو سن الكهولة ثم إذا قوي * قوى (1098) فعلها على ذلك وظهر ظهورا بينا، انقلب الوقت إلى سن الشيخوخة. فالصبيان حينئذ الرطوبة في أبدانهم أكثر مما هي في أبدان الشباب. وأما الحرارة فقد اختلف PageVW5P025B الأطباء فيها، وسنحقق الكلام في ذلك فيما بعد. فالشباب أيبس من الصبى وأرطب من الكهل وهو من الشيخ. ثم هؤلاء فيهم رطوبة غريبة بسبب ضعف الهضم التابع لضعف الحرارة الغريزية. فيتولد في أبدانهم بسبب ذلك رطوبات غريبة وتستولي عليهم. فظهر مما ذكرنا أن الأسنان في الحقيقة ثلاثة: سن النمو وسن الوقوف وسن الانحطاط لأنك قد عرفت أن الأسنان في حال حياته إما أن تكون رطوباته الغريزية تحفظ الحرارة الغريزية فقط من غير أن تزيد على ذلك. وهذا هو سن الشباب؛ أو تكون زائدة، وذلك هو سن الصبى؛ أو تكون ناقصة، وذلك هو سن الانحطاط. ويندرج في ذلك سن الكهولة وسن الشيخوخة غير أن الأسنان قد قسمت بحسب المشهور إلى أربعة أسنان: سن الصبى وسن الشباب وسن الكهولة وسن الشيخوخة. أقول وذلك لوجهين. أحدهما أن الرطوبة الغريزية لا تخلو إما أن تكون وافية بحفظ الحرارة الغريزية أو لا تكون. فإن كانت وافية فلا تخلو إما أن تكون زائدة عما يحتاج إليه في حفظ الحرارة أو لا تكون. والأول هو سن الحداثة والثاني هو سن الشباب. وإن كانت غير وافية فنقصانها إما أن يكون محسوسا أو غير محسوس. فإن كان الأول فهو سن الشيخوية وإن كان الثاني فهو سن الكهولة. * الثاني في حال حياته لا يخلو إما أن يكون متزايدا أو متناقصا أو لا متزايدا أو لا متناقصا. فإن كان الأول فهو سن الصبى. وإن كان الثاني فنقصانه إما أن يكون محسوسا أو غير محسوس. فإن كان الأول فهو سن الصبى، وإن كان الثاني فنقصانه إما أن يكون محسوسا أو غير محسوس، فإن كان الأول فهو سن الشيخوية. وإن كان الثاني فهو سن الكهولة (1099) . * وإن (1100) كان الثالث فهو سن الشباب. فسن الصبى مدته * في الأكثر قريبة (1101) إلى ثلاثين سنة. وسن الشباب في الأكثر أيضا إلى خمسة وثلاثين سنة أو أربعين سنة. وسن * الكهولة (1102) في الأكثر أيضا إلى ستين ستنة، والشيخوخة * من هذا الوقت (1103) إلى آخر العمر. فإن قيل هذا القول فيه نظر من وجهين. أحدهما أن الشيخ الرئيس * قدس الله روحه (1104) قال في فصل القوى النفسانية من العلم الطبيعي من كتاب الشفاء إن القوة المولدة تنبعث * بعد الوقوف النامية . ولا شك أن هذا يناقض ما ذكرناه. فإن المولدة تنبعث (1105) من * اثنتي عشرة (1106) سنة إلى خمسة عشر سنة. وثانيهما أنه ذكر أيضا في فصل المساكن من كتاب كليات القانون أن الحبشة يهرمون في بلادهم في ثلاثين سنة، وعلى هذا لا يكون مدد الأسنان في هؤلاء كما ذكرنا. والجواب عن الأول أن سن الصبى عبارة عن الوقت * الذي (1107) يكون فيه الأعضاء قابلة للتمدد. فقبولها هذا تارة يكون ظاهرا جدا وتارة يكون خفيا * جدا (1108) وتارة يكون متوسطا. فقوله في كتاب الشفاء إن المولدة تنبعث بعد وقوف النامية أراد به النمو الظاهر لا مطلق النمو. وقولنا إن مدة سن الصبى كذا وكذا المراد به مطلق النمو. والجواب عن الثاني أن * مراده (1109) بالحكم المذكور في الأسنان إنما هو بحسب الأكثر وغالب الحال على أن في * كلام (1110) الشيخ فيما ذكره من أمر الحبشة نظرا آخر PageVW5P026A قد قررناه في شرحنا لكلامه هذا. واعلم أن هذا البحث موقوف على مقدمات . منها أن المني والدم حاران ومنها أن كل واحد من المنيين يصير جزءا من بدن الجنين. ومثل هذه المقدمات لا يليق ذكرها في هذا الموضع. وقد * أوضحناها (1111) في شرحنا للكليات.
البحث الثالث
في معنى الاحتمال. * قال (1112) جالينوس قوله المشائخ أحمل الناس للصوم معناه أنهم لا * يجوعون (1113) كثيرا ولا * يضرهم (1114) الجوع. ثم هذا تارة يراد به الإمساك عن الطعام وتارة يراد به الاكتفاء بالأغذية اليسيرة. وعلى هذا المعنى يصح قوله المشائخ أحمل الناس للصوم. وأما على المعنى الأول فلا يصح اللهم إلا أن يراد بالمشائخ الذين في أول سن الشيخوخة. فإن المتناهون في ذلك لا يحتملون تأخير الغذاء البتة. ومثل هؤلاء لاحقون بالصبيان في قلة الاحتمال للصوم. وبدأ أبقراط في هذا الفصل بذكر المشائخ لأنه ناظر في تلطيف الغذاء والإمساك عن اتلغذاء والاكتفاء بالقليل منه أشبه شيء بتلطيف الغذاء. فإنه لا معنى للغذاء اللطيف إلا القليل المؤونة على الطبيعة في هضمه. وما ذكرنا كذلك والمشائخ لما كانوا أحمل الناس. لذلك ابتدأ بذكرهم في هذا الفصل وذكر الصوم دون الإمساك عن الطعام وترك الغذاء وغير ذلك من الألفاظ الدالة على هذا المعنى لأن الصوم أدل على الامتناع من كل ما يدخل الجوف جملة.
البحث الرابع
في بيان احتمال المشائخ للصوم وقلة PageVW1P059B احتمال الصبيان له. وذلك من وجهين. أحدهما أن حاجة * البدن الإنساني (1115) إلى الغذاء إما لإخلاف عوض ما يتحلل منه وإما للزيادة في نموه . أما الأول فإنه لا يمكن أن يبقى أوقاتا لا ينقص منه شيء كالحجر مثلا * لأنه (1116) جسم الغالب عليه الحرارة والرطوبة على ما عرفت والحرارة فاعلة للتحلل * لأن (1117) شأنها التفريق بين * المختلفات (1118) والرطوبة قابلة له. وأما الثاني فلأن الجسم الذي يحتاج إلى أن يضاف إليه من المزيد فيه أكثر من الجسم الذي ليس * بنام (1119) . فهذه علل الاحتياج إلى الغذاء. ولا شك أن هذين المعنيين في الصبيان أبلغ مما هما في المشائخ. أما التحلل فلقرب عهدهم بالكون فهم أحر وأرطب من سائر الأسنان. وذلك يقتضي كثرة التحلل في أبدانهم. وأما النمو فوجوده فيهم ظاهر بين. والمشائخ في * الطرف (1120) المقابل لهم والكهول والشباب متوسطون بينهما غير أن الشباب قرب إلى الصبيان والكهول إلى المشائخ. فلذلك كان احتمال هؤلاء للصوم دون احتمال المشائخ وأكثر من الصبيان. فثبت بما ذكرنا احتمال المشائخ للصوم وقلة احتمال الصبيان له. الوجه الثاني الشهوة على نوعين طبيعية وغير طبيعية وهي الشهوة الكلية ومثل هذه فيتم بالبرد. فإنه يجمع فم المعدة ويكتفه فيحصل التقاضي بذلك على ما سنبينه. والأولى على نوعين: عامة لجميع * (1121) الأعضاء وخاصة لفم المعدة. فالعامة هي الطبيعية وهي حادية عن تقاضي PageVW5P026B الجاذبة. ومثل هذه الشهوة خالية من الشعور. والخاصة تتم بهذه القوة وبقوة نفسانية آتية إلى المعدة من الدماغ ومثل هذه معها شعور. وقد علم في غير هذا الكتاب أن الحرارة * الغريزية (1122) آلة للقوى في جميع أفعالها، وحيث كانت الآلة أقوى وأمكن فهناك قوة الفاعل. ولا شك أنها في الصبيان أوفر ممأ هي في باقي الأسنان على ما سنوضحه في الفصل الذي بعد هذا. فالصبيان حينئذ أقل احتمالا للجوع من باقي الأسنان ثم أن الباقي مختلفون في ذلك. فكل من كان منهم أقرب إلى الصبيان فهو * أحوج (1123) إلى تناول الغذاء ممن بعد عنهم. ولا شك أن المشائخ أبعد الأسنان من سن الصبيان فكانوا أكثر احتمالا للصوم من باقي الأسنان.
البحث الخامس
قوله «ومن كان من الصبيان أقوى شهوة». هذا الكلام فيه * فائدتان (1124) . أحدهما بيان اختلاف الحاجة إلى الغذاء بحسب طبائع أشخاص السن * الواحدة (1125) . ومثل هذا القدر لا بد من مراعاته عند استعمال الغذاء في حال المرض وهو أنه إذا حصل لأشخاص متفقة في السن مرض حاد وكان فيهم * متساويا (1126) من جميع الوجوه واحتاجوا إلى الغذاء فإنه لا * ينبغي أن (1127) يبالغ في تلطيفه فيمن كان قوي الشهوة في حال الصحة كما يبالغ في ذلك فيمن لم تكن حاله كذلك. الفائدة الثانية فيه بيان أن علة الاحتياج إلى تناول الغذاء هو الحرارة الغريزية لأنك قد عرفت أن قوة الشهوة الطبيعية تابعة لقوة الحرارة الغريزية. فحيث كانت هذه الشهوة أقوى فهناك الحرارة المذكورة أقوى. وحيث كانت أقوى فهناك الاحتياج إلى الغذاء أبلغ وأظهر.
البحث السادس
في تحقيق القول في شهوة الطعام وبيان الشعور بالاحتياج إليه. فنقول قد عرفت أن الشهوة الطبيعية أما العامة فتتم بالقوة الجاذبة والخاصة تتم بهذه وبقوة حساسة. فالأولى فاعلة للشهوة والثانية منبهة على فعل هذه. وذلك لأن الأعضاء عند استيلاء * المتحلل (1128) عليها تحتاج إلى مخلف يخلف عليها عضو المتحلل منها فتجذب مما يجاورها من جهة الباطن ثم هذه مما يجاورها إلى حين يتصل الجذب إلى الكبد ثم هي من * الماساريقي (1129) ثم هي المعاء. * ولذلك (1130) صار الطبع يتحجر عند الصوم ثم هذه من المعدة ثم من فمها تجذب الرطوبات الرقيقة المائلة لفرجه فتجمع هذه الفرج بعضها إلى بعض فتنبه القوة الحساسة وتشعر بذلك الاجتماع. وهذا هو الألم الجوعي الموجب لتقاضي الغذاء. والذي يسكن من الشهوة عند استعمال الغذاء في حال الجوع الشديد هذه الشهوة. فإن الفرج تمتلئ وتسترخي بما يملأها من رطوبات الغذاء المستعمل ويزول الألم المذكور ويسكن التقاضي ومن هذا يعلم أن الحرارة الغريزية كلما قويت قوى هذا التقاضي. وذلك لكثرة * التحلل (1131) . واعلم أن الألم المذكور يحصل أيضا عن البرد من جهة أنه يجمع فم المعدة ويكتفه غير أنه لا يكون إيجابه لذلك من طريق أنه سبب، بل من جهة أنه معين عليه. ومن هذا الوجه تقوى شهوة المشائخ للغذاء. فقوة الشهوة في PageVW1P008A الصبيان والفتيان PageVW5P027A من القبيل الأول وفي الكهول والمشائخ من القبيل الثاني أي من البرد أو من حرارة ضعيفة. ولذلك كانت * شهوة (1132) * أولئك (1133) الاستمراء والهضم معها على أتم وجه وأكمله ولا كذلك الحال مع شهوات الكهول والمشائخ.
البحث السابع
في علة اختصاص شهوة المعدة بالإحساس. وذلك لأن باقي الأعضاء إذا فقدت غذاؤها، جذبت من التي تجاوزها ثم هي من التي تجاوزها كحال الثبات في جذبه لغذاء. فإذا اتصل الجذب إلى المعدة، لم يبق عضو آخر تجتذب هي منه. فاحتاجت إلى أن يكون لها شعور وإحساس بعود الغذاء لتنبه الإنسان على طلبه وتحصيله . وإلا استولى عليه الذبول ثم الضعف ثم الموت. ولذلك بلطف الخالق جل ذكره خصها بهذه القوة. ولما كانت حاجتها شديدة إلى هذه القوة أفيضت إليها من الدماغ لا من النخاع * مع قرب النخاع منها. وذلك لأن عصب الدماغ أقوى حسا من عصب النخاع (1134) . فتبارك من له الخلق والأمر * والله اعلم (1135) .
14
[aphorism]
قال * أبقراط (1136) : ما كان من الأبدان في النشء فالحار الغريزي * فيهم (1137) على غاية ما يكون من الكثرة ولذلك يحتاج إلى الوقود إلى أكثر ما يحتاج إليه سائر الأبدان. فإن لم يتناول ما يحتاج إليه من الغذاء ذبل بدنه ونقص. وأما الشيوخ فالحار الغريزي فيهم قليل ومن قبل ذلك ليس يحتاجون من الوقود إلا إلى اليسير لأن حرارتهم تطفئ من الكثير ومن قبل هذا أيضا ليس تكون الحمى في * المشيخة (1138) حادة كما تكون في اللذين في النشوء * وذلك (1139) لأن أبدانهم باردة.
[commentary]
الشرح هاهنا * إحد عشر بحثا (1140) .
البحث الأول
في * صلة هذا الفصل بما قبله (1141) . وهو أنه لما ذكر أن الصبيان أقل احتمالا للصوم من المشايخ أراد أن يذكر الغلة في هذا الفصل. فقال لأن ما كان من الأبدان في النشوء فهو أكثر حرارة غريزية. وذلك لأنك قد عرفت أن الشهوة الطبيعية والهضم والإحالة تابعة للحرارة الغريزية لأنها آلة لقواها. وابتدأ في هذا الفصل بالأبدان التي في النشء لتكون العلة قريبة من المعلول. فإنه لما ختم الفصل السابق بقوله «احتمال الصبيان» بدأ في هذا * الفصل (1142) بتعليل ذلك وجرى على الترتيب إلى أن بلغ إلى ذكر علة احتمال الصوم * في المشايخ (1143) .
البحث الثاني
في تحقيق القول في ماهية الحرارة الغريزية وإظهار الحق في أمرها. اعلم أن الفلاسفة والأطباء قد اختلفوا في ذلك. فذهب االفاضل جالينوس وجماعة من الأطباء إلى أنها الجزء الاستقصي الحاصل في مبدأ التركيب على ما أشار إليه في شرحه لهذا الفصل وفي كتاب المزاج. وهذا قول فاسد من وجهين. أحدهما أن الموت عندنا وعنده على ما ذكره في المقالة الثالثة PageVW5P027B من كتاب المزاج عبارة عن * انطفاء (1144) الحرارة الغريزية. فلو كانت الحرارة الاستقصئية هي الحرارة الغريزية، للزم من هذا أن الحيوان بعد موته لا يبقى في بدنه حرارة البتة وذلك محال. فإنا نراه يعفن وينتن ويسود لونه يسيل منه صديد منتن. وكل هذا من آثار الحرارة ولوازمها. فلو كان بدنه خاليا من الحرارة لم يعرض له شيء من ذلك بل كان يجمد ويكون حاله حال الموجودات الخاالية من الحرارة. فإن قيل: لم * لا (1145) يقال إن هذه الأمور خالصة له من الحرارة الخارجة؟ فيقول: نفرض حصوله في بيت مملوء جمدا أو ثلجا، فإن مثل هذا البيت ليس فيه حرارة البتة. ومع هذا نراه يحصل له ما ذكرنا. الثاني أنا نرى الحرارة المزاجية كلما ازدادت قوة، خرج البدن عن الاعتدال. * فأورث (1146) ذلك لا محالة وهنا في القوى بخلاف الحرارة الغريزية. وذهب ابن أبي صادق إلى أنها عبارة عن كيفية الروح. فإنه قال في شرحه الكبير: «الدم الواصل إلى القلب من جهة الكبد يستحيل فيه إلى دم لطيف ثم إنه يتم استحالته في البطن الأيسر منه. وهذا الجوهر له صورة وكيفية. فالصورة هي القوة الحيوانية والكيفية هي الحرارة الغريزية». وهذا قول فاسد. وذلك لأن الأرواح دائمة التولد فلو كانت الحرارة الغريزية هي كيفية هذا الجوهر للزم أن لا تضعف الحرارة البتة لأنها دائمة متولدة بتوليد الأرواح ويلزم من هذا أن لا يتغير شيء من أحوال البدن بل تبقى القوى بحالها في صدور أفعالها لبقاء مادتها وآلتها. وذلك محال فإن أحوال الإنسان في الوجود بخلافه. وذهب الرازي إلى أن الحرارة الغريزية والغريبة شيء واحد لكنها مختلفة بإضافة * بأنها (1147) ما دامت على اعتدالها وفعلت * الإحالة (1148) والهضم وغير ذلك من أفعالها على ما ينبغي، سميت غريزية. ومتى خرجت عن الاعتدال وفعلت العفونة والإخراق وغير ذلك من الآثار الغريبة، سميت غريبة من * غير (1149) أن يبين أن تلك الحرارة الأصلية استقصئية أو غير ذلك. وهذا قول فاسد لوجهين. أحدهما أن الحرارة الغريبة مباينة للغريزية بالنوع على ما PageVW1P008B سنبينه. وثانيهما أن الإفراط في كيفية الشيء لا يوجب انتقالا في حقيقته كالهواء إذا سخن سخونة شديدة. فإنه لا يخرج عن كونه هواء اللهم * إلا (1150) أن لا يتكون منه شيء آخر كما إذا أفرط إفراطا شديدا في ذلك. فإنه ينتقل نارا ولكن ذلك كونا وفسادا وحينئذ إذا كان حال الحرارتين كذلك، فإنهما لم تكونا واحدة بل إثنين. * وذهب (1151) أرسطو إلى أنها حرارة فلكية تفاض على البدن الحيواني عند فيضان نفسه وتفارقه عند مفارقتها له وبه. قال الشيخ الرئيس: وقال أرسطو: إن الأحسام التي تقبل علافة النفس ليس حرارتها من جنس الحار الاستقصي * الناري (1152) ، بل هي حرارة مفاضة PageVW5P028A من الأجسام السماوية. وقال الشيخ الرئيس * في (1153) الفصل * الأول (1154) من المقالة * السادسة (1155) عشر من حيوان الشفاء: والشيء المهيئ للمني لأن يقبل علاقة النفس ليس هو من جنس الحار الاستقصي * الناري (1156) بل الحار الذي يفاض من الأجرام السماوية ويقوم * من (1157) المزاج وفي الممتزجات * من الرطب (1158) واليابس. فإنه مناسب بوجه ما لجوهر السماء لأنه منبعث عنه. ونعم ما قال المعلم الأول فإن شيت فاعتبر بأثير حر النار وحر الشمس في أعين الأعشى ويشبه أن تكون تلك الحرارة فيها تتبعها قوة لا تتبع الحارارة النارية وأن تلك القوة قوة محيية وأنها تجعل الأجسام الحالة فيها شبيه بالأجسام السماوية أي تقبل الحياة وهي فاشية في كل عضو رطب ويابس وبها يحي البدن الحيواني والنباتي. * فهذا (1159) كلام الشيخ وفيه تصريح بأن للنبات أيضا حرارة غريزية سماوية. وبه فال أوحد الزمان وهو حق فإنه لو لم يكن في الحصرمة حرارة سماوية حافظة * لها (1160) وإلا عفنت كما تعفن إذا قطعت قبل كمال نضجها. فمثل هذه النباتات تفارقها حرارتها الغريزية عند قطعها من أشجارها. وأما الاستقصية فإنها تبقى فيها بعد ذلك. ولذلك صارت تعفن وتتغير بنوع من * التغير (1161) * اللازم (1162) للحرارة غير أن الحرارة المذكورة في حق النباتات ليست هي موجودة بل الفعل كما هي حق الحيوان. وذلك لأن الحيوان أقرب إلى الاعتدال الحقيقي لا سيما الإنسان فإنه أشرف فكانت هي فيه أبلغ وأقوى لقوة اهتمام القوة الإلهية المدبرة للعالم. واعلم أن الغريزي في حق الإنسان لا يقال إلا للحرارة. ولذلك قيل إنها كدخانية له ولم يقل للبرودة إنها كدخانية له. وأما فيما عدا الإنسان فقد يقال للبرودة إنها غريزية له كما * يقال (1163) في حق السمكة * المعروفة (1164) بالرعادة. فإنها قد أعطيت من التخدير بحيث أنها الصياد متى إصطادها فإنه عند ما * يلمس (1165) * الشكة (1166) تخدر يده. وإذا ماتت لم يحصل ذلك البتة عند لمسه إياها بل يأكل لحمها ولم يحصل له ذلك. وذلك لأن تلك الخاضية تفارقها مع مفارقة نفسها. فمثل هذه البرودة في حق الحيوان يقال لها برودة غريزية. وأما كلام الإمام أبقراط في أمر هذه الحرارة فهو محمل. وذلك لأنه قال في آخر هذا الفصل: وذلك لأن الحمى لم تكن في المشيخة * حادة (1167) كما تكون * حادة (1168) في الذين في النشوء. وذلك لأن أبدانهم باردة فاستدل بضعف الحمى في أبدان المشائخ على ضعف الحار الغريزي فيهم فقط من غير أن يبين ماهية الحرارة المذكورة.
البحث الثالث
استدلال أبقراط بضعف الحمى على ضعف الحرارة الغريزية: قد * اختلف (1169) * الأطباء (1170) العلماء في تنزيله. فقال القائلون بالحرارة الفلكية؛ وذلك لوجهين. أحدهما أن المادة إذا كانت أبطأ استعدادا على ما عرفت، كان انفعالها من الكيفية الواردة عليها انفعالأ ضعيفا. ولا شك أن مادة الشيخ كذلكك. وذلك لضعف الحار الغريزي في بدنه على ما بينا في شرحتنا في الفصل الذي قبل هذا. وثانيهما أن أي مادة استولت عليها كيفية ما، فإنها تجعل قوامها وطبيعتها مستعدة لما يناسبها، ولذلك صار الحطب المسخن بالنار أو بالشمس أسرع اشتغالا في النار PageVW5P028B مما لم يفعل به كذلك. وقد علم أن حرارة الشاب أقوى من حرارة الشيخ فمادة الشاب عند وروده المناسب لها تكون استحالتها إليها أتم وأسرع من انفعال مادة الشيخ. فلذلك كانت الحمى في بدن الشيخ أضعف مما هي في بدن الشاب. وقال جالينوس وشيعته وذلك لأن البدنن في آخر * عمره (1171) يضعف تركيبه ويقارب الانحلال * وعند (1172) ذلك يبادر إلى الانحلال القابل * له (1173) لا سيما متى انضاف إلى ذلك وجود المنافي مثل رطوبات غريبة ومواد نية PageVW1P009A . وبدن الشيخ لا شك أنه * كذلك في (1174) آخر عمره. قالوا: * فلذلك (1175) تكون حرارته الاستقصية ضعيفة فتكون الحمى * الحاصلة (1176) له ضعيفة. وقال محمد بن زكريا الرازي: وذلك لأن الحرارة الغريزية هي * تعينها (1177) الحرارة الغريبة لكنها تخالفها بالإضافة على ما عرفت. ولا شك أن الحرارة الغريزية في بدن الشيخ ضعيفة لما ذكرنا. فلذلك تكون الحمى في بدن * الشيخ (1178) ضعيفة وفي بدن الشاب قوية. وقد عرفت فساد هذا. وقال ابن أبي صادق: وذلك لأن الموضوع لها موضوع واحد فبحسب ما يوجد مستعدا لقبول الواحد * منهما (1179) يقبله. ولا شك أن الموضوع في بدن الشيخ للحرارة الغريبة ضعيف الاستعداد لقبولها وذلك لضعف الحرارة الغريزية. فلذلك تكون الحمى ضعيفة. وهذا كلام ضعيف. وذلك لأن موضوع الحرارة الغريزية الرطوبات الغريزية وموضوع الحرارة الغريبة الرطوبات الغريبة. وكيف لا تكون كذلك والغريزية موجبة لقوة القوى ولصدور الأفعال مع سلامتها وتلك موجبة لإضداد ذلك. وأيضا فإن الماهية غير الماهية فيكون الموضوع لأحدهما غير الموضوع للآخر، غير أنه لقائل أن يقول إن الحار * الغريزي (1180) على جميع التقادير هو * الحامى (1181) للبدن والحافظ لرطوباته ولتركيبه والحافظ للشيء كلما كان أقوى، كان دفعه للمؤذي الغريب أبلغ. وكلما كان أضعف، كان دفعه له دون ذلك. وحينئذ يقوى آثار الغريب. * وإذ كان كذلك. فيجب أن يكون أعراض الحمى في بدن الشيخ وآثارها فيه أقوى مما هي في بدن الشاب، وذلك (1182) مناف للوجود. ولكلام الإمام أبقراط فنقول الجواب عن هذا ما ذكرنا وهو أن العلة في ذلك عدم استعداد المادة للانفعال من الكيفية الغريبة المناسبة. فإن عاد المعترض وقال: الحرارة الغريزية على هذا التقدير لا تكون محامية بل معينة على جلب الآفة وقوتها * إذ (1183) كانت معدة لسرعة الانفعال من المناسب. فنقول: الكيفية المذكورة باعتبار محاميه عن البدن وباعتبار معينه على جلب الآفة وقوتها، لكن من وجهين مختلفين لا من وجه واحد. أما الأول فمن جهة تقوية القوة وإعانتها على تحصيل كمالات البدن من جلب النافع ودفع الضار. وأما الثاني فمن جهة إعداد المادة للانفعال من المناسب. فإن الاستحالة من الجنس المناسب أسهل * منه (1184) من غير المناسب. ولذلك لما كان حال الشباب PageVW5P029A في الحرارة الغريزية على ما ذكرنا كانت حمايتهم قصيرة المدة شديدة الأعراض. فإنه بالنظر إلى الأول يحصل القصر. وبالنظر إلى الثاني يحصل شدة الأعراض وقوتها. والمشائخ لما كان حالهمم في الكيفية المذكور على ما ذكرنا، كانت حمايتهم ظويلة المدة ضعيفة الأعراض * لأنه (1185) بالنظر إلى الأول يحصل ظول المدة وبالنظر إلى الثاني يحصل ضعف الأعراض.
البحث الرابع
في بيان أن الماهية * للحرارة (1186) الفلكية المعبر عنها بالغريزية مباين بالنوع لماهية الحرارة النارية الاستقصية. ويدل على هذا وجوه أربعة بعد أنه ؤيجب أن يعلم أن اختلاف الآثار دليل على اختلاف المؤثرات. أحدها أن الحرارة الفلكية نراها * عند (1187) اشتدادها وقوتها تسرع إدراك الثمار ونضجها. ولذلك صار يسرع ذلك منها في البلدان الحارة على * البلدان (1188) الباردة وفي سنة يكون صيفها قوي الحر بالنسبة إلى سنة يكون صيفها قليل الحر. وأما الحرارة النارية فإنا نراها عندما يستولي * عليها (1189) ذلك تشيطه ثم يحترق. وثانيها أنا نرى القصار عند غسله لقماشه * وتعريضه (1190) إياه لحرارة الشمس يبيض القماش بياضا ساطعا لا سيما عند اشتداد الحر. وأما وجه القصار فإنه يسود بخلاف حرارة النار. * فإنها (1191) عندما تستولي على الجسمين تسودهما. وثالثها أنا نرى صاحب الألم المعروف عند الأطباء بالغشي * يبصر (1192) في ضوء الشمس ولا * يبصر (1193) في ضوء النار البتة. ورابعها * أنا (1194) إذا سخنا ما * يبين (1195) بحرارة الشمس وحرارة النار وكان كل واحد منهما في غايته، فإنا نرى الماء المسخن بالنار يبلغ إلى أن يحرق اليد بخلاف الماء المسخن بالشمس. بل لعل البشرة تستلذ به. فثبت أن ماهية الحرارة الغريزية مباينة بالنوع لماهية الحرارة الاستقصية. ومنه يعلم فساد ما ذهب إليه الرازي وابن أبي صادق. فالحرارة المذكورة تفاض على البدن مع فيضان نفسه الناطقة وأول تعلقها بالروح * المتكونة (1196) في القلب فإنه أول عضو * يتكون (1197) على ما سنوضحه في * أول (1198) المقالة الرابعة * من هذا الكتاب (1199) ، ثم بواسطة هذه الروح تثبت في جملة البدن. وحينئذ يدبر البدن الصحيح في نضج ما هو محتاج إلى نضجه ودفع فضلاته وإخلاف عوض ما يتحلل منه * والزيادة (1200) في نموه ولا يزيد بزيادة حرارته دواء ولا غذاء ولا يقوم مقامها شيء. ولو قام مقامها شيء، لأمكن PageVW1P009B أن يتلافى الإنسان أمرها * ويحفظها (1201) بالأغذية والأدوية المفرجة ويبقى دهرا طويلا من غير أن يهرم ولا يموت. وحفظ هذه الحرارة في البدن من التحلل بما يورد على البدن من * جهة (1202) الأغذية والأشياء المفرجة * لا لأنها (1203) تزيد فيها * نفسها (1204) بل بمعنى أنها لسرعة تغذيتها وجودة ما يتولد منها وقلة فضلاتها لا يحوج الطبيعة المدبرة للبدن إلى كلفة كثيرة في إحالتها ودفع فضلاتها. وأيضا فإنها تخلف على البدن عوض ما يتحلل منه على أتم وجه وأكمله فتخفظ قواه بحسب الإمكان إلى حين يستولي PageVW5P029B عليه الجفاف الطبيعي الذي لا يمكن دفعه على ما عرفت فيما تقدم. وكيف يزيد اللحوم، وإن كانت فاضلة في الحرارة الغريزية، وحرارة الحيوان الغريزية قد فارقته بمفارقة نفسه وبتقدير * أنها (1205) لا تفارقه فإنها مباينة للحرارة الغريزية التي في بدن الإنسان لأن البدن غير البدن والنفس غير النفس. فتكون العلاقة والواسطة غير العلاقة والواسطة. وأما الأغذية النباتية فإنها دون الحيوانية الفاضلة في * الفضيلة (1206) وجودة التغذية لبعدها عن مناسبة البدن. فلذلك كانت تغذيتها للبدن دون تغذية تلك. * فكانت (1207) زيادتها في الحرارة الغريزية بمعنى ما ذكرناه زيادة يسيرة، والله أعلم.
البحث الخامس
في ذكر مذاهب الأقدمين في * حرارتي (1208) الحدث والشاب. هذه المذاهب قد ذكرها الفاضل جالينوس في المقالة الثالثة من كتاب المزاج. ولنذكر نحن ذلك على أحسن وجه وأتمه. فنقول: * اختلف (1209) الأقدمون في ذلك. فذهب قوم إلى أن * حرارة (1210) الحدث أكثر من حرارة الشاب. وذهب قوم إلى أنها في الشباب أكثر. وذهب * الفاضل (1211) جالينوس إلى أنها * في الشباب والأحداث (1212) متساوية. * وأما الفريق الأول (1213) تمسكوا بوجوه أربعة. أحدها أن أبدان الأحداث نامية وكل بدن نامي فحرارته كثيرة. فحرارة الأحداث كثيرة. أما المقدمة الأولى فهي * ظاهرة (1214) . وأمأ الثانية فيدل على صحتها وجهان. أحدهما أن النمو إنما يتم بزيادة الوارد حتى يخلف عوض المتحلل ويزيد في مادة النمو وزيادة الوارد موقوفة اعلى قوة الهضم الموقوف على كثرة الحرارة. وثانيهما أن النمو إنما يحصل بتمديد الأعضاء طولا وعرضا وعمقا. وذلك إنما يتم بقوة الآلة للقوة النامية. وتلك هي الحرارة الغريزية. وثانيها أن الأفعال الطبيعية في الأحداث على أتم وجه وأكمله. وذلك مثل شهوة الطعام وهضمه وإحالته وكل من كان فيه هذه الأمور على ما ذكرننا فهو أكثر حرارة، * فالأحداث (1215) أكثر حرارة. أما المقدمة الأولى فيدل على صحتها أن الأحداث * محتاجون (1216) إلى وارد متوفر ليختلف على أبدانهم عوض * ما يتحلل (1217) ويزيد في الأجزاء النامية. ولا شك أنه لو قصر الهضم والشهوة فيهم، لذبلت أبدانهم وضمرت. ولما كان حالهم كذلك حكم * الأوحد (1218) أبقراط في الفصل المتقدم بقلة احتمالهم للصوم. وأمأ المقدمة الثانية فيدل على صحتها أن الحرارة الغريزية آلة لجميع القوى في تمام أفعالها لا سيما للقوى الطبيعية. فإن حاجتها إليها أشد من حاجة جميع القوى على ما * أوضحناه (1219) في شرحنا لكليات القانون. ولا شك أن الأفعال المذكورة أفعال الطبيعية. وإذا صح ما * قلنا (1220) ، فالحرارة الغريزية في الأحداث كثيرة. وثالثها أن الحرارة الغريزية في الأحداث المستفادة فيهم من المني أجمع وأحدث. وكل من كان كذلك فحرارته أكثر، فحرارة الحدث أكثر. أما اتلمقدمة الأولى فهي * ظاهرة (1221) . PageVW5P030A وذلك لأن الأحداث أقرب إلى * التكون (1222) من باقي الأسنان. * ولا شك (1223) أن الحرارة * الغريزية (1224) الحاصلة في أبدان الأحداث والشباب حاصلة من أول الكون. وأما المقدمة الثانية فإن كل من بعد عن * التكون (1225) ، كان المتحلل من بدنهه كثيرا والحرارة الغريزية قائمة بالرطوبات الغريزية. * وكل (1226) ما تحلل جزء من * الرطوبات (1227) تحلل معه جزء من الحرارة لاستحالة بقاء الأعراض عند عدم محالها. فحينئذ يكون المتحلل من الأبدان إلى حين حصول الشاب أكثر من المتحلل منها إلى حين حصول الحداثة. فتكون الحرارة في أبدان الشباب ناقصة وفي أبدان الأحداث متوفرة؛ وهو المطلوب. ورابعها أن نفس الأحداث أشد تواترا من نفس الشباب وشدة تواتره دليل على * كثرة (1228) الحرارة. * فالأحداث كثيري (1229) الحرارة. أما المقدمة الأولى فهي ظاهرة من استقراء حال الأحداث والشباب في حال الحركة والتعب وغير ذلك من الأمور المثيرة للحرارة. PageVW1P010A وأما المقدمة الثانية فلأن تؤاتر النفس موجبة كثرة الحرارة وتفاوته مووجهة * لقلة (1230) الحرارة على ما * علم في (1231) النبض. وقد بينا هذا في شرحنا لكليات القانون عند كلامنا في النبض. فهذه أدلة الفريق الأول. وأما الفريق الثاني فقد تمسكو في مطلوبهم بطريقين. * الطريقة (1232) * الأولى (1233) في بيان ضعف حرارة الأحداث * والثانية (1234) في ذكر حرارة * الشباب (1235) . أما * الأولى (1236) فقد تمسكوا * فيها (1237) بوجوه ثلاثة. أحدها أن * شهوة (1238) الطعام في الأحداث أقوى من الهضم، وقوة الشهوة دليل على قوة البرد. فالبرودة فيهم أقوى مما هي في الشباب فحرارتهم مقصرة. أما المقدمة الأولى فإنهم يأكلون كثيرا وكثيرا ما يعتريهم * التخم (1239) والتهوع والقيء وشهوتهم للغذاء قوية. وكل هذا دليل على ضعف الهضم وذلك دليل على ضعف الحرارة. وأما المقدمة الثانية فلأن الشهوة * الكلبية (1240) حاصلة من البرد. وذلك لأن البرد يجمع أجزاء المعدة ويكثفها والحر * يرخيها (1241) وبضعف الشهوة. وثانيها أن الأحداث يغلب عليهم البلغم وكل من غلب غلب عليه البلغم فحرارته مقصرة * والأحداث (1242) حرارتهم مقصرة. أما المقدمة الأولى فإن أمراض الأحداث في الأكثر بلغمية وأكثر ما يفذقونه بالقيء * بلغما (1243) . وأما المقدمة الثانية * فلأن (1244) كل مزاج بذاته يولد ما يشاكله والبلغم بارد على ما بيناه في كتبنا المبسوطة والأحداث حرارتهم مقصرة. * وثالثها (1245) أن النمو لا يتم بالحرارة بل بالرطوبة لأن النمو لا بد فيه من اتصال وانفصال وقبول التشكيل والرطوبة معينة على ذلك. فقوة النمو في الأحداث لا تدل على كثرة الحرارة بل على كثرة الرطوبة. وأما الطريقة الثانية فقد تمسكوا فيها بوجوه أربعة. أحدها أن دم الشباب أكثر وأحد وأمتن، وكل من كان كذلك فهو أكثر حرارة. فالشباب * كثير (1246) الحرارة. أما بيان المقدمة الأولى فلأن الشباب يصيبهم الرعاف أكثر وأشد وما ذاك إلا لكثرة الدم وحدته فتكرهه الطبيعة وتدفعه إلى هذه الجهة. وأما أنه أمتن فلأن دم الأحداث الغالب عليه المائية. ودم الشباب قوي النضج الغالب عليه الأجزاء الغليظة. وأما المقدمة الثانية فلأن كل مزاج * بذاته يولد (1247) ما يشابهه، وقد علم من كتبنا المبسوطة أن الدم حار فيكون البدن المتولد منه * فيه (1248) حار، فالشاب حار والمزاج. وثانيها أن مزاج * الصبيان (1249) إلى الصفراء أميل، وكل من كان مزاجه كذلك فهو أكثر حرارة. أما PageVW5P030B المقدمة الأولى فقد يدل على صجتها أن أكثر أمراض الشباب صفراوية وقيئهم صفراوي. وأمأ المقدمة الثانية فإن كل مزاج * بذاته يولد (1250) ما يشابهه ويلايمه. * وقد (1251) علم * من كتبنا المبسوطة (1252) أن الصفراء حارة يابسة فالشباب * حارو (1253) المزاج. وثالثها أن * الشباب (1254) حركاتهم أقوى وأكثر من حركات الأحداث. وكل من * كانت (1255) حركته أكثر وأقوى فحرارته أكثر. أما المقدمة الأولى فهي ظاهرة لكل واحد. وذلكك لأن الشباب أصبر على الحركة، ومع ذلك فهي فيهم أقوى وأسرع. وأما المقدمة الثانية فلأن قوة الحركة والصبر * عليها (1256) دليل على قوة القوة المحركة الدالة على قوة آلتها التي هي الحرارة. فكثرة الحركة حينئذ * دالة (1257) على كثرة الحرارة * فالشبان (1258) * كثيرو (1259) الحرارة. ورابعها أن الشباب أقوى استمراء وهضما من الأجداث، وكل من كان كذلك فهو أكثر حرارة. فالشباب أكثر حرارة. أما المقدمة الأولى فيدل على صحتها أنه لا يصيبهم من التخمة وسوء الاستمراء ما يصيب الأحداث. وأما بيان المقدمة الثانية فهو أن جودة الأفعال المذكورة تبع لقوة القوى الطبيعية التي هي فرع على قوة آلتها التي هي الحرارة الغريزية على ما قررناه في دليل لبخصم. فالشباب أكثر حرارة. هذه * أدلة (1260) الفريقين والكل ضعيفة. والجواب عن ما * تمسك (1261) به الفريق الأول أولا قولهم أن النمو ظاهر في الأحداث إلى آخره. * فنقول (1262) يجوز أن يكون توليد هذه المادة لا لقوة الحرارة بل لتحصيل غرض الطبيعة وهو كمال الأعضاء في القدر اللائق بنوع الإنسان فإنها عندما يكون لها غرض تهتم بتحصيله وتستعين في * ذلك بجميع القوى (1263) ويدل على صحة هذا أمور سبعة. أحدها ظهور * حركة الصدر (1264) وباقي آلات التنفس في السكتة وليس لهذا علة سوى اهتمام الطبيعة بالقلب في هذا الوقت. وثانيها حال الناقه في استعمال الغذاء فإنه لما كانت حرارته ضعيفة وأعضاؤه محتاجة إلى تناول الغذاء اهتمت طبيعته * بهضم (1265) وتوزيعه على أعضائه وليس لهذا علة سوى أن لها * غرضا (1266) في إعادة الأعضاء إلى كمالها الأول. وثالثها أنا نرى من يستولي عليه هم أو غم تشتغل قواه البدنية عن تدبير بدنه وتتصرف إلى * الجهة الموجبة (1267) لذلك وليس لهذه علة سوى اهتمام الطبيعة بدفع ذلك الموجب. ورابعها أنا نرى لاعب * النرد والسطرنج (1268) إذا استغرق في لعبه وحصلت له الغلبة يغفل عن تدبير بدنه في جلب النافع ودفع الضار وليس لهذا علة سوى اهتمام الطبيعة بأمر الغلبة والتذاذ به. وخامسها أن الشيخ قد ذكر في الكتاب الثالث من القانون PageVW1P010B عندما يكلم في أمراض الباه أن قلته المني * قد (1269) تكون لقلة * احتفال (1270) الطبيعة به * واهتمامه (1271) * بتوليده (1272) كما يعرض للمرضعة إذا فطمت ولدها. فإن لبنها ينقطع بالتدريج وليس لهذا علة إلا عدم احتياج الطبيعة إلى ذلك. فإنها لما كانت محتاجة * إليه أولا (1273) ولدته ثم لما استغنت عنه تركته. وسادسها أنا نرى المرضى بأمراض حادة يتركون الغذاء مدة طويلة مع استيلاء التحلل على أبدانهم الذي هو موجب لتناوله وليس لهذا علة سوى اهتمام الطبيعة PageVW5P031A البدنية بدفع المؤذي عن البدن. وسابعها أنا نرى المولهين والمنصرفين بفكرهم إلى عالم القدس يتركون الغذاء أياما طويلة من غير أن * نالهم (1274) من ذلك ضرر بل ربما ورد على أبدانهم أمور مؤذية أذية * بالغة (1275) * وهم لا (1276) يشعرون * بذلك (1277) وليس لها علة سوى أن الطبيعة قد مال غرضها إلى جهة أخرى. إذا عرفت هذا فنقول لم لا يقال إن سبب جودة الهضم والاستمراء في الأحداث وظهور النماء فيهم ليس هو لقوة الحرارة بل اهتمام الطبيعة بتحصيل كمال الأعضاء اللائق بنوع الإنسان لا سيما والأعضاء قابلة لذلك فإنها لينة رطبة في هذا السن ويكون حينئذ وقوف النماء في سن الشباب ليس هو لضعف الحرارة بل لما حصل الكمال اللائق بنوع الإنسان انقطع غرض الطبيعة فوقف النماء. والجواب عما تمسكوا به ثاينا قولهم إن الأفعال الطبيعية في الأحداث على أتم وجه وأكمله إلى آخره. * نقول (1278) القدر المحتجة إلى أعضاء بدن الشباب أكثر من القدر المحتجة إلى أعضاء الصبى لأجل الإخلاف والنمو * وذلك (1279) لكبر أعضاء الشباب وضعف أعضاء الصبى. وإذا كان لكثرة الوارد دليل على جودة الهضم فالهضم في الشباب وغيره من الأفعال الطبيعية كما في الصبيان وزيادة غير أن الصبيان لما كانوا محتاجين إلى الغذاء ومعدهم صغيرة لا تفي بهضم ما هم محتاجون إليه في مرة واحدة، صار يتواتر عليهم استعمال الغذاء وأهضمه فيوهم حالهم * إلى (1280) أن الهضم فيهم والشهوة أقوى مما هما في الشباب * وغيرهم (1281) . والجواب عما تمسكوا به ثالثا قولهم إن الأحداث * قريبي (1282) العهد بالكون إلى آخره. نقول * ليست (1283) دلالة هذا على قوة الحرارة بأولى من دلالته على كثيرة الرطوبة فإن الكون كما أنه يكون من حرارة فاعلة لا بد له من مادة قابلة. والجواب عما تمسكوا به رابعا قولهم إن التنفس في الأحداث متواتر إلى آخره. نقول: قد علم النبض أن الطبيعة المدبرة للبدن متى احتاجت إلى استنشاق هواء بارد يصلح به مزاج القلب، * فإن (1284) * كانت (1285) القوة قوية والآلة مطاوعة والحاجة شديدة استعملت العظم. فإن كانت القوة دون ذلك في القوة استعملت السرعة. * وإن (1286) كانت أضعف من ذلك استعملت التواتر. ولا شك أن قوى الصبيان ضعيفة وحرارتهم أيضا كذلك لكثرة الرطوبات الغامرة في أبدانهم * فأعاقها (1287) ذلك عن استعمال العظم فاستعملت السرعة والتواتر. هذا وإن * كان (1288) نبضهم في الحقيقة عظيم بالنسبة إلى أبدانهم. والجواب عما تمسكوا به الفريق الثاني في الطريقة الأولى * أولا قولهم (1289) إن الشهوة في الأحداث قوية إلى آخره. نقول أن الشهوة الكائنة عن البرد هي الشهوة الكلبية ومثل هذه الشهوة لا يكون معها استمراء واعتداء * على ما (1290) ينبغي وهما في الصبيان في أكثر الأوقات على ما ينبغي وإلأ كيف يوردون بدل المتحلل * وزائدا (1291) في النمو؟ والجواب عما تمسكوا به ثانيا قولهم PageVW5P031B إن أمراض الصبيان في الأكثر بلغمية إلى آخره. نقول توليد الشيء للشيء تارة يكون بالذات وتارة يكون بالغرض فتوليد البلغم في أبدان الأحداث بالغرض وذلك لكثرة حركاتهم على الأغذية وسوء ترتيبهم لاستعمالها فيكثر * فيهم التخم (1292) وسوء الاستمراء فيكثر البلغم فيهم * فتوليده (1293) حينئذ بواسطة فهو بالغرض لا بالذات. والجواب عما تمسكوا به ثالثا قولهم إن النمو يكون بالرطوبة إلى آخره. نقول النمو فعل * فلا (1294) بد له من فاعل وقابل * والقابل (1295) هو الرطوبة والفاعل * هو (1296) القوة النامية التي خلقها الله * تعالى (1297) لذلك بالحرارة الغريزية التي هي آلتها. فالرطوبة ليست بذاتها * تتخلق وتتصور (1298) بل تخلقها وتصورها بما ذكرنا. والجواب عما تمسكوا به في الطريقة الثانية * أولا قولهم (1299) إن الدم PageVW1P011A في الشباب أكثر وأحد إلى آخره. نقول سبب كثرة الدم في الشباب وقوف النماء وسبب حدته يبس أبدانهم فإنكم قد عرفت أن الحرارة متى تعلقت يجسم يابس استفادت حدته فيكون دمهم كثيرا حادا فيميل بذلك إلى * العالي (1300) وينصب إلى جهة المنخرين لأنه معتاد * بالخروج (1301) * منهما (1302) وذلك * إما (1303) لدفع الطبيعة أو لغير ذلك فيخرج بالرعاف. وأما مثابتة جوهره فليس هو لقوة النضج بل لكثرة مقداره وتراكمه بعضه على بعض فيتحلل لطيفه ويبقى كثيفه * ويغلظ (1304) قوامه. والجواب عما تمسكوا به ثانيا قولهم إن الشباب مزاجهم إلى الصفراء أميل إلى آخره. نقول ليس بسبب توليد الصفراء في أبدانهم كثرة حرارتهم بل حدتها فإنها لما كانت متعلقة بجسم يابس كانت حادة فكانت مولدة للصفراء. والجواب عما تمسكوا به ثالثا قولهم إن حركات الشباب أقوى وأثبت إلى آخره. نقول ليس سبب قوة حركة الشباب كثرة الحرارة بل * صلابة (1305) الآلة وتمكنها مما هو مطلوب منها. ولا شك أن حال * الصبيان (1306) في ذلك بضده. والجواب عما تمسكوا به رابعا قولهم إن * الاستمراء في الشباب (1307) أقوى وكذلك * الهضم (1308) . نقول ليس سبب ذلك فيهم كثرة * حركاتهم (1309) بل حسن ترتيبهم لاستعمال الأغذية وسوء ترتيبه في الأحداث فإنا قد بينا في كتبنا المبسوطة حيث تكلمنا في حفظ الصحة أن لترتيب الأغذية * قوة عظيمة (1310) في إصلاح الغذاء * وإفساده (1311) والله * أعلم (1312) .
البحث السادس
في ذكر مذهب الفاضل خالينوس في ذلك وما صح عندنا بالبرهان القاطع. ادعى الفاضل جالينوس أن الحرارة في الأحداث والشباب حرارة واحدة أي متساوية غير أنها في الأحداث ألين وفي الشباب أحد، وذكر لهذا مثالا في كتاب * المزاج (1313) وهو أنا إذا فرضنا حرارة واحدة تعلقت بماء وحجر * متساويي (1314) الوزن فإنا نرى المتعلقة بالماء ألين وألدن والمتعلقة بالحجر أحد وألذع، وذلك لأن * رطوبة الماء (1315) يفيدها ذلك ويبوسة الحجر يفيدها ذلك أيضا، واستدل على صحة مذهبه بما نقوله عنه وهو أن الحرارة الغريزية التي في بدن الإنسان حاصلة في أصل الكون * من (1316) المني من امتزاج PageVW5P032A العناصر بعضها * ببعض (1317) وهي في حال الصبا لم يعرض لها ما ينقصها وكيف يكون ذلك والصبي ممعن في التزيد لطلب الكمال ولم يعرض لها ما يزيدها فإن ذلك إنما يكون بزيادة * حزء (1318) ناري يمتزج بباقي عناصر البدن وهذا الكون مستحيل، وكذلك هي في سن الشباب لم يعرض لها ما يزيد فيها لامتناع امتزاج العناصر بعد الكون ولم يعرض لها ما يطفئها لأنها مستحفظة برطوبة والقدر المتحلل من الرطوبة ليس هو القدر الحافظ لها بل المتجه إلى جهة النمو ومحال أن يقال إن هذه القدر المتبقى هو الزائد في النمو، وذلك لأن الحرارة هي الأصل في النمو المستبقى وفي جميع الأفعال * فكيف (1319) يجوز أن يقال إنها * تبقى (1320) بالنمو وتترك حفظ ما هو أصل في النمو وفي جميع الأفعال وهذا البحث مبني على أن الحرارة العريزية هي الاستقصئية. وأما من يقول إنها الفلكية فهذا الدليل * لا (1321) يمشي على مذهبه وهو أن الحرارة الغريزية هي خاصلة * في البدن (1322) الإنساني عند تعلق نفسه الناطقة ببدنه ومحال * أن يقال (1323) إنها تزداد لأن زيادتها إنما تكون بتعليق نفس أخرى ببدنه وقد ثبت في غير هذا الفن استحالة تعلق نفسين ببدون واحد. وقد بينا استحالة زيادتها * بغذاء أودواء (1324) فإن قيل لا يسلم أن الشباب * لا (1325) يقع لهم سبب يزيد في حرارتهم بل الحق يوجب زيادتها على حرارة الأحداث. وذلك لأن في كل واحد من البدنين حرارة تفي بتدبيره من غير زيادة ولا نقصان. وأجزاء بدن الشباب أكثر من أجزاء بدن الحدث. فلو قدرنا أن الحرارة الوافية بتدبير بدن الحدث هي بعينها في بدن الشباب من غير زيادة ولا نقصان لضعفت عن تدبير أجزائه الكبيرة فهي حينئذ غيرها أي زائدة عليها. وإلا لم تكن وافية بتدبيره. فنقول الجواب عن هذا قوله إن في كل بدن حرارة تفي بتدبيره. * نقول هذا (1326) مما لا يشك فيه. * وقوله (1327) إن أعضاء الشباب أكبر من أعضاء الحدث فيجب أن تكون * الحرارة (1328) أزيد، نقول: المدبر في أبدان الحدث في * زمن (1329) الحداثة كالمتدبر في * بدن (1330) الشباب فإن أعضاء الحدث، وإن كانت أصغر من أعضاء الشباب غير أنها تزيد عليها PageVW1P011B بالنمو، * فالقدر (1331) الزائد عليها بالنمو يقوم لها مقام زيادة أعضاء الشباب على أعضائه في المقدار.واعلم أن الذي استقر عليه * رأيي (1332) في هذا المقام وثبت عندي صحته بالبرهان القاطع المبني على مقدمات حكيمة أن الحرارة في سن النماء أكثر مما هي في سن الشباب وهو أنه قد ثبت في الحكمة أن الحرارة عرض وأن العرض * حلوله (1333) في * محله (1334) على سبيل السريان وأنه سبب * لقوامها (1335) وأنه يستحيل الانتقال عليه بدون محله * حتى (1336) لا * يقال (1337) إن الحرارة عند نقصان الرطوبة في سن الشباب من لم يقال إلى أنها يحجتمع في المقدار المتبقى من الرطوبة في بدن الشباب PageVW5P032B * فإنه (1338) يلزم من انقسام المحل انقسام الحال. إذا علم هذا فنقول لا شك أن الاجتماع منعقد بين الفلاسفة والأطباء أن الرطوبة في سن النماء أوفر مما هي في سن الشباب والحرارة سارية فيها ثم أنها تأخذ في الانتقاص إلى سن الشباب على ما عرفت. ويلزم من نقصانها نقصان الحرارة لضرورة نقصان المحمول عند نقصان الحامل؛ وفيه نظر. ثم أنها تأخذ في الانتقاص عند الانتقال إلى سن الشباب ويلزم من نقصانها نقصان الحرارة والحرارة سارية فيها وإذا كان كذلك فالحرارة في سن * الحداثة (1339) أكثر مما هي في سن الشباب والله أعلم.
البحث السابع
في تحقيق معنى الحار * معنى مقدم (1340) من كلام أبقراط: أما جالينوس فقد قال المراد به الجوهر الحامل للحرارة هذا بعد ما جوز إطلاق اسم الحار على الكيفية. ومثل عليه بحوضين متساويين في المقدار صير فيهما ما حرارته واحدة. فيقال إن الحار في أحد الحوضين أكثر وهو الأكبر نظرا إلى كمية الجوهر وفي الآخر أقل وهو الأصغر مع أن نفس الكيفية فيهما واحدة. ثم قال وجوهر الحار الغريزي * جوهر (1341) هوائي * مائي (1342) كما يدل عليه المني. فإن الجوهر * الأرضي (1343) فيه قليل وأكثر ما فيه هواء حار ورطوبة وأيضا فإن كونه من الدم وهو رطب. قال * وإذا (1344) كان الصبى المولود أكثر ما فيه الجوهر الحار المائي والهوائي وجب أن يقال إن الحار الغريزي فيه أكثر * مما (1345) يكون والمتناهي الشباب والكهل هذان الجوهران فيهما قليلا. فوجب أن يقال إن الجوهر الغريزي بحسب ذلك فيهما أنقص * فإن (1346) كانت الحرارة فيهما سواء. هذا جملة ما قال في هذا الموضع؛ وفيه نظر. وهو أنه لا يلزم من زيادة هذا الجوهر زيادة الحاجة إلى الوقود لاحتمال أن تكون الحرارة معه ضعيفة. وأيضا فإنه جوهر قابل ليس هو فاعل حتى يكون محللا ويلزم من كثرته قوة الاحتياج إلى الوقود. وأيضا فمثل هذا الجوهر لا يقال للغذاء إنه وقود بالنسبة إليه بل بالنسبة إلى الحرارة. وإذا كان كذلك فالحق أن * لفظة (1347) الحار يطلق على الجوهر وعلى الكيفية ومراده هاهنا نفس الكيفية لا الجوهر الحامل * لها (1348) حنى يصح الحكم بزيادة الحاجة إلى الوقود الكيفية.
البحث الثامن
في * بيان (1349) علة * احتياج (1350) مثل هذه الأبدان إلى * الزيادة في (1351) الغذاء. وذلك * من وجوه ثلاثة (1352) . أحدها * عامة (1353) واثنتان خاصتان. أما * العامة (1354) * فهي (1355) * البدل (1356) عما تحلل. وأما * الخاصتان (1357) * فزيادة هذا المتحلل (1358) على باقي * الأبدان (1359) لكثرة الرطوبة فيها فتكون قابلة * للتحلل (1360) * ولأجل (1361) النمو فهي محتاجة * إلى (1362) الغذاء * بمقدار (1363) * ما (1364) بقي بالخلف عما تحلل * منها (1365) وتبقى منه بقية صالحة للنمو. وأما باقي الأبدان فليس تحتاج PageVW5P033A إلى الغذاء إلا لأجل الخلف. فلذلك قال ويحتاج من الوقود إلى أكثر ما يحتاج إليه سائر الأبدان. وعبر بالوقود في هذا الموضع وذلك لأنه ممد * للرطوبات (1366) الغريزية * التي (1367) الحرارة الغريزية قائمة بها مالذهن الممد للسراج الذي * فيه (1368) الدبال القائم به الحرارة وكالحطب القائم بدل ما فني من الحطب المشتعل في الأتون. فلذلك سمي الوارد وقودا في هذا الموضع. ومن هذا يعلم أنه لا يجوز حمل الحار الغريزي على الرطوبة * القائمة (1369) بها الكيفية لأنها * ليست (1370) علة الاحتياج إلى الوقود وأنه أيضا لا يصح القول بتساوي الحرارة في الشباب والصبيان على ما ذهب إليه الفاضل جالينوس وإلأ لما صح * الحاجة (1371) إلى زيادة الوقود في أحدهما دون الآخر.
البحث التاسع
قوله فإذا لم * يتناولوا (1372) ما * يحتاجون (1373) إليه * من الغذاء (1374) * ذبلت أبدانهم ونقصت (1375) . أقول قد علمت أن الأبدان في أول النشوء احتياجها إلى الغذاء أشد من احتياج سائر الأبدان فمتى لمم * يعطوا (1376) من الغذاء بحسب ما * تحتاجون (1377) إليه دبلت * أبدانهم (1378) ونقصت. وعبر عن الوارد في هذا الموضع بالغذاء لأنه أخذه بالإضافة إلى البدن فإنه لما كان يخلف عليه عوض المتحلل منه كان تسميته بالغذاء أولى من تسميته بالوقود. فالذبول مقابل النمو والنقصان لعدم خلف التحلل أو يقال PageVW1P012A الذبول لذهاب الرطوبات والنقصان في اللحم والقوى والأفعال.
البحث العاشر
قوله وأما في الشيوخ فالحار الغريزي فيهم قليل فمن قبل هذا ليس يحتاجون من الوقود إلا إلى اليسير لأن حرارتهم تطفئ من الكثير. قد علمت أن قوة الآثر قد تكون لقوة المؤثر وقد تكون لدوام تأثيره فالمشائخ قوة الأثر فيهم لدوام تأثير المؤثر لأنك قد عرفت أن الأسباب المحللة في بدن الشيخ هي بعينها * المحللة (1379) في البدن الشباب غير أن تأثيرها في بدن الشيخ أقوى مما هي في بدن الشباب. وذلك لدوام تأثيرها فيه. * ولذلك (1380) كان الحار الغريزي فيهم * قليلا (1381) أي الجوهر الحامل للحرارة الغريزية ويلزم من قلته ضعف الحرارة القائمة به وهذا * أقوى دليل (1382) على أن حرارة الصبى أكثر من حرارته الشباب * لأن (1383) * المتحلل (1384) لا بد وأن يكون متعلق * به (1385) شيء من الكيفية ولا يجوز أن يقال إن الحامل لها لما تحلل اجتمعت الكيفية * جميعها (1386) وتعلقت بما بقي من الرطوبات فإن هذا محال على ما قلنا وهو أن الانتقال على الأعراض محال بدون محالها، ولو جاز هذا لجار أن يقال إنها تجتمع فيما بقي من الرطوبات في بدن الشيخ ويلزم من هذا أن تكون الحرارة * فيه (1387) * كما هي (1388) في بدن الشباب وذلك محال. فالحاصل أن الكيفية في بدن الشيخ ضعيفة لنفصان الجوهر الحامل لها. فلذلك ليس * يحتاجون (1389) من الوقود إلا إلى اليسير كالسراج الضعيف الضوء * إذا صب فيه زيت كثير وكالنار الضعيفة إذا وضع عليها حطب كثير (1390) فإنه يغمرها ويطفئها * وإن (1391) كان ممدا لها مقويا. ولذلك صارت الحمرة، وإن كانت مقوية للحار الغريزي، إذا استعملت بالإفراط، غمرت الحرارة الغريزية وإطفأتها حسب ما حكم به الأطباء.
البحث الحادي عشر
قوله «ومن قبل هذا أيضا ليس تكون الحمى في المشيخة حادة كما تكون في الذين في النشوء PageVW5P033B وذلك لأن أبدانهم باردة». قال جالينوس هذا دليل على برد بدن الشيخ، وذلك لأن الحمى وإن كانت تحدث بتغير الحرارة الغريزية إلى النارية غير أنه يكاد أن يبلغ تغيرها * حرها (1392) في بدن الشيخ كتغيرها في بدن الشاب. وذلك لأن الحرارة الكثيرة يسهل مصيرها إلى غاية الإفراط. وأما الحرارة اليسيرة فليس يسهل ذلك فيها إلا أن * يستكرهه (1393) غاية الاستكراه. * ولذا ليس (1394) يحم الشيخ حمى حادة في أكثر الأمر كالشاب. وإن اتفق ذلك فغايتها تلقه. وذلك لعظم السبب. واعلم أن جالينوس قد جوز حدوث الحمى الحادة وللمشايخ لكن في الأقل، وهذا موافق * لكلام (1395) الإمام أبقراط فإنه لم يرد بقوله ليست تكون الحمى في المشيخة حادة كما تكون في الذين في النشوء الحكم بعدم حدوث الحمى الحادة بل الحكم بعدم حدة الحمى وهو حق. فإنه كيف يتصور أن تكون الحمى في الشباب * كحمى (1396) في المشائخ أي في الحدة مع تساوي السبب لما قلنا من الاستعداد. أما إذا اختلف السبب فيحتمل أن تكون الحمى في المشايخ أحد. وفي هذا كلام آخر قد ذكرناه فيما تقدم والله أعلم.
15
[aphorism]
قال * أبقراط (1397) : الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما تكون بالطبع والنوم فيهما أطول ما يكون. * فينبغي (1398) في هذين الوقتين أن يكون ما يتناول من الأغذية أكثر. وذلك لأن الحار الغريزي في الأبدان في هذين الوقتين كثير * ولذلك يحتاج إلى غذاء كثير (1399) . والدليل على ذلك أمر الأسنان والصريعين.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث تسعة.
البحث الأول
في * صلة هذا الفصل بما قبله (1400) . قد علمت أن الغذاء المستعمل في زمان المرض يقدر غلظه ولطافته بحسب مدة المرض واحتمال القوة والسن غير أن لأوقات السنة * في (1401) ذلك أثر عظيم. فإنه مثلا إذا حصل مرض حاد لشخصين * متساويي (1402) الأحوال في زمان الشتاء وزمان الصيف فإنه لا يبالغ في تلطيف الغذاء المستعمل في زمان الشتاء كما يبالغ * فيه (1403) في زمان الصيف لأن الحرارة الغريزية في زمن الشتاء في الباطن متوفرة. ولما كان هذا الأمر معتبرا ليس في حال المرض فقط بل وفي حال الصحة وكان العمدة في ذلك توفر الحرارة الغريزية على ما بيناه في الفصل الماضي، جعل هذا الفصل يتلوه في الترتيب.
البحث الثاني
في تحقيق القول في الفصول الأربعة. نقول السماء جسم كري وله حركتان أحدهما من المشرق إلى المغرب وهذا الحركة خاصة بالجرم الأول ومثل هذه الحركة تسمى الحركة اليومية لأن الفلك المذكور يدور كل يوم دورة تامة بالتقريب على قطبين * ثابتين (1404) أحدهما من جهة الشمال والآخر من جهة الجنوب. والثانية من المغرب إلى المشرق * وهذه هي (1405) الحركة الخاصة والجرم الأول في وسطه دائرة تقطعه بنصفين بعدها عن الأقطاب على السواء تسمى منطقة ذلك الجرم، وتسمى أيضا معدل النهار لأن الشمس إذا وصلت إليها وبحركتها الخاصة اعتدل الليل والنهار في جميع المعمورة PageVW5P034A وفي الأرض دائرة موازية تقسمها بنصفين متساويين أحدهما من جهة الشمال والأخرى * من (1406) جهة الجنوب تسمى خط الاستواء، وفلك البروج موضوع تحت الفلك الأول وفي وسطه دائرة عظيمة حاصلة بحركة مركز الشمس تمر بمعدل النهار * وتقطعه (1407) بنصفين لأنهما دائرتان PageVW1P012B عظيمتان وتسمى * هذه (1408) الدائرة فلك البروج وهي منطقة هذا الفلك وتقسمه من * المغرب إلى المشرق (1409) باثني عشر قسما كل فسم منها يسمى برجا وهي الحمل والثور والجوزاء * والسرطان (1410) والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدالي والحوت. وموضعا التقاطع يسميان * العقدتين (1411) . أحدهما عند رأس الحمل وتسمى الاعتدال الربيعي لأن االشمس إذا بلغته، استوى الليل والنهار في جميع الأقاليم. والأخرى عند رأس الميزان وتسمى الاعتدال الخريفي لأن الشمس إذا بلغت هذه النقطة، استوى الليل والنهار في جميع الأقاليم. وتمر بأقطاب الدائرتين المذكورتين أي دائرة معدل النهار وفلك البروج دائرة أخرى تقطعها بنصفين على نقطتين تسميان المنقلبتين. أحدهما شمالية وهو أول السرطان والأخرى جنوبية وهو أول الجدي. والأولى متى سامتتها الشمس، انقلب الزمان من الربيع إلى الصيف. والثانية متى سامتتها الشمس، انقلب الزمان من الخريف إلى الشتاء. وهذا الحكم جميعه بحسب البلاد الشمالية. وأما بحسب * البلاد (1412) الجنوبية فالأمر بالضد. فإن زمان الصيف هنا هو زمان الشتاء هناك وزمان الخريف هنا هو زمان الربيع هناك. وفي خط الاستواء الحكم فيها على غير ما ذكرنا. فإن هناك ربيعين وصيفين وخريفين وشتائين. فإن الشمس عند ما تهبط إلى جهة الجنوب، تسامت هذه الجهة فيكون هناك صيف ثم عند بعدها عنها غاية البعد في الجهة المذكورة يكون هناك شتاء وبين الصيف والشتاء خريف ثم عندما تأخذ في الميل إلى جهة الشمال يكون هناك ربيع ثم تحصل المسامتة فيكون هناك صيف ثم تمعن في الأخذ إلى جهة الشمال فيكون هناك شتاء وبين الصيف والشتاء خريف. فعلى هذه الصورة تحدث الفصول في خط الاستواء ويكون عددها ثمانية. وأما فيما عدا هذه البقعة فعلى ما ذكرنا. ويظهر مما قلنا إن الفصول الأربعة في الجانب الشمالي والجنوبي عبارة عن أزمنة * انتقالات (1413) الشمس * في ربع ربع من فلك البروج (1414) مبتدئة من النقطة الربيعية. * وإنما (1415) قلنا من النقطة الربيعية ولم نقل من رأس الحمل لتشتمل جميع فصول المعمورة فإن ذلك أول الحمل في الجانب الشمالي وأول الميزان في الجانب الجنوبي وفي خط الاستواء نقطة أخرى. وقلنا في ربع ربع من فلك البروج لا يصح إلا في الجانب الشمالي والجنوبي. وابتدأنا PageVW5P034B * بالفصول (1416) الأربعة بالربيع لأنه أعدلها وما كان كذلك * فهو (1417) أولى بالتقدم. فهذه الفصول الأربعة عند المنجمين. وأما عند الأطباء فهي فير تلك. وذلك لأنه ينظر فيها لا من حيث هي زمان ولا من حيث هي * حادثة (1418) عن انتقال الشمس الانتقال المذكور بل من حيث هي مؤثرة في بدن الإنسان وهي إنما تكون كذلك من حيث تسخينها أو تبريدها واعتدالها. فلذلك كان الصيف عندهم عبارة عن الزمان الحار والشتاء عبارة عن الزمان البارد والربيع هو الذي لا يحتاج فيه في البلاد المعتدلة إلى دفاء يعتد به للبرد أو ترويح يعتد به للحر. وذلك هو ابتداء نشوء الأشجار وظهور الأزهار ثم الأثمار. فيكون زمان الصيف والشتاء أطول من كل واحد من زمان الربيع والخريف لأن أول الربيع شبيه بالشتاء في البرد وآخره شبيه بالصيف في الحر. وكذلك أول الخريف شبيه بالصيف في الحر وآخره شبيه بالشتاء في البرد * والله أعلم (1419) .
البحث الثالث
في ذكر مزاج كل واحد من الفصول الأربعة. أما الربيع فمعتدل بين الكيفيات الأربعة، وذلك لأن قوة التسخين إما للمسامتة أو لدوامها والربيع لم يوجد فيه شيء من ذلك. فهو معتدل بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. وليس على ما ظنه أبقراط أنه حار رطب فإنه لو كان كذلك لكان من أردأ الفصول لأنه يكون قابلا * للتعفن (1420) . وأما الصيف فهو حار يابس. أما أنه حار فلوجود المسامتة فإن اللشمس في مثل هذا الوقت تكون مسامتة لرؤوسنا فيكون الشعاع الفائض عنها في ذلك الوقت قويا ونكون نحن في مثل هذا االوقت في وسط الشعاع أو في القرب من الوسط. ويلزم من ذلك قوة الضوء وذلك موجب لقوة التسخين لا لأن أشعة الشمس تحدر شيئا من الأجزاء النارية فإنه لو كان كذلك لكانت قلل الجبال أحر من الأودية والوجود بخلافه. ولا لأن الشمس حارة فإنه قد * ثبت (1421) في غير هذا الفن أن الأجرام الفلكية ليست بحارة ولا باردة ولا رطبة ولا يابسة وكيف يكون كذلك وهي ليست بثقيلة ولا خفيفة لأن حركتها ليست إلى المركز ولا عنه بل حوله، والثقل والخفة لازمان منعكسان على الحرارة والبرودة، فهي ليست موصوفة بشيء من الكيفيات PageVW1P013A . وأيضا لو كانت كذلك لكانت قلل الجبال أحر من الأودية والأغوار والوجود بخلافه ولا لأن الشعاع والضوء متى فويا، خلخلا جوهر النار وكبر احجمها فأحالت بعض الأجزاء الهوائية القريبة منها إلى النارية * وحينئذ (1422) يسخن ما يقرب منها تسخينا قريبا من الطبيعة النارية. وذلك لأنه لو كان الأمر كذلك * للزم (1423) أن تكون قلل الجبال أحر من الأودية والأغوار. وأما أنه يابس فلأنك قد عرفت أن الشمس تكون فيه مسامتة لرؤوسنا ويلزم ذلك اشتداد الحر وذلك موجب لتحليل ما يخالط الهواء PageVW5P035A من الرطوبات ويخلخل جوهره ومشاكلته للطبيعة النارية ولقلة ما يقع فيه هي من الأنداء والأمطار. وأما الخريف فقال الأطباء إنه معتدل بين الكيفيات الأربعة والحق أنه معتدل بين الحرارة والبرودة خارج عن الاعتدال إلى جهة اليبوسة. وذلك لأن بعد الشمس عنا في * زمن (1424) الخريف كبعدها في * زمن (1425) الربيع غير أن الخريف لم يحصل فيه ما يوجب * ترطيب (1426) هوائه حتى يعتدل بين الرطوبة واليبوسة. ورطوبة الهواء هاهنا عبارة عن اختلاط أجزاء مايئة به، ولا شك أن هواء الصيف خال من هذه الأجزاء. ولو حصلت فيه هذه الأجزاء حتى يرطب هواؤه، فإما أن تكون واردة عليه من خارج أو من داخل. فإن كانت من خارج فإما أن تكون بنزول مطر أو بصعود بحار يخالطه. والكائن من داخل هو أن ينقلب بعض الأجزاء الهوائية ماء ويخالط ما لا ينقلب ويفيده رطوبة. لكن الخريف لم يحصل فيه شيء من ذلك. أما الأول ففساده ظاهر وهو نزول المطر. وأما الثاني فهو كائن عن حرارة قوية في باطن الأرض ليقدر على التبخير * وحر (1427) ضعيف في الجو لأن * القوى (1428) تحلل ما يتصاعد وتجعله هواء وحال الجو والأرض في الخريف بضد ذلك. أما باطن الأرض فهو أبرد مما هو في الشتاء لأن مسامها متخلخة بحر هو الصيف. وأما الجو فإن الحرارة فيه قوية بسبب قربنا من المسامتة. وأما الداخل فإنه وإن كان البرد القوي يفعله كما يدل عليه حال الأواني التي تجعل في الجمد أو تحيط بها غير أن برد الخريف برد ضعيف لا يقوى على ذلك . فإن قيل هذا الكلام فيه نظر من وجهين أحدهما أن يقال: لم لا اعتدل الخريف وانتقل إلى الرطوبة كما انتقل إلى البرودة؟ وثانيهما أن الهواء الشتائي الرطب اعتدل بالحرارة الضعيفة الحاصلة في الربيع، فلم لا اعتدل الهواء الصيفي بالبرودة الضعيفة الحاصلة في الخريف؟ والجواب عن الأول نقول: الانتقال إلى البرودة أسهل من الانتقال إلى الرطوبة، وذلك لأن * البرودة كيفية فعلية والرطوبة كيفية انفعالية (1429) . فيكون تأثير الكيفية * الأولى (1430) في الشيء أسهل من * تأثير (1431) الكيفية * الثانية (1432) فيه. ويظهر لنا هذا ظهورا بينا إذا أخذنا جسمين متساويين في اليبوسة وقربنا أحدهما من شيء بارد والآخر من شيء رطب بحيث أن تكون برودة ذلك كرطوبة هذا فإنا نجد * المدنو (1433) إلى البارد يبرد أسرع من ترطيب * المدنو (1434) إلى * الرطب (1435) . والجواب عن الثاني أن الاستحالة إلى * الخفاف (1436) تكون بسهولة فأن أدنى حر يجفف وليس أدنى برد يرطب لأن إعدام الشيء أسهل من إيجاده فإن الأول يكفي فيه بسبب واحد، والثاني يحتاج إلى عدة أسباب. وأما الشتاء فبارد رطب. أما برده فلبعد الشمس عن مسامتة رؤوسنا فإن الشمس في مثل هذا الوقت بالنسبة إلينا تكون منوجهة إلى البروج الجنوبية. وأما الرطوبة فلكثرة ما يقع فيه من الأنداء والأمطار ولتكاثف الهواء وبعد مشاكلته للطبيعة النارية * والله أعلم (1437) .
البحث الرابع
في علة سخونة الأجواف في زمن الشتاء. لا شك أن الحس يشهد PageVW5P035B بتوفر الحرارة في باطن البدن في زمان الشتاء بالنسبة إلى * زمان (1438) الصيف. ولذلك صارت شهوة الطعام تقوى فيه وتجود الهضم وبحصب الأبدان وبحسن ألوانها وغير ذلك من الآثار الدالة على توفر الحرارة في الباطن. قال جالينوس في شرحه لهذا الفصل قد أخبرنا أرسطاطاليس بالعلة في ذلك وهو أن الحرارة الغريزية تهرب من البرد الخارجي فتكمن كما أنها في الصيف به تبرز وتخرج إلى الشيء المناسب المجانس فيتحلل جوهرها ويتفشش في الصيف. وهذا القول فيه نظر وهو أن الحرارة عرض والعرض يستحيل أن ينتقل بذاته على ما ثبت في غير هذا الفن. وإذا كان كذلك، فالحرارة كيف تنتقل من داخل إلى خارج أو بالعكس؟ وقال قوم إن البدن الحيواني دائما يرتفع منه أبخرة حاره فإذا ورد * عليه (1439) الهواء الشتائي كثف مسامه وسدها * وحبست (1440) الأبخرة المذكورة فضلة بالنسبة إلى الحرارة الغريزية وكيفيتها بالنسبة إلى كيفيتها، فإذا احتبست فهي إما أن توجب حرارة غريبة كما قد قيل في أسباب المرض الحار، وإما أن تجمد الحرارة الغريزية وتطفئها * بالاحتقان (1441) كما قد قيل في أسباب المرض البارد. الثاني لو كان قوة الحرارة في زمان الشتاء لاحتباس الأبخرة فلا شك أنها بطبعها تميل إلى ظاهر البدن فيكون معظم تأثيرها PageVW1P013B فيه ويلزم من هذا أنا لا نحتاج إلى دثار كثير في زمن الشتاء والوجود بخحلافه. وذهب الرازي إلى أن هذا القدر غلط من الحس، وذلك لأن البشرة تكون باردة في * زمان (1442) الشتاء لبرد الهواء الخارجي فتحس بفضل حرارة في الباطن في زمان الشتاء بخلاف حالها في زمان الصيف فإن الهواء الخارجي حار فتكون البشرة حارة فيستبرد الباطن أو تكون شبيها به. ويدل على صحة هذا أمران أحدهما أن الداخل إلى الحمام فإنه عند دخلوله يستسخن ماء البيت الأول ثم إذا دخل البيت الثاني * وتكيفت (1443) بشرته بمائه وهوائية * ثم صب (1444) عليه من ماء البيت الأول فإنه يستبرده. وثانيهما أمر البول فإنه حار خارج الحمام لبرد الهواء وبارد داخل الحمام لحرارة هوائه وليس لهذا علة سوى اختلاف البشرة. وهذا القول فاسد من وجوه أربعة. أحدها * ما (1445) نشاهده من ارتفاع الأبخرة من القني والآبار في زمان الشتاء. فلو كان ذلك من غلظ الحس، لما شوهد ذلك منها البتة في هذا الزمان بل كان يكون حالها كحالها في زمان * الصيف.وثانيها (1446) أنا نجد المياه المغترفة منها في زمان الشتاء تذيب الثلج والجمد مع شدة جمودها في هذا الفصل أسرع من تذويب ماء الصيف لهما مع * تخلخل (1447) الثلج والجمد فيه. وثالثها أنا يمكننا أن ندفئ بشرتنا في زمان الشتاء بحيث أن يصير حالها في الحرارة مساويا لما كان عليه في زمان الصيف مع أنا نشاهد ماء البئر فيه فاترا وفي زمان الصيف باردا. ورابعها أنا نرى الهضم والاستمراء وشهوة الكعام في زمان الشتاء أقوى مما هي في * زمان (1448) الصيف، فلو كانت الحرارة * الموجودة (1449) في الباطن في * زمان (1450) الشتاء هي الموجودة في PageVW5P036A في * زمان (1451) الصيف لكانت الأمور المذكورة حالها في الفصلين على السواء والوجود بخلافه. والذي اختاره الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا في هذه المسئلة على ما ذكره في الفصل الثالث من المقالة الأولى من الفن الرابع من طبيعيات الشفاء أن القوة الواحدة إذا فعلت في موضع صغير وموضع كبير كان تأثيرها في الموضع الصغير * أقوى (1452) وأكثر من تأثيرها في الموضع الكبير فإن ضوء السراح في بيته صغير أقوى من ضوئه * (1453) * في (1454) * صخرة (1455) عظيمة. فالجسم متى كان فيه مبدأ تسخين كان تسخينه لكله أضعف من تسخينه لبعضه فإن المنفعل إذا قل قوى تأثير المؤثر فيه فالبرد إذا استولى على الظاهر امتنع فعل الحرارة فيه وبقي المنفعل عنها الأجزاء * عنها الأجزاء (1456) الباطنة فيكون تأثيرها فيها أقوى. قال فعلى هذه الصورة يجب أن يعتقد حال التعاقب. وهذا الاختبار فيه اعتراف بانتقال الأعراض اللهم إلا أن يقول إن الحرارة عند هروبها إلى الباطن * هرب (1457) معها الجوهر الحامل لها وإلا فلا يصح ما قاله.
البحث الخامس
لقائل أن يقال هذا الحكم من الإمام أبقراط فيه نظر من وجوه ثلاثة. أحدها أن يقال لو كانت الحرارة الغريزية في الأبدان في زمان الشتاء قوية لما كثر فيها البلغم والأمراض الحاصلة عنه كالسكتة والفالج وغيرهما من الأمراض البلغمية فإن قوة الحرارة منافية لذلك لكنها كثيرة قوية فيه فليست الحرارة حينئذ قوية فيه. وثانيها لو كانت الحرارة فوية * فيه (1458) في أجواف الحيوانات لاحتاجت إلى غذاء كثير، وذلك محال * لأن (1459) بعض الحيونات تبقى مدة طويلة لا يستعمل فيها غذاء كالدب فإنه يبقى ثلاثة أشهر لا يستعمل فيها غذاء. وثالثها لو كانت الحرارة قوية * في الأجواف في هذا الفصل (1460) لكانت الأبدان فيه انشط وأقوى حركة وليست كذلك فإن كثيرا من الحيوانات تبقى فيه ملقاة كالميتة. والجواب عن الأول أن كثرة المواد البلغمية في فصل الشتاء ليس هي بالنظر إلى قوة الحرارة الغريزية بل بالنظر إلى طبيعة الفصل فإنها تقتضي توليد * البلغم (1461) وتعين على توليده كثرة الأغذية الغليظة المستعملة فيه السكون أيضا وغور الحرارة الغريزية إلى باطن الأبدان واستيلاء البرد على * ظاهر البدن (1462) . والجواب عن الثاني أن الحيونات على نوعين منها ما حرارتها قوية ومنها ما حرارتها ضعيفة فما كان * منها (1463) القبيل الأول فإن حرارته تقوى في زمان الشتاء في الباطن لتوفرها على بعض الجسم. وما كان منها من القبيل الثاني فإن حرارتها تضعف وتبقى كالميتة. وقد عرفت أن المحوج إلى تناول الغذاء إنما هو الحرارة الغريزية فحيث كانت ضعيفة فالحاجة قليلة وحيث كانت قوية فالحاجة كثيرة لا سيما PageVW5P036B إذا كان صاحب هذه الحرارة كثير الرطوبة فإنها تمدها أولا فأولا مدة طويلة كالدب. فإنه نهم كثير الأكل لأغذية مختلفة فيأكل الفواكة واللحوم وغيرهما فتكثر الرطوبات في بدنه في زمان الصيف والخريف. فإذا * جاء (1464) الشتاء اعتدت حرارته الضعيفة بهذه الرطوبة واكتفت بها مدة طويلة. والجواب عن الثالث قريب من الثاني وهو أن PageVW1P014A الحيونات الضعيفة الحرارة عند هجوم الشتاء عليها تسكن حرارتها وتنكسر بحيث أنها تصير كالميتة.
البحث السادس
في قوله «بالطبع» وذلك لأن غرضه أن يبين الأجواف في الشتاء أسخن ما يكون سخونة توجب زيادة الغذاء. وذلك إنما تكون بالسخونة الطبيعية فإن سخونة الباطن قد تكون لا من هذه السخونة كما ذكرنا عند احتباس الأبخرة لانسداد المسام غير أن مثل هذه السخونة لا توجب الزيادة في تناول الغذاء وجودة الهضم وغير ذلك. فلذلك قال بالطبع غير أن هذه السخونة تكون في * زمان (1465) الشتاء أقوى مما هي في زمان الربيع لأن الربيع قد انتقل إلى حرارة ضعيفة وهي حوجبة لانتشار الحرارة الغريزية في * الظاهر والباطن (1466) .
البحث السابع
في علة طول النوم في * زمان (1467) الشتاء ثم في * زمان (1468) الربيع وذلك من * وجوه (1469) جمسة. أحدها طول الليل على ما ذكره الفاضل جالينوس وقوة الظلمة فإن الظلمة موحشة للنفس والقوى * البدنية (1470) وعند ذلك * تهرب (1471) تلك القوى إلى جهة الباطن وتترك النفس لاستعمال الحواس. ولذلك صار الإنسان متى أراد النوم من نفسه غمض عينيه فإنه ينام. وأما النور فإنه موجب للسهر، وذلك لأنه يجذب الأرواح إلى ظاهر البدن بسبب المناسبة. وثانيها قوة البرد فإنه يكثف مجاري الروح النفساني ويغلظ قوامه. وحينئذ ينعذر عليه النفوذ في مسالكه الظاهرة. ولذلك لم تطاوع آلة الحركة للحركة في زمان الشتاء كما تطاوع في زمان الصيف. وعند ذلك تغور القوى المذكورة إلى الباطن ويحصل النوم. وثالثها كثرة الرطوبة فإنها ترخي جوهر الآلة وتضغطها بعضها على بعض وتسد مسالك الروح. ولا شك أن هذا مانع للروح من النفوذ والخروج. وهذا السبب في الربيع أبلغ مما هو في الشتاء والسبب الذي قبله في الشتاء أبلغ. ورابعها كثرة السكون المستعمل فيه * فإن ذلك (1472) موجب للنوم. وخامسها الاقاصار على الأغذية الحقيقية الغليظية فتبخر إلى الدماغ أبخرة غليظة فتعلظ جوهر الروح وتسد مسالكه.
البحث الثامن
في قوله «فينبغي هذين الوقتين أن يكون ما يتناول من الأغذية أكثر». * أقول (1473) قد علم أن علة الحاجة إلى تناول الغذاء توفر الحرارة الغريزية، ولا شك أنها كذلك في الباطن * في (1474) الوقتين المذكورين. أما أولا فلما ذكرنا من ميلها PageVW5P037A إلى الباطن. وأما ثانيا فلكثرة النوم المستعمل فيه على ما عرفت. والنوم موجب لميلها إلى باطن البدن. ولذلك صار النائم يحتاج إلى دثار أكثر مما إليه وهو يقظان. وقد علم أن الحرارة الغريزية آلة للقوى اجمع في صدور أفعالها عنها لا سيما القوى الطبيعية فتقوى حينئذ الشهوة الطبيعية ويجود الهضم والاستمراء فتشتد الحاجة إلى تناول الغذاء غير أن هذا في الشتاء أقوى منه في الربيع لأن برد الهواء فيه أقوى مما * هو (1475) في الربيع. فإن قيل هذا الكلام فيه نظر من وجهين * أحدهما (1476) أن يقال إن الحاجة إلى تناول الغذاء إما لإخلاف بدل ما يتحلل وإما للزيادة في النمو. ولا شك أن الحاجة في الشتاء والصيف إنما هي لأجل الأول. وإذا كان كذلك فالمتحلل من الأبدان في * زمان (1477) الصيف أكثر * من المتحلل منها (1478) في زمان الشتاء. وكيف لا يكون * كذلك (1479) والعرق من البدن في زمان الصيف أكثر منه في زمان الشتاء؛ فالدليل يوجب صحة ما ذكرنا. والوجود يشهد بصحة ما قاله أبقراط. فإن الإنسان * لو (1480) اقتصر في استعمال ما * يستعمل (1481) من الأغذية في زمان الشتاء على ما * كان (1482) يستعمله في * زمان (1483) الصيف لبرد بدنه واستضر ضررا بينا. وثانيهما أنه جعل زيادة الغذاء في زمان الشتاء والربيع لزيادة الحرارة الغريزية والنوم فيهما ولحرارة الغريزية لكل بدن منها * قدر (1484) مخصوص استحقه بحسب سنه فذاتها لا تقبل الزيادة بعد حصول المستحق للبدن منها. فهي واحدة في جميع الفصول لكل سن لكن تختلف في فصول السنة بانحصار شيء كان منتشر أو انتشار شيء كان منحصرا. ففي * زمان (1485) الشتاء والربيع انحصر في الباطن ما كان منتشرا في ظاهر البدن بسبب البرد الخارجي، وفي زمان الصيف انتشر ما كان منحصرا بسبب ورود الشيء الحابس. والجواب عن الأول نقول قد ثبت أن الحرارة الغريزية في زمان الشتاء في الباطن أقوى مما هي في زمان الصيف، فلم لا يقال إنها تتحلل تحليلا محسوسا في * زمان (1486) الشتاء ما * كانت (1487) تحلله تحليلا * خفيا (1488) في زمان الصيف؛ أو نقول إن القدر الخارج بالعروق في زمان الصيف يخرج في زمان الشتاء * في (1489) جهات أخر لتكاثف المسام. ولذلك صار البول يكثر فيه ويتوفر رسوبه ويكثر فيه البصاق والفضلات الخارجة من أعلى الحنك والأنف وبالسعال وحينئذ تحتاج الطبيعة إلى رد عوض هذا الخارج؟ فإن عاد المعترض وقال على كل تقدير التحلل في الشتاء والربيع سواء كان حفيا أو ليس بخفي إما أن يكون مساويا PageVW1P014B لذلك في الصيف أو لا يكون. فإن لم يكن فإما أن يكون أزيد أو أنقص. فإن كان مساويا فلا يقتضي زيادة الوارد. وإن كان أنقص فهو بذلك أولى. وإن كان أزيد تبعه نقصان الحرارة في الظاهر والباطن قياسا على الصيف. وذلك يقتضي قلة الوارد PageVW5P037B لضعف الحرارة الغريزية التي هي موجبة لزيادة الوارد. فنقول الجواب عن هذا أن مراده هاهنا بالخلف الوارد المعدي لا العضوي. وذلك لأن الهواء البارد إذا لاقى البشرة ومنع انتشار الحرارة * الغريزية (1490) في سطوحها على ما أوضحناه قوي أثرها في الأجواف وحينئذ تحلل ما تجده فيها من الرطوبات وتبخرها. وعند ذلك تتقاضى طبيعة المعدة تقاضيا زائدا في طلب الغداء ويلزم من ذلك زيادة الغذاء. ثم أنه يصادف قوة الحرارة فيها فينعطف على هضمه وإحالته. وفي تلك الحال يتحلل منه مقدار صالح إلى أن يتشبه بالأعضاء وينحدر عنها * بسرعة (1491) وهو منهضم انهضاما تاما. ثم يشتد التقاضي المذكور لقوة الحرارة وحينئذ يعود إلى الحالة الأولى. ولا يزال الأمر كذلك ما دامت الحرارة قوية في الباطن. وذلك في مدة الشتاء والربيع ولهذا قال أبقراط ينبغي أن يكون ما يتناول أكثر ولم يقل وينبغي أن يكون الخلف أكثر. وأما في الصيف فإن الحرارة الغريزية في هذا المحل ضعيفة لانتشارها في الظاهر بسبب ورود المجانس لها على ظاهر البدن. وعند ذلك لم * يقو (1492) على تحليل ما هناك من الرطوبات فلا يشتد التقاضي ويطول أيضا * لذلك (1493) مكث الغذاء في الجوف ثم عند نفوذه عن المعدة ووروده إلى الأعضاء يطون أيضا مكثه عندها لضعف حرارتها فيقل التقاضي من جهتها وتتبع ذلك قلة الوارد المعدي. فإذن مقتضى زيادة الخلف المزاج السني لا الفصلي ومقتضى زيادة الوارد المعدي السني والفصلي. والفصلي أبلغ في ذلك فإن الصبي استعماله للغذاء في الشتاء أكثر منه في الصيف. فإن قيل إن الأبدان أوفر لحما وأكثر خصبا في زمان الشتاء مما هي في زمان الصيف. وليس لهذا علة سوى زيادة الوارد عليها في * زمان (1494) الشتاء وقلته في زمان الصيف. فنقول قد * عرفت (1495) أن مكث الغذاء في * المعدة (1496) زمان الصيف أكثر من مكثه في زمان الشتاء. والحر الخارجي الملاقي للأبدان في زمان الصيف أقوى مما هو في زمان الشتاء وهو حر غريب فيحلل ما يجده في سطوح الأبدان. ولذلك صار العرق يكثر في زمان الصيف. ويتبع ذلك ضعف الحرارة الغريزية هناك لأنه لا بد وأن يتحلل شيء من مادتها لكون المحلل غريب. ثم إذا ورد المخلف * قليل لا يفي بالخلف (1497) لأنه قليل لقلة تقاضي المعدة بسبب ضعف الحرارة الغريزية عندها. فيستولي الهزال والذبول عليها في زمان الصيف. وأما في * زمان (1498) الشتاء فإن الحر الخارجي ضعيف فلم يحلل كتحليله في زمان الصيف. ومع ذلك الوارد متوفر المقدار لكثرة * المتناول (1499) وذلك لقوة تقاضي المعدة. فإن قيل إن علة ذلك توفر الحرارة الغريزية في الباطن، فلم لا يتحلل ما تجده في الباطن كما يحلل الحر الخارجي ما يجده في الظاهر من الرطوبات؟ فنقول لأن الأول غريزي والثاني * غريب (1500) والغريزي حافظ لرطوبات البدن والغريب ليس هو كذلك على ما قررناه فيما تقدم وفي شرحنا لكليات القانون. والجواب عن الثاني نقول زيادة الغذاء في الفصلين المذكورين ليس هو لزيادة الحرارة في نفسها * لكن (1501) * لقوامها (1502) عند آلات الغذاء على ما بيناه. PageVW5P038A وحينئذ تقوى القوى الطبيعية هناك. ولذلك قال الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما تكون بالطبع ولم يقل الأبدان أسخن ما تكون بالطبع. واعلم أن الحكم المذكور إنما يصح فيمن كان من الحيوانات * القوية (1503) الحرارة * الغزيرة (1504) الدم. وإلا فيمن حاله بالضد فإن قوة البرد تستولي على ظاهره ثم باطنه فتجمد حرارته الغريزية * فيموت (1505) أو يبقى كالميت. ولذلك صارت أمثال هذه الحيوانات تطلب بواطن الأرض والأسراب وبالجملة الأماكن الدفئة. فلأجل هذا قال الأجواف ولم يقل كل الأجواف بل حكم في هذا المعنى حكما مهملا ولم يجعله كليا خوفا من إيراد ذكرناه. فإن المهمل في قوة الجزئي. وأما قوله وذلك لأن الحار الغريزي في الأبدان في هذين الوقتين كثير ولذلك يحتاج إلى غذاء أكثر. أما كثرة الحار الغريزي في الباطن في الوقتين المذكورين فقد عرفت معناه غير أنه ربما يقال إن هذا الكلام منه قد سلف فلا حاجة إليه. فنقول الفائدة منه * أنه (1506) كالتعليل لزيادة المتناول وأبقراط قد أعاد لفظة الحار ولا خلاف أنه يزيد بذلك الكيفية. فإنها هي الزيادة في الأجواف في زمان الشتاء وهي المحوجة إلى كثرة المتناول وغير ذلك مما ذكرناه.
البحث التاسع
قوله «والدليل على ذلك أمر الأسنان والصريعين». فنقول الغرض من هذا بيان أن الموجب لزيادة المتناول زيادة الحرارة الغريزية فإن الصبيان لما كانوا أوفر الناس حرارة غريزية على ما عرفت كان تناولهم للغذاء أكثر من تناول غيرهم والصربعين؟ * أعني (1507) المصارعين PageVW1P015A لما كانت حرارتهم أوفر من حرارة من لم يصارع كان تناولهم للغذاء أكثر من تناول * غيرهم (1508) . والصريع على وزن فعيل كالشريب * والخمير والسكير (1509) والفسيق. وهذا القدر يدل على * الإفراط في (1510) المواظبة على الشيء والاستكثار منه. فإن الشريب هو المواظب على الشرب والسكير على السكر والخمير على الخمر والفسيق على الفسق والله أعلم.
16
[aphorism]
قال أبقراط: الأغذية الرطبة توافق جميع المحموين لا سيما * الصبيان (1511) وغيرهم ممن قد اعتاد أن يغتذي بالأغذية الرطبة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل مما قبله * وهي (1512) أن الغذاء المستعمل في حال المرض تارة ينظر في كميته وتارة ينظر في كيفيته ثم لما كان النظر فيهما ضروريا والمعنى الأول قد مضى الكلام فيه * أخذ (1513) الآن يتكلم في المعنى الثاني وهذا البحث مستفاد من كلام الفاضل جالينوس.
البحث الثاني
في معنى الغذاء. قد بينا في كتبنا المبسوطة أن كل ما يرد على البدن يفعل البدن فيه أولا ثم * يفعل (1514) في البدن ثانيا ففعل الوارد بعد ذلك في * البدن (1515) إما أن * يكون (1516) مع بقاء صورته النوعية * وإما (1517) أن يخلع صورته تلك ويلبس صورة العضو الوارد عليه. فإن كان الأول فهو الدواء * بحسب المشهور (1518) وإن كان الثاني فهو الغذاء. ثم هذا منه ما هو غذاء محض ومنه ما فيه قوة دوائية. وأكثر الأغذية المستعملة في حال المرض من هذا القبيل. وذلك لأنها تخلف على البدن عوض ما تحلل منه بما فيه من الغذائية ويقاوم PageVW5P038B الأمر الموجب للمرض بما * فيها (1519) من الدوائية * والمستعملة (1520) لحفظ الصحة من القبيل الأول.
البحث الثالث
ما مراد أبقراط بالرطب. هاهنا المفهوم من كلام * الفاضل (1521) جالينوس وابن أبي صادق أنه الرطب في المزاج. قال جالينوس وذلك * لأن (1522) غرضه أن يعرفنا كيف يكون مبنى العمل في مداواة الأمراض وحفظ الصحة. قال فالأول بالمضاد والثاني بالشبيه. وذلك لأنه أشار إلى الأول بنفع الغذاء الرطب في الحمى فإنه مضاد لها وأشار إلى الثاني بقوة نفع هذه الأغذية لمن كان رطب المزاج إما طبعا كالصبيان والنساء وإما عادة كمن اعتاد استعمال المرطبات. وفي هذه الكلام فائدة أخرى وهو أن العادي حكمه حكم الطبيعي في جميع التدابير. قال ابن أبي صادق: فالمحموم إذ كان رطب المزاج فالأغذية الرطبة توافقه من الوجهين أعني من جهة المضادة والمشاكلة. قال جالينوس وقد اعترض على أبقراط في هذا الحكم بمستسقي محموم فإن مثل هذه لا يحتاج إلى غذاء رطب. أجاب عن هذا بما هذا حاصله وهو أن * هذا به (1523) مرضان لا مرض واحد. فمعالجته مركبة إذ يقصد فيها قصد الأهم والأشد خطرا. وإذا كان * الأمر (1524) كذلك فالصورة التي ذكرها المعترض لا يرد بها النقض لأنها مركبة وكلام أبقراط فيما هو بسيط فقط. واعلم أن هذا الكلام من الفاضل جالينوس فيه نظر من * وجوه ثلاثة (1525) . أحدها أن الحمى من حيث هي * حمى (1526) حرارة غريزية واليبوسة عارضة لها. وذلك * بسبب (1527) المادة العفنة فإنها متى كانت رطبة كالبلغم كانت مع كونها حارة * رطبة (1528) تميل إلى الرطوبة ومتى كانت يابسة كالصفراء كانت مع * كونها حارة (1529) تميل إلى اليبوسة. وإذا كان كذلك فليس الغذاء الرطب على ما ذكره مضاد لها. وثانيها أن من الحميات ما هي بلغمية على ما أشرنا إليه وسبب الحمى لا بد من مراعاتها والغذاء الرطب بالتفسير المذكور مضر بها. وثالثها أن الشبيه للصحة لا يستعمل إلا في * حال (1530) وجود الصحة وهي مع الحمى منعدمة. فكيف يقال باستعمال الشبيه في حال عدمها للحفظ لها والذي فتح باب هذه الاعتراضات حمل جالينوس وابن أبي صادق الرطب على الرطب بالمزاج. والحق عندي أن مراده هاهنا بالرطب * الرطب (1531) القوام سواء كان * في مزاجه رطبا (1532) كماء الشعير أو ليس برطب كماء العسل أو ماء الشعير بالفلفل أو هو * معتدل (1533) بين ذلك كالحساء المتحد من الحنطة. فإن هذه كلها نافعة لجميع المحمومين لكنها * تخلف (1534) كما ذكرنا في ماء الشعير الساذج. مثل هذا الغذاء نافع للحميات الصفراوية وتارة يكون مع رطوبته هذه مقطعا ملطفا كما العسل ومثل هذه الغذاء ينتفع به في مداواة الحميات البلغمية وتارة تكون معتدلة بين ذلك كحساء الحنطة. PageVW5P039A وفي مثل هذه ينتفع به فيما اعتدل بين الحماتين المذكورتين. فعلى هذا تكون الأغذية الرطبة النافعة لجميع المحمومين وفي استعمالها فوائد أخر وهي أنها تندي المعدة وتبلها فتشتغل الحرارة بتخفيفها عن تخفيف رطوبات المعدة عند انعطافها عليها حال انهضامها ومنها أنها لرقة قوامها سريعة الانحدار عن المعدة فلا يلبث * فيها (1535) زمانا يجوز في مثله أن * تفنى (1536) رطوبته وترجع الحرارة بالتحليل لما في المعدة. ومنها أنها للطافة قوامها سريعة الانهضام فلا تشتغل الطبيعة بهضمها كاشتغالها بما يقابلها عن مقاومة المادة الموجبة للحمى. فإن قيل هذا التأويل * مناقص به (1537) ما ذكره أبقراط في خامسة هذا الكتاب وهو قوله اللين لأصحاب الصداع رديء، وكذلك أيضا للمحمومين رديء، ولا شك أن اللين رطب بالتفسير المذكور وقد حكم أبقراط بضرره في الصورة المذكورة والاستقراء يؤيده. وإذا كان كذلك لم يصح ما ذكره تموه في تفسير الرطب أنه الرطب في القوام. قلنا الجواب عن هذا أنا أصلناه في مبادئ PageVW1P015B شرح هذا الفصل أصلا إذا فهم وروعى استعماله في الأمراض لم يرد النقض * في الصورة (1538) المذكورة وهو أن الغذاء المستعمل في حال المرض غذاء دوائي لا غذاء محض والمستعمل في حال الصحة غذاء مخص واللين من هذا القبيل. فلذلك كان استعماله مضرا بالمحمومين * لخلوه (1539) من القوة الدوائية التي بها يقاوم المرض. فإن عاد المعترض وقال إن أبقراط قد حكم بنفعه في حمى الدق نفعه فيها بشرط أن لا يكون معها شيء من علامات حمى العفن ولا أن تكون معها الحرارة قوية. وبالجملة هذه الشروط سنذكرها وعللها في شرح هذا الفصل. * ولا شك أن الحمى المذكورة متى كانت كذلك نعها اللين نفعا شديدا لاقوة ترطيبه. وذلك لخلوه من القوة الدوائية (1540) .
البحث الرابع
في بيان * زيادة (1541) نفع هذه الأغذية للصبيان ولمن هو معتاد لاستعمالها . قال ابن أبي صادق: وذلك لأنها تشاكل أمزجتهم الأصلية. والذي نقوله نحن إن في التدابير المرضية لا يلتفت إلى مشاكلة التدبير للمزاج الأصلي ولا إلى عدم مشاكلته، وإنما الالتفات مقاومة إلى مقاومة السبب الموجب للمزاج العارض سواء كان يسمى مشاكلا للمزاج الأصلي أو ليس مشاكلا غير أنه قد يتفق أن يكون التدبير مشاكلا ويكون أعون في الإصلاح من غير المشاكل. فلا ينبغي أن يجعل هذا قانونا يراعى في كل مرض لأنه يكون التدبير مةافقا من غير أن يكون مشاكلا. والحق عندي في هذا ما أقوله بعد أن تقدم عليه مقدمة وهي أن القوة الهاضمة محتاجة في تمام فعلها إلى الحرارة والرطوبة على ما أوضحناه في كتبنا المبسوطة. وقد ثبت فيما تقدم أن هاتين الكيفيتين في الصبيان في غاية القوة فيجب أن تكون قواهم الهاضمة قوية واستقراء أحوالهم * تشهد (1542) بضعفها فإنا نراهم PageVW5P039B إذا استعملوا الأغذية الصلبة * لما (1543) ينهضم في معدتهم كانهضامها في معد * الشبان (1544) . * أجاب (1545) الأطباء عن * مثل هذه البحث (1546) بأن العلة في ذلك المشابهة وعدم المشابهة وهو أن الأغذية * الصلبة (1547) لما كانت مناسبة لأبدان * الشبان (1548) احتوت عليها قوامهم فهضمتها على أتم وجه وأكمله. وغير مناسبة لأبدان الصبيان فلم تهضمها مثل ذلك الانهضام. واعلم أن هذا الجواب منهم فيه نظر وهو أنه يلزم أن قوى * الشبان (1549) أن لا * تهضم (1550) الأشياء * اللينة (1551) لأنها غير مناسبة لأبدانهم والذي اخترته في الجواب عن الاعتراض المذكور هو أن الهضم يحتاج في وجوده إلى القوة الهاضمة والماسكة فمتى كانتا * قويتين (1552) كان الهضم على أتم وجه وأكمله. ومتى كانتا ضعيفتين * أو أحدهما (1553) ضعيفة لم يتم الهضم على ما ينبغي. ولا شك أن هضم الأغذية الصلبة أبطأ وأعسر من هضم الأغذية اللينة فهي محتاجة إلى توفر من القوة الماسكة. وقد علم من غير هذا الكتاب أنها ضعيفة في الصبيان لاستيلاء الرطوبة على أبدانهم * فلذلك لا (1554) يقدرون على هضم الأغذية الصلبة لأن قواهم الهاضمة ضعيفة. إذا عرفت هذا فنقل: قد عرف ما المراد بالأغذية الرطبة في كلام أبقراط ولا شك أن أمثال هذه الأغذية قوى الصبيان ومن اعتاد استعمالها في حال الصحة قادرة على هضمها بحيث أنها تنهضم ومعدهم على ما ينبغي بخلاف ما يقابلها من الأغذية فإنها لا تنهضم كانهضام تلك. ولما كان حال الأغذية المذكورة * هذه (1555) الحال قال أبقراط: لا سيما الصبيان وغيرهم ممن قد اعتاد أن يغتذي بالأغذية الرطبة. فإن من اعتاد أن يغتذي بالأغذية المذكورة صارت قواهم الماسكة والهاضمة * كهما (1556) في الصبيان.
البحث الخامس:
لقائل أن يقول إن حكم * الأوحد (1557) أبقراط بنفع الأغذية الرطبة لجميع المحمومين فيه نظر من وجوه أربعة. أحدها أن الغذاء من حيث هو غذاء لا يوافق جميع المحمومين فإن أصحاب الأمراض الحادة التي في الغاية القصوى لا شك أنهم * محمومون (1558) مع أنهم * لا يحتاجون (1559) إلى غذاء على ما تقدم فضلا * عن (1560) أن يكون رطبا. وثانيها أنه يناقص قوله في المقالة الثانية * قوله (1561) البدن الذي ليس * بالنقي (1562) كلما غذوته * زدته (1563) شرا. ولا شك أن بدن المحموم ليس * بالنقي (1564) * فأمثال (1565) الأغذية * المذكورة (1566) حينئذ متى * استعملت (1567) * في (1568) البدن المذكور زادته شرا لأنها تستحيل * إلى (1569) مادة المرض. وثالثها لم لا قال الأدوية الرطبة لأن استعمالها في وقت المرض أكثر من استعمال الأغذية الرطبة؟ ورابعها * أنه (1570) لم لا قال الأغذية الباردة لأن * مضادة (1571) البرودة للحمى أقوى من مضادة الرطوبة لها. فنقول: الجواب * عن (1572) الأول قد عرفت أن أمثال الأمراض المذكورة تقابل بترك الغذاء المحض لا بترك الغذاء الدوائي فإن هذا جائز الاستعمال بل واجب كالأشربة الدوائية مثل شراب الإجاص PageVW5P040A * والنوفر (1573) وغيرهما فإن هذه لما فيها من تسكين الحرارة ولهيب المادة وحفظ القوة لا بد من استعمالها. ولا شك أن هذه رطبة بالتفسير المذكور. والجواب عن الثاني أن ذم أبقراط * لتغذية البدن الذي ليس بنقي (1574) ليس المراد به الأغذية مطلقا بل الأغذية المحضة. ونحن كلامنا في الأغذية الدوائية لأن أمثال تلك لا يجوز استعمالها في حال المرض أغذية دوائية خوفا من استحالتها إلى المادة الموجبة له. وأما الأغذية الدوائية فإن استعمالها فيه واجب لما فيها من المقاومة لمادته وإخلاف عوض المتحلل لما فيها من الغذائية. والجواب عن الثالث أنك قد عرفت أن الأغذية PageVW1P016A المستعملة في حال المرض أغذية دوائية فيكون ذكرها أولى من ذكر الأدوية المحضة وكيف لا واستعمال تلك في * حال (1575) المرض أكثر من استعمال الأدوية المحض. والجواب عن الرابع أنك قد عرفت ما المراد بالرطب هاهنا فإنه تارة يكون مع كونه كذلك باردا فيستعمل في حمى وتارة يكون مع كونه كذلك حارا فيستعمل في حمى أخرى. ولو قال الأغذية الباردة لكان * كلاما (1576) ناقصا لأن أمثال هذه الأغذية لا يجوز استعمالها في أكثر الحميات كالحميات البلغمية والسوداوية خوفا من تجميد المادة والله أعلم.
17
[aphorism]
قال * أبقراط (1577) : وينبغي أن يعطى بعض المرضى غذاؤهم في مرة واحدة وبعضهم في مرتين ويجعل ما يعطونه منه أكثر أو أقل وبعضهم قليلا قليلا وينبغي * أيضا (1578) أن يعطى الوقت الحاضر من أوقات السنة حظه من هذا والعادة والسن.
[commentary]
الشرح هاهنا * بحوث (1579) ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله وهو أن الإمام أبقراط لما بين لنا كمية الغذاء المستعمل في حال المرض وكيفيته أخذ يعرفنا في هذه الفصل عدد مراته فإنه ليس يكفينا في تغذية المرضى معرفة كمية الغذاء وكيفيته بل لا بد أن يعرف هل ينبغي أن يعطى من ذلك الغذاء مرة * واحدة (1580) * أو (1581) * مرتين (1582) فذكر في هذا الفصل الأمور التي يعرف منها ذلك.
البحث الثاني
في بيان معرفة المرات * في (1583) حال المرض وقوة العليل. قال الفاضل جالينوس الأعراض الأول في هذا الباب هي المرض وقوة المريض ثم بعدها الوقت الحاضر من أوقات السنة والسن والعادة. فإن هذه ليست في قوة الدلالة على معرفة * عدد (1584) المرات كتلك. ولذلك قال ينبغي أن يعطى الوقت الحاضر من أوقات السنة حظه من هذا والعادة * والسن والبلد (1585) . ومراد جالينوس بالمرض المادة الموجبة له فإن كثيرا ما يطلق المرض ويراد به المادة الموجبة ولم يقل ويجب له. وقد جاء ذلك في كلام * الإمام (1586) أبقراط حيث قال في ثانية هذه الكتاب البقايا التي تبقى من الأمراض من بعد البحران من عاداتها أن تجلب عودة من المرض.ولا شك أن مراده هاهنا بالبقايا ما يبقى من مادة المرض. * فإذا (1587) عرفت هذا فنقول قوة المريض * إذا (1588) كانت PageVW5P040B ضعيفة وحال البدن حال فساد ونقصان أي * مواده (1589) فاسدة قليلة فينبغي أن يعطى * طعاما (1590) قليلا * في (1591) مرات كثيرة. أما قلته فلأن القوة ضعيفة لا تحتمل الكثرة. وأما في مرات كثير فلأن حال البدن تحتاج إلى غذاء كثير لأن النقصان يحتاج إلى الزيادة والفساد يحتاج إلى التعديل، وإن كانت القوة ضعيفة والبدن * ليس (1592) بفاسد ولا ناقص فينبغي أن يعطى العليل غذاء قليلا في مرار قليلة. أما قلته فلأجل ضعف القوة فإنها لا تنهض * بهضم (1593) غذاء كثيرا. وأما قلة المرار فلأن المواد ليست بفاسدة وإن كانت القوة قوية وحال * البدن (1594) حال فساد ونقصان فينبغي أن يطعم طعاما كثيرا في مرات كثيرة. أما كثرته فلأن القوة قوية تفي بهضمه * وتغييره (1595) . وأما كثرة المرار فلأن المواد محتاجة إلى إصلاح وزيادة في المقدار، وإن كانت القوة قوية وحال البدن ليس حال فساد ونقصان بل هو ممتلئ فينبغي أن يعظم العليل طعاما * قليلا (1596) مرارا قليلة فإن القوة وإن كانت في هذه الصورة قوية غير أن البدن * محتاج (1597) إلى * التخفيف والتنقيص (1598) ولا شك أن قلة الغذاء تقلل المادة. هذا خلاصة ما ذكره الفاضل جالينوس في هذه الباب. والذي نقوله نحن في هذه الموضع إن * الإمام (1599) أبقراط لما تقدم وأمرنا بتلطيف التدبير في الأمراض الحادة وبنى الأمر فيها على أن القوة فيها ثابتة لا يخشى انحلالها بترك الغذاء لقصر المدة. وأمرنا أيضا بتغليظ التدبير في الأمراض المزمنة المحللة للقوة لطول مدتها أشار في هذه الفصل بأن لا يعطى الغذاء في هذه الأمراض كيف اتفق بل يعطى بعض المرضى الغذاء دفعة مرة واحدة وهو * من (1600) يكون أمراضه قصيرة المدة وقواه * باقية (1601) وغذاءه لطيف فإن * مثل (1602) هذا لا يحتاج إلى تقسيم الغذاء وبعض المرضى يعطون الغذاء في مرات وهم أصحاب الأمراض المتطاولة والقوى الضعيفة فإن قوي هؤلاء لا ينهض بهضم الغذاء دفعة فإذا قسم عليها حاد استمالها عليه وهضمها له وتوفر محاماتها عنه من الأشياء المفسدة له حتى يغتذي به. وهذا الوجه أجود من الوجه الذي ذكره الفاضل جالينوس لأن * ليس (1603) في كلام الإمام أبقراط ما يدل عليه بخلاف ما ذكرناه فإن كلامه النتقدم دال عليه بقي هاهنا * شيء (1604) آخر وهو قوله ويجعل ما يعطونه منه أكثر أو أقل * فإنه يحتمل أن يرجع الضمير فيه إلى (1605) المرات أنفسها أي يراد * عدد (1606) المرات PageVW1P016B أو تنقص على حسب الاحتمال ويحتمل أن يكون الضمير فيه على كل مرة مرة أي متفاوتة المقادير وهو أن يكون مرة أكثر ومرة أقل والوجهان جائزان. أما الأول فظاهر مما ذكرناه. وأما الثاني فتختلف باختلاف أحوال المرضى عند إعطاء الغذاء. فإن مقدار ما يعطى من الغذاء بعد الخروج من النوبة لا ينبغي أن يكون كمقدار ما يعطى منه قبل النوبة بل أكثر منه. وذلك ليكون مجيء النوبة والبدن قليل المادة فتخف النوبة وبعد انفصالها وانقضاء * غائلتها (1607) أكثر لأنه يقوي القوة هذا بعد أن تعلم أن الغذاء لا يجوز أن يكون غذاء محضا البتة PageVW5P041A بل لا بد وأن يكون فيه قوة * دوائية (1608) .
البحث الثالث
في كيفية استخراج المرات من الوقت الحاضر من أوقات السنة وما بعده. أما الصيف فقد عرفت أن * التحلل (1609) فيه متوفر والقوة * فيه ضعيفة (1610) . لذلك * فيطعم (1611) العليل * فيه (1612) مرات كثيرة قليلا قليلا. أما كثرة المرات فلإخلاف عوض ما تحلل من البدن. وأماقليلا قليلا فلأن القوة فيه ضعيفة لا تفي بهضم ما كثر مقداره. وأما الشتاء * فإن (1613) القوة فيه متوفرة في باطن البدن لتوفر الحرارة الغريزية هناك والتحليل فيه من الأبدان ليس بالكثرة فينبغي أن * يطعم (1614) العليل فيه مرات قليلة كثيرة المقدار. أما قلة المرات فالقلة التحليل. وأما كثرة المقدار فلنهوض القوة بهضم ما يستعمل. وأما الربيع فإن المواد فيه أخذه في السيلان وزيادة الحجم فتكون كثيرة المقدار والقوة الهاضمة فيه معتدلة لاعتدال المزاج، وذلك * لبقية (1615) انحصار الحار الغريزي في الأبدان عن تأثير الشتاء. وإذا كان كذلك فينبغي أن يغذا فيه * العليل (1616) بغذاء كثير المقدار قليل التغذية والمرات. أما كثرة المقدار فلنهوض القوة فتقوى على هضمه وإحالته. وأما قلة المرات والتغذية فلأجل تخفيف المادة. وأما الخريف * فإن (1617) القوة فيه ضعيفة لاختلاف هوائه ولسبق تحليل هواء الصيف * ومواده (1618) محترقة لحرارة الصيف المفرطة. ومع ذلك فهي أخذه في الاحتباس لميلان هوائه إلى برد يسير فينبغي أن يعطى العليل فيه غذاء قليل المقدار وفي مرات كثيرة. أما قلة المقدار فلضعف القوة فيه. وأما كثرة العدد فلإصلاح المادة فيه. هذا ما يتعلق بالأوقات. وأما العادة فاعلم أن من الناس من اعتاد الوجبة الواجبة * فمثل هذا (1619) الشخص لا ينبغي أن يثني في حال مرضه. ومنهم من اعتاد التثنية * ومثل (1620) هذه لا ينبغي أن يوجب في حال مرضه. وأما * البلدان (1621) * فحالها (1622) كحال أوقات السنة فإن الحارة منها كالصيف والبارد كالشتاء والمعتدلة كالربيع. وأما السن فالصبيان قد عرفت أن قواهم الهاضمة قوية وأبدانهم محتاجة إلى النمو * وما (1623) في أبدانهم ليس بزائد في الكمية فلذلك ينبغي أن يغذوا في حال المرض بما هو كثير المقدار والتغذية والعدد. أما الأول فلنهوض قواهم واستقلالها بهضم ما * يتناولونه (1624) . وأما الثاني والثالث فلأجل الزيادة في النمو. وأما الشباب * فلأن (1625) قواهم قوية وأخلاطهم متوسطة لكنها مائلة إلى الحدة والنمو فيهم خفي جدا فينبغي أن يعطوا في حال المرض من الغذاء ما هو متوفر المقدار في المرات قليلة. أما الأول فلنهوض القوة بهضمه * ولإصلاح (1626) كيفية موادهم. وأما الثاني فلخفاء النمو فيهم. * وأما الكهول (1627) موادهم وقواهم كالمتوسطة بين ذلك فينبغي لهم التوسط. وأما المشائخ فمن كان منهم في ابتداء الشيخوخة فتدبيرهم كتدبير الكهول PageVW5P041B ومن كان منهم في آخر الشيخوخة فأخلاطهم قليلة بسبب قوة الوارد لضعف الهضم وقوى هضمهم ضعيفة فينبغي لهم تقليل المقدار لضعف قواهم وكثرة المرات والتغذية لحفظ * قواهم (1628) فإنها في * مثل (1629) هذه الوقت على ما قيل كالسراج الضعيف الضوء فإنه * متى (1630) لم تمد بالرئت انطفأ، ومتى صبيت عليه * زيت (1631) متوفر المقدار انطفأ أيضا. فإن قيل إن هذا الحكم في التدبير لا يحتض بالمرض بل ويراعي في حال الصحة. وإذا كان كذلك فلم خصصه أبقراط بالمرضى دون الأصحاء؟ قلنا: لأن غالب الأمر في الأصحاء * أنهم (1632) لا يحتاجون إلى تقدير الأطباء * للغذاء (1633) . وذلك لأن شهوتهم تدعوهم إلى استعمال الغذاء وسكونها بكفيهم عن الزيادة فلذلك احتاج أبقراط أن يعطينا قانونا في ذلك والله أعلم.
18
[aphorism]
قال * أبقراط (1634) : * أصعب (1635) ما يكون احتمال الطعام على الأبدان في الصيف والخريف وأسهل ما يكون * احتمالها (1636) في الشتاء * ثم بعده في الربيع (1637) .
[commentary]
الشرح هاهنا بحوث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1638) بما قبله * وهي (1639) أنه لما قال وينبغي أن يعطى الوقت الحاضر حظه من هذا أخذ يعرفنا في هذا الفصل الأوقات التي يجب تكثيرالغذاء فيها والقوة فيها محتملة لذلك. قال وهما * زمانا (1640) الشتاء والربيع. والأوقات التي يجب تقليل الغذاء فيها والقوة PageVW1P017A فيها غير محتملة لكثرة الغذاء هما زمانا الصيف والخريف. وسنبين العلة في هذا جميعة.
البحث الثاني:
هل معنى هذا الفصل هو ما تقدم من قوله الأجواف * أسخن ما يكون بالطبع في الشتاء والربيع (1641) أو هو غيره؟ قال الفاضل جالينوس ليس هو ذلك كما ظن لكنه لما كان الاستدلال على كمية الغذاء وعلى جهة استعمالها * قد يوجد (1642) من أوقات السنة ذكره عند ذكره لهما فمن هناك يعلم أنه ينبغي أن يطعم الأصحاء في الشتاء من الطعام أكثر لأن الحار الذي هو الهاضم للطعام والمحووج إلى تناول الغذاء فيهم في ذلك الوقت أكثر. * وتبين (1643) هاهنا أن إعطاء الغذاء دفعة في الشتاء لا يضر ويحتمله بسهولة وفي الصيف يصعب احتمال الطعام لقلة الحار الغريزي في الباطن. * ولذلك (1644) لا يجوز فيه إعطاء الطعام الكثير دفعة واحدة بل في مرات متتابعة. فلذلك ليس هذا القول بمكرر وأيضا فإن الكلام في ذلك الفصل في الأصحاء وفي هذا الفصل في المرضى هذا قوله. واعلم أن هذين الوجهين لا بدفعان الظن باكترار. أما الأول فقوله إنه PageVW5P042A أراد بذلك ذكر الفصول التي تختلف بحسبها كمية الغذاء المستعمل فيها فإن ذلك يتبين من قوله إن الغذاء في الشتاء والربيع ينبغي أن يكون أكثر لأن الحار الغريزي فيهما أكثر. ولا شك أنه يفهم من ذلك عكسه في الصيف والخريف فإن قوله أكثر إنما هو بالإضافة إلى الفصول وكذلك قوله * إن (1645) الحار الغريزي فيهما أكثر لا شك أنه من ذلك يستخرج العلم أيضا بالإعطاء الغذاء دفعة أو لا دفعة. وحينئذ لم * ينتف (1646) الظن بهذا الوجه. وأما الثاني * وهو (1647) قوله إن كلام أبقراط في ذلك الفصل في الأصحاء وفي هذا * الفصل (1648) في المرضى فغير صحيح لأنه ليس فيه ما يسعر بما قاله بل فيه إشعار باستعمال الغذاء دفعة أو لا دفعة.
البحث الثالث:
قال ابن أبي صادق هذا الفصل كالنتيجة لما تقدم من قول أبقراط الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما تكون بالطبع، قال: وذلك إذا كانت الأجواف * في الشتاء والربيع أسخن ما يكون (1649) بالطبع صار ما يتناول من الغذاء يجب أن يكون أكثر وبضد حال الصيف والخريف. فمن البين أن أصعب ما يكون احتمال الطعام على الأبدان في الصيف والخريف وأسهل ما يكون احتماله عليها في الشتاء * ثم بعده في الربيع (1650) . وهذا كلام ضعيف، وذلك لأن الغرض من هذا غير الغرض من الفصل الأول. فإن الغرض من ذلك بيان تقدير كمية الغذاء بحسب الفصول * والغرض من (1651) هذا بيان كيفية استعماله أي مرة * واحدة (1652) أو مرتين لأن صعوبة احتمال الطعام على الأبدان إنما تتحقق بزيادته على الحاجة للبدن ولما تفاوت احتمال هذه الزيادة بحسب الفصول بين أبقراط في هذا الفصل الفصول التي تحتمل الأبدان فيها الزيادة بصعوبة والتي تحتملها بسهولة ليحذر من الزيادة فيما صعب فيه الاحتمال من الفصول ويؤمن فيما سهل فيه الاحتمال منها. ويفهم من هذا أن ما سهل الاحتمال فيه الواجب أن يكون استعمال الغذاء فيه أكثر مقدارا وفي مرات قليلة * وما كان منها بعكس ذلك فالواجب أن يكون استعمال الغذاء فيه أكثر مقدارا وفي مرات قليلة (1653) وما كان منها بعكس ذلك فالواجب يكون بضد ذلك.
البحث الرابع
في بيان علة صعوبة الاحتمال في الصيف ثم في الحريف وسهولة ذلك في الشتاء ثم * بعده (1654) في الربيع. أما الأول فلوجوه ثلاثة أحدها لضعف الحرارة الغريزية في الباطن على ما * علمت (1655) . وقد عرفت أنها آلة لجميع القوى لا سيما الطبيعية التي هي متصرفة في الغذاء، ومتى ضعفت الآلة ضعف الفاعل في فعله. وثانيها * لكثرة (1656) الفواكه المستعملة فيه فإنها مما يرخي المعدة وتضعف القوة الماسكة والهاضمة * اللتين (1657) هما * متواليتان (1658) لأمر الهضم. وثالثها كثرة الحركة المستعملة فيه والحركة مما تنشر الحرارة في ظاهر البدن وتحدر الغذاء غير منهضم وتمنع الغذاء من * حيث (1659) أن يكون جيدا لأنه مجتاج ومفتقر إلى السكون. فلذلك قال أصعب ما يكون احتمال الطعام على الأبدان في الصيف ثم في الخريف وجعل الخريف في الصعوبة PageVW5P042B بعد الصيف لأن الخريف ينكسر فيه حر الهواء فتقوى الحرارة فيه في الباطن بعض القوة. وأما الثاني * فلوجوه ثلاثة (1660) أحدها لقوة الحرارة الغريزية في الباطن فيجود الهضم والشهوة لذلك. وثانيها للإيواء فيه في المدافئ فإن الحر القوي تحلل الحرارة الغريزية وبضعفها في الباطن كما في الصيف والبرد القوي يجمدها والمعتدل موافق لها. ولا شك أن * حال (1661) المواضع الدفئة في زمان الشتاء كذلك. وثالثها * قلة (1662) الحركة المستعملة فيه وستعلم أن السكون معين على الهضم. فلذلك قال وأسهل ما يكون احتماله عليها في الشتاء ثم بعده في الربيع وجعل الربيع بعد الشتاء في الاحتمال لميل هواء الربيع إلى الحرارة فتضعف الحرارة فيه في الباطن * لذلك (1663) ولأنه يحصل فيه مقابل ما ذكرنا في الشتاء. واعلم أن قوله في الاحتمال على الأبدان فيه مساهلة وإلا الواجب أن يقال على القوة، اللهم PageVW1P017B إلا أن يقال إن * القوى (1664) الجسمانية أفعالها بشركة موضوعاتها فلذلك ذكر الموضوع.
البحث الحامس:
لقائل أن يقول هذا الحكم من * الإمام (1665) أبقراط فيه نظر. وذلك لأن الخريف كالربيع في الاعتدال عند الأطباء لتوسطه بين الفصلين المتضادين كتوسط الربيع بل أقول إن احتمال الأبدان للغذاء في الخريف أكثر من احتمالها * له (1666) في الربيع، وذلك لأنه يأتي على الأبدان وهي متخلخلة بحرارة الصيف وحرارتها منتشرة بحره فيعكسها ويردها إلى الباطن يبرده ويجمعها ويقويها فيقوى الهضم وتجود الشهوة لذلك. ويكون حكمه حكم الرياح الشمالية إذا هبت بعد الجنوبية. وأما الربيع فإنه يرخي الأبدان ويخلخلها وينشر حرارتها في الظاهر والباطن بعد أن كانت متوفرة ومجتمعة في الباطن ويكون حالها كحال الرياح الجنوبية إذا هبت بعد الشمالية. قلنا الجواب عن هذا وهو أن الربيع والخريف وإن اشتركا في التوسط المذكور غير أن الخريف امتاز عن الربيع * بشيء (1667) به صار الاحتمال فيه صعبا، وهو دخوله على الأبدان وقواها واهية بحر الصيف. وكذلك حرارتها الغريزية ثم يأتي هواء أوسطه وآخره وقد برد لكن ببرد لا يكفى في منع التحليل وفي حصر الحرارة وفي إزالة ما استفادته الأبدان من حر الصيف في المدة الطويلة، وإن حقن وجبس فإنه يحبس موادا محترقة مترمدة حادثة عن فرط حر الصيف ومع ذلك فهواء مختلف. فإنه تارة يكون حارا وتارة يكون باردا على ما أوضحناه في شرحنا لكليات القانون. وهذا من أردأ الأمور وأقواها في انجاب عدم الاحتمال. وأما الربيع فيدخل على الأبدان وحرها وافر وكذلك قواها الطبيعية وحره حر ضعيف لا يقوى على تحليل الحرارة والأرواح * وتأثيره (1668) تأثير متشابه لا كتأثير الخريف، والله أعلم.
19
[aphorism]
قال * أبقراط (1669) : PageVW5P043A إذا كانت نوائب الحمى لازمة لأدوارها فلا ينبغي في أوقاتها أن يعطى المريض شيئا أو أن يضطر إلى شيء لكن ينبغي لأن ينقص من الزيادات من قبل أوقات الانفصال.
[commentary]
الشرح هاهنا * بحوث (1670) سبعة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله وهو أن الإمام أبقراط لمأ بين لنا أنه ينبغي أن يعطى بعض المرضى الغذاء في مرة واحدة وبعضهم في مرتين شرح؟ في هذا الفصل أن يعرفنا الأوقات التي يجب أن يستعمل فيها تلك المرات ويمنع من استعمالها فيها. أما وقت الاستعمال فهو وقت الفترة وفي وسطها خاصة فإن الفترة لها ابتداء ووسط وآخر فالابتداء قريب من زمان النوبة فتكون القوة واهية ضعيفة عن مقاومة المادة وآخرها قريب من ذلك لأن إعلام زيادة المادة تكون قد ظهرت وكذلك المقاومة. * فلذلك (1671) لم يكن وقت موافق لاستعمال الغذاء سوى * وسط (1672) الفترة.
البحث الثاني
ربما ظن ظان أن أول هذا الفصل قد تكرر بقول أبقراط وإذا كان الحمى أدوار فامنع من الغذاء في وقت نوائبها. وهذا ظن فاسد، وذلك لأنه في الفصل المتقدم منع من استعمال الغذاء خاصة في هذا الفصل منع مما هو أعم من ذلك وهو الشيء مطلقا. والمنع من الشيء أعم عن من المنع من الغذاء والعام غير الخاص فحكم هذا الفصل مغاير لحكم الفصل المتقدم.
البحث الثالث:
قال جالينوس تدبير الغذاء لا بد فيه من أمور ثلاثة النظر في الكمية والكيفية وطريق الاستعمال أي طريق وقت الاستعمال * والأوليان (1673) قد مضى الكلام فيهما. فأما الثالث فاعلم أن * نوائب (1674) الحمى قد تكون لازمة لطريقة واحدة أي يكون لها دور معروف لأنه قد يكون أمراض لها * نوائب (1675) * وقد لا (1676) تكون لازمة لطريقة واحدة وفي مثل هذه الأمراض لا يوقف وقوفا صحيحا على الوقت * الذي (1677) ينبغي أن يطعم فيه العليل غير أن هذا الحكم من الفاضل جالينوس يختلف بحسب الأوقات الأربعة فإن التزيد مثلا يتقدم فيه * النوائب (1678) ويتأخر الفترات بخلاف الانحطاط فلزوم * النوائب (1679) لزمان مخصوص مشروط بحصولها في وقت مخصوص.
البحث الرابع
هل هذا الحكم يخص الحميات الدائرة دون الدائمة أو يعمها؟ فنقول إن فهم من الدور * وقت (1680) الشدة والخفة * كان (1681) عاما للدائرة والدائمة. وإن فهم منه وقت الأخذ والترك كان خاصا بالدائرة فإن الحميات الدائمة لها اشتداد وتنقصان ففي زمان الاشتداد لا يجوز استعمال التغذية البتة بل في زمان * التنقيص (1682) . وقوله فلا ينبغي في أوقاتها المراد به أوقات النوبة والاشتداد لا أوقات الأدوار مطلقا فإن هذا محال PageVW5P043B على ما قلناه.
البحث الخامس
قوله أو يضطر إلى شيء فهم جماعة من الأطباء * من (1683) الواو * واو التأكيد (1684) أي وإن احتجت إلى شيء به. قال عبد اللطيف المعروف بالمطحن. فإنه عندما شرح هذا الفصل قال قوله أو يضطر إلى شيء * قضية (1685) عامة * ونبه (1686) على العلة بكونها عامة * من (1687) جهة أنه يتدرج تحيها النهي وعن الغذاء وعن الدواء وعن الاستفراغ والحركة وغير ذلك من الأشياء التي تحرك الطبيعة وتتعبها PageVW1P018A . وهذا كلام * ممن (1688) لم يعرف فروع هذه الصناعة فإن لنا من الحميات حمى تكون في مجيء نوبتها غشي مفرط بحيث أنه في بعض الأوقات يخشى على العليل * منه التلف (1689) إن لم يتقدم ويعطى * العليل (1690) غذاء زاد بما يشتغل به معدته لئلا تنصب إليها مادة عفنة مؤذية لها. وقد ذكر هذا القدر في جميع كتب الطب المبسوطة عند معالجة هذه الحمى. وأما الرازي فإنه قال في حواشيه على هذا الكتاب: احذر التغذية في وقت النوبة. وإن عرض للعليل مغص أو غشي فأعنه بما يسهل القيء وبطلق الطبع. ولا شك أن هذا الكلام يقتضي المنع من الغذاء، وإن وجدت الضرورة. قال ابن أبي صادق: وجدت في بعض الشروح المنطقية أن كلمة «أو» في اللغة اليونانية تستناب مناب «إلا» فيكون لهذا الفصل من الزيادة على ما للفصل المتقدم أن العليل لا يغذى في ابتداء * النوائب (1691) إلا أن يضطر إليه * كالحال في الحميات الغشيية التي مع رقة الأخلاط. وإن فهم على (1692) هذا لزم التناقض. واعلم أن * «أو» (1693) في اللغة الغريبة تكون ناصبة وتقدر بتقديرين أحدهما بمعنى «إلا» والثاني «إلى أن» وذلك مثل قول القائل لألزمنك أو تنصفني أي ألا أن تنصفني أو إلى أن تنصفني، وقول الشاعر:
وكنت إذا غمرت قناة قوم كسرت كعوبها أو تستقيما
أي إلا أن يستقيم أو إلى أن يستقيم. فإن أحذت بمعنى «إلا» كان معناها الواجب البقاء على المنع إلى حين وجود الضرورة، ويكون حينئذ معنى قوله في هذا الفصل: امنع العليل من تناول شيء في وقت اشتداد النوبة إلأ أن * تدعو (1694) الضرورة، أو إلى أن * تدعو (1695) الضرورة. وإن تضاعفت الحمى بذلك لأن الميل إلى حفظ القوة بالغذاء وأن تزايدت الحمى أولى من الميل إلى التدبير بالعكس على ما عرفت فيما تقدم. ثم هذه الحاجة تارة تكون إلى الغذاء وتارة تكون إلى الأشربة الدوائية. فلذلك لم يعين الأمر الموجب * للاضطرار (1696) بل قال وإن اضطرت إلى شيء.
البحث السادس
قوله : لكن ينبغي أن ينقص من الزيادات من قبل أوقات الانفصال، معناه أنه ليس يكفينا في تدبير العليل في وقت النوبة المنع من الغذاء فقط بل وأن ينقص من الزيادات الموجبة للمرض قبل انفصاله، فإنه متى فعل ذلك نقص مقدار المؤذي وحينئذ تستولي الطبيعة عليه * ودفعه (1697) دفعا تاما عند الانفصال PageVW5P044A غير أنه يجب علينا أن نبين ما * معنى (1698) الزيادات المطلوبة تنقيصها . أما الفاضل جالينوس فإنه لم يتعرض لبيانها البتة. وقال ابن أبي صادق: يمكن أن يفهم منه الزيادات الجزئية أي الموجبة للنوبة ويمكن أن يفهم منه الزيادات الكلية أي الموجبة للمرض. وأما الانفصال قيمكن أن يفهم منه انفصال النوبة الجزئية ويمكن أن يفهم منه منتهى المرض ويمكن أن يفهم منه البحران والكل محتمل إلا أنه إن فهم من الزيادات الزيادة الجزئية. فليفهم من النقصان النقصان الجزئي، وإن فهم منها الكلية فليفهم من الانفصال الانفصال الكلي. قال: والأول أوقع عندي لأنه أليق بأوائل الفصل. وهذا الكلام فيه نظر وهو أنه إن فهم من وقت الانفصال انفصال النوبة فلا يصح لأن التنقيص استفراغ وقد بينا أنه لا يجب استعماله في وقت النوبة اللهم إلأ أن يقال إنه يكون قبل النوبة. وحينئذ نقول: إنه لا يحسن أن يقال من قبل أوقات الانفصال بل من قبل أوقات * النوائب (1699) ، * ولذلك (1700) لا يصح أن يفهم من الانصفال وقت المنتهى لأن هذه اللفظة أي الفصل لا يستعمل في اللغة اليونانية إلا للبحران على ما ستعرفه. * وذكر (1701) أيضا الفاضل جالينوس في شرح هذا الفصل: * فيكون (1702) تقدير قول أبقراط لكن ينبغي أن ينقص من المواد التي عبر عنها بالزيادات الموجبة للمرض من قبل مجيء البحران الذي به يكون الانفصال. قال جالينوس: هذه المعاني الثلاثة كلها حق إلا أن أشبهها بقصده وأقربها إليه أن يكون مراده بالانفصال انفصال * النوائب (1703) ، وبه قال ابن أبي صادق قال جالينوس لأنه قد فرغ من الكلام في المنتهى وبفراغه يكون الفراغ من الكلام في البحران لأنه على الأمر الأكثر إنما يكون في المنتهى. والحق عندي أنه أراد بالانفصال البحران على ما عرفت.
البحث السابع
لقائل أن يقول: هذا الفصل فيه نظر من * وجوه ثلاثة (1704) أحدها ليس المنع من الغذاء في أوقات * النوائب (1705) للزومها الدور بل لذات النوبة سواء كانت لازمة للدور أو لم تكن فتقييده بلزوم الدور يشعر بجواز استعماله في وقت النوبة مع عدم مع لزومها للدور، وليس كذلك. وثانيها أن هذا الكلام كالمكرر * في (1706) هذا الكتاب. فإنه قد تقدم * له وهو (1707) قوله وإذا كان * للحمى (1708) * أدوار (1709) * فامنع (1710) من الغذاء في أوقات نوائبها. وثالثها أنه منع في الفصل المتقدم من الغذاء في أوقات PageVW1P018B * النوائب (1711) وهو حق وهاهنا منع الشيء بالكلية ولو كان ما يصلح المزاج. ولا أن هذا * مخالف (1712) للتدبير الواجب * فإنا (1713) نستعمل في أوقات * النوائب (1714) الأشربة المسكنة لسوء المزاج. والجواب عن الأول * أن الحمى (1715) إذا كان * لأدوارها أوقات (1716) مخصوصة عرفت الأوقات التي يجب أن يستعمل فيها الغذاء * معرفة (1717) خقيقية بخلاف ما إذا كانت غير لازمة لنظام واحد. ومثل هذه القدر لا يفهم منه جواز استعمال الغذاء في * النوائب (1718) PageVW5P044B * التي (1719) ليس لها نظام. والجواب عن الثاني أنه منع هاهنا من استعمال الشيء مطلقا وفي ذلك منع استعمال الغذاء ومنع الشيء أعم من * منع (1720) استعمال الغذاء والعام غير الخاص فلا يكون * مكررا (1721) . والجواب عن الثالث لنا فيه مقاومان. أحدهما أن يقال إن هذه الحميات بالنظر إلى * ذواتها (1722) لا ينبغي أن تشتغل القوة فيها بشيء عن مقاومة مادتها فإن احتيج إلى * مسكن (1723) سوء المزاج أو ينعش القوة استعملناه وهو المعنى بقوله أو أن يضطر إلى شيء، وإلا فالنظر إليها الواجب ترك استعمال كل ما يشغل خوفا مما ذكرناه. وثانيها نقول مراده هاهنا بالشيء الذي منع من استعماله * الغذاء (1724) والدواء لا الأشربة المسكنة لسوء المزاج، والله أعلم.
20
[aphorism]
قال * أبقراط (1725) : الأبدان التي يأتيها أو أتاها البحران على الكمال لا ينبغي أن تحرك ولا يحدث فيها حادث لا بدواء مسهل ولا بغيره من التهييج لكن تترك.
[commentary]
الشرح هاهنا * مباحث (1726) عشرة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله * وهي (1727) أنه لما قال الانفصال وقد علمت أن المراد به البحران شرع * يعرفنا في هذا الفصل (1728) التام * منه (1729) وغير التام. فالتام لا ينبغي لنا فيه أن نحرك المريض فيه بحركة سوى تدبير الغذاء؛ وغير التام يعين الطبيعة فيه على دفع المادة التي في البدن بعض المعونة أو يقال إنه لما أوجب الاستفراغ قبل البحران ذكر في هذا الفصل أنه ليس يجب ذلك في كل بحران * فالتام (1730) منه قد لا يحتاج فيه إلى ذلك وخصص التام * بالذكر (1731) دون الناقص لوجهين أحدهما لشرفه والثاني أن بمعرفة شروطه يعرف الناقص.
البحث الثاني
في معرفة الأمراض التي يحصل فيها البحران. اعلم أنه ليس كل مرض ينقضي ببحران * لأنك (1732) ستعرف أنه التغير العظيم الحاصل في المرض دفعة. ومثل هذه القدر لا يحصل في الأكثر إلا في الأمراض الحادة لا في المزمنة. وذلك لأن مواد تلك لطيفة سريعة الانقياد إلى النضج والدفع حادة لذاعة شديدة النكاية بالطبيعة والبدن فيكون اهتمام الطبيعة بأمرها أشد من اهتمامها بما يقالبها. وقد أشار الفاضل جالينوس إلى هذا في ثانية أيام البحران. فإنه قال هناك: ولهذا فيما أحسب إن الأمراض التي تطول مدتها وتزمن لا يكون فيها بحران لأن هذا اسم مخصوص بالاضطراب والانفصال الكائن دفعة. واعلم إنما ذكرناه * موقوف (1733) على معرفة الأمراض الحادة والمزمنة وقد عرفت ذلك فيما تقدم حيث شرحنا قوله أنه يدل على نوائب المرض * ومرتبته ونظامه (1734) .
البحث الثالث:
قال جالينوس في ثالثة البحران: أصناف التغير * الذي (1735) يكون في المرض ستة. وذلك لأن المرض إما أن ينتقل إلى صحة دفعة وإما أن ينتقل إلى العطب دفعة وإمأ أن ينتقل * إليهما (1736) قليلا قليلا وإما أن يجمتع فيه الأمران. فالكائن PageVW5P045A دفعة إلى * البرؤ (1737) يقال له بحران جيد والكائن دفعة إلى الموت يقال له العطب والمنتقل إلى الصحة قليلا قليلا يقال لهه * تحليل (1738) وإلى العطب قليلا قليلا يقال له ذبول وإما أن يبتدئ دفعة ثم يؤول إلى الصحة قليلا قليلا وإما أن يبتدئ دفعة ثم يؤول إلى العطب قليلا قليلا وإما أن يبتدئ قليلا قليلا ثم يؤول إلى الصحة وإما أن يبتدئ قليلا فليلا ثم يؤول إلى العطب دفعة. وعلى هذا يكون أنواع التغايير ثماينة لا ستة على ما ذكره * جالينوس (1739) ؛ قال: والمخصوص باسم البحران من هذه الأقسام أجود من عبارة صاحب الكامل وأبو سهل المسيحي. فإنهما قالا البحران تغير عظيم يحدث دفعة ثم قسموه إلى الأقسام * المذكورة (1740) وهو خطأ فإن الكائن دفعة لا يكون أحد أقسامه * قسمة (1741) كائن بالتدريج. وقد أورد بعض الأطباء قسما آخر وهو أن يتكافآ أي القوة والمرض كما في الفالج فإن فيه لم تقهر المرض ولا المرض يقهر القوة. فنقول: الجواب عن هذا أن هذا المرض له اعتباران أحدهما بالنسبة إلى جملة البدن وثانيهما بالنسبة إلى الجانب المستولي عليه * المرض (1742) . فإن كان الأول كان الأمر على ما ذكره المعترض. وإن كان الثاني فالمرض قد استولى على طبيعة ذلك الجانب وقهرها وهذا هوالتغير.
البحث الرابع
في معنى البحران. معنى هذه اللفظة على ما ذكره الفاضل جالينوس في أولة أيام * البحران (1743) : الحكم الفاضل وهو حق وذلك لأن به انفصال حكم المرض إما PageVW1P019A إلى الصحة وإما إلى العطب. قال في * ثالثة (1744) هذا الكتاب: والذي ذكر هذه اللفظة أولا كان رجلا من أعوام الناس فإنه شبه حال المريض في وقت البحران كحال رجل قدم إلى حاكم فقال إن هذه الرجل لفي حال حكم. وقال في أولة أيام البحران إن بعض الناس حضر إلى عند مريض ممن يعنى به ويخاف عليه خوفا شديدا فسمع الحاضريمن يقولون إن حال المريض كحال رجل فدم إلى حاكم يحكم عليه بحكومه واستمرت هذه اللفظة إلى الآن. فاستعملها الحذاق من الأطباء عير أن الانفصال المذكور قد يكون بما هو حادث دفعة وبما هو حادث بالتدريج وبالجملة بالأقسام * المذكورة (1745) . قال جالينوس في ثانية البحران: فمنهم من يطلق هذه اللفظة على كل تغير ومنهم من يطلقها التغير الحادث دفعة فقط ومنهم من يطلقها على الكائن من ذلك إلى السلامة. وهذا هو * مذهب (1746) الفاضل جالينوس على ما ذكره في ثالثة البحران .
البحث الخامس
في معرفة الأوقات الأربعة الكلية. اعلم أنه لا بد من معرفة هذه الأوقات عند النظر في البحران. PageVW5P045B فإن تالجيد منه كائن بعد المنتهى فقط لأن فيه تندفع المادة الموجبة للمرض، ودفع المادة لا تكون إلا بعد تهيئتها وذلك بالنضج * وهذا (1747) كائن في أواخر المنتهى. والذي يدل عليها وجوه أربعة أحدها زمان النوبة. فإنه متى كان آخذا في الطول فالمرض في التزيد، ومتى كان آحذا في القصر فالمرض في الانحطاط، ومتى كان متساويا فالمرض في المنتهى. وثانيها تقدم * النوائب (1748) وتأخرها فإنها متى كانت متقدمة فالمرض في التزيد، ومتى كانت متأخرة فالمرض في الانحطاط، ومتى حفظت وقتا واحدا فالمرض في المنتهى. وثالثها الأعراض المقومة للمرض كالحمى والوجع الناخس وضيق النفس * والسعال (1749) والنبض المنشاري في ذات الجنب فإنها متى كانت قوية فالمرض في التزيد، ومتى كانت آخذة في التنقص فالمرض في الانحطاط، ومتى كانت معتدلة في ذلك فالمرض في المنتهى. ورابعها زمان الفترة فإنها متى كانت قصيرة فالمرض في التزيد، ومتى * كانت طويلة (1750) فالمرض في الانحطاط، ومتى * كانت متساويتا (1751) فالمرض في المنتهى. وقد ذكرنا بحثا شريفا * يتعلق (1752) بالأوقات الأربعة فيما تقدم.
البحث السادس
في ذكر مثالين * للطبيعة (1753) والمرض في وقت البحران، أحدها قال الشيخ الرئيس في الكتاب الرابع من القانون: البدن كصورة مدينة والطبيعة المدبرة للبدن كصورة سلطان حام لها والمرض كصورة عدو باغ يقصد تلافها. ولا شك أنه عندما يقصدها لا بد وأن تحصل بينهما مشاجرات ومنافسات لا يعتد بها إلى أن يؤول الأمر إلى القتال. فإنه تتبع ذلك أحوال أخر مثل سيلان الدماء والصراخ وغير ذلك. كذلك الطبيعة والمرض لا بد أن يحصل بينهما ذلك قبل مجيء البحران ولذلك صار بتقدم البحران صداع وقلق وسهر وربما حصل اختلاط الذهن وبالجملة أمارات تدل على مجيء البحران، وهذا هو يوم الإنذار عند الأطباء ثم يجري بينهما القتال وبطلب كل واحد منهما عليه الآخر فتارة تكون الغلبة تامة لا ترجى بعدها عودة وتارة * لا (1754) تكون تامة بل ترجي معها العودة وطلب المقاومة مرة ثانية، فإن كانت تامة وكانت الغلبة * للسلطان (1755) الحامي اندفع العدو عن المدينة والأطراف التي حولها. وكذلك فعل الطبيعة ومثل هذا يقال له بحران تام، وإن كانت الغلبة من جانب العدو والباغي استولى على * المدينة والأطراف (1756) وأخذ بها وكذلك المرض مع الطبيعة. ومثل هذه يقال له العطب وإن كانت الغلبة ناقصة PageVW5P046A اندفع العدو عن المدينة فقط وبقي نازلا على الأطراف. ومثل هذا في البدن يقال له البحران الناقص وربما حصل فيه معاودة في القتال. المثال الثاني قال الأطباء الطبيعة والمرض كشخصين تنازعا وتخاصما ثم ارتفعا إلى حاكم يحكم بينهما فأمرهما الحاكم بإحضار البينة. فمن أحضر منهما شهودا عدولا حكم له * الحاكم (1757) على خصمه فالحاكم * هو (1758) الطبيب والشهود * هم (1759) الدائل االإنذار ية التي تظهر في أيام الإنذار والحكم هو الفصل الذي هو البحران. فإن الدلائل الإنذارية التي تظهر يوم الإنذار * هي (1760) التي تشهد بما يكون في يوم البحران الذي يلي يوم الإنذار.
البحث السابع
في ذكر العلة في اختلاف جهة المادة المندفعة بالبحران. اعلم أن المادة المندفعة بالبحران تارة تكون اندفاعها بالإسهال وتارة تكون بالإدرار وتارة * بخروج (1761) دم الحيض وتارة بالعرق وتارة بالرعاف وتارة بالقيء وتارة بخروج * دم (1762) من أفواه العروق. والسبب في ذلك من * وجوه ثلاثة (1763) . * أحدها (1764) اختلاف المادة في قوامها وكيفيتها * فإنها (1765) متى كانت رقيقة وقليلة الحدة كان البحران بالعرق، * ومتى (1766) كانت قوية الحدة كان بالرعاف، * ومتى (1767) كانت باردة مع كونها لطيفة فبالإدوار * ومتى (1768) كانت دون * تلك (1769) في اللطافة وكانت حارة فبالقيء، * ومتى (1770) كانت غليظة فبالإسهال. وثانيها نوع المرض * وهذا (1771) القدر قد أوضحه * الفاضل (1772) جالينوس في ثالثة البحران. فالحمى المحرقة PageVW1P019B بحرانها بالرعاف إو بنافض قوي ثم بعرق سابغ. فإن النافض متى حصل في الحميات الدائمة أنذر بإقلاعها على ما سنذكره في المقالة * الرابعة (1773) من هذه الكتاب. والغب الحالصة بعرق سابغ أو بقي مراري والبلغمية بإسهال بلغمي. وربما حصل عرق سابغ والسوداوية بإسهال. * ولذلك (1774) متى حصل فيها أندر بإقلاعها بشرط أن يكون حدوثه بعد النضج. وثالثها محل المرض وهذا * أيضا (1775) قد أوضحه الفاضل جالينوس في الموضع المذكور مثل أن الورم متى كان في الدماغ كان بحرانه في الأكثر بالرعاف لا سيما متى كان حارا * أو ربما (1776) كان * بعرق (1777) حاض بالرأس. ومتى كان * هذا (1778) حادثا بالرئة كان برعاف غير أن هذه * أقلي (1779) وأكثر بالنفث. ومتى كان في الغشاء المستبطن الأضلاع كان بالرعاف وهو * الأكثري (1780) . وقد يكون بالنفث وهذا * أقلي (1781) . ومتى كان في الصدر * كان بالنفث (1782) ، ومتى كان في محدب الكبد كان يأحد ثلاثة * أشياء (1783) إما برعاف من المنخر الأيمن وإما بعرق جيد وإما ببول، وربما كان * باثنتين (1784) من هذه. ومتى كان في المقعر كان * أيضا (1785) بأحد ثلاثة أشياء إما * بالقيء وإما بالإسهال (1786) وإما * بالعرق (1787) . ومتى كان في * الحجاب (1788) كان برعاف من * المنخر (1789) الأيسر PageVW5P046B لا سيما متى كان في محدبه، فإن كان في مقعره كان بقيء سوداوي. ومتى كان في المعدة وكان في أعلاها كان بحرانه بقيء. ومتى كان في أسفلها كان بإسهال.
البحث الثامن
في ذكر * علامة (1790) اندفاع المادة إلى أحد الجهات المذكورة: أما الإسهال فاحتباس * البول (1791) ووجع الظهر وقراقر في البطن ورباح. * ويدل (1792) على ذلك نوع المادة * وهو (1793) أنها متى كانت غليظة فبحرانها يكون بإسهال. وأما الإدراري فبتمديد العانة وثقلها * واحتباس (1794) البول وحكة في القضيب. وأما الحيضي فبثقل في العانة وتمددها وتقدم احتباس دم الحيض. وأما العرقي فبموجبه النبض وشهوقته ولين الجلد ونداوته واحتباس البراز وغلظ البول في يوم الإنذار لانصراف لطيفه إلى جهة الجلد. وأما الرعافي فبرؤية الخيالات * الحمر (1795) * واحتكاك (1796) الأنف واحمرار الوجنة والعين وسيلانم الدموع وشهوقة النبض وسرعة انبساطه ووجع الرقبة لصعود المادة إلى الإعالي. وقد تدل جهة لون الشعاع واحتكاك المنخر على أن الرعاف * هل (1797) هو من الجانب الأيمن أو من الجانب الأيسر. ومما يدل على ذلك السن والتدبير المتقدم ونوع المادة. فالفصل والكائن بالقيء اختلاج الشفة السفلى ودوام الغثيان وتمديد في االمراق واصفرار اللون وكرب. ودوار. كل ذلك لصعود المادة إلى الإعالي. وعلامة البحران الكائن بخروج الدم من أفواه العروق احتكاك * المقعدة (1798) واحتباس جريان دم معتاد من ذلك الموضع.
البحث التاسع
في تقسيم البحران. البحران * ينقسم (1799) إلى قسمين جيد ورديء، ثم الجيد ينقسم * إلى (1800) قسمين تام وناقص. والتام له شروط ستة. أحدها أن يكون مجيئه في يوم باحوري فإنه أفضل أيام المرض. وثانيها أن تكون تقدمه دلائل النضج فإنه متى كان كذلك * كانت (1801) المادة * منطاعة (1802) للاستفراغ والخروج. وثالثها أن يكون الاستفراغ من الجانب الذي مالت المادة إليه لأن استفراغها من هذه الجهة أسهل وأخف. ورابعها أن تكون بإسهال لا بعرق ولا بغيره من أنواع الاستفراغات التي قد عرفتها. وذلك لأن الإسهال يندفع فيه * غليظ (1803) المادة ولطيفها. وخامسها أن يكون ذلك من المادة الموجبة للمرض فإنه متى لم يكن كذلك لم يكن برؤا. وسادسها أن ينعقبه خفة وراحة فإنه متى كان كذلك دل على أن الاستفراغ كان بحسب الكفاية والحاجة. فهذه شروط * البحران (1804) التمام وقياس الطبيعة في مثل * هذا (1805) الوقت قياس السلطان الحامي إذا استولى على العدو الباغي استيلاء تاما بحيث أنه * يدفعه (1806) عن المدينة وعن الأطراف التي حولها. والناقص على نوعين فإنه تارة يكون بخراج وتارة لا يكون PageVW5P047A كذلك كما ببحران الحمى الصفراوية باليرقان والقولنج بالفالج. واعلم أن أكثر حدوث الخراج في المفاصل * وذلك (1807) لدوام حركتها ووجود التجويف فيها وكون أكثرها في أسافل البدن وأجود هذه الخراجات ما مال إلى أسافل البدن لقربه من مخرج االأثفال * الطبيعية (1808) . وما كان إلى خارج البدن * لبعده (1809) عن الأعضاء الرئيسة وما كان * معه (1810) النضج لأن المادة فيه تكون * منطاعة (1811) للاستفراغ. وما كان تام الخروج لدلالته على خروج المادة بالكلية وما كان معه خفة وراحة لدلالته على أن المندفع هو مادة المرض، وسمي هذا ناقصا لنقصانه عن الأول في الفضيلة * ولأن (1812) الماد فيه لم تندفع عن جملة البدن وقياسه قياس السلطان الحامي إذا * دفعه (1813) الباغي عن المدينة فقط فإن ضرره ينال الأطراف التي حولها لكن يجب أن تعلم أن المادة الموجبة للخراج تارة تكون لطيفة وتارة تكون غليظة. فإن كانت لطيفة كانت * الجراحات الحادثة (1814) عنها في المفاصل العليا، وإن كانت غليظة في * المفاصل (1815) السفلى وأكثر * حدوث هذه الخراجات (1816) في الأوقات الباردة لاحتباس المادة وغلظ قوامها وفي سن PageVW1P020A الاكتهال كذلك وعند كون القوة معتدلة. فإنها لو كانت قوية كانت شديدة التسلط على المادة. وحينئذ تكون دافعة لها عن جملة الأعضاء، ولو كانت ضعيفة لما قويت على دفع المادة عن العضو الريئس إلى العضو الخسيس وعلامة جهة الانتقال * هو (1817) إن كان الانتقال إلى جهة الأعالي تقدمه ثقل في الرأس وكدورة الحواس وربما حصل صمم بعد ضيق النفس * لمرور (1818) المادة إلى آلات التنفس. وعلامات الانتقال إلى الأسافل حدوث الوجع في الأعضاء التي في هذه الجهة وانتفاخ الحالبين ووجع الوركين. * ومما (1819) يدل * على (1820) البحران الخراجي رقة البول على ما سنذكره في هذه الكتاب. واعلم أن مما ذكرناه يفهم قول أبقراط في هذا الفصل، * والله أعلم (1821) .
البحث العاشر:
البحران المتوقع حصوله يحتاج أن يعرف هل هو ناقص أو كامل ليعلم هل يستفرغ أم لا. فإن الإمام أبقراط نهى عن استعمال ما يسهل وبالجملة ما فيه تحريك عند كون البحران المتوقع أو الواقع كاملا. ومعرفة ذلك من أمور منها القوة المدبرة للبدن. فإنها متى كانت قوية مستولية على المادة الموجبة للمرض * كان البحران كاملا أو ناقصا. ومنها المادة الموجبة للمرض (1822) فإنها متى كانت * منطاعة (1823) للدفع ومجيئه للخروج بمعنى أن تكون لطيفة أو قليلة المقدار أو ناضجة فالبحران الكائن بعدها كاملا وإلا ناقصا. ومنها الإنذارات البحرانية فإنها متى كانت جيدة فالبحران الكائن بعدها كاملا وإلا ناقصا. ومنها الأيام المتوقع حصوله فيها فإنها متى كانت أيام جيدة فالبحران الكائن فيها كاملا وإلا ناقصا. * ومتى (1824) PageVW5P047B علمنا أن البحران المتوقع * ناقص (1825) فينبغي أن تستفرغ المادة لتخف المؤونة على الطبيعة * المدبرة (1826) للبدن * لأن (1827) ما يبقى من المادة بعد البحران يحدث مرضا على ما ستعرفه في المقالة الثانية من هذه الكتاب. وأما * إن (1828) كان كاملا فلا ينبغي أن يورد على بدن العليل ما يحركه لا دواء مسهل ولا غيره من * المحركات (1829) . أما الأول فإن إسهال المسهل لا يخلو إما أن يكون موافقا لدفع الطبيعة للمادة أو لا يكون موافقا. فإن كان الأول أفرط الإسهال وعند ذلك يخشى على العليل الهلاك. وإن كان مضادا له تحيرت الطبيعة في الدفع فإن الدواء يصير كالمقاوم * والمعاند (1830) لها في فعلها. وأما قوله ولا بغيره من * التهيج (1831) وذلك * كالأعراض (1832) النفسانية فإنها كثيرا ما تغير البحران عن واجبه الطبيعي فإن الغضب يجعله عرقيا بعد أن كان بنوع آخر. فإن كان المتوقع من الطبيعة دفع المادة بالعرق ثم حصل الغضب زاد العرق وأمعن في الخروج وحصل ما * ذكرناه (1833) وإن كان المتوقع * بولا (1834) أو * إسهالا (1835) ثم حصل * عكس الدفع (1836) إلى جهة أخرى * حصل (1837) ما ذكرنا من التحير والغم والفزع يجعلانه بوليا بعد أن كان عرقيا. ومع ذلك فإنها تضعف الطبيعة عن الدفع التام، وسنزيد ذلك شرحا عند الكلام في أيام البحران في المقالة الرابعة * من هذه الكتاب إن شاء الله تعالى (1838) . ومما ذكرنا يعرف الغرض من هذه الفصل على ما ذكره الفاضل جالينوس في شرحه وهو أنه متى ينبغي لنا أن * ندع الطبيعة وفعلها من غير أن نعمل نحن شيئا ومتى ينبغي لنا أن (1839) نعينها بالأعمال الطبية * فالأول (1840) عند كون البحران كاملا والثاني عند كونه ناقصا، * والله أعلم (1841) .
21
[aphorism]
قال * أبقراط (1842) : الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ يجب أن تستفرغ من المواضع التي هي أميل بالأعضاء التي تصلح لاستفراغها.
[commentary]
الشرح هاهنا بحوث أربعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1843) بما قبله وهو أن الإمام أبقراط لما جور استعمال المسهل عند كون البحران ناقصا ذكر في هذه الفصل الأمور التي ينبغي أن تراعى في ذلك الاستفراغ.
البحث الثاني
في ذكر الأمور التي ينبغي أن تراعى في كل استفراغ. اعلم أن الاستفراغ على نوعين ضروري واختياري. والضروري ينبغي أن تراعى فيه أمور عشرة: مقدار المادة وقوامها والقوة المدبرة للبدن والمزاج والسن والسخنة والصناعة وجهة ميل المادة ونوعها وعضو مخرجها والأعراض التي تتخلف بعد الاستفراغ. أما مقدار المادة * فإنه (1844) متى كان متوفرا فالواجب أن يزاد في قوة مستفرغها، وإن كان يسيرا فبعكس ذلك أو * يترك (1845) الاستفراغ لأن القوة تكفى في ذلك أو يستعمل ما يلين الطبع إما بالحقن أو بالمشروب. وأما قوامها فهو إن كان رقيقا أو غليظا أو لزجا فالواجب * تركه (1846) . أما * الرقة (1847) فإنه متى كان كذلك تشربها العضو وداخلت * خلله (1848) وحينئذ تستعصي على * الطبيعة (1849) وتمانعها في الخروج. والثاني فإنها متى كانت * المادة (1850) بالصورة المذكورة لم تطاوع في الخروج وترسب في قعر العضو، وإن خرج منها شيء فلطيفها وذلك مضرة وكذلك متى كانت لزجة. ونتكلم في هذه الباب ونبين فساد مذهب الرازي في هذه المسألة. أما متى كانت ناضجة * أي (1851) معتدلة القوام فالاستفراغ واجب. وأما اعتبار القوة المدبرة للبدن PageVW5P048A فعليه العمدة في الاستفراغ * وفي كل (1852) ما يرد * على (1853) البدن من الغذاء وغيره. فإنها متى كانت قوية وفيها احتمال الاستفراغ استفرغنا ما يحتاج إليه دفعة واحدة، ومتى كانت ضعيفة لم يستفرغ ذلك * في (1854) دفعة بل في دفعات PageVW1P020B . وأما المزاج * فإنه (1855) متى كان حارا * فالواجب (1856) أن لا يبالغ في قوة الدواء المستعمل فيه * كعملنا (1857) في * البارد المزاج (1858) لأن * أكثر (1859) المسهلات حارة. وأيضا فإن المزاج الحار يعين في تلطيف المادة وتهيئها للاستفراغ وكذلك لا تقدم على ذلك في المزاج اليابس كما تقدم عليه في الرطب. وأما السن فإنه متى * كان (1860) سن الشباب أو أول سن الكهول واحتجنا فيه إلى الإسهال استعملناه من غير خوف وحذر مع مراعاة المصلحات، ومتى كان سن الصبى أو سن الشيخوخة توقينا الإسهال * فيهما (1861) . * أما (1862) الأول * فخوفا (1863) من استفراغ الرطوبات الغريزية المحتاج إليها في التغذية والنماء. وأما الثاني فلأن * القوى (1864) فيه ضعيفة محتاجة إلى ما يغنيها ويقويها. وأما السخنة فإنها * من (1865) كان متخلخل السخنة أو * قضيف (1866) البدن أو سمنه شحمي فالواجب أن لا يقدم على استفراغه عند الحاجة إلى ذلك * إلا (1867) مع * توق (1868) وحذر وزيادة * في (1869) المصلحات التي له. ومتى كان بالخلاف فبالخلاف. وأما الصناعة فإنه * من (1870) كان يحتاج إلى مباشرة النار في صناعته كالصياغة والحدادة والسباكة فإنه لا يجب أن يبالغ في تقوية ما يسهل خلطه كحالة من يكون مباشر * المياه (1871) في صناعته . وأما ميل المادة فينبغي أن يكون الاستفراغ حيث هي مائلة فإن استفراغها وإخراجها من هذه الجهة أسهل من إخراجها من الجهة المضادة لذلك الميل وبهذا * يتخالف (1872) قانون الاستفراغ لقانون الجذب. مثاله إذا كانت المادة الكائنة في المعدة طالبة للإعالي فاستفراغها بالقيء أجود وأسهل منه بالإسهال وبالعكس المادة * الهابطة (1873) في أسفلها. وأما نوعها فهو أن يكون * الخارج هو (1874) المادة الموجبة للمرض لا مادة أخرى. وأما عضو مخرجها فالواجب أن يكون أخس من العضو المستفرغ عنه لئلا يكون الضرر الحاصل من الاستفراغ أكثر من النفع الحاصل منه؛ وسنتكلم في هذا. وأما الأعراض التي تعقب الاستفراغ فهو أن أعقبه خفة وراحة فليستغنم الاستفراغ وإلا * فيقطع (1875) * فإنه متى (1876) * كان (1877) كذلك * حمل (1878) على * أحد (1879) أمرين إما على أن البدن نقي من الفضلات والدواء * قد (1880) شرع في استفراغ ما هو محتاج إليه والطبيعة تمسكه وتشح به وهو أخذ في مقاومتها وإخراج ما هي شحيحة به وإما على أن في البدن أخلاط رديئة فاسدة قد ثورها الدواء وانصب * منها شيء (1881) إلى جهة القلب أو فم المعدة. * فهذه (1882) الشروط ينبغي أن تراعى في الاستفراغ الضروري. وأما الاختياري * فزاد (1883) فيه ثلاثة شروط السن والعادة والفصل. أما العادة فإن من الناس من لا اعتاد * الإسهال (1884) ومنهم من اعتاده ثم هؤلاء منهم من اعتاد نوعا من الاستفراغات وعند ذلك لا ينبغي لنا أن نغير العادة عن استعمال ما يستعمله. وأما الفصل فالواجب أن لا يقدم على استعمال المسهل في صميم الصيف * ولا في صميم الشتاء. وأما الأول فلوجوه (1885) أربعة. أحدها أن أكثر الأدوية المسهلة حارة والفصل حار فيضاف حرارته إلى حرارة الفصل * فيحصل (1886) للبدن سوء مزاج. وثانيها * (1887) أن حرارة الفصل تجذب المادة PageVW5P048B إلى ظاهر البدن والدواء بجذبها إلى باطنه وحينئذ تحصل مقاومه في الدفع. وثالثها أن القوة ضعيفة في الصيف لاستيلاء التحلل والإسهال * يزيدها (1888) ضعفا. ورابعها أن الغالب على مواد الصيف الصفراء والصفراء بطبعها طالبة * للإعالي (1889) والمسهل بجذبها إلى أسفل فلو استعملناه * فيه (1890) لتحيرت المادة في الخروج. وأما في * زمان الشتاء (1891) * فلأن (1892) المواد فيه جامدة غير مؤاتية للخروج والبروز. وأما السن فالواجب أن لا يستعمل الدواء المسهل في سن الصبا لأن رطوبة هذا السن غريزية محتاج إليها ولا في سن الشيخوخة لأن القوة * فيها (1893) ضعيفة غير محتملة للاستفراغ. وأما في سن الشباب وأول سن الكهولة فجائز الاستعمال * ولنعد إلى حل المتن (1894) .
البحث الثالث:
قوله والأشياء التي ينبغي أن تستفرغ، قال جالينوس: المراد بها الأخلاط المولدة للأمراض التي يأتي فيها البحران أو قد أتاها البحران غير تام. أقول إن مراده هاهنا بالأشياء ما هو أعم من ذلك وهو مواد الأمراض لتدخل فيه المائية الكائنة في بطون المستسقين والمدة المحتبسة في الخراجات فإن استفراغ المائية الكائنة في العضو من جهة ميلها * مما (1895) هو صالح لاستفراغها أوفق مما هو مخالف لذلك * وكذلك (1896) استفراغ المادة الكائنة في الخراجات. ولذلك أمر والأطباء بأن يكون بطنها في أسفلها خوفا من أن يصير لها كهفا ومخبأة فلذلك قال الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ ولم يقل الأخلاط التي ينبغي أن تستفرغ.
البحث الرابع
قوله من المواضع التي هي إليها أميل بالأعضاء التي تصلح لاستفراغها، قال * جالينوس (1897) : أبقراط قد وصف لنا في هذه الفصل * أمرين أحدهما (1898) طبيعة العضو * الذي (1899) تستفرغ منه * الفضول (1900) . والثاني ميل الكيموسات فقال إنه ينبغي أن يستفرغ الفضل من المواضع التي يميل إليه ومن المواضع التي تصلح لاستفراغها. وقوله من * المواضع (1901) التي هي إليها أميل أي التي المواد مائلة إليها، وميل المادة إلى جهة قد تكون لطبعها كميلان السوداء في الأكثر إلى أسفل والصفراء إلى جهة العلو وقد يكون لدفع الطبعية لها قسرا. ومثل * هذا (1902) الميل قد يكون موافقا للميل الأول وقد لا يكون فإن وافق ذلك * عضوا صالحا (1903) للاستفراغ منه PageVW1P021A كان ذلك الاستفراغ على أفضل وجه وتعتبر هذه الصلاحية من * أمور (1904) ستة أحدها أن يكون العضو الذي هو مخرج المادة قريبا كما إذا كانت المادة في محدب الكبد فاستفراغها من الكلى أسهل منه * إلى (1905) المعاء وإن كان بينهما شركة. وثانيها أن يكون بين المستفراغ منه ومخرج المادة مشاركة بآلات * ومجار (1906) تندفع فيها المادة لا * بالموضع (1907) فإن الكلى والمعاء وإن اشتركا في الجهة لكن ليس بينهما شركة فيما ذكرنا. وثالثها أن يكون المخرج أخس من المنجذب عنه * المادة (1908) أكثر صبرا على مرور المادة كما تستفرغ مادة الدماغ من المنخرين بالترعيف. ورابعها أن يكون المخرج سليما من الآفة بريئا منها. PageVW5P049A فإنه متى كان كذلك كان مرور المادة به سببا لتلافه كما إذا كان بالمعاء سحج ومالت * المواد (1909) إليها فإنا لا نستفرغها منها بل نميلها عنها. وخامسها أن يكون ذلك المخرج مخرجا طبيعيا أي أن تكون الطبيعة أعدته لجروج الفضول. وسادسها أن يكون محاذيا للعضو المستفرغ عنه المادة كما تستفرغ مادة الكبد بالترعيف من المنخر الأيمن ومادة الطحال من المنخر الأيسر، والله أعلم.
22
[aphorism]
قال * أبقراط (1910) : إنما ينبغي أن يستعمل الدواء والتحريك بعد أن ينضج المرض فأما ما دام * المرض (1911) نيا وفي أول المرض فلا ينبغي أن يستعمل ذلك إلا أن يكون المرض مهتاجا وليس يكاد في أكثر الأمر أن يكون * المرض (1912) مهتاجا.
[commentary]
الشرح هاهنا بحوث عشرة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله وهو أنه لما أوجب استفراغ المادة وتنقيصها * عند (1913) كون البحران ناقصا ثم ذكر الشرطين المذكورين * في (1914) استفراغها، وقد علمت أن الاستفراغ المذكور لا بد مع الشرطين المذكورين من ذكر شروط منها وقت استفراغ المادة وهو وقت أن تكون نضيجة أي معتدلة القوام ذكر * ذلك (1915) في هذا الفصل فقال لا يجب أن * يتقدم (1916) على الاستفراغ المادة الأ بعد أن تكوم نضيجة أي معتدلة القوام * لكن (1917) هذا لا يصح مطلقا فإن الأمراض المهتاجة لا يجوز ذلك فيها.
البحث الثاني
قوله الدواء والتحريك أقول مراده هاهنا * الدواء (1918) المسهل * ثم المسهل (1919) يقال على وجوه: في العرف الطبي على ما ذكره أبو سهل المسيحي في * الكتاب (1920) الثالث * والثلاثين (1921) من كتابه على المسهل بالتليين * كالترنجبين (1922) والشيرخشك وعلى المسهل بالإرلاق كالإجاص والسبستان وبرز الخطمي * والخبازى (1923) وعلى المسهل بالعصر كشراب الورد المكرر والإهليلجات وعلى المسهل بالجلاء كالنورلم * تطفأ (1924) والملح وعلى المسهل بقوة مسهلة كالمجمودة والأفتيمون والغاريقون. ومثل هذا يقال له * مسهل (1925) حقيقي. وأما التحريك فيريده نقل المادة وميلها من موضع إلى موضع، أو ما هو أعم من ذلك وهو ما يحرك المادة فإنك قد عرفت أن عادة الإمام أبقراط إذا أراد ثبات الحكم * فإنه (1926) يوضحه وبينه في صورة مخصوصة ثم ينقله إلى ما هو أعم من ذلك فحكم أولا بأن استعمال * الدواء (1927) المسهل في مبادئ الأمراض * عند (1928) كون المادة فجة خطر ثم نقل ذلك في كل ما يحرك المادة * سواء (1929) كان مسهلا أو مقيئا أو غير ذلك.
البحث الثالث
في بيان الحاجة إلى الإسهال. قد علمت أن البدن * أخذ دائما (1930) في التحلل والتلاشى فهو محتاج إلى رد عوض ما * يتحلل (1931) منه ثم هذا الوارد يجب أن يكون شبيها بالبدن وإلأ لم يخلف * عليه (1932) عوض ما ذهب منه ولم يقم مقامه. والذاهب منه * مركب (1933) فالوارد * مركب (1934) . * ولما كان مركبا (1935) ليس يجب أن يكون * شبيها بالبدن (1936) من جميع * الجهات (1937) لاختلاف نسب PageVW5P049B العناصر * في (1938) المركبات فهو عند وروده علىيه يغتذى بأجود ما فيه وهو ما صلح لتغذيته ويدفع ما لا يصلح منه * لذلك (1939) . فإن كان مقدار المندفع يسيرا وقوامه لطيفا وقوة الدافع قوية وصاحب القوة كثير الرياضة تحلل وخرج عن البدن وسلم من نكايته. وإن تخلف بعضها أو أكثرها اجتمع على * مر (1940) الأيام شيئا فشيئا. فتارة يحتال في إزالة ذلك بتقليل الغذاء * أو تلطيفه (1941) . فإن كفى ذلك * فليستعمله (1942) وإلا أعينت الطبيعة المدبرة للبدن على دفعة وإخراجه * ودثره (1943) بالدواء المسهل. * فهذا (1944) وجه الحاجة إلى استعمال الدواء * المسهل (1945) ، * ولذلك (1946) قال أبو سهل المسيحي: الإسهال هو إخراج ما زاد من الأخلاط الثلاثة على النسبة الطبيعية. وقد حققنا هذه النسبة في شرحنا لكليات القانون.
البحث الرابع
في بيان وقت استعمال المسهل. اعلم أن الأطباء مخنلفون في هذا الوقت. أما أبقراط فقد صرح به في هذا الفصل وهو عند ظهور النضج إلا أن يكون المرض مهتاجا. وبه قال * الفاضل (1947) جالينوس أما في شرح هذا الفصل فإنه قال إذا كانت المواد قد رسخت في عضو من الأعضاء فلا ينبغي أن تحرك بشيء من العلاج ولا تستفراغ بالدواء المسهل حتى ينضج فإنها إذا نضجت كانت الطبيعة معينة لها على استفراغها. وقال في كتاب إغلوقون: وأما الذين يستعملون الأدوية المسهلة في أول المرض وقبل النضج فإنها كثيرا ما تكون الربع ربع واحدة فيصيرونها ربعين وربما صارت أعظم من ذلك وما سبب * هذه (1948) إلا استعمال المسهل قبل النضج. وبهذا PageVW1P021B قال الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا على ما سنوضحه وجمهور المتأخرين والحق يؤيده فإن المواد متى لم تكن مطاوعة للخروج والدفع استعصت على الطبيعة والدواء المسهل وقوامتها في ذلك لأن مطاوعتها إنما تكون باعتدال قوامها فإن الرقيق على ما عرفت يداخل جرم العضو ويتشربه والغليظ يرسب في العضو ولم يطاوع في الخروج واللزوح يستمسك به. وأما محمد بن زكريا الرازي فإنه يرى استعماله متى دعت * الحاجة (1949) إليه * سواء (1950) كانت المواد ناضجة أو لم تكن فإنه قال: اعلم أن هذا الفصل قد أضل جماعة من الأطباء لأن أبقراط أمر * فيه (1951) أن لا يعطى المسهل في ابتداء العلة وضرر ذلك لا شك أنه عظيم. فإن * أحوج (1952) ما تكون الطبيعة إلى * معونة (1953) الطبيب بإخراج الفضل قبل استيلائها عليه بالإنضاج. فإن الطبيعة إذا أنضجت المادة استغنت عن معونة الطبيب والمسهل في هذا الوقت * ضار (1954) لإنهاك القوة. ومراد أبقراط بما ذكره مواد الأورام الراسبة لا أخلاط الحمى المنبثة في العروق. فإنه إن فهم * هكذا (1955) * لزمته (1956) المناقضة في كلامه فإنه قال في ثانية هذا الكتاب: PageVW5P050A ما دام المرض في ابتدائه فإن رأيت إن تحرك شيئا * فحرك (1957) . * وإذا (1958) صار المرض إلى منتهاه فيينبغي أن يستقر المريض ويسكن. قال: والأصوب عندي أن لا يؤخر الإسهال متى أختيج إليه لا في المحرقة والغب * فقط بل (1959) وفي البلغمية والسوداوية إذا لم * يكونا (1960) عن أورام. قال: وقد جربت ذلك فوجدته ظاهر النفع أو بالضد. واعلم أن هذا القول فيه نظر من وجوه خمسة. أحدها قوله أحوج ما تكون الطبيعة إلى معونة الطبيب قبل استيلائها على المادة نقول إن عنى بهذه المعونة المعونة بالنضج فهو حق وكذلك * إن عنى (1961) به استعمال الملينات. * وأما إن (1962) عنى * بها (1963) الإسهال مما فيه قوة مسهلة فهو حق إن أمكن، وهو عندي كون المرض مهتاجا. وأما * إذا (1964) لم يكن ممكنا فهو باطل، فإن الدواء المسهل ليس جذبه للخلط كيف اتفق بل بشرط أن تكون متهيئ * للخروج (1965) . ولو أمكن انجذاب الخلط بالدواء وواتى في ذلك لسبقه فعل الطبيعة في الدفع. فكما أنه لا يواتي لها في الاندفاع كذلك لا يواتي في الانجذاب. ولذلك * ضربنا (1966) متى * استعملنا (1967) المسهل والمادة تعد نية ضعفت القوة بما يجذب الدواء * مما (1968) تصادفه الأعضاء من الشيء الصالح لتغذيتها وبما يحلله من الأرواح. وثانيها قوله فإن الطبيعة إذا نضجت المادة استغنت عن معونة الطبيب. أقول: إن عنى * بهذا (1969) الاستغناء الاستغناء عن الإنضاج فهو حق، وإن عنى به الاستغناء عن إخراج الفضل * فليس (1970) بحق. فإن القوة المنضجة غير الدافعة فإنه قد يقوى فعل أحدهما ولا يلزم من قوته قوة الأخرى. فلذلك قد يتم بالنضج ولا يكون دفع وحينئذ يحتاج إلى الاستفراغ ليحرك القوة الدافعة وينبهها على إصدار فعلها. ومثال * هذا (1971) في حال الصحة. الفضلات المندفعة إلى * المعاء (1972) * لا شك أنها (1973) * في حال الصحة (1974) متهيئة للاندفاع غير أنها لا يتم اندفاعها إلا بانصباب الصفراء إليها فإنها تهيئها على الدفع. ولذلك احتجنا إلى الحقن * والقبائل (1975) المسهلة في حال المرض عند انضراف المنبه إلى جهة أخرى. وكذلك الحال في جانب المسهل بعد تكميل الطبيعة الإنضاج وتقصيرها في جانب الدفع. وثالثها قوله والمسهل في هذا الوقت ضار * لإنهاكه للقوة (1976) . نقول الدواء المسهل متى استعمل بالمقدار الذي يجب وبالمصلحات الواجبة لم يحصل منه * ضرر (1977) بالقوة البتة وكيف يكون هذا وهو دافع للمادة الغامرة للقوة فإن القوة الهاضمة لما أنضجتها تحلت عنها وبقي تدبيرها عائدا إلى الدافعة غير أنها لم تقوى على دفغها فاحتاجت إلى الدواء المسهل ليعينها على دفعها وإخراجها عن البدن، وإذا كان حاله كذلك كيف يتصور أن يقال إنه ضار بالقوة منهك لها. ورابعها قوله ومراد أبقراط بما ذكره الأورام الرابسة لا الأخلاط المنبثة في العروق. نقول لو أراد ذلك لكان مراده الأمراض التي استثناها ما عدا الأورام من الأمراض المادية وهو لم يقل ذلك بل قال إلا أن يكون المرض مهتاجا. ولا شك أن ما عدا الأورام من الأمراض المادية ليست بمهتاجة بل المهتاجة نوع منها PageVW5P050B على ما سنوضحه. وخامسها قوله إن فهم هكذا لزم المناقضة بقوله في ثانية هذا الكتاب. نقوله: ليس بينهما مناقصة لثلاثة * وجوه (1978) أحدها أن مراده بالدواء المذكور في هذه المقالة المسهل الحقيقي أي فيه قوة مسهلة، وفي الثانية الملين أو المزلق ولذلك صرنا نستعمل الحقن الملينة في مبادئ الأمراض. وثانيها أن يقال قوله فإن * أردت (1979) أن تحرك شيئا * أي (1980) إن رأيت المرض في مبادئه مهتاجا فحرك أي استفرغ مادته قبل * مجيئ (1981) المنتهى فإنه وقت راحة وسكون * أي ليس (1982) يجب فيه اشتغال الطبيعة بشيء البتة. وثالثها أن يقال ليس مراده بالابتداء في الفصل الثاني الابتداء المشهور وهو ما ذكره في هذا الفصل وهو عند كون المادة فجة بل مراده بالابتداء من حين ظهور النضج في المرض إلى منتهاه فإنه قسم مدة المرض PageVW1P022A إلى وقتين وقت جائر فيه استعمال الدواء، وهذا من ابتداء المرض إلى منتهاه ووقت ليس بجائز استعمال * ذلك (1983) فيه وهو من المنتهى إلى آخره. والدليل على صحة ما أوردناه من حمل الابتداء على ذلك الزمان جميعه قوله ما دام المرض في ابتدائه فإن أردت أن تحرك شيئا فحرك ولم يذكر التزيد لأنه في هذا الوقت حكمه حكم الابتداء، بل قال: فإذا صار المرض إلى منتهاه فقسم المرض بحسب ذلك إلى ابتداء ومنتهى لا غير. فدل ذلك على أن زمان التحريك هو جملة الزمان الذي قبل المنتهى وزمان الاستقرار والسكون منه إلى ما بعده. فهذا القدر * كاف (1984) في دفع المناقضة. قال الشيخ الرئيس أبو على ابن سينا في كتاب الرابع من القانون حيث تكلم في علاج الحميات: كان من الواجب على * مثل هذا الرجل أي (1985) الرازي أن يحسن الظن بالأقدمين لا * سيما (1986) أبقراط وجالينوس * ويتأمل (1987) * كلامهما (1988) أفضل تأمل. وأظن * أن هذا الرجل (1989) اتفقت له تجارب * احتجت (1990) في هذا الباب قد ركن إليها وأمثال هذه التجارب التي ليست على القوانين الصحيحة لا ينبغي أن توفق بها ويركن إليها. واعلم أن الحق في هذا الباب مع الشيخ الريئس، وذلك لأن التجربة * إنما (1991) أن يفيد علما إذا تكرر حكمها تكرارا تذعن له النفس وذلك إنما يكون في أشخاص كثيرة وبلاد كثيرة والذي شاهده هذا الفاضل من ذلك أعدادا قليلة. ولو فرضنا أنها * أعداد (1992) كثيرة إلا أنه دال على الجواز. وأما أنه أفضل فلا يدل عليه * فلعل (1993) * أولائك القوم (1994) الذين شاهدهم لو * انتظروا (1995) النضج كان علاجهم * أفضل (1996) ورجوع قوتهم إليهم أقرب فإنه ربما حرك الدواء المادة ولم تطاوع في الخروج لعدم مواتآتها لذلك وعند ذلك بزداد حجمها بالحركة الموجبة للخلخلة أو باستحالتها غيرها * إليها (1997) .
البحث الخامس
قال ابن إبي صادق: إذا كان الفضل ساكنا ينبغي أن ينقص وإن كان سانحا في تجويف العروق كما هو عليه حال المواد التي لا ورم معها فليستفرغ في أي وقت احتيج إليه ولا يلتفت إلى أمر النضج. وهكذا يفعل إن كان قد خرج عن العروق إلا أنه غير محتاج إلى النضج . * وأما (1998) إذا كان راسخا في العضو وهو لا يجيب إلى الاستفراغ إلا بعد * أن ينضج (1999) * فليقدم (2000) النضج أولا لأنه متى استعمل PageVW5P051A فيه الاستفراغ قبل النضج خرج ما هو الألطف * ويبقى (2001) * الأغلظ (2002) لا * يواتي (2003) النضج بعده ولا الاستفراغ بسهولة. وهذا هو حال الأورام الراسبة في الأعضاء وفي مرض النقرس والصرع. وهذا هو الذي عناه أبقراط في هذا الفصل لا غير. ثم قال: وأقول إن المتقدمين إنما أخروا استعمال المسهل في الحميات لأنهم لم يجدوا الأدوية التي * تستفرغ (2004) من غير تسخين. ما نجده نحن اليوم من ضروب * الاهليلجات (2005) والتمرهندي * والبنفسج (2006) * والرنجبين (2007) * والشيرخشك (2008) إذ ليس يوجد لأمثال هذه الأدوية ذكر في كتبهم، بل صاروا مدفوعين إلى استعمال أدوية تسخن جدا ولحوم المحمومين قبل الرابع عشر حارة شديدة الحرارة * فهي (2009) تجذب الدواء يسرعة إلا أن يكون بالدواء * من القوة (2010) حيث لا يقدر البدن على جذبه ومثل هذا الدواء يجذب جذبا قويا ويفعل من الإسهال ما لا يؤمن معه أن * يصيبهم (2011) * التشنج (2012) . فإن نحو من ذلك ركبتهم الحمى بعد ذلك بأكثر ما كانت. فلذلك لم يكونوا يسقون المحمومين دواء مسهلا إلأ عند الاضطرار بل كانوا يفزغون في أمثال هذه الأحوال إلى الحقن. وهذا الكلام من هذا الفاضل فيه اعتراف بما قاله الرازي وذهب إليه وعليه ما عليه. فإنه ادعى أن امتناع الأقدمين * من استعمال (2013) المسهل في مبادئ الأمراض المذكورة ليس لعدم النضج في ذلك الوقت بل لعدم ما يسهل ويبرد ويرطب، ومع ذلك ذكره فيه نظر من وجوه أربعة. أحدها أن باب الاصطلاحات مفتوح * فإن (2014) جالينوس حكى أن امرأة احتاجت * إلى (2015) إسهال، فأعطاها المحمودة مخلوطة بماء الشعير وأيضا تصلح بالكافور وغير ذلك من المصلحات التي لم تخف * عن (2016) الفاضل جالينوس. فلو كانوا * يرون (2017) باستعمال المسهلات في مبادئ الأمراض ولم يجدوا منها ما ذكره ابن أبي صادق استعملوا الموجود منها مع * ما (2018) يصلحها وبدفع ضررها وكيف لا والإمام أبقراط قد أشار باستعمال المسهل في مبادئ الأمراض المهتاجة. فلو لم يكن في زمانه ما يسهل مواد هذه الأمراض من غير زيادة في حرارتها لم يأمر باستهمالها. وثانيها أن * ديسقوريدس (2019) قد ذكر البنفسج في كتابه وذكر منافعه فمثل هذا الدواء يبرد ويرطب ويسهل. فإذا أضيف إليه ما يسهل وهو حار كالمحمودة لم يضر استعماله. وبالجملة فالمصلحات كثيرة. وثالثها أنه ليس جميع الحميات مما يمنع فيها استعمال ما يسهل ويسخن فإن الحميات البلغمية والسوداوية محتاجة إلى ذلك. ورابعها اعتقاده أن الحقن تقوم مقام الدواء المسهل حتى * عري (2020) الأمر إلى المتقدمين.
البحث السادس
في تحقيق القول في النضج. قال الرازي: النضج عبارة عن ترقيق المادة. وهذا خطأ فإن المادة متى كانت * كذلك (2021) تشربها العضو وداخلت أجزاؤه وحينئذ تستعصي على الطبيعة في الخروج. وقد ألزمه الشيخ الرئيس في الكتاب الرابع من القانون حيث تكلم في معالجة الحميات بوجه حسن وحاصله أنه يوافقنا * على (2022) أن ظهور النضج * إنما (2023) يظهر * لنا (2024) برسوب الثفل في * أسفل (2025) القوارير. ولا شك أن مادة الحميات الصفراوية على * مذهبه (2026) ناضجة لأنها رقيقة فكان من الواجب أن يظهر الرسوب في قوارير الحميات الصفراوية في مبادئها. والوجود بخلافه وليس لهذا علة إلأ أنها في مبادئ الأمر لما كانت * فجة (2027) لم يظهر الرسوب. ثم لما نضجت ظهر، فالنضج ليس هو عبارة عن ترقيق قوام المادة بل عبارة عن PageVW1P022B اعتدال قوامها المؤاتي للدفع. ولو لم تكن رقة القوام مانعة من الدفع * لعدم النضج (2028) لما تخلف النفث قي ذات الجنب عن أول يوم ولا في النزل والزكام. وقال أبو سهل المسيحي في الكتاب الحادي * والخمسين (2029) من كتابه: النضج عبارة عن استيلاء القوة المغيرة * على (2030) مادة المرض وإعدادها على نحو تمكن القوة الدافعة دفعها؛ وهذا تعريف جيد. وقال الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا في * طبيعيات (2031) الشفاء: النضج هو إحالة من الحرارة * للجسم (2032) ذي الرطوبة إلى موافقة الغاية المقصودة. قال بعضهم: والواجب أن يقال الحرارة الغريزية فإنها هي الآلة * للنضج (2033) ؛ * وهذا خطأ (2034) . فإن النضج ينقسم إلى * نوعين (2035) : طبيعي وصناعي. * ولا شك أن الصناعي (2036) ليس البتة * للحرارة (2037) الغريزية فيه مداخلة بل النارية. والطبيعي على نوعين: نضج ما يحتاج إلى جذبه وهو نضج الغذاء ونضج ما * يحتاج (2038) إلى دفعه وهو يضج الفضل * والاسم (2039) الخاص بالغذاء الهضم وبالفضل النضج. وقال ابن أبي صادق في شرح المسائل الكبير: النضج عبارة عن تهيئة المادة للاندفاع. وذلك * بترقيقها (2040) إن كانت غليظة أو بتغليظها إن كانت رقيقة أو * بقطيعها (2041) إن كانت لزجة.
البحث السابع
قوله إنما ينبغي أن يستعمل الدواء والتحريك بعد أن بنضج المرض، اعلم أن لفظة إنما * هي (2042) للحصر. ولما كان للحق عند الإمام أبقراط أن استعمال الدواء لا يجوز قبل النضج بل بعده، حصر هذا الأمر وقال لا يجوز أن يستعمل الدواء المسهل قبل النضج البتة إلا في صورة مخصوصة وهو عند كون المرض مهتاجا حادا. واعلم أن ما ذهب إليه الرازي وهو أن استعمال الدواء المسهل في مبادئ الأمراض واجب ينفرغ عليه أصل فاسد يبطل جميع ما ذكرنا من أحكام التعذية بحسب مرتبة المرض. وذلك لأن الإمام أبقراط إنما أوجب تقليل الغذاء وتلطيفه في مبادئ الأمراض لتقبل الطبيعة PageVW5P052A على إنضاج مادة المرض إقبالا تاما. وهذا إنما يأتي باستعمال ما ذكرتا. وإذا كان لا يجب النضج فلا حاجة إلى تقليل الغذاء وتلطيفه. وأبقراط قد أطلق لفظة النضج على المرض وفيه مسامحة في العبارة فإن الناضج في الحقيقة هو المادة الموجبة له لكن لقائل أن يقول: النضج المعتبر في الإسهال والتحريك لا يخلو إما أن يكون هو النضج الكامل أو لا يكون. فإن كان الأول فهو باطل لأن النضج * الكامل كائن (2043) في المنتهى، وذلك وقت سكون لا وقت حركة على ما ذكره الإمام أبقراط في ثانية هذا الكتاب وهو قوله: وإذا بلغ المرض منتهاه فينبغي أن يستقر المريض ويسكن. وإن كان الثاني لزمه عصيان المادة بقدر ما فيها من النهوة * (2044) والفجاجة. وأيضا فإن * هذا (2045) يخالف ما قاله في هذا الفصل. وجوابه الذي يظهر لنا من كلام أبقراط أن المسهل لا يستعمل بعد النضج الكامل لأنه بعد المنتهى وهو وقت سكون لا وقت حركة على ما ذكره فيما بعد. وبيان ذلك أن الدواء إنما يستعمل لإعانة الطبيعة على إخراج ما يؤذيها فمتى لم يكن لها أثر في المادة يعلم به استيلائها لم يقدر على استعمال ذلك خوفا من تحريكها مع عدم ظهور ما يدلنا على استيلائها. فلا يؤمن من أن يكون بالمادة من الشدة والكثرة والاحتباس بحيث يعجز المسهل لذلك عن إخراجها فيحركها ولا يندفع لأن الدافع للأخلاط بالحقيقة هو * القوة (2046) المدبرة للبدن وهي غير مستولية بوجه من الوجوه، فيحدث من ذلك بلاء عظيم. ولذلك متى استعمل المسهل في أول المرض قد لا يخرج شيئا من الأخلاط؛ وإن أخرج فيكون نززا. ومع ذلك يعقبه أعراض رديئة إلى الغاية على ما دل عليه الاستقراء الطبي. وأما متى كانت مستولية عليه فإن كان لها كمال الاستيلاء فلا حاجة إلى المعين لأن المعين إنما يحتاج إليه في حال تقصير الفاعل عن بلوغ أثره ومثل هذا الوقت وقت المنتهى ولا كذلك يكون الأمر عليه فيما قبله. وذلك لأن الطبيعة وإن كانت مستولية في هذا الوقت غير أنه ليس لها كمال الاستيلاء. فلذلك يحتاج في مثل هذا الوقت إلى معين يعينها على إخراج المادة لتخف عليها المؤونة. وما قيل إنه لو أخرج النضج الذي لو بقي على مخالطة غير النضج أعان على نضجه وإجراجه قولا غير صحيح. فإن الطبيعة لا ينضج جزءا من المادة دون جزء بل فعلها في الكل فعلا متشابها. فإن قيل إن بعض النضج لا يكفى في إخراج مواد الأورام لأنها مستقرة مداخلة لخلل العضو ولا يكفى فيه إلأ كماله فإن الورم لا يخرج الخلط منه ما لم يكن قوامه في غاية المطاوعة وذلك بالنضج الكامل. فنقول: إن الدواء يخرج من * الأخلاء (2047) التي في العروق لكن ليس من جميعها فإن العروق الشعرية لا تصل PageVW5P052B قوة الدواء إليها لبعدها عن مورد الدواء. وإذا كان كذلك فأخلاط الورم إما في هذه العروق وإما في الأفضية التي بينها وبين اللحم وعلى كلي التقديرين فالدواء لا يجذبها ولا يصل إليها وإنما يستفرغ من مواد الأورام ما من شأنه أن * ينحدر (2048) إلى أماكنها ويزيد فيها * وإما (2049) في الأعضاء الوارمة أنفسها فلا سبيل إلى إخراجه إلا بعد إنضاج * الطبيعة (2050) له على ما هو عليه الآن من مداواة الأورام فإن المادة إذا قاحت أخرجت من نفس الورم بالبط ثم بالعصر ثم بالفتائل وحينئذ يلتحم الورم ويتحلل ما يبقى بعد ذلك بالمحللات على ما شهد به الاستقراء الطبي.
البحث الثامن
قوله: PageVW1P023A فأما ما دام المرض نيا أو في أول المرض فلا ينبغي أن يستعمل ذلك، أما لإطلاقه لفظة الني على المرض فعلى سبيل * المجاز (2051) لأنها لا تطلق بالحقيقة إلا * على (2052) مادة المرض غير أنه هل يريد بقوله نيا أول المرض أم غير ذلك؟ أما ابن أبي صادق فإنه جعل مدلولهما * واحدا (2053) ، وذلك لأنه قال: إن أبقراط عنى بأول المرض النهوة لأن أول المرض يحد بعدم النضج وهذا معنى الني. وقال عبد اللطيف المعروف بالمطحن: قوله أو في أول المرض يريد به الثلاثة * الأيام (2054) الأول على ما ذكرنا في تفسير الابتداء، وهذا غير كونه نيا فإن المرض الني قد بقي أياما كثيرة وشهورا. وأما نحن فنقول: الني يطلق على ما لا يتم نضجه والابتداء على الزمان الكائن قبل التريد، وعلى هذا التفسير أيضا بكون؟ التي؟ غير الأول لأن المواد في زمان الابتداء والتزيد. وعلى هذا التفسير أيضا يكون الني غير الأول لأن المواد في زمان الابتداء والتزيد غير تامة * النضج (2055) ؛ وهذا هو الحق. وكيف لا تكون كذلك، وإلأ كان قوله أول المرض * تكررا (2056) لا فائدة فيه. فإذا عرفت هذا فنقول: لا يجوز استعمال الدواء المسهل في هذين الوقتين، وذلك لوجوه ثلاثة. أحدها أن المواد تكون ساكنة فيأتيها ذلك * فتحركها (2057) وهي غير مؤاتية للجروج والبروز فتتحرك ويكثر حجمها، وحينئذ إما أن تنصب إلى عضو آخر فتعظم البلية، وإما أنها تمدد العضو الكائنة فيه فيزداد الألم وتقوى الآفة. وثانيها أنه متى كان كذلك قويت المقاومة بين الطبيعة والدواء، وذلك لأن الطبيعة المدبرة للبدن شحيحة بالمواد الكائنة في البدن سواء كانت فاسدة أو غير فاسدة. فإنه ليس لها شعور يفعلها غير أن المواد * متى (2058) كانت نضيجة واتت في الخروج والانجذاب للدواء المسهل بسهولة. ومتى لم يكن كذلك استعصت وامتنعت من الخروج والدواء بجذبها * بخصوصيته (2059) فيه فيطول زمان الجذب والمقاومة بينهما مع مقاومة الطبيعة المدبرة للبدن وفي ذلك إجحاف بالقوة على ضعفها. وثالثها أنه متى كان كذلك انجذب أولا لطيف المادة ورقيقها فإنه PageVW5P053A أقبل للخروج والبروز من غليظها وفي ذلك مضرة عظيمة لأن مدته تطول وتمتد فإن القدر الخارج هو الذي كان يعينها على نضج المادة وتهيئها للجروج. وقوله: لا ينبغي أن يستعمل ذلك، اعلم أن هذا الكلام يصلح أن يكون إشارة إلى الدواء المسهل ويصلح أن يكون إلى التحريك الذي هو أعم من الدواء. فإن التحريك أعم من الدواء المسهل على ما علم لكنه بالمسهل أولى. فإن المحرك قد يستعمل في أول المرض على سبيل التجفيف على ما عرفت، ولذلك لما كان * حال (2060) المحرك كذلك لم يقربه بلفظة إنما الدالة على الحصر بل الذي قرن بها لفظة المسهل الذي هو الحقيقي أو نقول إن الحضر للمسهل فقط والألم يصح الاستثناء للمرض المهتاج. فإن المحرك يستعمل في مبادئ الأمراض سواء كانت مهتاجة أو غير مهتاجة متى دعت الحاجة إليه بخلاف المسهل الحقيقي فإنه لا يستعمل في مبادئ الأمراض إلا أن تكون مهتاجة.
البحث التاسع
قوله: إلا أن يكون المرض مهتاجا، اعلم أن الاستثناء هاهنا * عائد (2061) إلى قوله إو في أول المرض، أي أن الدواء المسهل والمحرك لا يجوز استعمالهما في مبادئ الأمراض إلا أن تكون مهتاجة لا إلى قوله نيا. فإن المواد النية لا يكاد تكون منها أمراض مهتاجة. وأيضا فإن أول المرض أقرب المفهومين والمهتاج أصله مأخوذ من هيجان النار واضطرابها ومنه يقال للحيوان المتحرك للسفاد هائج ثم استعيرت هذه اللفظة للمواد المتحركة فإنها متى كانت كذلك لم يمكن صاجبها القرار بل يعرض له قلق وكرب بحلاف ما إذا كانت ساكنة هادئة فإنها لا تكون كذلك وصرنا نبادر إلى الاستفراغ في مثل هذه الأمراض من غير انتظار النضج جوفا من انصباب المادة إلى عضو شريف أو من عضو مرؤوس إلى عضو رئيس أو من بليد * الحس (2062) إلى قوية. وأيضا فإن مثل هذه المادة ليس فيها ممالنعة للخروج والانجذاب لا متقلقلة متزعزعة في أمكنتها فهي لذلك مواتية للخروج.
البحث العاشر:
قوله وليس يكاد في أكثر الأمر أن يكون المرض مهناجا، قال جالينوس ما أحسن ما وضع في قوله وليس يكاد * في أكثر الأمر (2063) أن يكون المرض مهتاجا فإن هذا يعرف بالتجربة. وذلك لأن سيلان الكيموسات من عضو إلى عضو قلما يكون. وأما في أكثر الأمر فإن الكيموسات ساكنة ثابتة في عضو واحد وفي ذلك العضو يكون نضجها في مدة زمان المرض كله إلى أن ينقضي. واعلم أن حكم الإمام أبقراط بقلة عروض الأمراض المهتاجة إنما هو بحسب بلاده أي بلاد الصقالبة وإلا فهذا القدر يختلف باختلاف عروض البلدان والجهات والأسنان والسخنات وعندد ذلك لا يصح إطلاق الحكم بقلة عروض المهتاج وكثرته دون غيره من الأمراض.
23
[aphorism]
قال * أبقراط (2064) : ليس ينبغى أن يستدل على المقدار الذي يجب أن يستفرغ من البدن من كثرته لكنه ينبغي أن يستغنم الاستفراغ ما دام الشيء الذي PageVW5P053B ينبغي أن يستفرغ هو المستفرغ والمريض محتمل له بسهولة وخفة وحيث ينبغي فليكن الاستفراغ PageVW1P023B حتى يعرض الغشي وإنما ينبغي أن يفعل ذلك متى كان المريض * محتملا (2065) له.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله وهو أنه قد علمت أن مقدار المادة لا بد من مراعاتها في الاستفراغ وهو أنه * قد علم (2066) إن كان كثيرا فالواجب أن يبالغ في الاستفراغ، وإن كان قليلا فالواجب * أن يكون (2067) الاستفراغ دون ذلك ثم أن هذا الحكم يختلف باختلاف الأسنان * والأمزجة (2068) والسخنات وبالجملة لأمور أخر احتاج أن تذكر لنا ضابطا يعرف مقدار المادة المستفرغة وهو احتمال القوة.
البحث الثاني
في ذكر ما يدل على ذلك، وهو من وجهين. أحدهما نوع المادة فإنا متى رأيناها قد تغيرت من نوع إلى نوع لم نقصد استفراغه فقد حصل النقاء. مثاله متى كان قصدنا استفراغ الصفراء ثم انتهى الحال إلى خروج البلغم فقد حصل النقاء من الصفراء. * وهذا (2069) معنى قوله ما دام الشيء الذي ينبغي أن يستفرغ هو المستفرغ. وأما معرفة نوع المادة المستفرغة فقد * ذكرناها (2070) فيما تقدم. وثانيهما استقلال المستفرغ بالإسهال فإنه متى كان المستفرغ من الخلط المؤذي بالمقدار الذي يجب أععقبه خفة وراحة واستظهار في القوة، ومتى لم يكن كذلك لم يعقبه شيء من ذلك. وهذا هو معنى قوله والمريض محتمل له بسهولة وخفة. فهذا هو حد المقدار الاستفراغ سواء أكان الاستفراغ من جهة الطبيعة أو من جهة الصناعة.
البحث الثالث:
قوله وحيث ينبغي فليكن الاستفرراغ حتى يعرض الغشي، معناه متى حصل الأمران المذكوران فليستغنم الاستفراغ ويبالغ فيه حتى يعرض الغشي. وليس غرضه * بذكر الغشي (2071) هاهنا على أنه حد الاستفراغ بل على طريق المتبالغة والتأكيد فالحبث على ترك الاستفراغ بحاله وإبقاءه على ما هو عليه. ولو كان غرضه به أن يجعله * حد الاستفراغ (2072) كما ذكره الفاضل جالينوس لا شك بأمر وهو أنه ينقى البدن من الشيء الذي يجب أن يستفرغ والغشي لم يحصل، فإن استديم الاستفراغ بعد الفراغ ممأ يجب استفراغه إلى أن يصل الغشي ىلف؟ البدن، وإن لم يستديم فقد حصل النقاء ولم يحصل الغشي.
البحث الرابع
قال جالينوس الغشي الكائن من الاستقصاء في الاستفراغ قد ينفع من * وجه آخر (2073) فإن الغشي قد يكون لمرار ينصب إلى فم المعدة وقد يكون لجبن المريض وخوفه كما يعتري بعض الناس عند الفصد وكما يعرض لبعض المحمومين عند قيامهم وانتصابهم. قال: ومثل * هذه (2074) الأنواع لا ينتفع بها. وأما النوع الثاني فينتفع به في تبديل المزاج على المكان فإن استفراغ الدم بالفصد إلى أن يعرض الغشي في الحمى المفرطة الحرارة تجذب للبدن بردا وتطفئ الحمى PageVW5P054A . وهذا الكلام بعيد عن الحق فإن الغشي معناه انحلال القوة الحيوانية ومتى انحلت هذه القوة إلى حين يحصل من انحلالها برد في البدن كيف صار ينتفع به. وذلك مما يضعف القوة التي هي دافعة لمادة الحمى ولكل ما يؤذي البدن.
البحث الخامس
قوله: وإنما ينبغي أن يفعل ذلك متى كان المريض محتملا له، فهم قوم أن الضمير في * له (2075) عائد إلى الاستفراغ، وهو خطأ. فإن الاستفراغ متى كان من النوع الذي يجب خروجه كان * المستفرغ (2076) محتملا له. بل الحق أن الضمير عائد إلى الغشي، أي يجب أن يبالغ في الاستفراغ متى كان على ما ذكرنا إلى أن يحصل الغشي * فيمن (2077) كان محتملا للغشي لأن بعض الناس ليس له احتمال للغشي إما لأنه جبان وإما لأن معدته قوية الحس ينصب إليها خلط حاد يوجب ذلك * وإما (2078) لأمر لآخر وقد ذكرناه.
24
[aphorism]
قال أبقراط: قد يحتاج في الأمراض الحادة في الندر إلى أن يستعمل الدواء المسهل في أولها إنما وينبغي أن يفعل ذلك بعد أن يتقدم فيدبر الأمر على ما ينبغي.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
(2079) في صلة هذا الفصل بما قبله وهو أن الإمام أبقراط لما أوجب ترك الإسهال إل حين ظهور النضج قال في هذا الفصل وليس ذلك مطلقا فإنه قد يحتاحج إليه في أول المرض الحاد لكن نادرا. ولذلك عبر بلفظة قد وهذه الحاجة في صور. أحدها عند كون المرض مهتاجا كما * قد (2080) ذكرنا، وثانيها * عند (2081) كون المادة كثيرة ويخاف * منها (2082) انصبابها إلى محل الألم * فتتضاعف (2083) البلية. وثالثها عند ميلها إلى جهة الدماغ فيمال بها إلى عكس جهة ميله. ورابعها عند كون القوة ضعيفة لا تقي بالصبر إلى وقت النضج. ومن هذا يعلم أن حكم هذا الفصل أعم من حكم الفصل المتقدم وهو قوله إلا أن يكون المرض مهتاجا. فإن بعضهم ذكر أنه * هو (2084) غير أنه ذكره هاهنا على سبيل التذكير والتأكيد. والحق أنه غيره لما قلنا. وكيف لا وقد قال في الأمراض الحادة ولم يقل في الأمراض المهتاجة وعلى ما ذكرنا يكون الأمر الواجب التقديم ليس هو النضج بل استعمال ما يرد ويردع ويسكن حركة المادة ليتكاثف ويقل حجمها. وحينئذ * تستولي (2085) الطبيعة عليها واستعمال مصلحات المسهل وكسر عاديته وفتح طرق المواد الخارجة. وذلك بتليين الأثفال الخارجة من المعاء. فإن قيل هذا فيه اعتراف بما ذهب إليه الرازي وهو استعمال المسهل الحقيقي في مبادئ الأمراض مطلقا، فنقول: ليس مراده هاهنا بالمسهل ما فيه قوة مسهلة أي قوة سمية بل مراده به ما هو أعم من ذلك وهو ما يسهل بقوة سمية وما يسهل بغير ذلك. وكيف لا ووقد * منع (2086) من استعمال المسهل الحقيقي في مبادئ الأمراض الغير * المهتاجة (2087) وأكد في ذلك. ومع ذلك فاستعمالنا في * ذلك (2088) نادرا خوفا من تحريك المواد فإن أكثر ما يستعمل PageVW1P024A في مثل هذا الوقت الرادعات. ولذلك عبر بلفظة قد وذكر الندرة للتأكيد في ذلك.
البحث الثاني:
قال الفاضل جالينوس: الأمراض المزمنة ينبغي أن ينتظر فيها الإسهال إلى حين ظهور النضج. وأما الأمراض الحادة فقد يمكن أن يفعل ذلك فيها إلا إذا كانت مهتاجة. ومع ذلك الواجب أن يفعل ذلك تجدر وتحرز شديد ونظر شاف. ولذلك PageVW5P054B زاد في قوله إنما ينبغي أن يفعل ذلك بعد أن يتقدم ويدبر الأمر على ما ينبغي فإن استعمال الدواء المسهل في المرض الحاد عظيم الخطر لأن أكثر الأدوية المسهلة حارة يابسة والحمى من حيث هي حمى ليست تحتاج إلى * ما يسخن ويجفف لكنها (2089) تحتاج إلى ضد ذلك، أعني إلى ما يبرد ويرطب. ولذلك ليس يستعمل * المسهل (2090) فيها لأجل الحمى بل لأجل الكيموس الفاعل لها. وإذا كان كذلك فيجب أن يكون الانتفاع بذلك أكثر من الضرر الحاصل من جهة الحمى وإنما يكون كذلك إذا استفرغ الكيموس الضار كله بلا أذى. وذلك بأن ينظر إلى بدن العليل، هل هو متهيئ لذلك وهو أن * لا (2091) يكون قد تقدمه تخمة ولا استعمال أغذية لزجة ولا غليظة ولا هناك تمدد في الشراسيف ولا ورم فيها ولا * في (2092) مجاري الأثفال سدة. فمتى يكون هناك شيء من هذا تقدمنا وفعلنا في ذلك ما يجب فعله. وهذا معنى قوله * في هذا الفصل بعد أن يتقدم فتدبر الأمر على ما ينبغي ومعنى قوله (2093) أيضا في ثانية هذا الكتاب كل بدن تريد تنقيته فينبغي أن تجعل ما يزيد إخراجه منه يجري فيه بسهولة. ثم قال: فظهر مما ذكرنا معنى قوله قد يحتاج في الأمراض الحادة إلى استعمال الإسهال في ابتدائها في الندرة لأنه ليس يكاد الأخلاط المولدة للمرض أن يكون في أولها مهتاجة. وإن اتفق أيضا أن يكون كذلك فليس يكاد أن يكون بدن العليل متهيئ للإسهال لما ذكرنا. وهذا كلام بعيد. أما أولا فإن المفهوم من كلامه أن مراده بالأمراض المحتاجة إلى الإسهال في ابتدائها المهتاجة، ولو فهمنا هذا من كلامه لكان ذلك تكرارا منه. فإنه قد تقدم ذلك منه. وأما ثانيا فإن من تقدمه تخمة أو استعمال أغذية لرخة أو غليظة أو في معدته رياح أو نفخ كيف يتصور أن تكون مواده موجبة لأمراض مهتاجة ومواد هذه حارة لطيفة شديدة الجريان من عضو إلى عضو، والله أعلم.
25
[aphorism]
قال * أبقراط (2094) : إن استفراغ البدن من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن نفع ذلك وسهل احتماله وإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد.
[commentary]
الشرح هاهنا بحتان.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (2095) بما قبله وهي أن الاستفراغ في الأمراض الحادة قد يكون من النوع الموجب للمرض، وقد يكون من غيره. فمتى كان من النوع الأول أعقبه خفة وراحة لأن به يزول المرض. ولما كان كذلك ذكر في هذا الفصل أن الاستفراغ متى كان من النوع الموجب للمرض أعقبه ما ذكرناه. وأما متى كان الاستفراغ من النوع الثاني * فلا (2096) يعقبه شيء من ذلك، والله أعلم.
البحث الثاني:
قال جالينوس: هذا الفصل محصور في الفصل الذي أوله إن كان ما يستفرغ من البدن عند استطلاق البطن والقيء الذين يكونان طوعا * من النوع (2097) غير أنه لما كان قد تكلم في الإسهال الذي يفعله الأطباء وأتى بجيمع الشروط التي لا بد منها في تحديد ذلك ذكر هذا الفصل على سبيل التذكير. والحق عندي أن حكم هذا الفصل مغاير لحكم الفصل الأول. وذلك لأن الإمام أبقراط اشترط في الأول أن يكون الاستفراغ * طوعا (2098) وفي هذا الفصل لم يذكر هذا الشرط بل جعله مطلقا فهو أعم منه فهو غيره لأنه PageVW5P055A شامل للطوعي والصناعي، والله * أعلم (2099) .
المقالة الثانية وهي أربعة وخمسون * فصلا (1)
1
[aphorism]
قال * أبقراط (2) : إذا كان النوم في مرض من الأمراض يحدث وجعا فذلك من علامات الموت، وإذا كان * النوم (3) * ينفع (4) فليس ذلك من علامات الموت.
[commentary]
الشرح: ها هنا مباحث عشرة.
البحث الأول
في بيان حقيقة النوم قد علم أن قوى البدن جسمانية لأنها حالة في جوهر * جسماني (5) هو الروح، والروح جوهر لطيف متولد عن لطيف الدم وبخارة. فالقوى المذكورة حالة في الجوهر المذكور ولذلك صارت السدة * الحادثة (6) في مجاري هذا الجوهر مانعة للقوة المذكورة من النقوذ على ما دل عليه الاستقراء الطبي. فإذا انصب هذا الجوهر إلى الحواس الظاهرة واستعملت القوة الحالة فيه لآلات هذه الحواس فهذا الزمان يسمى * زمان (7) اليقظة، وإذا مال إلى الباطن وترك هذا الاستعمال فهذا الزمان يسمي زمان النوم. ولذلك * قال (8) أبو سهل المسيحي في العشرين من كتابه: النوم هو إمساك القوى النفسانية عن أفعالها. ومراده هاهنا بالأفعال أفعال الحواس الظاهرة وإلا فأفعال القوى الطبيعية تقوى في حالة النوم على ما بان وأفعال الحواس الباطنة لم تتعطل، وكذلك أفعال القوة الحيوانية. وقال الشيخ * الرئيس (9) في ثالث * القانون (10) : النوم عبارة عن رجوع الحراره الغريزية إلى الباطن طلبا لإنضاج الغذاء و يتبعها الروح النفسانية لاضطرار الخلاء. وقال ابن أبي صادق في شرحه الكبير لمسائل حنين: النوم هو ترك انفس لاستعمال الحواس طلبا رلإجمام. ومراده بالحواس هاهنا الظاهرة على ما عرفت PageVW1P024B غير أنه يجب أن تعلم أن النوم على ثلاثة أنواع: طبيعي وليس بطبيعي وخارج عن المجرى الطبيعي. فالطبيعي هو الكائن عقيب استعمال الطعام والذي ليس بطبيعي هو الكائن عقيب التعب طلبا للراحة والخارج عن المجرى الطبيعي هو السبات ومثل هذا النوم ليس كلامنا فيه. وأما الأول والثاني فلكل واحد منهما أسباب أربعة:مادي وصوري وفاعلي وغائي. فالمادي هو الرطوبة الغريزية فإنها عند ما تمتنع من التحلل ترخو الإعصاب والعضلات * فتسد (11) مجاري الروح وحينئذ يتعذر على الجوهر الروحي النقوذ * في (12) مجاريه. والصوري فهو وقته ومقداره وشكله. أما وقته فهو بعد استعمال الغذء المرطب. وأما مقدراه فهو إلى حين انهضام الغذاء الكائن في المعدة. وأما شكلة فهو أن يكون أولا على * الجانب (13) الأيمن ثم على الأيسر ثم على * الأيمن (14) . وقد أوضحنا * علة (15) هذا في شرحنا لكليات القانون حيث تكلمنا في حفظ الصحة بالنوم. والفاعل فهو * الطبيعة (16) المدبرة للبدن طلبا لما ذكرنا. والغائي فهو نضج الغذاء والفضلات المحتاج إلى نضجها وراحة * القوى (17) النفسانية.
البحث الثاني:
في كيفية حدوثه. قد علمت أن * في (18) البدن رطوبات PageVW5P055B * تسمى رطوبات (19) غريزية. فهذه الرطوبات إذا حصل السكون وامتنعت من التحلل واجتمعت في الباطن وأرخت آلة ألحس والحركة الإرادية انطبقت أجزاؤها بعضها على بعض وحينئذ يتعذر نفوذها في مجاريها على ما ينبغي . ولذلك صار يحصل الكسل والعجز عن الحركة في مثل هذا الوقت حتى أن الإنسان في مثل الوقت يسقط إلى الأرض ثم يحصل تمط ثم نعاس ثم نوم.
البحث الثالث:
في بيان الحاجة إلى النوم وذلك من وجوه ثلاثة أحدها لأجل هضم الغداء أو توزيعه على الأعضاء ونضح ما يحتاج إلى نضحه. وذلك لأن النضح أثر فله مؤثر وكل مؤثر في شيء * ما (20) كان هو وما يؤثر فيه ساكنين أمكنة التأثير فيه بالمقدار الذي يجب. وأيضا فإنك * قد (21) عرفت أن الحرارة الغريزية آلة للقوى البدنية في أفعالها لا سيما الطبيعية وهي في حال النوم يتوفر في الباطن عند محل الطبخ والهضم وإلا حالة. ولذلك صار النائم يحتاج * إلى دثار (22) أكثر * ما يحتاج إليه (23) وهو * يقظان (24) بل لو شرط بعض أطرافه في ذلك الوقت لم يخرج له دم لميلانه صحبة القوة والحرارة الغريزية إلى الباطن لأنه * مادتمها (25) . وثانيها أنه يريح القوة * من (26) أعياء الحركة وإقلال البدن ولذلك صار النائم إذا انتبه من نومه من ذاته يحسن بقوة في بدنه وصفو في حواسه ووفور في عقله. واعلم أن اليقظان إذا كان ساكنا فهو متوسط بين المتحرك والنائم لأن القوة الإرادية إنما تفعل فعلها بالتمام * عند الحركة ويتعطل فعلها بالتمام (27) في حال النوم. وأما في حال اليقظة مع السكون فحالها متوسط لأنها تمسك الأعضاء وثقل البدن وتدعمه سواء كان قاعدا أو * مضطجعا (28) أو على شكل آخر فهي تمسك * الأعضاء (29) على تلك الهيئة ولا شك أن ذلك حركة. ولذلك صار القاعد إذا نعس ونام سقط. وإذا كان كذلك فهي تطلب الراحة من ذلك وتغور إلى الباطن. وثالثها أنك ستعرف في هذه المقالة أن الحركة تنشر الحرارة الغريزية وتقويها غير أنها متى استمرت حللت الحرارة والأرواح الحاملة للقوى لأنها جوهر لطيف فهي حينئذ محتاجة إلى ما يمدها ويزيد في جوهرها وذلك حاصل بالنوم على ما عرفت.
البحث الرابع
في أنه ابتدأ : في أنه * لما (30) ابتداء بذكر النوم في هذه المقالة يقول وذلك لأنه قد علم أن الغرض من الطب حفظ الصحة الموجودة ورد الصحة الموجودة الزائلة. وذلك موقوف على استعمال الستة الضرورية بحسب الإمكان وهو الهواء المحيط بأبداننا وما كان يؤكل ويشرب والحركة السكون والنوم واليقظة والاستغراغ والاحتقان والأحداث النفسانية. وصارت هذه ستة لأنه قد ثبت أن في أبداننا تلك قوى طبيعية وحيوانية ونفسانية. فلكل قوة اثنان من تلك الستة فللطبيعية ما يؤكل ويشرب والاستفراغ والاحتقان وللحيوانية الهواء المحيط بأبداننا والأحداث PageVW5P056A النفسانية وللنفسانية الحراكة والسكون والنوم واليقظة فتكلم * أبقراط (31) أولا في الاستفراغ والحتقان وقوانين الأغذية بحسب ما يحتاج إليه في هذا الكتاب وما يتعلق بالأهوية أخر ذكره إلى المقالة الثالة لأنه كلام عويص يحتاج إلى أنسه ودربه. وما يتعلق بالحركة أخره أيضا في هذه المقالة وابتداء بذكر النوم لأن عرضه أن يذكره من حيث هو علامة.
البحث الخامس
قوله إذا كان النوم يحدث وجعا. اعلم أولا أن هذه العبارة فيها مسامحة فإن النوم ليس هو المحدث للوجع والضرر بل المحدث لذلك إما تفرق الاتصال بذاته على ما يراه * الفاضل (32) جالينوس بحسب المشهور عنه. ومن المتأخرين صاحب الكامل وأبو سهل المسيحي. وإما هو وسواء المزاج المختلف بذاتهما على ما ذهب * إليه (33) الشيخ الرئيس * رحمه الله (34) . وأما السوء * المزاج (35) المختلف بذاته على ما ذهب إليه * الإمام (36) فخر الدين بن الخطيب والفاضي أبو الوليد بن رشد. واعلم أن الفاضل جالينوس قد اضطرب كلامه فيما ذكرناه عنه فإنه يقول في رابعة العلل والإعراض حيث ذكر أعراض حاسة اللمس أن الألم والحدث يعرضان في جميع الحواس عامة من قبل تفرق الاتصال بغتة, ومراده بالحدث الألم فإنه قال بعد هذا بأسطر: ولا فرق بين أن يسمى الألم حدثا والحدث ألما أو وجعا. فهذا كلامه في هذا الموضع. وقال في ثانية: التعرف أحد أنواع الوجه هذا النوع الذي يحدث في العضو الألم بسبب سوء المزاج المختلف فيه فيؤلمه. ثم قال بعد هذا بأسطر: وأنا أعلم أنني قلت في غير هذا الموضع مرارا كثيرة وفي غير هذا الكتاب أن الأنواع الأول من أنواع الوجع نوعان. أحدهما بغير المزاج تغير المزاج بغتة، والآخر انتقاض الاتصال. ثم كرر هذا القول في * الموضع (37) المذكور والذي أقوله من أمر هذا الفاضل في اختلاف أقواله و مذاهبه إما سهوا منه لكثرة تصانيفه وأما لغلبة هواه معانده من كان يعانده في زمانه وإما غلط من * الناقل (38) الأول لمسوداته وإما من جهة المترجم لكلامه من لغة إلى لغة.
البحث السادس
في ذكر حجج الجماعة المشار إليم وأيضاح الحق في ذلك. أما الفاضل جالينوس وشيعته فإنا لم نجد لهم دليلا على ذلك سوى مجرد الدعوى غير PageVW1P025A أن الذي يمكن أن يقال من جانبهم هو أن الحرارة من شأنها التفريق بين الأجزاء المختلفة والجمع بين الأخزاء * المشاكلة (39) * والمتشاهبة (40) وذلك حركة ويلزمها التفرق. والبرودة شأنها الجمع بين الأجزاء المختلفة والمتشابهة وذلك * حركة (41) ويلزمها التفرق. وكذلك * الكلام في (42) الطعوم والألوان والأصوات والروائح فإن القابضة من الطعوم يلزمها التفرق بالجمع والحريقة والمرة بالبسط. وكذلك الألوان السود والبيض. وأحتج الشيخ الرئيس على صحة مذهبه بوجوه ثلاثة. أحدها أن الوجع قد PageVW5P056B يكون متشابه الأجزاء * في العضو الوجع وتفرق الاتصال قد لا يكون متشابه الأجزاء (43) . فوجود الوجع في الأجزاء الخالية عن التفرق لا يكون عن التفرق بل عن سوء المزاج. وثانيها أن البرد يوجع حيث يقبض ويجمع وحيث يبرد ويفرق الاتصال عن البرد لا يكون حيث يبرد بل في أطراف العضو المتبرد. فوجود الوجع في المواضع الخالية عن التفرق لا يكون عن التفرق بل عن السوء المزاج. وثالثها أن الوجع * لا محالة (44) إحساس بمؤثر مناف بغتة من حيث هو مناف والحد ينعكس وهو أن كل محسوس مناف * من حيث هو مناف (45) موجع. فسوء المزاج موجع لأنه محسوس مناف. ورابعها ما ذكره الإمام فخر الدين من جانبه أن لسعة العقرب أشد إيلاما من الجراحة العظيمة ولو كان المؤلم هو نفرق الاتصال فقط لكانت الجراحة العظيمة أقوى في الأئيلام منها. ولما لم يكن كذلك علمنا أن زيادة الألم من لسعة العقرب إنما هو حاصل عن * سوء (46) المزاج لا من تفرق الاتصال . وخامسها ما ذكرناه نحن وهو أن كمال الأعضاء وغايتها أن تكون صحيحة والصحة تتم بشيئين: أحدهما اعتدال المزاج والثاني جودة الهئية. فكل ما هو مناف للكمال المذكور فهو ألم لكن المنافي للهئية المزاجية سوء المزاج وللهيئة التركيبية تفرق الاتصال فهما حينئذ مؤلمان. ولقائل أن يقول: هذه الححج ضعيفة. أما الأولى فهو ان التفرق المحسوس أوجب الألم ثم أنه أحدث * في الأجزاء الخالية منه سوء مزاج ثم أنه أحدث (47) تفرق الاتصال على ما يقوله الفاضل جالينوس ويكون مثل هذا التفرق غير محسوس ويكون * مثل هذا التفرق (48) هو الموجب للألم في الأجزاء الخالية من التفرق المحسوس. وذكر الأمام اعتراضا وهو أنا لا نسلم كون الوجع متشابه الأجزاء في الحس أن يكون متشابه الأجزاء في الحقيقة بل وقد يكون متشابه الأجزاء في * الحس ولا يلزم من ذلك أن يكون متشابه الأجزاء في (49) الحقيقة لأن التفرقات متى كثرت في السطح كان البعض قريبا من النعض وصارت السطوح صغيرة جدا. فإذا حصلت الآلام في مواضع التفرقات فلكثرة تلك المعاضع وقرب بعضها من بعض وصغر ما بينها من السطوح يشتبه على الحس فيظن كون الوجع متشابها وإن لم يكن في نفس الأمر متشابها. ومثال هذا أنا إذا * دققنا (50) المداد و الإسفيداج والزنجفر والزعفران والزرنيخ دقاقا ناعما وخلطنا البعض بالبعض ثانيا فإنه يظن * للحس (51) المجموع لون مفرد على حدته وإن لم يكن في نفس الأمر كذلك. وإذا كان هذا الاحتمال قائما لم يكن القياس المذكور برهانيا. واعلم أن هذا الكلام من الإمام فيه نظر من وجهين أحدهما * أنا (52) نفرض الكلام في عضو قد حصل فيه جراحة واحدة أو جراحات متعددة وحينئذ يقول القائل وجود الوجع في الأجزاء الخالية عن التفرق لا يكون عن التفرق بل عن * سوء (53) المزاج. وثانيهما أنه مناقض * لقوله ولمذهبه (54) PageVW5P057A فإنه يعتقد أن التفرق لا يوجب ألما لأنه أمر عدمي. وإذا كان الأمر كذلك فكيف توجب التفرقات الغير محسوسة التي قرضها ألما؟ وأما الحجة الثانية ففيها نظر من وجهين أحدهما لقائل أن يقول التفرق الحاصل * من (55) البرد لا يلزم أن يكون في أطراف الموضع المتبرد وذلك لأن الموجب له * سوء (56) المزاج البارد المكثف وهو * مستول (57) على جملة العضو وكل جزء منه * إيجابه (58) للتفرق كإيجاب الجزء الآخر وكل جزء منه يوجب التكاثف وذلك يوجب * عدم (59) التفرق وإذا كان كذلك فكيف يصح أن يقال إن في العضو المتبرد أجزاء أخر خالية من التفرق حتى توجب الألم ويكون مثل هذا الألم حادثا عن التفرق. وثانيها ما ذكره الإمام فخر الدين وهو أن الموضع إذا برد فإنه ينقبض ويعرض من ذلك الانقباض أن يتمدد أطرافه عن أطراف الموضع * الحار (60) وأن ينضغط أجزاؤه المتبردة بعضها في بعض * وكلا الأمران (61) سبب لفترق الاتصال. أما الأول فلأنه إذا مدد طرفه عن ظرف الموضع الحار انفصل منه وحصل التفرق. وأما الثاني فلأن الضغط سبب لتفرق الاتصال. وأيضا فإن المواضع المتبردة يمكن أن يكون البعض أبرد من البعض وحينئذ ينفصل الأبرد عن البارد بأن * تفريق (62) الأبرد أقوى وأبلغ من * تفريق (63) البارد. وأما الحجة الثالثة فحاصلها أن * سوء (64) المزاج مؤلم لأنه مناف لكن ليس فيها ما يدل * على (65) أنه مؤلم بذاته أي بدون التفرق. وأما الحجة الرابعة فالجواب عنها نقول: لسعة العقرب ليس إيلامها مجرد البرودة حتى يسبب الألم العظيم الصادر عنها إليه بل بالسمية المبانية للبدن الإنساني PageVW1P025B فيكون إيجابها للألم بوجهين أحدهما سوء المزاج والثاني مضادة الجوهر. فلذك كان ألمها أعظم وأقوى من ألم الحرارة العظيمة. وأما الحجة الخامسة فليس فيها ما يدل على أن المؤلم بذاته سوء المزاج. بل يحتمل أن يقال: الصحة تتم بشيئين أحدهما اعتدال المزاج والثاني صحة التركيب. فيكون * مقابلهما (66) موجبا لألم لكن ليس فيه ما يدل على أن المقابلين مؤلمان بذاتهما. واحتج الإمام فخر الدين بن الخطيب على صحة ما ذهب إليه بوجوه خمسة أحدها أن التفرق والانفصال لفظان مترادفان. وقد اتققوا على أن * التفرق والانفصال (67) أمر عدمي وهو عدم الاتصال عن ما من شأنه أن يكون متصلا والوجع والألم لا شك أنهما أمران وجوديان والأمر العدمي لا يجوز أن يكون علة * للأمر الوجودي فتفرق الاتصال لا يجوز أن يكون علة (68) للألم. وثانيها أن الآلة إذا كانت في غاية الحدة وقطع بها عضو قطعا سريعا لا يحس بذلك القطع في أول الأمر بل إنما يظهر الألم بعد ذلك بلحظة. فلو كان التفرق لذاته مؤلما لاستحال تخلف الألم عنه. فلما تخلف PageVW5P057B عنه علم من ذلك أن التخلف إنما كان لأن في أول القطع لم يحصل سوء المزاج فلا جرم لم يحصل الألم عنه. ثم لما حصل سوء المزاج بعد ذلك حصل الألم. وثالثها أن * الاغتذاء (69) والنماء إنما يحصلان بتفرق اتصال العضو لينفذ في الفرج * المستجذبة (70) الأجزاء الغذائية مع أنه ليس هناك ألم. ومعلوم أنه إنما لم يؤلم لأن ذلك التفرق أمر طبيعي ولم يحدث عنه سوء مزاج. وذلك يدل على أن التفرق ليس هو سبب للألم لأنه تفرق بل لما يتبعه من سوء المزاج. ورابعها أن لسعة العقرب أشد إيلاما من الجراحة العظيمة فلو كان المؤلم هو تفرق الاتصال فقط لكانت الجراحة العظيمة أقوى من الإيلام منها. ولما لم يكن كذلك علمنا أن زيادة الألم في اللسعة إنما يحصل من سوء المزاج لا من تفرق الاتصال. وخامسها أن البدن إنما أختص وقبل صورته المعينة بالمزاج المعين فما دام المزاج * معين (71) * باق (72) استحال زوال تلك الصورة فيكون السبب القوي في حدوث اللذة والألم ثبوتا وانتفاء. * هكذا (73) المزاج لا التفرق. هذا مجموع ما ذكره الإمام فخر الدين في جميع تصانيفه. والجواب عما تمسك به أولا من وجهين. أحدهما أن التفرق يلزمه لا محالة كون الأعضاء فاقدة للكمال التركيبي اللائق بها وهو لا محالة مما يمكن أدراكه كحال سوء المزاج. فإن إيجابه للوجع لأجل فقدان العضو اعتداله المزاجي الذي هو كماله. وإذا كان كذلك فيكون موجعا من هذه الجهة. وثانيهما نقول: ما * المانع (74) من أن يقال إن التفرق متى حصل كان معدا لقيضان الألم كما يقوله الإمام فخر الدين من قيضان السوء * المزاج (75) عليها عند كونها كذلك. وذلك لأن كمال الأعضاء واستعدادها لما يفاض عليها من الصورة الصحيحة بمزاج مخصوص وتركيب مخصوص فما دام المزاج والهيئة باقيين استحال زوال تلك الصورة. وأما إذا زالا أو أحدها استعد لمقابل ما استعد به عند كونه على حالته الطبيعية. فالحاصل أن هذه أمور معده لا فاعله. ويكون معنى قول الشيخ هاهنا أسباب الوجع منحصرة في حنسين ليس المراد به السبب الفاعلي بل القابلي. والفاعلي هو مبدأ الفيض. ومع ذلك فنقول: والإمام وقع فيما هرب منه فإنه يدعي أن التفرق موجب * للألم أي لسوء (76) المزاج وهذا أمر وجودي. والجواب عما تمسك به ثانيا: الآلة المفروضة عند قطعها للعضو لا يخلوا إما أن نكون شاعرين بذلك عند حصوله أو لا نكون شاعرين. فإن كان الأول استحال تخلف الألم والوجع. وذلك لأن الانفعال والإحساس PageVW5P058A يتم بشيئين أحدهما انفعال الحاسة من محسوسها الخاص بها والثاني الشعور بذلك أنفعال. فمتى حصل القطع المذكور مع الشعور بذلك الإنفعال والعلم به استحال تخلف الألم عنه والبديهة حاكمة ذلك. وأما إن لم نكن شاعرين بذلك بل غافلين عنه تخلف الوجع حينئذ غير أن تخلفه ليس لأن التفرق غير موجب * للوجع (77) بل لعدم شعورنا به وذلك لانصراف القوة المفكرة في هذا الوقت إلى ما هو أهم من ذلك. وقد بسطنا القول في هذا الجواب في شرحنا لكليات القانون. والجواب عما تمسك به ثالثا نقول نحن، لا نمنع حصول التفرق للأعضاء في حال النماء والاغتداء * لا (78) لأن الغذاء ينفذ في أجزاء خالية في البدن وكيف نقول هذا وقد ثبت في غير هذا الفن عدم الخلاء لذاته. ولو قلنا به لزم أن لا يزيد الأعضاء البتة بالغذاء في حال النماء غير أن هذا التفرق لما كان طبيعيا * مألوفا (79) أي صادر عن الطبيعة المدبرة للبدن وبه كمال الأعضاء وهو في أجزاء صغيرة صار طبيعيا مألوفا غير مؤلم. والإمام قدس ألله * نفسه (80) يوافقنا على مثل هذا. فإن حرارة المدقوق عنده حرارة غريبة مباينة للطبيعة مع أنها غير مؤلمة. وما سبب هذا إلا أنها لما تمكنت في الأعضاء ألفتها وصارت غير مؤلمة. فإذا كانت هذه الحرارة مع منافاتها للطبيعة إذا طال زمانها وألفتها الأعضاء صارت غير مؤلمة. فما عسى أمر صادر عن الطبيعة المدبرة للبدن وبه كمال الأعضاء وهو حاصل دائما وفي أجزاء صغيرة وقد أطنبنا في هذا الاجواب وفي تقريره من جهة الإمام فيما تمسك به من الوجوه النقلية والعقلية PageVW1P026A في شحرنا لكليات القانون. والجواب عما تمسك به رابعا قد ذكرناه. والجواب عما تمسك به، خامسا نقول: ليس قبول البدن لصورته المعينة بمزاجه الخاص به فقط بل وبتركيبه فإنه لا بد من اعتبار التركيب مع اعتبار المزاج على ما تقدم واحتج القاضي أبو الوليد بن رشد على صحة مذهبه بوجهين أحدهما أن تفرق الاتصال عبارة عن حركة الأجزاء بعضها * على (81) بعض والحراكة المذكورة من شأنها أن يتبعها سوء المزاج كما أن مقابل هذه الحركة يتبعه مقابل ذلك. فالموجب للوجع بالذات هو سوء المزاج فقط. وثانيهما أنه قد يتبين في كتاب النفس أن هذه الحاسة إنما نحس حسا أوليا بالكيفيات الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة والبيوسة. وإذا كان كذلك فالألم إنما يعتريها من إفراط محسوساتها الحاصة بها كما تعتري سائر الحواس. ولو كانت هذه الحاسة أعني حاسة اللمس إنما يحدث لها PageVW5P058B الوجع بتفرق الاتصال لكان محسوسها الخاص بها إنما هو تفرق الاتصال فقط على ما يقوله الفاضل جالينوس أو يكون لها محسوسان بذاتيهما على ما يقوله ابن سينا. وإذا كان كذلك فالألم إنما يعتريها من إفراط محسوساتها الحاصة بها على نحو ما يعتري سائر الحواس. فإن العين إنما تتألم بإفراط الألوان وخروجها عن التوسط وكذلك حال اللسان مع الطعوم والسمع مع الأصوات والشام مع المشمومات وإنما تفرق الاتصال شيء يعرض عن الكيفيات المفرطة ونفس الإحساس إنما هو للكيفيات. فحاصل ما ذكره هذا الرجل أن السوء المزاج هو المؤلم بذاته وأن تفرق الاتصال إيلامه بواسطته. قال في كتاب المعنون بالكليات حيث تكلم في أمراض حاسة اللمس: وليس سبب الوجع تفرق الاتصال كما يقوله * جالينوس ولا هو والسوء المزاج بالذات على ما يقوله (82) ابن سينا. واعلم أنني لما نظرت فيما قيل في هذه المسألة لم يصح عندي سوى ما ذهب إليه هذا الإمام قدس الله روحه.
البحث السابع
في بيان * السوء (83) المزاج المؤلم. اعلم أن * السوء (84) المزاج على نوعين: * مختلف ومستو (85) ، غير أنه يجب أن يعلم أن الأطباء مختلفون في تفسير المستوي والمختلف. فالمفهوم من كلام الفاضل جالينوس في كتابه المعنون بسوء المزاج المختلف أن المستوي ما عم جملة البدن والمختلف ما حص * عضوا (86) دون عضو. وبه قال صاحب * الملكي (87) حيث تكلم في اللذة والألم في الباب السابع عشر في المقالة السادسة من الجزء النطري من كتابه. وذهب الشيخ الرئيسي إلى أن المراد بالمستوي ما * استقر (88) في جوهر العضو وأبطل المقاومة وحكم المزاج الأصلي، والمختلف ما لا يكون كذلك. وبه قال أبو سهل المسيحي وابن أبي صادق وجمهور المتأخرين. فحمى العفن سوء مزاج مختلف على هذا المذهب وعلى ما قيل * مستو (89) والبرص سوء مزاج * موستو (90) على هذا التأويل ومختلف على ما قيل. واعلم أنه لا منافاة بين الكلامين فإن جالينوس يسمي العام مستويا من جهة شموله وعمومه لجملة البدن كالمزاج الأصالي * ويسمي الشيخ المستقر مستويا من حيث أنه شأنه المزاج الأصلي (91) في عدم ظهور الألم ويسمي جالينوس الكائن في عضو دون عضو مختلفا من جهة أنه مخالف مقتضي المزاج الأصلي في عدم العموم والشمول ويسمي الشيخ الغير * الأصلي في إيجاب الألم (92) . إذا عرفت هذا * فنقول إن (93) المؤلم هو المختلف على تفسير الشيخ * لكن (94) لا مطلقا على ما سنبينه. وإنما قلنا إن المؤلم هو المختلف، وذلك لوجوه أربعة. أحدها أن المزاج الغريب PageVW5P059A في المختلف منازع لطبيعة العضو ومقاوم لها فتكون المنافاة حاصلة بينهما فيكون إدراك حاصلة * بينهما فيكون المنافي حاصلا (95) بخلاف المتقق فإن المنازعة والمقاومة قد بطلتا فيه واستقر الغريب فلا يكون هناك * إدراك (96) المناقي فلا يكون * ألم (97) . وثانيها أن الإحساس انفعال والانفعال إنما * يحصل (98) عند تقلقل شيء وحصول شيء ويكون الطارئ منافيا للأصلي وحينئذ يحصل الإحساس. وأما المستقر فلا انفعال فيه * فلا (99) إحساس فلا ألم. * وثالثها (100) إنك قد عرفت أن الألم إدراك المنافي * من حيث هو مناف (101) والمنافاة وصف إضافي والأمر * المضاف (102) إنما يتحقق بين شيئين. أحدهما المزاج الطبيعي وثانيهما المزاج الغريب. فهذا الثاني عند وروده على الأول إنما أن يبطله * أو لا يبطله (103) فإن كان الأول فيكون الحكم له فلا يكون هناك كيفيتان فلا يكون هناك منافاة فلا يكون ألم. وإن كان الثاني فتكون المنافاة حينئذ حاصلة بين كيفية العضو والكيفية الواردة فيكون الشعور بتلك المنافاة حاصلا فيتحقق وجود الألم. ورابعها أن حرارة حمى الدق أقوى من * حرارة (104) حمى العفن * مع أنا لا نجد من الإلتهاب والعطش وغيرهما من إعراض الحرارة في حمى الدق ما نجده في حمى العفن وليس لهذا علة سوى أن حمى الدق لما كانت سوء مزاج مستو (105) كانت غير مؤلمة وحمى العفن لما كانت * سوء (106) مزاج مختلفة كانت مؤلمة. وإنما قلنا أن حمى الدق أقوى من حمى * العفن (107) لوجهين أحدهما أن الجسم الصلب لا يسخن إلا عن الحرارة قوية بخلاف اللين فإنه يسخن بادنى حرارة ولا شك أن الحرارة في حمى الدق متعلقة بجوهر الأعضاء الأصلية وحمى العفن متعلقة بجوهر الخلط فحمى الدق أقوى من حمى العفن. وثانيهما أن المبردات المستعملة في حمى الدق أقوى تأثيرا من * المبردات (108) المستعملة في حمى العفن. فلو لم تكن حرارة حمى الدق أقوى من حرارة حمى العفن PageVW1P026B ولإ لما استعمل ذلك فيها.
البحث الثامن
من بيان المؤلم من المختلف. قال الأطباء: المؤلم بالذات من المختلف * من (109) الحار~ والبارد لأنهما كيفيتان فاعلتان والفاعل من شأنه أن يؤثر في الشيء * لا (110) أن يتأثر من الشيء. وأما الرطب واليابس فمهما كيفيتان منفعلتان والمنفعل من شأنه أن يتأثر عن الشيء لا أن يؤثر في الشيء، غير أن اليابس لما كان يلزمه الجمع والتكثيف تبعه تفرق الاتصال فهو مؤلم من هذا الوجه لكن بطريق العرض وأما الرطب فإنه لا يتبعه شيء من ذلك فلا يؤلم بالذات PageVW5P059B ولا بطريق العرض. وهذا الكلام فيه نظر وهو أن الألم عند الأطباء عبارة عن إدراك المنافي من حيث هو * مناف (111) ولا شك أن السوء المزاج الرطب * مناف (112) فيكون مؤلما. واعلم أن * هذا (113) إنما يمشي على * مذهب (114) الشيخ في القول بإيلام * سوء (115) المزاج بالذات. وأما على مذهب جالينوس فلا يمشي لأن الرطوبة لا توجب تفرق الاتصال البتة. وأبو سهل المسيحي قد أشار إلى ما ذكرناه من أمر الرطوبة فإنه قال في كتاب الأسباب والأمراض والأعراض: متى كان * سوء (116) المزاج المختلف من الحرارة والبرودة كان الألم شديدا جدا. ومتى كان من الرطوبة واليبوسة كان ضعيفا، غير أن هذا يناقض مذهبه. فإنه يرى أن المؤلم بالذات يفرق الإتصال والرطوبة لا يفعل ذلك ولنا في هذا البحث كلام آخر قد ذكرناه في شرحنا لكليات القانون.
البحث التاسع
ما ذكرناه يفهمم منه أنه متى أعقب النوم ضرر كان ذلك علامة رديئة لدلالته على استيلاء موجب المرض على الطبيعة المدبرة للبدن عند ما يكون في الوقت التي من شأنها أن تكون هي وآلتها قويتين ومتى لم يعقبه شيء من ذلك كان ذلك علامة جيدة لدلالته على استيلاء الطبيعة المدبرة البدن على موجب المرض وحكمه بالموت على النوم المحدث للوجع وبمقابلة على مقابلة حكم مجاري. وذلك لأنه زائد على ما يستحقه النوم من الجانبين اللهم إلا أن يقال حكمه بذلك في الأمراض الخاصة بمحل النوم كأمراض الرأس مثلا فإن مثل هذه الأمراض يصح الحكم المذكور فيها. ولذلك قال بعد هذا: متى سكن النوم اختلاط الذهن فتلك علامة صالحة، ولم يقل متى سكن النوم * مرضا (117) من الأمراض. فتبين من هذا أن مراده في كلامه بالاستدلال بالنوم على محله لا على أحوال البدن مطلقا. وهذا هو الحق فإن ضرر فعل كل عضو لا يدل على ما سواه. فالحكم المذكور المأخوذ من النوم صحيح بالنسبة إلى محله إن لم يقابله ما يضاده من جهة أخرى.
البحث العاشر
، قال الفاضل جالينوس: * مراد (118) أبقراط بالوجع هاهنا الضرر بدليل أنه أطلق على ما يقابله النفع. وذلك لأنه قال: إذا كان ينفع فليس من علمات الموت؛ ثم قال: والضرر الذي يحدثه النوم على نوعين عام وخاص. فالعام هو الحادث عند نوم المريض في ابتداء * النوب (119) وبمن به مرض الأحشاء. فإنه بطبعه يجذب المواد من الظاهر إلى جهة الورم وكانت المواد متجلبة PageVW5P060A من دماغه إلى معدته فإن النوم يزيد فيها لميلان المواد إلى الباطن. والخاص هو الحادث فيما عدا الأمور المذكورة. ومراده هاهنا بالضرر الخاص لا لا العام. وذلك لأن العام لا يدل على الموت ولا على غيره من المكروه لأنه تابع للطبيعة ذلك الوقت وتلك الحالة. فإن الحرارة والكيموسيات جميعها تميل إلى عمق البدن في هذا الوقت لا سيما متى كان مع الحمى نافض وقشعريرة هربا من المؤذي. فطبيعة هذا الوقت توجب النوم غير أنه متى ترك طالت مدة هذا الوقت ونبلدت المادة وتضاعف مقدارها وكلت الحرارة الغريزية عن مقاومتها. * ولذا (120) صار يؤمر صاحب هذه النوبة بالانتباه من نومه لتنتشر الحرارة في البدن وتقاوم المادة الموجبة للحمى. وأما الخاص فهو الحادث في وقت المنتهي والانحطاط. فإن الطبيعة من شأنها في هذين الوقتين أن تكون قوته إما في المنتهي فلأجل المجاهدة والمقاومة وإما في الانحطاط فلأجل الاستظهار والراحة. فمتى أعقب النوم في مثل هذين الوقتين * ضرر (121) دل على ضعف القوة واستيلاء المؤذي عليها وقهره إياها. وتحقيق هذا أنك قد عرفت أن المقاوم لمادة المرض هو القوى البدنية * وأنها (122) تغور في حال النوم إلى الباطن وتغور معها الأرواح والدم والحرارة الغريزية. أما الأرواح فلأنها مركبهما القريب. وأما الدم فالبعيد. وأما الحرارة فلأنها آلتها وتغور مع ذلك في حال المرض شيء من رطوبات المرض بتعا لغوران ما ذكرنا فيتوفر حينئذ موجب النوم ولهذا يكون المريض في أول النهار أحسن حالا منه في آخره لأنه قد تقدمه النوم الأطول. فمتى أعقبه ضرر دل ذلك الضرر على انقهار * القوة (123) تحت المنجذب من مادة المرض. وإذا كان ذلك القدر من مادة المرض مستوليا على الطبيعة حين أجتماعها وقوتها فما بالك إذا كانت المادة متوفرة والقوى ضعيفة، فوجب أن يكون في مثل هذا الوقت أضعف وأشد انقهارا. وذلك يلزمه الموت لا محالة.
البحث الحادي
عاشر، فإن قيل: المفهوم مما ذكرتم أن المواد البدنية تتوجه إلى الباطن في حال النوم لتوجه الطبيعة إليه. وإذا كان الحال فيما ذكرتم لذلك فكيف صار النوم يقطع الإسهال على ما دل على صحة الاستواء الطبي. فنقول: الجواب عن هذا قد عرفت أن النوم يقوي فعل الطبيعة في الباطن وذلك لتوفرها على فعلها فيه ولتوفر آلتها هناك التي هي الحرارة الغريزية. وإذا كان كذلك فهي عندما تصير حالها كذلك تقوي PageVW5P060B على دفع الأمر الموجب للأسهال. فإن عاد المعترض وقال: بمقدار ما تقوي الطبيعة في الباطن تتوفر المادة فيه، ويلزم من ذلك أن لا ينقطع الإسهال وأن لا يفرط. فنقول: لا شك أن ما ذكره المعترض في هذه الصورة وارد لكن بدن المسهول موادة قليلة فعند انعطاف الطبيعة إلى الباطن في نومه لم يحصل من ذلك مادة يعتد بها حتى توجب الزيادة في الإسهال. بل الذي يحصل من ذلك قوة الطبيعة وتمكنها من فعلها. وفي (124) ذلك تحصيل غرضنا ولذلك صار من به ورم في الأحشاء وبدنه ممتلئ يزيد ورمه وألمه في النوم. وذلك لتوفر المادة فيه على ما عرفت واستعداد العضو * لقبولها (125) .
2
[aphorism]
قال أبقراط متى سكن النوم اختلاط الذهن فتلك علامة PageVW1P027A صالحة.
[commentary]
* الشرح هاهنا مباحث ثلاثة (126) .
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله. قال جالينوس هذا مثال لبعض ما هو مندرج تحت * الفصل (127) الأول ليصحح به الحكم العام الذي حكم به. فإن النوم مثلا متى سكن الوجع فهو علامة جيدة ومتى سكن الحمى فهو علامة جيدة ومتى سكن اختلاط الذهن فهو علامة صالحة ومتى سكن الورم فهو علامة صالحة غير أنه أكتفي بذكر ما ذكره من الأعراض لشدة خطرها وشرف محلها وظهور ضررها وأبين ما تكون صحة القول العامي بما يكون على هذه الصورة.
البحث الثاني:
ذكر الإمام أبقراط في * هذا (128) الفصل الأول في نفع النوم * أنه (129) ليس من اعلامة الموت. وذكر في هذا الفصل أنه علامة صالحة. ولا شك أن هذا القول أدل على السلامة والبعد عن الموت فهو أخص منه. وذلك لأنه ذكر في الفصل الأول النفع على طريق العموم فاحتاج أن * يقرن (130) به * عاما (131) مثله، فقال فليس * ذلك من علامات الموت. وذكر في هذا افصل المثال في صورة (132) محصورة وهو اختلاط الذهن. * فقرن (133) ما هو خاص وهو قوله علامة صالحة * فقرن (134) العام بالعام والخاص بالخاص.
البحث الثالث:
اختلاط الذهن * تارة (135) يكون عن ورم * أغشية (136) الدماغ وهو السرسام، * وتارة (137) يكون عن ورم الحجاب * الحاجز وهذا هو البرسام وتارة يكون عن احتراق المواد (138) كما في مانيا والقطرب وداء الكلب وتارة يكون عن سوء مزاج حار يابس وتارة عن أبخره صفراوية كما في * الحميات الصفراوية (139) . إذا علم هذا فنقول: النوم ليس هو نافع في جميع هذه الأنواع فإن الكائن عن الأورام النوم زائد فيه بجذبه * المواد (140) إلى جهة الورم على ما عرفته. وأما الكائن عن PageVW5P061A الأبخرة * فإن النوم قد يسكنه وليس يسكن دائما سوى الحادث عن الحرارة (141) والبيوسة * فإنه (142) بترطبيه يزيل ذلك ويسكن عاديته.
3
[aphorism]
قال أبقراط: النوم والأرق إذا جاوز كل واحد منهما المقدار * القصد (143) فتلك علامة رديئة
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله * وهو (144) أن الإمام أبقراط لما بين منفعة النوم أراد أن يبين أنه مع كونه كذلك أن الإفراط فيه * مؤذ (145) فإن الشيء وإن كان نافعا لكنه قد يصير مضرا ومتى جاوز المقدار المطلوب منه.
البحث الثاني:
أما ماهية النوم قفذ عرفتها. وأما الأرق فهو السهر وهو يقظة مفرطة على ما ذكره الشيخ الرئيس في ثالث القانون فإنه قال: هناك اليقظة حالة تنصب معها الأرواح النفسانية إلى آلتها الظاهرة لتستعملها. وأما السهر * فإفراط (146) ذلك وخروج عن الأمر الطبيعي.
البحث الثالث:
قد عرفت النوم الطبيعي سببه المادي رطوبة معتدلة فإن أفراط في كيفيتها أو زادت في كميتها كان الحادث عنها سببا وذلك رديء. وعرفت في ضمن ما ذكرنا أن اليقظة سببها المادى يبوسة معتدلة. فإن أفرطت كان الحادث عنها سهرا وذلك رديء لخروجه عن الاعتدال وكل واحد من ذلك رديء من حيث هو علامة ومن حيث هو سبب. أما من حيث هو علامة فلما عرفت. وأما من * السببية (147) فإن * النوم (148) المفرط يغلظ جوهر الروح * ويلززه (149) ويمنع المواد من التحلل * ويغلظ (150) المواد ويرخي آلات القوى النفسانية كلها واليقظة تجفف جوهر الدماغ ويضعف القوى النفسانية بفرط التحليل.
البحث الرابع:
قال جالينوس ظن قوم من الأطباء * بأن (151) الأرق إذا جاوز المقدار القصد فهو وعلامة رديئة وسبب رديء وأن النوم ليس كذلك لأن النوم علامة صالحة أبدا وليس يكون النوم في وقت من الأوقات * مجاوزا للمقدار (152) المعتدل وأن كثيرا من الناس إنما * غلط (153) من قبل * إنه (154) * ظن (155) بأول السبات أنه نوم طويل. والذي عندي في هذا أن الحق مع هؤلاء. وذلك لأن النوم على ما عرفت هو ترك النفس لاستعمال الحواس طلبا * للإجمام (156) . ولا شك أن السبات ليس من طلب النفس ولا فيه * إجمام (157) . وعند هذا كيف جاز للإمام أبقراط أن يطلق لفظة النوم على المجاوز منه للاعتدال؟ والذي أقوله أنه إن أريد بالنوم ترك النفس لاستعمال الحواس الظاهرة من غير أن يقال طلبا للإجمام جاز أن يسمي السبات نوما. وإن أريد ما قلناه أولا لم يجز أن يسمي PageVW5P062A نوما.
4
[aphorism]
قال أبقراط: لا الشبع ولا الجوع ولا غيره من جميع الأشياء بمحمود إذا كان مجاوزا للمقدار الطبيعي.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث أربعة
البحث الأول
: صلة هذا الفصل بما قبله وهي أن الإمام إبقراط لما حكم بأن الإفراط في الشيء النافع الضروري ضار كالنوم واليقظة نقل هذا الحكم * إلى أمر (158) آخر ضروري كالأكل والشرب فإن الإفراط * فيهما (159) ضار. * واعلم (160) أنه ربما يسبق إلى الوهم * أن (161) النافع والضروري والطبيعي شيء واحد ليس بينهما اختلاف. والحق * أنها (162) متباينة. فإن معنى النافع هو كل ما يجلب خيرا سواء أمكن التقضى عنه أو لم يمكن. والضروري معناه هو الذي لا يمكن التقضى عنه سواء كان من أفعال الطبيعة الخاصة بالشيء أو لم يكن. والطبيعي معناه هو المنسوب إلى الطبيعة. وعلى هذا يكون الطبيعي أخص من الضروري والضروري أخص من النافع.
البحث الثاني
في الغرض من هذا الفصل. قال جالينوس: إن أبقراط كان حكم في القول الذي PageVW1P027B قاله قبل * أن يحكم (163) في شيء واحد ثم حكم به في هذا القول في جميع الأشياء. وذلك أنه لما كانت الصحة تتم بالاعتدال وجب ضرورة أن يكون كلما جاوز الاعتدال ودخل في حد الإفراط مرض، وإن لم يكن يعده كثيرا فهو معد للمرض.
البحث الثالث:
مراده * هاهنا بالشبع (164) الامتناع من الطعام وبالجوع الشهوة الكاذبة. والأول له أسباب إما حرارة مفرطة مسيلة للمواد مالية للفرج التي في فم المعدة وإما برد مفرط مميت للقوة الحساسة والحاذبة اللتين في المعدة وإما مواد بلغمية مستولية على المعدة ترخيها وتضعف الشهوة. وفي مثل هذه الصورة تنفر الطبيعة عن الطعام إلا ما * كان (165) فيه حرافة ثم يعرض من تناله عثيان مفرط ونفخ وتمديد في المعدة وإما نوازل تنزل من الدماغ إلى فم المعدة فتبلد حسه وتضعف قوته وإما امتلاء مفرط في البدن وقلة التحلل فتشتغل الطبيعة بهضم ما فيه. ولذلك * صار الدب (166) تستغني عن الغذاء مدة * مديدة (167) طويلة حتى قيل مدة الشتاء بكماله. وكذلك القنفذ وكثير من الحيوانات. قال بعضهم وذلك لأن في أبدان هذه الحيوانات خلطا متوفرا فجا تشتغل الطبيعة بهضمه * إنضاج (168) واستعماله بدل ما يتحلل. وقد علم أن الحاجة إلى تناول الغذاء هو أن يسد بدل ما يتحلل. فإذا لم يكن تحلل أو كان للمتحلل بدل لم يحصل الافتقار إلى الغذاء من خارج. وإما اشتغال الطبيعة بإصلاح خلط رديء PageVW5P062A عن طلب الغذاء وجد به، وذلك كما في الحميات التي يصبر الإنسان فيها عن استعمال الغذاء وجذبه مدة طويلة. فإن الطبيعة في مثل هذا الوقت تعرض عن الجذب وتقبل على الدفع. وإما لانقطاع السوداء المنصبة على الدوام من الطحال إلى فم المعدة وهذه السدة تارة تكون في المجرى الأعلى ووتارة تكون في المجرى الأسفل. والفرق بينهما أنه متى كانت في الأغلاء كان حودث * السكون (169) بالتدريج لأن المنصب إلى الطحال يندفع إلى فم المعدة أولا فأولا. ومتى * كانت (170) في الأسفل كان ذلك دفعة * واحدة (171) . وإما لبطلان القوة الحساسة الآتية إلى فم المعدة من الدماغ. وذلك إما لآفة في الدماغ نفسه وإما لآفة في العصبة نفسها. وعند ذلك لا يحس بامتصاص العروق منها. والفرق بينها أن في الأول يكون الضرر والخلل في الحواس جملة وفي الثاني خاص بشهوة الطعام. وإما لضعف الكبد بسبب إسهال دم متواتر فتضعف القوة الشهوانية. وإما لديدان تؤذي المعدة بالمجاورة. وإما لسوداء مفرطة المقدار تنصب إلى المعدة فتحوجها إلى القذف والدفع دون الأكل والجذب. وأما لأفراط حر الهواء أو برده حتى يحلل القوة بحره أو يحدرها ببرده أو يمنع التحلل. وإما لترك استعمال أمر معتاد ومقو للشهوة والهضم كمن كان معتادا لاستعمال الشراب ثم هجره. وإما لأمر نفساني * مشغل (172) الطبيعة عن تقاضي الغذاء وطلبه. وأما الثاني الذي هو الشهوة الكاذبة فله أسباب أيضا * منها استفراغت مفرطة محوجة إلى استعمال (173) الغذاء. ومنها ضعف القوة الماسكة وشدة تخلخل * البدل (174) فيفرط التحلل ويشتد التوق إلى كثرة البدل. ومنها حرارة المعدة فيدوم التحلل ويستدعى البدل ويكون فم المعدة كأنه دائما جائع. وإما لديدان وحيات متولدة في المعاء فتبادر إلى تناول المطعومات ويترك البدن بلا طعام. وإما لخلط حامض يكثر انصبابه إلى فم المعدة فيدغدغه ويفعل به كما يفعل مص العروق المتقاضية للغذاء. وذلك في وجهين أحدهما أنه بتقطعيه وتلطيفه تنحى الخلط اللزج عن فم المعدة المحوج إلى الدفع لا إلى الجذب. وثانيهما أنه الدم في مثل هذه يتكاثف ويصير كالخلاء الجاذب المصاص. وإما لسهر مفرط يحلل المواد ويجذب الرطوبات إلى خارج البدن. فهذه أسباب الشبع والجوع ولا شك أنها مضرة منافية للصحة.
البحث الرابع
في أنه لم قال: ليس بمحمود، ولم لا قال إن ذلك رديء. أقول: وإنما لم يجزم برداءته لأن الشبع المفرط قد لا يكون رديئا كالشبع الذي يكون في أوائل PageVW5P062B الحميات والجوع الذي يعرض للناقهين. فإن الأول سببه التفات الطبيعية إلى جانب المادة وإنضاجها إياها . والثاني لعوز المادة واشتياق الطبيعة إلى أن تخلف عوض المتحلل.
5
[aphorism]
قال أبقراط: الإعياء الذي لا يعرف له سبب ينذر بمرض.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلالثة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (175) بما قبله * وهي (176) أنه لما بين في الفصل الذي * قبله (177) أن كل ما هو خارج عن الاعتدال فهو مناف للصحة ولا شك أن الإعياء من جملة ما هو خارج عن المجرى الطبيعي، فأوصل ذكره بما تقدمه وخصص الإعياء بالذكر دون الأشياء الخارجة عن المجرى الطبيعي. وذلك لأنه مناسب لما انتهى إليه في الفصل الماضي وهو الجوع المفرط. وذلك من وجهين أحدهما أن مراده بالجوع على ما عرفت الجوع الطبيعي والنفساني فيكون متضمنا لذكر ضرر القوة النفسانية. PageVW1P027A وثانيهما أن الجوع المفرط يترتب عليه ضعف القوة مطلقا المترتب عليه العجز عن الحركة. وستعرف أن الإعياء كلال يعرض للقوة المحركة عن تحريك * العضل (178) .
البحث الثاني
في تعريف الإعياء. الإعياء كلال * يعترى (179) * القوة (180) المحركة عند تحريكها للعضو. وله أسباب بعضها وارد من خارج وبعضها من داخل. فالكائن من خارج تواتر الحراكة واستمرارها فإنها متى تواترت أضعفت القوة المحركة منعتها من أن * تنقل (181) العضو عند الحركة على الوجه الطبيعي ومثل هذا الإعياء يسمى في العرف الطبي الإعياء الرياضي والتعبي. والكائن من داخل يسمى الإعياء الذي لا يعرف له سبب لأن السبب المعروف * للإعياء (182) عند الجمهور هو الحركة. فمتى حصل * إعياء (183) لا عن حركة قيل لا يعرف له سبب وإن كان له في الحقيقة سبب وستعرفه.
البحث الثالث:
في تقسيم الإعياء الذي لا يعرف له سبب. وذلك أنه ينقسم إلى بسيط وإلى مركب. والبسيط على نوعين القروحي والتمددي. فالقروحي هو أن يحس صاحبه بألم في بدنه * كالم القروح وسببه مواد حادة تلذع المكان وتحرقه. والتمددي هو أن يحس صاحبه كان في بدنه (184) شيئا في بدنه يمدده. وسببه مواد تمدد العضو وتزاحم ما حوله من الأعضاء. والمركب ما تركب منهما * كالورمي (185) وهو أن صاحبه يحس كأن شيئايمدده ويلذغه. وسببه مواد قد عفنت وورمت العضو والذي أظنه أن مراد أبقراط بالإعياء هاهنا البسيط لا المركب وذلك لأنه قال بنذر بمرض. ولا شك أن الورمي مرض والمنذر بالمرض غير المرض ولذلك عبر بذكر الإعياء على سبيل الإهمال ولم يذكره على سبيل الحصر فقال كل الإعياء، بل قال الإعياء أي بعض الإعياء منذر بمرض لأن المهمل في قوة PageVW5P063A الجزئية على ما ثبت في علم المنطق. أما البسيط فإنه لا شك أنه مندر بالمرض وإنما قال بمرض ولم يقل منذر بالمرض لأن الألف واللام تستعمل * لمعان (186) وقد عرفتها فمنها للمعهود السابق. ولا شك أنه لم يتقدم منه ذكر المرض حتى تدل عليه الألف واللام والله أعلم.
6
[aphorism]
قال أبقراط رحمة الله عليه: من يوجعه شيء * من (187) بدنه ولا يحس بوجعه في أكثر حالاته فعقله مختلط.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثمانية.
البحث الأول
: في صلة هذا بما قبله * وذلك (188) من وجهين أحدهما أن الأول متعلق * بضرر القوة المحركة والثاني متعلق بضرر القوة الحساسة، وقدم الأول على الثاني لأن أفعال القوة المحركة أظهر من أفعال القوة الحساسة فيكون تقديم ما هو متعلق بضرر القوة الأولى على ما هو متعلق بضرر القوة الثانية واجبا (189) . وثانيهما أن الأول كان قد بين فيه أنه * قد (190) يحس بشيء ولا وجود له لأن الإعياء إحساس بالتعب ولا وجود له في الخارج لأن هذا التعب لا يكون إلا عن حركة، ولا حركة فلا تعب. وهذا بين فيه أنه قد يكون شيء موجودا ولا يحس * به (191) .
البحث الثاني:
في تحقيق ماهية الوجع. قال جالينوس في كتابه المسمى بالعلل والإعراض: الوجع خروج من الحالة الطبيعية إلى الحالة الغير * الطبيعية (192) . واللذة خروج من الحالة الغير * الطبيعية (193) إلى حالة الطبيعية. وبه قال محمد بن زكريا الرازي وصاحب الكامل وأبو سهل المسيحي. قال الإمام فخر الدين: وسبب هذا الظن أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات لأن اللذة لا تتم إلا بالإدراك والإدراك * حسي (194) وخصوصا اللمسي إنما يحصل * بالافعالات (195) عن الضد. فإذا استقرت الكيفية لم يحصل لانفعال فلم يحصل الشعور فلا تحصل اللذة. فلما لم تحصل اللذة اللمسية إلا عند تبدل الحالة الغير * الطبيعية (196) ، ظن أن اللذة نفسها هي ذلك الانفعال. ثم قال: وهذا باطل، فإن الإنسان قد يستلذ بالنظر إلى الصورة الحسنة التي ما كان عالما بوجودها حتى لا يقال بأن النظر قد * رفع (197) ضرر الاشتياق وكذلك ربما أدرك مسألة علمية من غير طلب منه لها ولا شوق إلى تحصيلها ويتفق له مال عظيم أو منصب جليل مع أنه لم يكن متوقعا لها ولا * طالبا (198) لهذه الأمور. واعلم أن هذه الأمور فيها نظر، وهو أنه لقائل أن يقول لم لا يقال إن الاشتياق واقع إلى النظر إلى * صورة حسنة (199) مطلقا أو إلى تحصيل منصب جليل مطلقا أو إلى كثر أو علم ما ثم أنه إذا يحصل ذلك زال ذلك الاشتياق وإذا كان كذلك بطل ما قاله الإمام من النقوض. قال الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا * قدس الله نفسه (200) : الألم أدراك المنافي من حيث هو * مناف (201) بغتة واللذة إدراك الملائم من حيث هو ملام بغتة. وقولنا في حيث هو مناف فإن تألم القوة الحساسة بالجسم * المحرق (202) ليس هو من حيث * جسميته (203) ولا من حيث لونه ولا من طعمه بل من حيث كونه محرقا مؤذيا للقوة الحساسة PageVW5P063B وكذلك التذاذ القوة الذائقة بالجسم الحلو ليس هو من حيث جسميته ولا من حيث كونه حارا أو باردا بل من حيث طعمه. فلذك قال من حيث هو * مناف (204) أو من حيث هو ملائم. فإن قيل: هاهنا بحثان أحدهما أن * سوء (205) المزاج الرطب مناف وهو غير مؤلم فلو كان الألم إدراك المنافي لاستحال وجود * سوء (206) المزاج الرطب بدون الألم. وثانيها PageVW1P027B أن المريض قد يلتذ بالحلاوة مع أنها لا تلائمه بل تمرضه وتنفر عن الأدوية التي تنفعه وتلائمه. فاللذة ليست هي عبارة عن إدراك الملائم والألم * عبارة عن (207) إدراك المنافي. والجواب عن الأول أنا نلتزم بإيلام * سوء (208) المزاج الرطب لأنه كيف كان * منافيا (209) والمنافي مؤلم غير أن إيلامه أقل من إيلام باقي الأمزجة الساذجة. الجواب عن الثاني أن التذاذ المريض بالأشياء الحلوة لا من حيث أنها تولد مادة فاسدة في بدنه بل بالنظر إلى قوته الذائقة وإنما استضراره بها فهو من جهة أخرى. وذلك إما لأن في بدنه مواد رديئة فاستحالت إلها وإما لأن أعضاء هضمه ضعيفة عن إحالة ما ورد إليها منها. فجهة الاستضرار غير جهة الاستلذاذ فاللذة إدراك الملائم من حيث هو ملائم. وأما نفور المريض عن الأدوية الكريهة فليس هو من جهة ما يعقبها من النفع في مواد البدن بل من جهة تألم القوة الذائقة بها ونفورها منها. فجهة الالتذاذ غير جهة الاستضرار. فالألم إدراك المنافي من حيث هو * مناف (210) .
البحث الثالث:
شرط الألم واللذة حصول سببهما دفعة على ما أشرنا إليه. وذلك لأن القوة الحساسة إنما تدرك من المحسوسات ما له قدر محسوس وما ليس له قدر محسوس فلا تدركه ولا تشعر به. ولذلك صارت القوة الباصرة لا تدرك الهباء المبثوث في الجو مع أنها ألطف الحواس وأقواها. وإذا علم هذا فنقول: الوارد على * الحاسة (211) متى كان قليلا كان زمانه غير مشعور به، ثم في الزمان الثاني يكون كذلك ثم في الزمان الثالث ثم في الزمان الرابع وهلم جرا. وحينئذ لم يحدث عن ذلك حالة مدركة بحيث تكون مشعورا بها. أما إذا كان حدوثها دفعة كان ذلك * مشعورا (212) به فيكون مؤلما أو ملذا. ولذلك صارت المادة المنوية لا تؤلم عند اجتماعها وتلذ عند استفرغها. ومن هذا يعلم أن القدر الذي زدناه في تعرف اللذة والألم واجب وهو قولنا دفعة.
البحث الرابع:
الحاسة المدركة للمحسوسات كلما كانت أكثف كان مقاومتها للمدرك أكثر وكان تألمها والتذاذها أعظم وأقوى فتكون حاسة البصر أقل الحواس التذاذا أو تألما لأنها ألطف الحواس لأن محسوسها جسم نوراني. ودون * تلك (213) في اللطافة حاسة السمع لأن محسوسها الهواء وهو أكثف من النار. ودون تلك في اللطافة حاسة الشم لأن محسوسها الأجسام البخراية وهي أكثف من الهواء فكان وتألمها والتذاذها بجسوساتها أقوى وأبلغ. ودون تلك في اللطافة حاسة المذاق لأن محسوسها الأجسام المائية وهي أكثف من البخار فيكون التذاذها وتألمها بمحسوساتها أقوى وأبلغ. * دون (214) ذلك في اللطافة حاسة اللمس لأن محسوسها الأجسام الأرضية وهي أكثف مما ذكرنا فكان تألمها والتذاذها أقوى وأبلغ من باقي الحواس. ولما كان الحال كذلك كان * ذوو (215) الطباع الكثيفة أشد التذاذا وتألما بالواردات عليهم من ذوي اللطباع اللطيفة.
البحث الخامس
، قال الشيخ في الفصل الثالث من المقالة الثانية في علم النفس من طبيعيات الشفاء: الحواس منها ما لا لذة لها * في محسوسها (216) ولا ألم. ومنها ما يلتذ ويتألم بتوسط المحسوسات. فأما الذي لا لذة لها فمثل البصر فإنه لا يلتذ بالألوان ولا يتألم بها بل النفس تتألم بذلك أو تلتذ من داخل. وكذلك * الحال (217) في الأذن * فإنها إن (218) تألمت الأذن من صوت شديد والعين من لون مفرط كالضوء فليس تتألم من حيث تسمع وتبصر بل من حيث تلمس لأنه يحدث فيه * ألما لمسيا (219) وكذلك يحدث فيه بزوال ذلك لذة لمسية. وأما الشم والذوق فيتألمان ويلذان إذا تكيفتا بكيفية منافرة أو ملائمة. وأما اللمس فإنه قد يتألم بالكيفية الملموسة ويلتذ بها وقد يتألم ويلتذ بغير * توسط (220) كيفية من المحسوس الأول بل بتفرق الاتصال والتآمه. هذا ما قاله الشيخ في هذا الباب وهو في غاية الإشكال. أما أولا فإنه يرى ويعتقد أن المدرك للمحسوسات الجزئية هي الحواس الخمس. فمذهبه في هذا الموضع إما أن يكون الأول أو لا يكون. فإن كان الأول فيكون قد ناقض مذهبه في البصر والسمع. وإن كان الثاني فيكون قوله هاهنا في الشم والذوق واللمس قولا فاسداذ. وأما ثانيا فإن كل واحد من الحواس له محسوس خاص، وحينئذ نقول: كيف يتصور أن يقال إن القوة اللامسة الحاصلة في العين والأذن هي المدركة للصوت المفرط واللون الموذي؟ وأما ثالثا فإن ذلك يكون مناقضا لحده اللذة والألم. فإنه حد اللذة على ما عرفت بأنها إدراك الملائم من حيث هو ملائم والملائم للقوة الباصرة إدراك المبصرات الحسية لا اللمسية. وأما رابعا فنقول: * فيكون (221) إدراك هذه المحسوسات إما أن يكون لذة وألما للحواس الخمس أو لا يكون أو يكون للبعض دون البعض. فإن قال بالأول فيكون إدراك البصر للألوان الحسية لذة والألوان ألموذية ألما. وإن قال بالثاني فلا يكون للمس لذة ولا ألم ولا للشم والذوق PageVW1P028A . وإن قال بالثالت كان ذلك ترجيحا من غيع مرجح وهو محال. اعتذر الإمام فخر الدين حيث تكلم في اللذة في كتاب المباحث عن الشيخ في خروجه عن مذهبه الشهور أن الألوان ليست ملائمه للقوة الباصرة PageVW5P064B فإنه يستحيل إنضاف القوة الباصرة بالألوان وذلك لأن الملائم هو الذي * يكون (222) كمالا للشيء وأقل درجات الكمال إمكان حصوله للشيء بل إدراك الألوان هو الملائم للقوة الباصرة. * قال (223) : والشيخ لم يجعل حصول الملائم هو اللذة بل إدراك الملائم فالقوة الباصرة إذا أبصرت فقد حصل لها الملائم الذي هو إدراك الألوان ولم يحصل لها إدراك هذا الملائم. فإن القوة الباصرة لم تدرك كونها مدركة * للألوان (224) بل النفس هي المدركة لذلك، فإنها تدرك الأشياء وتدرك أنها أدركتها. أقول: فعلي هذا يلزم أن لا تلتذ القوة اللامسة بالملموسات لأنه ليس لها أن تدرك أنها أدركت فإن هذا للنفس على زعمه. وكذلك الكلام في القوة الذائقة والشامة وكل ذلك مناقض * لكلام (225) الشيخ الذي تمسك به في الشفاء والقانون. والحق عندي في هذه المسألة أن يقال إن الملائم للقوة الباصرة للألوان الحسية وللقوة الشامية * الأرائيح (226) الطيبة، وكذلك القول في باقي الحواس أن إدراكها لهذا الأمور هي اللذة بناء علي أن الإدراك حصول صورة المدرك في المدرك. وإذا كان كذلك فيكون كل واحد من الحواس الظاهرة له لذة لأنه لا معنى للذة إلا إدراك الملائم من حيث هو ملائم.
البحث السادس:
قال الأطباء: الحواس الخمس الظاهرة منها ما يلتذ ويتألم من * خارج وداخل (227) معا كحاسة اللمس والذوق. أما الأولى فإنها تلتذ من داخل عند نضج المادة المنصبة إلى آلتها أو تحليلها وتتألم عند انصبابها ومن خارج تلتذ عند ملاقاتها لجسم ناعم وتتألم إما في سوء مزاج وإما تفرق اتصال. وأما الثانية فإنها تلتذ من داخل عند انصباب بلغم يسير حلو أو دم جيد إلى جهة اللسان وتتألم عند انصباب مرة حادة إليه ومن خارج تلتذ عند ورود طعم لذيذ عليها وتتألم عند ورود طعم مؤذ عليها كالمر والحريف. وأما * باقيها (228) حاسة البصر والشم والسمع فإنها تتألم من داخل ومن خارج معا وتلتذ من خارج فقط. أما تألمهامن خارج فعند ما يرد عليها أصوات مؤذية أو أراييح رديئة أو ألوان مؤذية. وأما من داخل فعند ما ينصب إلى * أحد هذه (229) مادة رديئة. وأما التذاذها من خارج فعندما يرد عليها أصوات لذيذة أو أراييح طيبة أو صورة حسنة هذا ما اتفق عليه الأطباء وصرح به الفاضل جالينوس في رابعة العلل والأعراض.
البحث السابع:
لقائل أن يقول: على ما قلتم في حد الوجع لم يصح كلام * الإمام (230) أبقراط هاهنا وهو قوله من يوجعه شيء من بدنه * ولا (231) يحس به لم يكن وجعا قلنا الجواب عن هذا معنى قوله في يوجعه شيء من بدنه أي من يحصل في بدنه أمر ظاهر يوجب الوجع ولا يحس بوجعه * أكثر حالاته فعقله مختلط (232) لأنه إذا لم يحس به لم يكن وجعا. قلنا: الجواب عن هذا معنى قوله من يوجعه شيء من بدنه أي من يحصل في بدنه أمر ظاهر وموجب للوجع ولم يحس بوجعه فذلك PageVW5P065A لاختلاط عقله لأن محله محل الحس فتشتغل النفس به وبمقاومته عن الالتفات إلى جهة أخرى. فإن الإحساس بالشيء على ما قيل يتم بشيئين أحدهما انفعال الحاسة من محسوسها الخاص بها والثاني شعور النفس بذلك الانفعال. ففي مثل هذه الصورة وإن حصل الانفعال لكن الإحساس معدوم.
البحث الثامن
في فائدة قوله: في أكثر الحالات. وذلك لأن عدم الإحساس بالوجع إما لاشتغال النفس بما هو أعظم منه كما إذا كان في بعض الأعضاء وجع أقوى منه على ما سنذكره فيما بعد وإما لأن محل الوجع عديم الحس فلا يحس بالوجع وإما لآفة في آلة الحس اللمسي وإما لاختلاط العقل. ففي النوع الأول لا يحس بالوجع الأول البتة إلا إذا انعكس الحال فيه فلا يكون الإحساس فيه بالوجع في أكثر الحالات بل في كلها. وفي النوع الثاني لا يكون معه وجع البتة فلا يكون الإحساس أيضا فيه في أكثر الأوقات. وكذلك الحال في النوع الثالث. وأما النوع الرابع فقد يحصل فيه الإحساس بالوجع وهو عند ما يصح الذهن. وقوله في أكثر الحالات احتراز * عن (233) المؤله والمنصرف بفكرته إلى عالم القدس أو إلى أمر آخر كمن يرى الغلبة في * المعمعة (234) ومن يلعب بالنرد والشطرنج. فإن مثل هذا الشخص لا يشعر بما يرد عليه في الأمور الموجعة مع صحة عقله وبراءته عن الاختلاط. فلذلك قال في أكثر الحالات يكون عقله * مختلطا (235) ولم يقل في كلها.
7
[aphorism]
قال أبقراط: الأبدان التي تضمر في زمان طويل * فإعادتها بالتغذية (236) إلى الخصب بتمهل والأبدان التي تضمر في زمان يسير ففي زمان يسير.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله وهي أنه لما ذكر الوجع وقد عرفت أنه عبارة عن الإحساس بالمنافي من حيث هو مناف دفعة، والمراد بالدفعة الزمان القصير، ويلزم في هذا أن ما يكون حدوثه قليلا قليلا * فإنه (237) لا يحس به فلا يوجع وهو حق وقد عرفته. * إذا (238) عرفت هذا فنقول: وهذا الفصل كأنه دليل على ذلك وهو أن الأبدان التي تهزل في زمان قصير يمكن أن ترد إلى الخصب في زمان قصير لأن ذلك يكون لسبب قوي * عرض (239) دفعة فتكون الطبيعة مدركة له ومتضررة به. ويكون ذلك الهزال كالغريب * المباين (240) والخصب * كالصاحب (241) المناسب في الأبدان التي تهزل في زمان طويل عروض المهزل لها لا شك أنه بالتدريج. وقد علمت أن مثل هذا لم يكن للطبيعة * به (242) شعور وتألفه الأعضاء ويصير كأنه مزاج أصلي. وفي مثل هذه الصورة يكون الخصب كالغريب * المباين والهزال كالصاحب المناسب (243) . ولا شك أن رد المناسب أسهل من رد * الغير (244) المناسب فيكون عود الخصب الزائل بالتدريج PageVW1P028B أعسر PageVW5P065B منه إذا كا * زواله (245) دفعة. * وأما معنى الخصب فقد عرفته فيما تقدم من شرحنا لقوله (246) خصب البدن المفرط لأصحاب الرياضة خطر.
البحث الثاني
في بيان العلة في عسر إعادة الأبدان التي هزلت في زمان طويل إلى * حالتها (247) * الأولى (248) وسهولة ما * قابله (249) . وذلك من وجوه ثلاثة أحدها ما ذكرناه وهو أن الهزال الكائن في زمان * سريع مضاد للطبيعة المدبرة للبدن. وذلك لأن موجبه مشعور به لأنه كائن في زمان قصير فيكون الخصب (250) الزائل مناسبا للطبيعة المذكورة والهزال الكائن في زمان طويل مناسب لما ذكرنا لأن سببه غير مشعور به لكونه * حصل (251) في زمان طويل فيكون الخصب الزائل مضاد للطبيعة المدبرة للبدن. ولاشك أن رد المناسب أسهل من رد المضاد لأن الطبيعة تكون مع المناسب كالمعينة للمعالجة وفي المضاد كالمعاندة لذلك. * والثاني (252) أن الأعضاء في الهزال المتقادم قد ذابت منها الرطوبات القريبة العهد بالانعقاد والبعيدة العهد بذلك. وأما في الكائن في زمان قصير فإن الذائب منها القريبة العهد بالانعقاد. ولا شك أن رد عوض رطوبة واحدة على الطبيعة أسهل من رد عوض رطوبتين. * والثالث (253) أن الآلات التي يتم بها هضم الغذاء أو توزيعه في المتقادم نحيفة جافة لما ذكرنا و في القريب العهد بضد ذلك فتكون في المتقادم ضعيفة عن أحالة ما يرد على البدن من الغذاء وتوزيعه عليه بخلاف حالها في الكائن في زمان قصير * والله أعلم (254) .
8
[aphorism]
قال أبقراط: الناقه في * المرض (255) إذا كان ينال من الغذاء وليس يقوى به دل على أنه يحمل على بدنه أكثر مما يحتمل وإذا كان * كذلك (256) وهو لا ينال منه * دل على (257) أن بدنه يحتاج إلى الاستفراغ.
[commentary]
الشرح: ها هبا مباحث سبعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (258) بما قبله * وذلك (259) من وجهين أحدهما أن الناقه من جملة الذين هزلوا في زمان طويل. وثانيها أن في عادته أن يذكر بعد الشيء * ما (260) يقابله. ولا شك أنه ذكر * فيما قبل (261) من يجب أن يزاد * في (262) بدنه وفي هذا ذكر من يجب أن ينقص في بدنه.
البحث الثاني:
الناقه هو * المنتشل (263) في المرض. وحكمه في التدبير بالغذاء حكم الشيخ والضبي فإن تدبير هؤلاء بالغذاء المنعش وذلك لأن قواهم ضعيفة. أما الصبيان فلإنها مغمورة بالرطوبات ولأن آلات قواهم ضعيفة وقد علم أن القوى الجسمانية أفعالها بشركة من موضوعاتها. وأما المشايخ فلأنهم آخذون في الانحطاط ومع ذلك فإن الرطوبات الغريبة البورقية متوفرة في أبدانهم وآلاتهم غير مؤاتية لفعلها بسبب يبسها. وأما الناقهون فلأن قواهم ضعيفة لما مر بها في الكد والتعب في المقاومة ولأن دمهم قليل بسبب تلطيف الغذاء المستعمل في مدة المرض وقلته أيضا ولاشتغال الطبيعة بمقاومة مادة المرض عن توليد الدم. وأما الغذاء المنعش فهو الغذاء PageVW5P066A اللطيف الكثير التغذية القليل الفضلات.
البحث الثالث:
الغذاء المستعل في هذه الحالة يجب أن يكون مع كونه * لطيفا (264) مضادا للحالة المرضية وهي إن كانت حارة يجب أن تكون * محمضة (265) بماء رمان أو بماء النارنج. وإن كانت باردة فبماء * الليمون (266) . وإن كانت أسهالية فبماء الحصرم * أو قطر (267) السماق الغير * المملوح (268) أو بحب الرمان المدقوق. ومع ذلك يجب أن يكون استعماله * بتدريج (269) مثاله يستعمل أولا أمراق الفراريخ ثم أجنحتها ثم لحومها ثم أمراق الدجاج ثم لحومها ثم رقاب الجداء ثم لحومها. قال صاحب الكامل في تدبير الناقه في كتابه: وينبغي أن يكون تدبير الناقه بعد انقضاء المرض بثلاثة أيام كتدبيره في وقت مرضه في تلطيف الغذاء وأكل * المزورات (270) وما أشبهها ليأمن بذلك من عودة المرض ثم * ينتقل (271) إلى ما هو أغلظ منه قليلا قليلا على * تدريج (272) . وهو ما ذكرناه. وقال الشيخ الرئيس في الكتاب الرابع من القانون: وبالجملة يجاوز اليوم الباحوري الذي يلي يوم صحته. والحق أن العمدة في هذا نهوض الشهوة وسكون أعراض المرض بالكلية.
البحث الرابع:
المشهور بين الأطباء أن الناقه متى دخل الحمام وصب على بدنه ماء * حارا (273) والتذ به فهو علامة جيدة. قالوا: وذلك لأنه يريح قواه وينعشها ومتى لم يلتذ به فهو رديء مكروه لأنه يدل على أن في بدنه * موادا (274) رديئة يخروجها عن مواضعها. والذي نقوله نحن إن الأمر بخلاف * ذلك (275) . وهو أن تألمه به أجود من التذاذه * به (276) . وذلك لأن التذاذه به يدل على أن في بدنه * موادا (277) رديئة تحللها هواء الحمام وأن قواه تستريح بذلك. وتألمه * به (278) يدل على أن بدنه نقي من مثل هذه المواد وأن التحلل * وقع (279) في المواد الصالحة المحتاج إليها * فتألمت (280) قواه لذلك * وضعفت (281) .
البحث الخامس
* في (282) قوله ينال، قال جالينوس: معنى ينال يشتهي فمن كان من الناقهين يشتهي الطعام ويزرأ منه كثيرا وليس تتراجع قوته إلى ما كانت عليه في حال الصحة فالطعام الذي يتناوله ليس يغتذي به * لكنه (283) يثقل على بدنه. فأما من لا يقدر يتناول منه مقدارا كافيا * دل على أن في (284) بدنه * أخلاطا (285) * رديئة (286) * لا (287) يمكن أن يعود إلى حالته الصحية * إلا بعد استفراغها (288) . وحاصله أنه إذا لم * يقو (289) بالغذاء فهناك فضلة إما عن الغذاء المستعمل أو عن خلط متقدم. والإشارة في قوله وإذا كان كذلك إلى قوله ليس يقوى به.
البحث السادس:
قال ابن أبي صادق: وربما اتفق أن يكون في معدة الناقه خلط حريف غير كثير يكون سببا لسقوط القوة. فإذا استعمل الغذاء الجيد ورد * عليه (290) أصلحه PageVW1P029A * وغذاه (291) ، غير أن هذا خارج عما عناه أبقراط. واعلم أن هذا الكلام حق فإن من تؤول حاله إلى هذه الصورة يغتذي بما PageVW5P066B يرد عليه من الغذاء * اغتذاء (292) صالحا وتقوى قوته * على إنضاج (293) الخلط الفاسد الكائن في المعدة.
البحث السابع:
قال جالينوس إن أبقراط في هذا الكتاب وفي سائر كتبه قد استعمل لفظة الاستفراغ على إخراج الكيموسات المتزائدة مع خفط نسبتها. وأما إذا غلب * واحد (294) منها وأريد إخراجه فذلك مخصوص بالإسهال. وهذا الاصطلاح لا بد من استحضاره وخفطه.
9
[aphorism]
قال أبقراط: كل بدن تريد تنقيته فينبغي أن يجعل ما تريد إخراجه منه يجري * فيه (295) بسهولة.
[commentary]
الشرح: هاهنا * مباحث (296) ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (297) بما قبله * وهو (298) لما انتهى كلامه في الفصل الماضي في الاستفراغ ذكر في هذا الفصل ما يجب أن يعمل قبل ذلك الاستفراغ. وأما تسمية الاستفراغ بالتنقية فحق لأن به ينقى البدن من فضلاته.
البحث الثاني
في معنى قوله يجري فيه بسهولة، قال * الفاضل (299) جالينوس: ظن جماعة من الأطباء أن مراده بذلك استعمال الاستفراغ الضعيف قبل القوي. مثاله استعمال القيء اللطيف قبل القيء العنيف والمسهل الضعيف قبل القوي. وذلك ليكون استعمال ذلك بالتدريج فإنه متى استعمل ذلك كذلك كان جريان المواد * المراد (300) إخراجها من الأعضاء بسهولة بخلاف ما إذا استعمل القوي من ذلك * بغتة (301) . وهذا هو اختيار الرازي في تأويل ذلك لأنه لم * ير (302) بانتظار النضج في الاستفراغ. قال جالينوس: وأما أنا فلست * أرى (303) أن * أبقراط قصد (304) بهذا معرفة هذا الأمر الخسيس، بل * قصد (305) أن يعرفنا أمرا غير هذا وأعظم منه قد ظهر نفعه بالتجربة دهرا طويلا وهو تهيئة المادة * للاندفاع (306) وهو تقطيع الأخلاط اللزجة وترقيق الغليظ وتغليظ الرقيق وتفتيح المجاري فإنه متى أغفل هذا ولم يستعمل أعقب الاستفراغ * ضررا (307) * عظيما (308) مثل الكرب والمغص والغشي وغير ذلك. وقد ذكرنا ما يتعلق بهذه المسألة فيما سبق ذكرا شافيا.
البحث الثالث:
لقائل أن يقول جريان ما يراد إخراجه من البدن مفتقر إلى أمرين أحدهما مطاوعة ما يراد إخراجه للخروج، والثاني عدم المعاوق والممانع في المجاري. * وهذان يفتقر إليهما (309) في كل بدن يحتاج إلى التنقية * وهذا (310) يناقض حكمه * في (311) المرض المهتاج حيث ذكر أنه يجب الاستفراغ * فيه (312) متى دعت الحاجة إليه قبل النضج أو بعده. قلنا: الجواب عن هذا * أن (313) الأبدان المحكوم عليها بالتنقية غير المحكوم عليها باستعمال الدواء والتحريك لأن التنقية استفراغ خاص وهو استفراغ ما تخلف من الفضل عقيب * (314) انقضاء المرض كأبدان الناقهين فإن مثل هذه الأبدان يقال لها إنها غير نقية. ويدل على ذلك الفصل الذي بعد PageVW5P067A هذا وهو قوله: البدن الذي ليس بنقي كلما عذوته * زدته (315) شرا. وأما الأبدان المحتاجة إلى الدواء والتحريك فلا يقال لها إنها غير نقية بل ممتلئة. ولا شك أن الأبدان التي هي غير نقية إنما * يبقى (316) فيها ما غلظ من المادة. فلذلك يجب اعتبار النضج فيها كلها. وإذا كان كذلك فيصح حكمه الكلي. ويمكن أن نذكر جوابا آخر وهو أن الأمراض المهتاجة موادها رقيقة لطيفة مواتية للخروج. وإذا كان حالها كذلك فهي غير محتاجة إلى أن تجعل مواتية لذلك لأن تحصيل الحاصل محال. وإذا كان كذلك فتكون خارجة عن الحكم المذكور غير أن هذا الجواب لا يصح بحسب صيغة هذا الفصل لأنه إنما يصح أن لو قيل: كل بدن لا يؤاتي مواده للخروج فينبغي أن يجعل إخراج ما يخرج منه * بسهولة (317) .
10
[aphorism]
قال أبقراط: البدن الذي ليس بالنقي كلما غذوته * زدته (318) شرا.
[commentary]
الشرح: ها هنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله وهي أن الأبدان المحتاجة إلى التنقية إذا لم * تنق (319) وغذيت زيدت شرا.
البحث الثاني
في معنى البدن الذي ليس بنقي، وهو الذي فيه أو في المعدة منه * أخلاط (320) ردئية. قال جالينوس: ومثل هذه الأبدان إذا ورد * الغذاء عليها (321) فسد بفساد ما هو فيها، * وإن (322) كان الوارد صالحا. ألا ترى أن المعدة الصفراوية متى * كان (323) استعمل فيها الغذاء الدسم الخالي من الحمض فإنه يستحيل صفراء ويكثر مقدارها. فلذلك قال تزيده شرا. واعلم أن لفظة كلما تقتضي تكرار المرار ولقطة إنما تقتضي الحصر؛ وهو حق. فإن الأبدان التي هي غير نقية كلما غديت زيدت شرا. وقال تزيدها شرا ولم يقل تفيدها شرا، وذلك لأن * المفهوم من (324) هذا الفصل أن هذه الأبدان قد كان بها * شر (325) قبل شر الغذاء المستعمل وهو الحاصل من عدم النقاء ووجود الإمتلاء. فهذا هو الشر الأول. وأما الشر الثاني فهو الحاصل من استحالة الغذاء إلى ذلك الخلط. أما لو قال تفيدها شرا فإنه يكون المفهوم من ذلك أن شرها مستفاد من غير أن يكون حاصلا لها. وذلك محال لأنها غير نقية.
البحث الثالث:
لقائل أن يقول: هذا الحكم من الإمام أبقراط فيه نظر عقلا ونقلا. أما الأول فإنه ليس كل بدن ليس بنقي كلما غدوته زدته شرا فإن البدن إذا كان الفضل فيه يسيرا والقوة محتاجة إلى أن تحفظ بالغذاء والبدن محتاج إلى زيادة الدم والرطوبة فإن الغذاء يزيده خيرا. ولو صح إطلاق ذلك لكان منع الغذاء بالكلية في جميع الأمراض صوابا، وذلك محال. وأما الثاني فإن الفضول التي تقدم تقدير الغذاء فيها بحسب مدة المرض تناقضه ويناقضه أيضا قوله: الأغذية الرطبة توافق جميع المحمومين. قلنا: الجواب عن هذا قوله * ليس (326) كل بدن PageVW5P067B غير نقي كلما غدوته إنما تزيده شرا إلى قوله ولو صح، نقول: البدن المذكور لا يصح إطلاق غير النقي عليه إذ لو صح * ذلك (327) لصح إطلاق ذلك على أكثر الأصحاء فإنه قلما يوجد بدن من أبدان الأصحاء إلا وفيه أخلاط يسيرة * رديئة (328) . قوله ولو صح إطلاق ذلك لكان منع الغذاء بالكلية في الأمراض صوابا، نقول: * والأمر (329) على هذه الصورة PageVW1P029B أي في الأغذية المحضة فإن المنع من استعمالها في جميع الأمراض واجب. ولما كان ذلك حقا وكانت الحاجة داعية إلى استعمالها لأجل بقاء القوة أو تقويتها جمع بين المصلحتين أي بين بقاء القوة ومقاومة المادة الموجبة للمرض * فاستعملت (330) الأغذية الدوائية. فقول الإمام أبقراط الأبدان التي ليست بنقية كلما غدوتها فإنما تزيده شرا أي * بالأغذية (331) المحضة لا الدوائية. فاندفع * الإعتراض (332) .
11
[aphorism]
قال أبقراط: لأن يملاء البدن من الشراب * أسهل (333) من أن يملاء من الطعام.
[commentary]
الشرح هاهنا * ثلاثة عشر بحثا (334) .
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (335) بما قبله * وهي (336) أنه لما ذكر أن الأغذية المحضة تزيد في غير البدن النقي شرا ولا شك أن هذا الحكم يختلف باختلافها * أي في لطافتها (337) وغلظها فما كان منها لطيفا كان إحداثه للشر أقل من إحداث الغليظ ذكر في هذا الفصل أن الامتلاء من الشراب أسهل * منه (338) من الطعام. وذلك لأن الشراب ألطف من الغذاء. وبهذا يندفع اعتراض يورد في هذا الباب وهو أنه لقائل أن يقول: لما ذكر أن الناقه إذا لم * يقو (339) باستعمال الغذاء فالواجب تنقية بدنه. وذلك لوجهين، أحدهما أن البدن الغير * النقي (340) كلما غذوته زدته شرا. والثاني أن البقايا التي تبقى من الأمراض بعد البحران من عادتها أن تجلب عودة من المرض ثم جاء هذا الفصل دخيلا بين الفصلين فنقول وجه إدخاله ما ذكرناه. وذكر الفاضل جالينوس أن الإمام أبقراط لما تكلم * من قبل (341) فيمن يحتاج إلى * أن (342) يغذى * حتى (343) يعود بدنه إلى ما كان عليه ذكر * هاهنا من (344) أصناف الأغذية * مما (345) يغذو * البدن (346) أسرع. فقال: إن الشراب * يغذو (347) أسرع من الطعام.
البحث الثاني:
المراد بالشراب في عرف الطب ماء العنب، غير أنه ينقسم بحسب زمانه إلى الحديث والعتيق والمتوسط. فالحديث ما لم يجاوز ستة أشهر. ومثل هذا النوع الغالب عليه الغذائية لكثرة رطوبته ولا سيما الحلو منه إلا أنه يولد نفخا ورياحا لقصور حرارته يسبب كثرة رطوبته. ولذلك كثيرا ما يوقع في الإسهال الكبدي. وذلك لكثرة ما يحدث في الكبد من النفخ والرياح ولإرخائه إياها. وأما * العتيق (348) فهو ما يجاوز حولين فإنه في حكم الدواء وخصوصا الصافي والمر منه. وذلك لأن الشراب كلما طال PageVW5P068A زمانه تحلل منه * ما به (349) تكون التغذية، وهو الرطوبة واحتدت حرارته. فلذلك يصير أحر وأيبس وألطف. ولما كان حاله كذلك صار يستعمل في معالجة الأمراض وتبديل المزاج وتفتيح السدد وإدرار المواد وإخراجها مع البول. وما توسط بين ذلك فهو المتوسط، وهو المحكوم عليه بجودة الغذاء.
البحث الثالث:
في بيان المقدار المستعمل منه. اعلم أن المقدار المستعمل من الشراب يختلف باختلاف الأمزجة والعادات. فرب شخص يستعمل منه مقدارا ما هو قليل بالنسبة إلى شخص آخر وكثير بالنسبة إلى آخر. ولما كان الحال كذلك كان المقدار المستعمل منه مأخوذا مما يحصل منه من السرور والنشاط واحمرار اللون وحسن البشرة وربوها. فمثل هذه الأمور إذا حصلت وكانت أخذه في الازدياد فهناك المقدار الواجب استعماله. ومتى أخذ النعاس * يغلب (350) والغشيان يظهر وأفعال الدماغ تتشوش فالواجب تركه فإن الأول يدل على امتلأ بطون الدماغ أبخرة كثيرة والثاني على طفوء الطعام على فم المعدة. والثالث على تشوش القوى الدماغية واضطرابها بسبب ارتفاع الأبخرة إليه. فقول الإمام أبقراط لأن يملاء البدن من الشراب أسهل من أن يملاء من الطعام إذا كان بالمقدار المعتدل الواجب استعماله.
البحث الرابع:
تواتر السكر * يوقع (351) في أمراض بعضها خاص بالدماغ * وبعضها خاص بالعصب وبعضها خاص بالقلب وبعضها خاص بالكبد وبعضها بالمفاصل (352) . أما التي بالدماغ ففساد مزاجه وذلك لكثرة ما يرتفع إليه من الأبخرة الشرابية فترخي جوهره * وتسد (353) أرواحه. ولذلك كان الغالب على مدمني الشراب بلادة الذهن * ومن (354) هذا القبيل إحداثه للسكتة والصرع. وذلك لما * ذكرناه (355) ولأنه ينفذ المواد إلى جهة الدماغ وهي غير منهضمة. وأما التي بالعصب فالفالج والرعشة والتشنج الامتلائي والكزاز. وذلك لوجوه ثلاثة أحدها * لأنه (356) يبل جوهر العصب ويرخيه تبعا لبله جوهر الدماغ وإرخائه إياه أيضا بسبب الأبخرة المتصاعدة إليه. وثانيها * لأنه (357) ينفذ المواد * إليه (358) وهي غير منهضمة. وثالثها * لأن (359) الصرف منه يستحيل إلى الصفراء أو يلذغ جوهر العصب والكثير الماء يستحيل عنده إلى الحموضة والخلية * وهو (360) من أضر الأشياء بالعصب. وأما التي بالقلب PageVW5P068B * فالغشي (361) والخفقان والموت فجأة. وذلك لأنه ينفذ إلى القلب مواد متوفرة لكونه من المفرحات ولأنه يغمر الحرارة بكثرة مقداره * صنيع الحطب (362) الكثير الذي يوضع على نار ضعيفة. وأما التي بالكبد فالإسهال الكبدي. وذلك لوجهين أحدهما لدوام مروره على الكبد فيفدها حرارة. وثانيهما لتنفيذه المواد الغير * النضيجة (363) إليها فتعجز عن هضمها وإحالتها. وأما الخاصة بالمفاصل فلثلاثة أوجه أحدها أنه ينفذ المواد إليها. وثانيها أنه يرخي الأعصاب المحركة على ما عرفت فتضعف حركتها. وثالثها أنه يحرك المواد فتنصب إليها غير أنه يجب أن تعلم أن ضرره بالدماغ أشد من ضرره بباقي الأعضاء المذكورة. وذلك لأنه على محاذاة المعدة فيكون وصول بخاره إليه أسرع لا سيما وهو قابل لذلك لرطوبة مزاجه PageVW1P030A وتخلخل جرمه. والكبد وإن كان دائم المرور بها غير أن جرمها صلب والمجاري * النافذة (364) فيها دقيقة فيبطئ جريانه وتضعف قوته لا سيما وقد تقدم فعل المعدة فيه. وأما القلب فإن تأثيره فيه وفعله * فيه (365) بعد استحالته دما وفعل المعدة والكبد فيه وكذلك حاله مع الإعصاب.
البحث الخامس:
الشراب له ترتيب في استعماله لا بد من اعتباره وهو أنه ينبغي أن يبدأ فيه بالأقداح الصغار ثم بالكبار. وذلك لثلاثة * أوجه (366) أحدها ليكون استعماله بالتدريج. وثانيها أن المعدة تكون عقيب هضم الغذاء فتكون عاجزة عن هضم ما كبر من الأقداح. وثالثها أن النفس تكون كارهة له في مبادئ استعماله فإذا ابتدأ بالكبار ربما قذفته المعدة وأخرجته عنها. أما إذا ابتدأ بالصغار لم يحصل شيء من ذلك. فقوله لأن يملأ البدن من الشراب * أسهل (367) من أن يملأ من الطعام أي * بالشروط المذكورة (368) . ومع ذلك * فالواجب (369) أن يكون بين كل قدح وقدح زمان * ما (370) ينهضم الأول قبل * ورود (371) الثاني.
البحث السادس:
شارب الشداب إذا استقرأنا * أحواله (372) نراه في مبادئ شربه * يكره (373) استعماله بحيث أنه يشمأز منه ثم إذا أمعن في شربه استطابه وطلب الاستكثار منه. أقول: والعلة في ذلك أن حاسة المذاق في مبادئ الشرب تكون سليمة فتدرك طعم الشراب والنفس غير مدركة لمنافعه لأنها لم يحصل بعد فتنفر الطباع منه وتروم تركه. فإذا استعمل أكثر من ذلك أرخى حاسة المذاق وخدرها PageVW5P069A فيضعف إدراكها لطعمه ويكون المقدار المستعمل منه قد استحال إلى جوهر الروح وحصلت منه المنافع المعلومة * كالفرح (374) * وغيره (375) . وحينئذ تدرك النفس منه هذه المنافع فتروم الإكثار منه والإمعان فيه.
البحث السابع:
نرى * شاربي (376) الخمر من كان منهم قليل الكلام ثقيله. فإنه عند شربه إياه وإمعانه فيه يكثر الكلام وينطلق لسانه؛ ومن كان بالعكس فبالعكس. أقول: والعلة في ذلك أما الأول فبارد المزاج فإذا استعمل الشراب سخن المزاج * والدماغ (377) والأعصاب فحصل منه ما ذكرنا. وأما الثاني * فيابس (378) المزاج فإذا استعمل الشراب رطب المزاج والدماغ والأعصاب المحركة * للسان (379) فحصل منه ما ذكرنا.
البحث الثامن:
اعلم أن من الناس من يعرض له عند شرب الشراب أخلاق رديئة. فمنهم من يحزن ومنهم من يبكي. ثم هؤلاء منهم من يعرض له ذلك في جميع أوقات الشراب ومنهم من يعرض له ذلك في أول شربه. ومنهم من يعرض له * ذلك (380) في وسط شربه. ومنهم من يعرض له * ذلك (381) في آخره. وسبب هذا جميعه في الحقيقة ليس هو الشراب بل أمر أخر يثيره * الشراب (382) وهو أخلاط سوداوية ساكنة فإذا استعمل الشراب حركها * وأثارها (383) . فإن حصل هذا في جميع أوقات الشراب فهي كثيرة المقدار ومعتدلة القوام. وإن حصل في أوله فتكون رقيقة قليل المقدار فتتحرك على الشراب وتوجب أخلاقا رديئة. ثم إن الشراب يقهرها ويستولى عليها ويغلب مقتضاها. وإن حصل في آخره فتكون * غليظة مستصعبة فلا تتحرك وتوجب تلك الأخلاق إلا لسبب قوي. وإن حصل في الوسط فتكون (384) معتدلة في ذلك.
البحث التاسع:
* شاربو (385) الخمر منهم من هو سريع السكر ومنهم من هو بطيئه، ولنبين * الآن (386) كيفية إيجابه للسكر، فنقول: الشراب مع كونه مائي القوام الأجزاء الهوائيه غالبة عليه. ولذلك صار يطفئ فوق الماء. فإذا ورد على المعدة طفأ على فمها وفعلت فيه فيتبخر عنه بخار لمائية قوامه وغلبة الأجزاء الهوائية عليه ويصعد ما يتبخر عنه إلى الدماغ وهو قابل لذلك لرطوبة مزاجه ولتخلخل جوهره ولوضعه في أعلاء البنية. ثم أنها إذا صعدت إليه زاحمت أرواحه * مجاريها (387) * وتوجب (388) حركتها. ثم إن * تبخرت (389) للطافتها تتحلل بسرعة وتتلاشى. فاي جانب منه تحلل أبخرته تحركت أرواحه إلى ذلك الجانب. فالحاصل مما ذكرنا أنه يحصل له حركات غير طبيعية وتشوش * الأفعال (390) الخيال والفكر، ولا معنى للسكر إلا ذلك. فمن كان ضعيف الدماغ أو غير معتاد * لاستعمال (391) الشراب أو كان قد استعمل غذاء كثير المقدار فهو سريع السكر ومن كان بالعكس فبالعكس PageVW5P069B .
البحث العاشر:
أوفق الأزمان لاستعمال الشراب زمان الشتاء ثم الخريف. أما الأول فلوجوه ثلاثة أحدها لأجل تسخينه وإنعاشه للحرارة الغريزية فيضاد مزاج الهواء. والثاني لتقطيعه وتلطيفه وتفتيحه للمسام المقابلة لمقتضى هوائه. والثالث لتخفيفه المواد بالإدرار والتحليل. وأما لثاني فلأجل ترطيبه. وأما الصيف والربيع فالواجب تقليله فيهما. أما الأول فخوفا من التسخين. فإن دعت الحاجة إلى استعماله فليكن كثير المزاج أبيض اللون. وأما الثاني فخوفا من * تثويره (392) * المواد (393) والزيادة في حجمها. فقوله لأن يملاء البدن من الشراب خير من أن يملاء من الطعام أي في الفصلين المذكورين.
البحث الحادي عشر:
الشراب له اعتبار بحسب الإنسان الواجب الاعتناء به. * فالأصلح للصبيان (394) أن يمنعوا منه أو يقللوا من استعماله. وذلك ولوجوه ثلاثة أحدها خوفا من ترطيبه وتهيئة موادهم للعفونة. وثانيها لئلا يسخن أمزجتهم ويخرجها عن اعتدالها. ولذلك قال الشيخ الرئيس في * كليات (395) القانون: والصبيان شربهم * للشراب (396) كزيادة نار على نار. وثالثها خوفا من أن يعقبه من السكر سوء الأخلاق لا سيما وأدمغتهم قابلة لتأثيره بسبب رطوباتها. وأما * الشبان (397) فإنهم وإن كانوا حاري المزاج غير أنه ليبوسة أمزجتهم * يحتاجون (398) إلى الترطيب فهو ينفعهم ويوافقهم من هذه الجهة. ولذلك قال الشيخ في الكتاب المذكور: وعدل PageVW1P030B * الشبان (399) فيه. * وأما الكهول فحالهم فيه قريب من حال الشباب (400) . وأما المشايخ فإنه نافع لهم من * وجوه (401) سبعة أحدها من جهة * إنضاجه (402) لموادهم البلغمية. وثانيها من جهة تقويته لحرارتهم الغريزية. وثالثها من جهة تفتيحه لمجاريهم. ورابعها من جهة ترطيبه لأمزجتهم. وخامسها * لإرداره (403) لموادهم وتنقية آلات البول منهم * بذلك (404) . وسادسها من جهة * تجويده لهضمهم (405) . وسابعها من جهة تفريحه لهم غير أن أدمغتهم ضعيفة فتكون قابلة لتأثيره وكذلك أعصابهم فيكون احتمالهم له من هذه الجهة أقل. ولذلك قال * الشيخ (406) : * ومهما (407) احتمل الشيخ فاسقه. فقوله لأن يملأ البدن من الشراب * أسهل (408) من أن يملأ من الطعام * أي (409) الأبدان المذكورة بالاعتبار المذكور.
البحث الثاني عشر:
الوقت الموافق لاستعمال الشراب عند كمال الهضم المعدي والزمان المقدر لهذا من ست ساعات إلى * اثنتي عشرة (410) ساعة. وقيل إلى خمسة عشر ساعة. وذلك لأنه يختلف باختلاف الغذاء في لطافته وغلظه وباختلاف المعد في حرها وبردها. وينبغي أن يجتنب شربه في PageVW5P070A صور * خمس (411) . أحدها على الريق وذلك لأنه متى ورد على * المعد (412) وهي خالية من الغذاء اشتد تسخينه وعند ذلك يقوى تبخيره ووصول ما يتصاعد منه إلى * جهة (413) الدماغ لعدم العائق والحائل الذي هو الغذاء فإنه يكسر قليلا من حدته ويمنع بخاره من سرعة صعودة إلى الدماغ. وثانيها على امتلاء المعدة خوفا من تنفيذه الغذاء وهو غير منهضم إلى حيث لا يصل هو بطبعه في ذلك الوقت إليه، اللهم إلا أن يكون الغذاء منفخا. وفي مثل هذه الصورة * الصواب (414) أن يكون شربه قليلا قليل المزاج. وثالثها قبل استيفاء الأعضاء * حظها (415) من الماء البارد في المحرورين وذلك لأنه متى استعمل في مثل هذا الوقت اشتد تسخينه الحرارة المعدة وحرارة الأعضاء وعند هذا يقوى تبخيره إلى * جهة (416) الدماغ ويحصل منه ما ذكرنا غير أن تبخيره على الريق أكثر لأن الغذاء متى خالطه كسره على ما ذكرنا. ورابعها عقيب الرياضة المفرطة وذلك خوفا من شدة التسخين والتبخير غير أنه يجب أن تعلم ضرر الشراب بالأعصاب في مثل هذا النوع * ضرر شديد (417) . وذلك لأن الأعصاب تتخلخل في مثل هذا الوقت بسبب الحركة فيسهل على الشراب وما معه النفوذ إلى جهة الأعصاب. وخامسها مع الغذاء الرديء وبعده وذلك لأن الشراب ينفذه إلى حيث لا يصل هو بطبعه إليه فإن كان ولا بد من استعماله فيكون بعده لا معه لأن الغذاء متى انهضم وتغير في المعدة كانت نكايته للأعضاء أقل من نكايته لها إذا نفذ ولم يتغير. فقول أبقراط لأن يملأ البدن من الشراب * أسهل (418) من أن يملأ من الطعام أي في الصور الأول لا في * هذه (419) الصور الخمس.
البحث الثالث عشر
في شدة فرح شارب الشراب. اعلم أن الجوهر الروحي قابل لما يرد عليه فهو من حيث هو * هو (420) له أن يفرح أو يحزن بمعنى أنه قابل لهما وليس له أن يستعد لذلك * فالاستعداد (421) لأمور أخر طارئة. ولذلك قيل الاستعداد استكمال القوة بالقياس إلى أحد * المتقابلين (422) فالمعد للفرح أمور أحدها كون الروح على أفضل أحواله من الكم والكيف. أما في الكم فهو أن تكون متوفرة المقدار وذلك لأنها متى كانت كذلك زادت القوة ووفت بالانبساط في * الباطن والظاهر (423) فإن الفرح يتم بحركة الأرواح إلى ظاهر البدن قليلا قليلا. وذلك إنما يتم إذا كانت * القوة (424) وافرة المقدار لأنها متى كانت كذلك وفت بتدبير الباطن والظاهر والقليل يتبعه ضعف القوة وتنحل به الطبيعة تضبطه عند المبدأ ولا يمكنه من الانبساط كما هو عليه حال الناقهين والمهزولين والمشايخ. فإن أرواح هؤلاء لقلتها لا تفي بالانبساط إلى خارج البدن. ولذلك صار متى عرض للناقه فرح اتستضر به لأجل ما يعرض لروحه * من (425) التحلل والتبدد. وثانيها اعتداله في الغلظ واللطافة PageVW5P070B وذلك لأن الغليظ لا يطاوع في الحركة كما يطاوع اللطيف. ولذلك * صاروا (426) * غليظي (427) الطباع * كالسوداويين (428) لا يفرحون إلا لسبب قوي والرقيق سريع التحلل والانفشاش عند انبساطه. ولذلك صار النساء لا يفرحن وإن حصل لهن كان زمانه قصيرا. وثالثها نورانيته فإن الكدر عسر النفوذ والسريان كما هو * عليه (429) حال السوداء وأيضا فإن الكدر مظلم موحش للنفس كحال الظلمة في الخارج. * فإذا (430) عرفت هذا فنقول: والشراب يجعل الجوهر الروحي كذلك فإنه يولد روحا * كثيرة (431) لسرعة استحالته إليها معتدلا بين اللطيف والغليظ. وذلك * لأنه (432) والغذاء المستعمل معه يولد ذلك * نورانيا (433) لحرارته المناسبة وللطافة قوامه ولأنه ينقي الدم مما يخالطه من المواد الرديئة المكدرة له. وأيضا فإنه بتبخيره إلى الدماغ وترطيبه إياه لا يذعن التشكيل الروحاني. * وحنئيذ (434) يصعب على العقل استعماله ومتى صعب ذلك عليه ذلك صار مشغولا بما يرد عليه من الحواس الخارجة لا سيما والحس أقدر على تحريك * الأرواح (435) من العقل. ويدل على صحة ذلك أن العقل متى استعصى عليه شيء استعان عليه * بالحس (436) كما في كثير من المسائل العقلية. فإذن شارب الشراب قد اجتمع له أمور ثلاثة وهي استكمال روحه في الكم والكيف والنورانية واندفاع أفكاره العقلية عنه التي ربما كانت PageVW1P031A سببا للغم واشتغال خياله وفكره بالمحسوسات الخارجة التي هي أسباب اللذة. فلذلك يكمل فرح شارب الشراب ويشتد نشاطه وتستولى عليه الشجاعة والكرم وغزة النفس والآمال الملذة.
12
[aphorism]
قال أبقراط: البقايا التي تبقى من الأمراض بعد البحران من عادتها أن تجلب عودة من المرض.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (437) بما قبله * وهي (438) أنه لما * أمر (439) باستفراغ الناقه والمنع من تغذيته قال في هذا الفصل أن البقية التي تبقى من مواد الأمراض بقاياها إنما هو لعجز الطبيعة عن دفعها و مثل هذه المادة إذا ورد عليها الغذاء المستعمل استحال إليها وكثر مقدارها وهي من مادة المرض وحينئذ تستولي على الطبيعة وتوجب عودة المرض.
البحث الثاني:
قد عرفت أن البحران منه تام ومنه ناقص وهذا القدر إنما يحصل في البحران الناقص * سواء (440) كانت المادة شاملة كالبحران اليرقاني أو خاصة كالبحران الخراجي. ومراده بالأمراض مواد الأمراض وفي مثل هذه الصورة ينبغي أن يمنع العليل * من (441) الغذاء ويستفرغ ما بقي من المادة. ومتى فعلنا ذلك حصل لنا أمران أحدها استعمال الغذاء وثانيهما أمننا من إحداث البقية لمرض * آخر (442) .
البحث الثالث:
لقائل أن يقول: هذا الحكم فيه نظر من وجهين أحدهما أن يقال لغذاء المستعمل في مثل هذا الوقت غذاء دوائي. ومثل هذا فيه مقاومة PageVW5P071A لمادة المرض فلا يستحيل إليها ولا يزيد فيها. وثانيهما أنه لم قال بعد البحران، ولم لا قال البقايا التي تبقى في أبدان الناقهين من عادتها أن تجلب عودة من المرض؟ قلنا: الجواب عن الأول أن الأغذية المستعملة بعد البحران غير الأغذية المستعملة * في (443) حال المرض. فإن المستعملة بعد البحران الغذائية فيها أكثر مما * في المستعملة (444) في حال المرض. وإذا كان كذلك فلا يكون فيها من المضادة لمادة المرض والمقاومة لها كما في تلك. ومع ذلك فالبدن ضعيف عن إحالتها على ما ينبغي وفي البدن مادة كامنه تفعل فيما يرد على البدن من الغذاء. فلذلك كان الغذاء المستعمل في مثل هذا الوقت * مزيدا (445) في مادة المرض. والجواب عن الثاني أنه لما أراد أن يوصل الكلام بالبحران ذكر البحران في هذا الفصل.
البحث الرابع:
قال جالينوس: العلة في إحداث البقايا المذكورة للأمراض هو أن كل رطوبة غريبة * خارجة عن (446) طبيعة الجسم الذي يحويها وليس يمكن أن * تغدوها (447) ولا يؤول أمرها إلى الصلاح فإنها تعفن ضرورة. فإن كان مع ذلك العضو * الذي (448) مجتمعة فيه حرارة كان مصيرها إلى العفن بأسرع ما يكون * أقواه (449) .
13
[aphorism]
قال أبقراط: إن من يأتيه البحران قد يصعب عليه مرضه في الليلة * التي (450) قبل نوبة الحمى التي يأتي فيها البحران ثم في الليلة التي بعدها يكون أخف على الأمر الأكثر.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في الصلة هذا * الفصل (451) بما قبله * وهي (452) أنه * لما (453) بين أن البقايا التي تبقى من * الأمراض (454) بعد البحران من عادتها أن تجلب عودة من المرض وأن هذا إنما يكون في الناقص منه ذكر البحران وذكر حكما من أحكامه وهو إعقاب الخفة وسنحقق القول فيها.
البحث الثاني:
قد عرفت أن معنى البحران التغير العظيم الحادث * دفعة (455) وأن ما عدا هذا النوع من أنواع التغايير لا يسمى بحرانا في الحقيقة على ما ذكره الفاضل جالينوس في أولة البحران. فالحاصل أن * من كان (456) به انفصال أحد المتقابلين أي الطبيعة والمرض على ما عرفت فيما تقدم من ذكرنا المثال من * حديث (457) السلطان الحامي والعدو الباغي ومثل هذا الانفصال لا بد وأن يتقدمه اضطراب وقلق وبالجملة أمور صعبة هائلة. وكل ذلك يوجب صعوبة المرض وفي الأكثر يقع هذه في الليل.
البحث الثالث
في بيان العلة في ذلك. * أما (458) صعوبة الأعراض في وقت البحران فلأنه قتال حاصل بين عدوين اللذين هما الطبيعة المدبرة للبدن والمرض. ولاشك أن ذلك تتبعه أعراض هائلة. وأما قوة ذلك في الليل فلقوة القوة فيه ولتوفر المادة أيضا فيه. أما الأول فلوجوه ثلاثة أحدها لتوفر الحرارة الغريزية فيه في الباطن. وثانيها لوجود النوم. وثالثها لعدم الشاغل وهو تصرف الحواس في الخارج و من يعوده ويشغله. وأما الثاني PageVW5P071B فلقلة التحلل بالنسبة إلى * ذلك (459) وقت النهار. ولما كان حالها كذلك اشتد القتال بينهما في وقت الليل وقويت الأعراض المذكورة فيه وجعل * تجيئ (460) البحارين في أوقات * النوب (461) لأن فيه حركة المادة والمقاومة حاصلة فيها بخلاف زمان الراحة.
البحث الرابع:
قوله ثم في الليلة التي بعدها. منهم من فهم أن الضمير في قوله التي بعدها عائد إلى النوبة التي يأتي فيها البحران، ومنهم من فهم أنه عائد إلى الليلة التي يأتي فيها البحران. والحق هو الأول لأن الضمير الأولى أن يكون * عائدا (462) إلى أقرب المفهومين.
البحث الخامس
قوله يكون أخف على الأمر الأكثر. قال الفاضل جالينوس: لأن أكثر البحارين يؤول إلى السلامة إلا في حال الوباء. فإن حال الأمراض لا يجري فيه على النظام والأستواء. وقال * علاء ابن نفيس (463) : إن كل بحران * سواء (464) كان تاما أو * ناقصا (465) محمودا أو مدموما * إنه (466) في الأكثر تعقبه خفة وراحة. أما التام فظاهر. وأما الناقص فلأن المرض قد ضعف فيه الطبيعة قد استولت عليه * بنوع (467) من الإستيلاء وإن كانت عاجزة عن الإستيلاء التام PageVW1P031B . وأما المذموم فلأن الطبيعة * تيأس (468) فيه من المقاومة فتترك المجاهدة فلا يبقى ما يوجب الاضطراب حتى أن كثيرا من المرضى يحصل لهم عند قرب الموت حالة كالراحة * وكالفتور (469) وتتحرك حركة قوية بعد العجز عما هو دونها. ثم قال: فإن قيل فعلى هذا يكون كل بحران تعقبه خفة وراحة لا أكثره وحينئذ لم يصح كلام * الإمام (470) أبقراط. أجاب عن هذا وقال: لا يلزم أن يكون كليا لأن من البحارين المذمومية ما يعقبه الموت فلا يظهر بعده خفة في الأكثر * ولا راحة (471) . أقول: والحق في هذا ما قاله الفاضل جالينوس فإن السكون الحاصل عند قرب الموت لا يقال له خفة وراحة في عرف الطب بل فتور * وسكون (472) . وكيف * يكون (473) والخفة ما كان معها استيلاء الطبيعة على المؤذي وقهرها إياه؟ وكيف يكون هذا والمرض قد استولى على الطبيعة * وقهرها (474) .
14
[aphorism]
قال أبقراط: عند استطلاق البطن قد ينتفع باختلاف ألوان البراز إذا ما لم يكن تغيره إلى أنواع منه رديئة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثمانية.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (475) بما قبله وهي أن البحارين المحمودة التي تعقبها الخفة والراحة هي الكائنة باستطلاق البطن على ما عرفت. فلذلك ذكر الاستطلاق وأطلق القول فيه بحيث أنه يعم الصناعي والطبيعي ليكون قد أعطى الصناعة حقها. فإن الاستطلاق متى كان من النوع فهو محمود سواء كان من الطبيعة أو من الصناعة.
البحث الثاني:
لفظة البراز في العرف * العام تطلق على كل ما يبرز من البدن وفي الخاص (476) على ما يبرز من طرف المعاء المسمى بالمستقيم الذي هو * المخرج (477) . ثم أنه ينقسم إلى نوعين: طبيعي وغير طبيعي. فالطبيعي هو فضلة الهضم الأول وله شروط في قوامه واتصال * أجزائه (478) PageVW5P072A ومقداره وعدد مراته ووقت خروجه ولونه ورائحته. أما قوامه فهو فإنه يكون معتدلا بين الغلظ والرقة فإن الغليظ متى لم يكن لجفاف الغذاء المستعمل فهو إما لحرارة المعاء أو لحارارة ما يجاورها كالكلى وغيرها وإما لحرارة الكبد بحيث أنها تجتذب من صفو الكيلوس فوق ما هي محتاجة إليه؛ وإما لإفراط إدرار البول فإن كثرة البول مما يجفف البراز وإما لتحليل مفرط؛ والرقيق متى لم يكن لمائية الغذاء المستعمل فهو إما لفساد الاستمراء وإما لضعف الكبد عن جذب ما هي محتاجة * إليه (479) ؛ وإما لضعف * الماسكة الذي للمعاء (480) عن مسك الكيلوس ريثما يجذب الكبد ما هو محتاج إلى جذبه؛ وإما لسدة في * الماسريقا (481) ؛ وإما لذوبان في الأعضاء. وأما أجزاؤه * فإنها (482) متى كانت متشتتة دل على تشوش فعل دافعة المعاء أي على رياح حاصلة في تجويف * المعاء (483) . ومتى كانت متشابهة كانت لأضداد ذلك. وأما مقداره فهو أن يكون بمقدار ما يرد إلى البدن من الغذاء. وذلك لأنه متى كان أكثر من ذلك دل على ذوبان الأعضاء وعلامته جموده، أو * على (484) اندفاع أخلاط طبيعته محتاج إليها أو على ضعف ماسكة المعاء أو المعدة. والفرق بينهما سنذكره. وإذا كان أقل دل على قصور الدافعة * عن (485) دفع ما هو محتاج إلى دفعه أو على قلة ما ينصب إلى المعاء من الصفارء. وأما عدد مراته فهو أن يكون * بالليل (486) والنهار مرتين أو ثلاثة أو مرتين بالنهار ومرة وقت السحر. أما مرتين بالنهار فلأن عادة الإنسان استعمال الغذاء في النهار مرتين وقت عرفت أن البراز فضلة الهضم الأول. وأما مرة وقت السحر فلأن الطبيعة تقوى في الليل فتستوعب القوة المميزة بدفع الفضلات التي في المعاء لا سيما وفي مثل هذا الوقت تدفع الطبيعة ما يبقي من فضلات الدم عند كمال الهضم الرابع إلى جهة المعاء ويخرج مع البراز. وأما وقت خروجه فهو أن يكون في الوقت الذي ينبغي وهو الوقت المعتاد فإن تقدم خروجه دل على أن الغذاء لم يلبث في المعدة المقدار الذي يقع فيه تمام الهضم. وذلك لآفه في القوة الماسكة التي لها أو في ماسكة المعاء ولتوفر الصفراء المنصبة إلى جهة المعاء، غير أنه إن كان مع سرعة خروجه غير منهضم فهو لضعف ماسكة * المعدة وإن كان منهضما فهو لضعف ماسكة (487) المعاء. * وإن تأخر (488) خروجه فهو إما لآفة في المعدة أو في المعاء. أما المعدة فهو عند ضعف هاضمتها * فإنها (489) متى كانت كذلك لم تقو على هضم الغذاء إلا في زمان أطول من الطبيعي، وعند ضعف دافعتها فلا تقوى على دفعه وإن وقع الهضم. وأما المعاء فهو عندما تكون دافعتها ضعيفة بحيث أنها لم * تقو (490) على دفع ما في تجويفها في وقته وإما لقلة ما ينصب إليها من الصفراء وذلك إما لضعف دافعتها وإما لسدة في مجاريها. وأما لونه فهو أن يكون معتدلا أي أترجي اللون لأن مثل هذا اللون يدل على نضج معتدل وعلى أن الصفراء المنصبة إلى جهة PageVW5P072B المعاء بقدر الحاجة. وأما رائحته فهو أن لا يكون عديم الرائحة لأن ذلك يدل على قوة البرد ولأقوى النتن ظاهر لأن ذلك يدل على قوة العفن بل يكون معتدلا بين ذلك. فمتى كان البراز بهذه الصفات كان محمودا دالا على جودة القوى وصحة آلات الغذاء.
البحث الثالث:
في دلالة البراز. البراز له * دلالتان (491) دلالة ذاتية ودلالة عرضية. فالذاتية تدل على أحوال المعاء والمعدة والكبد وبالجملة آلات الغذاء لأنها هي المميزة له والفاعلة في تكوينه * فإنه (492) متى كان كيلوسا دل على ضعف ماسكة المعاء PageVW1P032A وضعف جاذبة الكبد وسدة في الماساريقا. ولنا في هذا كلام حسن ذكرناه في شرحنا لكليات القانون * ولنعده (493) هاهنا فنقول: كيلوسة البراز تارة تكون لضعف جاذبة الكبد بحيث أنها لم تستقص جذب ما هو محتاج إليه من صفو الكيلوس. وقد يكون لصغر الكبد فإنها قد تبلغ في الصفر إلى أن تصير كالكلية على ما ذكره الشيخ * الرئيس (494) في القانون ونقله عن الفاضل جالينوس. ولا شك أن الكبد متى * كانت (495) كذلك لم يقدر عله جذب صفو الكيلوس بالكلية. وقد يكون لسدة في الماسارياقا بحيث أنها تمنع صفو الكيلوس من النفوذ. وقد يكون لضعف ماسكة المعاء على ما عرفته مرارا. ولنذكر الفرق بين ذلك. أما بين ضعف جاذبة الكبد وصغر جرمها فمن وجوه أربعة. أحدها أن الكائن للصغر يحس فيه برياح كثيرة في الجانب الأيمن وثقل هناك بسبب ضغط المنجذب إليها لها وضعف قواها الفاعلة عن المنفعل الوارد عليها بخلاف الكائن لضعف الجذب. وثانيها أن الكائن للصغر تكون الأصابع معه قصيرة على ما شهدت به الفراسة-وستعرف هذا-بخلاف الكائن لضعف الجذب. وثالثها أن الكائن للصغر تكثر معه السدد والأورام في الكبد. وذلك لتراكم المواد وكثرتها في الكبد بخلاف الكائن لضعف الجذب. ورابعها أن الكائن للصغر ينتفع صاحبه باستعمال المدارت والمسهلات الخفيفة بخلاف الكائن للجذب. والفرق بين ذلك وبين الكائن لضعف ماسكة الأمعاء أن في ذلك يحس بثقل في أسفل الجوف عند انحدار الكيلوس من المعدة. وذلك لأنه يبقى محتبسا فيها لصحة قواها الماسكة وهو في نفسه متوفر المقدار لقلة المنجذب إلى جهة الكبد بخلاف الكائن لضعف الماسكة فإنه لا يحس فيه بثقل في أسفل في المعاء. وأما الكائن لسدد في الماساريقا فإنه يحس فيه بثقل في أسفل الجانب الأيمن تحت الكبد. هذا متى كانت السدة في آخر الماساريقا. وأما متى كانت السدة في أول الماساريقا وهو ما قرب من المعاء فإنه يعسر علينا الفرق بين هذا النوع وبين الكائن لضعف الجذب. والذي يمكن أن يقال في هذا إن الفرق بين ذلك * بما (496) يظهر من النفع PageVW5P073A بعد ما يستعمل من المعالجة. وهو أن صاحب ذلك متى * انتفع (497) بالمفتحات فهو للسدد، ومتى * انتفع (498) بالقوابض العطرية فهو لضعف الجذب. وأما دلالة البراز العرضية فكدلالته على أحوال باقي الأعضاء فيما يندفع إليه من فضولها.
البحث الرابع:
قال أبقراط في ثانية تقدمة المعرفة: ومن البراز الدال على الموت البراز الأسود والدسم والأخضر والمنتن. وأما البراز المختلف الألوان فيدل على طول المرض وليس يدل على الهلاك كما تدل * عليه (499) الأصناف الأخر. أقول: أما الأسود فدلالته على شدة الاحتراق أو على استيلاء * برد مجمد (500) . وقد يدل على استيلاء الطبيعة ودفعها اللمواد السوداوية على سبيل البحران أو على تناول شيء صابغ كالمري والخيارشنبر. وليس مراده * هذين (501) . والفرق بين هذين النوعين * وبين (502) الأولين أن النوع الأول من * النوعين الآخرين (503) تعقبه خفة وراحة عند خروجه ويكون خروجه في يوم باحوري. والثاني منهما سببه يدل عليه بخلاف الأولين. وأما الفرق بين الكائن للاحتراق وبين الكائن للجمود فمن وجوه أربعة أحدها أن * الكائن للاحتراق لونه مشرق والكائن للبرد المفرط لونه كمد. والثاني أن (504) الكائن للاحتراق له رائحة قوية حادة والكائن للبرد رائحته دون ذلك. الثالث أن الكائن للاحتراق يتقدمه براز أصفر والكائن للبرد براز كمد. الرابع أن الكائن للاحتراق يكون متشتت القوام والكائن للبرد مجتمع القوام. وأما الدسم فيدل على استيلاء الذوبان. ومن علامته * جموده (505) عند خروجه. وأما الأخضر فيدل على استيلاء الكراثية وهي حارة. وأما * المنتن (506) فدلالته على العفونة وصار المختلف الألوان يدل على طول المرض لوجهين أحدهما لتحير الطبيعة في النضج والثاني للكثرة الإغذاء أو المقاومين.
البحث الخامس:
قد علمت أن البراز منه طبيعي ومنه غير طبيعي فالطبيعي أجوده المتشابه إلأجزاء المتصلة لدلالته على استيلاء القوة المغيرة على التغير وكمال نضجه بحيث * أنها (507) لم تعجز عن تغيير شيء من أجزائه. والغير الطبيعي ينقسم إلى نوعين: مختلف الأجزاء ومتشابهما. والثاني أردأ من الأول لدلالته على عموم الذوبان واستيلاء الحرارة على كل جزء من أجزاء البدن بخلاف المختلف الأجزاء.
البحث السادس:
البراز منه ما هو خاص بعضو دون عضو ومنه ما هو عام. فالخاص أربعة أنواع: الكيلوسي، فإنه خاص بالمعدة وإن * كانت (508) له أسباب من جهة أخرى * كما (509) عرفت؛ والبغراسي والدوادي فإنهما خاصان بالمعاء؛ والغسالي فإنه خاص بالكبد. والعام الأحمر الدموي والأصفر والأسود والمائي والذوباني فإن كل واحد من هذه عام لجملة البدن.
البحث السابع:
قوله قد ينتفع باختلاف ألوان البراز إنما قال قد وذلك لأن من المحتمل أن يكون الخارج من الأخلاط الطبيعية ومثل هذا لا ينتفع * بخروجه (510) . ولا شك أنه يشارك الغير * الطبيعي (511) منها في اللون فلمثل هذا قال قد ينتفع ولم يقل ينتفع.
البحث الثامن:
قوله إذ لم يكن تغيره * إلى (512) PageVW5P073B أنواع منه رديئة الأنواع الرديئة في الإسهال مثل الغسالي والبغراسي والذاوباني والصديدى. فهذه رديئة بنوعها بخلاف الأخلاط الطبيعية فإنها ليست كذلك. ولذلك صار خروجها غير منتقع به. وبهذا * إجاب (513) عن اعتراض مقدر وهو إن لقائل أن يقول: * إن (514) قوله عند استطلاق البطن قد ينتفع * به (515) باختلاف ألوان البراز. فإن هذا يخرج عنه ما ذكرناه جميعه. ويغني عن PageVW1P032B قوله إذا لم * يكن (516) تغيره إلى أنواع منه رديئة فإن قد للتقليل أو يقول عند استطلاق البطن ينتفع باختلاف ألوان البراز إذ لم يكن تغيره إلى أنواع منه رديئة. * والذي (517) نقوله في هذا الباب إن * أحدى (518) العبارتين لا تغني عن الأخرى. وذلك لأن الخارج المضر بعضه في نفسه طبيعي محتاج إليه وبعضه في نوعه غير طبيعي. فقوله قد ينتفع عائد * إلى (519) الأول وقوله إذ لم يكن تغيره إلى أنواع منه رديئة عائد إلى الثاني. ومع ذلك فمثل هذه الأنواع إنما تكون * رديئة (520) مكروهة إذا لم يكن قد استعمل ما يوجيها. أما إذا كان المتناول ما يوجب ذلك فليس الخارج برديء. مثاله إذا أخرج براز أسود وكان ضاحبه قد استعمل ما يوجبه مثل المري والجيارشنبر. فليس ذلك برديء. وإذا خرج أخضر وكان صاحبه قد استعمل * البقول (521) فليس الخارج برديء. وإذا كان كمدا أو رصاصيا * وكان صاحبه قد استعمل طعاما كمد اللون (522) أو رصاصيا فليس الخارج برديء. * وإن خرج دسما وكان صاحبه قد استعمل طعاما دسما فليس الخارج برديء (523) . ولذلك يجب على الطبيب الحاذق إذا رأى البراز قد خرج بالألوان المذكورة أن ينظر هل * ذلك (524) حادث عن شيء متناول أو عن سبب بدني؟ فإن كان الأول فليس ذلك برديء، وإن كان الثاني فهو رديء. فإن قيل: وبتقدير أن يكون الخارج من النوع الثاني غير أن المواد كلما كانت أكثر فسادا كان الانتقاع بخروجها أكثر. ويلزم من هذا أن تتغير أنواع الاختلاف إلى أنواع منه رديئة أنفع منه إلى * تغيره إلى (525) أنواع منه أقل رداءة. قلنا: الجواب عن هذا أنا لا شك أن خروج هذه الأنواع من البدن أجود من بقياها فيه غير أنه لا يقال إن هذا نافع وهذا ضار إلا إذا أعقبه نفع أوضرر. والأنواع المذكورة يستحيل أن يعقبها نفع لأنها لا تكون إلا عن سبب قوي وفساد عظيم.
15
[aphorism]
قال أبقراط: متى اشتكى الحلق أو خرجت في البدن بثور أو خراجات فينبغي أن وتنظر وتتفقد ما يبرز من البدن. فإن * كان (526) الغالب عليه المرار * فإن البدن (527) مع ذلك عليل. وإن كان ما يبرز من البدن مثل ما يبرز من البدن الصحيح فكن على ثقة من * التقدم على (528) أن تغذو البدن.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (529) بما قبله * وهي (530) من وجهين أحدهما أن فيه إشارة إلى البحران الناقص الانتقالي غير أنه أخذ ذلك على وجه عام كجاري عادته. فقال متى اشتكى الحلق أو * خرجت (531) في البدن بثور أو خرجات ببحران أو بغير بحران فينبغي أن تنظر في كذا وكذا أي في البول PageVW5P074A والبراز لتعلم من ذلك: هل بقي في البدن شيء من مواد تلك الأمراض أم لا؟ وثانيها أن هذا كالمقرر للفصل الماضي لأنه إذا كان ما يبرز من البدن يدل على الخلط الغالب عليه فخروج الألوان * المختلفة (532) بالبراز يدل على أختلاط مختلفة. ولا شك أن هذا نافع لا محالة بشرط أن يكون من النوع الواجب خروجه.
البحث الثاني:
الغرض من هذا الفصل أنه متى ظهر في البدن حالة دالة على وجود مادة فيه فلا ينبغي لنا أن نتعرض لاستفراغها فإن الاستفراغ عند * عدم الاحتياج (533) إليه ينكي القوة وينهك البدن على ما ستعرفه بل في مثل هذه الصورة نكتفي بإصلاح الغذاء وتدبيره في كميته وكيفيته. ولذلك قال في آخر * هذا (534) الفصل: وإن كان ما يبرز من البدن مثل ما يبرز من البدن الصحيح فكن على ثقة من أن * تغدو (535) * ذلك (536) البدن. أما متى ظهر لنا علامة دالة على امتلاء متوفر ففي هذه الصورة نمنع من الغذاء لما قاله في الفصل الماضي: البدن الذي ليس بالنقي كلما غذوته فإنما * تزيده (537) شرا، ونشتغل بالاستفراغ وتنقية البدن. ولذلك قال : فإنه إن كان الغالب عليه المرار فإن البدن مع ذلك عليل. ولا شك أن تدبير العليل بالتنقية والتبديل.
البحث الثالث
، قال جالينوس: الطبيعة المدبرة للبدن إذا تحركت لدفع الكيموسات الرديئة من الأعضاء الشريفة تارة يكون ذلك بالبول أو بالقيء أو بالبراز وذلك عندما تكون قوية. وتارة يكون ذلك إلى ناحية الحلق إذا كانت مندفعة عن الدماغ أو إلى ناحية الجلد إذا كانت مندفعة عن غير ذلك فتحدث من * ذلك (538) البثور والخراجات والدماميل وذلك عندما تكون ضعيفة. ويعرف هل الطبيعة دفعت * جميع (539) الفضل إلى تلك الأعضاء التي اعتلت أم قد بقي في البدن شيء منه مما يبرز من البدن مثل البول والبراز. فإن الطبيعة متى لم تدفع الفضل من البدن عن آخره كان ذلك الفضل غالبا على البراز، وفي مثل هذه الصورة ينبغي أن يمنع من الغذاء. ومتى دفعت الفضل دفعا تاما كان البارز من البدن كالبراز من البدن الصحيح. وحينئذ * كن (540) على ثقة من تغذية البدن * والله أعلم (541) .
16
[aphorism]
قال أبقراط: متى كان بإنسان جوع فلا ينبغي أن يتعب.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول:
في صلة هذا * الفصل (542) بما قبله وهي أن الإمام أبقراط من عادته إذا فرغ من حكم ذكر ما يقابله، وهذا الفصل كالمقابل لما قابله لأن ما قبله ذكر فيه من لا يجوز أن يغدى حتى ينفص بدنه، وفي * هذا (543) ذكر من لا يجوز أن ينفض بدنه حتى يغدى.
البحث الثاني:
الجوع على نوعين: عام وخاص. * فالعام (544) خال من الشعور وهو كائن عن تقاضي الأعضاء وجذبها للغذاء. فإن الأعضاء عندما يعوزها الغذاء يجذب كل واحد منها * ما (545) يليه ثم ذلك مما يليه إلى حين * يتصل (546) الجذب بالكبد ثم بالما * ساريقا (547) ثم * بالمعاء (548) ثم * بالمعدة (549) . فالخاص أي بالمعدة هو الكائن معه الشعور PageVW1P033A فإن المعدة عندما ينتهي الجذب إليها ويتصل بها تحس بذلك ثم * تحث (550) الإنسان على طلب الغذاء وتحصيله. ولذلك PageVW5P074B خصت بهذا الإحساس * لأنه (551) لما كان الجذب ينتهي إليها ولم يكن عضو آخر تجذب هي منه احتياجت إلى شيء ينبهها على طلب الغذاء وذلك المنبه هو القوة الحساسة وهذا هو الجوع الذي يسكن عند * استعمال (552) الغذاء. وإلا فمن المستحيل أن الغذاء ينهضم في المعدة ثم ينفذ إلى الكبد ويصير دما وتغتذي به الأعضاء في هذا الوقت اليسير. وقد تكلمنا في مثل هذا فيما قبل. ولذلك قيل الجوع هو عبارة عن الإحساس بالحاجة إلى تناول الغذاء أي الجوع الخاص.
[commentary]
النحث الثالث: الجوع المعدي على نوعين: صادق، وهو الحادث عن عوز الغذاء وتقاضي الأعضاء له، وكاذب كجوع السكاري والمتخومين. أما في الأول فإن المعدة إذا خلت من الغذاء * حست (553) بذلك الخلو وامتصاص الأعضاء لها * وبدغدغة (554) السوداء المنصبة إلى فمها فتحث الإنسان على طلب الغذاء. وأما في الثاني فإن الغذاء إذا استحال في الصورتين المذكورتين إلى كيفية رديئة لذاعة لذع فم المعدة وفعل فيها كفعل السوداء في * الصادقة (555) . ومراد أبقراط بالجوع هاهنا الصادق لا الكاذب لأن الحركة في الكاذب يحتاج إليها لأجل تحليلها وتخفيف البدن من المادة * الموجبة (556) له.
البحث الرابع:
الجوع منه إرادي كالصوم والحمية ومنه غير إرادي كما يعرض في السنين المجدبة والقحط ويخص هذا بالمجاعة. وقول أبقراط في ثانية أبيديميا في أهل أنيس لما أكلو الحبوب في الجوع أصابهم ضعف في أرجلهم يريد به المجاعة. وقوله في سابعة هذا الكتاب: من كان لحمه رطبا فيبنغي أن يجوع فأن الجوع يجفف الأبدان، يريد به الجوع الإرادي. وقوله في هذا الفصل الجوع * يحتمل (557) * المعنيين (558) جميعا. فإن من ترك الغذاء اختيارا أو إضطرارا فيجب عليه أن لا يتعرض للحركة لأن الحراكة محللة ومن به * جوع (559) فأعضاؤه خالية من الرطوبات فيكون التعب سببا في تجفيف بدنه وتحليل قواه وخورانها. وهذا الحكم ليس هو خاص بالأصحاء بل وبالمرضى.
البحث الخامس:
الجائع جوعا اختياريا أو إضطرايريا لا ينبغي له عند * استعماله (560) الغذاء أن يستعمله دفعة. وذلك لأن قواه ضعيفة عاجزة عن هضم ما يرد على بدنه * دفعة (561) ومجاريه ضيقة لا تسع ما يجري وينفذ فيها. ولذلك قيل لا شيء أردأ من شبع يعقبه جوع بالعكس، والعكس أردأ. بل الواجب أن يستعمل ما يستعمله بالتدريج أولا فأولا.
البحث السادس:
لقائل أن يقول كما أن الإمام أبقراط حكم * بمنع (562) الجمع بين الجوع والرياضة * فكذلك (563) لا يجوز الجمع * بينها (564) وبين الفصد * ولابينها (565) وبين الجماع ولا * بينها (566) وبين الإسهال وكذلك * القيء (567) ، و بالجملة كل ما فيه استفراغ، خوفا من الجمع بين استفراغين. وإذا كان كذلك فلا وجه لتخضيصه بذكر الحركة دون غيرها. وأجاب PageVW5P075A الشيخ نجم الدين ابن منفاخ * وهو (568) بعض أطباء زماننا بما هذا معناه وهو أنه لا شك في خطر الجمع بين هذه مع الجوع غير أن بعض * هذه (569) الأمور ضرره مختص بالروح من جهة التحليل والبعض بالقوة من جهة الضعف والبعض ببعض الأعضاء بخلاف الجوع والتعب فإن الضرر الحاصل منهما عام للبدن والقوة والروح. فإن البدن في الجوع بأسره محتاج إلى الزيادة والتعب موجب للتحليل منه بأسره. فهو لذلك أقوى على إنهاك بالقوة بخلاف سائر ما ذكرنا. وهذا جواب ضعيف من وجهين أحدهما أن الذي يخص ضرره * بالروح (570) * مضر (571) بالقوة وبالأعضاء أيضا. أما القوة فلأن الروح مطية لها فبمقدار ما ينقص منها ينقص من القوة. وأما الأعضاء فإن القوة حاملها متى ضعفا ضعفت الأعضاء عن الحركة والنقلة. والثاني * فإن (572) الفصد فيه * ضرر (573) عام * لجملة (574) البدن وكذلك الإسهال. والحق عندي في هذا الباب ما أقوله وهو أن التحليل على نوعين: خفي ومحسوس. فالكائن من * الجوع (575) من القبيل الأول وهو مع ذلك مضعف للقوى * مؤد (576) * إلى التلف (577) . فكأنه يقول: إذا كان الجمع بين الجوع * وبين ما يوجب التحليل (578) الخفي موجب لضرر البدن فبالأولى أن يكون الجمع بين الجوع وبين ما يوجب التحليل المحسوس أولى * بذلك (579) .
17
[aphorism]
قال أبقراط: متى ورد على البدن غذاء خارج عن الطبيعة كثيرا فإن ذلك يحدث مرضا ويدل على ذلك بروءه.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث تسعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (580) بما قبله وهي أنه لما أمر من به جوع صادق أن لا يتعب حتى يزول جوعه بالأكل ذكر في هذا الفصل أن هذا الأكل لا يجوز أن يكون كثيرا فإنه متى كان كذلك أحدث مرضا لأنك قد عرفت أنه لا شيء أردأ في جوع يعقبه شبع مفرط * ولذا (581) يكثر الوباء بعد سنين الغلاء وقد عرفت العلة في هذا.
البحث الثاني
، قال جالينوس: * المراد (582) بالامتلاء هو أن الغذاء الوارد على البدن يكون أكثر من احتمال القوة والأكثر إنما يقال دائما بالإضافة إلى شيء وهو في الأبدان * بالإضافة إلى شيئين (583) : الأوعية والقوة التي بها تدبير الأبدان. وذلك لأن المواد أو الوارد على البدن إما أن يكون خارجا عن الطبع في * كميته وإما أن يكون خارجا عن الطبع في (584) كيفيته * والأول (585) يسمى امتلاء بحسب الأوعية والثاني بحسب القوة. قال: وقصد أبقراط في هذا الموضع هذا المعنى لأنه صرح به. وهذا وإن كان حقا غير أن فيه نظر، فإن لفظة الغذاء إذا أطلقت في عرف الطب المراد بها ما لا دوائية فيه فإن الغذاء هو الذي في شأنه إذا ورد على البدن تغير إلى مشابهته وسد بدل ما تحلل من جوهره. والذي بهذه الصفة هو بالقوة PageVW1P034B شبيه بالبدن وهو عار من كل كيفية مغيرة للبدن. * ومثل (586) هذا يخص بالغذاء المحض ومثل PageVW5P075B هذا الغذاء لا يتولد عنه ماده تؤذي البدن بالكيفية البتة.
البحث الثالث
، قال جالينوس: ويحتمل هذا الفصل نوعا آخر من التفسير. فإن قوله خارج عن الطبيعة أي في كيفية غير أن مثل هذا الغذاء متى كان يسيرا لم يحدث مرضا كحال الأدوية المفسدة للبدن كاليبروح والأفيون والأفربيون. فإن أمثال هذه إذا أخد منها المقدار اليسير لم يضر البدن. أما إذا أخذ منها مقدارا متوفرا أضرت بالبدن * وغيرهته (587) . فلذلك قال كثيرا ولم يكتف بقوله خارج عن الطبيعة فإنه ليس كل خارج عن الطبيعة مضرا بالبدن ضررا محسوسا * متى لم يكن (588) خروجه كثيرا. أقول: وهذا التفسير يرد عليه ما ذكرنا في أمر الغذاء المحض.
البحث الرابع
، قال جالينوس: وقد فسر قوم هذا الفصل بنوع آخر من التفسير. وقالوا: ينبغي أن يفهم من قوله خارج عن الطبيعة أي خروجا مفرطا متفاقما فإن الغذاء إذا جاوز الاعتدال قليلا فليس يقوى على أن يحدث مرضا لكنه يدعه أن يبقى في حدود الصحة. وهذا حق فإن الغذاء الذي يحدث مرضا لا ينبغي أن يكون فضله على الاعتدال الصحي يسيرا. ثم قال: وهذا التفسير وإن كان حقا غير أن فيه حشوا زائدا على ما جرت به العادة. وذلك لأن عادة القدماء أن يقتصروا على ذكر الجنس الضار فقط فيقولون إن الحر والبرد والتخم والتعب وفساد الكيموسات وغير ذلك مما أشبهه يحدث مرضا على أنا نفهم عنهم أن كل واحد من هذه الأسباب له قدر محسوس. وهكذا يقولون أيضا في الغذاء الكثير يحدث مرضا ولا يحتاجون أن يزيدوا في القول فيقولون إذا كان كثيرا جدا.
البحث الخامس:
قوله يحدث مرضا، أقول: إن المرض هو * الحالة (589) في البدن * المضرة (590) بالأفعال بذاتها والامتلاء الحادث عن الغذاء إضراره بالفعل * بتوسط (591) . وإذا كان كذلك * فهو (592) لأن يعد سببا أولى من أن يعد مرضا. والذي نقوله في هذا الباب إن * الإمام (593) أبقراط كثيرا ما يستعمل هذا الاصطلاح فيطلق على السبب المرض كما قال فيما تقدم البقايا التي تبقى في الأمراض بعد البحران من عادتها أن تجلب عودة في المرض.
البحث السادس:
قوله كثيرا اعلم أن هذه للفظة تارة تقرأ بالرفع وتارة تقرأ بالنصب فإن قرئت بالرفع كانت صفة للغذاء ويكون تقدير الكلام متى ورد على البدن غداء كثير خارج عن الطبيعة فيكون قد جمع بين رداءة الكم والكيف وإن قرئت بالنصب كان مبينا للخروج فيجوز أن يكون منصوبا على الحال أي ورد على البدن في حال كونه كثيرا والعامل فيه ورد. وذلك أن الغذاء الخارج عن الطبيعة متى ورد على البدن قليلا لم يوجب إحداث للمرض ما كان وروده كثيرا ويجوز فيه النصب على أنه صفة مصدر محذوف كأنه يقول متى ورد على PageVW5P076A البدن غذاء خارج عن الطبيعة خروجا كثيرا فإن ذلك يحدث مرضا فإن الخارج خروجا قليلا لم يحدث ذلك. ويجوز أن يكون منصوبا * على (594) صفة مصدر ورد كأنه يقول متى ورد على البدن غذاء * خارج (595) عن الطبيعة ورودا * كثيرا (596) مرات كثيرة فإن الوارد مرة واحدة أو مرار * قليلة (597) لا يحدث مرضا. وكل هذه الوجوه صحيحة.
البحث السابع:
قوله ويدل على ذلك برؤه، قال جالينوس: لو قال ومما يدل على ذلك برؤه كان أجود. فإنه ليس البرؤ فقط يدل ذلك بل هو بعض ما يدل على ذلك فإن من أكثر من الغذاء * أو استعمل (598) من الرياضة المقدار الذي كان يستعمله ثم وجد حمرة وثقلا في بدنه * وانتفاخا (599) في عروقه * توهنا (600) أن مرضه من الاستكثار من الغذاء فإذا استفرغناه وانتفع * به (601) صح عندنا ما توهناه أولا. ثم إن ذلك يدعونا إلى التقدم على بصيرة * فيمن (602) حاله مثل حاله على الاستفراغ بمثل ما استفرغناه. ثم قال: ولعل هذا الحرف قد كان أبقراط زاده في هذا الفصل ثم وقف عليه من لم يفهمه، فظن أنه فضل فحذفه.
البحث الثامن
، قال إبن أبي صادق: ويمكن أن يكون قد عنى بذلك * أن (603) من تأذى بطعام ثم انتفع بالبرودة دل على أن تأذاه كان من الحر وبالعكس. وبه * قال (604) علاء الدين ابن النفس. قال ابن أبي صادق: ولذلك قال: ويدل على ذلك برؤه، ولم يقل: ويدل على ذلك خروجه. وهذا التأويل قد بينا فساده فإن الغذاء الموصوف بكيفية من الكيفيات الموذية للبدن بحيث أنه يوجب خروجه لم يصح وصفه بالغذائية في عرف الطب.
البحث التاسع:
الذي صح عندي أن مراده بالغذاء الخارج عن الطبيعة الخارج في الكمية فقط لما أوضحاه من لفظة الغذاء في عرف الطب. وأما قوله ويدل على ذلك يرؤه أي والذي يدل على أن الغذاء الخارج عن الطبيعة في * مقدار (605) مضر بالبدن وبرؤه بما يقابله من المداواة. وذلك إما بالاستفراغ وإما بالفصد وإما بالقيء وإما بتلطيف الغذاء وإما بالصوم. وغرض أبقراط بهذا الكلام ما ذكرناه عن جالينوس وهو أنا متى رأينا شخصا قد استعمل الغذاء المذكور وحصل له منه * ضرر (606) ثم انتفع بما ذكرناه * جعلنا (607) هذا القدر أصلا في غيره ممن حاله مثل حاله وهو أنا نستعمل في إزالة الضرر الحاضل لهذا الشخص ما استعملناه في الشخص الأول.
18
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأشياء يغذوا سريعا دفعة فخروجه أيدا يكون * سريعا (608) .
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث سبعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (609) بما قبله * وهي (610) من وجهين أحدهما أنه لما نهى * عن (611) أن يكون غذاء الجائع خارجا عن الطبيعة إما في قوامه أو في مزاجه أو في مقداره أو في * مراره (612) على اختلاف التفاسير وكان قد نهى الجائع عن التعب إلى أن * يتغذى (613) . قال: فإذا غذي وأراد الحركة أو لم يردها فالواجب أن يغذى بغذاء سريع الانهضام PageVW5P076B . وذلك لوجوه ثلاثة أحدها أن ليرطب بدنه ويزيل جفافه؛ وثانيها أن قواه ضعيفة لتحليل الجوع والحركة فلا يقدر على هضم الأغذية الغليظة بل على السريعة الإنهضام. وثالثها أنه لسرعة تغذيته وخروجه عن البدن لا يطول بقاؤه في المعدة ولا في المعاء فلا يخاف * من الحركة عليه (614) كما يخاف منها على البطيء الاستحالة إلى الغذائية لأنه يفسد في المعدة بالحركة عليه. والوجه الثاني * من (615) PageVW1P035A الأولين أنه لما تكلم في الغذاء أراد ان يذكر لنا فرقا بين الغذاء اللطيف * والغليظ (616) وهو أن اللطيف * يغذو (617) سريعا أي يتشبه بالبدن وتخلف عليه عوض ما يتحلل منه في زمان قصير. ولا شك أن ذلك يلزمه خروجه عن البدن سريعا إما بالتحليل وإما بخروج * الأثفال (618) * وإما (619) بالإدرار. فكل ما * يغذو (620) سريعا يكون خروجه سريعا لكن ينعكس لاحتمال أن يكون الوارد فيه كيفية حادة تلذع به المعاء فتدفعه ويخرج بسرعة * أو (621) فيه لزوجة يزلق بها ويخرج بسهولة من غير أن * يغذو (622) سريعا.
البحث الثاني:
الأشياء التي * تغدو (623) سريعا إما من الأغذية فمثل أمراق الفراريج * وصفار (624) البيض النيمرشت ومن الأشربة الشراب الريحاني المعتدل القوام المتسوط في القدم والحدوث ومن الفواكه الرمان الحلو المدرك ولمشمش النضيحج النضيج الشديد الحلاوة ومن الثمار البطيخ النضيج الحلو ومن البقول الخس. فإن أمثال هذه متى وردت على البدن غذته وأخلفت عليه عوض ما تحلل منه بقدرما فيها من الغذائية في زمان قصير * وتنفصل أيضا عنه في زمان قصير (625) قال جالينوس: ومما يدل على أن الشيء الذي ورد البدن قد غذاه النبض في قوته وعظمه والحركات الإرادية في قوتها وتمكنها من نقلة البدن.
البحث الثالث:
الغاذي سريعا هو الغذاء اللطيف والغذاء اللطيف هو الذي يتولد عنه دم رقيق. والكثيف مقابله. ثم اللطيف منه ما هو كثير التغذائية ومنه ما هو قليلها وكل واحد من * هذين (626) قد يكون جيد الكيموس وقد يكون رديء الكيموس. فمثال اللطيف الكثير الغذاء الحسن الكيموس صفرة البيض النيمرشت وماء اللحم والشراب الريحاني. ومثال اللطيف الكثير الغذاء الرديء الكيموس الرئة ولحم النواهض. ومثال اللطيف القليل الغذاء الحسن الكيموس الخس والرمان الحلو. ومثال اللطيف القليل الغذاء الرديء الكيموس الفجل والخردل. فهذه أقسام اللطيف وقد عرفت أنه الذي يتولد عنه دم رقيق. ولا شك أن الدم متى كان رقيقا كان تشبهه بالعضو واستيلاء القوة المغيرة عليه أمكن وأسرع مما إذا كان غليظا.
البحث الرابع
في تحقيق معنى الخروج. قال جالينوس: قال قوم: إنه أراد بالخروج الاستفراغ من البدن التبة أي التحلل حتى يكون ما قاله أبقراط في هذا الموضع هو ما قاله في كتاب الغذاء حين قال: ما كان من الغذاء سريع الاستحالة فهو سريع التحلل، وما كان بطيء الاستحالة PageVW5P077A * فهو (627) بطيء التحلل. قال جالينوس، * وهذا (628) حق، غير أن اسم الخروج ليس يطلق * على (629) المعنى في غالب الأمر في اللغة اليونانية بل على الخروج من البطن أي بالبراز. ومنهم من فهم من الخروج الخروج بالبراز وهو اختيار الفاضل جالينوس. قال ابن أبي صادق: التفسير الأول أحب إلي. واعلم أنه لا منافاة بين التفسيرين وذلك لأن الغاذي سريعا على ما عرفت منه ما هو كثير التغذية قليل الفضلات. * فمثل (630) هذا تكون الفضلات البرازية التي تفضل منه بطيئة الخروج لقلة اعتناء الطبيعة بدفعها واهتمامها بذلك. وفي مثل هذه الصورة الواجب أن يكون المراد بالخروج التحلل دون الخروج بالبراز. * ومنه ما هو (631) قليل التغذية كثير الفضلات ومثل هذا تكون فضلاته البرازية سريعة الخروج لتوفرها ولطافتها.
البحث الخامس:
قال جالينوس في شرحه لهذا الفصل: قد بينا في كتاب القوى الطبيعية أن المعدة تحظى هي أولا من الطعام أي من الكيلوس فتجذب منه أوفقه لها وتوزعه بين طباقاتها. فإذا استغنت عنه وتملأت منه دفعته عنها. قال الرازي: وفي هذا شك فإنه إن كانت المعدة تغتذي بذلك فمجيء العروق أي الأوردة إليها عبث. وكيف صارت المعدة دون سائر الأعضاء تغتذي وتنمي بغير الدم؟ قلنا الجواب عن هذا أن المعدة لها طبقة داخلة وطبقة خارجة. فالداخلة تغتذي بما تهضمه من الكيلوس والخارجة تغتدي بما * يصل (632) إليها من الدم في الأورادة. أما قوله كيف * صارت (633) المعدة دون سائر الأعضاء تغتدي وتمتي بغير الدم، نقول: كما تغتذي المرارة بالمرة والطحال بالسوداء على مذهبك * فالغاذي (634) هاهنا غير الدم. وقد حصل به الاغتذاء والنماء. وأقول إن الاغتذاء بالكيلوس أنسب من الاغتذاء بالخلطين المذكورين * لأن (635) فيه الدم وهو الغاذي بالحقيقة على المذهب الحق، وفيه البلغم وهو الغاذي عند العوز.
البحث السادس:
* في (636) الفائدة * من (637) قوله فخروجه أيضا يكون سريعا. وذلك من وجهين أحدهما ليكون علامة لتغذيته سريعا فإن الغاذي سريعا تلزمه سرعة الخروج والانفصال عن البدن. وثانيهما ليكون تأكيدا في وجوب استعماله لا سيما بعد * الجوع (638) الشديد والتعب المفرط. وذلك لأنه لسرعة خروجه وانفصاله عن البدن لا يطول * بقاء (639) فضلاته في البدن ولا تثقل أعضاؤه وتمدد مجاريه وتزعج قوته بل هي * خفيفة (640) في ذلك.
البحث السابع:
لقائل أن يقول: هذا الكلام من الإمام أبقراط فيه نظر من وجوه ثلاثة أحدها أنه * لم (641) قال ما كان من الأشياء * تغذو (642) سريعا ولم لا قال ما كان من الأغذية تغذو سريعا كما قال في كتابه في الغذاء؟ وتانيهما قوله سريعا يغني عن قوله دفعة. وثالثها أن سرعة تغذية الأغذية تختلف باختلاف الأشخاص. فرب شخص يكون غذاؤه بالنسبة إليه سريع التغذية * هو (643) بعينه بطيء التغذية بالنسبة PageVW5P077B إلى شخص آخر كلحوم الفراريج. فإنها سريعة التغذية لأبدان أصحاب الكد والتعب والمصارعين وهي بعينها بطيئة التغذية لأبدان المرضى . وحينئذ كان يجب أن يشترط في هذا الحكم البدن الواحد. والجواب عن الأول أنه لو قال الأغذية * تخرج (644) عن كلامه الأغذية الدوائية لأنك قد عرفت أن لفظة الغذاء لا تطلق في العرف الطبي إلا على الغذاء الخالي من قوة دوائية. أما إذا قال الأشياء اندرج فيه الأغذية الدوائية كالبقول PageVW1P035B والفواكه. فلذلك أطلق القول هاهنا ليكون كلامه عاما لنوعي الأغذية. والجواب عن الثاني أن معنى السرعة هاهنا استحالة الغذاء إلى العضو في زمان قصير. أما معنى الدفعة فهو الحصول في الآن. وذلك من باب الكون والفساد، والتغذية كذلك. فإن انقلاب الغذاء عضوا يكون دفعة سواء كان الغذاء سريع الاستحالة أو بطيؤها. فالحاصل أن الانقلاب * غير (645) الاستحالة وذلك لأن الاستحالة معدة للانقلاب ويمكن أن يقال إن معنى الدفعة هاهنا المبالغة في قصر زمان الاستحالة. والجواب عن الثالث أن حكم * الإمام أبقراط هاهنا بسرعة التغذية بالنظر إلى طبيعة الغاذي لا إلى طبيعة المغتذي. فكأنه قال: ما كان من الأشياء في طبعه يغذو (646) سريعا فخروجه يكون عن البدن سريعا. أو يقال أن حكم أبقراط * هاهنا (647) صحيح وذلك أنا لا نطلق حكما في الأحكام الطبية إلا بالنظر إلى ما لا يختلف هذا الحكم بالقياس إليه وإلا * لما صح (648) في الطب حكم كلى إلا نادرا. والذي لا يختلف هذا الحكم بالقياس إليه هو البدن المعتدل. ولو أخذنا بالقياس إلى غيره لما وقف عند حد لاختلافه بالقياس إلى الأشخاص المختلفة الغير * المتناهية (649) .
19
[aphorism]
قال أبقراط: إن التقدم بالقضية فى الأمراض الحادة بالموت كانت أو بالبرؤ ليست تكون على غاية الثقة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول:
في صلة هذا * الفصل (650) بما قبله * وهي (651) أنه لما ذكر في بعض الفصول المتقدمة شيئا من أحكام الصحة وهو أنه لا ينبغي أن يجمع بين الحركة والجوع ولا يعطي الإنسان غذاء كثيرا وأن ملء البدن من الشراب أسهل على قوته من ملئه من الطعام وغير ذلك أخذ في هذا الفصل يتكلم في شيء من أحكام المرض. وقدم أحكام الصحة على أحكام المرض لأن الصحة أشرف من المرض وتقديم الأشرف على الأخس واجب. وإنما قلنا الصحة أشرف من المرض لوجهين أحدهما أن الصحة تتم بالاعتدال والمرض بالخروج عنه والاعتدال أشرف من مقابله. الثاني ان بوجود الصحة يمكننا أن تحصل السعادة الآجلة والعاجلة والمرض مانع في ذلك، وما هو معين على تحصيل السعادتين المذكورتين أشرف مما هو مانع في ذلك. وذكر حكما من أحكام الأمراض الحادة لأنها أكثر وجودا وأشد خطرا. أما الأول فاسقراء أحوال الوجود يدل عليه فإن أكثر أمراض الناس حميات صفراوية ودموية. وأما الثاني فلان موادها خروجها عن الاعتدال في الكيفية وذلك مضر بالقوة. ولذلك لما حدها جالينوس قال إنها القصيرة المدة الشديدة PageVW5P078A الخطر.
البحث الثاني:
قال جالينوس في شرحه لهذا الفصل: المرض الحاد هو ما له مع سرعة انقضائه عظم وحمى يوم. وإن كانت سريعة الانقضاء فليست تسمى مرضا حادا. وعلى هذا تكون قسمة الأمراض ثلاثة: حادة ومزمنة وليست بحادة ولا مزمنة، كحمى يوم. قال: ثم أن الحادة على نوعين إما إن تكون موادها مستقرة متحيزة في موضع معين كذات الجنب وذات الرئة والذبحة. وإما إن لا يكون كذلك كالحميات الخالية من الأورام. وحمى المرض الحاد مطبقة دائمة على الأكثر فإن القليل من الأمراض الحادة يكون * من (652) غير حمى كالسكتة والفالج. فقد جعل الفالج من الأمراض الحادة وليس بصحيح. وذلك * أنه (653) اشترط في المرض الحاد الشدة وقصر المدة وحال الفالج ليس كذلك. فإن قيل أن مراده هاهنا بالفالج الكائن عن مواد حادة أو عن ورم، فنقول: مثل هذا النوع من الفالج لا * يخلو (654) عن حمى * وقد (655) قال إن القليل منها أي من الأمراض الحادة لا تكون معه حمى كالفالج. والذي أقوله في هذا الباب إن الفالج له اعتبار أن أحدهما بالنسبة إلى حدوثه، * وثانيهما (656) بالنسبة إلى زواله وبرئه. فإن نظرنا إليه * من جهة الاعتبار (657) الأول كان مرضا حادا لأن حصوله * قليل أي حصوله (658) * قصير (659) وهو شديد الخطر لتمكنه من الجانب المستولي عليه. وإن نظرنا إليه * من جهة الاعتبار (660) الثاني كان مرضا مزمنا لتطاول مدة علاجه وعسر زواله ولأنه ليس فيه خطر بالنسبة إلى جملة البدن من حيث هو فالج. وأما جعله السكتة من الأمراض الحادة فهو صحيح لأنها قصيرة المدة وفيها شدة.
البحث الثالث
في بيان * ضعف (661) الحكم المذكور في الأمراض الحادة. وذلك لأن مواد الأمراض الحادة أكثر حركة وانتقلا من مواد الأمراض المزمنة ولا شك أن كل مادة * يختلف (662) إيجابها للأعراض بحسب مواضعها فإنها عندما تكون في المعدة تحدث غثيانا * وكربا (663) * وقيئا وفواقا (664) وربما أوجبت غشيا. فإذا انصبت إلى المعاء حصل منها مغص وغير ذلك من الأعراض الخاصة بهذا العضو. وعندما تنصب إلى الكلى تحدث منها أعراض أخر. فإذا انحدرت إلى المثانة حصل منها أعراض أخر. فإذا دلت علامة من المرض الحاد على حاله أي على الموت أو على البرؤ جاز أن يقع مقابلها عند انتقال المادة فيقع مقابل مقتضى تلك العلامة. وحينئذ لا * تثق بشيء (665) من العلامات التي في الأمراض الحادة بخلاف مواد الأمراض المزمنة، فإن حركة موادها بطيئة وقليلة لأنها باردة غليظة فيكون استقرارها وسكونها في العضو المنصبة إليه أكثر وأدوم فيكون الحكم المأخوذ من دلائل تلك أوثق وأجزم. قال الرازي: هذا الكلام فيه نظر وهو أن لكل مادة علامة مخصوصة. ولكل عضو أعراض مخصوصة. فإذا حلت المادة في عضو من الأعضاء ضبطنا علامتي المادة والعضو وحكمنا * بالموت أو بالبرؤ (666) في المرض وكان حكما صحيحا. أقول: هذا، وإن كان حقا، غير أن زمان حلول المادة * في العضو (667) لقصره لا * يمكننا (668) أن نضبظ * فيه (669) جميع العلامات الخاصة بالعضو وبالمادة PageVW5P078B * حتى يحكم بها على الموت أو على البرؤ. وكل ذلك بحركة المادة (670) وانتقالها من عضو إلى عضو. ولهذا قال: في غاية الثقة، أي في غاية البعد عن الزلل والخطأ. وإلا فقد يحكم في الأمراض الحادة بأحكام دالة على * البرؤ (671) PageVW1P036A أو على * الموت (672) . * وفي (673) بعض الأوقات قد لا يصح ذلك الحكم ويخطئ الطبيب الحاذق في التقدم بذلك. وقدم أبقراط ذكر الموت على ذكر البرؤ فيما ادعاه في الأمراض. وذلك لأن مواد الأمراض الحادة ضررها بالقوة أشد من ضررها بالأوعية لخروجها في الكيفية فكون إمكان وقوع الموت عنها أكثر من وقوع البروء * فلذلك قدمه (674) .
البحث الرابع:
قال ابن أبي صادق: ويشبه أن تكون العلة في ذلك أن الذي يبلغه علمنا بالعلامات ويظهر لنا ليس هو المقدار الذي لا يخطئ فيه لأنه ليس ضروريا لازما بحالة واحدة كالحال في الكسوفين بل هو حدس وتخمين وتقريب علمي. ولذلك فهو داخل في الممكن الأكثري. والممكن الأكثري ينقلب على البدل في الأقل وفي النادر فإن إمكان الإنسان ذا خمس أصابع في الأكثر ينقلب على إمكانه ذا ست أصابع أو أربع وإلى هذا المعنى أشار الفاضل جالينوس في كتابه في البحران قائلا بأن العلامات الدالة على السلامة والعطب ليست تدل دائما دلالة واحدة فبالأحرى * أن (675) الحكم فيها بالبرؤ أو بالموت لا يكون في غاية الثقة. وهذا الكلام قريب مما ذكرناه.
20
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بطنه في شبابه لينا فإنه إذا شاخ يبس بطنه. ومن كان في شبابه يابس البطن فإنه إذا شاخ لان بطنه.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (676) بما قبله * وهي (677) أنه لما ذكر أن الحكم في الأمراض الحادة بالموت أو بالبرؤ ليس يكون على غاية الثقة فهم منه أن ذلك في الأمراض المزمنة أكثر ثقة منه لما ذكرنا. ويلزم * من (678) ذلك أن تكون الأحكام والعلامات المأخوذة في حال الصحة أقوى وأوثق لعدم المقلقل * والمضعف (679) لذلك وهي المادة المرضية. وذلك * كحكمنا (680) على من كان لين البطن أي من كان رقيق البراز في السن الشباب * فبطنه (681) يجف في سن الشيوخة أي برازه يجف. ومن كان بالعكس فبالعكس. وذلك * بشرط (682) وسنذكره.
البحث الثاني:
رقة البراز وجفافه قد يكون للانتقال في السن وقد يكون لاستعمال * التدابير الموجبة (683) لذلك. ومراد أبقراط الأول لا الثاني بدليل أن الإنسان إذا تدبر في وقت شبابه بتدبير أهل الإسكندرية على ما ذكره جالينوس وهو أنه يقدم عله طعامه السمك المالح والكراث وشرب الفقاع فإن بطنه يلين ثم ترك في السن الشيوخة هذا التدبير واستعمل العدس وما أشبهه من القوابض من الأغذية والأشربة فإن بطنه يجف وعلى البدل من هذا يجف البطن في زمان الشباب ويلين في وقت الشيخوخة. ففي مثل هذه الصورة لم يقل إن اختلاف حال البراز في رقته وجفافه لأجل الانتقال في السن بل لأجل التدبير. أما متى كان التدبير واحدا فإن هذا الحكم يصح.
البحث PageVW5P079A الثالث:
متى كان المنحدر إلى المعاء أكثر من النافذ إلى الكبد كان البراز رقيقا كثيرا ومتى كان بالعكس فبالعكس. والأول له أسباب، إما أن يكون الغذاء المستعمل كثيرا وذلك لقوة شهوة الغذاء فيكون المنحدر منه إلى جهة المعاء أكثر من المنحدر منه إلى جهة الكبد؛ وإما لسرعة انحداره وخروجه فيفوت الكبد جذب ما هو محتاج إليه فيكون الوارد إلى الكبد منه أقل من المنحدر منه إلى المعاء فيلين البطن. وذلك إما لكثرة ما ينصب من * المرارة (684) إلى المعاء وإما لضعف * القوة الماسكة لمعاء (685) .
البحث الرابع
في تحقيق الحكم الأول وهو * أنه (686) من كان بطنه في شبابه لينا فإنه إذا شاخ يبس بطنه. قال الأطباء: وهذا يكون من أمور ثلاثة أحدها أن يكون فم المعدة في زمان الشبيبة باردا فتكون الشهوة قوية فيكثر المتناول من الغذاء فيكون المنحدر * إلى المعاء من الغذاء (687) أكثر من المنجذب منه إلى الكبد فيلين البطن. فإذا حصل الانتقال إلى سن الشيخوخة قوي البرد تفاقم وآل الحال إلى ذهاب الشهوة أو نقصانها * عن (688) ما كانت، فيجف البراز لقلة ما يتناول بالقياس إلى ما ينفذ إلى الكبد. فيكون المنحدر منه إلى جهة المعاء أقل من المنجذب منه إلى جهة الكبد فيجف البطن. وثانيها كثرة ما ينصب من * المرارة (689) إلى المعاء فيهيجها على دفع ما انحدر إليها قبل أن يجذب الكبد ما هي محتاجة إليه فيلين البطن. فإذا حصل الانتقال إلى سن الشيخوخة قلت الصفراء فيقل المنصب منها إلى المعاء فيلبث الغذاء فيها * ريثما (690) تجذب الكبد منه ما هي محتاجة إليه فيجف البطن. وثالثها أن * تكون (691) القوة الماسكة التي في المعاء والمعدة * ضعيفتين (692) لأن الرطوبة في * هذه (693) السن أكثر مما هي في سن الشيخوخة فيسرع انحدار الغذاء عنهما فيفوت الكبد جذب ما هي محتاجة إلى جذبه فيلين البطن. فإذا حصل الانتقال في السن قويت اليبوسة فقويت الماسكة وحينئذ * تمسك (694) الغذاء ريثما تجذب الكبد ما هي محتاجة إليه. ولقائل أن يقول: هذه الوجوه الثلاثة فيها نظر أما الأول فقال الرازي: بمقدار ما يبرد فم المعدة تبرد الكبد فيقل جذبها فتكون الحال محفوظة. وأما الثاني فيقول البدن إذا كان تولد المرار فيه بهذه الكثرة فإنه يكون عليلا. وذلك لأن كثرة المرار تكون لحرارة الكبد ويبسها * بحيث (695) أنها يحيل أكثر ما يرد إليها من الغذاء إلى المرة حتى يكون المندفع منها إلى المعاء مقدارا متوفرا ويوجب خروج ما هو يحتبس في تجويفها في غير وقته حتى يرق البراز. ثم إذا انتقل صاحب هذا المزاج إلى سن الشيخوخة انكسر حر كبده وبمقدار الانكسار يكون تولد الصفراء فتكون الصفراء المتولدة في سن الشيخوخة كافية في إيجاب الرقة بحسب السن. وتكون الحال محفوظة. وأما * الثالث (696) فيقول: الرطوبة المضعفة للقوة الماسكة الرطوبة الغريبة لا الطبيعية. فإن هذه لا تضعف * هذه القوة ضعفا يخرج PageVW5P079B به فعلها عن الاعتدال حتى يلين البطن. وتأمل ذلك في الصبيان وما هم عليه من كثرة الرطوبة (697) . ولا يجوز إطلاق الحكم عليهم * فمثل ذلك إذا (698) كانت الرطوبة الموجبة لضعف الماسكة في سن الشباب رطوبة PageVW1P036B غريبة لا طبيعية. ولا شك أن سن الشيخوصة تكثر فيها هذه الرطوبة. فيجب أن تكون الماسكة فيهم أضعف وأوهن فيدوم لين البطن. واعلم أنا نحتاج أن نقدم مقدمته قبل الخوض في ذكر الأجوبة عن هذه الاعتراضات وهي أن أحكام الطب أكثرية فالحكم المذكور في الأسنان المذكورة حكم أكثري. وأبقراط نفسه قد أشار إلى ذلك فإنه قال في آخر هذه المقالة من كان بطنه في شبابه لينا فإنه يجف إذا شاخ على الأمر الأكثر. * إذا (699) عرفت هذا فنقول: الجواب عن الأول: الأعضاء كلها تبرد في سن الشيخوخة وتجف. فإذا كانت المعدة باردة في سن الشباب أي أنها أبرد من الكبد وحصل الانتقال إلى سن الشيخوخة بردت الأعضاء كلها على مثال واحد فيفرط برد المعدة وتسقط الشهوة لفرط * سوء المزاج (700) ومزاج الكبد يتناقص عما كان تناقصا يسيرا ويلزم من ذلك تناقص * حذبها (701) ، غير أنه ما ضعف أو بطل لحال شهوة المعدة فجذبها للغذاء * باق (702) فيكون المنحدر عن المعدة إلى المعاء معظمه يتجه نحو الكبد وأقله نحو المعاء. ولا شك أن * ذلك (703) موجب لجفاف البطن. والجواب عن الثاني نقول: * نحن (704) إذا قلنا الكبد حارة فحكمنا عليها بذلك بالإضافة إلى المزاج المعتدل الخاص بنوع الإنسان. ثم هذا تارة يكون خروجه عن * المزاج المذكور (705) ظاهرا محسوسا أي مضرا بالفعل، وتارة لا يكون كذلك. وفي * كلي (706) الصورتين يكون توليد الكبد الموصوفة بأحد المزاجين المذكورين أكثر من توليد الكبد الموصوفة بالمزاج الأول * أي (707) المعتدل المذكور * للمرة (708) الصفراء. والبدن الذي ذكره الخضم مزاج كبده من القبيل الأول أي المحسوس. ولذلك صار ضرر الفعل فيه ظاهرا للحس. والبدن الذي كلامنا فيه مزاج كبده من القبيل الثاني وهو غير الأول. وإذا كان كذلك لم يرد ما أورده * المعترض (709) فإن هذا المزاج إذا انكسر ونقص صار المزاج الثاني أو المعتدل المذكور. والأول هو الأكثر وقوعا، وقد علمت أن قوانين الطب أكثرية. وإذا كان كذلك فهذا المزاج الثاني إذا انكسر ونقص انتقل إما إلى الاعتدال المذكور أو إلى ما هو دونه في الحرارة. والثاني هو الأكثر لأن الاعتدال المذكور قليل الوقوع. وعلى * كلي (710) التقديرين يقل توليد الصفراء عما كان أولا. ومتى حصل ذلك * جف (711) البطن بعد أن كان لينا. والجواب عن الثالث أن الكيفيات المعينة للقوى في أفعالها الكيفيات الطبيعية لا الغريبة على ما * أوضحنا (712) في كتبنا المبسوطة. لكن الماسكة حاجتها إلى حر ضعيف ويبس ظاهر لا إلى الرطوبة لأن الرطوبة مرخية لآلة القوة المذكورة سواء كانت غريزية أو غربية، لكن ضرر الغريبة أبلغ وأظهر * للحس (713) . * فإذا (714) كان كذلك فنقول: الرطوبة الأصلية * موجبة (715) لضعف القوة الماسكة. ولذلك صارت PageVW5P080A بطون الصبيان تستطلق من أدني سبب مثقل لها. والشباب لا شك أنهم أقرب عهدا بالصبيان من المشايخ فتكون الرطوبة في أبدانهما أكثر مما هي في أبدان المشايخ فتكون الماسكة فيهم أضعف. وذلك موجب للين البطن في سن الشباب ويبسه في المشايخ.
البحث الخامس
في تحقيق الحكم الثاني وهو قوله * ومن (716) * كان (717) في شبابه يابس البطن فإنه إذا شاخ لان بطنه، قال الأطباء: وذلك لأمور ثلاثة أحدها إذا كانت المعدة حارة فتضعف الشهوة فيكون الوارد من الطعام على المعدة قليلا فيكون النافذ إلى الكبد أكثر من المنحدر إلى المعاء فيجف البطن. فإذا حصل الانتقال بردت المعدة بعض البرد فتقوى الشهوة ويصير المتناول من الطعام أكثر مما يحتمل فيلين البطن. وثانيها أن * يكون (718) مزاج الكبد مائلا إلى الحرارة قليلا فيشتد جذبها * لصفو (719) الكيلوس فيجف البطن. فإذا حصل الانتقال انكسر حرها فيقل جذبها وتنشيفها * لصفو (720) الكيلوس فيلين البطن. وثالثها، قال جالينوس: * في سن الشباب (721) تكون القوة الماسكة التي في المعدة قوية لميل المزاج إلى اليبس فتمسك الغذاء زمانا طويلا فتجذب الكبد بعض صفوه وتنشف الحرارة البعض الآخر فيجف البطن. فإذا حصل الانتقال ضعفت القوة الماسكة فيلين البطن. ولقائل أن يقول: هذه الوجوه الثلاثة فيها نظر. أما الأول فنقول: حرارة المعدة إما أن تكون طبيعية أو عرضية. والثاني ساقط عن محل النظر إذ هو * عرضي (722) وليس الكلام فيه. والأول لا ينبغي أن يقال بإضعافه * للشهوة (723) بحيث تقل * بسببه (724) تناول الغذاء عما يحتاج إليه البدن. وذلك من وجهين أحدهما أن الحرارة الغريزية إذا كانت قوية قويت بها القوى وجادت * بها (725) الأفعال فتقوى الشهوة. وعند ذلك لم تقصر عن حاجة البدن من الغذاء. ومتى كان الأمر كذلك بقي البراز على حاله في الرقة والغلظ. * وثانيهما (726) أن توفر هذه الحرارة لا * يخلو (727) إما أن تكون * خاصا (728) بالمعدة أو عاما لها ولجملة البدن. فإن كان الأول فمثل هذه الحرارة تكون الهاضمة معها قوية وافرة الفعل. ومتى كانت كذلك كان الهضم أتم وأسرع وعند ذلك يكون زمان فعل الماسكة قصيرا جدا، * ولأن (729) فعل الممسكة لأجل الهضم فعندما ينتهي فعل الهاضمة ينتهي فعل الممسكة * فتنحلا (730) عن مسك ما في المعدة فينحدر إلى أسفل. وعند ذلك تحتاج المعدة إلى وارد آخر لقوة حرارتها * ولاضطراب (731) الخلاء. ومتى كان إيراد المعدة أكثر من حاجة البدن كثرت الفضلة البرازية لأن الغرض أن الحاجة للمعدة خاصة وكثرة الفضلة من مقتضيات رقتها. وإن كان الثاني أي أن تكون الحرارة عامة فقد علمت أن * أحد (732) أسباب التحلل الحرارة الغريزية، * فكلما (733) كانت أقوى كان * التحلل (734) أوفر. وكلما كان التحلل أوفر كان التقاضي إلى تناول الغذاء أكثر لأن PageVW5P080B الحاجة إلى تناول الغذاء إما لإخلاف عوض المتحلل وإما للزيادة في النمو. وكلما كان التقاضي إلى تناول الغذاء * أوفر (735) كان الوارد أوفر وأكثر. ولا شك أن ذلك تلزمنه قوة الشهوة وعند هذا نقول كيف PageVW1P037A يتصور أن تكون زيادة الحرارة الغريزية موجبة لضعف الشهوة * هذا (736) وهي * كدخذانية (737) البدن الإنساني. وأما الوجه الثاني فهو حق ليس فيه شيء. وأما الوجه الثالث فنقول: قوة ماسكة المعدة لا توجب يبس البراز إلا بطريق * العرض (738) . وذلك من جهة طول زمان فعل الهاضمة فيه فتتحلل رطوبته لأجل ذلك. أو نقول: الهاضمة التي في المعدة إما أن تكون * مع ذلك (739) قوية أو ضعيفة. فإن كانت قوية فلا ينبغي أن يطول الإمساك في المعدة لأن فعل الممسكة لأجل الهضم، فإذا تم الهضم فتم الإمساك وانتهى * إلا (740) أن تخرج الممسكة عن الحالة الطبيعية في طول الإمساك وقصره. وحينئيذ يؤدي ذلك إلى ضعف الهاضمة لأن ذلك يكون إما بسبب برد مفرط أو رطوبة مفرطة. وكيف كان، فلا بد أن يتعدي ذلك إلى ضعف الهاضمة. واعلم أنه لم يحضرني جواب عن ذلك.
21
[aphorism]
قال أبقراط: شرب الشراب يشفي من الجوع.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (741) بما قبله * وهي (742) أنه لما تكلم في لين البطن وجفافه ذكر الشهوة الكلبية * لأنها (743) من موجبات لين البطن وأن صاحبها يتناول من الغذاء أكثر مما يحتاج إليه البدن.
البحث الثاني
قال جالينوس: مراده * بالشراب هاهنا (744) النبيذ . وقال في شرح الفصل الذي يقول فيه لأن يملأ البدن من الشراب خير من أن يملأه من الطعام ليس مراده هاهنا بالشراب الشراب مطلقا. بل مراده * به (745) الأشياء الرطبة. ولا شك أن هذا ينقاقض الأول فإنه إذا قال لا ينبغي أن يفهم من هذه اللفظة في هذا الكتاب الشراب المطلق ثم يحملها في الكتاب نفسه عليه فقد تناقض كلامه. أما لو جعل بدل قوله في هذا الكتاب في هذا الفصل لارتفع التناقض. وأظنها كانت هكذا وإنما السهو وقع من الناقل الأول.
البحث الثالث
الجوع على نوعين: صادق وكاذب. فالصادق هو الكائن عن عوز الغذاء ومثل هذا النوع يضره استعمال الشراب على ما * أوضحناه (746) فيما قبل. والكاذب هو المشهور عند الأطباء بالكلبي. ومثل هذا النوع هو المنتفع بالشراب على ما * بان (747) سنبينه.
البحث الرابع
قال جالينوس في شرحه لهذا الفصل: مراده هاهنا بالجوع الجوع الكلبي. قال: وأما من ظن أن أبقراط عنى في هذا الموضع بالجوع بوليموس فقد بعد جدا عن فهم ما أراده أبقراط من وجوه أحدها أنه جعل مكان * عام (748) * كلي (749) شيئا جزئيا خاصا. ووجه آخر أنه كذب في ذلك. وذلك * أن (750) بوليموس إنما هو سقوط الشهوة من البرد العارض من خارج وأوله يكون جوعا ثم PageVW5P081A إذا * استكمل (751) بطل الجوع. أقول: إن الجوع وإن كان عاما وبوليموس جوعا خاصا جزئيا فكذلك لشهوة الكلبية جوع خاص جزئي بالقياس إلى الجوع * العامي (752) المقول عليهما. فإن كان من حمل كلام أبقراط على بوليموس بعد عن فهم كلام أبقراط فقد بعد * أيضا (753) عن فهم مراده * من (754) حمل كلامه على الشهوة الكلبية لأنها أخص من الجوع * العامي (755) . وقوله أيضا أن بوليموس إنما هو سقوط * القوة (756) من البرد وأوله جوع، * فنقول (757) : سقوط القوة إنما كان تبعا لذلك الجوع الأول عندما أفرط. وذلك أنه لما عدم البدن الغذاء وأفرط تحليل القوى والأرواح التي فيه أدى ذلك إلى سقوط القوة فهو إذن في الحقيقة جوع. والحق عندي حمل كلام * الإمام (758) أبقراط على الأمر * العامي (759) . وذلك لأن الشراب * ينفع (760) بوليموس نفعا بالغا وكذلك الشهوة الكلبية. أما الأول فهو أن العلة المذكورة يعدم البدن فيها الغذاء حتى تصير الأعضاء في غاية الفاقة والحاجة إلى الغذاء ويعرض من ذلك تبعا لانحلال قوى البدن وأرواحه الغشي. وحيث كان أمر هذه العلة هكذا فليس من الأغذية الدوائية ما يبلغ في * شفاء هذه (761) مبلغ الشراب في سرعة نفوذه واستحالته إلى جوهر الروح وإخلافه بدل المتحلل منه وإنعاشه للحرارة الغريزية وإسخانه للمعدة وتفريحه وتقويته للقلب * ولباقي (762) الأعضاء الرئيسة وتنفيذه ما يخالطه ويستعمل * معه (763) من الغذاء وزيادته في جوهر الدم. وأما * الثاني (764) فستعرف * أن (765) السبب الأكثري لهذه العلة إما برد ويبس يستوليان على المعدة وإما خلط سوداوي متوفر المقدار قد تشرب خمل المعدة، وأيها كان فالشراب أوفق الأشياء له لأنه جمع بين التسخين اللطيف والعطرية التي تناسب فم المعدة والأعضاء الرئيسة وغير ذلك من المنافع المذكورة وقد عرفتها، غير أنه قد عرفت أن الشراب ينقسم من جهة طعمه إلى حلو ومر وقابض ومن جهة قوامه إلى لطيف وكدر ومعتدل. ومن جهة رائحته إلى ما له رائحة عطرية وإلى ما ليس له ذلك ومن جهة زمانه إلى القديم والحديث. فمراده هاهنا بالشراب الحلو العطر الرائحة الرقيق القوام الذي ليس بقديم ولا بحديث لأن القديم في حكم الدواء * على ما عرفت (766) والحديث مؤذ موقع في أمراض * مخطرة (767) .
البحث الخامس
في تحقيق القول في الشهوة الكلبية وبوليموس. أما الشهوة الكلبية فسميت بهذا الاسم * لأنها (768) يعرض فيها الاحتياج إلى تناول الغذاء كما هو عليه حال الكلاب. وذلك إما لاستفراغات مفرطة تعرض للبدن فيحتاج إلى رد * عوض (769) ما ذهب منه، وإما لضعف الماسكة التي في المعاء فتتخلى عن مسك الكيلوس قبل أن تجذب الكبد * منه (770) ما هي * محتاجة (771) إليه، وإما لنوازل تنحدر من الدماغ ويحدر الغذاء من المعاء قبل أن تجذب الكبد حاجتها منه، وإما لديدان متولدة في المعاء فتلتقم ما ينحدر من العدة إلى المعاء PageVW5P081B من الكيلوس من غير أن ينفذ منه مقدار الحاجة إلى الكبد. وفي الحقيقة لا يسمى الجوع الحاصل عن هذه الأسباب جميعها جوعا كلبيا لأن فيه الأعضاء محتاجة إلى تناول الغذاء بل ما كان خاصا بالمعدة. وذلك إما لخلط حامض متشرب في خمل المعدة * وهو (772) إما بلغم أو سوداء وإما سوء مزاج بارد يابس. وقد وقد * علمت (773) كيفية إيجاب هذه الشهوة المذكورة * لتناول الغذاء (774) حيث ذكرنا * شرح (775) قوله: لا الشبع ولا الجوع ولا غيرهما من جميع الأشياء بمحمود إذا كان مجاوزا للمقدار الطبيعي. وأما بوليموس وهو الجوع البقرى وفيه تحتاج الأعضاء مع استغناء PageVW1P037B المعدة. وذلك لأخلاط مغيثة ناشبة في خمل المعدة فتضعف الشهوة أو تسقطها مع وجود الأسباب المذكورة المحللة لما في الأعضاء. ومتى علمت الأسباب الموجبة لهذين الجوعين علمت أن الشراب نافع منهما. وذلك بسبب ما ذكرناه. وقد تحققته.
22
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأمراض يحدث من الامتلاء فشفاؤه يكون بالاستفراغ. وما كان منها يحدث من الاستفراغ فشفاؤه يكون بالامتلاء. وشفاء سائر الأمراض يكون بالمضادة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث سبعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (776) بما قبله * وهو (777) أنه لما ذكر أن علاج الشهوة الكلبية بالشراب وقد بينا أن حودوثها في الأكثر عن البرد واليبس أو عن مادة باردة يابسة والشراب الغالب عليه الحرارة والرطوبة فيفهم منه أن علاج المرض بالضد. ولما كان كذلك صرح به في هذا الفصل .
البحث الثاني:
الامتلاء والاستفراغ تارة يكونان قد أحدثا * مرضا (778) وتارة يريد أن يحدثا مرضا. فإن كان الأول فتدبيرهما بالمداواة المحضة، وإن كان الثاني فتدبيرهما مركب من أمرين: أحدهما المداواة والثاني التقديم بالحفظ. فحكمه هذا إنما يصح في النوع الأول لا * في (779) الثاني.
البحث الثالث:
قوله: ما كان من الأمراض يحدث من الامتلاء فشفاؤه يكون بالاستفراغ وبالعكس. وذلك لأن القصد من المداواة إزالة السبب المحدث للمرض. ولا شك أن عدم السبب سبب لعدم المرض. فلذلك كان الامتلاء يبرأ بالاستفراغ وبالعكس. ومراده هاهنا بالاستفراغ تخفيف المادة سواء كانت بالإسهال أو بالفصد أو بالتعريق أو بالإدرار أو بترك الطعام أو * بغير (780) ذلك من أنواع الاستفراغات. فإن قيل: إن لنا من الأمراض الاستفراغية ما يداوى بالاستفراغ كالهيضة فإن فيها قيئا وإسهالا * مفرطين (781) . ومع هذا * نداويها (782) بالقيء. * وكذلك (783) والزحير الكاذب فيه إسهال ومع هذا نعالجه بالإسهال بالملينات. قلنا: الجواب عن هذا أن غرضنا باستعمال القيء في مداواة الهيضة قلع السبب الموجب للغثيان والقيء وهي المادة الفاسدة الملتصقة بخمل المعدة. ولا شك أن هذا متى زالت سكن القيء وخفت الأعراض. وأما استعمال الملينات في الزحير الكاذب فهو لأجل إخراج الأثفال PageVW5P082A المتحجرة المحتبسة في تلافيف المعاء الموجبة للزحير. فإن مثل هذه متى خرجت سكن الزحير المذكور.
البحث الرابع:
قوله: وشفاء سائر الأمراض يكون بالمضادة. وللأطباء قاعدتان * مقررتان (784) * أحداهما (785) أن حفظ الصحة بالمثل. وثانيهما مداوة المرض بالضد. وقد صرح أبقراط بالثانية وفيه إشارة إلى الأولى. ولنقررها نحن في * هذا (786) الموضع غاية التقرير. فنقول: الصحة والمرض وإن كانا صورتين للبدن غير أن الصحة صورة طبيعية مقصودة البقاء لذاتها. ولذلك وجب أن تحفظ. وحفظ الشيء إنما يتم بالمثل إذ الشبيه لا يغير شبيهه. وإلا، لزم أن * الشيء (787) يغير نفسه وذلك محال. وأما المرض فإنه صورة غير طبيعية ومقصود إليه لا لذاته بل ليزول. ولذلك وجب أن ينفي ونفي الشيء إنما يكون بأن يورد عليه ما يضاده. فلذلك كان حفظ الصحة بالشبيه ومداواة المرض بالضد. اعترض بعضهم على هاتين القاعدتين، فقال: لا نسلم أن حفظ الصحة بالشبيه ولا مداواة المرض بالضد. أما الأول فإن المحرور والبرود لو استعمل كل واحد منهما ما يناسب مزاجه من الأغذية وغيرها لاحترق المحرور وجمد المبرود. وأما الثاني فإن لنا من الأمراض ما يداوي بالشبيه. * ومثل (788) الحمى البلغمية فإنا نستعمل فيها المسخنات كالرازيانج وغيره، والحمى الصفراوية نستعمل فيها السقومينا، ومثل القولنج البلغمي فإنا نستعمل فيه المخدرات وهي باردة، والتمدد نستعمل فيه صب الماء البارد على ظاهر البدن * بحسب (789) ما * أمر (790) به الإمام أبقراط في هذا الكتاب. أجاب ابن أبي صادق عن الأول بجواب، وحاصله أن معنى قولنا: إن الصحة تحفظ بالشبيه إذا كان الشبيه بالفعل فإن الغذاء متى صار كذلك قيل له غذاء بالحقيقة. أما متى كان في الخارج أو في المعدة أو في الكبد أو في العروق فلا يقال له غذاء إلا بطريق المجاز ثم أنه لا يصير إلى ما ذكرنا إلا وينخلع عن ما له من الكفيفيات شيئا فشيئا، وحينئذ يصير شبيها به من جميع الوجوه. ومع هذا * اختار (791) استعمال الغذاء المبرد في المحرور والحار في المبرود. وعند هذا نقول له: فعلى هذا لا فرق بين الغذاء الحار والغذاء البارد عند المحرور والمبرود. فإن قال الغذاء البارد في المحرور مع ما أنه يخلف عليه عوض المتحلل يعدل مزاجه بما فيه من المضادة ويمنعه من الانحراف. فنقول له: فعلى هذا لا يكون حفظ الصحة بالشبيه مطلقا بل ومع نوع من المضادة وحينئذ لا فرق بين حفظ الصحة ومداواة المرض. والذي * نقوله نحن (792) في * هذا (793) الجواب عن الاعتراض المذكور هو أن الصحة على نوعين: صحة متوهمة في الذهن وصحة موجودة في الخارج. فالصحة المتوهمة * هي (794) أن تكون أمزجة الأعضاء المتشابهة الأجزاء على غاية ما يجب من الاعتدال وهيآت الأعضاء الآلية ومقاديرها وعددها ووضعها على أتم وجه وأكمله والقوى فاعلة لأفعالها على أتم أحسن وجه * وأبلغه (795) . ومثل هذا النوع من الصحة لا يوجد في الخارج لإحاطة الأسباب المغيرة بالبدن * الحامل (796) PageVW5P082B لذلك وتأثيرها فيه. وهذه الصحة التي يقاس * غيرها عليها (797) ويجعلها الأطباء دستورا لما عداها. ثم الموجودة على نوعين: قريبة من هذه وبعيدة عنها. فالقريبة هي التي تسمى أفضل الهيآت والصحة المعتدلة والبعيدة مثل صحة المحرور والمبرود والصبي والشيخ والناقه. فالصحة لها غرض بتردد فيه * وكلما (798) كان * منها أقرب (799) إلى الصحة المتوهمة فهو أفضل، وكلما كان أبعد فهو دون * ذلك (800) في الفضيلة، وما توسط فهو متوسط. * إذا (801) عرفت هذا فنقول: لا شك أن القريبة من * الصحة (802) المتوهمة تحفظ بالمثل. وأما صحة المحرور والمبرود وغير ذلك، فإن PageVW1P038A كل واحد منهما إذا أعطى من الأغذية ما هي * مساو (803) لها في درجة مزاجها حفظها ولم يغيرها البتة. * فالتغير (804) الحاصل لمثل هذه الأمزجة عند استعمال ما يناسبها * من (805) مزاجها ليس لأنه حار أو بارد، بل لأنه غير * مساو (806) * لها (807) في درجة مزاجه. فحنئيذ حفظ الصحة بالشبيه مطلقا. والجواب عن ما اعترض به على القاعدة الثانية بعد أن يعلم أن تأثير الشيء في الشيء تارة يكون بالذات كتسخين الفلفل للبدن، وتارة يكون بالعرض كتسخين الماء البارد له. فالذاتي هو أن لا تكون بين المؤثر والمتأثر واسطة. والعرضي ما لا ييكون كذلك، بل تكون بينهما واسطة. فإن التسخين الحاصل من الفلفل ليس بينه وبين * البدن (808) واسطة بخلاف * في (809) التسخين الحاصل من الماء البارد فإن بينهما واسطة وهي تكاثف المسام وانحصار الأبخرة. ومعنى قولنا إن مداواة المرض بالضد أي الضدية الذاتية. فإذا عرفت هذا فنقول: نفع المسخنات المستعملة في الحمى البلغمية ليس * لأنها (810) حمى بل لأجل تقطيع سببها وتلطيفه وتهيئته للاندفاع. ولا شك أنه * متى (811) زال السبب زال المسبب، فنفع ما * ذكرناه (812) في الحمى البلغمية إنما * هو (813) بطريق العرض وهو بواسطة تأثيته في السبب. وأما نفع * السقمونيا (814) في الحمى الصفراوية فلأجل استفراغ مادتها التي هي سببها وذلك بالعرض. وأما نفع المخدرات في القولنج فهو بواسطة تسكينها للألم. وأما * نفع (815) الماء البارد في التمديد * فذلك (816) أيضا بطريق العرض وهو من جهة تكثيفه وتسديده لمسام * البدن (817) و حصره للحرارة الغريزية في * الباطن (818) وعند ذلك يقوى على دفع المؤذي البارد. فالشافي في الحقيقة * هو (819) الضد ونفع الماء البارد فيه بطريق العرض. * بقي (820) علينا شيء لا بد من بيانه وهو صحة حكم الإمام ابقراط بالضدية في أنواع الأمراض * الثلاثة (821) التي هي السوء المزاج وتغير الهيئة وتفرق الاتصال.
البحث الخامس
في بيان ذلك في سوء المزاج. اعلم أن سوء المزاج على نوعين: ساذج ومادي. فالساذج يعلاج بالضد مع حفظ المساواة والمرجح لفعل الدواء الطبيعة المدبرة للبدن. ولا ينبغي أن يفرط في استعمال المبردات القوية في PageVW5P083A تبديل المزاج الحار في ابتدائه خوفا من إضعافه القوة وإجماده للحرارة الغريزية وتجميده * للمادة (822) إن كان ماديا. وليس إضرار الإفراط في التسخين كإضرار الإفراط في التدبير فإن الحرارة صديقة الطبيعة والبرودة منافية مضادة لها. واعلم أن * السوء (823) المزاج الحار عسر الزوال في ابتدائه سهل في انتهائه والبارد بالعكس وترطيب اليابس أطول مدة من تجفيف الرطب. أما الأول فلأن البرودة مضادتها للطبيعة المدبرة للبدن أكثر من مضادة الحرارة فتهتم الطبيعة بمقاومتها أكثر من اهتمامها بمقاومة الحرارة وتصرف الأدوية المضادة المستعملة في مداواتها إلى جهتها بخلاف الحرارة. فلذلك كان البارد سهل الزوال في ابتدائه والحار عسر. وأما في انتهائه فهو عسر لأنه ما استحكم إلا وقد قهر القوة قهرا قويا وأخمد الحرارة. وأما الحار فإنه لمناسبته لها لا يشعر بأذيته، فإذا استحكم ظهر * ضرره بالطبيعة (824) ، فتهتم بمقاومته ودفع نكايته عن البدن غير أنه لا يخمد الحرارة الغريزية كما تخمدها البرودة. فلذلك كان سهل الزوال في انتهائه. وأما * أمر (825) الرطب واليابس * فأن (826) ترطيب الجاف فيه إيجاد شيء لشيء. ولا شك أن ذلك موقوف على أسباب كثيرة بخلاف تجفيف الرطب، فهو إذهاب شيء من شيء، ويكفي في ذلك سبب واحد. هذا جميعه متى كان السبب ساذجا. وأما متى كان ماديا فتسترغ المادة بعد نضجها إن كان المرض غير مهتاج ومتى كان مهتاجا فيستعمل أولا ما يبرد و يرطب ثم تستفرغ المادة. وذلك لأن باستعمال ذلك تردع المادة وتكسر حدتها. وعند ذلك تستولي عليها الطبيعة. وأيضا فإنها تتكاثف فيقل حجمها وعند ذلك يشتد استيلاء الطبيعة عليها. فإن خلفت المادة بعد استفراغها سوء مزاج قابلناه بما يضاده فظهر مما ذكرنا أن علاج سوء المزاج بالضد * سواء (827) كان ساذجا أو ماديا.
البحث السادس
في بيان ذلك في المرض الآلي. أما أمراض الخلقة فمنها فساد الشكل وهو على نوعين: أصلي وحادث. فالأصلي كاعوجاج الساق * وتسفط (828) الرأس. ومثل هذا النوع من الفساد لا مطمع في صلاحه. * وأما الحادث (829) * فعلاجه (830) بأن يرد العضو إلى الحالة الطبيعية وهو أن يمال به إلى الجهة التي مال عنها. ثم يشد ليبقي على استوائه. وأما أمراض التجويف * فهي على (831) نوعين إما بأن يزيد التجويف أي * يزيد (832) عمقه وإما بأن ينقص أي ينتؤ عمقه. فإن كان الأول فمداواته بالحركة والدلك ثم بحصر النفس. فإن بالحركة والدلك يتخلخل جرمه وتنمو حرارته وبحصر النفس تندفع المادة إليه وهو في نفسه قابل لذلك بسبب الحركة، والدلك وإن كان الثاني فمداواته بالسكون والشد PageVW5P083B . وذلك لأن بالسكون يعدم الحركة المخلخلة لجرمه والمثيرة لحرارته وبالشد يمنع الغذء من النفوذ إليه فيهزل. لكن هذا يحتاج إلى تفصيل وهو أن ما كان من الاعضاء ليس له حركة من ذاته كأخمص القدم وباطن الراحة فتدبيره على ما ذكرنا. وما كان له حركة من ذاته كالصدر فتدبيره بضد هذا، وهو أنا إذا أردنا أن نعظم تجويفه استعملنا فيه * الحركة (833) والدلك ثم حصر النفس. وإذا أردنا أنا نصغر تجويفه استعملنا السكون والشد. وهذا القدر من الداواة لا يتآتي إلا في سن الصبا. وأما أمراض المجاري فسعتها تضيق على العموم بالسكون والشد وعلى الخصوص * بمقابلة (834) السبب الموجب للسعة. فإن كان حرارة فبالبرودة وإن كان رطوبة فباليبوسة وإن كان أدوية فتاحة فبأدوية قابضة وإن كان عن حركة الدافعة غير وقتها فبما يسكن الموجب لذلك. وضيقها يوسع على العموم بالحركة والدلك وعلى الخصوص بمقابلة السبب الموجب له. فإن كان برودة فبالحرارة وإن كان يبوسة فبالرطوبة وإن كان شد رباط فبما يحل ويرخي وإن كان * أدوية (835) قابضة فبأدوية فتاحة وإن كان فاسد فبإصلاحه وإن كان * ورم مزاحم (836) فبما يحل ذلك الورم ويذهبه. وأما أمراض السطح فبالملامسة تداوي على العموم بالتخشين والخشونة بالتمليس. وأما أمراض المقدار فالزيادة فيه إن كانت جبلية وأزيد تصغير العضو فيعالج في سن * النماء (837) بالسكون لتخلقه باقي الأعضاء التي لم يسكن في العظم. فإن لم * يكون (838) جبليا كالأورام وداء الفيل * وغيرهما (839) فمداواته باستفراغ مادته وبالسكون أيضا. والصغير يعظم في سن * النماء (840) بالحركة PageVW1P038B والدلك ثم بحصر النفس كما ذكرنا. وأما أمراض العدد فالزائد إما أن يمكن اسقاطه * عن (841) البدن أو لا يمكن. والأول تارة يكون بالحديد أن ساعد العليل بشرط أن يكون البدن نقيا وتارة يكون * بأدوية (842) تعقبه وتارة * يكون (843) بأدوية محرقة. ومثال هذا الزائد الخنازير والسلع والثآليل . والثاني بالنقل كما يفعل بالماء المجتمع في العين فإنا ننقله بالقدح عن محاذاة الحدقة إلى جانب الطبقة العنبية فيقف هناك بخملها. * وأما أمراض الوضع، أما الغضو نفسه فإن كان قد زال فمداواته برده إلى موضعه وهو إن يمد (844) أولا ويدفع إلى خلاف الجهة التي مال إليها حتى يحاذي به الموضع الذي كان فيه، ثم يرد إليه ويشد حتى يبقى في موضعه. وأما الاجتماع فبالافتراق والافتراق * فبالاجتماع (845) . فقد تبين مما ذكرنا أن المرض ألآلي بجميع أضنافه يداوى بالضد.
البحث السابع
في بيان ذلك في تفرق الاتصال. اعلم أن التفرق على نوعين: بسيط ومركب. فالبسيط معناه * أنه (846) لا يذهب معه شيء من جوهر العضو PageVW5P084A . ومثل هذا يداوى بأربعة أشياء أحدها جمع ما قد تفرق. وثانيها حفظ ما قد * جمع (847) ، وذلك إما بالرفادة وإما بالخياطة وإما باليد. وثالثها المنع من أن يقع بين شقي الجراحة شيء يمنعها من الالتحام. ورابعها حفظ طبيعة ذلك العضو على * حالها (848) . والمركب * معناه أن يذهب معه شيء من جوهر العضو، فإن (849) كان الذاهب من الأعضاء الدموية فرده ممكن في جميع الأسنان. وإن كان من الأعضاء المنوية فلا يمكن رده إلا في سن الصبى بشرط أن يكون الذاهب شظايا صغيرة. وسنتكلم في هذا في المقالة السادسة * من هذا الكتاب (850) فظهر مما ذكرنا أن شفاء سائر الأمراض يكون بالمضادة * حسب (851) ما حكم به الإمام أبقراط.
23
[aphorism]
قال أبقراطه: إن البحران يأتي في الأمراض الحادة في أربعة عشر يوما.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (852) بما قبله وهو أنه لما ذكر لأمراض * الحادة (853) وكيفية تدبيرها ذكر وقت زوالها فإن * مثل (854) هذا الوقت هو المسمى بالبحران في الأمراض الحادة على ما ذكرنا. وأما في الأمراض المزمنة فإنه يسمى تحليلا إن آل الأمر فيه إلى السلامة وإن لم يكن فيسمى ذبولا. والأمراض الحادة وإن كان زوالها تارة يكون في الرابع وتارة يكون في السابع وتارة في الحادي عشر وتارة في الرابع عشر وتارة يكون في السابع عشر غير أن الرابع عشر أكثر وقوعا وهو أقوى البحارين وأشرفها، فلذلك خصصه بالذكر.
البحث الثاني
في أنه لم صار هذا التغير مخصوصا بالأمراض الحادة؟ وذلك من وجوه ثلاثة أحدها أن مادتها في الأكثر لطيفة حارة فهي لذلك متى استولت الطبيعة عليها قهرتها ودفعتها دفعة * واحدة (855) بخلاف مواد الأمراض المزمنة فإنها لغلظها ولزوجتها لا تجيب * إلى (856) الخروج دفعة بل شيئا فشيئا. وثانيها * أنك (857) قد عرفت أن خروج المادة تارة يكون في الكمية وتارة يكون في الكيفية. فإن كان الأول فهو المسمى بالامتلاء بحسب الأوعية، وإن كان الثاني فهو المسمي بالامتلاء بحسب القوة. ومواد الأمراض الحادة خروجها في الأكثر إلى النوع الثاني فيكون أذيتها للطبيعة أكثر وأبلغ فتهتم لذلك * بمقاومتها (858) أكثر من اهتمامها * بمقاومة (859) * مادة (860) الأمراض المزمنة. فلذلك صارت متى استولت عليها قهرتها ودفعت مادتها دفعة. وثالثها أن حدوث الأمراض الحادة في الأكثر في أكثر الأوقات الحارة والبلدان الحارة والأسنان الحارة السخنة في مثل هذه الأمور متخلخلة، وتخلخل الالسخنة مما يعين على خروج المادة وتحليلها. فعند ما تستولي الطبيعة على المادة وتدفعها يكون خروجها دفعة لانفتاح السبل والمجاري وسعتها.
البحث الثالث
في بيان الأمراض الحادة المحكوم عليها بهذا الحكم PageVW5P084B . قال ابن أبي صادق: هي التي حدتها متصلة من أول المرض إلى آخره وهذا ينتقض عليه بالغب الخالصة فإنها تنقضي في المدة المذكورة ومع ذلك * فليست (861) حدتها متصلة بل تحصل فيها * خفة وراحة (862) وإقلاع. والحق أنه * عنى (863) بالأمراض الحادة هنا التي ابتدأت الحدة مع ابتدائها أي أنها لا تبتدئ مع ضعف ثم تشتد في الرابع والخامس مثلا فإن بحران هذه يتأخر إلى السابع عشر. وقولنا * ليس (864) في الغاية القصوى احتراز عن الحادة التي تنقضي في الرابع أو في السابع. وقولنا وهي مع ذلك سليمة لأن بحران الرابع عشر بحران * جيد (865) صالح تام فلا يكون إلا سليما.
24
[aphorism]
قال أبقراط: الرابع منذر بالسابع وأول الأسبوع الثاني اليوم الثامن والمنذر باليوم الرابع عشر اليوم الحادي عشر لأنه اليوم الرابع من الأسبوع الثاني واليوم السابع عشر * أيضا (866) يوم إنذار لأنه اليوم الرابع من اليوم الرابع عشر واليوم السابع من اليوم الحادي عشر.
[commentary]
الشرح هاهنا * مباحث اثنا عشر (867) .
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (868) بما قبله وهو أنه لما ذكر البحران احتاج أن يذكر أيام الإندار به وأيام البحران ثم هذه تارة تكون في الأسابيع وتارة تكون في الأرابيع وكل واحد من هذه قد يكون متصلا وقد يكون منفصلا وكل * هذا (869) يعرف من هذا الفصل.
البحث الثاني
في تعريف أيام الإنذار. قال جالينوس في شرحه لهذا الفصل: هي * الأيام التي (870) يظهر فيها علامة تدل على بحران يأتي فيما بعد. و قال الشيخ الرئيس في الكتاب الرابع من القانون: يوم الإنذار هو اليوم الذي يتبين فيه آثار ما دالة على مناهضة الطبيعة للمرض أوعدمه لا للفصل بل للتهييج. وأما يوم البحران فهو اليوم الذي يظهر فيه استيلاء أحدهما على الآخر وذلك للفصل.
البحث الثالث:
أيام الإنذار قد تكون أيام بحران في بعض الأمراض وذلك بحسب مدة المرض في الحدة والزمانة. فالرابع مندر بالسابع إن ظهرت فيه علامة صالحة وإلا * فبالسادس (871) إن ظهرت فيه علامة رديئة. فإن كانت القوة قوية كان البحران ناقصا. ومثل هذا النوع من البحران لا بد فيه من معاودة. وإن كان القوة ضعيفة كان الموت. وذكر أبقراط PageVW1P039A الإنذار الصالح لأنه أشرف والأشرف أولى بذكر. * فالرابع (872) منذر بالسابع لأنه نصفه على ما ستعرف وهو بالرابع عشر لأنه نصفه أيضا والحادي عشر أيضا * منذر به (873) لأنه الرابوع الأول من الأسبوع الثاني والرابع عشر منذر بالسابع عشر وهو بالعشرين أو * الواحد والعشرين (874) على اختلاف المذهبين، وهكذا إلى الأربعين. فإن التجربة قد شهدت أن بعد الأربعين قلما يأتي فيه حركة الطبيعة دفعة. فإن قيل لم لا كانت الدلائل الإنذارية التي تظهر في السابع * منذرة (875) بالحادي عشر لأنه يليه وهو أقرب إليه من الرابع عشر؟ قلنا: الجواب عن هذا إن الأمراض التي تظهر دلائلها الإنذارية في اليوم السابع PageVW5P085A تكون مادتها غليظة بطيئة الحركة، فلم يمكن الطبيعة أن يتم فعلها فيها في أقل من سبعة أيام مستأنفة.
البحث الرابع:
أدوار البحارين تارة تأتي في الأرابيع وتارة في الأسابيع وتارة تأتي في العشرنيات. فالتي تأتي في الأرابيع * منذرة (876) بالبحران في العشرين والتي * تتحرك (877) في الأسابيع منذرة بالبحران في الرابع وثلاثين أو في الأربعين والتي تتحرك في * العشرينات (878) منذرة بالبحران في الأربعين * أو في الستين أو في الثمانين أو في المائة أو في المائة والعشرين (879) . وكل هذا تابع لقوام المادة ولاستيلاء الطبيعة عليها.
البحث الخامس:
أفضل أيام الإنذار * اليوم (880) الرابع والسابع والرابع عشر ثم دون هذه في الفضيلة التاسع والسابع عشر * والعشرون (881) ثم بعد * ذلك (882) في الفضيلة الخامس والثامن عشر ثم الثالث. وكل هذا مأخوذ من التجربة والاستقراء الطبي.
البحث السادس
في تحقيق القول في الأرابيع والأسابيع نحتاج أن نقدم على ذلك مقدمة * وهو (883) أن دور القمر من الاجتماع الأول إلى الاجتماع الثاني تسعة * وعشرون (884) يوما وخمس يوم وسدس يوم. وذلك ثلث يوم بالتقريب. والقمر في هذه المدة تحت الشعاع يومين * وشيء (885) بالتقريب وهو في هذه المدة * خال (886) من النور. وقد * علم (887) أن القمر تأثيره في رطوبات العالم بنوره فيكون زمان حصول النور فيه سبعة وعشرين يوما. ويدل على * تأثير (888) نوره في رطوبات العالم وجوه سبعة أحدها أن البحار ومياه العيون تزيد عند زيادة * نوره (889) وتنقص عند نقصانه حتى أن بعضها يعرض له المد والجزر في كل ليلة مثل بحر فارس وبحر الهند وبحر الصين. فإن القمر إذا أشرق على ذلك البحر ابتدأ البحر بالمد نحوه ثم كلما ارتفع القمر ازذاد مد ذلك، ثم إذا توسط القمر سماء ذلك الوضع انتهى المد منتهاه فإذا انحط القمر عن وسط سماء ذلك الموضع رجع البحر إلى موضعه الأول أولا فأولا إلى حين * ينتهى (890) منتهاه في المغرب. وثانيها زيادة أدمغة الحيوانات عند زيادة نوره ونقصانها عند نقصانه وكذلك النبض وأخلاط البدن. وثالثها سرعة إدراك الثمار ونموها عند زيادة نوره ونقصانها عند نقصانه بحيث أن المبشارين لها يسمعون لها صوتا قويا. ورابعها كثرة حدوث النزلات بالنائم في ضوء القمر وإحساسه بثقل في دماغه وفتور في حركاته. وخامسها السمك في البحار والآجام تظهر في النصف الأول من الشهر من قعر الماء إلى ظاهره وفي النصف * الأخير (891) تطلب القعر بل في الليلة الواحدة فإنه ما دام القمر آخذ * من (892) المشرق إلى وسط سماء ذلك الموضع تكون طالبة ظاهر الماء. فإذا * أخذ (893) الميل إلى المغرب طلبت قعر الماء. وسادسها الغروس إذا غرست والقمر زائد في نوره قويت ونشأت وأسرع نموها ثم ثمرها وذلك لسرعة جريان الرطوبات فيها. وسابعها حشرات * الأرض (894) في النصف الأول * من الشهر (895) تظهر * في ظاهر الأرض (896) وفي النصف الأخير تطلب الباطن. فإذا عرفت هذا فنقول: * قال (897) الأطباء في أبداننا PageVW5P085B قوة مساوقة لحركة القمر يظهر أثر مساوقتها في هذه الأيام إما على طريق الوجوب أو اللزوم غير أن هذا الأثر يختلف في القوة والضعف بحسب قرب القمر من الشمس وبعده عنها. فأقوى ذلك وقت * مقابلته (898) لها وهو الوقت الذي يكون بينه وبينها مائية وثمانون درجة وهو شكل نصف دائرة وهو الرابع عشر من وقت مستهله. وبعده في القوة الوقت الذي يكون بينه وبينها * مائة وخمسة وثلاثون درجة بالتقريب وهو الحادي عشر وبعده الوقت الذي يكون بينه وبينها (899) تسعون درجة وهو وقت التربيع وهو السابع. وبعده الوقت الذي * يكون (900) بينه وبينها خمس وأربعون درجة ويقال له الرابع. فهذا ما أردنا ذكره في هذا البحث.
البحث السابع:
اختصاص حركة الطبيعة للأبدان والبحران في هذه الأيام دون باقيها إما لذاتها، أي للأيام من حيث هي أيام، وإما لحلول القمر في المنازل المذكورة، وإما لنوره في زيادته ونقصانه. فإن كان الأول فهو محال لأن الأيام من حيث هي أيام * طبيعية (901) متشابهة. وإذا كان كذلك فليس اختصاص بعضها بتأثير دون بعض أولى من العكس. وإن كان الثاني فهو * محال أيضا (902) فإن الاستقراء الطبي المستمر الوجود * قد شهد (903) بأن كثيرا من الأمراض يحدث ويوؤل إلى السلامة ببحارين تحصل لها في الأيام المذكورة من غير أن يكون القمر في المنازل * المذكورة (904) ، * وكثيرا منها يؤول أمرها إلى الهلاك وهو في تلك المنازل (905) . وإن كان الثالث فهو محال فإن أمراضا كثيرة تبحرن ببحران جيد في الرابع عشر وفي السابع عشر وفي السابع من ابتداء حدوثها ويكون القمر في محاقه وقد يكون في كمال نوره وتبحرن ببحران رديء في الأيام المذكورة ويؤول أمره إلى الهلاك. وبالجملة ليس ذلك منها على نظام معلوم وترتيب مخصوص. والجواب عن الأول أن الطبيعة الألهية المدبرة للعالم كافية في كل ما تفعله وأفعالها على نظام واحد وترتيب واحد على أتم وجه وأكمله. ويعرف هذا من منافع الأعضاء ونشوء الحيوان وكماله وتولده. فإن لكل نوع من أنواع * الحيوان (906) حدا محدودا في حمله بقائه لا يتعداه ولا يتجاوزه كذلك فعلها في البحارين ودفع المادة الموجبة للمرض وتحريك نوائب PageVW1P039B الصرع وإخراج مادة الطمث. فإن ذلك منها لازم لطريقة واحدة ونظام واحد. وكل هذه من جهة الأجرام السماوية التي حركاتها لازمة لطريقة واحدة وليس فيها اختلاف أصلا. فلذلك صارت الحركة * الإنذارية (907) والبحرانية مختصة بالأيام المذكورة. والجواب عن الثاني نقول إن المرض إذا حصل والقمر في نقطة ما من فلكه حسب ابتداء المرض من تلك النقطة، فإذا صار إلى * أن يقابل (908) تلك النقطة وهو الرابع عشر من مرضه وهو أن يبعد عن ذلك الموضع نصف دائرة، صارت تلك الحالة إلى ضد ما كانت عليه. فإن وافق هذه الحركة قوة القوة البدنية وانطياع المادة للاندفاع والتدابير الطبية جارية على نظام مستقيم بحرن المرض ببحران جيد وآل الأمر إلى السلامة. وإن كان بالعكس حصل انذار رديء وبحرن ببحران ناقص أو رديء. ومتى صار إلى التربيع أو أبعد من ذلك، تغير بحسب ذلك ويطرد PageVW5P086A هذا الأمر في جميع الأمراض التي تحدث في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره، غير أن ابتداء الأمراض متى حصل مع استهلال القمر إلى زيادة نوره كانت قوية جدا. ومن ذلك إلى محاقه كانت دون ذلك في القوة. والجواب عن الثالت قريب من هذا، وهو أنا لم نقل إن النور من حيث هو نور مستقل بحدوث البحران بل * هو (909) معين على ذلك لكون أن له تأثير في رطوبات العالم. ولذلك صار متى اتفق حدوث المرض مع استهلال القمر، كان البحران قويا جدا واندفاع المادة اندفاعا تاما والنقاء * منها (910) نقاء بالغا. ومتى اتفق ذلك مع * إمحاقه (911) كان الأمر بالعكس.
البحث الثامن:
قول الأطباء إن نور القمر زائد في رطوبات العالم على ما ذكرنا عنهم * ونبوا (912) على ذلك حركة البحران فيه نظر من وجوه أربعة أحدها أنه يلزم على ما قيل أن يزيد في رطوبات المرض لأنه قد تقرر أنه زائد في الرطوبات من حيث هي رطوبات ويلزم ذلك * أن تعظم (913) البلية. وثانيها لم قلتم إنه يزيد في القوة البدنية حتى تحصل الحركة منها في حلوله في المنازل المذكورة والذي صح بالمد والجزر وغيره مما ذكرنا أنه إنما يزيد في الرطوبات فقط والقوى غير الرطوبات؟ وثالثها الذي صح بالتجربة وبما قلناه أنه مزيد في رطوبات مخصوصة. وإذا كان كذلك فلم قلتم إنه يزيد في جميع رطوبات الأجسام؟ ورابعها أنه قد ثبث في غير هذا * الفن أن (914) نور القمر من نور الشمس بدليل اختلافه تشكلاته بحسب قربه وبعده منها. وإذا كان كذلك فلم قلتم إن الأمر الصادر عنه منسوب إليه؟ والجواب عن الأول نقول: لا شك أن نور القمر زائد في * جميع (915) رطوبات البدن الممرضة وغير الممرضة، غير أنه * أيهما (916) كان في الأصل أكثر كانت زيادته فيه أبلغ. وبحسب ذلك يؤول الأمر إما إلى الصحة إن كانت الزيادة في الصالحة أو إلى مقابلها إن كانت الزيادة في الأخرى. أو نقول: إنه يزيد في جميع الرطوبات، لكن المرحج لفضل زيادته في الصالحة على الفاسدة معونة الطبيب للطبيعة بالمداواة الطبية. وذلك بإخراج الفاسد واستعمال * البدل (917) * لما (918) خلفته المادة من سوء * المزاج (919) وغير ذلك مما قد عرفته. والجواب عن الثاني معنى قولنا إنه إذا زاد في رطوبات البدن زاد في القوى بمعنى أنه يثير فعلها * لأنها (920) قبل الزيادة في الرطوبات كانت هي والرطوبات ساكنتين متألفتين. فإذا زاد في الرطوبات ثورها وعند ذلك تثور القوة * وتنهض (921) للمقاومة. والجواب عن الثالث نقول: قد صح بالتجربة أنه زائد في رطوبات البدن الإنساني مع زيادته في رطوبات غيره من الأجسام الرطبة. وكيف لا ونرى النائم في ضوئه إذا انتبه من نومه يحس بثقل في بدنه وفتور في حركاته وكدروة في حواسه وربما حصل له نزلة وتتحرك فيه نوائب الصرع ودم الحيض. والجواب عن الرابع: نور القمر وإن كان مستفادا من نور الشمس غير أنه لما كان أقرب إلينا كان تأثيره فينا بالذات PageVW5P086B وتأثير نور الشمس في رطوباتنا بواسطته. فاعتبروا هذا الأمر الذاتي وتركوا * (922) الأمر العرضي.
البحث التاسع:
الأرابيع والأسابيع على نوعين: متصلة ومنفصلة. أما الأرابيع فاعلم أن الأول والثاني منهما متصلان وذلك لأن الرابع * الأول (923) ثلاثة أيام وربع يوم وثمن يوم وذلك تسعة ساعات فيكون قد بقي من اليوم الرابع أكثر من نصف يوم فجعل * ذلك (924) اليوم * مشتركا (925) بين الأول والثاني. والثاني والثالث منفصلان وذلك لأن الرابوعين ستة أيام ونصف يوم وربع يوم وذلك ثمانية عشر ساعة فيكون قد بقي من السابع أقل من نصف يوم فترك وابتدأ بالرابع الثالث من اليوم الثامن فكان الرابع الثالث منفصلا عن الثاني والرابوع الثالث والرابع متصلان وذلك لأن ثلاثة أرابيع عشرة أيام وثلاث ساعات فيكون قد بقي من اليوم الحادي عشر أكثر من نصف يوم، فجعل هذا اليوم مشتركا بين الثالث والرابع. والرابع والخامس متصلان وذلك لأن أربعة أرابيع * ثلاثة (926) * عشر (927) يوما ونصف يوم فيكون قد بقي من اليوم الرابع عشر نصف يوم فجعل هذا اليوم مشتركا بين ذلك. وهكذا إلى يوم الأربعين، وهو أن يحسب من ابتدأ المرض إلى اليوم الذي انتهى فيه الحساب إليه فإن كان قد بقي منه نصف * يوم (928) أو أكثر منه جعل هذا اليوم مشتركا بين الأول والثاني. وإن كان قد انتهى الحساب إلى أقل من نصف يوم ترك ما بقي من هذا اليوم وابتدأ بالحساب من اليوم الثاني PageVW1P040A . وأما الأسابيع فاعلم أن الأول والثاني منفصلان وذلك لأن الأسبوع ستة أيام وثمانية عشر ساعة فيكون الذي * قد (929) بقي من اليوم السابع أقل من نصف يوم فترك وابتدئ بالأسبوع الثاني من اليوم الثامن على ما * ذكره (930) الإمام أبقراط هاهنا. والثاني والثالث متصلان وذلك لأن الأسبوعين ثلاثة عشر يوما ونصف يوم فيكون قد بقي من اليوم الرابع عشر نصف يوم فجعل مشتركا بين الثاني والثالث. والثالث والرابع منفصلان وذلك لأن ثلاثة أسابيع عشرون يوما وربع يوم فيكون قد بقي من الحادي والعشرين * أكثر (931) من نصف يوم، فجعل هذا اليوم مشتركا بين الثالث والرابع. والرابع والخامس منفصلان وذلك لأن * أربعة (932) أسابيع سبعة * وعشرون (933) يوما فجعل * ابتداء (934) الأسبوع * الخامس (935) من اليوم الثامن وعشرين فكان منفصلا. وهكذا على ما ذكرنا من الحساب. وإنما لم يعتبر ما بقي من اليوم إذا كان أقل من نصف يم وذلك لقصر زمان تأثير الطبيعة في المادة المرضية فترك وأهمل وابتدئ بالحساب من الزمان الأطول الذي يظهر التأثير فيه ظهورا بينا.
البحث العاشر:
اعلم أن الإنذارات الجيدة في الأدوار * الثلاثة (936) الأرابيع والأسابيع والعشرينات. فالأرابيع الحركة فيها ظاهرة إلى العشرين والأسابيع الحركة فيها ظاهرة إلى الأربعين والعشرينات إلى الستين PageVW5P087A والثمانين والمائة والمائة والعشرين. وهذا القدر عائد إلى قوة القوة ومقدار المادة وقوامها. ويجب أن تعلم أن الإنذارات اليومية منسوبة إلى حركة القمر والشهورية إلى حركة الشمس والسنوية إلى حركة زحل. فالأول مثل الرابع والسابع والحادي عشر والرابع عشر والسابع عشر والعشرين. والثاني كالأربعين والشهرين والستة أشهر. والثالث مثل السبع سنين * والأربعة (937) عشر سنة، * وهكذا (938) القدر جميعه مأخوذ من التجربة والاستقراء الطبي. فإن الطبيعة في مثل هذه الأوقات إذا عجزت عن دفع المادة المرضية تستعين بالأجرام العلوية في دفع المادة المذكورة. * وقد علمت أن الأمراض حادة ومزمنة وأن مواد الحادة لطيفة مؤاتية سريعة الانفصال لانفعالها عن حركة القمر. ولهذا صارت الحميات الصفراوية الخالصة والدموية تنقضي في المدد المذكورة. وشكر الغب يمتد إلى ستة أشهر والمزمنة غليظة باردة المزاج بطيئة الحركة. فلهذا تنقضي في مدة طويلة كحمى الربع فإنها تمتد إلى سنتين وربما بقيت إكثر من ذلك. وكذلك الصرع فإن أبقراط في المقالة الثانية حكم بالبرؤ منه للحدث عند انتقالهم في السن وحكم في المقالة الثالثة بانقضاء بعض الأمراض في سبعة أشهر والبعض في سبع سنين والبعض في أربعة عشر سنة. فحكم الستة أشهر من جهة الشمس حكم المقابلة من جهة القمر. وكذلك حكم الأربع عشر سنة من جهة زحل. وعلى هذا المثال قياس انضاف هذا الأدوار وأربابها (939) .
البحث الحادي عشر:
لا يصح حكم الطبيب على ما يشهد به يوم الإنذار من أمر البحران إلا بعد شروط ثلاثة. أحدها من جهة الطبيب نفسه وثانيها من جهة المريض نفسه * أو من جهة خدمه (940) وثالثها من جهة عارض يطرأ على المريض. أما الأول وهو أنه إذا أخطأ في استفراغ المادة بعد يوم الإنذار ووقع ذلك منه قبل ظهور النضج التام فاستفرغ اللطيف وبقي الكثيف من المادة فعصى على الطبيعة وتأخر زمان مجيء البحران الذي وقع قبله لإنذار لأجل ذلك. ومتى وقع هذا القدر لا ينبغي أن ينسب كذب الحكم إلى يوم الإنذار بل إلى سوء معالجة الطبيب المباشر. وأما الثاني فهو أن المريض يخطئ * في (941) * تدبير نفسه (942) بعد يوم الإنذار في مآكله ومشاربه. وذلك إما بأن يغلظ أو يلطف فتطول مدته لذلك أو تقصر. ولا شك أن عند ذلك لم يصح * الإنذار على حكم (943) البحران. * أو يكون ذلك لعصيان خدمه فيها فيأمرهم به هو والطبيب من إصلاح مشروبه وغذائه ومن جهة مراعاة أموره النفسانية (944) . * فمن قبل (945) هذا القدر لا ينسب ذلك إلى يوم الإنذار بل إلى ما ذكرناه. وأما الثالث فمثل أن يعرض للمريض عارض نفساني * بعد (946) يوم الإنذار فإنه متى حصل ذلك غير الإنذار بجهة دفع المادة فإن الغضب يجعل البحران عرقيا بعد أن كان بوليا والفزع بعكس ذلك. وذلك لأن * الغضب (947) يحرك المواد البدنية إلى * ظاهره (948) مع ثوران وقوة وذلك معد PageVW5P087B لخروجها بالعرق لا سيما * وهو (949) مما يوسع المسام ويخلخلها بسبب قوة الحرارة * وثورانها (950) . والفرغ يحركها إلى الباطن وذلك معد لخروجها بالبول لا سيما والمسام قد تكاثفت بسبب ضعف الحرارة في الظاهر واستيلاء البرد عليها. فمتى اندفعت المادة إلى الجهة المذكورة بعد حصول الإنذار * يدفعها (951) إلى خلاف * تلك (952) فلا ينبغي أن ينسب كذب الحكم إلى نفس الإنذار بل إلى ما حصل من العارض الطارئ.
البحث الثاني عشر:
اندفاع المادة في البحران تارة يكون إلى بعض الأعضاء وهو المسمى على ما عرفت بالبحران الناقص وتارة يكون عن جملة البدن وهو المسمى بالتام ثم هذا تارة يكون بالقيء وتارة يكون بالإسهال وتارة يكون بالرعاف وتارة يكون بالعرق وتارة يكون بالبول وتارة يكون بخروج دم الحيض وتارة يكون بخروج دم من أفواه العروق. ولكل واحد من هذه علامات تنذر بوقوعه وحصوله. فالمنذرة بالناقص إن كان خراجيا * فسكون (953) الحمى مع رقة البول من غير أن يحصل شيء من الاستفراغات والإحساس بالإعياء في بعض المفاصل أو يكون قد تقدم ذلك تعب ذلك العضو. وخير هذه الحزاجات ما أورث خفا وكان بعد النضج وكان شديد الميل إلى خارج وبعيدا عن الأعضاء الرئيسة. وما كان بعكس ذلك فهو رديء. وأما غير الخارجي فما ذكرناه من سكون الأعراض وغيره من غير الإحساس بالإعياء وتقدم تعب ذلك العضو. والمنذرة بالقيء اختلاج الشفة السفلى ودوام الغثيان وربما حصل فواق وتمدد في المراق إلى جهة فوق واصفرار اللون وكرب. ودوار كل ذلك لصعود المادة إلى الأعالي. والمنذرة بالإسهال احتباس البول ووجع في الظهر وقراقر في الجوف ورياح. والمنذرة بالرعاف رؤية الخيالات الحمر واحتكاك الأنف واحمرار الوجه والعينين وسيلان الدموع وشهوقة النبض وسرعة انبساطه ووجع في الرقبة لصعود المادة إلى الأعالي. والمنذرة بالعرق موحية * العرق (954) وشهوقته ولين الجلد ونداوته. والمنذرة بالبول تمدد العانة وثقلها واحتباس الطبع * وحكة (955) القضيب. والمنذرة بالحيض ثقل في العانة وتقدم احتباس دم الحيض. والمنذرة بخروج الدم من أفواه العروق احتكاك في المقعدة واحتباس دم معتاد الجريان. فهذه العلامات المنذرة بأنواع البحارين * المذكورة (956) .
25
[aphorism]
قال أبقراط: الربع الصيفية في * أكثر الأمر (957) قصيرة * والخريفية (958) طويلة لا سيما متى اتصلت بالشتاء.
[commentary]
الشرح PageVW1P040B ها هنا * أربعة عشر بحثا (959) .
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (960) بما قبله وذلك من وجهين أحدهما أنه لما بين أن من الأمراض ما يستحق بطباعها أن يبقى مدة معينة فبعضها ينقضي في الرابع * والبعض (961) في السابع * والبعض (962) في الربع عشر وغير ذلك. ولا شك هذا جميعه عائد إلى قوام المادة أي في الرقة والغلظ، ذكر في هذا الفصل الفاعل في القوام أنه الى الهواء الفصلي. الوجه الثاني أن يقال إنه لما ذكر بجارين الامراض الحادة تعرض لذكر الأمراض المزمنة فذكر الربع PageVW5P088A وجعلها مثالا.
البحث الثاني:
حمىى الربع حرارة غريبة حادثة عن عفونة السوداء وهي تارة تكون داخل العروق ومثل هذه تكون لازمة غير أنها أقلية الوجود على ما دل عليه الإستقراء الطبي وتارة تكون * خارجة (963) العروق وهي المفترة وتنوب * أربع (964) وعشرين ساعة وتفتر * ثماني (965) وأربعين ساعة. فيكون دورها * اثنتان (966) * وسبعون (967) ساعة. ثم هذه تارة تكون بسيطة وتارة تكون مركبة فإن كانت بسيطة نابت كما ذكرنا، وإن كانت مركبة نابت يومين * وراحت (968) يوما واحدا. وينبغي أن تعلم أن الربع الخالصة أطول مدة من غير الخالصة.
البحث الثالث:
* من (969) الحميات السوداوية حمى الخمس والسدس والسبع. فالخمس هي التي تنوب في اليوم الأول وتريح ثلاثة أيام وتنوب في اليوم الخامس. والسدس هي التي تنوب في اليوم الأول * وتفتر (970) أربعة أيام وتنوب في اليوم السادس. والسبع هي التي تنوب في اليوم الأول وتفتر خمسة أيام وتنوب في اليوم السابع. وذكر الفاضل جالينوس أنه لم * ير (971) هذه الحميات البتة غير أنه قال: ولا يبعد أن تقع هذه الحميات لسوء تدبير العليل، فإذا ترك * ذلك (972) التدبير زالت الحمى، وإن عاد عادت. وأما أبقراط فإنه حقق هذه الحميات وأثبت وجودها. وقال: * إن لها (973) مواد مخصوصة توجبها. والأشبه أن * تكون (974) مواد هذه سوداوية متولدة عن بلغم لزج وهو مع ذلك قليلة المقدار. والذي يدل على * لزوجة مادتها طول زمانها وعلى (975) قلة المادة بعد نوبتها فإن قيل: * فلم (976) لا يحدث البلغم العفن حمى أخرى غير الحمى المعتادة منه عندما يغلظ قوامه ويقل مقداره كما أحدثت السوداء عند غلظ قوامها الحميات الأخرى؟ فنقول: سبب غلظ * قوام الذي للبلغم (977) إما برد مجمد وإما حرارة قوية محرقة. وعلى * كلي (978) التقديرين عند استيلاء أحدها عليه يخرجه عن كونه بلغما ويجعله سوداء أعلى ما أوضحناه في شرحنا لكليات القانون.
البحث الرابع:
حمى الربع أكثر حدوثها بعد أمراض تتقدمها بحيث أنها تزيد الأخلاط وتولد السوداء وقلما تحدث ابتداء وتكون الطحال معها سليما. * وأسلمها (979) ما كان * معها الطحال (980) سليما من الورم. فإنه متى كان معها ورم * في الطحال (981) آل أمرها * في الأكثر (982) إلى الاستسقاء.
البحث الخامس:
حمى الربع كثيرا ما تشفي من الصرع ومن النفرس وأوجاع المفاصل والجرب والحكة والدوالي والماليخوليا. وذلك لأنها بحركتها النافضة تخرج مواد هذه عن أمكنتها وبحرارتها تعين على نضجها وتهيئها للخروج. فإن قيل: كيف تكون حرارة الحمى معينة على نضج المادة وهي حرارة غريبة والمنضج بالحقيقة هو الطبيعة المدبرة للبدن بالحرارة الغريزية، فنقول: نحن لم نقل إن حرارة الحمى هي المنضجة بل معينة على النضج لأنها ترقق المادة. وعند ذلك يسهل على الطبيعة * إنضاجها وإخراجها (983) لا سيما متى * كان مع الحمى (984) نافض فإنه يعين على إخراجها بزغزعته للأعضاء.
البحث السادس:
حمى الربع يتبعها ثقل شديد * وتكسل (985) في الأعضاء لغلظ مادتها وبرد شديد وقشعريرة قوية لبرد المادة إلا عند الانتهاء الجزئي والكلي. فإن الحرارة تكون فيهما أقوى مما هي في الحمى PageVW5P088B البلغمية وذلك ليبس المادة فإنه قد علم أن الحرارة متى تعلقت بجسم يابس كانت أحد وأقوى مما إذا تعلقت بجسم رطب إلا أن فترات حمى الربع أنقى من فترات الحمى البلغمية. وذلك لأن المادة هناك يابسة وفي البلغمية رطبة لزجة فهى لذلك تحفظ الحرارة وتمنعها من التحلل.
البحث السابع:
البول في أبتداء هذه الحمى أبيض رقيق القوام مائي وذلك لفجاجة المادة وغلظ قوامها وللسدد الحاصلة في المجاري التي لا بد وأن تكون فيها فتمتنع المواد المغلظة لقوام البول من الخروج معه. وأما عند المنتهى فإنه يغلظ ويسود لونه وذلك لخروج مادة هذه الحمى. فلذلك صار سواد البول وغلظه في هذه الحمى دليلا محمودا ينذر بإقلاعها.
البحث الثامن:
العرق في هذه الحمى عند انفصال النوائب أكثر مما هو في الحمى البلغمية. وذلك لأن مادة * هذه (986) عديمة اللزوجة فيسهل خروجها غير أن نداوة البدن في الحمى * البلغمية (987) أكثر لأن مادتها رطبة.
البحث التاسع:
النبض في هذه الحمى مائل إلى الصلابة ليبس المادة منضغط لثقلها وليس فيه سرعة ظاهرة إلا عند المنتهى لما ذكرنا. والتواتر في هذا أظهر من السرعة لأن القوة ضعيفة وحركة الانقباض في نبض هذه الحمى أبطأ منه في الحمى الصفراوية لأن الصفراء أكثر وأميل إلى الرطوبة من السوداء فيكون البخار الدخاني المتولد عنها أكثر فيكون الانقباض فيها أسرع.
البحث العاشر:
لكل واحد من الحميات الصفراوية والسوداوية والبلغمية عضو مخصوص يتضرر فيها فعضو السوداء الطحال والبلغمية فم المعدة والصفراوية الكبد.
البحث الحادي عشر:
في علة قصر الربع في الصيف. وذلك من وجوه ثلاثة: أحدها أنه بحرارته يرقق PageVW1P041A المادة ويلطفها ويهيئها للخروج. ثانيها أنه يخلخل المسام ويوسعها وذلك مما يعين على إخراج المادة. وثالثها أنه يخفف المادة بالتعريق فالقوة إذا كانت مع ذلك قوية أعانتها هذه الأمور على تحليل المادة وإخراجها عن البدن فكانت الحمى قصيرة. وإن كانت ضعيفة زادها الهواء تحليلا فأضعفها واسقطها. قال جالينوس في شرحه لهذا الفصل: ليس الربع الصيفية فقط تكون في الصيف قصيرة لكن سائر الأمراض تكون كذلك لأن الكيموسات تذوب وتنتشر في سائر البدن وتتحلل. ومتى كانت القوة قوية ثم استفرغت الكيموسات المولدة للمرض سكن المرض وانقضى أمره. ومتى كانت ضعيفة فإنها تتحلل مع الكيموسات المولدة للمرض فيجب لذلك أن لا يطول شيء من الأمراض لصيفية. * أقول (988) : هذا * حق (989) غير أنه ذكر PageVW5P089A الربع على سبيل المثال، فكأنه يقول: إن أطول الأمراض مدة إذا حصلت في الصيف كانت قصيرة المدة. فكيف القصيرة المدد ومراد أبقراط بالصيفية أي المبتدئة في الصيف وبالخريفية المبتدئة في الخريف.
البحث الثاني عشر
في فائدة قوله في أكثر الأمر. وذلك لأنه يحتمل أن تطول الربع في زمان الصيف لوجوه أربعة أحدها لخطأ المريض في تدبيره وهو أن يميل به إلى التغليظ. وثانيها لجهل الطبيب بتدبير المرضى وهو أنه يستفرغ لطيف المادة ويبقي كثيفها. وثالثها لاحتراق المادة ورمادتها فإنها متى كانت كذلك زادها حر الهوى الالصيفي يبوسة واحتراقا. ورابعها أنه يحتمل أن تهب فيه الرياح الشمالية * وهذه (990) متى هبت حقنت المواد وحبستها. فلذلك قال في * الأكثر (991) . أما إذا فرضنا انتفاء هذه الأمور جميعها فإن الربع الصيفية تكون قصيرة المدة جدا.
البحث الثالث عشر
في بيان طول الخريفية وذلك من وجوه ثلاثة أحدها لميل هوائه إلى البرد في أطراف النهار والليل * فتكثف (992) المسام وتحبس المادة. وثانيها لاختلاف الهواء فيه فإنه تارة يكون باردا فتحبس المادة وتمنع من التحلل، وتارة يكون حارا فتحلل وتخرج المادة إلى خارج. وعند ذلك تتحير الطبيعة في إنضاج المادة. وثالثها لترمد الأخلاط فيه وميلها إلى * الاحتراقية (993) بسبب حر الصيف المتقدم فتكثر مادة هذه الحمى. ومتى كثرت المادة طال زمان المرض * الحادث (994) عنها. وقوله لا سيما متى اتصلت بالشتاء لأن هواء الشتاء أبرد من هواء الخريف على ما بان فيكون أبلغ في حقن المادة وحبسها فتطول * مدد (995) الأمراض فيه، وأيضا فإن الشتاء يغلظ فيه التدبير. وذلك مما يعين على طول مدة المرض.
البحث الرابع عشر:
لقائل أن يقول: هذا القول من أبقراط يناقض فصلين قد ذكرهما في هذا الكتاب أحدهما قوله * فيما (996) بعد * من هذه المقالة (997) إذا كان المرض ملائما * لطبيعة (998) * المريض (999) وسنه وسخنته * والوقت الحاضر من أوقات السنة فخطره أقل مما إذا لم يكن ملائما لواحده من هذه الحضال (1000) . والمرض الواحد إذا حصل في وقتين وكان في أحدهما أطول وفي الآخر أقصر فهو في الأطول أخطر. وعلى هذا يجب أن تكون الخريفية أخطر من الصيفية. وذلك يناقض ما قاله * في الفصل المذكور (1001) لأن الربع مناسبتها * للخريف أشد من مناسبتها (1002) للصيف. وإنما قلنا إن الأطول أخطر وذلك لأنه قد أنهك الأعضاء وأذاب الرطوبات وأضعف القوى بخلاف القصير المدة. وقد ذكرنا ما يعضد هذا فيما تقدم حيث شرحنا قوله * الأبدان التي تهزل في زمان طويل. وثانيهما قوله (1003) في ثالثة هذا الكتاب إن في الخريف تكون الأمراض أحد ما تكون وأقتل في * أكثر (1004) الأمر. * وأما (1005) الربيع فأصح الأوقات وأقلها موتا. ولا شك أن PageVW5P089B أمراض الخريف إذا كانت حادة أي قصيرة المدة كيف * يجوز أن (1006) يحكم بطول الربع فيه؟ والجواب عن الأول أن الخطر في حمى الربع الخريفية ليس هو من جهة المناسبة * بل (1007) من جهة طول مدتها. وقلة خطر الصيفية ليس هو من جهة عدم المناسبة * بل (1008) من جهة قصر المدة. والجواب عن الثاني * على ثلاثة أوجه. أحدها أن يقال (1009) إن مراده بالحدة في الخريف الرداءة. ولذلك أطلق في الربيع ما يقابلها، فقال أصح. ومقابل القتل في الخريف قلة الموت في الربيع أو يقال إن حكمه بحدة المرض الخريف بالنسبة إلى أمراض الربيع لأن المواد في الأبدان في زمان الخريف قليلة التحليل الصيف * إياها (1010) بخلاف مواد الربيع لسبق الشتاء إياه، أو يقال إن المراد بالحدة شدة النكاية بالنسنة إلى أمراض الربيع. فإن المواد في * زمان (1011) الخريف تكون يابسة لحر الهواء الصيفي ويبسه * وليبس (1012) * الهواء الخريفي (1013) . فتكون الحرارة المتعلقة بها حادة، والمواد في الربيع رطبة وحكمه في الربع الخريفية بالنسبة إلى الربع الصيفية. ولا شك أن هواء الخريف كيف كان * فهو (1014) أبرد من هواء الصيف لا سيما هواء الليلة وغدواته. فهو لذلك يحبس المادة ويحصرها في الباطن وذلك مما يوجب طول المرض. فأمراضه طويلة بالنسبة إلى أمراض الصيف فإن أدراكها الشتاء فهي أطول ما تكون.
26
[aphorism]
قال * أبقراط (1015) : لأن تكون الحمى بعد التشنج خير من أن يكون التشنج بعد الحمى.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث تسعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1016) بما قبله وهو أنه قد علمت أن لكل واحد من الأمراض مدة معلومة * وأن ذلك (1017) بحسب قوام المادة الموجبة * لها (1018) . قد ذكر أبقراط الفاعل في قوامها فمن ذلك أوقات السنة، وقد تقدم الكلام فيه. ومنها الأمراض أنفسها فإن بعض الأمراض إذا حصل عقيب مرض آخر * أوجب (1019) قصره على ما سنوضحه كالحمى إذا حصلت عقيب التشنج * الامتلائي (1020) البلغمي فإنها بحرارتها تلطف مادة التشنج وترقق قوامها وتسخن مزاجها وتهيئها للاندفاع. وعند ذلك تقوى الطبيعة على إخراجها وانتزاعها من مواضعها. فإن كان مع الحمى نافض، أخرجها بسرعة * بحركته (1021) وزعزعته.
البحث الثاني
في حقيقة التشنج. * التشنج (1022) علة عصبانية يتحرك معها العضل إلى * مبادئه (1023) * ويعصي (1024) في الانبساط. وحدوثه إما لأمر * من (1025) داخل وإما لأمر * من (1026) خارج. والداخل إما أن يكون * خاصا (1027) وإما أن يكون بمشاركة عضو آخر. والخاص إما إن يكون في * الروح (1028) وإما أن يكون في * العضو (1029) . فالكائن في الروح مثل الخوف المفرط، فإن الروح يغور معه إلى باطن البدن دفعة PageVW1P041B ويتشنج العضل متحركة نحو المبادئ على هيئتها. والكائن PageVW5P090A في العضو إما امتلائي وإما اسفراغي وإما حادث عن كيفية سمية. والامتلائي إما أن يكون دفعة ابتداء وإما * أن يكون حادثا (1030) على سبيل الانتقال. والكائن ابتداء منه ما تكون مادته مشتملة على العضو وذلك عندما يكون * خال (1031) من الورم. ومنه ما تكون المادة في جناب منه دون جانب. وذلك إذا كان هناك ورم فإن المادة في مثل * هذا (1032) النوع تكون حاصلة في موضع واحد ويتبعها سائر الأجزاء بالتمديد * من (1033) التشنج الإبتدائي الحادث عن جراحة وعن الريح والحاصل للسكارى والاستفراغي * الحاصل (1034) عقيب إسهال مفرط وترف مفرط وخروج دم بالرعاف * أو من (1035) أفواه العروق أو بالفصد وبالجملة كل استفراغ. فإنه مثل هذا * متى (1036) وقع، أخرج الرطوبات المملوءة بخلل العضو ومجاريه. وعند ذلك تجتمع الأجزاء بعضها إلى بعض ويقصر العضو. والكائن لكيفية سمية مثل الحادث عقيب لسعة العقرب الواقعة على عضو عصباني. فإنها متى حصلت كذلك تأدت أذيتها * إلى الدماغ (1037) فيتقلص الدماغ لذلك ويجتمع لدفعها، وعند ذلك تنجذب * الأعصاب (1038) لانجذابه ويحصل التشنج. واعلم أن الخربق يشنج قبل الإسهال * للسيمة (1039) التي فيه، وبعد إسهاله لتجفيفه. والحادث على سبيل المشاركة مثل الكائن بمشاركة الرحم عند احتباس دم الحيض أو المنى. فإنهما متى احتبسا استحالا إلى كيفية سمية تتبخر * منهما (1040) إلى الدماغ أبخرة ردئية إما على سبيل المجاورة أو على سبيل المشاركة فينقبض الدماغ لذلك ويجتمع لذاته لدفع ما تأدى إليه. ومثل الكائن عن الدود فإن الدود عند وجوده في المعاء تتبخر عنه أبخرة ردئية إلى الدماغ. وذلك لكثرة الرطوبة عندها ولحركة الدود ولصديد ما يموت منها. والكائن من خارج مثل الاعتماد على موضع بارد فتجتمع المادة في موضع الاعتماد وتحتبس فيه. ومثل الحادث لكثرة الحركة قإنها تصب المادة إلى العضو المتحرك.
البحث الثالث:
الأعراض الخاصة بالتشنج * فصغر (1041) النبض واختلافه لضعف القوة وصلابة الآلة واحمرار الوجه لا سيما الوجنة. وذلك لاحتباس المادة وصعود الأبخرة وحول العينين * سيلانهما (1042) وذلك لتشنج * عضلاتهما وضرر التنفس وذلك لتشنج عضلات الصدر. فإن كان في القابضة كان الضرر في الانقباض أكثر منه دي الانبساط. وإن كان في الباسطة كان ألامر بالعكس. وظهور حالة في الوجه سبيهة بالضحك، وذلك لتشنج عضلات (1043) الوجه واعتقال الطبيعة. وذلك لوجهين إما لصعود المادة إلى المواضع المتشنجة وإما لتشنج عضل المقعدة واحتباس البول تارة وخروجه أخرى بلا إدرارة. وذلك لاختلاف وقوع التشنج فإنه متى حصل في العضلة وهي على هيئة الانضمام احتبس البول وإن حصل وهي على هيئة الانفتاح * خروج (1044) البول بغير إدرارة. وإن حصل في الأعضاء المجاورة للمثانة وانجذبت العضلة PageVW5P090B المحيطة بها للمشاركة خرج البول بغير إدرارة. وقد يخرج البول في بعض الأوقات كمائية الدم. وذلك لوجهين أحدهما * لانفتاق (1045) بعض الأورادة بسبب التشنج وتمديد الأعضاء. وثانيهما لضعف القوة المميزة. وربما عرض فواق وذلك لتشنج المعدة. فهذه أعراض التشنج وقد استقصيناها في كتابنا المسمي بالشافي.
البحث الرابع
في الفرق بين التشنج الامتلائي والاستفراغي، وذلك من وجوه أربعة. أحدها أن الامتلائي يكون وقوعه دفعة والاستفراغي قليلا قليلا. وذلك لتلاشي المادة أولا فأولا. وثانيها أن الامتلائى ينقص معه طول العضلة * يزداد (1046) عرضها * شبيها (1047) بالمزاود إذا أملئت بشيء. والاستفراغي ينقص معه طول العضلة وعرضها وذلك لتحليل لمادة التي كانت تملأ الخلاء. وذلك * شبيه (1048) بالسيور إذا أدنيت * من (1049) النار. وثالثها أن الامتلائي لا يتشرب ما يوضع عليه من الدهن وبالجملة الأشياء الدسمة، اللهم إلا أن يكون قد أستفاد حرارة عرضية إما من شمس أو من نار. والاستفراغي يتشرب ما يوضع عليه من ذلك بسرعة. ورابعها أن يفرق * بينهما (1050) بما * تقدمهما (1051) من الأسباب الموجبة * لهما (1052) ، وهو أنه إن كان قد تقدمه استعمال أغذية متوفرة وانقطاع استفراغات معتادة فهو امتلائي. وإن كان قد تقدمه استفراغات مفرطة فهو استفراغي.
البحث الخامس:
اجتماع العضلات والأعصاب المعبر عنه بالتشنج إن كان إلى جهة واحدة سمي تشنجا وإن كان إلى جهتين * متضادتين (1053) سمي تمددا. ولذلك قيل التمدد مرض يمنع القوة المحركة عن * قبض (1054) الأعضاء التي من شأنها أن تنقبض. فإن الحالة المذكورة لما كانت إلى جهتين * متضادتين (1055) كانت على هيئة تمنع الانبساط. قال الشيخ في الكتاب الثالث من القانون: والمتمدد ضد التشنج * وداخل (1056) في جنس التشنج دخول الأضداد في جنس واحد واعتزاؤهما إلى سبب واحد. فقوله: ضد التشنج، وذلك لأن * التمدد (1057) يعسر معه الانقباض والتشنج يعسر معه الانبساط. * والانقباض (1058) ضد الانبساط. وقوله: داخل في جنس التشنج والتمدد * ضرر (1059) القوة المحركة. * فإنها (1060) فيهما مضرورة غير أنها في التشنج على هيئة يتعذر معها الانبساط وفي التمدد على هيئة يتعذر معها الانقباض. وقوله: دخول الأضداد في جنس واحد، وذلك كدخول الحرارة والبرودة في * مقولة (1061) الكيف. وقوله: واعتزاؤهما إلى سبب واحد، وذلك لأنهما * مشتركان (1062) في السبب من وجه ومختلفان من وجه آخر.
البحث السادس:
أسباب التمدد تشابه أسباب التشنج من وجه وتخالفها من وجوه أخر. أما وجه المشابهة PageVW1P042A فهو أنهما PageVW5P091A يكونان من الامتلاء والاستفراغ ومن ريح نافخة. وأما وجه المخالفة فمن وجهين أحدهما أن التشنج حدوثه عن الريح نادر. وذلك لأنه من البعيد أن تبقى الريح في خلل * الأعضاء (1063) دون خلل وتنجذب الأجزاء الخالية منها إلى تلك فيحدث التشنج. وذلك لأن الريح جسم لطيف نفاذ في المجاري والمنافذ بسرعة وأما في التمدد فإن الريح * فيه (1064) تنفذ في خلل الليف جميعه دفعة واحدة وتملأها من غير أن تختلف نسيتها إليه. * وثانيهما (1065) أن وقوع مادة التشنج في العضلات والأعصاب على هيئة تمنع من الانبساط ومادة التمدد على هيئة تمنع من الانقباض. وذلك لأن المادة وقعت في الأول في بعض خلل * الليف (1066) ولم تجمد بل أرخت أجزاء * الليف (1067) وجذبت الأجزاء الخالية إليها فنقصت من طوله وزادت في عرضه، لو أنها وقعت أولا فأولا وملأت بعض المجاري والخلل وانجذبت الأجزاء الخالية إلى تلك. وفي الثاني فإن المادة * وإن (1068) وقعت في خلل * الليف (1069) ثم جمدت وبقيت على الصلابة فعسر رجوعها إلى الانقباض وأنها وقعت دفعة وملأت خلل * الليف (1070) من غير أن تختلف نسبتها إليه فعرضته من غير أن نقصت من طوله نقصانا * محسوسا (1071) بل حفظت الطول بملئها الفرج. ولهذا صار التمدد الامتلائي أردأ من التشنج الامتلائى. وأما في الاستفراغي فإن التشنج الاستفراغي أردأ من التمدد الاستفراغي. وذلك لأن المادة في التشنج تحللت جميعها ولذلك نقص * من (1072) طول العضو وعرضه. وأما في الكزاز اليابس فإن المادة فيه لم تتحلل بالكلية بل نقصت وانقبضت المسام. وعند ذلك يتغدر على القوة المحركة أن تقل الأعضاء إلى القبض. ولذلك صار التشنج الاستفراغي أردأ من التمدد الاستفراغي.
البحث السابع:
علامة التمدد * هي بعينها (1073) علامة التشنج لكنها تكون أقوى منها في التمدد الامتلائي والذي يخص كل واحد منهما في ابتدائه أن التشنج يبتدئ بحركة لأن العضو فيه يتناقص في الطول إن كان امتلائيا وفي * الطول والعرض (1074) معا إن كان استفراغيا. وأما في التمدد فيبتدئ العضو بسكون لأن المادة فيه على ما علمت وقعت دفعة فملأت الخلل الكائن فيه ومنعته من الانقباض.
البحث الثامن
في بيان المراد بالتشنج الذي تحمد بعده الحمى. وعلة ذلك * قال (1075) جالينوس: هذا هو التشنج الامتلائي الحادث بغتة لامتلاء العصب من الكيموس البلغمي اللزج البارد الذي منه غداؤه. فإن مثل * هذا (1076) إذا حدثت الحمى بعده فيكثر ما يسخن ذلك الكيموس الذي امتلأ منه العصب تذيبه تلطفه وتحلله. أقول: وقد تنفع الحمى من نوع آخر وهو الحادث عن البرد المجمد. وأما باقي أنواعه فالحمى ضارة فيه. ولذلك لم يقل: * «لأن (1077) تكون الحمى بعد كل التشنج» بل قال * «لأن (1078) تكون الحمى» من غير أن يذكر حرف السور وجعلها مهملة PageVW5P091B وهي في قوة الجزئية.
البحث التاسع
في بيان المراد بالتشنج الكائن بعد الحمى. قال جالينوس: هو التشنج الذي يكون من اليبس الحادث عن الحمى المحرقة المجففة للبدن كله وللعصب * ولا (1079) يكاد صاحب هذه العلة يبرأ لأن العصب يحتاج في برئه إلى مدة طويلة وشدة المرض وقوته لا تمهل، لكنها تحلل القوة سريعا وتجلب * ميتا (1080) وحيا. واعلم أن تحضيصه بالحمى الحمى المحرقة في غاية الجودة. فإن أبقراط يقول في كتاب * أبيديميا (1081) : ليس كل تشنج يحدث بعد الحمى فهو رديء. بل الذي يحدث بعد الحمى المحرقة أو الحمى المتطاولة. * وقال (1082) علاء الدين * (1083) * بن (1084) * النفيس (1085) : التشنج الحادث بعد الحمى تشنج امتلائي. قال: وذلك لأن المادة كانت غليظة جدا. فلما أذابتها الحمى أوجبت التشنج وحيث أوجبت ذلك كانت غليظة بالنسبة إلى المعتدل، والألم يوجب التشنج. * وإذا (1086) كانت حرارة الحمى لم تلطفه وتحلله فأي حرارة تفعل ذلك فقد ثبت أن تأخير الحمى نافع مقصر لمدة التشنج الرطب وتقدمها دال على طوله. ويعلم من ذلك أن حدوث الحمى بعد التشنج المذكور نافع منه جدا. واعلم أن هذا الكلام يحتاج إلى تفصيل فإن الحمى الحادثة إن كانت محرقة على ما ذكره الفاضل جالينوس فيستحيل أن توجب التشنج الامتلائي لقوة حرارتها وتلطيف الغذاء المستعمل فيها. وإن كانت غير محرقة فيحتمل أن يكون الأمر على ما * ذكره (1087) .
27
[aphorism]
قال * أبقراط (1088) : لا ينبغي أن تغتر بخفة يجدها المريض بخلاف القياس ولا * أن (1089) تهولك أمور صعبة تحدث على غير القياس. فإن أكثر ما يعرض من ذلك ليس بثابت ولا يكاد يلبث ولا تطول مدته.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1090) بما قبله وهو أنه قد علم أن لكل واحد من الأمراض * مددا (1091) معلومة فيها يكون * انقضاؤها (1092) وأن ذلك لا بد وأن يكون لأمر مزيل * لسببها (1093) * وهو (1094) إما * طبيعي وإما صناعي (1095) . فلذلك قال في هذا الفصل إذا حصل سكون قبل تلك المدة بغير إزالة السبب فلا ينبغي أن يوثق به. * وكذلك إذا (1096) حصل اضطراب وقلق * في (1097) الوقت الذي يرجى انقضاء المرض فيه * ولا (1098) ينبغي أن يخاف من ذلك الاضطراب والقلق.
البحث الثاني
في معنى الخف الكائن على خلاف القياس. قال جالينوس: إذا حصل مرض قوي ثم خف بغتة قبل انتهاء مدته * ولم يكن (1099) البدن قد استفرغ لا بقيء ولا * بعرق (1100) ولا بلا باختلاف ولا برعاف ولا بغير ذلك من أنواع الاختلافات ولم يظهر أيضا علامات تدل على النضج، فينبغي أن لا يعتمد على ذلك الخف. أقول: ووجه وقوع الخفة في مثل هىذا الوقت المذكور لأمرين أحدهما عند سقوط القوة وقرب الموت. وذلك لأن سبب الألم واشتداد الحمى وغيرها من الأعراض المقاومة الحاصلة بين الطبيعة PageVW5P092A المدبرة * للبدن (1101) * والمادة (1102) * المرضية (1103) PageVW1P042B فإذا أبطلت المقاومة خفت الأعراض. ولذلك صارت تخف عند الانحطاط لأن الطبيعة تكون قد قهرت المرض واستولت عليه. وعند ذلك تبطل المقاومة فتخف الأعراض. فإذا حصل الخف فيه وذلك لسقوط القوة واستيلاء المادة المرضية عليها فتحصل الخفة، لكن خفة لا يعتمد عليها ولا يؤثق بها ويكون حالها في هذا الوقت كحال السراج إذا قارب الانطفاء فإنه يشغل ويضيء ضوءا قويا.والثاني عندما يفرط الجهال من الأطباء في استعمال المبردات في الأمراض الحادة فتخمد الحرارة الغريزية وتسكن حركة المادة وتبطل المقاومة وعند ذلك تخف الأعراض. ثم في الأكثر يعاودها الاشتغال لأنه لم * يتقدمه (1104) * سبب (1105) مزيل لها ويكن هذا الاشتغال أقوى من الاشتغال الأول لمصادفته * لقوى (1106) قد ضعفت ونهكت. فمثل هذه الخفة المذكورة لم يوثق بها ولا يعتمد عليها.
البحث الثالث
في معنى الأمور الهائلة الكائنة على خلاف القياس. قال جالينوس: إذا كان قد ظهر في المرض علامات النضج البين ثم حصل للمريض نفس رديء أو اختلاط عقل أو صعوبة في حماه أو نافض قوي فلا ينبغي أن يهولك ذلك فإن هذه أيضا ليست من الأشياء الثابتة حتى يحصل بعدها أمر * رديء (1107) . فإنها كثيرا ما يدل على بحران محمود قريب. أقول: ووقوع هذه الأعراض ليلة البحران لأجل مجاهدة الطبيعة ومقاومتها للمادة * وتمييزها (1108) الصالح من الفاسد، فمثل هذه لا ينبغي أن يهتال منها ولا يرتاب * لها (1109) . وذلك لأنه لا بد من وقوعها ثم تعقبها في أكثر الأمر خفة وراحة. وأما إذا كان حصول الأمور المذكورة في غير يوم البحران مع ضعف القوة وعدم النضج ووجود الامتلاء، فمثل هذه يخاف منها ويرتاب لها.
البحث الرابع
في المراد بالقياس. المراد به هاهنا هو أنه إذا علمنا بالدليل المأخوذ من التجربة والاستقراء أن المرض ينقضي في يوم معلوم بقيء أو بإسهال أو بعرق أو بغيره من * أنواع (1110) الاستفراغات، ثم انقضى قبل ذلك من غير أن يحصل شيء مما ذكرنا من الاستفراغات فهو رديء، * فأنه (1111) كثيرا ما يعاود أن كان في القوة احتمال، وإلا أعقبه الموت.
البحث الخامس:
في الغرض من هذا الفصل. اعلم أن هذا الفصل فيه فائدة عظيمة وهو أن كثيرا من * جهال الأطباء (1112) عند ما يرون خفة على خلاف القياس يغترون بها ويأمرون العليل باستعمال ما لا يجب استعماله في هذا الوقت * وينذرون (1113) بسلامته مما به، ومتى رأوا الأمور الهائلة خافوها واستعملوا أيضا ما لا يجب استعماله، وأنذروا * بعطب العليل (1114) وهلاكه. فلأجل * هذا (1115) PageVW5P092B نبه على هذا الفائدة وأفرد لها فصلا مستقلا * والله أعلم (1116) .
28
[aphorism]
قال * أبقراط (1117) : من كانت به حمى ليست بالضعيفة جدا فأن * يبقى (1118) بدنه على حاله تلك ولا ينقص شيئا أو يذوب بأكثر مما ينبغي فذلك رديء لأن الأول ينذر بطول من المرض والثاني يدل على ضعف من القوة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله. وذلك من وجهين أحدهما أنك قد عرفت أن لكل واحد من الأمراض * مدد (1119) * معلومة (1120) ، وذلك بحسب مقدار المادة وقوامها. * ثم (1121) ذكر في الفصول المتقدمة الفاعل في مقدارها وقوامها وقد عرفته ومن جملة ذلك السحنة فإنها متى كانت مستحصفة طالت مدة المرض، ومتى كانت * متخلخلة (1122) قصرت مدته. ولما كانت السحنة كذلك أشار الإمام أبقراط إليها في هذا * الفصل (1123) . الوجه الثاني أن * بقاء (1124) البدن على حالة واحدة بحيث لا ينقص منه شيء شبيه بالخفة الحاصلة من غير سبب ظاهر، وأن ذوبان البدن بأكثر * مما (1125) ينبغي شبيه بالأمور الهائلة الحادثة على غير القياس. فهذا وجه صلة هذا بما قبله.
البحث الثاني
في فائدة قوله ليست بالضعيفة جدا وذلك لأن الضعيفة جدا لا توجب الذوبان والقوية جدا مذيبة للبدن. * فالضعيفة (1126) إذا لم يكن معها ذوبان وهزال لم يكن ذلك رديئا لأن طبيعة المرض توجب ذلك. والقوة إذا كان معها هزال وذوبان لم يكن ذلك * رديئا (1127) لأن طبيعة الحمى توجب ذلك لا ضعف القوة.
البحث الثالث
في ذكر الأمور الموجبة لقصر المرض وطوله وهي سبعة * أشياء (1128) . أحدها مقدار المادة فإنه متى كان متوفرا * طالت (1129) مدة المرض لأن الطبيعة تحتاج في إنضاجها ثم إخراجها عن البدن إلى زمان طويل. ومتى كان نززا قصرت مدته لضد ما ذكرنا. وثانيها قوام المادة فإنه متى كان غليظا لزجا طالت مدته، ومتى كان * رقيقا لطيفا (1130) عديم اللزوجة قصرت مدته. وثالثها هيئة البدن فإنها متى كانت مستحصفة طالت مدته، ومتى كانت متخلخلة قصرت مدته. ورابعها مهنة العليل فإنها متى * لم تكن محتاجة إلى مباشرة النار كالسياحة والملاحة طالت مدة المرض، ومتى كانت محتاجة إليها كالحدادة والصياغة والسباكة قصرت مدته (1131) . * وخامسها (1132) التدبير المتقدم فإنه متى كان غليظا أو كثيرا طالت مدته ومتى كان لطيفا أو قليلا قصرت مدته. وسادسها القوة المدبرة للبدن فإنها متى كانت ضعيفة عجزت عن مقاومة المادة في زمان قصير فطالت مدة المرض، ومتى كانت قوية قصرت مدته لضد ما ذكرنا. وسابعها الوقت الحاضر فإنه متى كان شتاء أو خريفا طالت مدة المرض، ومتى كان صيفا قصرت PageVW5P093A مدته.
البحث الرابع:
قوله فإن يبقى بدنه على حاله أو يذوب بأكثر مما يبنغي البدن في حال المرض يستحيل بقاؤه على * ما كان (1133) في حال الصحة، غير أن الحمى متى كانت متوسطة كان ما يتحلل من البدن قليلا بالنسبة إلى ما يتحلل في حال كون الحمى قليلة فعبر عن قلة التحلل بالبقاء بالنسبة إلى ما يتحلل من البدن في حال كون الحمى قوية. فعبر عن قلة التحلل بالبقاء بالنسبة إلى التحلل الكثير. ولا شك أن المتحلل متى كان كذلك أنذر بطول المرض لأن المادة PageVW1P043A في مثل هذه الصورة تكون كثيرة والقوة عاجزة عن إنضاجها وإخراجها عن البدن. وقوله في الذوبان بأكثر مما ينبغي أي * بأكثر (1134) ما تستحقه طبيعة المرض وسحنة المريض * وصناعته وسنه (1135) ومزاج البلد وغير ذلك. فإنه متى كان كذلك كان كثرته لضعف القوة، فإن القوة متى كانت صعيفة تخلت عن مسك الرطوبات وعجزت عن رد عوض ما ذهب في المحتلل في متل هذا الوقت يكون لزجا لأنه من جواهر الأعضاء الأصلية.
البحث الخامس:
في أن هذه الحمى من أي نوع من الحميات. أقول: لا يجوز أن تكون من الحميات الروحية لأن هذه الحمى في غاية القصر ولا العضوية. وذلك لأنها في غاية الخطر فبقي أن تكون من الخلطية. وليس ينبغي أن تكون من أي خلط كان. أما * الصفراوية (1136) الصرفة والدموية الصرفة فلا تطول مدتهما ولا يبقى البدن معهما بحالة لا ينقص * شيء (1137) منه في حال من الأحوال وذلك لقوتهما وحدتهما، فلا تكون هذه الحمى من قبلهما. وأما البلغمية فإنها ضعيفة جدا وكذلك السوداوية لطول زمان راحتها. ولو أراد حدوث هذه عن أي خلط كان لما احتاج أن يقول ليست بالضعيفة جدا ولا * بالقوية (1138) جدا بل * بالمتوسطة (1139) . * وخلطهما (1140) ليس سريع التحلل والنضج ولا بطيئة. وذلك مثل الحميات الصفراوية الغير * الخالصة (1141) ، فإن مثل هذه * الحميات (1142) يمكن بقاء البدن معها مدة إذ * ليست (1143) * في غاية (1144) القوة والحدة. وليس أيضا من شأنها أن تطول، فإن اتفق عروضها لبدن قوي في غاية التلزز والكثافة أنذرت بطول * من (1145) المرض. وذلك لغلظ المادة وكثافة البدن وقوة هذا البدن على احتمالها. وإن اتفق حدوثها لبدن على خلاف ذلك فهي تنهكه سريعا وتذيبه في مدة قصيرة.
البحث السادس:
قال الفاضل جالينوس الأجود أن يكون الضمير في أكثر عائدا إلى القلة والذوبا ومنهم من قال إلى الذوبان فقط لأنه أقرب المفهمين. والثاني أقرب إلى الحق * فإنه قال (1146) في البقاء ولا ينقص شيئا فما * فائدة (1147) قوله بعد ذلك أكثر * مما (1148) ينبغي والله أعلم.
29
[aphorism]
قال * أبقراط (1149) : ما دام المرض في PageVW5P093B ابتدائه فإن رأيت أن تحرك شيئا فحرك. فإذا صار المرض إلى منتهاه فينبغي أن يستقر المريض ويسكن.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1150) بما قبله، وذلك من وجهين. أحدهما أنه لما ذكر * أن (1151) الحمى المتوسطة متى اتفق عروضها * لبدن في غاية التلزز وكانت قوية طالت مدتها ومتى كانت عروضها (1152) لمقابلة ما ذكرنا قصرت مدتها، قال في هذا الفصل إن رأيت أن تحرك فحرك أي إن * كانت (1153) القوة قوية فحرك أي نقص، فإن ذلك يخفف المادة وتقصر مدة المرض. والمراد بالتنقيص هاهنا الفصد على * ما (1154) ذكره الفاضل جالينوس، * أو استعمال الملينات في غير المهتاجة أو استعمال المسهل في (1155) المهتاجة على ما أوضحناه فيما قبل. وثانيهما أنه لما * بين (1156) أن * الأمراض (1157) تستحق * مددا (1158) مخصوصة وأن ذلك يختلف فيها باختلاف فصول السنة وبحسب ما يطرأ عليها من الأمراض المتضادة * وبحسب (1159) السحنات، قال إن هذا * جميعه (1160) لا ينافي كون العلاج بالضد على ما ذكره أولا. ومن جملة ذلك استعمال التحريك بالاستفراغ والنقل. فبين في هذا الفصل الوقت الذي يجب استعماله فيه.
البحث الثابي
في تحقيق المراد بالابتداء هاهنا وبيان وجه التحريك فيه. قال الفاضل جالينوس: إذا كان المرض من الأمراض التي * نرجو (1161) لصاحبه السلامة منه فينبغي في أوله إن رأينا شيئا من العلاج القوي أن نستعمله فنستعمله. وذلك هو مراد أبقراط بقوله إن رأيت أن تحرك شيئا فحرك. والعلاج القوى هو مثل الفصد، وربما استعمل الإسهال ففهم جالينوس من الابتداء أول المرض وهو حق وجعل الفصد من المعالجات القوية لأنه يستفرغ * الأخلاط (1162) * الأربعة (1163) . وقوله وربما * استعمل (1164) الإسهال وذلك كما في الأمراض المهتاجة.
البحث الثالث
قال إبن ابي صادق: هذا القوة دليل على * أن (1165) أبقراط يرى بالاستفراغ قبل النضج لتنكسر سورة المرض وتقل المادة ويسهل على الطبيعة نضجها والاستيلاء عليها. أقول: هذا قول بما ذهب إليه الرازي، وقد تكلمنا في هذه المسألة فيما تقدم. والحق أن مراده هاهنا بالتحريك استعمال الملينات * أو (1166) استعمال المسهل كما في الأمراض المهتاجة أو استعمال الفصد عند وجود شروطه * على ما (1167) ذكره الفاضل جالينوس.
البحث الرابع
في أنه لم قال التحريك ولم يقل الاستفراغ. وذلك لأن القصد من المعالجة دفع المادة عن العضو المؤوف إلى جهة أخرى وهذا تارة يكون * بالاستفراغ (1168) وتارة تكون * بلا (1169) استفراغ كنقل المادة بالمحاجم التي بلا شرط، فإن هذا النوع من المعالجة فيه مثل المادة وتحريكها إلى جهة آخرى من غير استفراغ.
البحث الخامس
في بيان علة المنع من التحريك في منتهى المرض. وذلك لأنه PageVW5P094A وقت القتال * والمعمعة (1170) . فلو أشغلنا الطبيعة في هذا الوقت بأمر محرك لاشتغلت عن مقاومة المادة ودفعها عن البدن وكان يكون حالها في هذا الوقت كحال رجل * يروم (1171) مصارعة رجل آخر، ثم حصل له شاغل يشغله عن صراعه، وعند ذلك فإن المتفرغ يصرع المشغول، كذلك الطبيعة المدبرة للبدن. فلأجل هذا أمر الإمام أبقراط بالاستقرار والسكون في الوقت المذكور غير أنه ليس المراد بذلك ترك الاستعمال مطلقا أي المداواة بالكلية، بل ترك التحريك بالمسهل أو بالملين. وإلا فقد * تستعمل (1172) الأشربة الدوائية المقوية للقوة، وربما استملنا المرقة عند حصول عارض يحل القوة.
البحث السادس:
كما أنه لا يجوز استعمال التحريك في المنتهى ولا في الابتداء إلا في صورة مخصوصة وهي عند كون المرض مهتاجا PageVW1P043B ، كذلك لا يجوز استعماله في الانحطاط. وذلك لأن الطبيعة ضعيفة عاجزة عن مقاساة المسهل بسبب ما حصل لها من * الوهن والضعف (1173) في مقاومة * المادة ونضجها (1174) ومع ذلك فهي في هذا الوقت أخذه في تفريق شملها وإخراجها عن البدن، فلا حاجة بها إلى معين ومخرج ولا سيما متى كان في المخرج قوة سمية كما في المسهلات. * فإن (1175) قيل فإذا كان لا يجوز استعمال المسهل في ابتداء لما * ذكرنا (1176) ولا في المنتهى والانحطاط لما ذكرنا أيضا ففي أي وقت يجوز استعماله؟ فنقول: في وقت التزيد، وذلك لأن النضج فيه قد ظهر ظهورا بينا وأيضا فإن بعده يأتي زمان المقاومة والقتال. فإذا خففنا من المادة ونقصنا منها استولت الطبيعة على ما بقي منها في ذلك وقهرته، * وألله أعلم (1177) .
30
[aphorism]
قال * أبقراط (1178) : إن جميع الأشياء في أول المرض وآخره أضعف وفي منتهاه أقوى.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1179) بما قبله وهو أن هذا كالتعليل لما قبله، * فإنه (1180) لما أمر فيما قبله باستعمال السكون والاستقرار في وقت المنتهى ولم يذكر لهذا علة في الفصل المتقدم ذكر علته في هذا الفصل. * ولهذا قال الفاضل جالينوس يجب أن يكون هذا الفصل (1181) موصولا * بالفصل (1182) الذي قبله وهو أن يقال ما دام المرض في ابتدائه فإن رأيت أن تحرك شيئا فحرك، فإذا صار المرض إلى منتهاه فينبغي أن يستقر المريض * ويسكن (1183) لأن جميع الأشياء في * أول (1184) المرض وفي آخره * أضعف (1185) وفي منتهاه أقوى. فقوة الأشياء في المتهى هي الموجبة للسكون والاستقرار.
البحث الثاني
في تحقيق معنى الأشياء. قال الفاضل جالينوس يريد بذلك جميع الأعراض، فإنها تكون في أول المرض وآخره أضعف، وفي منتهاه أقوى. وتلك مثل نوائب الحمى والأرق والوجع والعطش والكرب PageVW5P094B . * وأما (1186) الحال التي تكون لها هذه الأعراض * وهي (1187) المرض، فيجب أن يكون في منتهى المرض أمثل إذا كان المريض من المرضى * الذين (1188) يسلمون. أقول إنه لم يتعرض لبيان علة ضعف هذه في أول المرض وآخره وقوتها في منتهاه. وقوله إن المرض يجب أن يكون في المنتهي أمثل لا يلزم منه أن يكون أضعف. فإن المنتهى وقت كمال زيادة المرض، ثم بعد ذلك الانفصال وكمال زيادة المرض هو أشد أوقاته وما كان المرض بتلك الحال إلا تبعا لسببه. فسببه أيضا ينبغي أن يكون كذلك. ولا شك أنه عند ذلك تشتد الأعراض لأنها تابعة له. * فإنه من (1189) المستحيل أن يكون الورم في ذات الجنب غطيما ولم * تقو (1190) الحمى والوجع الناخس والسعال وضيق النفس والنبض المنشاري.
البحث الثالث:
قال ابن أبي صادق: عنى أبقراط بهذه الأعراض * المقومة (1191) لنوع المرض وتكون هذه في الابتداء ضعيفة لأن سورتها لم تكمل بعد وفي الانحطاط تكون قد ضعفت لأنها قد أخذت في الاضمحلال. وأما في المنتهى * وبالقرب (1192) منه فتكون قد كملت وهي * في (1193) هذا الوقت أقوى ما يكون، غير أن هذا القول منه لا يحمل على جملة المنتهى بل على ابتدائه فإنه لقربه من * زمان (1194) التزيد تكون الأعراض فيه قوية. وأما في آخره فإن الأعراض فيه تضعف. فإن الطبيعة فيه تكون قد استولت على المادة ولم يبق إلا دفعها وإخراجها عن البدن.
البحث الرابع
في تقسيم الأعراض. نقول: الأعراض منها ما هي مقومة * للمرض (1195) ومنها ما هي غير مقومة. فالمقومة * للوجود (1196) مثل الأعراض * الخمسة (1197) في ذات الجنب فإنه يستحيل وجودها بدونها والغير * المقومة (1198) على نوعين، منها ما لها وقت معلوم ومنها ما ليس لها * وقت معلوم (1199) . فالتي لها وقت معلوم * كأعلام (1200) البحران فإنها * دائما (1201) تأتي عند قرب المنتهى، والتي ليس لها * وقت معلوم (1202) على نوعين. منها ما هي مناسبة للمرض ومنها ما هي غير مناسبة. فالمناسبة مثل الصداع والعطش والسهر في الحميات الصفراوية فإن مثل هذه * الحمى (1203) لحرارتها * وللطافة (1204) * مادتها (1205) تتبخر عنها أبخرة رديئة تتصاعد إلى الدماغ وتؤلمه فتوجب فيه الصداع. وأما العطش فلأجل حرارة الحمى والمادة * ويبسها (1206) ، والغير * المناسبة (1207) مثل الغشي واختلاط الذهن فإن هذين العرضين ليس من شأن الحمى المذكورة * إيجابهما (1208) ، غير أنه إن اتفق أن الدماغ كان ضعيفا والأبخرة المتصاعدة كانت حادة محرقة فإنها توجب ذلك. وإن انصب منها شيء إلى فم المعدة وكان قوى الحس بعيد العهد بالغذاء، حصل الغشي. فظهر مما ذكرنا أن الأعراض التي تكون ضعيفة في الابتداء والانحطاط وقوية في المنتهى هي الأعراض * المقومة (1209) .
البحث PageVW5P095A الخامس
في بيان عروض الأعراض المذكورة في ذات الجنب. أما الحمى فلأجل عفونة المادة الموجبة للورم ولأجل قربه من القلب لأن الورم في الغشاء المستبطن للأضلاع. وأما الوجع * الناخس فلأجل غشائية العضو فإن هذا الوجع خاص بالعضو المذكور. وأما السعال فلأجل دفع المؤذى، غير أنه يكون في الابتداء يابسا أي خال (1210) من النفث لأن المادة بعد فجه وعند نضجها يكون رطبا أي معه نفث. فإن قيل إن الورم داخل PageVW1P044A الغشاء والرئة خارجة عنه إلى جهة الباطن، فكيف تخرج المادة بالنفث؟ نقول: الرئة دائمة الحركة فعند حركتها الانبساطية تلامس هذا الغشاء وتلاصقه. فإذا نضجت المادة الورمية خرجت من مسام الغشاء إلى فضاء الصدر على سبيل الرشح فتتشرب الرئة ما رشح منها، لا سيما * وهي (1211) قابلة لذلك لأنها اسفنجية القوام. وأما النبض المنشاري فقال الشيخ الرئيس في الكتاب الثالث من القانون: لأجل جوهر الغشاء * يختلف (1212) القوام أي أن بعضه * لين وبعضه صلب (1213) . فما كان منه * صلبا (1214) أوجب * انخفاض (1215) العرق لأنه * لا (1216) يؤاتي في الانبساط. وما كان منه * لينا (1217) أوجب الارتفاع * لأن (1218) فيه موأتاة للانبساط والارتفاع. وهذا كلام بعيد * فإن (1219) الغشاء غير الشرايين فلا يلزم ما ذكره. * وقال في الكليات (1220) : لأن المادة مختلفة في العفن والخلو من العفن * مما كان منها عفنا (1221) ، فإنه يوجب * الارتفاع وما كان منها خال من العفن فإنه يوجب (1222) * الانحفاض (1223) لأنه لم يحوج إلى الحركة. وهذا أيضا بعيد لأن المادة الموصوفة * بذلك (1224) في جوهر الغشاء لا في * الشرايين (1225) . والحق في هذا ما ذكره الفاضل جالينوس في كتاب النبض الكبير، وهو أن بين الغشاء وبين الشريان مشاركة بشظايا * ليفية (1226) . فإذا حصل فيه ورم تمدد ثم تمددت الشظايا وعند تمددها تتمدد الشرايين فما كان من أجزاء * الشرايين (1227) * متصلا (1228) بالألياف فإنه عند * حركته الانبساطية (1229) يبقى * منخفضا (1230) * لأنه (1231) لم يطاوع لذلك وما لم يكن متصلا * بذلك (1232) لم * يحصل له (1233) ذلك فيرتفع عند الحركة المذكورة فتصير أجزاء * الشرايين (1234) البعض منها مرتفع * (1235) والبعض منها * منخفض (1236) . وحينئذ تصير كأنها أسنان المناشر. وقد أوضحنا هذا الموضع في شرحنا * لكليات (1237) القانون إيضاحا شافيا. أما ضيق النفس * فلضغط (1238) الورم لآلآت النفس، والله أعلم.
31
[aphorism]
قال * أبقراط (1239) :إذا كان الناقه من المرض يخطئ من الطعام ولا يقوى * به (1240) فذلك رديء.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1241) بما قبله وهو أنه لما نهى عن استعمال المحرك في المنتهى وما بعده ذكر في * هذا (1242) الفصل أنه قد تدعو الحاجة إلى استعمال المحرك بعد المنتهى لأمر طارئ لا من ذات المرض، كالناقه مثلا. فإنه إذا تناول من الطعام ولم * يقو (1243) به فإنه يدل على أنه * يحتاج (1244) إلى الاستفراغ.
البحث PageVW5P095B الثاني:
قال جالينوس: أبقراط وضع مكان قوله هاهنا «يخطئ» في الفصل الماضي «ينال» فالناقه إذا كان يتناول * الغذاء (1245) ولم * يقو (1246) * بدنه به (1247) فإنه يدل عليه أن شهوته أقوى من هضمه وليس شهوته طبيعية بل مرضية على ما ذكرنا بسببها يتناول من الغذاء أكثر * من (1248) احتمال قوته. وعند ذلك لم يقو على هضم ما * تناول (1249) وأخذ من الغذاء. وفي مثل هذه الصورة يستحيل أكثر الغذاء فضولا، * فلا (1250) يغتذي به البدن اغتذاء صالحا. ثم أن الفضلات تجتمع على ممر الأيام وتولد أمراضا رديئة. فإن النكسة أردأ من المرض ابتداء لأن الابتداء أتى إلى البدن وهو صحيح سليم القوى، والنكسة حصلت * للبدن (1251) * وهو ضعيف القوى (1252) بسبب ما تقدم من المقاومة. غير أن أبقراط جعل هاهنا زيادة البدن * دليلا (1253) على قوة القوة، وفي الفصل المتقدم ذكر القوة ولم يجعل ذلك دليلا على أحوالها.
البحث الثالث:
لقائل أن يقول لم * لا قال أبقراط في هذا الفصل فذلك (1254) يحتاج إلى استفراغ كما قال في الفصل الماضي، بل قال فذلك رديء؟ أقول: وذلك لأن وجوب الاستفراغ قد اكتفى بذكره في الفصل * الماضي (1255) . وأما قوله أنه رديء * فلما (1256) عرفت وهو أن البدن الذي ليس * بنقي (1257) كلما غذوته زدته شرا، والله أعلم.
32
[aphorism]
قال * أبقراط (1258) : إن في أكثر الحالات جميع من حاله رديئة ويحظى من الطعام في أول الأمر، فلا يتزيد بدنه شيئا فإنه بآخره يؤول أمره إلى أن لا يحظى من * الطعام (1259) . فأما من كان يمتنع عليه في أول أمره النيل من الطعام امتناعا شديدا ثم يحظى منه بآخره فحاله تكون أجود.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله، وهو أن هذا الفصل يتبين فيه ما يلزم مما ذكره في الفصل الذي قبله. فإن الناقه إذا كان يتناول من الغذاء ولا يزيد بدنه شيئا فإنه بآخره يؤول إلى أن لا يتناول من الطعام شيئا. وذلك لمزاحمة فضلات الغذاء الأعضائية * وضغظها (1260) لها * ولاشتغال (1261) قواه بدفعها وإخراجها عن البدن.
البحث الثاني
في تحقيق أصحاب هذه الحالة الرديئة. قال جالينوس يشبه أن يكون هذا الفصل أيضا إنما قيل في أمر الناقه. والدليل على ذلك قول أبقراط فلا يتزيد بدنه شيئا. فإن أبقراط وغيره من قدماء اليونان من عادتهم أن يصفوا * بمثل هذا الكلام الناقه (1262) . فالحاصل أنه لا يقال التزيد إلا في حق الناقه الذي نقص * المرض من بدنه (1263) . هذا في اللغة المنقولة عن أبقراط وغيره * من قدماء اليونان (1264) . وأما في عرفنا PageVW5P096A * اليوم (1265) فإن الحالة الرديئة تطلق على كل من بدنه غير نقي. وعلى هذا يندرج فيه المريض والناقه وغيرهما وسنتكلم في هذا.
[commentary]
البثحث الثالث: مراده بالحالات المذكورة * أولا الأول أي في أكثر الأوقات. قوله (1266) جميع من حاله رديئة أي حالة بدنه لأن حالة البدن تطلق في عرف الطب على الحالة * الصحية (1267) والمرضية والحالة الثالثة عند من يثبتها. ومن البين أنه لا يريد بقوله الحالة الرديئة الحالة * الصحية (1268) لأن هذه حالة جيدة ولا الحالة المرضية لأن المريض إذا كان يتناول من الطعام فهو محمود وإن كان لا يتزيد بدنه فإنه ليس الغرض من تغذية المريض زيادة بدنه بل حفظ PageVW1P044B قوته. فبقي أن يكون * مراده (1269) بالحالة الرديئة من صحته * رديئة (1270) . وهذا يخص الناقه الذي هو أحد أقسام الحالة الثالثة.
البحث الرابع
في بيان سبب * الخطوة (1271) من الطعام في أول الأمر فيمن حاله رديئة وعدم زيادة البدن به ومال أمره إلى عدم * الخطوة (1272) منه. قال جالينوس: السبب الذي من أجله يحظى الناقه من الطعام في أول الأمر ولا يتزيد بدنه رداءة حال بدنه كله وقوة الأعضاء التي بها الشهوة، إلا أنه إذا تمادى به الزمان ازداد رداءة في البدن كله لكثرة ما يتناول من الغذاء. فينال آلة الشهوة من ذلك ضرر حتى تبطل شهوته للطعام. هذا كلامه وهو مجمل لأنه لم يبين سبب قوة أعضاء الشهوة ورداءة حال البدن. وهذا مما يحتاج إلى إيضاج وتبيين. قال إبن ابي صادق: عنى بمن حاله رديئة الناقه فإنه إذا اشتهى وتناول ولم يتزيد بدنه شيئا، دل على أن شهوته أقوى من هضمه ويؤول * أمره (1273) إلى أن لا يشتهي شيئا * لما (1274) يتولد في بدنه من الفضل الذي يصير كلا على قوته وسببا لسقوط شهوته. فحاصل ما ذكره إبن أبي صادق علة زيادة المتناول في أول الأمر. ولم يذكر * علة (1275) عدم زيادة البدن به. والذي نقوله نحن في هذا الباب أن الشهوة متى كانت قوية فيمن حاله رديئة فهي إما * لخلط (1276) حريف يلذع فم * المعدة (1277) ويدغدغه ويوجب الشهوة المذكورة، أو خلط حامض يفعل ذلك. ومن * البين (1278) أن المتناول في مثل هذا الوقت أكثر من احتمال القوة الماضمة التي في المعدة. وعند ذلك * لا (1279) يستحيل الغذاء إلى ما ينبغي لضعف الهاضمة * التي في المعدة (1280) والمخالطة ما يجده في المعدة فيخرج بذلك عن صلاحيته للتغذية. فلذلك لا يزيد البدن به ثم أنه يصير كلا على القوة ويضعف قوته الشهوانية ويؤول أمر صاحبه إلى أن لا يتناول * شيئا (1281) من الغذاء.
البحث الخامس
في سبب عدم * الحظوة (1282) من الطعام في أول الأمر فيمن حاله رديئة ثم بعد ذلك قوة الحظوة PageVW5P096B وزيادة البدن. هذا يكون سببه امتلاء البدن من مواد موجبة لسقوط الشهوة وضعف الهضم. فإذا ترك الغذاء تفرغت الطبيعة لمقاومته * وإصلاحه (1283) فيصلح منه ما يقبل الصلاح وتغذى به الأعضاء وتقوى به على الباقي لقلته وتدفعه فينقى البدن وتنتهض القوة * والشهوة (1284) . وعند ذلك ينهضم إلى خلط صالح تقوى به القوة تزيد في * البدن (1285) .
33
[aphorism]
قال * أبقراط (1286) : صحة الذهن في كل مرض علامة جيدة وكذلك الهشاشة للطعام. وضد ذلك علامة رديئة.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث سبعة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله (1287) وهو أن الإمام أبقراط * لما ذكر أن شهوة الغذاء إذا كانت فيمن حاله رديئة (1288) مذمومة فينبغي أن تذم في المرضى، ذكر في هذا الفصل أنها في المرضى علامة جيدة لئلا يتوهم متوهم ذلك. ولما كانت صحة هذه الشهوة دالة على جودة آلتها التي يسمونها الأطباء أعضاء القوى الطبيعية، ذكر ما يدل عله صحة آلات القوى النفسانية وهو صحة الذهن. فإن صحة الذهن دليل على قوة الدماغ وما ينشأ منه كالنخاع والأعصاب. إذ لو كانت هذه مؤوفة لاختل الذهن. فإن قيل: فهلا ذكر ما يدل على صحة * القوة (1289) الحيوانية وآلتها كما ذكر ما يدل على * صحة القوة (1290) الطبيعية والنفسانية * وآلتيهما (1291) . * قال (1292) علاء الدين ابن النفيس: لأن هذه القوة لم يثبتها جميع الفلاسفة بل الأطباء. ولعل أبقراط لم يكن معتقدا أن لها وجودا. والذي نقوله نحن في هذا الباب أن صحة * هاتين (1293) القوتين وآلتيهما * دليل (1294) على صحة القوة الحيوانية. وذلك لأن القوة الحيوانية معدة لقبولها وكيفيتها التي هي الحرارة الغريزية آلة لهما في كمال * فعليهما (1295) والروح الحاملة لها ولكيفيتها مادة لهما على ما عرفت. فإن الروح الحيواني يصعد منه جزء إلى الدماغ ينطبخ فيه وهناك يستعد لقبول القوة النفسانية على رأي الطبيب أو لأفعال هذه القوة على رأي الفيلسوف. وينفذ جزء منه إلى الكبد وبنطبخ فيها وهناك يستعد لقبول القوة الطبيعية على رأي الطبيب أو لأفعالها على رأي * الفيلسوف (1296) . فالحاصل أن * صحة (1297) القوتين المذكورتين * دليل (1298) على صحة القوة الحيوانية. ولما كان حالها كذلك استغنى بما ذكره عن ذكرها.
البحث الثاني
في معنى العلامة الجيدة. قال جالينوس: لا ينبغي متى قال أبقراط في شيء مما يظهر في البدن أنه علامة جيدة أو محمودة أو صالحة أو غير ذلك مما أشبهه أن يتوهم أنه متى * ظهر (1299) فالمريض يسلم لا محالة ولا متى قال في شيء أنه علامة رديئة أو خبيثة أو غير ذلك مما أشبهه أنه لا بد وأن يموت متى * ظهر (1300) . فإن العلامة الجيدة قد يقابلها كثيرا علامة رديئة أقوى منها وإنما لك في هذه الأحكام وأشباهها أن تفهم PageVW5P097A ما يقال لك أن هذه العلامة جيدة في نفسها وبحسب ما تدل هي * عليه (1301) . فأما أن الحكم على أن المريض يسلم أو ويموت فإنما يكون بعد أن يتدبر جميع العلامات. * أقول: ومعنىى قوله بتدبر جميع العلامات (1302) هو * أن (1303) نقيس العلامات الجيدة بالرديئة ونوازن بينهما في القوة والضعف وغلبة بعضها على بعد ونحكم PageVW1P045A بالموت أو بالسلامة من جهة الأقوى والأضعف * ولأقل (1304) والأكثر.
البحث الثالث:
المراد بالذهن عند الأطباء مجموع القوى * الثلاث (1305) التي هي الخيالية والفكرية والذكرية. وقد علم أن لكل واحد من هذه القوى بطنا خاصا. فمتى كان الذهن صحيحا كانت هذه البطون الثلاثة سليمة من الآفات * وكان الدماغ والنخاع والأعصاب النابتة منهما سليمة (1306) . فإن هذه الآلآت متى كانت مؤوفة تأدت آفتها إلى الدماغ فلم يكن صحيحا.
البحث الرابع:
الهشاشة للطعام معناها الإقبال عليه من غير نفرة. ولا شك أن هذا يدل على صحة آلات الغذاء ويتبع ذلك صحة القوى الطبيعية وصحة هذه يتبعها قصر مدة المرض وجودة البحران. أما الأول فإنها متى كانت كذلك أنضجت من المادة ما هو محتاج إلى النضج فغذت الأعضاء * بأجودها (1307) ودفعت ما هو محتاج إلى الدفع. ولا شك أن هذه أمور موجبة لقصر المدة. وأما البحران فإن هذه متى كانت كذلك أنضجت المادة على أتم وجه وأكمله. وعند ذلك تتمكن الطبيعة من دفعها أي إلى جهة * متهيئة (1308) لها.
البحث الخامس:
لقائل أن يقول: لم اقتصر أبقراط على ذكر دلائل الأعضاء الرئيسة دون غيرها؟ فنقول: وذلك لأن هذه * الدلائل (1309) أشرف من غيرها لأنها مأخوذة من أعضاء مدبرة للبدن. فإن منها ما يتولى تدبير النوع. وهذا مثل الأنثيين، فإنه المولد للمواد الزرعية التي بها حفظ النوع. ومنها ما يتولى تدبير الشخص. فالبعض لأجل تحسين حياته وهو الدماغ. * فإنه (1310) بالقوى التي فيه يشعر بالنافع والضار وغير ذلك، والبعض لأجل توليد الحياة * وهو القلب (1311) فإن فيه تتولد القوة الحيوانية التي يكون بها الحياة والإعداد لقبول آثارها والروح الحيواني * الذي (1312) هو مادة الروحين الباقيين، والبعض لأجل توليد مادة الحياة كالكبد. فإنها المولدة للدم الذي به اغتذى الأعضاء والزيادة في النمو ومنه تتولد الأرواح الحيوانية. فلما كان حال الأعضاء المذكورة كذلك خصص الدلائل المأخوذة منها بالذكر.
البحث السادس:
قال جالينوس: افهم * من (1313) هذا الموضع أن صحة الذهن وبقاء الشهوة * علامتان صالحتان محمودتان (1314) في جميع الأمراض، * فإن من العلامات ما ليس بمحمود في جميع الأمراض (1315) والذي يعلم به أن الذهن إذا كان صحيحا فهو يدل على صحة الدماغ وأغشيته والنخاع والحجاب وكل عضو عصي ولا سيما ما كان من * تلك (1316) الأعضاء قريب من الدماغ. وكلما PageVW5P097B يلي شيء من هذه الأعضاء التي وصفناها وكذلك متى كان المريض * يهش (1317) * للطعام (1318) ويحسن موقعه منه، دل على صحة المعدة والكبد وما يليهما والفؤاد. وإذا * كانت (1319) هذه صحيحة فليس الرجاء * لسلامة (1320) المريض بضعيف.
البحث السابع:
لقائل أن يقول: هذا الكلام فيه نظر، فإن صحة الذهن * ليست (1321) هي علامة جيدة دالة على السلامة في جميع الأمراض. فإن * المسلول والمسهول (1322) ذهنهما يكون في غاية الجودة وهما بقرب الموت، وكذلك الجذام فإن الشهوة للطعام فيه قوية جيدة وهو مرض رديء مخطر، * والخوانيق (1323) أيضا كذلك والدوسنطاريا الكبدية. أجاب بعضهم قال: معنى قول أبقراط صحة الذهن في حكل مرض أي في كل أمراض الدماغ * فكذلك (1324) القول في الهشاشة للطعام أي في أمراض الكبد. والحق أن صحة الذهن في كل مرض علامة جيدة دالة على جودة حال العضو المأخوذ منه العلامة. فصحة الذهن مثلا في الإسهال أجود من اختلاطه. فإن اختلاطه في مثل هذه الصورة دليل على كثرة المادة بحيث أن البعض صعد إلى الدماغ وأضر به والبعض انحدر إلى جهة آلات الغذاء وقهر قواها وانحدر بالإسهال. وكذلك الكلام في الهشاشة * للطعام (1325) .
34
[aphorism]
قال * أبقراط (1326) : إذا كان المرض ملائما لطبيعة المريض وسنه وسخنته والوقت الحاضر من أوقات السنة فخطره أقل من خطر المرض الذي ليس بملائم لواحدة من هذه الخصال.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث سبعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1327) بما قبله وذلك من وجهين أحدهما أن الإمام أبقراط لما ذكر أن جودة الذهن وانتهاض الشهوة دليلان جيدان في كل مرض قال وكذلك * إذا كان المرض (1328) ملائما لمزاج المريض وسنه وسخنته والوقت الحادر من أوقات السنة فهو أيضا علامة جيدة. وثانيهما أن هذا كالدليل على أن صحة الذهن والهشاشة دليلان جيدان في كل مرض. * وذلك (1329) لأن ذلك مناسب للصحة. فإن المناسب للشيء أجود من المضاد وإن كان رديئا، والدليل عليه قلة خطر الأمراض * المناسبة (1330) للمزاج * والسن والوقت الحاضر. سنبين علة هذا (1331) .
البحث الثاني
في تفسير الطبيعة. الطبيعة في عرف الطب تطلق على أربعة * معان (1332) . أحدها على القوة المدبرة للبدن التي من شأنها حفظ كمالاته. وثانيها على الهيئة البدنية كما قال أبقراط في * كتاب (1333) ابيديميا أن أكثر من يموت بالسل من كانت طبيعته متهيئة للسل أي من * كانت (1334) هيئة بدنه قابلة لذلك. وهو أن يكون مجنح الأكتاف بارز الحنجرة عاري الصدر طويل الرقبة نحيف البدن. وثالثها على المزاج الخاص بالشخص كما ذكر في هذا الفصل. فيقال: طبيعة قابلة لهذا أي مزاجه قابل لذلك. ورابعها على البراز فيقال طبيعة مجيبة أي برازه. غير أن مراده هاهنا بالطبيعة المزاج على ما * ذكرنا (1335) PageVW5P098A .
البحث الثالث
في بيان قلة خطر المرض المناسب وقوة خطر * المضاد (1336) . هذا الأمر الأطباء مختلفون فيه. فذهب الفاضل جالينوس إلى أن المرض المضاد لهذه أشد خطرا من المناسب لها. * قال (1337) وذلك لأنه لم يحدث إلا وسببه * قوي (1338) حتى قهر هذه وأوجب المرض. ثم قال: والتجربة تشهد بصحة هذا PageVW1P045B فإنه متى عرض حمتان محرقتان متساويتان في العظم أحدهما في الصيف والأخرى في الشتاء وجدت التي عرضت في الشتاء أجلب للهلاك من * التي (1339) عرضت في الصيف. فإن كان حصول الحمى عند حرارة الهواء ثم انتقل الهواء إلى البرد انتفع صاحب الحمى ببرد الهواء منفعة عظيمة، ويصير مزاجا الهواء له جيدين محمودين. أما الاأول فعلى طريق أنه علامة جيدة لما ذكرنا. وأما ألثاني فعلى طريق أنه * سبب جيد (1340) . فهذا ما لاح لنا في هذا * الجانب (1341) . وذهب ديقلس إلى أن المناسب أشد خطرا من غير المناسب. وقد تمسك في هذا بوجبه واحد وزدنا نحن من جهته وجوها خمسة. أحدها وهو ما ذكره أن الأشياء المتشابهة للأمراض تهيجها وتقويها والأشياء * المضادة (1342) تضعفها وتوهنها لأن شفاء الضد بالضد. وثانيها * لنا (1343) أن المرض المناسب للفصل والسن أشد أعراضا من غير المناسب. ويدل عليه الاستقراء اللطبي، فإن الحمى المحرقة إذا حصلت في الصيف لشاب محرور كانت أعراضها أشد منها إذا حصلت لشيخ مبرود في زمان الشتاء، والأعراض دالة على الأمراض. فشدتها وقوتها دالة على قوة المرض. فالمرض المناسب أقوى وأخطر من غير المناسب. وثالثها لنا أن توليد الخلط في الفصل والمزاج المناسبين أكثر من توليده في الفصل والسن * المضادين (1344) وحيث كان الخلط أكثر فالمرض الحادث عنه * أعظم (1345) وأقوى، وحيث كان المرض كذلك فهو أخطر. فالمرض المناسب * أخطر (1346) من غير المناسب. ورابعها لنا أن استعداد الجسم للانفعال عن المناسب أشد من انفعاله عن غير * المناسب (1347) ، وعند ذلك يكون الأثر عظيما. فالمرض المناسب للمزاج والسن والسخنة والوقت الحاضر أعظم من المضاد لهذه فيكون أخطر. وإنما قلنا إن انفعال الجسم من المناسب أشد من انفعاله من غير المناسب هو أنا إذا أخذنا جسمين قابلين للاحتراق متساويين في الماهية والتخلخل والتكاثف والرقة والغلظ وسخنا أحدهما بالنار أو بالشمس ثم أدنيناهما إلى النار، فإنا نرى الجسم المسخن أسرع احتراقا وأشد التهابا من غير المسخن. وما ذاك إلا أن الاستحالة من المناسب أسرع وأشد من غير المناسب. فالمرض المناسب أشد خطرا من غير المناسب. وخامسها لنا أن المناسب يكون فيه المزاج الأصلي والسن والوقت الحاضر مقاومة للمعالجة ومعاندة لها PageVW5P098B بخلاف المضاد. فإن الأمور المذكورة تكون معينة للمعالجة ومقاومة * للمرض (1348) . وما كان كذلك فهو أقل خطرا وأسرع برؤا. فالمرض المناسب أشد خطرا من غير المناسب. وسادسها لنا أن الشيخ إذا أحصل له فالج أو لقوة في زمان الشتاء يتعذر برؤهما، ولا كذلك إذا كان حصولهما لشاب محرور في زمان الصيف. فالمرض المناسب أشد خطرا من غير المناسب. فهذا ما لاح لنا في هذا الباب. * والحق في هذا الباب (1349) ما ذهب إليه الفاضل جالينوس فإن المرض المضاد للفصل والسن والمزاج يدل على قوة سببه وعظمه وقوة السبب تدل على شدة الخطر. فالمرض المناسب أقل خطرا من غير المناسب. ولنضرب لهذا مثالا * في (1350) الوجود الخارجي وهو أن الحطب إذا كان نديا وفي زمان الشتاء عند برد الهواء فإنه لا يحترق ويوقد إلا بنار قوية جدا بخلاف ما إذا كان يابسا متخلخلا وفي زمان الصيف وعند كون الهواء حارا فإنه يشتعل ويلتهب من أدنى نار. فإذا عرفت هذا فنقول: * الجواب (1351) عن ما تمسك به ديقلس قوله أن الأشياء المتشابهة للأمراض تهيجها وتقويها إلى آخره، نقول: لا شك أن المتشابهة للأمراض * تهيجها (1352) غير أن الأمراض في مثل * هذه (1353) الأوقات * لا تحتاج في حودوثها إلى سبب قوي بل أدنى سبب يحدثها ويثيرها فحصولها في مثل هذه الأوقات (1354) يدل على ضعف السبب، وضعف السبب يدل عليه قلة الخطر. فالمناسب * من المرض (1355) أقل خطرا من غير المناسب. وأما قوله إن ألأمور المذكورة متى كانت مضادة نفعت في المعالجة، قلنا: الأمور المذكورة لا * يخلو (1356) إما أن تكون حاصلة قبل حدوث المرض وإما أن تكون حاصلة بعد حدوث المرض. فإن كان الأول فحصول المرض في مثل هذا الوقت يدل على قوة سببه فهو أخطر. وإن كان الثاني فتكون نافعة في المعالجة ومعينة لها. ولأجل هذا قال أبقراط فيما بعد صاحب الصرع إذا كان حدثا فبرؤه منه يكون خاصة بانتقاله في السن والبلد والتدبير * والبلد (1357) . والجواب عما ذكرنا نحن ثانيا قولنا إن الأعراض في المناسب أشد منها في غير المناسب. وشدة الأعراض تدل على قوة المرض. قلنا: لا نسلم أن شدتها تدل على قوة المرض بل شدتها لأجل حصول ما يناسبها ويلائمها، غير أنه لا يدل على قوة السبب الفاعل للمرض كما ذكرنا * في (1358) أمر الحطب الندي في زمان الشتاء * في (1359) هواء بارد. فإنه لا يحترق ويشتعل إلا من نار قوية جدا. والجواب عما ذكرنا ثالثا قولنا: إن تولد الخلط في الفصل والسن المناسبين أكثر إلى آخره. نقول: هذا مما لا شك فيه، غير أن ورود الخلط في مثل هذه الأمور * المذكورة (1360) يدل على قوة سببه. وأيضا فإن الأعضاء والقوى تتالم به أكثر لأنه كالغريب منها. والجواب عما * ذكرناه (1361) رابعا PageVW5P099A قولنا: إن استعداد الجسم للانفعال من المناسب أشد * من انفعال (1362) غير المناسب، غير أن * الأمر (1363) الحادث من المناسب لم يكن عظيما بل يكن سريعا بخلاف * الأمر (1364) الحادث عن المضاد فإنه لا يكون إلا لأمر عظيم قوي في بابه كما ذكرنا في أمر الحطب الندى. والجواب عما ذكرناه خامسا قولنا إن السن والمزاج والوقت تكون في المضاد معينة في المعالجة إلى آخره. نقول: هذه إنما تكون معاندة إذا كان حصول المرض بعد حصولها فإنها في مثل هذا الوقت يكون * مضادا معينة المعالجة إلى آخره، نقول: إنما تكون معاندة إذا كان حصولها بعد حصول المرض فإنها في مثل هذا الوقت تكون معينة (1365) للمعالجة مقاومة للمرض. أما إذا كان * حصول المرض بعد حصولها (1366) أو في حال حصولها فإنها لم تكن في مثل * هذا (1367) الوقت معينة للمعالجة بل مقهورة مكسورة من ورود سبب المرض المحدث له. فإنه لن يحدث مع وجودها إلا وهو * قوي (1368) فالمرض المناسب أقل خطرا من غير المناسب. والجواب عما ذكرناه سادسا تعذر برؤ * الفالج (1369) واللقوة في سن الشيخوخة لا سيما في آخرها ليس هو لقوة المرض أو لقوة سببه بل لضعف الحرارة الغريزية والقوى الطبيعية عن نضج المادة الموجبة لها ودفعها عن البدن وسهولة برؤها في سن الشباب لضد ذكرنا.
البحث الرابع
في تأييد ما ذهب إليه الفاضل جالينوس وهو أنا نقرض شخصين أحدهما محرور في درجة واحدة * والثاني (1370) * مبرود (1371) في درجة واحدة أيضا، ثم حصل لهما مرض * حار (1372) في درجة واحدة فإن المحرور خرج عن * مزاجه (1373) الطبيعي درجة واحدة والمبرود درجتين، درجة قابلت مزاجه * فاعتدل (1374) ، ودرجة أخرى أخرجته حتى * احترقت (1375) بفعله. فلذلك كان المرض المناسب أقل خطرا من غير المناسب.
البحث الخامس:
قال الفاضل جالينوس: وقد غلط قوم من المقسرين فقالوا إن المرض الملائم لطبيعة لمريض هو المضاد له في مزاجة لأن المزاج البارد ملائم للحار * لأن (1376) به شفاؤه. قال جالينوس: وقد حاد * هذا (1377) المفسر عن حقائق الأمور وعن رأي أبقراط. * وهذا (1378) المفسر * قد (1379) ذهب إلى ما ذهب إليه ديقلس وهو أن الملائم أشد خطرا من غير الملائم. وقد أبطلناه وفيه أمر وهو أنه قد خرج عن الاصطلاح المشهور بين الأطباء، فإن الحار لا شك أنه ملائم للحار * لا أن (1380) البارد ملائم له، بل هو ضده فإن الملائمة مجانسة ومماثلثة لا مضادة ومقابلة.
البحث السادس:
قال بعض المغفلين هذا الفصل يناقضه فصلان * قد (1381) ذكرها أبقراط أحدهما في هذا الكتاب والآخر في كتاب ابيديميا. أما المذكور في هذا الكتاب فهو قوله * إنما يعرض من (1382) البحوحة والنزل للشيخ الفاني * ليس (1383) يكاد ينضج فإن البحوحة والنزل من الأمراض المناسبة لسن الشيخوخة. وأما المذكور في كتاب ابيديميا * فهو (1384) قوله إن أكثر من يموت بالسل من كانت طبيعته مائلة إلى السل. ولا شك أن من كانت طبيعته كذلك كان السل موافقا * ومناسبا له (1385) . * قلنا (1386) : الجواب عن * الفصل (1387) الأول أن تعذر * برؤ (1388) البحوحة والنزل * العارضين (1389) للشيخ الفاني * ليس (1390) لأجل المناسبة بل PageVW5P099B لأجل ضعف قواه وحرارته الغريزية لا سيما للفاني وليس هذا خاص بالأمراض المناسبة له فقط بل وبغير المناسبة فإن الجميع يتعذر * برؤه (1391) في مثل هذا * السن (1392) ، أو نقول: فرق بين قولنا لا ينضج وبين قولنا * ذو (1393) خطر فالأمراض المذكورة لم يقل إنها خطرة بل قال * إنها (1394) عسرة النضج. وعند ذلك يحتمل أن لا يكون فيها خطر لأن المخطر هو المهلك. وأما الفصل الآخر فنقول: مرادا أبقراط * فيه بالطبيعة الهيئة البدنية فإن من كانت هيئة بدنه متهيئة للسل وقد ذكرناها فإنه كثيرا ما يموت بالسل وقد عرفت أن مراد بقراط بالطبيعة في (1395) هذا الفصل المزاج لا الهيئة البدنية فلا مناقضة بين الفصلين.
البحث السابع:
هذا الكلام ساقنا * إلى (1396) بحث شريف متعلق بالجزء العلمي لا بد من ذكره وإن كان خارجا عن الغرض وهو أن الأطباء اتفقوا على أن المرض الحار متى كان مناسبا للمزاج والسن والوقت فإنه يحتاج من التدبير إلى أقل مما يحتاج إليه متى لم يكن مناسبا لهذه .قالوا: وذلك لأن في المناسب لم يكن البعد فيه كثيرا أو في المضاد يكون البعد فيه كثيرا على ما ذكرنا في
البحث الرابع
. فلذلك كان المبرد المستعمل في المناسب أضعف من المبرد المستعمل في * المضاد وهذا المقدار المتفق عليه مخالف للتجارب الطبية فإنها قد شهدت (1397) بقوة المبرد المستعمل * في (1398) معالجة الشباب المحرور عند حصول الحمى المحرقة له في الوقت الحار بالنسبة إلى المبرد المستعمل في معالجة الشيخ عند حصول الحمى المذكورة له في الوقت المذكور وبقوة المسخن المستعمل في معالجة الفالج المحاصل للشيج في زمان الشتاء بالنسبة إلى المسخن المستعمل في معالجة الشاب عند حصول المرض المذكورة له في الوقت المذكور بحيث أنا لو قصرنا في تبريد الشاب في الحمى المحرقة لاحترق مزاجه وكذلك لو قصرنا في تسخين الشيخ في الفالج لخمد وخمدت حرارته الغريزية وكيف لا يكون كذلك والشاب محتاج في حال صحته إلى ما يبرد ويرطب والشيخ في حال صحته إلى ما يسخن. فكيف إذا حصل مع ذلك المزاج ما يناسبه في الكيفية ويكون مضرا بالفعل؟ فإنا نحتاج لعمي أن نضاعف ما كنا نستعمله في حال الصحة في بابه. والذي نقوله في هذا الباب أن القلة والكثرة ويقال هاهنا على الكيفية وعلى الكمية وإن كان ذلك خارجا عن العرق المشهور لكون الألفاظ المذكورة ونستعمله في الكمية فقط. فإذا عرفت هذا فنقول: قولنا إن المرض الحار متى كان مناسبا للمزاج والسن والوقت فإنه يحتاج من التدبير إلى أقل مما يحتاج إليه إذا لم يكن مناسبا لهذه، أي أقل في الكمية لا في الكيفية كالكافور المستعمل في الحمى المحرقة الحاصلة للشاب المحرور في زمان الصيف. وقولنا في المرض * المضاد (1399) كالحار * المضاد (1400) للسن والمزاج والوقت أنه يحتاج إلى تبريد أكثر أي في الكمية كبرز البقلة المستعمل في ذلك لا في الكيفية. وكذلك الكلام في المرض البارد المضاد والمناسب. وإذا فهم هذا الكلام * في المرض البارد المضاد (1401) على هذه الصورة اندفعت المناقضة بين ما ذكرنا وبين التجارب الطبية، الله أعلم.
35
[aphorism]
قال * أبقراط (1402) : إن الأجود في كل مرض أن يكون ما يلي PageVW1P046B السرة PageVW5P100A والثنة له ثخن ومتى كان رقيقا جدا منهوكا فذلك رديء وإذا كان كذلك فالإسهال معه * خطر (1403) .
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثمانية.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1404) بما قبله وذلك من وجهين أحدهما أنه لما ذكر أن المرض المناسب للسن والمزاج والفصل أقل خطرا من غير المناسب قال في هذا الفصل إن هذا القدر لا يكفي في * جودة (1405) المرض وسلامة المريض ما لم يكن البطن سليما من كل حال خارجة عن المجرى الطبيعي * بمعنى (1406) أنه يكون على ما هو عليه السمن واللدونة لأنه متى كان مخالفا لهذه الحالة منعنا من جودة المعالجة على ما ستعرفه. وثانيهما أنه كالمتمم لقوله فيما قبل وكذلك الهشاشة للطعام فإن الشهوة الغذائية لا تدل دلالة قطعية على سلامة آلات الغذاء ما لم يكن الجوف المحيط بها * ثخينا (1407) لاحتمال أن يكون لفساد في المعدة كما في الشهوة الكلبية فإن * اقترن (1408) بها ثخن البطن فإنها حينئذ تدل دلالة قطعية على صحتها.
البحث الثاني:
الثخن يريد به السمن، والرقة يريد بها الهزال، والإنهاك هو المبالغة في ذلك وهزال هذا الجانب من الجوف علامة رديئة وسبب رديء. أما أنه علامة رديئة فلدلالته على ضعف الأضعاء الكائنة فيه وذوبانها. وأما أنه سبب رديء فلإنه ينقص الاستمراء والهضم لأن جودتهما تتم بثخن هذه الأعضاء أي بسمنها فإن هذه متى كانت كذلك * يقوي الهضم لأنه جودتها تتم ثخن هذه الأعضاء أي بسمنها فإن هذه متى صارت كذلك (1409) حصرت الحرارة الغريزية وحقنتها في الباطن. وعند ذلك يقوى الهضم لأنه يتم بحرارة المعدة وبحرارة ما يطيف بها. * وأما (1410) ذات * اليمين (1411) فبالكبد. وأما ذات * اليسار (1412) فبالطحال لا بجوهره بل بما فيه من الشرايين والحرارة القلبية. وأما من خلف فبلحم الصلب. وأما من قدام فبالثرب الشحمي. وأما من فوق فبالقلب بواسطة تسخينه للحجاب. * فإذا (1413) عرفت هذا * فيكون ثخن (1414) هذا الموضع من الجوف * محمودا (1415) من حيث هو علامة ومن حيث هو سبب على ما عرفت. وخصص هذا الجانب من الجوف بالذكر * لكونه (1416) محيط بآلآت الغذاء.
البحث الثالث:
قال جالينوس هزال هذا الموضع من الجوف دليل رديء وسبب رديء. أما أنه علامة رديئة فلما ذكرناه. وأما أنه سبب رديء فمن جهة استمراء الطعام في المعدة وتوليد الدم في الكبد. واعلم أن هذا * الحكم (1417) لا يعطيه نص كلام ابقراط. وذلك لأن موضع الكبد والمعدة فوق السرة والثنة والموصوف بالرقة في كلام أبقراط * ما هو (1418) دون ذلك وبعيد عن مكانهما. فلا يجب أن ينالهما الضرر بسبب ذلك * وإن لم ينلهما الضرر بسبب ذلك (1419) بطل كون ذلك رديئا. فإن قيل: إن هزال هذا الموضع لا يكون إلا مع استيلاء الهزال على جميع البطن، وإذا استولى على جميع البطن صح كون ذلك علة للرداءة بالمعنى الذي ذكره جالينوس. * قلنا: إن (1420) كان كذلك فقد كان من الواجب أن نقول: ومتى كان البطن جميعه رقيقا منهوكا لا ما يلي السرة والثنة حتى يدل على ما ذكره، وإلا فما ذكرناه وارد. وقال ابن أبي صادق قولا يصلح أن يكون جوابا PageVW5P100B عما * ذكرناه وهو أن (1421) موضع الثنة هو * مما (1422) يلي السرة إلى الفرج وما يلي السرة هو ما يليها من فوق فقد استوفى الكلام في جملة البطن وهذا تأويل حسن يندفع به البحث المذكور.
البحث الرابع
في علة خطر الإسهال مع ذلك. وذلك من وجوه ستة أحدها أن أعضاء أسفل الجوف متى كانت ضعيفة عجزت عن دفع ما يجذبه المسهل إليها، فيطول احتباسه فيها ويؤذيها ويزيدها نكاية. وثانيها أن رقة * هذه المواضع (1423) ونهوكتها إنما هو لذوبانها وذهاب شيء منها، والإسهال معين على ذلك لأنه زائد في التجفيف. وثالثها أن الأدوية المسهلة الحقيقية على ما عرفت لا بد وأن تكون فيها قوة سمية وأمثال هذه الأدوية مغطم تأثيرها في أسفل الجوف. ولذلك صارت تجذب المواد إلى جهة المعاء فإذا وردت عليها أضرت بها وأنكتها بسميتها. ورابعها أن من * كان (1424) به هذه الحالة كان دمه قليلا لضعف الهضم والآلة. ومن كان بهذه الصورة فالإسهال له رديء. وخامسها أن الإسهال يقلل الأخلاط وذلك موجب لقلة غذاء هذه الأعضاء وذلك موجب لرقتها. وسادسها * أن (1425) من كان بهذه الحالة كان بدنه * جافا نحيفا (1426) فهو محتاج إلى ما يبرد ويرطب ليزيل جفافه والأدوية المسهلة أكثرها حارة يابسة مجففة زائدة في النحافة.
البحث الخامس:
القيء في مثل هذه الصورة أردأ من الإسهال لوجوه ثلاثة، أحدها أن الدواء المقيئ أقوى قوة من الدواء المسهل على ما ستعرفه فتكون نكايته في هذه الأعضاء أشد من نكاية الدواء المسهل. وثانيها أن حركة الأحشاء في القيء عند استعمال الدواء المقيئ أشد من * حركتها (1427) عند الإسهال لاستعمال المسهل. وإذا كان كذلك فيكون إضرار حركة القيء بالأجزاء المذكورة من الجوف أعظم من إضرار حركة الإسهال بها. وثالثها أن تجفيف الأدوية المقيئة للبدن وللآلات المذكورة أقوى من تجفيف المسهل فيكون * ضررها (1428) بها أعظم. وعند هذا نقول: لم لا ذكر القيء عوض الإسهال؟ فنقول: الجواب عن هذا أن غالب ما يستعمل من الاستفراغات في الأمراض الإسهال فلذلك نهى عنه في الأمراض عند كون البدن * بالحالة (1429) المذكورة، أو نقول: * إن (1430) ضرر المسهل بأسفل الجوف أكثر من ضرر المقيئ به لأنه يحرك المادة ويجذبها إلى هذه الجهة فلذلك نهى عن استعماله في مثل هذه الصورة المذكورة.
البحث السادس:
قوله «منهوكا PageVW1P047A جدا» وذلك لأن هذه الأجزاء من الجوف قد تكون مهزولة كمن يكون نحيف البدن طبعا. وفي مثل هذه الصورة لم نمتنع من استعمال المسهل عند حاجتنا إليه لأن المذكور ليس هو حادثا عن حالة مرضية ولا هو * كثير (1431) ا جدا لأنه حادث مع الحالة الصحية. * فلذلك (1432) لم يكن كذلك بخلاف ما إذا كان * ذلك (1433) مع الحالة المرضية فإنه يكون منهكا جدا. فلذلك نهى عن استعمال المسهل عند كونه كذلك لما ذكرنا.
البحث السابع:
قال الرازي قال جالينوس ينبغي في حسن المعاونة على الإسهال أن يكون جميع ما تحت الصدر * قويا (1434) وإلا ناله من الإسهال PageVW5P101A * ضررا عظيما (1435) ، ولم يقل لم ذلك ولا دل عليه في كتابه. * فنقول (1436) : إن ضرر الإسهال بالآلات المذكورة عند كونها كذلك لم * يخف (1437) على أحد حتى يحتاج جالينوس إلى أن يوضحه ويبينه. وأيضا فإن كلامه في هذا الكتاب كلام مجمل * فقد (1438) أوضح ذلك في كتابه في الإسهال.
البحث الثامن:
لقائل أن يقول: * حكمه (1439) هذا فيه نظر فإنه ليس كل * مرض (1440) الأجود فيه أن يكون هذه المواضع فيها ثخن، بل هذا القدر في أمراض خاصة كالدق والإسهال وبالجملة الأمراض الذوبانية. أما في أمراض أخرى كالصداع والدوار والنقرس ونحوها فلا يعتبر * وصف هذا الموضع (1441) بالجودة وعدمها فيكون قوله كل مرض مستدركا. قلنا: الجواب عن هذا ليس مراده هاهنا بالكلية كل مرض بل كل مرض تتبعه رقة هذه المواضع * أو من (1442) شأنه إحداثها ولذلك حكم برداءة الإسهال فيها، فحكمه برداءة الإسهال يدل على أنه ليس يريد بالكلية * كل الأمراض (1443) بل الأمراض المذكورة. وتلك مثل الحميات المتطاولة المجففة وبالجملة جميع أنواع الأمراض التي تنهك البدن وتذيبه، والله أعلم.
36
[aphorism]
قال * أبقراط (1444) : من كان بدنه صحيحا فأسهل أو قيء بدواء أسرع إليه الغشي وكذلك من كان يغتذي بغذاء رديء.
[commentary]
الشرح هاهنا * خمسة عشر بحثا (1445) .
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1446) بما قبله، وذلك من وجهين أحدهما أنه لما ذكر مانعا من موانع الإسهال وهو * كون (1447) الأجزاء المذكورة بالحالة المذكورة ذكر له * مانعا (1448) آخر وهو عند كون البدن نقيا من المواد الفاسدة. وثانيهما أن هذا كالدليل على صحة حكمه في الفصل المتقدم. وذلك أنه إذا كان الإسهال في * البدن (1449) الصحيح خطرا لعدم مواده الفاسدة * فبالأولى (1450) أن يكون خطره أعظم فيمن كان بدنه ناقص المواد راسبا كمن هو بالحالة المذكورة في الفصل المتقدم.
البحث الثاني:
البدن الصحيح هو النقي من الفضلات. ومثل هذا البدن متى ورد عليه الدواء المسهل أو المقيئ جذب ما هو محتاج إليه * في (1451) التغذية. ومثل * هذا (1452) لا يخرج إلا عند * قهرهما (1453) له واستيلائهما * عليه (1454) . ومع ذلك فإن المستفرغ تصحبه أرواح كثيرة بسبب صلاحيته للتغذية. وكل ذلك موجب للغشي.
البحث الثالث:
قال جالينوس أما الذين أبدانهم صحيحة * فالواجب (1455) أن يعرض لهم الغشي عند استعمال الدواء المسهل أو المقيئ. وذلك لأن الدواء المذكور ينهك هذه الأبدان ويذيبها ولا ينقيها وينقصها. قال الرازي: إن كان إيجاب الدواء المذكور للغشي في البدن المذكور لما ذكره أي لكونه ينهك ويذيبه فإيجابه الغشي للبدن العليل أولى. وذلك لأن البدن العليل قواه ضعيفة واهية وحرارته الغريزية * كذلك (1456) . ومثل هذا البدن متى ورد عليه الدواء المسهل أو * المقيئ (1457) أنهكه وأضعف قواه. ثم قال: بل العلة في ذلك أن البدن PageVW5P101B الصحيح لا امتلاء فيه ولا رداءة في * أخلاطه (1458) فالدواء يستفرغ منه * ما (1459) تحتاج إليه الطبيعة. فلذلك * صار (1460) يحدث الغشي. أقول: وفي الحقيقة * أن (1461) العلة التي أتى بها الرازي هي بعينها * العلة (1462) التي أتى بها جالينوس. فإن البدن الصحيح يجذب منه الدواء * الكيموس (1463) الجيد المحتاج إليه في تغذيته. وإذا جذبه وأخرجه ساء حاله وعرض له الغشي لما ذكرنا، فهو منهك له ومؤديه إلى الغشي.
البحث الرابع:
قال إبن أبي صادق: كثيرا من الأصحاء يتفق * له (1464) إذا * شرب (1465) المسهل لا يغشى * عليه (1466) بل يضره المضرة التي تثمر الغشي. وذلك لأن دواء الاستفراغ إذا استعمل فيمن هذه حاله جذب ما يحتاج إليه البدن من الأخلاط بعسر ومشقة وأذى وكرب شديد وربما أحدث أعراضا رديئة كالمغص والدوار وربما إذا أفرط أحدث الغشي. وذلك إذا كان الاستكراه * والاجتذاب (1467) أكثر فيكون الأذى والكرب أقوى وأشد. أقول: أن ابن أبي صادق قد جعل * حدوث (1468) الغشي لهؤلاء قليلا وهو مخالف لحكم أبقراط المطلق أو على الأكثر * بحسب (1469) الأحكام الطبية، غير أنه ينبغي أن يفهم من ذلك أن كل دواء مسهل أو مقيئ إذا استعمل في حال الصحة فإنه يحدث الغشي بل القوي من ذلك، فإن الضعيف لا يبلغ أن يجذب الرطوبات والمواد المحتاج إليها في التغذية حتى يحدث الغشي بل الطبيعة المدبرة للبدن تقهره عند استعماله وتخرجه عن البدن.
البحث الخامس
في معنى قوله «وكذلك من كان يغتذي بغذاء رديء». قال جالينوس: الغذاء يطلق ويراد به * معنيان (1470) أحدهما الغذاء الوارد على البدن من خارج والآخر الغذاء الذي يحويه البدن وعلى أي هذين المعنين فهمت قوله الغذاء * قوله (1471) حق لأن من شأن * الطعام (1472) الرديء * أيضا (1473) أن يولد * دما (1474) رديئا. * فالذين (1475) يغتذون بغذاء رديء يسرع اليهم الغشي عند استعمال المسهل أو المقيئ لأن في أبدانهم فضلات رديئة فاسدة غير أنها كامنة ساكنة مغمورة في أخلاط أخرى جيدة فلا تشعر الطبيعة بها ولا بأذيتها فإذا PageVW1P047B حركت بالدواء المسهل أو المقيئ تأذت بها الطبيعة والأعضاء. وذلك موجب للغشي * فإذا (1476) انصب * منها (1477) * شيء (1478) إلى المعدة أوجبه بمشاركة فم المعدة للقلب * وبمجاورته (1479) أيضا له. واعلم أن هذا الحكم من الفاضل جالينوس يفضي إلى * امتناع (1480) استعمال المسهل والمقيئ جملة. وذلك لأنه منع منه في الأبدان الصحيحة لذوبانها وفي غير الصحيحة لذوبان الأخلاط الفاسدة. وإذا منع من استعمال ذلك في الأبدان النقية وغير النقية وهي محل * استعمالهما (1481) فلم يبق * لهما (1482) محل استعمال. وذلك يفضي إلى عدم * استعمالهما (1483) جملة، وذلك باطل. أو يقال لم لا يقال إن الدواء المذكور يخرج المواد الفاسدة من البدن المذكور ويريح قواه، وهذا هو الأنسب بفعل هذه الأدوية. فإنه لو كان ما قاله الفاضل جالينوس صحيحا لكنا إذا أعطينا المرضى دواء مسهلا أضرينا بهم وأوقعناهم فيما هو أخطر مما هم فيه. وقال ابن أبي صادق: والعلة في حدوث الغشي فيمن كان يعتذي بغذاء رديء * ضعف (1484) حرارته الغريزية * اللازمة (1485) لقلة دمه وروحه وأيضا فإن أعضاءه لا تغتذي PageVW5P102A بالاغتذاء التام لقلة دمه الجيد الصالح * للاغتذاء (1486) . ومع ذلك فأخلاطه الفاسدة كثيرة فتأذى الأعضاء بكميتها وكيفيتها. فلهذه المعاني * أجمع (1487) تضعف قواه، وقصارى أمره أن يصير بآخره إلى انحلال قوته، * وهو (1488) الغشي كالحال فيمن رأيناهم في * سني المجاعة (1489) قال. ويكون تقدير هذا الفصل بحسب هذا التفسير: من كان بدنه صحيحا فأسهل أو قيئ بدواء أسرع إليه الغشي وكذلك يسرع الغشي إلى من كان يغتذي بغذاء رديء. وهذا الكلام فيه نظر وهو أن يقول سرعة عروض الغشي لمن يغتذي بغذاء رديء إما أن يكون مع تناوله أو بعد الاستمراء على تناوله. والأول باطل على حكم ما ذكره من التعليل بقلة الدم والروح وكثرة الكيموسات الرديئة بحيث يتبع ذلك ضعف الحار الغريزي. والثاني أيضا باطل فإن الغشي لا يكون حدوثه في مثل هذه الصورة بسرعة بل بعد مدة طويلة لأن المواد المذكورة * تألفها (1490) الأعضاء والطبيعة المدبرة للبدن وذلك مخالف لكلام أبقراط فإنه قال من كان بدنه صحيحا فأسهل أو قيي بدواء أسرع إليه الغشي وكذلك من كان يغتذي بغذاء رديء أي أن من كان بهذه الصورة فالغشي يسرع إليه وقد قال أنه لا يحدث به إلا * بعد بمدة (1491) طويلة لأن المواد المذكورة تألفها الأعضاء والطبيعة المدبرة للبدن. وذلك مخالف لكلام أبقراط فإنه قال من كان بدنه صحيحا فأسهل أو قيئ بدواء أسرع إليه الغشي، وكذلك من كان يغتذي بغذاء رديء أي من كان بهذه الصورة فالغشي يسرع إليه. وقد قال إنه لا يحدث به إلا بعد مدة طويلة. والذي أقوله * من (1492) هذا البحث إن من لزم الاغتذاء بالغذاء الرديء فإنه يجتمع * منه في بدنه (1493) كيموس رديء كثير ويقل معه الكيموس الجيد، فإذا استفرغ بدنه من الكيموس الرديء تحلل من أرواحه القليلة وموادها ولا يجد عوضا سادا بدل ما تحلل منها عند الاستفراغ فيعرض الغشي. * فلذلك (1494) ينبغي أن يكون استفراغ هذا الشخص وأمثاله بدواء ضعيف لا في دفعة بل في دفعات. * وأما بيان الحاجة إلى الإسهال فقد عرفت ذلك مما تقدم في شرحنا لقوله إنما ينبغي أن يستعمل الدواء أو التحريك بعد أن ينضج المرض (1495) .
البحث السادس
في بيان الحاجة إلى الإسهال. وهو أنه لما كانت أبداننا دائمة التحلل والسيلان احتاجت الطبيعة إلى شيء يرد عوض المتحلل منها ويقوم مقامه. وذلك هو الغذاء. ثم هذا الغذاء ليس هو في جميع الوجود بل سببها بها، وإلا لما تولد منه غير الدم ولم يخرج من البدن فضلاته المعلومة. فلا بد وأن يفضل منه فضلة. فهو يغتذي بأجود ما يتولد منه. وما لأسبابه إن كان مقداره يسيرا وقوامه لطيفا وكانت القوة قوية وصاحبها كثير الرياضة تحللت تلك الفضلة وسلم البدن من نكايتها وإن تخلف بعضها أو أكثرها اجتمعت الفضلة على ممر الأيام شيئا فشيئا. فإن كفى في دفع هذا القدر وتنقيصه بقليل الغذاء أو تلطيفه مع إصلاحه فليستعمل. وإن لم يكف في ذلك احتاجت الطبيعة إلى ما يعينها على دفع تلك الفضلات وإخراجها عن البدن. وذلك هو الدواء المسهل والمقيئ (1496) .
البحث السابع
(1497) في كيفية إسهال المسهل. للأطباء في هذا الباب آراء. فمنهم من يقول إن الدواء عند * وروده (1498) المعدة * يخرج (1499) عنها ويصير إلى الفضلة المراد خروجها عن البدن ويجذبها إلى نفسه، ثم أن العضو يدفع الجميع عن نفسه إلى المعاء. ومنهم من يقول إن الدواء عند وروده إلى المعدة يفعل فيه ويخرج قوته إلى الفعل ثم أن قوته تفارقه وتصير إلى المادة المراد استفراغها ويبقى هو في المعدة ثم أن قوته تجذب تلك المادة وتخرجها إلى المعاء ثم إلى خارج PageVW5P102B . والقائل بهذا أبو سهل المسيحي. ومنهم من يقول إن بين الجاذب والمنجذب الذي هو خلط مناسبة. فيجذب الدواء الخلط بسبب المناسبة * التي (1500) بينهما. قال: ولذلك متى لم يسهل استمراؤه ولد الخلط الذي يستفرغه. وذكر الشيخ في الكتاب الأول من القانون حيث تكلم في قوانين الإسهال أن هذا مذهب الفاضل جالينوس. ووقفت أنا على مقالة لجالينوس في إسهال الأدوية المسهلة ورائيته ينقل هذا المذهب عن بعض أطباء اليونان يخطئه في ذلك. ومنهم من يقول إن الدواء من شأنه أن يجذب الخلط المراد استفراغه إلى المعدة كما يجذب حجر المغناطيس الحديد، ثم أن المعدة تدفع الجميع وتخرجه عن البدن. والقائل بهذا القاضي أبو الوليد بن رشد. ومنهم من يقول إن الدواء عند * وروده (1501) المعدة تفعل فيه وتخرج قوته إلى الفعل ثم أنه بعد ذلك تتكيف أرواحها بكيفيته ثم يسري هذا التكيف إلى جميع أرواح البدن من غير أن ينفصل من الدواء * شيء (1502) . فيخرج الخلط المراد استفراغه. والقائل بهذا القول ابن أبي صادق. فهذه المذاهب المذكورة في هذا * الباب (1503) * ولنتكلم (1504) في كل واحد * منها (1505) . فنقول: أما الأول فهو باطل من وجوه خمسة. أحدها أن العضو عندما كانت المادة فيه كان ضعيفا عن دفعها ثم لما ورد الدواء عليه وقهر قوته بما فيه من السمية لأجل جذب الخلط عنه كيف يتصور أنه يدفع الدواء والخلط عن نفسه؟ ولو كان قادرا على دفع الخلط * لاستغنى (1506) عن الدواء واستراح من أذينته. وثانيها لو كان الأمر على ما قيل وهو أنه الدواء يخرج عن المعدة لما أدركنا طعمه في الجشاء ونحن نجد من أنفسنا خلاف هذا. فإنا ندرك طعمه في الجشاء إلى آخر الإسهال. وثالثها لو كان إسهال الدواء على ما قيل للزم أن يبطل فعل الدواء في أول مرة من إسهاله. وذلك لأنه عندما يخرج * عن (1507) المعدة ويأتي إلى العضو الضعيف يجذب ما فيه من المادة ثم أن العضو يدفع الجميع عن نفسه إلى المعاء ثم إلى خارج. وحينئذ يلزم من هذا بطلان فعله في أول مرة من إسهاله. والاستقراء يشهد بفساد هذ،ا فإنا نرى فعله يبقى بعد مدة من إسهاله. ورابعها أن الدواء عندما يرد على * المعدة (1508) ثم يخرج عنها يحتاج أن ينقسم إلى أجزاء ثم يتوزع في عروق * البدن (1509) PageVW1P059A ومجاريه فإن الخلط المراد استفراغه ليس هو في موضع واحد في أكثر الأمر بل هو في أكثرها أو في كلها فعند انقسامه على هذه الصورة لا * يخلو (1510) إما أن تستولي الطبيعة عليه وتقهره أو لا تستولي عليه ولا تقهره. فإن كان الأول بطل فعله ولم يبق إسهالا. وإن كان الثاني ضعف فعله وانقهرت قوته في أول الأمر. والوجود بخلاف هذا فإنا * نرى (1511) فعله يستمر على حالة واحدة ساعات زمانية ويستقصي في جذب الخلط. * وخامسها (1512) أن الجاذب لا يصير إلى المجذوب فإن حجر المغناطيس لا يصير إلى الحديد بل هو إليه. وإذا كان الأمر كذلك فكيف يتصور خروج الدواء عن المعدة إلى حيث الخلط المراد استفراغه وفيه قوة * جاذبة (1513) له. وأما PageVW5P103A المذهب الثاني فنقول لقائله: القوة المسهلة الموجودة في الدواء لا * يخلو (1514) إما أن تكون جوهرا وإما أن تكون عرضا. فإن كانت جوهرا وهي صورته فالانتقال عليها محال لأنها إما إن تكون علة أو جزء علة. وعلى كلي التقديرين يستحيل بقاء الدواء مع مفارقتها لاستحالة بقاء المعلول مع عدم علته أو جزء علته. ويلزم من ذلك بطلان فعله في أول مرة من إسهاله لأنه لن يفعل ذلك إلا وقد فعلت فيه الطبيعة وأخرجت قوته ثم أنه أرسلها. وإن كانت عرضا فالانتقال عليها محال لاستحالة ذلك على الأعراض بدون محالها. وأما المذهب الثالث فقد أبطله الفاضل جالينوس في المقالة المذكورة. وهو أنه كان يلزم من هذا أنا متى استعملنا دواء يجذب خلطا من الأخلاط أن يستفرغ جميع ما في البدن من المواد. وذلك لأنا متى استعملنا دواء يسهل الصفراء * ولم (1515) يسهلها فإنه يستحيل إليها على ما فرض. ويلزم هذا أن يكثر مقدارها، وإذا توفر مقدارها خالطت غليظ المواد ورققته وهيأته إلى للاندفاع ثم أن القوة عند ذلك تدفعه. وكذلك إذا استعملنا دواء يسهل البلغم أو السوداء ولم يسهلهما فإنه يستحيل إليهما. وعند ذلك يخالطان ما * رق (1516) من المواد ويعتدل قوام الجميع ويسهل خروجه. * وكيف (1517) يتصور أن المستفرغ للبلغم إذا لم يسهله أن يستحيله إليه وهو حار يابس والبلغم بارد رطب؟ قال الشيخ في الكتاب الأول من القانون: ولو كان الجذب بالمناسبة للزم أن يجذب الحديد والذهب للذهب وذلك محال. وأما المذهب الرابع فنقول لقائله: هل ذلك من الدواء بإرسال قوته أو بخروجه عن المعدة؟ فإن قال بالأول فنقول: قد أبطلناه. وإن قال بالثاني فنقول: قد أبطلناه أيضا. وأما المذهب الخامس فإنه وإن كان قريبا * من (1518) الحق غير أن التكيف المذكور لا يقدر على جذب المادة وإخراجها عن البدن. والذي أقوله في هذا الباب أن الدواء فيه جزء لطيف وجزء كثيف، فالطيف منه ينقذ إلى جميع البدن ويخرج الخلط المراد استفراغه والكثيف يبقى في المعدة وهو الذي ندركه بالجشاء، ثم أن فعله يضعف بفعل المعدة فيه. وربما ينفصل من جرمه فتقهره الطبيعة وتخرجه مع المواد المستفرغة ويبطل فعله. فهذا ما أردنا أن نذكره في هذا * الباب (1519) .
البحث الثامن
(1520) :الإسهال على نوعين ضروري واختياري. * فالضروري (1521) تراعى فيه * شروط (1522) خمسة. أحدها وقت استعماله وثانيها مقدار المادة وثالثها احتمال القوة ورابعها نوع المادة وخامسها جهة ميلها. أما وقت استعماله فهو عند ظهور النضج وقد تكلمنا فيه. وأما مقدار المادة * فإنها (1523) متى كانت * متوفرة (1524) قوينا الدواء ليتمكن من جذبها ودفعها عن البدن. ومتى * كانت (1525) * قليلة (1526) نقصنا منه لئلا تنهك البدن وتؤذي القوة. وأما أمر القوة فإن عليها العمدة ومدار الأمر من المداواة. فمتى كانت قوية استفراغنا ما يحتاج * إليه (1527) مرة واحدة. ومتى كانت ضعيفة PageVW5P103B استفرغنا ما يحتاج إليه في مرات مع استعمال ما ينعش القوة وينهضها في أثناء الراحة. وأما نوع المادة فلا بد منه لأنه هو المقصود بالاستفراغ فإنه متى استفرغ غيره لم يحصل به راحة. وأما ميل المادة فإنه من الواجب ان يكون استفراغها من الجهة التي هي اليها أميل. فإن اختطافنا المادة * الطافية (1528) إلى فم المعدة بالقيء أسهل منه بالإسهال وبالعكس. وأما الاختياري فتراعى * فيه (1529) مع الشروط المذكورة تسعة شروط أخر. أحدها الوقت الحاضر وثانيها كيفية المادة وثالثها العادة ورابعها الصناعة وخامسها هيئة بدن مستعمله وسادسها مزاجه وسابعها سنه وثامنها عضو مخرج المادة وتاسعها ما يعقبه من الأعراض. أما الوقت الحاضر فالواجب أن لا يقدم على * استعمال (1530) المسهل في الحار منه ولا في * البارد (1531) . أما الأول فلوجوه أربعة أحدها لكثرة التحلل فتكون القوة * ضعيفة (1532) . وثانيها لاتحاه المواد إلى ظاهر البدن والدواء يجذبها إلى الباطن فيتحير الجذب ويتعذر الإسهال. * وربما أعقبه (1533) حالة رديئة. وثالثها أن المسهلات في الحقيقة حارة المزاج والهواء في هذا الوقت حار فإذا استعمل ربما أعقبه سوء مزاج حار. والرابع أن الأخلاط في الأوقات الحارة طالبة إلى الأعالي والداء يجذبها إلى الانتقال فيتحير الجذب ويعقب ذلك حالة * ردئية (1534) . وأما * الشتاء (1535) الثاتي فإن الأخلاط فيه جامدة راسبة فلا يتمكن الدواء المسهل من جذبها وإخراجه. وربما جذب لطيف المادة وتأخر كثيفها. * وأما (1536) * المعتدل (1537) بين ذلك * وهو الربيع (1538) والخريف فالواجب أن يستعمل * فيهما (1539) متى دعت * الضرورة (1540) إليه، غير أن الأطباء اختلفوا في * أيهما (1541) أجود. فقال جمهور الأطباء أنه في الربيع * أجود (1542) لأنه فصل معتدل والمعتدل مناسب للطبيعة والمناسب للشيء يقويه ويعضده. والقوة في الربيع قوية فهي قادرة على دفع المادة وإخراجها عن البدن. وذهب الشيخ الرئيس إلى أنه في الخريف أجود. قال: لأن الربيع يعقبه حر الصيف وذلك محلل للقوة مضعف لها. وأما الخريف فإنه يعقبه برد الهواء وذلك مما يجمع الحرارة في الباطن ويقويها ويشد القوى PageVW1P059B ويعضدها. والحق عندي أن الاستفراغ فيهما * متساو (1543) في الجودة. أما الربيع فلأن مواده * ثأثيره (1544) فيه بسبب حرارة الهواء. فإذا بودر إلى إخراجها عن البدن سلم من نكايتها يضررها. وأما الخريف فإن مواده مترمدة بسبب حرارة الصيف وإحراقها لها ثم أنه * يحبسه (1545) ببرده ثم يأتي برد الشتاء ويزيد في حبسها وفي هذا خطر عظيم. فإذا تقدم واستفرغ البدن سلم من نكايتها وشرها. وأما كيفية المادة فتارة ينظر في قوامها وتارة ينظر في مزاجها. أما قوامها فإنه متى كان * لطيفا (1546) فالواجب تنقيص * قوة (1547) الدواء. ومتى كان غليظا * قويناه (1548) . وأما مزاجها * فإنه (1549) متى كان حارا أضعفنا قوته ومتى كان باردا قوينا قوته. وأما العادة فإنها متى لم تجر باستعمال المسهل ثم دعت الحاجة إليه فالواجب أن لا يقدم على استعمال القوي منه بل * الضعيف (1550) أولا ثم يتدرج PageVW5P104A إلى القوي منه إن احتجنا إليه. وإن كانت العادة جارية باستعماله فالواجب أن يستعمل عندما * تدعو (1551) الحاجة إليه * وأيضا (1552) فإن من الناس من اعتاد الحب دون المطبوخ ومنهم من اعتاد المطبوخ دون الحب. وأما أمر الصناعة فإن كانت * مما (1553) يحتاج إلى مباشرة النار كالصباغة والحدادة والسباكة فلا ينبغي أن يقدم على استعمال الدواء القوي معها خوفا من ضعف القوة. فإن دعت الحاجة إليه فليستعمل الضعيف أولا ثم القوي. * وأما متى (1554) كانت صناعته لا يقتضي التحليل كصناعة القصارة والملاحة فلا يخاف من استعمال المسهل معها متى دعت الحاجة إليه. وأما هيئة البدن فإن من * كان (1555) نحيف البدن أو متخلخل السحنة أو سمنه شحمى فالواجب أن لا يقدم على إسهاله. فإن دعت الحاجة إليه فليكن ضعيفا ثم يتدرج إلى القوي، * ومتى (1556) كان بالعكس * فالبعكس (1557) . وأما المزاج فمن كان * حار المزاج (1558) * فالواجب (1559) أن يكون إسهاله بدواء ضعيف. ومن كان بارد المزاج فبالعكس، ومن كان معتدلا فمعتدل. وأما * أمر (1560) السن فالصبي والشيخ لا تقدم على إسهالهما. أما الأول فإن رطوباته غريزية * يحتاج (1561) إليها. وأما الثاني * فإن (1562) قواه ضعيفة خائرة. وأما * الشباب (1563) والكهل في أول سنه فالواجب أن يستعمل ذلك فيهما متى دعت الحاجة إليه. وأما عضو مخرجها فالواجب أن يكون خسيسا وهو مثلا متى كانت من الدماغ * فالواجب (1564) استفراغها من المنخرين لا من * أعلى (1565) الحنك والحلق خوفا من نزولها إلى قصبة الرئة. ومتى * كانت (1566) في الجانب المقعر من الكبد * فالواجب (1567) أن * يستفرغ (1568) من المعاء لا من الجانب المحدب * خوفا من مرورها بالكبد. وكذلك متى كانت في الجانب المحدب فالواجب أن تستفرغ (1569) من مجاري البول لا من المعاء خوفا من ذلك. وأما ما يعقبه * من (1570) الأعراض فإنها متى كانت أعراضها جيدة * ساكنة (1571) فالواجب أن يبالغ في الإسهال، ومتى كان بالعكس فبالعكس. فهذا ما ينبغي أن يراعى في الإسهال الضروري والاختياري.
البحث التاسع
(1572) : قال الأطباء الدواء المسهل للصفراء إذا أسهل الصفراء وبقي منه بقية أسهل البلغم ثم السوداء ثم الدم. والمسهل للبلغم يسهل البلغم أولا فإن بقي منه بقية أسهل الصفراء ثم السوداء ثم الدم. والمسهل للسوداء يسهل السوداء أولا فإن بقي منه بقية أسهل الصفراء ثم البلغم ثم الدم. فآخر ما يخرج بالإسهال الدم لأنه أشرف الأخلاط وصار كذلك لأنه الغاذي على المذهب الحق فيكون هو المخلف على البدن عوض المتحلل منه والزائد في النمو. ولما كان * حاله كذلك (1573) صارت الطبيعة تشح به وتمسكه مسكا قويا فلا يخرج إلا * لحافر (1574) قوي وقاهر عظيم. وأما بيان أنه الغاذي بالحقيقة * وهو (1575) ما ذهبنا إليه في كتابنا المسمى بالشافي وفي شرح الكليات * فقد أوضحناه في كتبنا المبسوطة (1576) .
البحث العاشر
(1577) : قال الأطباء ومما ينبغي أن يراعى في حال استعمال المسهل أمر المصلح وهو أنه لا بد من استعماله ليدفع نكاية المسهل، غير أنه لا ينبغي أن يكثر مقداره * خوفا (1578) من أن تضعف قوة الدواء * وتقوي (1579) قوة العضو فلا يقدر الدواء على إخراج المادة وانتزاعها من البدن. وهذا القول * منهم (1580) فيه نظر وهو أن المصلح PageVW5P104B على نوعين: مصلح بمعنى أنه يدفع نكاية الدواء * بالعضو (1581) ومصلح بمعنى أنه يزيد في * قوة (1582) فعل الدواء. والأول مثل الكثيراء والأنيسون للمحمودة والثاني مثل الزنجبيل للتزيد. فما كان من المصلح من القبيل الأول فإنه متى كثر مقداره أضعف قوة الدواء المسهل. وما كان من * المصلح من (1583) القبيل الثاني فإنه متى كثر مقداره زاد في فعل الدواء وقوى قوته. وإذا كان كذلك فلا يصح قولهم إن المصلح يجب أن يكون مقداره أقل من مقدار المسهل مطلقا.
البحث الحادي عشر
(1584) فيما يجب أن يراعى بعد استعمال * الدواء (1585) المسهل. وهو أمور منها: أن يتجنب الاغتسال بالماء البارد خوفا من حصر الحرارة في الباطن فيقهر الدواء ويبطل فعله. ومنها التعرق خوفا من جذب المادة وميلها إلى ظاهر البدن ومقاومة المسهل في فعله. ومنها الغضب فإنه يجذب المواد إلى ظاهر البدن أيضا، * وذلك (1586) مما يعاند فعل الدواء. ومنها شم الأراييح الطيبة فإنها تقوى * القوى (1587) وذلك مما يضعف * فعل (1588) الدواء. ومنها استعمال المطبوخ بعد الحب قبل علمه إن دعت الحاجة إلى جمعهما فإنه يحدر الحب ويخرجه عن البدن. ومنها أن يجتنب النوم بعد عمل الدواء وقبل عمله إن كان مطبوخا. وأما إن كان حبا فلا بأس بنومة يسيرة. ومنها أن يتقيأ صاحبه عند قطعه ونهاية عمله مرات بماء حار ليغسل المعدة مما تعلق بخملها، وتشبث * به (1589) ، هذا * إن (1590) لم يكن * بشارب (1591) PageVW1P060A الدواء ألم في العين. ومنها أن يستعمل بعد ذلك شيء من المفرحات لتقوي الأحشاء ويدفع نكاية سمية الأدوية المسهلة. ومنها أن يكون غذاؤه في يومه محمضا بما يقوي الأحشاء كماء الحصرم وحب الرمان والسماق لا بما فيه جرد كما اليمون والخل. ومنها أن يدخل شارب الدواء ثاني يوم * المسهل (1592) الحمام ليحلل ما عجز الدواء عن جذبه. فإن الدواء مغطم جذبه إما في باطن البدن * وإما ما (1593) قرب من الجلد. فإنه يعجز عن جذبه والحمام لا شك أنه يجذب ذلك ويخرجه بالتعريق. قال أبو سهل المسيحي في الكتاب الخامس والعشرين من كتابه: لا يسقى في يوم واحد دوآن سواء * أن (1594) كان الأول قد عمل أو لم يعمل. * فعند (1595) اجتماع * قوة الدوائين (1596) يفرط الإسهال ويخاف على البدن التلف، وكثيرا ما * يجذب (1597) الدواء عند ذلك فضلات كثيرة لا تسعها المجاري التي تنفذ فيها ولا تقوي القوة الدافعة على دفعها فتورث * سددا (1598) أو دوارا.
البحث الثاني (1599) عشر:
المسهل في بعض الأوقات * يصير (1600) مقيئا وذلك * من (1601) صور أربع: أحدها عند كون المعدة ضعيفة فإنها تقبل ما يمر من المادة في النزول إلى جهة المعاء. وثانيها عندما يكون في المعاء أثفال متحجرة فإنما تحبس المادة المنجذبة بالدواء وعند ذلك تتجه نحو المعدة وتوجب القيء. وثالثها عندما يكون الدواء كريه الرائحة بشع الطعم فإنه عند ذلك تنفر المعدة منه * وتقدفه (1602) لا سيما متى لم يكن لشاربه عادة باستعمال المسهل. ورابعها أن يكون مستعمل الدواء كثير الاعتياد للقيء قليل * الاعتياد للإسهال (1603) .
البحث الثالث (1604) عشر:
الدواء المقيئ يشابه المسهل من وجه ويخالفه من وجهين. أما وجه المشابهة فمن جهة نفص PageVW5P105A المادة وإخراجها * عن البدن (1605) . وأما * وجها المخالفة (1606) فأحدهما من جهة استفراغهما فإن المقيئ يستفرغ من الأعالي والمسهل من ألأسافل. وثانيهما من جهة قوة الفعل * وهو أن (1607) المقيئ أقوى قوة من المسهل. وذلك من * ثلاثة وجوه (1608) . أحدها أنه يجذب الفصل من أقاصي البدن بقوة شديدة. وثانيها أنه يجذب الخلط * اللزج (1609) من أسافل البدن إلى * أعاليه (1610) فلو لم يكن قويا * جدا (1611) * لما قدر (1612) على جذب * مثل (1613) هذه إلى خلاف * طبيعتها (1614) وميلها. وثالثها لو لم يكن قويا جدا وإلا كيف صار يقهر دافعة المعدة والمعاء للمادة إلى أسفل ويجذبها إلى أعالي المعدة ثم أنها * تختلف في القوة والضعف والتوسط بين ذلك. وقد ذكرنا مراتتها (1615) في كتابنا المسمى بجامع الغرض.
البحث الرابع (1616) عشر
في بيان الحاجة إلى القيء. الغذاء عند صير ورته كيلوسا وانحداره عن المعدة يلطخ * شيء منه بخمل المعدة (1617) لا سيما * أرطبه وألزجه (1618) ويتخلف عن الخروج، ومثل هذا إذا اجتمع في المعدة أحال بين * الهاضم (1619) * والمهضوم (1620) وقد علم ما يترتب على ذلك من المضار. وربما أنه يضعف القوة الماسكة وعند ذلك يخرج الغذاء بحاله لأن الهضم موقوف على فعل الهاضمة والماسكة والمعاء. وإن * كان (1621) يحصل فيها شيء من ذلك غير * أنه (1622) يأتيها فضل صفراوي متوفر المقدار يغسلها * ويحدر (1623) ما يلتصق بها والمعدة وإن * كان (1624) يأتيها شيء من * ذلك (1625) لكنه نزر جدا لا يفي بغسلها. ومع ذلك فهو يأتي * إلى (1626) أسفلها ولو أتاها كما يأتي المعاء لكانت دائما في غثيان وتهوع ونفور من الغذاء. وحينئذ لم يستقر فيها ولم يحصل * هضم (1627) * واغتذاء (1628) فهي أذن محتاجة إلى إخراج الفضلة المذكورة لئلا يحصل منها ما ذكرناه، وذلك بالقيء. فالقيء إذن * يحتاج (1629) إليه في خفظ الصحة إذا استعمل بالشروط التي سنذكرها.
البحث الخامس (1630) عشر
في تقسيم القيء. القيء على نوعين: ضروري واختياري. فالضروري هو الذي يستعمل متى دعت الحاجة إليه غير أن مستعمله إن لم يكن له به عادة فالواجب أن يستعمل منه أولا الضعيف ثم القوي وكذلك إن استعمله مع دواء مقيئ. فالواجب أن يستعمل أولا الضعيف من ذلك ثم القوي مع توق وحذر. وفي مثل هذا الوقت استعمال القيء على امتلاء المعدة خير منه على خلوها. وذلك لأن في الامتلاء يلاصق الغذاء المعدة ويجرد ما هو ملتصق بخملها ويخرجه، غير أن الأطباء مختلفون في نفس الامتلاء. وذهب محمد بن زكريا الرازي وصاحب الكامل وأبو سهل المسيحي إلى أنه يجب أن يكون من أغذية رديئة مختلفة. أما الأول فلئلا تشح المعدة وتطن به. وأما الثاني فليكن فيها ما يقطع ويلطف ويحلل ويغثي. وكل هذا مما يعين على القيء وعلى إخراج ما في تجويفها وملتصق بخملها. وذهب الشيخ الرئيس إلى أنه ينبغي أن يكون من أغذية جيدة * صالحة (1631) الكيموس. قال: وذلك لأن المتقيئ لم يمكنه أن يخرج كل ما في معدته من الغذاء المستعمل لأجل القيء. فإذا كان الغذاء رديئا لا بد وأن يبقى منه في المعدة شيء فيحدث عنه خلط رديء فلا يفي نفع القيء بالضرر الحاصل PageVW5P105B من الغذاء المتبقى في المعدة. * أما (1632) إذا كان الغذاء المستعمل جيدا صالح الكيموس لم يحصل شيء مما ذكرنا. ولا شك أن هذا الكلام مناقض للأول والذي * يمكنني (1633) أن أقوله في هذا الموضع أن كلام الشيخ يحمل على من كان * صحيح (1634) البدن أو غير معتاد القيء. فإن مثل هذا الشخص إذا استعمل أغذية ردئية ربما يبقي منها شيء في معدته ويحصل ما ذكره أما إذا استعمل غذاء صالحا لم يحصل شيء من ذلك. وكلام * أولئك (1635) محمول على من كان ممتلئ البدن معتاد القيء. فإن مثل هذا الشخص محتاج إلى ما ينقي معدته مما فيها ويعينها على قذفه وإخراجه لاعتياده للقيء فلا يبقى منه شيء في المعدة. فهذا ما * يمكنني أن (1636) أقوله في هذا الموضع. وأما الاختياري فيراعى فيه الوقت الحاضر * ومقدار (1637) استعماله وهيئة بدن * المتقيئ (1638) . أما الوقت فالواجب أن يكون في الأوقات الحارة لوجهين: أحدها لمؤاتاة آلآت التنفس للانبساط والامتداد في حركة القيء. وثانيهما لسيلان الأخلاط وميعانها وطلبها للأعالي. ولا شك أن إخراج المادة من الجهة التي هي إليها أميل أسهل مما ضاد ذلك. فخروجها بالقيء PageVW1P060B أسهل. وأما في الأوقات الباردة فإن المواد * فيها (1639) خامدة هابطة إلى الأسافل فخروجها بإسهال أسهل. ومع ذلك لا ينبغي أن يواظب استعماله في وقت واحد فيصير عادة تطلبها الطبيعة في ذلك الوقت بل أجود استعماله في الشهر الواحد مرتين يومين متواليين غير متعينين على ما ذكره أبقراط في أبيذيميا ليخرج في الثاني مافات خروجه في الأول. وأما في الشراب فيراعى استعماله أمور أربعة. أحدها أن يكون كثير المقدار لثلاثة أوجه. أحدها أن * القليل (1640) تشح المعدة به. الثاني أنها ربما هضمته وغيرته. الثالث أن دفع الكثير * أمثل (1641) وأسهل من دفع القليل. وثانيها أن يكون مخلف الأقداح مثل أن يشرب تارة بقدح صغير وتارة بقدح كبير ليسد نفور المعدة منه لاختلاف مقداره. وثالثها أن بعضها يكون كبير الماء وبعضها قليله ليوجب ذلك أيضا نفورها منه. ورابعها أن يستعمال القيء عند الفراغ من الشراب لئلا يجتذب وينفذ ما يحده فيها من المواد المؤذية إلى جهة الأعضاء. وهذا القدر أيضا يجب أن يراعى في الضروري. ويجب أن يعصب * العينين (1642) عند القيء وترفد برفادة ناعمة مبلولة بماء فيه عطرية وقبض كعحرق الورد. فإذا حصل الفراغ منه تحل * العصائب (1643) ويغسل الفم بماء ورد وخل خمر إن كان مزاج المتقيئ حارا * أو المواد (1644) الخارجة حارة، أو بماء وعسل إن كان باردا أو المواد الخارجة باردة. وأما مقداره فالواجب أن يستقصي إلى أن لا يبقى في المعدة منه شيء. و يعرف هذا من وجهين أحدهما من جهة الجشاء والثاني من جهة خفة المعدة وثقلها. وينبغي أن تكون هيئة المتقيئ عند القيء كهيئة المنتصب. ثم بعد فراغه من ذلك واستعماله المضمضة * يعطى (1645) بعض الملطفات * كشراب (1646) اللمون أو السكنجبين، ثم * يترك (1647) غذاؤه إلى ست ساعات. وأما هيئة بدنه فمن كان PageVW5P106A نحيف البدن متخلخل البنية مجنح الأكتاف عاري الصدر من اللحم بارز الحنجرة فالواجب أن يتجنبه. فإن مثل هذا متى استعمله أوقعه ذلك في السل. فالقيء متى استعمل على ما * ذكرنا (1648) حفظ * الصحة (1649) * وجود (1650) الهضم وخصب البدن وجذب المواد من الأسافل وهو في أمراض هذه الأعضاء أجود من الإسهال وبالعكس.
البحث السادس (1651) عشر:
اعلم أن الدواء والمقيئ قد يصير مسهلا وذلك في صور أربع. * أحدها (1652) عند كون مستعمله لين * البطن (1653) فإنه عندما يجذب المادة ويروم إخراجها من الأعالي تميل هي إلى أسفل لضعف المعاء * ولقبولها (1654) لها ولأنها بطبعها تطلب هذه الجهة إلا الصفراء. * وثانيها (1655) عند قوة المعدة فإنها متى كانت كذلك دفعت عنها ما يجذبه المقيئ إليها. وثالثها * إذا كان الدواء المقيئ (1656) ثقيلا سريع النزول إلى الأسافل فإنه متى كان كذلك جذب المواد إلى الجهة المذكورة. ورابعها * عند (1657) كون مستعمله غير معتاد للقيء بل الإسهال. فإن مثل الدواء المذكور إذا استعمله الشخص المذكور اندفعت المواد فيه إلى جهة المعاء وخرجت بالإسهال للاعتياد * له (1658) والله أعلم.
37
[aphorism]
قال * أبقراط (1659) : من كان بدنه صحيحا فاستعمال الدواء فيه يعسر.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث تسعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1660) بما قبله وهو أنه لما ذكر أن استعمال المسهل في الصحيح يحدث الغشي ذكر في هذا الفصل ما هو أعم من ذلك فقال إن استعمال الدواء في الصحيح * يحدث الغشي ذكر في هذا الفصل ما هو أعم من ذلك فقال استعمال الدواء في الصحيح (1661) يعسر عمله فحكم في الفصل الأول بصنف واحد من الضرر وفي هذا حكم بأصناف متعددة فإن عسر العمل * يعرض (1662) فيه المغص والقلق * والكرب (1663) والغشي وغير ذلك.
البحث الثاني:
قال جالينوس: إذا أطلق أبقراط لفظة الدواء * فإنه يريد بها الدواء (1664) المسهل أو المقيئ. أقول: إنه قد زاد هاهنا فيما عاده أبقراط من استعمال لفظة الداوء على ما فسر عادته في استعمالها في تفسير الفصل الذي أوله إنما ينبغي * أن يتسعمل (1665) الدواء والتحريك بعد أن ينضج المرض. فإنه قال: * هناك (1666) من عادته أن يستعملها على الدواء المسهل فقط. وأما في عرف الطب الآن فالمراد به كل ما يؤثر في البدن مع بقاء صورته النوعية، غير أن هذا الاتصطلاح يدخل السموم في الأدوية لأنها تؤثر في البدن مع بقاء صورتها النوعية. فإن زدنا في التعريف المذكور قيدا آخر وهو أن نقول تأثيرا ينتفع به خرجت السموم عن الأدوية. فإن التأثير الصادر عنها لا ينتقع به البتة. فإن قيل: فقد شهد النقل بنفع السم بحسب * ما (1667) حكى به أندروماخس من أمر الغلام الغماز الذي أسقاه الملك الأفيون ثم دخلت عليه الأفعى ولدغته * وأنه عاش (1668) بعد أن يتيقن موته وأحضر له آلة التجنيز. قلنا: هذا القدر نادر وأحكام الطب أكثرية لا نادرة. فإن * قيل (1669) : الدواء المقيئ * أيضا (1670) يشارك المسهل في * الاسم (1671) بحسب * اصطلاح (1672) أبقراط وفي نفض المادة وإخراجها عن البدن فلم لا أعتبر في استفراغه وإخراجه للمادة النضج كما أعتبر النضج عند استعمال المسهل؟ قلنا: الدواء المقيئ PageVW5P106B في * الأغلب وأكثر (1673) الأحوال استعماله بعد استعمال المسهل المستعمل بعد النضج * وكذلك (1674) متى استعملناه قبل المسهل حرك المادة ولم يقدر على إخراجها وانتزاعها من البدن فيخنق ويوقع في أحوال رديئة.
البحث الثالث:
الوارد على البدن الإنساني مما يؤكل ويشرب * إما أن يفعل في البدن بمادته وإما أن يفعل فيه بصورته وإما أن يفعل فيه بكيفيته لأن ما يؤكل ويشرب (1675) جسم وكل جسم فله مادة وصورة، ثم المادة * تلزمها (1676) أعراض والصورة أيضا * تلزمها أيضا (1677) أعراض. فاللازم للمادة أعراض انفعالية كالرطوبة واليبوسة، وللصورة أعراض فعلية كالحرارة والبرودة. فلذلك صارت الأجسام الواردة على أبدننا * موصوفة (1678) بالكيفيات المذكورة فالفاعل بمادته هو الذي إذا ورد على أبداننا استحال عن طباعه وقبل صورة العضو الوارد دعليه. وهذا هو الغذاء المطلق فإنه من شأنه ذلك. فإن قيل: إن هذا القدر الحاصل منه انفعال لا فعل، فنقول: الغذاء لما قبل صورة العضو سمي * ذلك (1679) منه انفعالا. ولما أخلف عليه عوض ما تحلل منه وزاده في جوهره بالنمو سمي * ذلك (1680) منه فعلا، وهو حق. والفاعل بصورته النوعية كالمفرحية في الخمر والسمية في البيش والمقاومة للسموس في الترياق. فإن الأثر PageVW1P061A الصادر عن هذه ليس هو حادثا عن المزاج ولا عن الكيفيات التي هي مبدأ المزاج وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. بل هي حادثة عن المزاج بإعداد المزاج كالقوة الجاذبة للحاديد في المغناطيس واللتبن في * الكهربا (1681) والمفرحية في الخمر وكالقوة المقاومة للسموم في الترياق. فإن هذه لو كانت لمزاجه لم ينفع من السموم الحارة، بل من الباردة فقط. فهذه القوة تحدث في المركب تبعا لاستعداده بمزاجه عن واهب الصور بفيضان ذلك عنه لجوده واختصاص المركب به لاستعداده. فالسقمونيا مثلا يسخن البدن بما فيها من الجوهر الناري ويسهل الصفراء بالقوة المستفادة لها بإعداد المزاج وهذا الأمر المستفاد بالمزاج قد يكون لونا * كالسواد (1682) الحاصل للماء لمطبوخ فيه * الزاج والعفص (1683) وكاختلاف لون الورقة الواحدة من الورد. وقد يكون رائحة كما في الماء فوة الورد وغيره. وقد يكون نفسا كما في الأجسام النامية وقد يكون * قوى (1684) أخرى كالقوة الجاذبة * للحديد (1685) في المغناطيس والجاذبة للتبن في الكهربا والمقاومة للصرع في * الفاوانيا (1686) ، ثم هذه قد تكون مصلحة للبدن وقد تكون مفسدة. فالمفسدة * كالقوة (1687) التي في البيش. والمصلحة على نوعين قد تتشبه بالبدن وقد لا تتشبه به. فالأولى مثل المفرحية في الخمر فإنه عندما يستعمل يستحيل عن طباعه ويتشبه بالبدن. ولذلك صار شاربه يحس يفرح وبسرور عظيم ونشاط قوي * ووفور (1688) قوة بعد شربه ووفراغه منه. * والثانية (1689) مثل القوة الكائنة في * الفاوانيا (1690) وفي الترياق والفاعل بكيفيته مثل الدواء المسخن والمبرد ومرطب والمجفف. فإن الأثر الصادر عن هذه منسوب إلى الكيفيات المذكورة * وأمثال (1691) هذه تفعل في البدن * مع بقاء صورتها النوعية (1692) فتكون مشاركة الفعل لما يفعل بصورته النوعية الغير متشبهة بالبدن. وبيانه مما ذكرنا أي أن هذا النوع يفعل في * البدن (1693) بمزاجه والأول * ما (1694) يتبع مزاجه والتابع غير المتبوع.
البحث الرابع:
قال الشيخ الرئيس في الفصل الخامس عشر من التعليم الثاني PageVW5P107A من الفن الثاني من كليات القانون: والفاعل بكيفيته هو الذي من شأنه أن يتسخن إذا حصل في البدن الإنساني * ويتبرد (1695) فيسخن بسخونته ويبرد ببرودته من غير أن يتسببه به. وهذا كلام يفهم منه أن مبدأ التأثير الصادر عن الدواء مستفاد من البدن لكن ليس في البدن برودة غريزية ينقدح منها برد في الأدوية الباردة حتى يصح أن يقال * فيتبرد ويبرد (1696) ببرده. وقال حنين: عندما تكلم في أجناس الأدوية وبين أنها أربعة، * قال إن منها (1697) ما يغير البدن ولا يغيره البدن. وهذه الأشياء تقتل إما بما لها من الحرارة * مثل سم (1698) الأفاعي وإما بما لها من البرودة مثل الأفيون. وهذا الكلام يفهم منه أن الأفيون لا يفعل فيه البدن البتة لا بمنعى القدح ولا غيره لأنه هرب من شيء وهو أنه لما علم أن الفاعل في الأدوية المخرج لتأثيرها إلى الفعل حرارة محيئة تسمي حرارة غريزية والفاعل في الشيء لا بد * أن (1699) يفيده أثرا مناسبا له. فلو فعلت الحرارة في الأفيون لنقلته من البرودة إلى الحرارة وهذا القدر يوجب أن * لا (1700) يكون * للأطباء (1701) دواء * يبرد (1702) البتة. وأما حكمه في سم الأفاعي بذلك * إما (1703) لأنه جزء حيوان فتكون حرارته بالفعل * وإما لأنه (1704) لما كان كذلك كانت حرارته * قريبة (1705) من الفعل فلم يحتج إلى تأثير قوي بل أدنى ملاقاة تفعل فيه، فنسب هذا الفعل اليسير إلى عدم الفعل. وأما الفاضل جالينوس فقد اضطرب كلامه في هذا الباب في أول كتابه في الأدوية المفردة فتارة يقول إن الأدوية المبردة ليست تقبل مبدأ التأثير من البدن لكنها تقبل من البدن الانقسام إلى أجزاء صغيرة يسهل بها النفوذ إلى القلب وتارة يقول إن جميع ما يبرد البدن فإنه يسخنه غير أنه متى كانت سخونته أقوى من حرارة البدن فإنه يسمى حارا ومتى * كانت (1706) مساوية للبدن فإنه يسمى معتدلا ومتى * كانت (1707) أنقص مما له فإنه يسمى باردا. وهذا النقل يفهم منه أن جميع الأدوية المبردة للبدن تقبل مبدأ التأثير من البدن ويرد عليه * ما (1708) ذكرنا في الأفيون. وأما الوجه الأول فنقول: وعند انقسامها إلى أجزاء صغار فبأي وجه يفعل في البدن؟ وبالجملة هذا الكلام جميعه من جالينوس والشيخ وغيرهما فيه نظر. وهو أن الفلاسفة لما رأوا أن الماء المسخن بالنار قد استفاد كيفية لم تكن له وهي الحرارة قالوا: لا شك أنه حار، ثم بعد ذلك اختلفوا في سبب سخونته. فقال قوم منهم أنه بالكمون وهو أن في الماء البارد أجزاء حارة كامنة غير أنها مقهورة بضدها التي هي البرودة. فإذا جاورته النار قويت أجزاؤها الحارة المقهورة وظهرت واستولت على ضدها وحينئذ يحس منها بفضل حرارة. وقال قوم منهم بالورود وهو أن النار عندما جاورت الماء نفذ منها فيه * أجزاء (1709) نارية فسخنته * وأحس (1710) من المجموع بفضل حرارة. * وقال قوم منهم بالانقلاب وهو أن النار عندما جاورت الماء (1711) قلبت بعض أجزائه المائية نارا ثم أنها خالطت ما بقي منه وأحس من المجموع بفضل حرارة. وقال قوم منهم إن النار إذا جاورته غيرت كيفياته مع بقاء صورته النوعية وهو قول PageVW5P107B بالاستحالة وهو المختار في الفلسفة. وقد أبطلت المذاهب الأخر غير أنه لا يليق ذكر ذلك في هذا الكتاب. * فإذا (1712) عرفت هذا فنقول: الدواء المسخن بالقوة إذا ورد * على (1713) أبداننا وأثر فيها فتأثيره فيها إما PageVW1P061B أن يكون بمعنى ظهور * الكامن (1714) وهذا باطل. أما * أولا (1715) فإن هذا القدر قد أبطل في الحكمة. وأما ثانيا فيلزم أن لا يكون لنا دواء مبرد لأنه ليس في البدن برودة غريزية تفعل في المبردات بحيث أنها تخرج الأجزاء الباردة الكامنة فيها وتستولى على ضدها لأن الفاعل في جميع ما يرد على أبداننا الحرارة الغريزية وقد عرفتها. ولو صح ذلك لم يكن لنا دواء بارد البتة والتجارب الطبية تشهد ببطلانه. وإما أن يكون بمعنى الوارد وهو المشهور عند الأطباء بالقدح * وهذا (1716) باطل أيضا. أما أولا فلأنه قد أبطل في الفلسفة. وأما ثانيا * فلأنه يلزم (1717) أن لا * يكون لنا (1718) دواء مبرد لأنه ليس في أبداننا * برودة ينقدح منها برد في الأدوية المبردة الواردة على أبدننا (1719) لأن الفاعل في كل ما يرد على أبداننا الحرارة الغريزية. ولو صح ذلك لم يكن لنا دواء * مبرد (1720) البتة. * وإما أن يكون بمعنى الانقلاب وهذا باطل أيضا. أما أولا فقد أبطل في الفلسفة. وأما ثانيا فيلزم أن لا يكون لنا دواء مبرد (1721) البتة لأنه ليس في أبداننا برودة غريزية تقلب بعض أجزاء الدواء إلى البرودة. ولو كان كذلك * للزم (1722) أن لا يكون لنا دواء مبرد البتة لما ذكرنا. وإما أن * يكون (1723) بمعنى * الأحالة (1724) وهو المختار في الفلسفة في تسخين الماء. لكن هذا القدر لا يمشي في الأدوية الواردة على أبداننا. وذلك لأن المحيل للشيء لا بد وأن يفعل في المستحيل أثرا مناسبا له لا سيما متى كان المحيل في غاية القوة بالنسبة إلى المستحيل ومحله جسم كبير وليس في أبداننا برودة غريزية تفعل في الأدوية المبردة ذلك بل المحيل لما يرد على أبدننا حرارة سماوية تسمي غريزية. ولو صح ذلك لم يكن لنا دواء مبرد البتة. فثبت بهذا فساد قول الشيخ وهو قوله والفاعل بكيفية هو الذي من شأنه إذا ورد إلى البدن الإنساني * إما (1725) أن يتسخن بسخونته أو يتبرد ببرودته من غير أن يتشبه به، وفساد قول الفاضل جالينوس. وأما حنين فإنه لم يجزم بشيء في الأفيون لكنه * ما تكلم (1726) عندما تكلم فيما بعد كلامه المذكور قال إن المبردات تؤثر * فيها الحرارة الغريزية (1727) بمعنى أنها تقسمها إلى أجزاء * صغار (1728) وهو قول جالينوس * في بعض نقوله (1729) . * فنقول (1730) لهما: انقسمت الأدوية المبردة ووصلت إلى القلب وأثرت فيه، فهل خروج تأثيرها إلى الفعل بمعنى الكمون أو بمعنى الورود أو بمعنى الانقلاب أو بمعنى الاستحالة وهذه جميعها قد أبطلناها. والذي ثبت عندي في هذا الباب وتحققته أن فعل الدواء في البدن بالخاصية * فهذا يبرد بخاصيته والآخر يسخن بخاصيته (1731) غير أن وروده على البدن الإنساني شرط في ظهور * عمله وفعله (1732) . وإلا كيف صار الدرهم من الأفيون يبلغ من تخديره للبدن وتبريده أياه إلى أن يطفئ حرارته الغريزية وتخمدها مع كونه مركبا من الأركان الأربعة وفيه جزء ناري وأضعاف أضعافه من الماء لا يفعل ذلك مع بساطته وخلوه من الأجزاء * النارية (1733) ودرهم من الأفربيون أو من غيره من الأدوية القوية التسخين يسخن البدن تسخينا لم يسخنه أضعافه من النار مع كونه مركبا من الأركان الأربعة وفيه جزء مائي والنار بسيطة.
البحث الخامس:
قال علاء الدين ابن النفيس في شرحه لكليات القانون قولا ربما يظنه الظان أنه يصلح أن يكون جوابا عن هذا PageVW5P108A الإيراد، وهو أن الأدوية المركبة لا شك أنها مركبة من العناصر الأربعة غير أنها * ليست (1734) فيها متساوية. بل البعض منها النار مستولية عليه والبعض منها الماء * مستول (1735) عليه * وكذلك (1736) الكلام في الأرض والهواء. وبالجملة * ومع هذا جميعه (1737) كيفياتها حاصلة بالفعل غير أن الهواء * لما (1738) كان محيطا بها وبنا أحال كيفياتها وكيفياتنا إلى ما يناسبه فتكون الأجسام جميعها مقاربة الكيفية لكيفية ظاهر البدن، والحرارة الغريزية من شأنها أن تعيد الأجسام إلى طباعها وتبطل عنها المكيفية الغريبة المكتسبة التي استفادتها من الهواء الخارجي. وحينئذ يظهر في بعضها قوة النار وفي بعضها قوة الماء وفي بعضها قوة الأرض * وفي بعضها قوة الهواء (1739) فيسخن هذا ويبرد هذا ويرطب هذا ويجفف هذا. ثم أنه إذا أورد على نفسه إيردات أربعة أحدها أنه لو كان الأمر كذلك لكان الماء لكان المشروب يجمد في البدن الإنسان لأن طبيعة الماء يقتضي الجمود. وثانيها لو كان كذلك لكان تبريد الماء أشد من تبريده ألافيون لأن المائية التي فيه التي يكون * بها التبريد (1740) تخالطها أجزاء نارية وهوائية وهما مسخنان. وثالثهما إذا كان الهواء الخارجي مع ضعف حرارته قد يسخن الأفيون حتى يبلغ إلى حد لا * يبلغ الإحساس منه بتبريده (1741) . وباطن البدن لا شك أنه أسخن من الهواء الخارجي لا بمحالة لوجب أن يكون الأفيون والكافور وغيرهما إذا * ورد (1742) البدن أن يزداد سخونة، * والوجود (1743) بخلافه. ورابعها * أنه (1744) لو كان كذلك لكنا إذا * تقيأنا (1745) الكافور ولمسناه قبل أن يفعل فيه الهواء الخارجي نجده أبرد من الجمد بكثير، وليس كذلك. ثم أجاب عن الأول فقال أنا لا نلتزم بأن الحرارة الغريزية ترد جميع الأجسام إلى طباعها بل يجوز أن يكون فعلها ذلك في البعض دون البعض. وعن الثاني أن فعل الحرارة المذكورة إنما هو في المركبات، والماء لما كان * جوهرا (1746) بسبطا لم تفعل الحرارة الغريزية فيه شيئا. وعن الثالث أن باطن * البدن (1747) وإن كان أسخن من الهواء الخارجي لكن الحرارة الغريزية التي في باطن البدن تبطل تسخينه وتقوي على رد ذلك الجسم إلى طبعه PageVW1P062A ، وعند ذلك يبرد الجزء المائي الموجود في الكافور للبدن تبريدا قويا. فإن برد الماء نظير لحر النار وكما أن الجزء اليسير من النار يسخن البدن تسخينا قويا كذلك الجزء اليسير من * الماء (1748) يبرده تبريدا قويا. وعن الرابع أن الفعل الصادر عن الكافور لا يلزم أن يظهر منه * عند (1749) كونه في المعدة بل بعد انحداره عن المعدة وهو في مثل هذا الوقت لا يمكن خروجه بالقيء. هذا * ما (1750) قاله هذا * الفاضل (1751) بلفظه. والذي نقوله نحن في هذا الموضع أنه ذهب عليه تفسير الحار والبارد بالفعل وبالقوة. فإن المسمى بالفعل هو أن يكون ما يوصف به الدواء يدرك بحاسة اللمس والمسمي بالقوة ما لا يكون كذلك. قوله إن الهواء هو الساتر لكيفيات الأدوية على ما ذكره والحرارة الغريزية هي الكاشفة لذلك والمظهرة لما يوصف به الدواء. * نقول (1752) نحن: لا نعني بالقوة إلا ما لا يكون مدركا بحاسة اللمس سواء كان المانع لإدراكها له الهواء الخارجي أو غيره، ثم أنه إذا ورد على البدن وفعلت فيه قواه PageVW5P108B والحرارة الغريزية * ظهر (1753) ما كان يوصف به للحاسة المذكورة وحينئذ يصير بالفعل. فعبر عن التأثير المذكور بالكشف وهو حق، فإنها كشفت أمره بمعنى أنها أظهرت تأثيره الذي كان خفيا عند الحاسة المذكورة. ومثل هذا لا يليق الكلام فيه لأنه * مشاجة (1754) في الأسماء. فإنه عبر عن فعل الطبيعة فيه بالكشف. وعند هذا نقول له كشفها له هل هو بمعنى إظهار الكامن أو * بغيره (1755) من المعاني المذكورة وقد تكلمنا على كل اواحد منها وبينا فساد الجميع؟ سلمنا أن كيفيات الأدوية على ما ذكره، لكن كيف يتصور أن يكون تبريد الجزء والمائي الكائن في الأفيون أقوى من تبريد الماء المفرد الخالي من الأجزاء النارية؟ فإن الواحد منا لو تناول أوقيتين من الماء أو من الثلج أو من الجمد لم ينله منها سوء. ولو تناول خمسة دراهم من الأفيون * لانطفأت (1756) حرارته الغريزية وخمدت من ساعته ومات مع وجود الأجزاء * النارية (1757) فيه، فلو لم يفعل هذا الفعل بخاصية فيه. وإلا كيف كان يتصور منه هذا الأثر؟ وعند هذا لم يتكلم معه في البحوث التي أوردها على نفسه لأنه بنى أحكامها وأحكام أجوبتها على ما أصله، وقد عرفت فساده.
البحث السادس:
قال الأطباء: الفاعل بالكيفية فالحار والبارد منه لكل واحد منهما أربع مراتب كل مرتبة تسمى درجة. نقول: * وصارت (1758) الدراجات * أربعا (1759) لأن الوارد * منها (1760) على البدن الإنساني لا يخلو إما أن تؤثر فيه كيفية زائدة عما له أو لا يؤرث ذلك. فإن لم يؤرث فهو المعتدل. وإن أثر فيه فلا يخلو إما أن يظهر أثره * أو لا يظهر أثره. فإن لم يظهر أثره (1761) * هو (1762) الحار في الأولى. وإن ظهر فلا يخلو إما إن * يبلغ إلى أن (1763) يضر بالأفعال أو لا * يبلغ (1764) . فإن لم يبلغ فهو في الثانية. وإن بلغ فلا يخلو إما أن يهلك البدن ويفسده أو لا يكون * كذلك (1765) . فإن لم * يكن (1766) فهو في الثالثة. وإن كان فهو في الرابعة. وهذا الحصر موقوف على مقدمات منها أن يكون البدن الممتحن فيه بدنا معتدلا وأن يكون الدواء المشار إليه مأخوذ من إقليم معتدل وأن يكون معتدلا في نوعه. وبالجملة قد ذكرنا تلك * المقدمات (1767) في شرحنا لكليات القانون فمن أراد * الاضطلاع (1768) على ذلك فعليه بذلك الكتاب. لكن لقائل أن يقول: الكلام المذكور في الدراجات فيه نظر من وجهين. أحدهما من جهة العقل والثاني من جهة النقل. أما العقلي فهو أن يقال: الحار في الثانية * مثلا (1769) إذا ورد على البدن الإنساني وأثر فيه فلا يخلو إما أن يكون لتأثيره مقدار * معين (1770) أو لا يعتبر ذلك فيه. * فإن (1771) كان الثاني فيكون أي مقدار أخذ منه كان * مسخنا (1772) في الثانية. ويلزم من هذا أن يكون القنطار من البصل يسخن البدن كتسخين الدرهم منه، وذلك محال. وإن كان لتأثيره مقدار معين فيلزم أن يكون ذلك المقدار متى تغير تغير الفعل. * وإذا (1773) ضوعف تعدا الدرجة التي هو فيها إلى الدرجة * التي (1774) فوقها، ثم إذا ضوعف مرة ثانية، صار في التي قوتها ومتى نقص مقدار الأول صار في التي تحتها. فيكون الدواء الواحد * حارا (1775) في الأربع درجات وهذا محال. وأما النقلي * قال (1776) الشيخ الرئيس في الفصل الرابع من المقالة الأولى من الفن الرابع من طبيعيات الشفاء: كمية الشيء كلما ازدادت ازدادت كيفيته. فإن الحديد المحمى في النار PageVW5P109A القليلة والكثيرة وإن كان السطح المماس منه للنار الكثيرة هو مثل السطح المماس * منه للنار القليلة (1777) غير أن النار * الكثيرة تحميه في زمان غير محسوس والقليلة في زمان محسوس. وكذلك الشيء المملوح (1778) في ملح قليل فإنه لا يتملح تمليحه في الملاحة. فظهر مما ذكرنا أن كيفية الأعظم أشد من كيفية الأصغر. والجواب عن هذا الإيراد أن الدواء الموصوف بدرجة معينة فيه من الأجزاء الحارة أو الباردة عدد معلوم لم يزدد عددها بزيادة مقداره ولا ينقص * بنقصانه (1779) . فقول المعترض * إن (1780) الدواء الموصوف بالثانية إما أن PageVW1P062B يكون * قد عين (1781) له مقدار معين * أو لا يكون نقول قد عين له مقدار (1782) وهو الذي إذا ورد على البدن المعتدل أثر فيه تأثيرا محسوسا غير مضر بالفعل. قوله فيلزم أنه متى ضوعف تعدا درجته ثم إذا ضوعف مرة أخرى تعدا الأخرى. نقول: متى زاد مقداره زاد مقدار المجموع لا عدد الأجزاء الحارة، ويكون تأثيره في مثل هذا الوقت لكثرة المقدار أو لتكرار استعماله لا لكثرة الأجزاء الحارة فيه. وفي الصورة المذكورة لم يخرج عن كونه حارا في الثانية بخلاف المسخن في الثالثة. فإنه متى أخذ منه مقدارا * مساويا (1783) لما هو مسخن في الثانية فإنه يكون قوي التأثير * جدا بل لعله يكون متساويا لتأثيره (1784) إذا كرر استعماله أو وفر مقدار. وليس * لهذا (1785) علة سوى أن الأجزاء الحارة في المسخن في الثالثة أكثر عددا منها في الثانية. فالحاصل أن الأجزاء الحارة في الثانية لم يزداد عددها بتوفر مقداره ولا ينقص بنقصانه وعند ذلك لم يخرج عن كونه حارا في الثانية. فهذا حاصل الجواب عن الاعتراض المذكور. وأما عدد الأجزاء الحارة والباردة في كل درجة من درجات * الدواء (1786) الحار والبارد والرطب واليابس فقد أوضحناها في شرحنا لكليات القانون وبينا مذاهب الأطباء فيها * وأظهرت الحق فيها (1787) .
البحث السابع
في ذكر إشارة خفية إلى الأجزاء المذكورة. نقول: الدواء المعتدل فيه * أربعة (1788) أجزاء حارة وباردة ورطبة ويابسة كل منها مساو لمقابله. * والحار (1789) في الأولى فيه جزء * آحر حار (1790) زائد على الجزء الأول. والحار في الثانية فيه جزآن حاران زائدان على الجزء المذكور. والحار في الثالثة فيه ثلاثة أجزاء حارة. والحار في الرابعة فيه أربعة أربعة أجزاء حارة كل ذلك زائد على الجزء المذكور. فيكون نسبة الجزء البارد إلى الأجزاء الحارة في الحار في الأولى نسبة النصف وإلى الثانية نسبة الثلث وإلى الثالثة نسبة الربع وإلى الرابعة نسبة الخمس. هذا على مذهب القاضي أبي الوليد بن رشد PageVW5P109B . وأما الكندي فإنه يرى أن المعتدل فيه الأجزاء الأربعة متساوية على ما ذكرنا. والحار في الأولى * فيه (1791) جزآن حاران وجزء واحد بارد والحار في الثانية فيه أربعة أجزاء حارة وجزء واحد بارد والحار في الثالثة فيه ثمانية أجزاء حارة وجزء واحد بارد والحار في الرابعة فيه ستة عشر جزءا حارة وجزء واحد بارد لأنه يرى أن الزيادة في الأجزاء المذكورة زيادة الضعف، والأول يرى زيادة المثل. فيكون على هذا التقدير نسبة البارد إلى الحار في الدرجة الأولى نسبة النصف وفي الثانية نسبة الربع في الثالثة نسبة الثمن وفي الرابعة نسبة نصف الثمن. وأما بيان الحق * من (1792) هذين المذهبين وفساد الفاسد واحتجاج كل واحد من القائلين بأحد القولين المذكورين على صحة ما ذهب إليه * فقد (1793) اتسوعبنا القول فيه في شرحنا لكليات القانون. ومما ذكرناه من المذهبين المذكورين تعرف درجة مزاج المركب، وهو أننا ننظر في المركب ونعد مفراداته الحارة والبارده ونجمع درجات كل واحد من المزاجين * وكذا (1794) نفعل بالرطبة واليابسة ونقيس أحدهما على الآخر، وننظر في نسبة لأقل إلى الأكثر من الحارة والباردة والرطبة واليابسة، ولنفرض أن الأقل هي الدرجات البارجة والأكثر هي الدرجات الحارة. فإن كانت نسبة الباردة إلى الحارة نسبة النصف فهو الحار في الأولى. وإن كانت نسبة الثلث فهو * الحار (1795) في الثانية. وإن * كانت (1796) نسبة الربع فهو الحار في الثلاثة. وإن * كان (1797) نسبته الخمس فهو الحار في الرابعة. * هذا (1798) على مذهب ابن رشد. وأما على مذهب الكندي فقد عرفت ذلك مما ذكرنا في النسبة التي ذهب إليها.
البحث الثامن:
قال الأطباء ليس لنا رطب في الرابعة ولا يابس في الرابعة. أقول: والعلة في * ذلك (1799) هو أن الحارارة والبرودة كيفيتان فاعلتان والرطوبة واليبوسة كيفيتان * منعلتنان (1800) . وقد علمت أن نهاية فعل المفاعلة في البدن المعتدل أن تهلكه وتفسده. فلو كان نهاية فعل المنفعلة كذلك لكان تأثيرها كتأثير الفعالة، فيكون فعلها كفعلها وذلك محال. وأما سبب تسمية الرطوبة واليبوسة بالمنفعلة والحرارة والبرودة بالفعالة فقد أوضحناه في شرحنا * للكليات (1801) .
البحث التسع
في علة عسر عمل الدواء في البدن الصحيح. قال جالينوس: لأن الدواء المسهل متى لم * يجد (1802) الخلط الملائم له وهو الصفراء والبلغم والسوداء والمائية جاذب اللحم والدم واستكرههما. وهذا PageVW5P110A حق فإن الطبيعة تبخل بالخلط الصالح وتشح به بخلاف حالها مع الفاسد فإنها لا تبخل به، والله أعلم.
38
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الطعام والشراب أخس قليلا إلا أنه ألذ فينبغي أن يختار على ما هو * منه (1803) أفضل إلا أنه أكره.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1804) بما قبله وهو أنه لما بين أن المغتدي بالغذاء الرديء يغشى عليه عند إسهاله وذلك لفساد أخلاطه قال اللهم إلا أن يكون فساده قليلا ويكون لذيذا أو مشتها فإنه متى كان كذلك لا يكون خلطه رديئا بل هذا يختار على ما كان ما الأطعمة PageVW1P063A والأشربة أفضل.
البحث الثاني:
ليس مراده هاهنا بالأطعمة والأشربة ما * يؤكل (1805) ويشرب مطلقا فإن من جملة ذلك الفاعل بصورته بل مراده به الفاعل بمادته وهو ما يستحيل أي يتغير عن طباعه ويقبل طبعة العضو الوارد عليه بمعنى أنه يتشبه به ويخلف عوض الذاهب منه.
البحث الثالث:
غرض الإمام أبقراط بهذا الفصل أن بنبهنا على فائدة عملية وهو أن من المرضى من يكره الغذاء المستعمل في حال مرضه وإن كان هو الواجب استعماله وتمتل نفسه إلى غذاء آخر. فينبغي للطبيب حينئذ * أن (1806) ينظر في ذلك الغذاء المشتهى، فإن كان ألطف من المستعمل فالواجب أن لا يستمر على استعماله. فإن الميل إلى التغليظ أجود من الميل إلى التلطيف على ما عرفت. وإن كان أغلظ. فإن كان غلظه يسيرا فالواجب استعماله وإن كان كثيرا فالواجب تركه ويمنع منه بعد أن يقضي شهوته منه بشيء يسير ويخوف من الإكثار منه فإن قواه ضعيفة عاجزة عن هضمه وإحالته. وإن كان كيموسه رديئا فإن * كان (1807) كثيرا فالواجب أن يمنع منه ويعرف ضرره، وإن كان قليلا فالواجب أن يعطى منه مقدار ما تسكن به شهوته فقط ثم يمنع منه. فقوله «أخس قليلا» احتراز عما هو كثير رديء في كيموسه وقوامه. فإنك قد عرفت أن المنع * من (1808) استعمال * هذه (1809) واجب. أما متى كان ذلك قليلا فلا بأس * أن (1810) يعطى منه المقدار اليسير. ولم يكتف بقوله «أخس قليلا» بل قال « * إلا أنه (1811) ألذ» فإنه متى كان بالصفة الأولى فلا ينبغي أن يستعمل البتة بل متى كان مع ذلك لذيذا فإنه متى كان بهذه * الصورة (1812) احتوت عليه المعدة احتواء المحب على المحبوب وهضمته هضما جيدا وجذبته الأعضاء جذب الشيء الملائم المحبوب واغتذت به على أتم وجه وأكمله. لكن * لا (1813) ينبغي أن يلازم استعماله فإنه وإن لم يولد ضررا في العاجل ولده في PageVW5P110B الآجل وهو معنى قوله «إلا أنه أكره» أي إلا أن عاقبته مكروهة. فإن الشيء لم يخرج عن طبعه البتة غير أنه متى كان قليل المقدار كان ما يتولد منه قليلا. فإما أن الطبيعة تدفعه لقلة مقداره وإما أنها يقهره فلا يؤذيها. وأما متى كان كثيرا كان المتولد * منه (1814) كثيرا وحينئذ يغير البدن ويوقعه في أمراض رديئة ولم تف لذته بمضرته، * وألله أعلم (1815) .
39
[aphorism]
قال أبقراط: الكهول في أكثر الأمر يمرضون * أقل (1816) مما يمرضون الشباب إلا أن أكثر ما يعرض لهم من الأمراض المزمنة في * أكثر الأمر (1817) يموتون وهي بهم.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1818) بما قبله وهو أنه لما أمر باستعمال الغذاء الأخس الألذ قال في هذا الفصل أن ذلك ليس * كيف (1819) اتفق بل بقدر متوسط. فإن الإفراط في متابعة الشهوات للأطعمة والأشربة مما يوجب كثرة الأمراض. * ولذلك (1820) صار * الشبان (1821) أكثر أمراضا من الكهول لأن * الشبان (1822) لما * كانت (1823) قواهم أقوى من قوى الكهول * صاروا (1824) يغترون بهذا القدر ويقدمون على استعمال الأغذية الرديئة * ولم يتوقوها (1825) فتجتمع المواد في أبدانهم ويبتولد * لهم منها (1826) أمراض رديئة كثيرة.
البحث الثاني:
قال جالينوس: مراده هاهنا بالكهول الضابطون لتدريبهم. وأما من لا يضبط تدبيره منهم فإنه بمرض أكثر مما يمرض * الشبان (1827) لأن بدنه أضعف من بدن الشباب. قال الرازي إن كان الأمر على ما ذكره جالينوس فلا يكون لقول أبقراط حاصل. فإن من ضبط تدبيره من أي سن كان قلت أمراضه سواء كان كهلا أو شابا. قال: بل السبب في ذلك أن حدة المرار قد انكسرت فيهم ونقصت أيضا رطوباتهم فيقل لذلك العفن فيهم. أجاب ابن رضوان بجواب وحاصله أنه مأخوذ مما ذكره الرازي بعد أن خاطبه بخطاب لا يليق بمثل ابن رضوان في حق الرازي الذي لا يماثله ولا يقاربه في علم الطب ولا غيره، وهو أن الرازي ذهب عليه معرفة * هذا الفصل (1828) فإنه قال الكهول في أكثر الأمر يمرضون أقل مما يمرض الشباب أي بالأمراض الحادة لا بالأمراض مطلقا وإلا فهم أكثر أمراضا من * الشبان (1829) لضعف حرارتهم وكثرة رطوباتهم الغريبة، ولذلك قال أبقراط في «أكثر الأمر». وإلا فالكهول قد يمرضون * أمراضا حادة (1830) لكن في الأقل. وهذا الجواب مأخوذ من كلام الرازي فإنه ليس لذلك علة سوى أن حدة المرار قد انكسرت في أبدانهم ومع ذلك فهي قليلة المقدار. والحق في هذا ما أقوله وهو أن الكهول الحرارة الغريزية ناقصة في أبدانهم عما هي في أبدان * الشبان (1831) غير أنها لم تنقص في أبدانهم كنقصانها في PageVW5P111A أبدان المشايخ فيبعد لذلك استعدادهم لأمراض الشباب التي هي الحارة ولأمراض المشايخ التي هي الباردة. فلذلك كانوا قليلي الأمراض حسب ما حكم به الإمام أبقراط فعلي هذا الكهل والشاب متى تساويا في التدبير كان الكهل أقل أمراضا من * الشاب (1832) . فإن قيل فهاهنا نظر آخر وهو أنه لقائل أن يقول إن كل واحدة من السنين تقتضي حصول أمراض وهي المناسبة لها وعدم أمراض أخر وهي المخالفة لها. وإذا كثرت أمراض كل واحدة منهما من جهة وقلت من جهة أخرى لم يصح الحكم بكثرة أمراض إحدى سنين على الأخرى. والجواب عن هذا أن كل * واحد (1833) من السنين وإن * اختصت (1834) بكثرة أمراض * وبقلة (1835) أمراض * أخر (1836) غير أن وقوع الكهل فيما يتوقع عروضه له أقل من وقوع * الشاب (1837) فيما يتوقع عروضه له لما ذكرنا في الجواب المذكور عن كلام الرازي.
البحث الثالث:
قوله «إلا أن ما يعرض لهم من الأمراض المزمنة على أكثر الأمر يموتون وهي بهم» قال جالينوس: PageVW1P063B وذلك لأن مواد هذه الأمراض باردة غليظة وقواهم ضعيفة عاجزة عن هضم مثل هذه المادة. فلذلك صارت تطول هذه الأمراض بهم ويموتون بها. والذي نقوله نحن إن العلة في هذا من وجوه ستة، أحدها أن قواهم ضعيفة عاجزة عن نضج * مواد تلك الأمراض (1838) . وثانيها ضعف حرارتهم الغريزية فلا تقدر على نضج ذلك أيضا. وثالثها الكهول * قليلو (1839) الأمراض لما ذكرنا فعروض الأمراض لهم لا يكون إلا * عن سبب (1840) قوي وذلك مخطر. ورابعها أن الإنسان في مثل هذا السن قليل الحركة لضعف قواه عن إقلال الأعضاء ونقلها، وذلك موجب لاحتباس المواد وتوفرها في البدن، وذلك مما يعين على * إحدوث (1841) * الأمراض الطويلة (1842) * المدد (1843) * العسرة (1844) البرؤ. وخامسها أن شهوة الإنسان في * هذه (1845) السن أقوى من هضمه لا سيما في إخراجها فيكون الغذاء المستعمل أكثر من احتمال القوة الهاضمة فيتوفر ذلك المواد في أبدانهم، وذلك موجب لطول * المرض (1846) . وسادسها أن مواد هذه الأمراض المذكورة مناسبة لمزاج هذا السن لا سيما في أخرها فلا تشعر قوامهم وأعضاؤهم بها * ولا بأذيتها (1847) فيجتمع على طول الزمان أولا فأولا وتحدث الأمراض المذكورة وتطول * لأجل (1848) ذلك. واعلم أن أكثر عروض هذه الأمراض للكهول في أواخر سنهم. وبهذا يجاب عن إشكال مقدر وهو أنه قد قيل إن الامراض * الحادثة (1849) المناسبة أقل خطرا من غير المناسبة فكيف صارت الأمراض المزمنة * تخطر (1850) في سن الشيخوخة؟ فنقول إن آخر سن الكهولة يشبه سن الشيخوخة وستعلم أن الأمراض العارضة في مثل * هذه (1851) السن سواء كانت مناسبة أو غير PageVW5P111B مناسبة فهي مما يتعذر برؤها وقوله «في أكثر الأمر» يحتمل أن يعرض * للشاب (1852) مرض * مزمن (1853) يتعذر برؤه ويموت وهو به.
40
[aphorism]
قال أبقراط: * إن ما يعرض من البحوحة والنزل (1854) للشيخ الفاني * ليس (1855) يكاد ينضج.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1856) بما قبله وذلك من وجوه ثلاثة أحدها أنه لما ذكر تمكن الأمراض المزمنة من الكهول ولا شك أن هذا بالمشايخ أولى ذكر ذلك * في المشايخ أيضا (1857) . وثانيها أن هذا كالدليل على صحة حكمه في الفصل المتقدم في الأمراض المزمنة وهو أنه لما كان علة طولها في الكهول ضعف الحرارة الغريزية بين ذلك في هذا الفصل. قال: والدليل على ذلك تعذر برؤ * النزلة (1858) والبحوحة للشيخ. وثالثها قال جالينوس وهو أن هذا الفصل كالمثال للفصل المتقدم ويكون تقدير قول ابقراط: الكهول في أكثر الأمر يمرضون أقل مما * يمرض (1859) الشباب إلا أن أكثر ما يعرض لهم من الأمراض المزمنة على أكثر الأمر يموتون وهي بهم، * ومن (1860) ذلك أن ما يعرض من البحوحة والنزل للشيخ الفاني ليس يكاد ينضج.
البحث الثاني:
المادة المنحدرة من الدماغ إن كان انحدارها إلى جهة المنخرين سمي الحادث عنها في عرف الطب زكاما وإن كان انحدارها إلى جهة الفكين سمي الحادث عنها نزلة، وإن كان انحدارها إلى * نفس (1861) قصبة الرئة وكانت حريفة حبستها سمي الحادث عنها بحوحة الصوت، وإن كان انحدارها إلى نفس الرئة سمي الحادث عنها سعالا. * هذا في عرف الطب المشهور (1862) . وأما عند * أبقراط والشيخ (1863) فإن هذا جميعه يسمي نزلة لأن المادة * متى (1864) كانت في الأعالي ثم انضبت إلى ما دون ذلك سمي الحادث عنها نزلة.
البحث الثالث:
المشايخ كثيرا * ما (1865) يعتريهم هذان الألمان. وذلك لوجوه خمسة أحدها * لضعف (1866) أدمغتهم فتجتمع الفضلات فيها ثم أنها تقطر وتنحدر إلى أسفل. وثانيها تكاثف مسامهم وذلك لبرد أمزجتهم والتكاثف مما يعين على اجتماع الفضلات في أبدانهم وعند ذلك يحصل ما * ذكرنا (1867) . وثلاثها ضعف دافعتهم فلا تقدر على دفع الفضلات المجتمعة في أبدانهم في مجاريها المعتادة كاللهوات والأذنين والمنخرين فتبقى محتبسة في أدمغتهم وتقطر إلى جهة * السفل (1868) . ورابعهما لكثرة أكلهم وضعف هضمهم فتجتمع الفضلات في أبدانهم وأدمغتهم * ضعيفة قابلة (1869) لما يرتفع إليها من الأبخرة فيتجمع فيها الفضلات أولا فأولا ويحصل ما * ذكرنا (1870) . وإنما قلنا إن * مآكلهم (1871) * كثيرة (1872) وهضمهم ضعيف وذلك لاستيلاء البرد على * معدهم (1873) فتقوى شهوتهم الكاذبة ويضعف هضمهم. وخامسها قلة حركاتهم وذلك مما يعين على كثرة الفضول في أبدانهم.
البحث الرابع
في تعذر برؤ المرضين المذكورين PageVW5P112A في سن الشيخوخة. وذلك من وجهين أحدهما أن مواد هذه غليظة باردة لزجة، ومثل هذه المادة يحتاج في نضجها وهضمها إلى توفر القوة ووفور من الحرارة الغريزية. وذلك مما يتعذر وجودهما في سن الشيخوخة لا سيما في آخرها لأخذهما في الاضمحلال * والانهزال (1874) . ثانيهما أن مواد هذه كلما طال بها الزمان فهي * أخذها (1875) في الزيادة والتوفر، والقوى والحرارة الغريزية بضد ذلك. فلذلك صار يتغدر برؤهما.
البحث الخامس:
الأمراض المزمنة كلها * مما (1876) يتعذر برؤها في سن الشيخوخة. وإنما مثل أبقراط بالنزلة * والبحوحة (1877) لوجهين أحدهما لكثرة عروضهما في السن المذكور لما ذكرنا. وثانيهما أن هذين المرضين أسرع الأمراض المزمنة برءا وأقبلها للعلاج. فكأنه يقول إذا كانت هذه تعرض للمشايخ وهي لا تبرأ فغيرهما هو أردأ منها بطريق الأولى.
البحث السادس:
لقائل أن يقول * لم (1878) قال PageVW1P064A أبقراط في الأمراض المزمنة العارضة للكهول يموتون وهي بهم وفي العارضة في سن الشيخوخة * لا يكاد ينضج والحرارة الغريزية في سن الشيخوخة (1879) أضعف مما هي في سن اللكهولة فحكمه في أمراض الكهول ذكره في أمراض الشيخوخة * أولى من ذكره الكهول (1880) . نقول: الامراض المزمنة على أنواع منها ما برؤها عسر ومنها ما برؤها سهل ومنها ما برؤها متوسط فأسهلها جميعها * البحوحة والنزل (1881) . ولما كان حالهما كذلك ذكر فيهما هذا الحكم ولم يستحق أن يذكر فيهما ما ذكره في الأمراض المزمنة العارضة في سن الكهولة لأنه ذكر هناك المزمنة مطلقا وقد علمت أنها تنقسم إلى ما ذكرنا. وهاهنا ذكر نوعا * منها وهو السهل (1882) البرؤ. وهاهنا اعتراض وهو أن المرضين المذكورين من الأمراض المناسبة لسن الشيخوخة وقد علمت أن الأمراض المناسبة أسهل برءا من غير المناسبة. فنقول: قد ذكرنا الجواب عن هذا، والله أعلم.
41
[aphorism]
قال أبقراط: من كان يصيبه مرارا كثيرة غشي شديد من غير سبب ظاهر فهو يموت فجأة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا بما قبله وهو أن مثل هذا الغشي * أكثر (1883) عروضه على ما ذكره الرازي وابن أبي صادق لسدة في الشريان الوريدي أو في مبدأ الأبهر. والسدة أكثر عروضها لمواد بلغمية * لزجة (1884) * والنزلة والبحوحة (1885) عروضهما من المادة المذكورة وعلى ما اخترناه نحن أن ذلك حادث عن استرخاء الأغشية التي على فوهات المجاري المذكورة. وذلك أكثر عروضه عن مواد بلغمية وهي * كالموجبة (1886) للنزلة والبحوحة.
البحث الثاني:
الغشي هو تعطل جل القوى عن النفوذ لضعف يحصل للقلب فتجتمع الأرواح فيه لأنه مبدأها. وسبب هذا إما PageVW5P112B من * داخل (1887) وإما من * خارج (1888) . * فالخارجي (1889) إما كيفية سمية تصل إلى القلب. فإن كانت حارة أجدثت ذلك بالمضادة وبالتحليل. وإن كانت * باردة (1890) بالمضادة وبالجمود. وأما رائحة منتنة فتوذي الأرواح وتمنعها من حركتها الطبيعية. وأما حرارة مفرطة فتحلل الروح. وأما برودة مفرطة * فتجمده (1891) . وأما قلة ما يتناول من الغذاء فتقل مادة الروح فتضعف عن النفوذ. ولذلك صار الغشي كثيرا ما يحدث في سني المجاعة. * والكائن من داخل (1892) إما امتلاء مفرط فيحدث الغشي من وجهين، أحدهما من جهة سدة المسالك الروح ومنعها * من (1893) النفوذ والمرور في مجاريها الطبيعية. وثانيهما من جهة * منعه (1894) الأعضاء من الاغتذاء الواجب فتقل * الأرواح (1895) فيها وتضعف القوى عن تدبير الأعضاء وإقلالها، وإما من استفراغ مفرط * مثل نزف (1896) دم مفرط أو خروجه من أفواه العروق أو من المنخرين أو إسهال مفرط كالهيضة الذرب * ومثل الإفراط (1897) * في (1898) خروج الماء من بطون * المستسقيين (1899) عند البزل. فهذا جميعه يحدث الغشي بتحليل الأرواح فتتحلل القوى ويبتع ذلك الغشي، وإما لأوجاع شديدة كوجع فم المعدة والقولنج فإن هذا جميعه يحلل * القوى والأرواح (1900) . ومثل * هذه (1901) الأمور النفسانية فإنها إذا أفرطت أوجبت الغشي، وإما لسدة في الشريان الوريدي * فيمتنع (1902) الهواء البارد من النفوذ إلى القلب أو في منشأ الأبهر فتحتبس الأرواح في القلب ويخنق الحار الغريزي على ما ذكره الرازي. وسنبين أن مثل هذا لا يليق أن يقال له غشي. والفرق بين السدتين من وجهين. أحدهما ان الشريانية تكون النفس معها باردا لامتناع الأبخرة الدخانية من الخروج عن القلب الأبهرية تكون النفس فيها على العادة لسلامة القلب مما * ذكرنا (1903) . والثاني أن الشريانية يكون النبض فيها ممتلئا لنفوذ الأرواح على العادة والأبهرية على خلاف ذلك.
البحث الثالث:
قال جالينوس ليس كل غشي يموت صاحبه فجأة فإن هذا الحكم يحتاج إلى ثلاثة شروط حتى يصح كلامه، أحدها أن يصيبه الغشي مرارا كثيرة. وثانيها أن يكون ما يصيبه من الغشي شديدا. * والثالث (1904) أن يصيبه ذلك من غير سبب ظاهر. فقد أعرف امراة كانت تطيل المكث في الحمام وكان يصيبها الغشي لذلك. ولم يكن ذلك دالا على مكروه لانه كان يحدث عن سبب ظاهر تعرفه وتفهمه. وأعفر رجلا كان إذا دخل الحمام وقد بعد عهده بالطعام زمانا يسيرا يصيبه الغشي. ومن كان فم معدته ضعيفا أو قوي الحس فإنه كثيرا ما يعتريه الغشي غير أن هذا جميعه أسبابه ظاهرة. وما كان كذلك * فيمكنا (1905) أن نتوصل إلى معالجته وإصلاح القلب فيه. وأما من PageVW5P113A يصيبه الغشي من غير سبب من الأسباب الظاهرة مرارا كثيرة وما يصيبه * منه (1906) شيء شديد فإنما يصيبه ذلك من ضعف القوة الحيوانية كما أصاب * رجلا (1907) كان يعتريه الغشي مع اختلاج في فؤاده شديد فمات فجأة.
البحث الرابع:
قال الرازي: القوة الحيوانية قد تكون ضعيفة ولا يموت صاحبها فجأة فإنا نرى أقواما صغار النبض جدا حتى يكاد يخفي عن الجس وهم مع ذلك معمورون ولا يموتون فجأة. وهذا أخص العلامات بصغر القلب وبرده ويكون مع هذا أجمعه حركاتهم خاملة ومجسهم باردا وأصواتهم ضعيفة بل الأولى أن يظن بهذه العلة أنها تكون من خلط يسير المقدار غليظ القوام يسد مسالك الرئة إلى القلب أو يسد مسلك االبطن الأيسر أي الشريان العظيم على سبيل ما يحدث في أول النخاع في علة الصرع وأن الطبيعة تجاهد ذلك حتى تنجيه. وقد رأيت مرارا كثيرة يحدث مثل هذا الغشي * ويكون (1908) معه زبد يسير وانتقاع النفس النبض. وقدرت أن هذا هو الفصل بين هاتين العلتين الكائنة من وصول الروح إلى القلب والكائنة من خروج PageVW1P064B * الروح (1909) الحيواني من البطن الأسير وجريانه في الشرائين. ومن هؤلاء من مات * في (1910) هذا الغشي وأحسب أن ذلك إذا لم * تقو (1911) الطبيعة على إزالة العارض عن مكانه كما يحدث من ذلك في الصرع في الندرة لكن يتبع الصرع حركة قوية جدا لأنه العلة في مبدأ الحركة فيزيل الخلط في أكثر الأمر بالضد في القلب. فلذلك يموت على * الأمر الأكثر (1912) وهذا القول بعينه نقلها ابن أبي صادق في شرحه لهذا الفصل.
البحث الخامس:
أقول إن كل واحد من القولين فيه نظر. أما قول * الفاضل (1913) جالينوس فلا يصح حمل كلام أبقراط عليه من قبل أن ما كان من الغشي من هذا القبيل فسببه ظاهر وهو ضعف القوة الحيوانية وأبقراط يقول ما كان من الغشي * سببه (1914) غير ظاهر. وأما قول الرازي إن هذا الغشي يحدث عن سدة في الشريان الوريدي، فنقول إن الذي يحدث عن هذه السدة هو الاختناق لا الغشي فإن سماه غشيا فله ذلك غير أنه يكون قد خرج عن العرف الطبي فإن الغشي لا يعدم فيه الحياة ولا الأفعال النفسانية إلا إذا تكرر وكان قويا. وعلى ما ذكره الرازي لا يمكن التكرار معه البتة لأنه يقتل في مرة واحدة يخنقه ويعدم البدن معه الحياة مرة واحدة أو عن سدة في الأبهر. فنقول الذي يحدث عن هذا عدم الحياة في جملة البدن إلا القلب وهذا أيضا ليس بغشي بل أعظم من الغشي فإن الغشي لا يعدم معه الحياة. والحق عندي في هذا الباب ما أقول وهو أنه قد جعل على فوهات المجاري المتصلة بالقلب أغشية تمنع رجوع ما ينفذ إلى PageVW5P113B القلب ومنه وقد بينا عدد هذه الأغشية في كتابنا المسمي بالشافي وفي شرحنا لكليات القانون غير أنه في بعض الأوقات تضعف هذه الأغشية عن السد التام لاسترخاء يعرض لها، فيعود إلى القلب ما خرج منه أو يخرج منه ما ولج فيه. وفي هاتين الحالتين يحدث الغشي. أما عن الأول فلانغمار القوى الحيوانية بالدم العائد إلى القلب الزائد عليه وأما عن الثاني فلقلة المادة المصلحة لمزاج الروح أو المادة الروحية فضعف القوة الحيوانية عند ذلك ويحدث الغشي. ثم * أن (1915) الطبيعة إذا استدركت ذلك الفارط حصل الانتعاش وإلا حصل الموت فجأة. ومثل هذا يصح فيه جميع الاعتبارت التي اعتبارها أبقراط وهي المرار * الكثيرة (1916) والسدة وخفاء السبب. أما جواز وقوعه مرارا * كثيرة (1917) فظاهر. وأما سدته فإن المبادئ في مثل هذه الأمور القوة الحيوانية التي هي مبدأ سائر القوى وأما خفا * السبب (1918) فإن مثل هذا يعسر الوقوف على سببه والله أعلم.
42
[aphorism]
قال أبقراط: السكتة * إن (1919) كانت قوية لم يمكن أن يبرأ صاحبها منها وإن كانت ضعفية لم يسهل أن تبرأ.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث تسعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1920) بما قبله وذلك من جهين أحدهما أنه لما ذكر الغشي وفيه تنعطل الأفعال والسكتة لا شك أنها كذلك فشابهته من هذا الوجه. والثاني أن السكته أكثر حدوثها عن مواد بلغمية والأمراض المذكورة فيما تقدم أكثر حدوثا عن * تلك (1921) .
البحث الثاني
في السكتة. السكتة * علة آلية تمنع (1922) الأعضاء * النفسانية (1923) عن الحس والحركة * والانتصاب وذلك (1924) لانسداد تام واقع في بطون الدماغ * لأنه قد علم أن قوة الأثر إما لقوة المؤثر أو لدوام التأثير. والمؤثر في السكتة القوية أقوى وهو السدة. فلذلك صار المسكوت يبقى ملقى كالميت وتظهر حركة الصدر فقط في بعض المسكوتين لاهتام الطبيعة العامة به خوفا من الهلاك ولم يظهر في البعض التبة. وذلك لاستيلاء البرد على بطون القلب فلم يكن شديدة الحاجة إلى جذب الهواء البارد ودفع البخار الدخاني. وفي هذه الصورة لم يبق بينه وبين الميت فرق. ومتى حصل ذلك تعطلت الأعضاء من الحس والحركة لامتناع (1925) الروح الحساس والمحرك * من النفوذ في (1926) الأعصاب النابتة من الدماغ * ومن (1927) النخاع بواسطته على نوعين. منها ما تجويفها محسوس وهو * عصب (1928) البصر ومنها ما تجويفها ليس بمحسوس * وهو باقي الأعصاب (1929) الأخر. قال جالينوس في كتاب العلل :والأعراض ومسامها كمسام البردي ونفوذ الأرواح فيها كنفاذ الشعاع في الماء. فمتى حصل في الدماغ الانسداد المذكور منع الأرواح التي فيه من النفوذ في المجاري المذكورة ولا شك أنه مبدأ الحواس عند * الأطباء (1930) أو لأفعالها عند * الحكماء (1931) ، فيتعطل الروح الحساس لذلك عن النفو،ذ وكذلك والمحرك إلا المحرك لآلات التنفس فإن الحاجة إليه ضرورية لأجل بقاء الحياة.
البحث الثالث:
حيث كان الحس اللمسى فهناك * المتحرك بالإرادة (1932) إذا لم يكن * مانع (1933) وإن كان قد ذهب إلى خلاف ذلك بعضهم قال: فإن الأصداف والأسفنج لها حس وليس لها حركة . أما الأول فإنا * نراها (1934) عندما تخرج تشمئز وتجتمع إلى ذاتها. وأما الثاني فإنها لا تنتقل * عند ذلك (1935) من موضع إلى معضع. وأعلم أن هذا قول فاسد. وذلك PageVW5P114A لأن الحركة الإرادية على نوعين انتقالية ووضعية. فالحيوان المذكور وإن فقد النوع الأول من الحركة المذكورة لم يفقد PageVW1P065A النوع الثاني. وكيف لا يكون كذلك فإنه لو لم تكن له حركة لم يعرف أن له حسا. فإنه لو لم يتحرك تلك الحركة لم يعرف أن له حسا وشعورا بالمؤلم. فثبت أنه حيث * كانت (1936) الحركة فهناك الحس. ولما كان الدماغ مبدأ الحس كان مبدأ الحركة وكذلك الأعصاب لما كانت منافذ الحس كانت منافذ الحركة. فإذا حصل في ذلك آفة تضررت * القوتان المذكورتان (1937) ويكون قدر الضرر * بمقدار (1938) قوة الآفة. وقول الأطباء * إن (1939) الأعصاب تنقسم إلى ثلاثة أقسام عصب * للحس (1940) وعصب * للحركة (1941) وعصب * لهما (1942) معا. قول مجازي. وذلك لأن * العصب (1943) آلة نابتة من مبدأ واحد. وذلك المبدأ هو مبدأ لقوة الحس والحركة أو لفعلهما على اختلاف المذهبين. وإذا كان كذلك * فكيف يتصور ما قالوه في قسمة الأعصاب بل الحق في ذلك أنها (1944) مختلفة في قبول الأثر الصادر عن المبدأ. فالحس في بعضها أكثر من الحركة وبالعكس وفي بعضها * متساويان (1945) . * وذلك (1946) لاختلاف * أمزاجتها (1947) . وإذا كان كذلك فالقول الحق في قسمة الأعصاب أن يقال * إن (1948) منها ما فيه القوة المحركة أقوى من * القوة الحساسة (1949) كأكثر أعصاب النخاع. ومنها ما هو بالعكس كأعصاب الدماغ. ومنها ما * فيه القوتان (1950) * المذكورتان (1951) * متساويتان (1952) * أو قريبتان (1953) * من التساوي (1954) كالأعصاب المنبتة في * الكف (1955) لا سيما في السبابة منه.
البحث الرابع:
انسداد المنافذ المذكورة إما أن يكون لانطباق بطون الدماغ ومجاريه وإما لامتلاء بطونه. والانطباق هو أن يصل إلى الدماغ ما يؤلمه ويؤذيه فيتحرك حركة * الانقباض (1956) . فتارة يكون هذا الواصل كيفية قابضة مكثفة كالبرد المجمد وتارة يكون مع ذلك فيه قوة سمية كسم العقرب. والامتلائي منه ما هو مورم ومنه ما هو غير مورم. والمورم هو أن يحصل هناك ورم فيسد من جهة الامتلاء ومن جهة التمديد. وهذا أردأ أنواع السكتة سواء كانت المادة المورمة حارة أو باردة. والغير * المورم (1957) * هو (1958) الكائن في الأكثر وهو أن يحصل في الدماغ مادة تملأ بطونه الثلاثة ملءا تاما. وهذه المادة إما دم وإما بلغم وهو الكائن في الاكثر وذلك لأن الدماغ بارد رطب في الأصل والغذاء شببه بالمغتذي. فتكون مادة غذائة موصوفة بهذا المزاج. فاستعداده لقبول * مثل (1959) هذه المادة أشد منه لغيرها. واعلم أن مادة الفالج إذا * انبسطت (1960) أحدثت السكتة ومادة PageVW5P114B السكتة إذا * اجتمعت (1961) أحدثت الفالج وهذا يكون من * ضعف (1962) الطبيعة * وعجزها (1963) عن دفع المادة عن جملة الدماغ بل تدفعها إلى أضعف الجانبين.
البحث الخامس:
قد يعرض للمسكوت من قوة علته أن لا يفرق بينه وبين الميت. وذلك لأن النفس لا يظهر فيه وربما * يسقط (1964) النبض. وعلة هذا جميعه أن الحار الغريزي * فيهم (1965) ليس هو * بشديد (1966) الافتقار * إلى الترويح (1967) ونفض البخار الدخاني عنه إلى نفس كثير لما عرض له من البرد. قال جالينوس في كتابه الموسوم في تحريم دفن المسكوت: ومن استعمل أدوية مخدرة أو لدغته عقرب أو حصل له غشي أو كان ضعيف القلب أو حصل له زمع وفزع شديد فلا ينبغي أن يدفن إلى أربعة وعشرين ساعة وأقضاه اثنان وسبعون ساعة. قال ومن عرض له ذلك * فينبغي أن يمتحن (1968) هل هو ميت أو ليس بميت. وقد حضرنا ما قاله وهو غيره في وجوه سبعة. أحدها أن تقلب على وجهه فإن انقلب الكف وصار باطن الراحة إلى أسفل والأظفار ليس بمشرقة فهو ميت، وإلا فهو حي. وثانيها أن يغمز باليدين * الخصيبتان (1969) فإن * وجد (1970) هناك عرق ينبض فهو حي وإلا فهو ميت. * وثالثها (1971) بين الحالب والإحليل * عرق (1972) ينبض دائما ولا يسكن إلا عند الموت أو عندما يغمز عليه غمزا شديدا. فإن وجد ينبض فهو حي وإلا فهو ميت. ورابعها أن يمسح الطبيب * أصعبه (1973) بدهن نيلوفر ويدخلها إلى قريب من النصف أو الثلثين في دبر العليل ويتركها إلى حين تسكن فإن وجد * فيما (1974) يلي الظهر عرقا متحركا فهو حي وإلا فهو ميت. و خامسها ما ذكره غيره وهو أن ينظر إلى بياض العين فإن كان * مشرقا (1975) فهو حي وإن كان كمدا فهو ميت. وسادسها أن يجعل العليل في * موضع (1976) مضيء وينظر إلى عينيه فإن رأى الناظر * شنجة (1977) في * مقلته (1978) فهو حي وإلا فهو ميت. وسابعها أن يوضع على المنخرين قطن منفوش في غاية النعومة وينظر إليه دائما نظرا * مستقصيا (1979) فإن وجد يتحرك فهو حي وإلا فهو ميت. فهذه الوجوه التي يمكن أن يقال في امتحان المسكوت * أو من (1980) بالحالة المذكورة هل هو * ميت أو ليس بميت (1981) .
البحث السادس:
السكتة تشابه كثيرا من الأمراض كالسبات والغشي واحتناق الرحم. وأما السبات فمن جهة تعطل الحس ويسيرا من الحركة لكن الفرق بينها من وجوه خمسة. أحدها أن المسبوت * يمكنه (1982) أن ينبه ويفهم ما يقال له لضعف الآفة. وأما المسكوت فأمره بخلاف ذلك لقوة السبب. وثانيها أن حركات المسبوت * أسلس (1983) من أحساسه أي البصري والسمعى لأن مادة السبات معظم PageVW5P115A استيلائها وأثرها في مقدم الدماغ. وأما المسكوت * فيتعطل حسه وحركته معا لقوة الآفة وعمومها. وثالثها أن المسكوت (1984) يغط ويخرج من * فيه (1985) زبدا لكثرة المادة * وعمومها للآفة (1986) وليس كذلك حال المسبوت. ورابعها أن المسبوت يندرج * في (1987) النوم الثقيل والمسكوت يعرض PageVW1P065B له السكتة دفعة. وخامسها أن السكتة تتقدمها دوار وظلمة في البصر واختلاج في جميع البدن * وصرير (1988) الأسنان في وقت النوم وذلك لكثرة المادة. وأما السبات فلا يتقدمه شيء من ذلك. وأما مشابهة السكتة * للغشي (1989) فمن جهة سكون الأفعال لكن الفرق بينهما من وجوه أربعة. أحدها أن الغشي يتغير معه لون الوجه إلى الصفرة وفي السكتة إلى الرصاصية والكمودة. وثانيهما أن الغشي لا يكون معه غطيط ولازبد والسكتة ولا بد فيها منهما. وثالثها أن الغشي لا بد وأن يتقدمه ألم في القلب وخفقان والسكتة يتقدمها ألم في الدماغ. ورابعها أن إتيان السكتة دفعة والغشي بالتدريج. وأما مشابهة السكتة لاختناق الرحم فمن جهة السكون وربما كان مع الاختناق * غطيطا (1990) كما في السكتة لكن الفرق بينهما أن الاختناق يتقدمه ألم في الرحم * والسكتة (1991) في الدماغ.
البحث السابع:
مراده بالقوية الكائنة عن الورم ولا شك أن هذه يمتنع برؤها. * وذلك (1992) لأن بطون الدماغ في مثل هذا النوع وقواه مغمورة بأثفال المادة * المائلة (1993) لها ومتألمة بسبب الورم. وعند ذلك يتعذر نفوذ القوة المحركة للصدر فيتغذر التنفس المحتاج إليه في بقاء * القوة الحيوانية (1994) . ومراده بالضعيفة ما كان خاليا من الورم. ولا شك أن هذا النوع * يتعذر (1995) برؤه لأن الدماغ يحيل ما يرد إليه من المواد الصالحة إلى ما استولى عليه. وعند ذلك تصعب مداواته بالمبدلات والمسهلات.
البحث الثامن:
حركة الصدر في حال الصحة حركة خفيفة. وفي هذه العلة قوية ظاهرة مع أن القوة المحركة لها ضعيفة عاجزة عن النفوذ على ما علمت. * فأقول (1996) : العلة في ذلك أن الطبيعة على نوعين عامة وخاصة. فالعامة هي المدبرة لجملة البدن والخاصة هي المختصة بعضو دون عضو. فعندما تعجز الخاصة عن تدبير العضو تستعين بالعامة في إظهار فعلها وتكميله لا سيما متى كان محل الخاصة أشرف الأعضاء وأرأسها وفعلها محتاج * إليه (1997) في بقاء الحياة. فلذلك صارت هذه الحركة تظهر في مثل هذا المرض للحاجة إليها.
البحث التاسع
في إثبات الطبيعتين. أما الخاصة * فظاهر (1998) من جذب العضو ما هو محتاج إليه ومسكه ثم هضمه ثم * دفع (1999) ما استغنى عنه. ويظهر هذا ظهورا بينا في المعدة والرحم على ما أوضحناه في كتبنا المبسوطة. وأما PageVW5P115B العامة فمن وجوه ستة أحدها * أنا (2000) إذا استقرأنا أحوال القوى البدنية رأينا بينها معاونة * ومشاكلة (2001) بدليل أنا إذا اشتهينا شيئا شهوة بالغة أنصرفت قوانا جميعها إلى جهته بحيث أنا لو ورد علينا أمر صعب إلى الغاية لم يتأثر منه وليس لهذا علة سوى انصراف الطبيعة الكلية المدبرة لسائر القوى إلى هذه الجهة. وثانيها أنا نرى الإحساس بالشيء الملذ يثير الشهوة فيقال أحسسنا بما اشتهينا، ولما رأينا كذا اشتهينا كذا. ولا شك أن هذا القدر يدل على أن بين القوى البدنية اشتراكا. وذلك القدر المشترك يسمى الطبيعة العامة. وثالثها أنا نرى البدن في أوقات بحارينه تحتبس فضلاته وتسكن أفعال أكثر قواه ويحصل الاستفراغ من جهة واحدة مع أنا لا نتألم بالإحساس من تلك الجهات وليس لهذا علة سوى ان الطبيعة الكلية لما مالت إلى الجهة المعينة انصرفت معها سائر القوى للمعونة والتبعية لأجل خروج * تلك (2002) المادة من تلك الجهة ثم أنها إذا دفعتها رجعت كل قوة إلى محلها. ورابعها * أن (2003) لاعب الشطرنج والنرد إذا أمعن في لعبه ورأى الغلبة غفل عن تدبير بدنه من إيراد النافع ودفع الضار. وليس لهذا علة * سوى (2004) أن الطبيعة اشتغلت بالغلبة وجذبت سائر القوى * العامة (2005) * إلى هذه الجهة (2006) طلبا للمعونة والتبعية. وخامسها أنا نرى المريض يصبر مدة طويلة عن تناول الغذاء لا يقدر على مثلها في زمان الصحة مع احتياجه إليه في وقت المرض لأجل إنعاش القوة ولفرط تحليل حرارة المرض ولأجل مجاهدة الطبيعة له. وليس هذا علة سوى أن الطبيعة العامة اشتغلت بهذا الأمر عن تدبير البدن وجذبت الطبائع الخاصة * معها (2007) للمعونة والتبعية. وأعرف رجلا شابا كان مريضا بالبمارستان الصغير بدمشق المحروسة وذلك في أواخر سنة تسع وستين وستمائة هجرية * أقام (2008) * اثنين (2009) * وخمسين (2010) يوما لم يدخل * فاه (2011) طعام البتة ولاماء الشعير ولا الشراب إلا في بعض الأوقات كان يسقي شيئا يسيرا من الشراب. ثم بعد هذه المدة فاق واستعمل الشراب ثم أمراق الفراريج ثم عاد إلى عادته الاولى. وسادسها إخفاء الوجع الأقوى للوجع الأضعف وليس لهذا علة سوى أن الطبيعة الكلية مالت إلى جهة الأقوى لشدة خطره وجذبت الطبائع الخاصة للمعونة * والتبعية (2012) .
43
[aphorism]
قال أبقراط: الذين يختنقون ويصيرون إلى حد الغشي ولم يبلغوا إلى حد الموت فليس يفيق منهم من ظهر في فيه زبد.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (2013) بما قبله وذلك من وجهين أحدهما أن المخنوق لما امتنع عليه دخول الهواء البارد PageVW5P116A ودفع البخار الدخاني تأذى مبدأ الحياة وتغير مزاجه. وقد علم أن بالحياة يستعد البدن لقبول الحس والحركة وإذا تغير مزاج القلب والروح تغير صلاحية القوى الحيوانية للإعداد فيتبع ذلك تعطل الحس والحركة ويصير حال البدن في مثل هذا الوقت كحاله في السكتة. وثانيهما أنه قد علم أن الروح الحيواني مادة للروح النفساني والخنق يمنع صعوده إلى الدماغ فتبرد عند ذلك مزاجه ويتعذر على قوة الحس والحركة النفوذ إلى ما عداه فيصير حاله كحال المسكوت.
البحث الثان:
في بيان عروض الغشي للمخنوق. وهو أنه لما امتنع عليه دخول الهواء البارد وإخراج البخار الدخاني وبطل فيه حركة التنفس PageVW1P066A لامتناع نفوذ القوة المحركة من الدماغ إلى الصدر لما ذكرنا بقيت الفضلات الدخانية محتبسة فيه فغمرت القوة والحرارة الغريزية. وهذا القدر مما لا * يشك بتبعية (2014) الغشي له.
البحث الثالث
في علة ظهور الزبد في المخنوق. أقول: إن الزبد يحدث من اختلاط أجزاء ريحية بأجزاء رطبة بعد انقسامها إلى أجزاء كثيرة فيشتبكان ويحدث فيما بينها عبب. وذلك هو الزبد ثم تارة يكون سبب هذا الاشتباك. أما الحرارة والغليان كما في * القدور (2015) . وأما الحركة العاصفة كما تفعل الريح بالبحر. وأما الحرارة والحركة معا كما في الخيل عند ركضها فإذا أحاط بالعنق مخناق رجعت الفضلة الدخانية المندفعة من الرئة إلى القلب * قهقرا (2016) * ثم تعود إلى الرئة (2017) مقبلة تارة ومدبرة أخرى فتذيب الأجزاء القريبة العهد بالانعقاد * بها (2018) وتخالطها ويحدث من ذلك الزبد الزبد بسبب الحركة المستكرهة.
البحث الرابع
في بيانالسبب الذي لأجله لا يفيق المختوق عند ظهور الزبد. وذلك لأن الزبد في المخنوق حدوثه لاستغال الحرارة اشتغالا يقارب الانطفاء. وذلك يوجب فرط سخونة الرئة وذوبان بعض أجزائها وهي التي ذكرناها، فتختلط بالروح * التي (2019) احترقت * ويغلظ قوامها مع ذلك. وحينئذ تبطل صلاحية ذلك للحياة وإعداده للبدن (2020) لآثارها. ولا معنى للموت إلا هذا.
البحث الخامس
في فائدة قوله إلى حدا الغشي. وذلك لأن الزبد في المخنوق تارة يكون لما ذكرنا ثم هذا تارة يكون الزبد فيه قليلا وهو عندما يكون المنفصل من جوهر الرئة شيئا يسيرا وتارة يكون كثيرا وهو عندما يكون المنفصل من جوهر الرئة شيئا كثيرا وتارة يكون حدوثه لانحدار رطوبات من الدماغ. فإنه عندما يحصل الخناق يبرد مزاجه وتضعف قوته الماسكة ويقطر منه شيء إلى قصبة الرئة ويخالط البخار المذكور ويحصل من ذلك زبد ومثل هذا الزبد لا * يحصل منه (2021) الهلاك PageVW5P116B وكذلك النوع الأول ولا يكون معهما غشي ولا يكون الغشي إلا مع النوع الثاني. ولذلك قال الفاضل جالينوس: إن هذا الحكم من أبقراط أكثرى لا كلي فإنا قد رأينا من خنق أو اختنق وظهر في فيه زبد وفاق وبعد ذلك وعاش.
البحث السادس:
قال الفاضل جالينوس ظن بعض الناس أن الزبد الخارج عند الخنق هو من جهة المعدة قال. وقد قال: وقد أخطأ هذا الظان من وجهين. أحدهما أن الخارج من المعدة لا يمكن خروجه إلا بالقيء لا بالنفث. والثاني أن الخارج من المعدة ليس هو زبدي القوام. ونرى الخارج من فم المخنوق زبدي القوام فهو من الرئة على ما ستعرفه حيث نفسر قوله: من قذف دما زبديا * فقذفه إياه (2022) من رئته * والله أعلم (2023) .
44
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بدنه غليظا جدا بالطبع فالموت إليه أسرع إليه من القضيف.
[commentary]
الشرح * هاهنا (2024) مباحث * أربعة (2025) .
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (2026) بما قبله. وذلك من وجهين أحدهما أن الموت الحاصل لمن * هذه حاله (2027) من قبيل الخنق. وذلك * لأن (2028) مواده عندما تكثر تصنيق * بها (2029) الأوعية والمجاري بسبب ضغط * السمن ومزاحمته لها (2030) فتختنق الحرارة الغريزية وتنغمر بكثرة المادة ويموت صاحبها لأنه لا معنى للموت إلا انطفاء الحرارة * المذكورة (2031) وانغمار القوى. والثاني أن من كان بهذه الحالة فالموت بالخنق * يسرع إليه أكثر (2032) من القضيف وذلك لأن الحرارة الغريزية فيمن هو بهذه الحالة ضعيفة والرطوبات في بدنه متوفرة فيكون الخانق كثيرا المخنوق ضعيفا فيكون موته بما ذكرنا سريعا بخلاف من كان قضيف البدن أي * مهزوله (2033) فإن حاله يكون بالعكس.
البحث الثاني
(2034) : مراده بالغلظ هاهنا السمن بدليل ذكره في آخر هذا الفصل ما يقابله وهو القضافة ثم هذا الغلظ تارة يكون لحميا وتارة يكون شحميا. * والفرق بينهما من وجوه أربعة. أحدها أن للحمى ملسمه حار والشحمى ملمسه بارد. وثانيها أن قوام اللحمي صلب والشحمي لين. وثالثها أن اللحمي لون البدن معه أحمر والشحمي كمد. ورابعها ان المجاري والعروق في اللحمي واسعة لقوة الحرارة معه وفي الشحمي ضيقة لاستيلاء البرد (2035) وكل واحد منهما * قد (2036) يكون طبيعيا * أو مولودا وقد (2037) * يكون (2038) مكتسبا. * والفرق بينهما أن الطبيعي سواء كان لحميا أو شحميا تكون العروق معه ضيقة بسبب المزاحمة فيمتنع بذلك من النمو والزيادة (2039) غير أنه يجب أن تعلم أن مراده هاهنا بالسمن الطبيعي والشحمي منه خاصة. أما الأول فلقوله بالطبع. وأما الثاني فإن اللحمي الحرارة * فيه أي (2040) معه قوية والقوى متوفرة فلا يكون معه خطر.
البحث الثالث
(2041) : صاحب السمن المذكور قبوله للآفات الداخلة أشد من قبوله للخارجة والقضيف بعكس ذلك. * وذلك (2042) لأن الأول * حرارته الغريزية ضعيفة ومجاريه ضيقة (2043) * ورطوباته (2044) متوفرة وقواه المدبرة لبدنه خائرة مغمورة وكل ذلك مهيئ للموت غير أنه بعيد PageVW5P117A عما يرد عليه من خارج ويمنع وصول اللآفة إلى داخل البدن. والثاني أعضاؤه نابتة قابلة لآفات السقطات والصدمات وغير ذلك غير أنه بعيد عن الآفات الداخلة وهي التي ذكرناها. ومن هذا يفهم أن أفضل اليهيآت الاعتدال بين السمن والهزال.
البحث الرابع
(2045) : اللحم مادته متين الدم وعاقده الحر والشحم مادته الرطوبة وعاقده البرد، ولذلك صار الحر يذيبه. ولذلك صار يقل في الأبدان الحارة * وعلى (2046) الأعضاء الحارة بدليل قلته على الكبد وكثرته على * الأمعاء (2047) . فإن قيل: هذا ينتقض بالقلب * لأنه (2048) أحر الأعضاء وأكثرها شحما. أجاب الشيخ عن * ذلك (2049) بما هذه عبارته: وإنما يكثر الشحم على القلب فوق كثرته على الكبد للمادة لا للمزاج والصورة ولعناية من الطبيعة متعلقة PageVW1P066B * بمثل (2050) تلك المادة. ومعنى هذا أن الدم الواصل إلى القلب الغالب عليه الدسومة فإنه لما كان أحر الأعضاء كان جذبه للجزء الدسم أبلغ من جذب غيره له لا سيما والطبيعة معتنية فتجذب إليه دسومة متوفرة لترطبه بها تنديه ثم أنها تعقد ما انجذب * إليه (2051) لتمده دائما. اعترض الإمام فخر الدين على هذا الجواب قال: أما لقول الأول ففيه نظر من وجهين. أحدهما أن الدم الذي يأتي * القلب (2052) وينضج بحرارته فهذه الحرارة إما أن * تحلل (2053) ما فيه من الدسومة أو لا تحللها. فإن كان الأول فيلزم أن لا يكثر الشحم عليه لأن تلك الدسومة هي المادة للشحم. وإذا قلت مادة الشحم عند القلب استحال أن يكون * جمود (2054) الشحم عليه بسبب المادة. وإن كان الثاني فيلزم أن لا تكون الحرارة محللة للدسومة ولا مفنية لها وحينئذ يبطل عليهم بهذا أصل عظيم وهو استدلالها باللحم والشحم على مزاج البدن. فإنهم قالوا: إن البدن اللحيم حار المزاج والشحيم بارد المزاج ولذلك صار الشحم يكثر على * المعاء (2055) ويقل على الكبد. وثانيهما * أنه (2056) جعل * تكوين (2057) الشحم على القلب من المادة لا من الصورة مع أنه هو الذي علمنا في كتبه * الحكميات (2058) أن ذلك باطل. * فإن (2059) المادة لا تنفعل وتخلق بنفسها. وأما القول الثاني ففيه اعتراف بأنه ليس * بسبب الجمود للشحم (2060) وعدم جموده برودة العضو وحرارته بل عناية الطبيعة بذلك. وذلك يبطل القاعدة المذكورة وهو أن جمود الشحم وإلا جموده حرارة المزاج وبرودته. واعلم أن أصل الاعتراض مبني على شيء وهو اعتقاد أن الكلام المذكور جوابان لا جواب واحد، وهو * جواب واحد في الحقيقة (2061) . ولذلك لم يعبر عنه بواو الفصل * بل بواو الوصل (2062) . فإنه لم يقل «أو لعناية من الطبيعة بل قال «ولعناية من الطبيعة متعلقة بمثل تلك المادة أي عناية PageVW5P117B الطبيعة بالقلب للتندية * والترطيب (2063) . ومثل هذا القدر لا يتأتى إلا بمثل تلك المادة. ومع ذلك فنقول له في قوله في الوجه الأول من القول الأول: الحرارة إما أن تكون محللة أو لا تكون قلنا محللة قوله يلزم من ذلك أن لا تكثر مادة الدسومة على القلب فلا يكون جموده بسبب المادة. * فنقول (2064) : الذي يلزم من ذلك أن لا تبقى الدسومة على حالة واحدة بل تتغير دائما وتتبدل غير أنه يأتي عوض ما يتحلل لعناية الطبيعة ولحرارة مزاجه فيكون حينئذ الوارد أكثر من المتحلل لأن المتحلل له سبب واحد والوارد له سببان. وقوله في الوجه الثاني أنه جعل * تكوين (2065) الشحم على القلب من المادة إلى آخره، نقول: الشيخ لم يجعل * المخلق (2066) والفاعل للمادة نفسها فإن هذا محال وكيف لا وقد ثبت في غير هذا الفن أن الشىء الواحد يستحيل أن يكون فاعلا وقابلا. قوله في القول الثاني فيه اعتراف بأن سبب جمود الشحم اعتناء الطبيعة لا حرارة المزاج وبرودته. نقول: القاعدة المذكورة صحيحة غير أن جمود الشحم لما كان الغالب على القلب على خلاف القياس قال إن سبب ذلك اعتناء الطبيعة لما ذكرنا، ثم أنه لما أورد على كلام الشيخ ما أورده ذكر جوابا من جهته وهو أن الحار الغريزي لا يجوز أن يذيب الشحم البتة. * بل (2067) لو أذابه لعمل أيضا في الرطوبات التي في * الأحشاء (2068) والأعضاء وأفناها، ثم كان يعمل في اللحم ويجردها ويذيبها كفعل الحار الغريب في أبدان المدقوقين وليس كذلك بل الحار الغريزي هو الحافظ للرطوبات الأصلية. والحافظ للشيء كيف يكون مفنيا له؟ والذي نقوله نحن له: يلزم على ما قلت أن يكثر الشحم على الكبد وفي أبدان المحرورين والشبان والوجود بخلاف هذا. وأيضا فإنه يبطل القاعدة المذكورة وهو أن كثرة الشحم دليل على البرد وقلته دليل على حرارة المزاج. فإن قيل فعلي هذا لا فرق بين الحرارة الغريزية والغريبة لاشتراكهما في التحليل. فنقول: وإن اشتركا في التحليل غير أنهما افترقا في أن الغريب محلل معفن مضعف للقوى البدنية ومغير * للسخن (2069) والغريزي محلل غير معفن * مقو (2070) للقوى ومصلح للسخن. وأجاب نجم الدين ابن المنفاخ عن الاعتراض الأول وهو أن مادة * الشحم (2071) ليس من الدم القلبي حتى لا يقال إن حرارته القوية كيف لا تحللها دائما وإنما هي من الدم الكبدي الآتي إلى غلافه الغشائي * الجوهر (2072) . فإن مزاج الغشاء لا يستحق أن يائتيه دم قلبي لأنه مباين له فتجمد حينئذ بالقوى الطبيعية PageVW5P118A لأنها هي المفيدة لكل مادة صوره بحسب استعدادها. واعلم أن هذا الرجل سلم تحليل الحرارة القلبية لكن منع أن مادة الشحم من الدم القلبي بل من دم الغشاء لأنه كبدي أي غليظ القوام ضعيف الحرارة. وهذا جواب ضعيف فإنه يقال له: فلم لا يتولد الشحم على غشاء الكبد مع أن دمه كيف كان أغلظ وأكثف من دم غشاء القلب أو يقال إن الدم PageVW1P067A الواصل إلى الغشاء * الغالب (2073) عليه البرودة واليبوسة فإن الغذاء شبيه * بالمغتدي (2074) * فإذا (2075) كان كذلك فتكون مادة الشحم فيه قليلة جدا، أو يقال له إن الغشاء المذكور شديد المجاورة للقلب بل هو متحد به في بعض المواضع فلم لا يقال إن حرارة القلب تذيبه وتفنيه. وأجاب علاء الدين ابن نفيس عن الاعتراض المذكور قال: قول الإمام إن تلك المادة تكون من الدم الواصل إلى القلب ممنوع وعلى تقدير تسليمه فقوله إن ذلك * الدم (2076) في غائة النضج باطل. * وذلك (2077) لأن الدم الواصل إلى القلب قريب العهد بالتكوين ويأتي إليه من مكان قريب فلم يكن طال زمان تردده في الأوردة حتى يكمل نضجه فيها فيفضل * منه حينئذ (2078) فضلة مائية ثم أن القلب يستعمل منه ما كان حارا قليل المائية * لضرورة أن (2079) الغذاء يجب أن يكون شبيها بالمغتدي ويتولد من الباقي جوهر الروح وهو ما كان الغالب عليه الجوهر الهوائي والناري وما لا يصلح * لذلك (2080) يتولد عنه الشحم. وهذا الكلام فيه نظر من وجهين. أحدهما أنه لم ينقل كلام الإمام على صيغته. وذلك أنه لم يقل إن الشحم إنما يكون من الدم الواصل إلى إلى القلب إلى آخره، بل إن الدم الذي يأتي القلب ينضج بحرارته. فتلك الحرارة إما أن تحلل ما فيه من الدسومة إلى آخره. وثانيهما قوله إن الدم الواصل إلى القلب لم يطل تردده في العروق بسبب قرب المسافة فتكون مائيته متوفرة إلى آخره. نقول: كيف يتصور هذا والطبيعة المدبرة للبدن ترسل إلى كل عضو من الدم ما يناسبه ويملائمه * أو هو (2081) يجذب بذاته ما يناسبه. والدم الواصل إلى القلب الغرض منه شيئان. أحدهما تغذية القلب نفسه وثانيهما توليد الروح. فبالنظر * إلى (2082) الأول يجب أن يكون الغالب عليه الحرارة * واليبوسة لا البرودة والرطوبة. وبالنظر إلى الثاني يجب أن يكون الغالب عليه والحرارة (2083) واللطافة لا البرودة والرطوبة. ثم ولو فرضنا أن الأمر على ما ذكره لزم أن يكون الشحم على الكبد أكثر مما هو على القلب لأن دمها أقل نضجا وأغلظ جوهرا وأبرد مزاجا وأقرب مسافة، والوجود بخلافه. وأجاب نجم الدين ابن المفتاح عن الثاني بجواب هذه عبارته وهو أن معنى كلام الشيخ لا للمزاج * والصورة (2084) لا أنه يريد أن يكون ذلك الشحم من غير مزاج وصورة. وعلى هذا PageVW5P118B يندفع الإشكال المذكور. واعلم أن المفهوم من هذا الجواب أن المكون * للشحم (2085) مزاج الغشاء وصورته ويرد عليه ما ذكرناه وهو أنه * لم لا يكثر تولده (2086) على غشاء الكبد والعظام وغيرها من الأعضاء الباردة ويعود إلى آخره؟ وأجاب علاء الدين ابن النفيس عن هذا الاعتراض بأن الشيخ لم يجعل تكون الشحم الذي هناك من المادة فقط من غير فاعل بل جعل كثرة الشحم لكثرة المادة هناك لا لقوة الفاعل. فقول الشيخ لم يجعل المادة هي المكونة والمصورة حتى يرد عليه أصل الاعتراض من فخر الدين. بل هي القابلة * والفاعلة (2087) للانعقاد والجمود عناية الطبيعة. وأجاب عن الثالث أن يكون تلك الكثرة لعناية الطبيعة لا يلزم منه أن تكون العناية هي العاقدة بل يجوز أن تكون هي الآتية بالمادة ثم يقرب إليها الفاعل الذي هو العاقد. وهذا جواب ضعيف وهو أن يطالبه بالعاقد فإنه إذا لم تكن العناية هي العاقدة فإما أن يكون البرد أو الحر. والأول باطل فإن القلب أحر الأعضاء والثاني باطل لأن الحرارة مذيبة لا عاقدة. ثم بعد هذا اختار علاء الدين ابن النفيس وجها آخر في انعقاد الشحم على القلب وهو أن انعقاد الرطوبة تارة تكون * للبرودة (2088) وتارة * لليبوسة (2089) . وإذا كان كذلك فمائية الدم ودسومته تارة تصير شحما بسبب البرد * كما (2090) على المعاء وتارة بسبب اليبوسة * كما (2091) على القلب. فإن قوة الحرارة تحلل الرطوبة نفيها ثم تنعقد المادة كما نشاهد في السكر. وهذا كلام ضعيف فإنه لو كان انعقاد الشحم على القلب لليبوسة كما في السكر للزم أنه إذا جعل في * شمس (2092) * حارة (2093) أن يجف ويصلب قياسا على السكر، والوجود بخلافه. فثبت أن العاقد له ما ذكره الشيخ وهو عناية الطبيعة لا ما ذكره هذا الرجل. فهذا ما أردنا أن نذكره في هذا البحث، * والله (2094) أعلم.
45
[aphorism]
قال أبقراط: صاحب الصرع إذا كان حدثا فبرؤه منه يكون خاصة بانتقاله في السن والبلد والتدبير.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثمانية.
البحث الأول:
في صلة هذا * الفصل (2095) بما قبله وهو أن الصرع يشابه السكتة والغشي في سكون بعض الأفعال وضرر الأفعال النفسانية ويشابه الخنق في كثرة الاضطراب والحركة وغيبة الذهن وفي ظهور الزبد أيضا.
البحث الثاني:
الصرع علة تمنع الأعضاء النفسانية عن أفعال الحس والحركة والانتصاب منعا غير تام. وسببه إما قريب وإما بعيد. والأول إما خاص بالدماغ وإما حادث له على سبيل الشركة. والخاص إما مادة بلغمية وهو * الأكثرى (2096) الوجود لميل مزاج الدماغ إلى مزاج PageVW5P119A هذه المادة، وإما مادة سوداوية وهو الأقلي الوجود، وإما مادة دموية وهو متوسط الوجود، وإما مادة صفراوية وهو بعيد الوجود. فإن الصفراء يتغذر إيجابها السدة بحيث أنها تمنع القوة المحركة * والحساسة (2097) من النفوذ. قال جالينوس في كتاب الحميات PageVW1P067B : الأخلاط توجب * السدة (2098) إما لكثرتها وإما لغلظها وإما للزوجتها.فالصفراء توجب ذلك بالكثرة والبلغم باللزوجة والسوداء بالغلظ والدم بالغلظ والكثرة. * والكائن (2099) بالشركة إما ان يكون بشركة البدن كله كما إذا حصل فيه امتلاء وارتفع منه بخار إلى الدماغ واجتمع فيه على سبيل التصعيد ثم قطر منه رطوبات وملأت بطونه ملئا غير تام أو يكون البخار ومؤذيا بالكيفية السمية ورداءة الجوهر كما يعرض عقيب لسغة العقرب. وإما أن يكون بشركة عضو واحد. وذلك إما * المعدة (2100) * وذلك (2101) عندما يجمد فيها الدم أو لللبن أو يكون فيها دواء * مخدر (2102) أو المراق وهو عندما * يحتبس (2103) فيه * مادة (2104) * محرقه (2105) أو الرحم وهو عندما يحتبس * فيه (2106) المادة الطمثية أو المنوية. والمنوي أردأ من الطمثي * لأن (2107) مادته * أقبل (2108) * للاستحالة (2109) إلى الكيفية السمية. ولذلك صارت أعراضه أشد والبعيدة * مثل الإفراط (2110) في المآكل والمشارب لا سيما * المولد (2111) للبلغم والحمام والحركة والجماع على الامتلاء.
البحث الثالث:
اختلف الأطباء في الصرع البلغمي والسوداوي في أيهما أردأ. فقال قوم: * البلغمي (2112) وذلك من وجهين. أحدهما أن البلغم مناسب للدماغ في مزاجه فعند اجتماعه فيه لا يشعر الدماغ بأذيته ولا يهتم بمقاومته ودفعه عنه. ثم أنه يكثر بالتدريج ويعجز الدماغ عن دفعه في آخر أمره بخلاف السوداوي فإن السوداء مباينة للدماغ فعند حصولها فيه ينفر منها * ويشئز (2113) منها. وعند ذلك يهتم بمقاومتها ودفعها عنه فلا يتركها تجتمع فيه البتة. وثانيها أن البلغم أكثر مقدارا من السوداء وألزج قواما منها. وما كان كذلك كان أبلغ في السد والمنع * مما (2114) لم يكن كذلك. فالسدة البلغمية أقوى في سدها من السوداوية. ولذلك لما كان البلغم كذلك كثر * معه (2115) الاضطراب والارتعاش. * وذلك (2116) لاهتمام الطبيعة بدفعه وإخراجه عن الدماغ بخلاف السوداوي، فإنه لا يكون * لذلك لأن السوداء دون البلغم في السدة (2117) لما ذكرنا. ومنهم من ذهب إلى أن السوداوي أردأ من البلغمي واحتج على صحة مذهبه بوجهين. أحدهما أنه قد ثبت أن المرض المناسب أقل * خطرا (2118) من غير المناسب. ولا شك في مناسبة البلغم للدماغ. وأما السوداء فإنها مضادة له. وقد علمت أن المرض المضاد لا يحدث إلا لسبب قوي وقوة السبب تدل على عظم الآفة على ما عرفت. وثانيهما PageVW5P119B أن السوداء أغلظ قواما من البلغم. وما كان كذلك فإيجابه للسدة والمنع إيجابا قويا بخلاف البلغم فإنه وإن كان أكثر مقدارا من السوداء غير أنه أرق قواما. والحق * عندي (2119) المذهب الأخير. * قول (2120) الفريق الأول في الأول أن الدماغ مناسب للبلغم إلى آخره. نقول: كيف كان مناسب له وقد علم أن المرض المناسب أقل خطرا من غير المناسب؟ وقولهم في الوجه الثاني أن البلغم أبلغ في السد من السوداء لكثرة مقداره * وغلظ قوامه ولزوجته (2121) وكثرة الاضطراب والارتعاش فيه لقوة المجاهدة والمقاومة لأجل ذلك. نقول: لم لا يقال إن سبب حصول الارتعاش * والارتعاد وكثرة الاضطراب (2122) نفوذ القوة المحركة في مسالكها؟ فإن البلغم لما كان أرق قواما من السوداء لم يبلغ مبلغها في السد. ولذلك صارت الأرواح والقوى تنفذ في مسالكها ويدل على نفوذها ما ذكرناه .
البحث الرابع:
ذهب أرسطو إلى أن الصرع يحدث عن بخار غليظ يسد مسالك الروح وبطون الدماغ فتمتنع الأرواح من النفوذ إلى ما دونه من الأعضاء. * قال (2123) : ولذلك صار يحدث دفعة ونزول دفعة. قال جالينوس: الريح لو بلغت من الغلظ * مهما (2124) بلغت لم تسد مسالك الأعصاب بل حدوثه دفعة وزواله دفعة يكون عند كون سببه رقيقا فإن مثل هذا الخلط يكون إيجابه للصرع دفعة وزواله دفعة. قال الرازي: لإيجب لنا أن نسلم لأرسطو الغلبة في كل موضع بل نسلم لجالينوس في هذا الموضع.
البحث الخامس:
قال الشيخ في الكتاب الثالث من القانون: وقد ظن بعض الناس أنه قد يكون صرع خال من المادة، ومراده بالمادة أحد المواد الأربع. وهذا الكلام * يحتاج (2125) إلى تفصيل فإنه إن عنى بالمادة بخارا يرتفع إلى الدماغ أو كيفية سمية تؤذيه يتقلص التقلص الذي سنذكره، فهو حق. وإن عنى به أنه سوء مزاج فإن كان مختلفا فهو محتمل، وإن كان مستويا فهو بالطل لأن تلك الكيفية ثابتة فيجب أن يكون الصرع ثابتا ملازما ولا يكون له نوائب وفترات والوجود بخلافه.
البحث السادس:
ضرر مادة الصرع بالبطن المقدم أولى * وأكثر (2126) من ضررها بباقي بطونه. والدليل عليه أن أول ما يتعطل فيه من الحواس حاسة البصر وما يليها ويكون مع ذلك أعظم من ضرر * ما عدا (2127) ذلك.
البحث السابع:
المادة الموجبة للصرع في الأكثر مادة بلغمية ومثل هذه المادة متى استولت على عضو أرخته وبلته. * وعلى (2128) هذا كان * من (2129) الواجب أن تسترخي الأعصاب والعضلات في الصرع وتسترخي الأعضاء PageVW1P068A ولا يحصل فيه تشنج أصلا والوجود بخلافه. والذي نقوله نحن في هذا الموضع أن الدماغ في مثل هذا الوقت PageVW5P120A يحاول دفع ما يؤذيه ويؤلمه، والدفع لا بد فيه من اجتماع وانعصار. فعندما يجتمع الدماغ وينعصر تجتمع الأعصاب والعضلات لذلك أما للتبعية وإما لما ينالها من الأذى ثم تجتمع الأعضاء. ولا معنى للتشنج إلا ذلك. لكن يجب أن تعلم أن التشنج * على ما عرفت بأن (2130) يكون عن الاستفراغ وتارة يكون عن الامتلاء وتارة يكون عن كيفية سمية تؤذي * الدماغ. فالتشنج الكائن في الصرع يكون عن الامتلاء وعن كيفية سمية تؤذي عن استفراغ فلا يكون البتة. وذلك (2131) لوجهين أحدهما أن الصرع يكون دفعة والتشنج الاستفراغي لا يكون دفعة على ما عرفته. وثانيهما الآفة لا يبلغ في تجفيف الدماغ والأعصاب بحيث أنها توجب ذلك إلا ويسبقها الهلاك وذلك لشرف الدماغ ورياسته.
البحث الثامن:
* قوله (2132) خاصة معناه أن البرؤ من الصرع بالانتقال فيما ذكره لا يحصل إلا إذا كان حدوثه بالأحداث. وذلك لأن هذا المرض حدوثه في الأكثر عن مواد بلغمية غليظة تسد بطون الدماغ وسن الصبيان كثيرة الرطوبة. وذلك مما يضاعف مادة هذا المرض. فإذا حصل الانتقال إلى سن الشباب قويت الحرارة * واحتدت (2133) ونشفت الرطوبات وحللتها. وذلك من أعظم علاج الصرع حتى أنه ربما كفى في ذلك. وأما البلد فإنه متى كان حدوثه في بلد بارد ويكثر فيه هبوب الرياح الشمالية ثم حصل الانتقال إلى بلد * حار (2134) ويكثر فيه هبوب الرياح الشرقية فإن مادته تتحلل وتتلاشى أولا فأولا. فإن كان هذا الإنتقال في السن التي يمكن برؤ الصرع فيها برئ وزال بالكلية وإن لم يكن بعدت نوائبه وخفت أعراضها. وأما التدبير فإنه متى استعمل مبردا مرطبا ثم استعمل ما يسخن يجفف * حصل (2135) به الراحة أيضا وربما حصل البرؤ * متى (2136) كان ذلك في السن الذي يمكن البرؤ فيها.
البحث التاسع:
قال الرازي: الواجب أن * يشرط (2137) أبقراط في قوله هذا الصرع البلغمي، وإلا كيف يحصل البرؤ منه بالانتقال فيما ذكره؟ نقول: لا حاجة إلى ذلك فإن عادة أبقراط أن يطلق حكما ويريد * به (2138) الأكثر على المشهور في عرف الطب. ولا شك أن الصرع البلغمي أكثر حودوثا من غيره * لما (2139) * ذكرنا (2140) . وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى ما ذكره الرازي. فإن قيل هذا الحكم الذي ذكره أبقراط شائع في * جميع (2141) الأمراض الدماغية المادية فلماذا خصص حكمه هذا * بالمصروع (2142) دون غيره، فنقول: لأن هذا المرض من الأمراض العظيمة وهو من الأمراض الكثيرة والعروض للصبيان لمناسبته لهذا السن. فلذلك ذكره دون غيره، * والله (2143) أعلم.
46
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان بإنسان وجعان معا وليس هما في موضع واحد فإن PageVW5P120B أقواهما يخفي الآخر.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (2144) بما قبله وذلك من وجهين أحدهما أن عدم الشعور بالألم تارة * يكون لاختلاط (2145) الذهن وامتناع نفوذ قوة الحس والحركة كما في السكتة والصرع وتارة يكون لاشتغال النفس بما هو أهم وأقوى كما في هذه الصورة. فلما شاركه في عدم الشعور استحق أن يليه في الذكر. وثانيهما أن الذي يظهر لنا من الضرر والوجع * في الصرع (2146) إنما هو في الأعصاب فقط * قال (2147) في * الفصل هذا (2148) لا يدل على عدمه في الدماغ لأن من شأن الوجع الأقوى أن يخفي الأضعف. فإن الأعصاب أقوى حسا من الدماغ على ما أوضحناه في شرحنا لكليات القانون. والأقوى حسا ألمه أقوى من ألم الأضعف * حسا (2149) . فلذلك * صار (2150) ألم الدماغ * يختفي (2151) علينا في علة الصرع.
البحث الثاني
في فائدة قوله «وليس هما في موضع واحد» فإن الألمين متى كانا في موضع واحد فإن أحدهما يعين الأخرى على شدة الاستعداد للوجع فكان أحدهما يقوي الآخر ولم يخفه. فلذلك قال في عضوين مختلفين. وأما * ماهية (2152) الوجع فقد عرفته فيما تقدم وعرفت أراء الأطباء في سببه.
البحث الثالث
في بيان العلة التي لأجلها يخفي الأقوى * الأضعف (2153) . قال جالينوس: وذلك لأن القوة الحساسة تميل نحو الموضع إلى فيه الوجع الأقوى وتشتغل به وهذا بعينه يعرض للإنسان في الآلام النفاسنية. فإن الأقوى منها يخفي الأضعف وتشتغل النفس عن إدراكه ويعرض أيضا للحواس في إدراك محسوساتها. فإنه متى وضع بالبعد من العين شيآن أحدهما أضوأ من الآخر فإن العين تدرك ما هو أضوأ * أكثر (2154) . وكذلك متى كان صوتان * اثنان (2155) من جهة واحدة وكان أحدهما أقوى من الآخر فإن القوة السامعة تدرك الأقوى أكثر من إدراكها للأضعف. ولهذا أمثلة كثيرة * قد (2156) ذكرناها فيما تقدم في البحث التاسع الذي أثبتنا فيه الطبيعتين * من الفصل الذي أوله «السكتة إن كانت قوية» وفي البحث الخامس في شرح قوله «ما كان من الأبدان في النشوء» حيث (2157) ذكرنا مذاهب الأطباء في * حرارتي (2158) الصبي والشاب.
البحث الرابع
في فائدة قوله «يخفي» ولم يقل «يعدم» وذلك لأن القوة الحساسة لن يخلو منها موضع الوجع الضعيف البتة بل هي موجودة فيه وفي غيره حتى لو سألنا صاحبه عنه لأخبرنا عنه بأن الأقوى أذهله وأشغله عن إدراك الأضعف. فلذلك قال «يخفي» ولم يقل «يعدم»، * والله (2159) أعلم.
47
[aphorism]
قال أبقراط : في وقت تولد المدة يعرض من الوجع والحمى أكثر مما * يعرضان (2160) بعد تولدها.
[commentary]
الشرح هنا مباحث ثمانية.
البحث الأول
PageVW1P068B في صلة هذا بما قبله وهو ان أبقراط PageVW5P121A ذكر في الفصل الأول أن الطبيعة قد تشتغل بشيء ويكون هذا سببا لضعف إدراكنا لشيء آخر وفي هذا الفصل ذكر مقابل هذا وهو أنها قد تشتغل بشيء ويكون هذا سببا لقوة شيء آخر. فإن الطبيعة عندما تروم إنضاج المادة وتهيئها للخروج عن البدن * تشتد (2161) الحمى ويقوى الوجع وغير ذلك من الأعراض اللازمة لذلك.
البحث الثاني
في كيفية حدوث الورم * للأعضاء (2162) : على نوعين صلبة ولينة فما كان منها صلبا ففرجه ظاهرة محسوسة كحال العظام، وما كان منها لينا ففرجه خفية عن الحس. فإنها للينها تنضغط أجزاؤها بعضها على بعض وتخفي فرجها. فالمادة إذا انصبت إلى الأعضاء فإن كان انصبابها إلى الأعضاء الصلبية ملأت فرجها ثم مددتها بزيادة مقدارها وعند ذلك تفرق اتصالها وتغمر حرارتها وتكبس أبخرتها الغريبة المنفصلة عنها وتشتغل فيحصل منها حرارة غريبة وتعفن المادة ولا معنى للورم إلا ذلك. وإذا كان انصبابها إلى الأعضاء اللينة فإنها تحدث لها فرجا وتضغط أجزاؤها بعضها * ببعض (2163) وتمددها ثم يحصل منها ما ذكرنا فعلي هذه الصورة يحدث الورم. * وأما ورم العظم والدماغ واختلاف الشيخ الرئيس والرازي فيهما فقد ذكرنا ذلك في المقالة الرابعة في شرح قوله «إذا حدث في حمى غير مفارقة رداءة في التنفس» (2164) .
البحث الثالث:
* ذهب محمد بن زكريا الرازي إلى أن العظم لا يرم على ما صرح به في كتابه المعنون بالفاخر. وله أن يحتج على ذلك بأن الورم مفتقر في حدوثه إلى التمديد وما لا يقبل التمديد فلا يرم. والعظم لا يقبل التمديد فلا يرم لصلابته. وذهب ابن سينا إلى أنه يرم محتجا بأنه يقبل التمديد بالنمو. قال: وما جاز قبوله لذلك بما ينفذ فيه من المادة لمنمية جاز قبوله لتمدد الورم بنفوذ المادة المورمة. واعلم أن الحق في هذا المقام مع الرازي لأن الشيخ استعمل قياسا رديئا فإنه قاس التمديد بالورم على التمديد بالنمو، وهذا فيه نظر. فإنه فرق بين التمددين وبين الفاعل للتمددين وبين المادتين المداخلتين. أما التمدد فيالنمو فإنه في الأقطار الثلاثة على التناسب الطبيعي وفي الورم ليس هو كذلك. وأما الفاعل في النمو فإن الطبيعة البدنية بالحرارة الغريزية وفي الورم مزاحمة المادة المرضية ومداخلتها لجوهر العضو. وأما المادة فإن مادة النمو مادة صالحة محتاج إليها ومادة الورم مادة فاسدة مستغنى عنها. وإذا ظهرت المباينة في الوجوه المذكورة فلا يجب أن يقاس أحدهما على الآخر. وفي هذا الموضع كلام آخر فذكرناه في شرحنا لكليات القانون (2165) .
البحث الرابع
(2166) في كيفية * تولد (2167) المدة. قال جالينوس في شرحه لهذا الفصل: المدة تتولد من دم قد تغير وصار حاله بين الجودة والرداءة. فإن التغير الرديء المطلق هو تغير العفونة ومعه نتن والتغير الجيد المطلق هو * اغتداء (2168) الأعضاء. * فأما (2169) تغير المدة * فإنه (2170) فيما بين الأول والثاني ولأنه ليس يكون من الحرارة الخارجة عن الطبيعة وحدها ولا من الغريزية وحدها بل هو مختلط من الحرارتين. والذي نقوله نحن في ذلك أن الفاعل للمدة عن الدم العفن الحرارة الغريزية وحدها. وذلك لأن تكون الدم العفن مدة بنضج، والنضج إنما يكون بالحرارة الغريزية * على ما عرفت (2171) والحرارة الغريبة * وحدها معفنة (2172) ومحرقة لا منضجة. ولهذا كلما كانت الحرارة الغريبة القائمة بالمادة المنضجة أشد كان إنضاج الحرارة الغريزية لها أبطأ وأضعف. وكلما * كانت (2173) أسكن وأضعف كان فعلها فيها أسرع وأقوى وزمان تكونها أقصر. وكيف لا نقول الفاعل للمدة حرارة غريزية وهي كانت أولا * دما (2174) قد فسد * وهيآته (2175) الطبيعة للاندفاع * بتكونه (2176) مدة. والفاعل لهذه التهيئة القوة المغيرة وآلتها في ذلك الحرارة الغريزية والقابل لهذه التهيئة الفضل الخارج عن الطبيعة PageVW5P121B في كميته وكيفيته وهو ما لا يصلح للتشبيه بجواهر الأعضاء. فيثبت أن الفاعل في المدة الحرارة الغريزية فقط.
البحث الخامس
(2177) : المدة الفاضلة هي البيضاء المعتدلة القوام التي يعقب خروجها خفة وراحة. ومقدارها بحسب مقدار المادة الموجبة للورم وليست بعديمة الرائحة. وأما * بياض (2178) اللون فهو أن الطبيعة المدبرة للبدن عندما تستولي على مادة من المواد تروم إنضاجها ومشابهتها * بما (2179) هي حالة فيه. ولا شك أن محلها الأعضاء ولونها أبيض على ما دل عليه * العيان (2180) . أما المنوية فذلك فيها ظاهر. وأما الدموية فإن لونها أيضا مائل إلى البياض بدليل أنها إذا غسلت واستقصى في غسلها مال لونها إلى البياض. فهذه العلة في ابيضاض المدة والثفل أيضا. وأما اعتدال قوامها فلدلالته على كمال نضجها بحيث أنه لم يبق فيها لا رقيق ولا غليظ بل اختلط الجميع بالطبخ وإلاحالة وصار قوامه قواما واحدا. وأما أمر الرائحة فإن المنتنة الرائحة دالة على العفونة والعديمة * الرائحة (2181) ودالة على استيلاء البرد. وأما اعتبار المقدار فإن الكثيرة المقدار دالة على استيلاء الذوبان على جوهر * العضو (2182) المتقيح. وأما * أمر (2183) الخفة فإنه متى أعقب خروجها خفة وراحة * دل (2184) على الاحتياج إلى خروجها.
البحث السادس
(2185) : خروج المدة تارة يكون طبيعيا بمعنى أن الطبيعة تفتح الجراح وتقذف المادة المعبر عنها بالمدة، وتارة يكون صناعيا كما تبط * الجراحة (2186) وتخرج المادة المذكورة منها. وعلى جميع التقادير الواجب أن يكون خروجها أولا فأولا فإنها متى أخرجت دفعة PageVW1P069A أضعفت القوة والحرارة الغريزية فإن قيل إن هذه المدة محتاج إلى خروجها والطبيعة تستريح * بذلك (2187) ، فكيف صار في * إخراجها (2188) دفعة إجحاف بالقوة والحرارة الغريزية. فنقول: في * هذا (2189) ثلاثة أوجه أحدها * من جهتنا (2190) ، وهو أن الحرارة الغريزية والقوى الطبيعة سارية في جميع رطوبات الصالحة والفاسدة غير أن سريانها في الأولى طلبا للتغذية بها وتشبهها * للبدن (2191) وفي الثانية طلبا لإصلاحها ومنع سريان فسادها فيما عداها. وعند هذا نقول: أي مادة خرجت دفعة أضعفت القوة والحرارة الغريزية، غير أنه متى كان الخارج من المادة الصالحة كان الضعف أكثر وأقوى لأن الحرارة الغريزية والقوى الطبيعية فيها * أكثر وأقوى (2192) . وثانيهما لجالينوس وهو أن المدة عند احتباسها في موضعها تسد أفواه الشرايين التي هي منفذ الأرواح والقوى الحيوانية وأفواه الأوردة التي هي منفذ مادة الحياة والقوى الطبيعية. فإذا * خرجت (2193) دفعة انفتحت تلك الأفواه وخرج منها ما كان محتبسا PageVW5P122A في تلك المجاري. وذلك مضر مؤد إلى التلف. وأما إذا كان استفراغ * المدة (2194) قليلا قليلا لم يحصل شيء من ذلك. فإن قيل * قولكم (2195) الأوردة التي هي منفذ مادة الحياة والقوى الطبيعية فيه نظر. فإن القوى الطبيعية ليست واصلة من الكبد إلى ما عداها كنفوذ القوى النفسانية أي على سبيل المدد بل هي مستقرة في جواهر الأعضاء. فنقول: قد بينا في شرحنا لكليات القانون أنها واصلة على سبيل المدد. وثالثها * لمحمد بن زكريا الرازي (2196) وهو أن المادة الصالحة * لتولد (2197) الأرواح ولقبول القوى في بدن من هو بالصورة المذكورة أقل مما هي في البدن الخالي من ذلك لانصراف بعض مادة البدن الأول إلى جهة الخارج. ومع ذلك فمحلها في البدن الأول أصغر منه في البدن الثاني لاشتغال بعض البدن الثاني بحلول المادة الفاسدة فيه. فإذا استفرغت هذه المادة دفعة انتشرت الأرواح * القلبية (2198) والقوى * الطبيعية (2199) التي كانت مشغولة بتدبير بعض البدن في جملته، وعند ذلك يتخلخل جرمها ويضعف فعلها فيخاف عليها كثرة الضعف أو السقوط * لأنه (2200) ليس هناك شيء * يمددها (2201) ويزيد في مقدارها على ما عرغفته.
البحث السابع
(2202) : في بيان وقت تولد المدة وهو وقت منتهى التزيد إلى كمال المنتهى. فإن * هذا الوقت تتكون فيه (2203) المدة * لأن (2204) في الأول تكون المدة آخذه في الانصباب واستحداثها للفرج على ما عرفت وبعد المنتهى تكون الطبيعة قد أخذت في تفريق المدة وإخراجها عن البدن وهو وقت الانفجار. وهو على نوعين طبيعي * وأحمده (2205) ما كان إلى خارج وكان بعد النضج وكان في أسفل الخراج ليلا يصير له مخبأة وكهف؛ وصناعي * وهو (2206) يختلف بحسب عظم الخراج وصغره وبحسب وضع الليف وبحسب الغضون وبحسب أجزاء الخراج وبحسب موضعه. أما بحسب كثرة الخراج وصغره فإنه متى كان عظيما * الواجب (2207) أن * يوسع (2208) البط وربما احتيج أن يبط في موضعين أو ثلاثة حتى تخرج المدة * وتنظف (2209) المواضع منها. وذلك إما مرة واحدة إن كانت القوة قوية * أو (2210) في مرات إن كانت ضعيفة وخروجها * في (2211) مرات على جميع التقادير أجود من خروجها في مرة واحدة لما قلنا. وأما اختلافه بحسب وضع الليف والغضون فالواجب أن يكون وضع البط ذاهبا إلى الطول فإن أكثر وضع الليف مع طول البدن، وأن يكون البط مع الغضون والأسرة إلا في الجبهة فإنه بطت نحو الأسرة والعضون سقطت الجبهة على الوجه. وأما اختلافه بحسب أجزاء الخراج فهو أن يكون في أسفله * ليسهل خروج (2212) المادة PageVW5P122B ولئلا تصير مخبأة وكهفا. وإن كان الموضع الرقيق الأبيض الذي يجب أن يكون الانفجار فيه في غير هذا الموضع فالواجب أن يكون الانفجار فيه ثم في * الأسفل (2213) خوفا مما ذكرنا. وأما اختلافه بحسب موضع الخراج فإن كان في جلدة الرأس * بططناه (2214) عرضا مستويا خوفا من تغطية الشعر. وإن كان في الجبهة * بططناه (2215) طولا. وإن كان بقرب العين * بططناه (2216) على شبه رأس الهلال وجعلنا الحدبة إلى أسفل. وإن كان في الأنف جعلناه بقدر طول الأنف. وإن كان في الأنامل والمرفقين والذراعين جعلناه * طولا (2217) . وكذلك * إذا كان (2218) في عضل البطن غير أنه يجب أن يكون عن جنبي العضلة الموضوعة في وسط البطن. وإن كان في القضيب والخصيتين * والساق (2219) ففي الطول وإن كان في الساق فقي الطول أيضا.
البحث الثامن
(2220) في بيان اشتداد * الحمى والوجع (2221) في وقت تولد المدة. وذلك لأن توليد المدة طبخ وأحالة. وهذه لا بد لها من محيل وآلة. وذلك هو القوة المغيرة والحرارة الغريزية. ثم هذا القدر يلزمه كبر الحجم لأجل التخلخل العارض لها. وعند ذلك لم يسعها المحل الذي هي حاصلة فيه فيتمدد ويتفرق اتصاله. وذلك موجب للوجع على ما عرفت. وأما قوة الحمى فلوجهين أحدهما لقوة الوجع، وثانيهما لغليان المادة. ووصول الحرارة الغريبة إلى * القلب (2222) على وجهين إما على سبيل المجاورة * إن (2223) كان محل المدة خاليا من الشرايين أو على سبيل المشاركة إذا كان فيه ذلك. فإذا * يكمل (2224) تولد المدة زال الألم لوزال التمدد بسبب استقرار المادة وسكون غليانها وصغر حجبها لذلك فتنحط الحمى لذلك.
48
[aphorism]
قال أبقراط: في كل حركة يتحركها البدن * فإراحته (2225) حين يبتدئ به الإعياء يمنعه من أن يحدث به إعياء.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث سبعة PageVW1P069B .
البحث الأول:
في صلة هذا * الفصل (2226) بما قبله وهو أن هذا كالتعليل لسكون الوجع والحمى بعد تولد المدة. وذلك لأن الحركة المحدثة للأعياء إذا تركت * سكن (2227) الأعياء لذلك بسبب * الوجع والحمى (2228) الحادثين عند تولد المدة متى زال كان ذلك سببا لزوالها.
البحث الثاني
في بيان الحاجة إلى الرياضة. قد عرفت أن في أبداننا حرارة سماوية تسمي حرارة غريزية و|أنها الآلة الأولى في أفعالنا غير أنها دائمة التحلل لتحلل مادتها فهي * إذن (2229) محتاجة إلى ما ينميها. فالممد لها * بذلك هو (2230) الغذاء المستعمل ثم أن هذا الغذاء ليس هو شبيها بالمغتذي من جميع الوجوه ولا هو جميعه مستحيل إلى مادة صالحة للتغذية بل لا بد وأن يفضل منه فضلة. ومثل هذه الفضلة إن بقيت محتبسة في البدن غمرت الحرارة المشار * إليها (2231) PageVW5P123A ومنعتها من كمال فعلها فلا بد إذن من إخراجها ونفضها عن البدن. وهذا المخرج إما أن يكون جسما يرد * عليها (2232) وهو الدواء المسهل. ومثل هذا لا بد وأن يكون فيه قوة سمية تنكي الأعضاء وتؤذي القوى، وإما أن لا يكون جسما بل الأعضاء * تصاك (2233) بعضها * بعضا (2234) مع انتقالها من موضع إلى موضع وهذا هوالحركة. وعند ذلك تتحلل الفضلات وتنمو الحرارة * وتقوى (2235) * وتتشبث (2236) بمادتها كما تقوى النار بالنفخ فإنه * يكشح (2237) الأبخرة عنها. قال أبقراط: الدواء المسهل ينكي الأعضاء يستفرغ الخلط الزائد، وأما الرياضة فإنها تحلل الفضلات وتقوي القوى والحرارة الغريزية وتنعشها وتصلب الأعضاء وتقوي الأوتار. ويدل على صحة هذا صحة أبدان سكان القرى * والبادية (2238) مع رادءة أغديتهم. * قال (2239) جالينوس في كتابه في الغذاء: من قدر على الرياضة فلا حاجة به إلى الاستقصاء في التدبير. وقال في كتابه في حفظ الصحة: أفضل * الرياضة (2240) وأكثر منفعة من الأغذية الملطفة والدواء المسهل.
البحث الثالث:
الحركة تنقسم * إلى (2241) قسمين بدنية ونفسانية. ومعنى قولنا بدنية * أي (2242) يحتاج فيها إلى مباشرة شيء من الأعضاء ثم هذه تنقسم من جهة الكمية ثلاثة أقسام: كثيرة وقليلة ومتوسطة. ومن جهة الكيفية ثلاثة أقسام: قوية وضعيفة ومتوسطة. وقد تتركب هذه الثلاثة مع الثلاثة ألأول فيحصل من ذلك تسعة أقسام. والفرق بين الكثيرة والقوية أن القوية هي التي تسخن البدن بإفراط في زمان قصير والكثيرة في زمان طويل، ثم كل واحد من * هذه (2243) الأصناف المذكورة تنقسم إلى كلي وإلي جزئي. وكل واحد منهما ينقسم إلى ذاتي وعرضي. فتبلغ الأقسام إلى ستة وثلاثين قسما. فمثال الكلي الذاتي الغذو ومثال الكلي العرضى حركة راكب السفينة ومثال الجزى الذاتي مشط الرأس والتصفيق ومثال الجزئي ليعرضي كمن يأخذ يد شحص * ويحركها (2244) . والمعتدل من هذه الأقسام هو المخصوص باسم الرياضة عند الأطباء.
البحث الرابع:
الرياضة أفضل شيء استعمل لحفظ الصحة على ما عرفت غير أنه يجب أن يراعى * في ذلك (2245) شروط ثمانية. أحدها مقدارها والثاني وقت استعمالها والثالث سن مستعملها والرابع غذاؤه المتقدم والخامس سخنته والسادس مزاجه والسابع الوقت الحاضر والثامن حال الأعضاء المؤوفة إن كانت موجودة. أما * مراعاة (2246) مقدارها فيعرف * من ثلاثة أشياء (2247) أحدها القوة المدبرة للبدن فإنها متى كانت قوية فالواجب أن يكثر مقدارها ومتى كانت ضعيفة فالواجب أن يقلل ومتى كانت متوسطة فالواجب أن تكون متوسطة. والثاني ما في البدن من الفضل فإنه متى كان متوفرا فالواجب تكثيرها ومتى كان قليلا * فالواجب (2248) تقليلها ومتى كان PageVW5P123B متوسطا فمتوسط. والثالث العادة فإن من الناس من اعتاد نوعا من الرياضة فهو أجود له من باقي * الأنواع من (2249) الرياضات. فإن مثل هذا النوع أنفع لهذا * الشخص (2250) لما ستعرفه. وأما وقت تركها فهو عند حصول الأعياء. وأما * مراعاة (2251) وقت استعمالها فهو بعد انهضام الغذاء المستعمل بالأمس وقد ابتدأت الطبيعة ترتاح إلى غذاء آخر. ويعرف هذا من لون البول فإنه إن كان * أبيض (2252) فالغذاء الكائن في العروق لم ينهضم بعد ومتى كان أترجيا فقد انهضم وتم هضمه. وأما وقت تجنبها فلا ينبغي أن يستعمل عند احتباس الطبع والبول ولا عندما يكون البدن ممتلئا فضولا رديئة ولا عند امتلاء المعدة ولا عند خلوها ولا بعد الحمام ولا بعد الإسهال ولا بعد الفصد. وأما مراعاتها بحسب الأسنان فالصبيان حاجتهم إلى القصيرة والضعيفة أشد من حاجتهم إلى باقي أنواع الحركة. * والشبان (2253) أوفق أنواع الرياضة لهم القوية والكهول الطويلة موافقة لهم والمشايخ القصيرة موافقة لهم. أما مراعاتها بحسب الغذاء المتقدم فإنه متى كان لطيفا أو قليلا * فالواجب (2254) أن يستعمل القصيرة أو الضعيفة، ومتى كان غليظا أو كثيرا * فالواجب (2255) أن يستعمل الطويلة أو القوية. وأما مراعاتها بحسب السخنات فالسخيف أوفق أنواع الرياضة له القصيرة أو الضعيفة والملزز الطويلة أو القوية. وأما * مراعاتها بحسب (2256) الأمزجة فأصحاب الأمزجة الحارة اليابسة القصيرة موافقة لهم وأصحاب الأمزجة الباردة الرطبة القوية * أو الطويلة (2257) أوفق لهم. وأما * مراعاتها بحسب (2258) الوقت * الحاضر (2259) فالصيف أوفق * أنواع الرياضات (2260) فيه الضعيفة * والشتاء (2261) القوية والربيع الطويلة * والخريف (2262) القصيرة. وأما مراعاتها بحسب الأعضاء الضعيفة فمتى كان في البدن عضو مؤوف فالواجب أن يسكن في الحركة لئلا ينصب إليه مادة تؤذيه وتورمه.
البحث الخامس:
في الحراكات النفسانية. القوة الحيوانية تنقسم عند الأطباء إلى فاعلة ومنفعلة. فالفاعلة هي التي تبسط القلب والشرايين وتقبضها والمنفعلة هي التي تكون بها الغضب والفزع وغير ذلك. فإن قيل: كيف يجوز أن PageVW1P070A يكون الشيء الواحد فاعلا ومنفعلا وهذا قد * أبطل (2263) في الحكمة؟ فنقول: القوة الحيوانية تستحيل أن تكون منفعلة بل تسميتنا لها بذلك * إما (2264) من جهة إعدادها للبدن لقبول آثار الحياة فإن هذا القوة شأنها هذا الأمر على ما أوضحناه في شرحناه لكليات القانون، وإما من جهة * إعدادها (2265) * للروح (2266) الحيواني للانفعال * عما (2267) يتصور في أذهاننا مما يجوب ذلك، غير أنه بقي علينا شيء لا بد من بيانه وهو كيفية انتساب هذه الأمور إلى القوة الحيوانية * هل (2268) هو بمعنى أنها علة فاعلية * لها أو بمعنى أنها علة صورية لها أو PageVW5P124A بمعنى أنها علة مادية لها أو بمعنى أنها غائية لها فلا جائز أن يكون علة فاعلية (2269) لأن الفاعل لهذه الأمور القوى الدراكة باتفاق الفلاسفة والأطباء ولا جائز أن يكون * علة (2270) صورية لأن * صور (2271) هذه الأمور هو غليان دم القلب وانبعاثه إلى خارج على حالة مخصوصة في * الفرح (2272) وفي * الغضب (2273) على حالة أخرى. وكذلك كل واحد من الأمور المذكورة ولا جائز أن يكون علة غائية لها لأن غاية هذه الأمور إما لانتقام من المؤذي أو الإتحاد * بالملذ (2274) أو غير ذلك، ولا جائز أن يكون علة مادية لها أي علة قابلية * لاستحالة (2275) أن يكون الشيء الواحد قابلا وفاعلا فبقي أن يكون وجه انتسابها إليه جعلها للروح قابلة لها.
البحث السادس:
لقائل أن يقول هاهنا سؤالان. أحدهما أن يقال: كما أن هذه القوة تعد الروح الحيواني * للانفعال (2276) * المذكور (2277) فكذلك تعد لأمور أخر على * ما ذهب إليه (2278) الطبيب. فالدماغ * تعده (2279) لقبول القوى النفسانية والكبد لقبول القوى الطبيعية. وأما على مذهب الفيلسوف فلصدور الأفعال. فاقتصار الأطباء على انتساب هذه الأمور إلى القوى الحيوانية دون الأمور الأخر * ترجيح (2280) غير مرجح وذلك محال. وثانيهما أن القوة الحيوانية كما أنها علة معدة لها فكذلك القوى النفسانية علة فاعلية لها فليس انتسابها إلى القوة الحيوانية أولى من انتسابها إلى القوة النفسانية. والجواب عن الأول * نقول (2281) : إنما * تنسب (2282) الأمور المذكوة إلى القوة الحيوانية دون غيرها وذلك لأن القوة الحيوانية لا يحتاج في علتها القابلية الأرواح لهذه الأمور * إلى (2283) الانتقال إلى عضو آخر كحال القوى النفسانية والطبيعية * أو أفعالهما (2284) . فإن صدور ذلك موفوق على الورود إلى الدماغ والكبد. والجواب عن الثاني نقول: إنما نسبنا الأمور المذكورة إلى القوة الحيوانية ولم ننسبها إلى القوة النفسانية. وذلك لأن القوة الحيوانية هي المعدة للحياة ولآثارها. وهذه من آثار الحياة بخلاف القوى النفسانية فإنها إنما تحصل بعد القوة الحيوانية. فلذلك نسبت الأمور المذكورة إلى هذه القوة * ولم تنسب إلى (2285) غيرها.
البحث السابع:
في تعريف كل واحد من الأمور المذكورة. أما الغضب فهو كيفية نفسانية تصبحها حركة الروح والحرارة الغريزية إلى ظاهر البدن دفعة مع فوران. أما حركتها إلى ظاهر * البدن (2286) فلأجل الانتقام * أو (2287) من المؤذي. وأما دفعة فخوفا من الفوت. وأما مع فوران فطلبا للغلبة. وأما الفرح فهو كيفية نفسانية تتبعها حركة الروح والحرارة الغريزية إلى * ظاهر (2288) البدن * طلبا (2289) قليلا قليلا. أما إلى * ظاهر البدن (2290) فللاتحاد بالملذ. وأما قليلا قليلا فلأجل التلذذ. وأما الفرح فهو كيفية نفسانية تصحبها حركة الروح PageVW5P124B والحرارة الغريزية إلى داخل البدن دفعة. أما حركتها إلى داخل البدن فخوفا من المؤذي ثم أنها لا تأيس من * الأذى (2291) الشديد فيتحرك دفعة. وأما الغم فهو كيفية نفسانية تتبعها حركة الروح والحرارة الغريزية إلى داخل البدن قليلا قليلا. أما الحركة إلى داخل * البدن (2292) فخوفا من المؤذي. وأما قليلا قليلا فلأن ما يتوقع من المؤذي قد وقع ولم يخف حصول شيء بعده. وأما الهم فهو كيفية نفسانية تتبعها حركة الروح والحرارة الغريزية إلى داخل البدن وخارجه * لا (2293) معا. وذلك لأنه يتوقع * فيه (2294) إما خير يقع * وإما (2295) سوء منتظر. فهو مركب من خوف ورجاء. فأيهما غلب على الفكر تحركت النفس إلى جهته فإن غلب الخير تحركت إلى خارج البدن، وإن غلب السوء * المنتظر (2296) تحركت إلى داخل البدن. ولما كان حاله كذلك قيل إنه جهاد فكري. وأما الخجل فهو كيفية نفسانية تتبعها حركة الروح والحرارة الغريزية إلى داخل البدن وخارجه * لا (2297) معا. وذلك لصدور أمر قبيح فيعرض منه جبن وتنقبض الحرارة الغريزية إلى داخل البدن ويعتري صاحبه ما يعترى صاحب الغم من هروب الروح والحرارة بحيث * أنه (2298) لا يقدر على مخاطبة من هو أعلى منه ويصفر * اللون (2299) ثم أن الفكر ينبه النفس ويشجعها على أن الأمر الصادر مما لا خوف منه فتعود الحرارة والروح إلى * ظاهر (2300) البدن ويحمر اللون أكثر * مما (2301) كان لاستصحابها * ما كان (2302) في باطن البدن من الدم والروح. وبهذا يفارق * الخجل الغم (2303) . فهذا تعريف كل واحد منها. ويمكن أن يذكر لها * حصر (2304) وهو أن يقال : الحركة المذكورة إما إلى داخل البدن * وإما (2305) إلى * خارجه (2306) وإما إلى داخل والخارج * لا (2307) معا. والخارجة والداخلة * إما (2308) دفعة * وإما (2309) قليلا قليلا. فهاهنا أقسام أربعة: الخارجة دفعة وهو العضب، والخارجة قليلا * قليلا وهو (2310) الفرح، والداخلة دفعة وهو الفزع، والداخلة قليلا قليلا * وهو (2311) الغم والمترددة إلى داخل وخارج * لا (2312) معا * وهما (2313) الهم والخجل * فصارت (2314) الأقسام ستة، * والله أعلم (2315) .
49
[aphorism]
قال أبقراط: من اعتاد تعبا ما فهو * وإن (2316) كان ضعيف البدن أو شيخا فهو أحمل لذلك التعب * الذي اعتاده (2317) ممن لم يعتده وإن كان قويا شابا.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (2318) * بما قبله (2319) وهو أنه لما ذكر أن حد الرياضة حصول الأعياء وأن الحركة متى تجاوزت ذلك صارت تبعا قال في هذا الفصل أن هذا يختلف PageVW1P070B من وجه آخر أي من جهة العادة. فإنه رب حركة هي تعب بالنسبة إلى شخص ثم هي رياضة بالنسبة * إلى (2320) أخر وهو من جهة الاعتياد فإن الإنسان متى اعتاد صنفا من الحركة فاستعماله * لها (2321) * هو (2322) PageVW5P125A رياضة بالنسبة إليه لأن أعضاؤه تكون قد ألفت ذلك وقويت على استعماله وصار فيها مؤاتاة له بخلاف الغير * ما لم يعتده (2323) فإنه متى * استعمله (2324) * انضر (2325) باستعماله ها فيكون ذلك تعبا له والأول * رياضة (2326) لأنه طبيعي له.
البحث الثاني:
هذا الحكم ليس هو خاصا بالأعضاء فقط بل وبالقوى. فإن من اعتاد الحفظ قويب حافظته على ذلك. ومن اعتاد الفكر قويت مفكرته على ذلك ومن اعتادت قواه الطبيعية هضم غذاء من الأغذية هضمته أجود من هضم غيره * وإن (2327) كان الغير ألطف وأحسن كيموسا.
البحث الثالث:
قال جالينوس إن كل واحد من الناس قد جرت عادته بنوع من التعب غير ما جرت به عادة غيره. فواحد جرت عادته بنوع بالإحضار وآخر جرت عادته بحركة اليدين في الإشارة والتصفيق وآخر جرت عادته بالحفر وآخر بالحرث أو غير ذلك من الأعمال. فمثل هذا النوع المعتاد استعماله أسهل من استعمال * غيره (2328) وإن كان * أهون (2329) * منه (2330) . وليس لهذا علة سوى أن المعتاد صار كالطبيعي المألوف.
البحث الرابع:
في بيان المعنى الذي لأجله صار المعتاد لنوع من الحركة * هو (2331) أحمل لها من غيره وإن كان الغير * أهون (2332) . قال جالينوس لأن الأعضاء التي ترتاض تصير أقوى من غيرها. * ولذلك (2333) تكون * للتعب الذي قد اعتادته أحمل (2334) وتكون عليها أسهل. ولقائل أن يقول: الأعضاء المرتاضة * يكثر تحللها وكثرة التحلل يقضي إلى إضعاف القوة، فكيف تصير المرتاضة (2335) أقوى؟ قلنا: الجواب عن هذا أن الرياضة المضعيفة للقوى هي المستعملة * دفعة (2336) . فأما المستعملة بالتدريج فإنها تفيد البدن قوة لأن مثل هذا النوع يصير ملكة * للأعضاء (2337) فلا يتأثر * منه (2338) * والله أعلم (2339) .
50
[aphorism]
قال أبقراط: ما قد اعتاده الإنسان منذ زمان طويل فهو وإن كان أضر مما لم يعتده فأذاه أقل فقد ينبغي * أن ينتقل الإنسان (2340) إلى ما لم يعتده قليلا قليلا.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (2341) بما قبله وذلك من وجهين أحدهما أن حكم هذا الفصل أعم من الأول لأن الأول يتناول ضنفا ما من العادة وهو الكائن بالحركة. وهذا يشمل أي عادة كانت سواء كانت بالرياضة أم * بغيرها (2342) ولا شك أن بين العام والخاص صلة. وثانيهما أن دوام استعمال الشيء قد يصير سبيا لضعف آثاره. ثم هذا الشيء قد يكون نافعا وقد يكون ضارا ففي الفصل الأول مثل بالحركة وهي نافعة وفي هذا الفصل مثل بالضار.
البحث الثاني:
قال جالينوس: ليس حكم أبقراط في هذا الفصل على الرياضة فقط كما قال في الفصل الذي قبله لكنه يعم كل ما جرت به العادة طعاما كان أو شرابا أو استحماما أو حركة أو سهرا أو نوما أو حرا أو بردا أو هما أو * حزنا (2343) فإن كل واحد من هذا إذا كانت العادة قد جرت به فمضرته PageVW5P125B أقل من مضرة ما لم تجري به العادة. فإن قيل: ليس ينبغي أن يحمل كلام أبقراط مطلقا فيما جرت به العادة * حسب (2344) ما حكم * به (2345) جالينوس وذلك فإن لنا من الأشياء ما هو في طبيعته مضر ثم أنه يقل ضرره بالاعتياد في الحال لكنه ربما آل أمره في الآخر إلى أن تكون مضرته بالبدن أشد من مضرة القليل الضرر الغير * المعتاد (2346) . وذلك * كتناول (2347) ما له كيفية رديئة * مثل الفطر (2348) والكمأة * وماشاكلهما (2349) أو لزوم الجماع أو الحمام الدائمين. فإن هذه وإن كان البدن أصبر عليهما وأحمل * لهما (2350) في الحال إلا أنه يؤول أمره بآخره إلى أن تضعف قواه وتتحرك دفعة ويكون موتها سريعا وإن ضعفت أسبابه. فلذلك ينبغي أن يحمل كلام أبقراط * فيما (2351) اعتيد وليس عاقبته كذلك كالأكل الكثير أو في مرات متقاربة والحركة على الغذاء والتقدم عليه ودخول الحمام بعقبه وما شاكل ذلك من الأسباب القليلة الضرر التي لا يؤول أمرها إلى فساد الحياة. قلنا: الجواب عن ذلك أن هذا القدر لا ينقض حكم أبقراط وجالينوس فإن من اعتاد استعمال الكمأة والفطر فأذيتهما له عاجلا وآجلا أقل * من أذيتهما لمن (2352) لم * يعتدهما (2353) بل نرى بعض الناس قد اعتاد استعمال الأدوية * المسهلة (2354) السمية ويأخد منها مقدارا متوفرا ولم * يؤذه (2355) البتة.
البحث الثالث
في ذكر علة قلة أذية المعتاد. قال جالينوس: إن الأطعمة والأشربة قد تكسب المعدة خاصة طبيعية مستفادة ثم سائر الأعضاء. وذلك أنه وإن كان البدن هو القاهر لذلك والمغير له غير أن الأطعمة والأشربة قد تحيل البدن وتغيره بعض التغير إلى طبيعتها حتى يحدث منها في البدن على طول الزمان تغير يسير، ويصير بين * المغذى (2356) المغتدي به مشابهة. ولا شك أن كل شيء * يشابهه شيء (2357) فهو يحيله إلى طبيعيته أسرع. وكذلك كلما * صار (2358) الشيء المستحيل أشبه بالشيء الذي يحيله كانت إحالته أسرع. فلأجل هذا * صار (2359) المعتاد أقل ضررا من غير المعتاد وإن كان الثاني أقل ضررا من الأول. قال ابن PageVW1P071A أبي صادق: * وأما (2360) الهواء فإن كان البدن قد تعود الحار منه فإنه يسخف البدن ويخلخله فإذا أورد عليه هواء بارد كثفه وضيق مسامه، وإن كان قد تعود * الهواء (2361) البارد فإنه يكثف المسام ويلززها. فإذا ورد عليه الهواء الحار فإنه يخلخله ويسخفه، وكذلك الكلام في الرطب واليابس. ولا شك أن ذلك مضر * بالبدن (2362) .
البحث الرابع:
قوله فينبغي أن ينتقل الإنسان إلى ما لم يعتده قلهلا قليلا قليلا. هذا الكلام فهم على وجهين. أحدهما ما ذهب إليه الفاضل جالينوس وهو أن الأجواد للإنسان أن يحمل نفسه على استعمال كل شيء لئلا PageVW5P126A يصادف عند الضرورة شيئا لم يعتده فيناله منه ضرر عظيم. قال فهذا معنى قوله هذا. * ومثاله (2363) أن الإنسان قد يضطر إلى الانتقال من بلد إلى * غير بلده (2364) فينبغي قبل الانتقال أن يتدرج إلى * استعمال (2365) أغذية البلد المنتقل * إليها (2366) حتى يألفها فلا ينفعل * عنها (2367) إذا انتقل إلى ذلك البلد. وثانيهما ما فهمه ابن أبي صادق وهو أنه عنى بالانتقال من العادة الرديئة إلى ما لم يعتده من الأصلح لكن قليلا قليلا لا دفعة لأنه متى كان قليلا قليلا كان زمان فعله في البدن غير محسوس وأثره غير محسوس ثم في المرة الثانية كذلك إلى أن يحصل بين طبيعته المنقل والمنتقل إليه مشابهة ومشاكلة. أما إذا كان الانتقال دفعة فإنه لم يكن كذلك بل يضر بالبدن ضررا محسوسا مضرا بالأفعال.
البحث الخامس:
لقائل أن يقول أي التدبيرين أجود الاستمرار على حالة واحدة أو النقلة إلى أحوال شتى من التدبير؟ أما جالينوس فقد اختار الثاني على ما عرفت. وأما * أنا (2368) فأقول: * إن (2369) الأولى والأفضل النوع الأول فإن استعمال ما يناسب المزاج الأصلي * إن (2370) كان معتدلا أو قريبا منه أولى مما لا يناسبه وينقله عن طبيعته. وأما التخليط في التدبير واستعمال الأضداد طلبا للعوئد فبعيد، وربما اكتسب البدن منه أحوالا رديئة. أما البعيد * فإن (2371) من المحال أن يستفيد البدن عادة هي الخواء مع مقابله أو عادة هي الحركة مع عادة هي السكون ويكون * له (2372) * صبر (2373) على كل واحد منهما. وأما إفادتها للبدن أحوالا رديئة فإنه أصعب ما يكون على البدن الانتقال من حال إلى ضدها مثل أن ينتقل الإنسان من الجوع مفرط إلى شبع مفرط ومن حركة مفرطة إلى سكون مفرط، وكذلك في جميع ما يعتاده الإنسان. وأحسب أن ما ذكره جالينوس من الاعتياد للأشياء المضادة لا بالنظر إلى ما يكون عليه واجب التدبير في * حفظ (2374) الصحة لكن بالنظر إلى ما يتوقع حدوثه من الأسباب العارضة بالانتقال، والله أعلم.
51
[aphorism]
قال أبقراط: استعمال الكثير بغتة مما يملأ البدن أو يستفرغه أو يسخنه أو يبرده أو يحركه بنوع آخر من الحركة أي نوع كان فهو خطر * وكذلك (2375) كل ما كان كثيرا فمقاوم للطبيعة. فأما ما يكون قليلا قليلا فمأمون متى أردت انتقالا من شيء إلى غيره ومتى أردت غير ذلك.
[commentary]
الشرح ها هنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في صله هذا * الفصل (2376) بما قبله وهو أن هذا الفصل كالتعليل لما ذكره في الفصل المتقدم وهو أنه لما أمر بالانتقال من العادة الرديئة إلى العادة الجيدة قال الواجب أن يكون هذا الانتقال قليلا قليلا لأن الكائن دفعة يحصل PageVW5P126B منه كذا وكذا.
البحث الثاني:
الكثير من باب المضاف والمضاف إليه في البدن شيئان * وذلك في الأمرين (2377) أحدهما الأوعية والثاني القوة المدبرة للبدن. فإن أخذنا بالإضافة إلى الأول فهو المسمى عند الأطباء امتلاء بحسب الأوعية * على ما عرفت (2378) وهو أن المواد قد خرجت في كميتها. وإن * أخذنا بالثاني (2379) فهو الامتلاء بحسب القوة وهو أن تكون المواد قد خرجت في كيفيتها. وكلام الإمام أبقراط * يحتمل الأمرين جميعا (2380) . فإن قوله يملأ البدن أو يستفرغه إشارة إلى الأول. وقوله * يبرده أو يسخنه (2381) إشارة إلى الثاني.
البحث الثالث
في بيان علة خطر استعمال الكثير بغتة. قال * الفاضل (2382) جالينوس: * اعلم (2383) أن أس البدن وقوام جوهره بالاعتدال. وكل ما ليس كذلك فهو مغير للبدن مفسد لجوهره. ومراده بالاعتدال هاهنا الاعتدال الإضافي لا الحقيقي. فإن هذا النوع من الاعتدال ليس له وجود ولنبسط القول في هذا الباب. فنقول إن لأفعال القوى البدنية حدا متى تجاوزته تضررت أفعالها. * ووجه (2384) استضرارها بذلك يختلف غير أنه منحصر في ثلاثة أمور. أحدها من جهة الأثفال * والغمر (2385) والثاني من جهة التحليل والاستفراغ والثالث من جهة ما يفيد البدن كيفية غريبة فلأجل هذا كان كل ما يستعمل كثيرا بغتة فهو خطر.
البحث الرابع
في سبب الأمن مما يستعمل * بالتدريج (2386) . وذلك لأن الشيء المخالف والملائم متى كان وروده قليلا قليلا لم ينفعل * البدن عنه (2387) انفعالا ظاهرا فتألفه الطبيعة بطريق لا يتضرر به البدن وإنما قلنا إنه لا ينفعل عنه لأن الانفعال إنما يكون عما يرد البدن دفعة. ويدل على هذا * وجه (2388) لمي * ووجه (2389) إني. أما اللمي فهو أن القوة الحساسة إنما تدرك من محسوساتها ما له قدر محسوس. وما ليس له قدر محسوس لا تدركه ولا تشعر به. ولذلك صارت القوة الباصرة لا تدرك * الهباء (2390) المبثوث في الجو مع أن البصر ألطف الحواس وأقواها إدراكا. فالوارد متى كان قليلا كان زمانه غير مشعور به. ثم في الزمان الثاني تكون الزيادة كذلك ثم في الثالث ثم في الرابع وحينئذ لم يحدث عن ذلك حالة مدركة بحيث أن تكون * القوة (2391) * مشعورا (2392) بها. أما إذا كان حدوثها دفعة كان زمان حدوثها مشعورا به فيكون PageVW1P071B مؤلما أو ملذا. وأما الإني فمن وجوه ثمانية. أحدها أن حرارة حمى الدق أقوى * كثيرا (2393) من حرارة حمى العفن مع أنا لا نجد من الحرارة والالتهاب. وبالجملة شدة الأعراض في حمى الدق ما نجده في حمى العفن. وليس لهذا علة سوى * أن (2394) حمى الدق لما كان حدوثها بالتدريج لم يحصل لنا بها شعور كما يحصل لنا شعور بحمى العفن الحاصلة دفعة. وإنما قلنا إن حمى الدق أقوى * كثيرا (2395) من حمى العفن لأنها متعلقة بجسم صلب PageVW5P127A وتلك بجسم لين وتسخين الصلب أعسر من تسخين اللين. فلو لم تكن الحرارة المسخنة للجسم الصلب قوية جدا لما قدرت على تسخينه بخلاف الجسم اللين فإن أدنى حرارة تسخنه. ولذلك صارت المبردات المستعملة في تبريد هذه الحمى أقوى * كثيرا (2396) من الأدوية المبردة المستعملة في * مداواة (2397) حمى العفن. وثانيها أن اجتماع المني في أوعيته لا يحصل منه ألم بمقدار ما يحصل منه لذة عند استفراغه. وما سبب هذا إلا أن اجتماعه كان بالتدريج وخروجه دفعة. وثالثها أن الداخل إلى الحمام شتاء إذا كان دخوله أولا إلى البيت الأول وصب على بدنه من مائه ثم إلى البيت الثاني كذلك ثم الثالث كذلك فإنه لا يتألم ويشمأز * منه (2398) كما إذا دخل الثالث في أول وهلة واستعمل من مائه. وليس لهذا علة سوى أن دخوله إلى البيت الثالث في الصورة الأولى * كان (2399) بالتدريج وفي الثانية دفعة. ورابعها أن الداخل إلى الحمام في كل يوم لا يحصل * له (2400) من اللذة من تنفية بدنه من الأوساخ كما يحصل له من ذلك إذا جعل دخوله إلى الحمام بعد أيام طويلة. وليس لهذا علة سوى أن الداخل إلى الحمام في الصورة الأولى كان خروج أوساخه عن بدنه أولا فأولا وفي الصورة الثانية عند اجتماعها وكثرتها دفعة. وخامسها أن المتولى لمنصب جليل أو المدرك لمسألة شريفة أو الطالب لكنز عظيم لا يحصل له من اللذة من وجدانه لذلك بالتدريج كما إذا كان حصول ذلك له دفعة. وسادسها أن الذي يحصل له سوء المزاج المختلف لا يحصل له من الألم * بحدوثه (2401) بمقدار ما يحصل له من اللذة بمفارقته بل تألمه بحدوثه أكثر من التذاذه بمفارقته بكثير جدا. وما سبب * ذلك (2402) إلا أن حصوله كان دفعة ومفارقته بالتدريج. وسابعها أن المحسوس في المواضع المظملة جدا مدة طويلة إذا خرج منها إلى المواضع المنيرة جدا * ثم كان خروجه من تلك إلى هذه (2403) بالتدريج بمعنى * أن (2404) خروجه منها إلى ما هو أظهر * منها ضوءا (2405) ثم * إليها (2406) فإن عينيه لا يتألم وروحه الباصرة لا يتضرر كما إذا كان حصول ذلك له دفعة. وثامنهما أن زيادة الأعضاء بالغذاء الوارد عليها في زمان النمو زيادته فيها بمعنى أنه يمددها ويفرق اتصالها لا أن فيها أجزاء خالية يدخل فيها الغذاء على ما * يقوله (2407) أصحاب الخلاء فإنه قد ثبت استحالة وجود الخلاء وهو مع ذلك غير مؤلم. ولو فرضنا حصول ذلك * التمدد (2408) دفعة واحدة لتألمت الأعضاء تألما شديدا. وليس لهذا علة سوى أن التفرق الأول * حاصل بالتدريج (2409) والثاني دفعة. ولنا في هذا المقام * صور (2410) كثيرة دالة كلها على ما كان حصوله بالتدريج * فأنه (2411) لا يؤلم ولا يلذ كما إذا كان حصوله دفعة، والله أعلم.
52
[aphorism]
قال أبقراط: إن أنت فعلت جميع ما ينبغي أن يفعل على ما ينبغي فلم يكن ما ينبغي PageVW5P127B أن يكون فلا ينبغي أن * ينتقل إلى غير (2412) ما أنت عليه ما دام ما رأيته منذ أول الأمر ثابتا.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (2413) بما قبله وهو أنه لما بين أن الشيء إذا استعمل قليلا قليلا أي كرر استعماله لم يؤثر تأثيرا معتدا به أي مشعورا به، نبه في هذا الفصل على ظن ربما توهمه متوهم وهو أن المداواة الطبية المستعملة على الواجب إذا استعملت بالتدريج ولم يظهر لها أثر مشعور به الواجب تركها والعدول إلى غيرها، قال في هذا الفصل لا يجب ذلك بل يجب أن يستمر على استعمالها. فإن زمان استعمالها متى طال ظهر تأثيرها * فيه (2414) . وذلك لأنه قد عرف أن قوة الأثر قد تكون لقوة المؤثر وقد تكون لدوام * التأثير (2415) . ونحن لم نقل إن * ما استعمل (2416) بالتدريج لم يؤثر شيئا البتة بل قلنا إنه لم يؤثر تأثيرا * محسوسا (2417) مشعورا به في مبادئه. وأما عند تكراره فيشعر به.
البحث الثاني
في بيان علة ذلك، وهو أن الفاعل * في الشيء (2418) إذا لاقاه في أول * الأمر (2419) لا يكون استعداده للانفعال منه كما إذا كرر عمله فيه. * وكلما (2420) كرر علمه اشتد استعداده لذلك كان فعل الفاعل فيه أقوى وأبلغ ولذلك صارت القطرات من الماء تؤثر في الصخر ما لا تؤثره القطرة الواحدة وكذلك جر الحبل فيه وفعل القطن في السكين الحادة جدا أياما متوالية. فإن قيل قد ذكرتم أن الشيء إذا دام على البدن قل انفعاله عنه وضرره به وكذلك يكون حمل التعب المعتاد أسهل من غير المعتاد وإن كان غير المعتاد * هينا (2421) . وإذا كان كذلك فكيف أوجبتم المداومة على شيء وقلتم إن البدن ينفعل عن ذلك انفعالا قويا؟ قلنا الجواب عن هذا إنما أوجبنا المداومة على نوع * المداواة (2422) لا على الشيء مطلقا فإن الاستمرار على شخص الدواء مما تألفه الطبيعة وكذلك شخص الغذاء ونوعه أيضا.
البحث الثالث:
لقائل أن يقول هذا الحكم فيه نظر من وجهين. أحدهما من جهة العقل والثاني من جهة النقل. أما العقلي فهو أن الشيء إذا كرر علمه ألفته الطبيعة وصار عندها بصورة المصاحب المألوف كالغذاء وعند ذلك لم يؤثر شيئا البتة. وأما النقلي فإن الشيخ يقول في فصل المزاج من كليات القانون: ويجب أن يؤمر المعالجون * بأن (2423) لا يقيموا في تبديل المزاج على استعمال دواء واحد. وإذا صح هذا كان هذا القول مناقضا لحكم الإمام أبقراط. فإنه قال هاهنا لا ينبغي أن ينتقل الطبيب البتة. قلنا: الجواب عن هذا مفهوم مما ذكرنا وهو أن الإمام أبقراط أمر بالاستمرار وعدم الانتقال في نوع الدواء، والشيخ أمر بالانتقال PageVW1P072A في شخص الدواء فلا مناقضة بين الكلامين.
البحث الرابع:
قوله «إن أنت فعلت جميع ما ينبغي أن تفعل» أي إذا دل الدليل على وجوب استعمال شيء. مثاله إذا عرفنا المرض من جهة أسبابه ودلائله PageVW5P128A وعرفنا مزاج الدواء المقابل للمرض وأنه يجب عند ذلك استعماله لأن مداواة المرض بالضد ثم لم يظهر أثر المداواة، فهذا معنى قوله فلم يكن ما ينبغي فلا ينبغي أن ينتقل عنه إلى نوع آخر من الداوء. هذا إذا كنا متيقنين صحة ما ذكرنا أولا. وهذا هو المعنى بقوله «فلا ينبغي أن تنتقل إلى غير ما أنت عليه ما دام ما رأيته منذ أول الأمر ثابتا» لأنه يحتمل أن يكون تأخير النفع إما لضعف الدواء وإما لقصر زمان فعله وإما لعدم قبول المنفعل.
البحث الخامس:
قال ابن أبي صادق: عنى بالانتقال إلى الغير يعني في النوع، وإلا فالطبيب له أن ينتقل من دواء إلى دواء آخر من نوعه لأن الدواء الواحد إذا أديم استعماله ألفته الطبيعة وربما هضمته وغيرته وعند ذلك * يجب (2424) * أن (2425) نستعمل دواء آخر من نوعه. أقول: الموجب للنقلة إلى النوع الآخر أحد أمرين إما * لخطأ (2426) التدبير الأول وإما انتقال المرض إلى نوع آخر * من المرض (2427) . وقد نبه الإمام أبقراط عليهما في هذا الفصل. أما على الأول فبقوله «جميع ما ينبغي أن تفعل» أي إذا لم تخطأ في شيء مما * تفعله (2428) في التدبير فلا ينتقل عنه وإن لم يكن ما ينبغي. وأما على الثاني فبقوله «ما دام ما * رأيته منذ أول الأمر ثابتا» أي ما دام (2429) المرض باقيا على حاله. فمتى عدم هذان الأمران الواجب أن لا ينتقل . وأما متى وجدا أو وجد أحدهما كان الواجب النقلة، والله أعلم.
53
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بطنه في شبابه لينا فإنه ما دام شابا فهو أحسن حالا ممن بطنه * يابس (2430) ثم تؤول حاله عند الشيخوخة إلى أن تصير أردأ وذلك * أن (2431) بطنه يجف إذا شاخ على الأمر الأكثر.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (2432) بما قبله وهو أنه لما أوجب الملازمة على ما أوجب القياس استعماله * ولم (2433) يظهر نفعه عاجلا بين أن هذا ليس دائما. فإنه ليس يجوز أن يستمر * على (2434) تدبير الشيخ كما يستعمر على تدبير الشاب لأن أحكام الأسنان مختلفة. فربما اقتضى سن أمرا و * اقتضى (2435) * آخر (2436) مقابله كمن يكون بطنه في شبابه لينا فإنه إذا شاخ يبس بطنه وبالعكس. وقد بينا علة هذا فيما تقدم.
البحث الثاني:
الغرض من هذا الفصل بيان أن لين البطن في سن الشباب أجود من يبسه. وذلك من وجوه ثلاثة. أحدها أن الشباب أكثر أكلا من المشايخ فتكون فضلات أبدانهم أكثر. * فإن (2437) لانت بطونهم اسفترغت فضلاتهم. وثانيها أن الصفراء كثيرة التوليد في سن الشباب وهي * دائمة (2438) تنصب إلى المعاء لما قد عرفت. فإذا لانت بطونهم استفرغت وسلموا من نكايتها. وثالثها أن المواد في أبدان الشباب أكثر مما هي في أبدان الصبيان والمشايخ. أما الأول فلانصرافها إلى جهة النمو. وأما الثاني فلضعف الشهوة الغذائية ولقصور القوة الطبيعية. وإذا كان كذلك فلين البطن لهم أجود من يبسه PageVW5P128B .
البحث الثالث:
قوله «ثم تؤول حاله عند الشيخوخة إلى أن تصير أردأ وذلك * أن (2439) بطنه يجف إذا شاخ على الأمر الأكثر» معناه أنك قد عرفت أن لين البطن في سن الشباب أجود من يبسه لما ذكرنا. أما متى كان يابسا فإن فضلاته تحتبس فإذا انتقل إلى الشيخوخة ازداد احتباسها لأن البطن يجف في هذا السن على الأمر الأكثر. فإن غالب الحال جفاف البطن في ذلك الوقت * يكون (2440) لاستيلاء اليسب على الأعضاء ولقوة القوة الماسكة، والله أعلم.
54
[aphorism]
قال أبقراط: عظم البدن في الشبيبة ليس يكره بل يستحب إلا أنه * عند (2441) الشيخوخة يثقل ويعسر استعماله وتكون * حاله (2442) أردأ من * حال (2443) البدن الذي هو أنقص منه.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (2444) بما قبله وهو أنه لما ذكر أن أحكام الأسنان مختلفة فربما * اقتضت (2445) سن * شيئا (2446) لم * تقتضه (2447) السن * الأخرى (2448) ومثاله مما ذكره في هذا الفصل. فإن سن الشباب مثلا يستحب فيها عظم البدن لما سنقوله وهو بعينه مكروه في سن الشيوخ.
البحث الثاني
في بيان معنى العظم. قال الفاضل جالينوس: المعنى به بالزيادة في الطول فقط لا الزيادة في * جميع الأقطار (2449) . والذي نراه نحن أن مراده بالعظم الزيادة في الأقطار الثلاثة وذلك لأن الاستضرار به في سن الشيخوخة على ما ذكره جالينوس من جهة أثقاله للقوة و * عجزها (2450) عن * الإقلال (2451) به. ولا شك أن هذا القدر حصوله * في (2452) الزيادة في الأقطار الثلاثة أبلغ منه في الزيادة في قطر واحد.
البحث الثالث
في بيان علة استحباب العظم في الشبيبة * وكراهية ذلك (2453) في الشيخوخة. أما على ما فهمه جالينوس من العظم وهو الزيادة في الطول * هو (2454) أن البدن في الصورة المذكورة تكون آلته معينة للقوة على شدة الأفعال فوق شدتها على البدن الذي ليس بعظيم. * فإذا (2455) صار إلى * حد (2456) الشيخوخة صار رديئا من جهة ضعف القوة وعجزها عن إقلال الأعضاء فيثقل لذلك حمله وتعسر حركاته. وأما على ما فهمناه نحن من العظم وهو * الزيادة (2457) في الأقطار الثلاثة * هو (2458) أن هذا العظم في مثل هذا السن يكون لكثرة الرطوبات الغريزية المترتب عليها قوة الحرارة الغيريزية المرتب عليها جودة الأفعال وتمكن القوى من جودة أعمالها. فإذا حصل الانتقال إلى سن الشيخوخة نقصت الرطوبات المذكورة وعند نقصانها تنقص الحرارة الغريزية وتضعف القوى عن إقلال البدن وتحريكه وتوليد الغذاء وتوزيعه على الأجزاء البدنية التي وقعت بها الزيادة في الأقطار الثلاثة. ولما كان الحال كذلك قال «إلا أنه يثقل ويسعر استعاله ويكون أردأ من البدن الذي هو انقص منه» * والله (2459) أعلم.تمت المقالة الثانية * من كتاب الفصول للإمام أبقراط (2460) . * ابتداء المقالة الثالثة (2461) .
ابتداء المقالة الثالثة
1
[aphorism]
قال * أبقراط (1) : إن انقلاب أوقات السنة مما يعمل في توليد الأمراض خاصة * وفي (2) الوقت الواحد منها التغير الشديد في الحر أو * في (3) البرد، وكذلك في سائر الحالات على هذا القياس.
[commentary]
الشرح: PageVW1P072B هاهنا * مباحث (4) خمسة.
البحث الأول
في معنى الانقلاب: قال جالينوس: ظن قوم أنه عنى بالانقلاب * انتقال (5) فصول السنة بعضها إلى بعض كانتقال الشتاء إلى الربيع والربيع إلى الصيف * والصيف (6) إلى الخريف * والخريف (7) إلى الشتاء، وكل * فصل (8) منها إذا انتقل إلى طبيعة فصل ولد الأمراض الخاصة به. قال: وفي هذا الفصل حرف واحد لا يحتمل هذا التأويل وهو قوله «خاصة» أي أنه إذا انتقل ولد الأمراض خاصة، وعلى هذا التفسير لم يكن حال الفصول عند انتقالها هذا الحال، وذلك لأنها عند الانتقال المذكور تولد أمراضا وتبرى من أمراض أخرى، فإن الصيف عند انتقاله إلى الخريف يضاد * الأمراض (9) الصيفية وتناسب الأمراض الخريفية فيولد هذه ويبرى من تلك، فلا يكون ذلك الانتقال مولد * للأمراض (10) خاصة. قال: وإذا كان كذلك فالأولى بسبب هذه الزيادة أن يفهم من قوله انقلاب أوقات السنة التغير الذي يعرض في مزاجها لأن ذلك التغير هو الذي يولد الأمراض خاصة. وهذا الكلام من جالينوس يفهم على معنين: أحدهما أن يقال إن مراده بالتغير في المزاج أي فيما يناسب كيفياتها * مثل (11) أن تفرط حرارة الصيف ويبوسته؛ وثانيهما أن يقال إن مراده بالتغير في المزاج أي فيما يضاد مزاجها * في (12) كيفياتها * مثل (13) أن ينتقل مزاج الصيف إلى البرودة والرطوبة. وعلى كلي التقديرين يلزم جالينزس ما * ألزم (14) به الأوائل، فإن التغير الأول كما أنه يولد الأمراض الحارة اليابسة فقد يبرى مما يقابلها، وكذلك التغير الثاني . وإذا كان كذلك فلا يكون الانتقال * المذكور (15) بحسب هذا التأويل مولدا لأمراض خاصة.
البحث الثاني:
قال ابن أبي صادق: قد عارض الرازي * جالينوس (16) بما عارض هو به الأوائل، وهو أن الربيع إذا تغير مزاجه إلى مزاج الصيف أو * الصيف (17) * إلى (18) الخريف وكذلك القول في الخريف * والشتاء (19) فقد يولد ذلك التغير أمراضا ويبرى من أمراض أخرى وهي المضادة له. قال ابن أبي صادق: وهذا القول من الرازي وإن كان حقا غير أنه إذا صار الربيع صيفا والصيف خريفا * والخريف (20) شتاء والشتاء ربيعا كان في السنة الواحدة صيفان وخريفان وشتاءان وربيعان فكانت خارجة عن الاعتدال مطلقا وعن النظام المعتاد فيكون مولده للأمراض مطلقا. وهذا الكلام من ابن أبي صادق فيه نظر وهو أن يقال له إذا انتقل كل PageVW5P129B فصل إلى مزاج الفصل الذي يليه كيف يتصور أن يقال أن يكون في السنة الواحدة صيفان وخريفان وشتاءان وربيعان بل لا يكون كل فصل إلا واحد فقط ويكون حال السنة عند الانتقال المذكور كحالها عند كون كل فصل * يرد (21) على واجبه. ومما يؤكد قول الرازي قول أبقراط فيما بعد أن من الطبائع ما يكون حاله في الصيف أجود وفي الشتاء أردأ، * وبالعكس (22) . وذلك لأن طبيعة كل فصل قد * تناسب (23) بعض الأشخاص وبعض الأمراض وتخالف بعضها فيختلف لذلك أثرها في الأبدان بحسب المناسبة والمخالفة. وذلك بأن يكون لبعضها صحة وهي المخالفة، ولبعضها * مرض (24) وهي المناسبة. وإذا علم هذا لم يصح * الإطلاق (25) بوجوب الأمراض خاصة عند انقلاب أوقات السنة بهذا المعنى.
البحث الثالث
فيما نقوله نحن في هذا الموضع وهو أن مراده بالانقلاب تغير الفصول عن * طبائعها (26) سواء كان ذلك إلى * ما (27) يناسب مزاجها أو إلى * ما (28) يضاده غير أن قوله مما يعمل في توليد الأمراض خاصة: هذا يحمل على وجهين: أحدهما في الأبدان * الصحيحة (29) ، فإن هذا الانقلاب مباين * للحالة (30) الصحية إذ المناسبة لها أن ترد الفصول على * واجبها (31) ، وعلى هذا التأويل يكون التغير المذكور مولدا للأمراض فقط * لأنه (32) لم * يكن (33) هناك حالة مرضية يزيلها ذلك التغير المذكور ثم يحدث * أيضا (34) حالة أخرى مضادة لتلك الحالة؛ * والثاني (35) في الأبدان المستعدة لها فقوله «خاصة» أي أن الانقلاب المذكور يولد الأمراض في الأبدان المذكورة التي هي الصحيحة والمستعدة * لها (36) لا أن * ذلك (37) يولد الأمراض مطلقا. فإن قيل * إن (38) الألف واللام في اللغة العربية المراد بهما الاستغراق في * الجنس (39) وإذا كان كذلك فيكون تقدير قول أبقراط مما يعمل في توليد الأمراض أي * أنها (40) تولد الأمراض مطلقا، وعلى هذا يلزمكم ما * ألزم (41) به جالينوس * الأوائل (42) وما ألزمه به الرازي. فنقول: قد عرفت أن الألف واللام في اللغة العربية يراد * بهما (43) ثلاثة معان: الاستغراق في الجنس كما يقال الحيوان أي جميع * الحيوانات (44) ؛ والمعهود السابق أي الذي كان كلامنا فيه مثالة إذا كان قد جرى حديث في بلد ما ثم تمم بحديث آخر وذكر البلد، فيكون المراد به البلد الذي كان حديثنا فيه؛ والطبيعة الأصلية كما إذا قيل الحيوان، ويكون المراد به الجسم الحساس المتحرك بالإرادة. وإذا كان كذلك فيكون مراد * الإمام (45) أبقراط بالألف واللام المذكورين هاهنا في الأمراض الطبيعية الأصلية أي أن التغير المذكور يوجب الحالة الموجبة لضرر الفعل فيما ذكرنا وهي المعبر عنها بالمرض.
البحث الرابع:
قوله «وفي الوقت الواحد منها التغير الشديد في الحر أو في البرد» معناه أن الانقلاب المذكور تارة يكون في الفصول الأربعة وتارة يكون في فصل واحد فقط، PageVW5P130A غير أنه متى كان كذلك فإنه لا يوجب مرضا في بدن صحيح * وفيمن (46) هو مستعد * للمرض (47) إلا بعد شرطين: أحدهما أن يكون ذلك التغير شديدا جدا، وثانيهما أن يكون إلى جانب الحرارة أو إلى جانب البرودة. أما الأول فإن ظهور الأثر قد يكون * لقوة (48) المؤثر وقد يكون لدوام التأثير فالمدة هاهنا لما كانت قصيرة لم يظهر الأثر فيها ما لم يكن المؤثر في غاية القوة فلذلك اشترط في التغير أن يكون شديدا. وأما الثاني فإن الكيفيات على نوعين: فاعلة PageVW1P073A كالحرارة والبرودة، ومنفعلة كالرطوبة واليبوسة. وتأثير الفاعلة أقوى من تأثير المنفعلة لأن شأن * تلك (49) الفعل في الغير وهذه الانفعال عن الغير. ولما كان الحال كذلك وكانت مدة الوقت * الحاضر (50) قصيرة، اشترط أن تكون الكيفية * التي (51) انتقل إليها * الفصل (52) فعلية لا انفعالية.
البحث الخامس:
قوله «وكذلك في سائر الحالات على هذا القياس» أي وكذلك الحال في المأكل والمشارب والنوم واليقظة والاستفراغ * والاحتقان (53) وغير ذلك، فإن هذه متى كانت مدتها قصيرة فإنها لا يوجب تغير أحوال الأبدان ما لم تكن شديدة جدا أو * يكون (54) * ما (55) هو موصوف منها بالكيفيات أن * تكون (56) كيفيته حارة أو باردة، ومتى لم تكن قصيرة لم يجب اشتراط ذلك فيها. والله أعلم.
2
[aphorism]
قال أبقراط: إن من الطبائع ما يكون حاله في الصيف أجود وفي الشتاء أردأ ومنها ما يكون حاله في الشتاء أجود وفي الصيف أردأ.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (57) بما قبله: وهو أنه لما ذكر فيما تقدم أن انقلاب أوقات السنة يولد أمراضا * للمستعدين (58) لها، ذكر في هذا الفصل ما يولد ذلك فقال إن من الطبائع ما يكون حاله في الصيف * أجود (59) * وفي (60) الشتاء أردأ * وبالعكس (61) أي أنها مختلفة * في (62) الاستعداد لقبول تأثير الهواء.
البحث الثاني:
المراد بالطبيعة هاهنا المزاج الخاص بشخص شخص وإن كان قد يراد بها معان آخر قد عرفتها. * وإنما (63) قلنا إن المراد بالطبيعة هاهنا ذلك لأن الذي ينتفع ويستضر بفصول السنة المعنى المذكور. وأما باقي المعانى فإنها لا تتغير بذلك كتغير المزاج.
البحث الثالث
في علة جودة بعض الطبائع في فصل ورداءته في فصل آخر: قال جالينوس: * صاحب (64) المزاج البارد يكون في الصيف على أفضل حالاته، وصاحب المزاج الحار يكون في الشتاء * كذلك (65) . أقول: * وذلك (66) لأن الاستحالة في الجنس القريب أسهل منها في الجنس البعيد وعلة ذلك شدة الاستعداد. ولذلك يسرع اشتغال الكبريت بنار لا تشتغل غيره من الأجسام بمثلها. * وكمية (67) ذلك أن كل كيفية من الكيفيات من شأنها أن تجعل قوام الجسم الحالة فيه مستعدا لما يناسبها. ويدل على صحة هذا صور منها أنا إذا أخذنا جسمين قابلين للوقود من النار وسخنا أحدهما بنار أو * بشمس (68) سخونة ظاهرة أياما متوالية والآخر PageVW5P130B لم نسخنه، ثم أدنيناهما من النار فإن المسخن يشتغل أسرع من عير * المسخن (69) ؛ ومنها أنا نرى شارب الخمر يفرح من أدنى سبب مفرح لا يفرح بمثلها من لم يكن كذلك، والسوداوي يحزن من أدنى سبب محزن لا يحزن بمثله من لم يكن * كذلك (70) ، * وكذلك (71) لم تكن الحمى في سن الشيوخة قوية كما هي في سن الشباب وإن تساوت. إذا عرفت هذا فنقول صاحب المزاج الحار الصحي إذا ورد عليه أمر مسخن كفصل الصيف أو غيره من المسخنات زاده تسخينا أو * انحرافا (72) ، وليس لهذا علة سوى شدة استعداده لذلك. وذلك موجب لضرر أفعاله وأحواله * مما (73) إذا ورد عليه ما يضاد مزاجه كفصل الشتاء وغيره فإنه يقاوم مزاجه ويمنعه من الإفراط والخروج عن الاعتدال الخاص به.
البحث الرابع:
لقائل أن يقول هذا الكلام فيه نظر من وجوه ثلاثة: الأول: قال الرازي: الصحة إذا كانت تحفظ بالمثل كيف صار المحرور * يتضرر (74) بالصيف والمبرود بالشتاء؟ الثاني أنه يكفى في بيان ما * ذكره (75) أحد الحكمين وهو أن من الطبائع ما يكون حاله في الصيف أجود وفي الشتاء أردأ من غير أن يكرر ذلك من الجانب اللآخر. والثالث أنه ذكر في الحكم المذكور الصيف والشتاء * فهلا (76) ذكر الربيع والخريف؟ أجاب علاء الدين ابن النفيس في شرحه لهذا الفصل عن الأول بأن هذا ليس حفظا للصحة بل نقلا لها إلى ما * هو (77) أفضل منها. والنقل لا يكون * إلا (78) بالضد. ثم قولهم إن الصحة تحفظ بالمثل إنما هو للصحة الفاضلة، والصحة الفاضلة لا تكون إلا مع اعتدال المزاج وحفظ المزاج المعتدل * بالمعتدل (79) . وهذا الجواب فيه نظر قوله إن هذا ليس حفظا للصحة بل نقلا لها. نقول إن الإمام أبقراط لم يرد بقوله هذا نقل الحالة الغير طبيعية إلى الحالة الطبيعية بل جودة حالها عند حصول الهواء المشار إليه. فإنه قال إن من الطبائع ما يكون * حاله (80) في الصيف أجود أي أتم في أحواله الجيدة. والحق * عندي (81) في هذا أن يقال إن المراد بقولهم أن حفظ الصحة بالشبيه أي بالغذاء لا بالدواء ولا شك أن * الهواء (82) يوثر في البدن كتأثير الدواء لأنه يؤثر في البدن مع بقاء الصورة النوعية. والجواب عن الثاني أنه قد علمت أن المراد من هذا الفصل إثبات الاختلاف في الاستعداد بالاستقراء، وذلك لا يثبت إلا بتكرار الجزئيات، وذلك بذكر الحكم من الطرفين. والجواب عن الثالث من وجهين: أحدهما أنه قلما يوجد من يتضرر بالربيع وينتفع بالخريف فإن الربيع كما علمت معتدل، والمعتدل * لا (83) يضر شيئا من الطبائع، وأما الخريف فإنه لما كان خروجا عن الاعتدال إلى جانب اليبوسة وهو مختلف في هوائه كانت المضرة متوقعة منه دائما؛ وثانيهما أن * فصل (84) الصيف وفصل * الشتاء (85) المستولي عليهما PageVW5P131A من الكيفيات الحرارة والبرودة وهما * فاعلتان (86) فضرر البدن بهما أشد من ضرره بغيرهما. وإذا كان حالهما كذلك فضرب PageVW1P073B المثال بهما أولى من ضربه بغيرهما.
البحث الخامس:
قال الشيخ الرئيس ابن سينا في الكتاب الأول من القانون حيث تكلم في فصول السنة: كل فصل * يوافق (87) من به مزاج صحي مناسب له ويخالف من به سوء مزاج مناسب، * إلا (88) إذا عرض خروج عن الاعتدال جدا فيخالف المناسب وغير المناسب بما يضعف من القوة. أقول: هذا الحكم من الشيخ فيه نظر. وذلك لأن الموافق للمحرور من الفصول الشتاء على ما دل عليه الاستقراء الطبي وليس هو مناسبا لمزاجه بل المناسب في المزاج فصل الصيف، والمخالف للسوء المزاج ليس هو مناسبا للمزاج الأصلي بل قد يكون مناسبا وقد لا يكون، فإن من حصل له حرارة مفرطة قد يكون في حال صحته حار المزاج وقد يكون بارد المزاج والمخالف للسوء * المزاج (89) الحاصل له من الفصول الفصل البارد وليس هو * مناسبا (90) لمزاجه الأصلي. والتحقيق في هذا الباب أن يقال مزاج الشخص الحاصل في الفصل إما أن يكون مناسبا له أو مخالفا وكل واحد إما أن يكون * صحيا (91) أو مريضا فيكون هاهنا أقسام أربعة: أحدها المزاج المناسب الصحي، وثانيها المناسب المرضي، وثالثها المخالف الصحي، ورابعها المخالف المرضي. أما الأول فإنه ينتفع به من جهة أنه يحفظ الصحة ويبقيها على حالها إذا المناسب للشيء لا يزعزعه ولا * يقلقله (92) غير أن هذا لا يصح إلا في الربيع وأول الصيف. أما الأول فلاعتداله وأما الثاني فلقربه من الاعتدال فهما ينتفع بهما المناسب وغير المناسب، غير أن انتفاع الأول به أكثر وأبلغ. وإلى هذا التحقيق أشار الأوحد أبقراط فيما بعد حيث * تكلم (93) «وأما في اوقات السنة ففي الربيع * وأوائل (94) الصيف يكون الصبيان والذين يتلونهم في السن على أفضل حالاتهم وأكمل الصحة، وفي باقي الصيف وطرف من الخريف يكون المشايخ أحسن حالا.وفي باقي الخريف والشتاء يكون المتوسطون بينهما في السن أحسن * حالا (95) (iii. 18)». وذلك لأنه قد عرف أن سن الصبي سن معتدلة لا سيما وسطها وستعرف أن الربيع معتدل فيكون مناسبا لهم، والذي يتلو سن الصبي أول سن الشباب وأول الصيف كذلك فيكون موافقا لهم. واما الخريف * فتعرف (96) أنه معتدل بين الحرارة والبرودة وآخر الصيف شبيه به فيكون مناسبا لسن الشيخوخة * فيكونون (97) أحسن حالا في هذين الوقتين. ومراده بالمتوسطين الشباب والكهول، فالشباب يكون في الشتاء أحسن * حالا (98) لانكسار حدة المرار فيهم والكهول لقوة الهضم فيهم بسبب انعكاس الحرارة فيهم إلى بواطنهم. فظهر مما ذكرنا أنه لا يصح أن يقال إن المناسب من الفصول ينتفع به سوى الربيع لاعتداله وأول الصيف لقربه من ذلك، والخريف أيضا لاعتداله بين الحرارة والبرودة. وأما باقي الفصول PageVW5P131B فلا يصح هذا فيه إلا على وجه آخر. وأما النوع الثاني فهو رديء لأنه يزيد في الخروج عن الاعتدال غير أنه على القواعد الصحيحة أقل خطرا من المضاد. وقد تكلمنا في هذا وبينا أن المرض المناسب للفصل والمزاج والسن أقل خطرا من غير المناسب. وأما النوع الثالث فينتفع به من جهة تعديل المزاج كحال الشتاء بالنسبة إلى الشبان. وأما النوع الرابع فينتفع به * في (99) المعالجة بشرط أن يكون حصول المضادة بعد حصول المرض. وأما متى كانت المضادة حاصلة قبل حصول المرض فهو رديء لدلالته على قوة السبب. وأما قوله «إلا أن يفرط الخروج عن الاعتدال جدا فيخالف المناسب وغير المناسب» * فظهر (100) مما ذكرنا * أن (101) الإفراط مناف للصحة سواء كان فيما يناسب كيفيات الفصل كالصيف إذا أفرطت حرارته ويبوسته أو فيما * يضاده (102) كالصيف إذا حصل فيه برودة * ورطوبة. (103)
البحث السادس:
قال الشيخ * الرئيس (104) * في (105) الكتاب الثالث من القانون حيث تكلم في الاستدلال من الموافقات والمخالفات: الموافقات والمخالفات لا يخلو إما أن يكون * يتغير (106) في حال لا ينكر صاحبها من صحته التي يحسبه شيئا أو في حال خروجه عن الصحة وتغير مزاجه عن الطبيعة، فموافقه في حال صحته التي تحسبه * في (107) الشبيه بمزاجه فمزاجه يعرف من ذلك، ومخالفه * من (108) تلك الحالة ضد مزاجه. وأما في حال خروجه عن صحته وتغير مزاجه عنه فالحكم بالضد إلا أنه يجب أن يعتبر ما يخالفه في الطرف الآخر أيضا كما يخالفه هذا في هذا الطرف حتى يعلم بالحدس المقدار الذي له من المزاج. فإن الإفراطين معا * مخالفان (109) مؤذيان لا محالة. * وحاصل (110) هذا الكلام أن الاستدلال بالموافقات والمخالفات الواردة على البدن سواء كانت من فصول السنة أو من غيرها لا يخلو إما أن يعتبر حالها مع البدن في حال الصحة أو حال الخروج عنها. فيكون هاهنا أقسام أربعة: الموافق في حال * الصحة (111) ، الموافق في حال المرض. فإن كان الأول فالموافق هو الشبيه بمزاجه فمنه يعرف مزاجه، وهذا لا يصح إلا في الفصل المعتدل والغذاء المعتدل في المعتدل المزاج كما ذكرنا في الربيع والصبيان. وأما فيما عدا هذا فلا يصح هذا الحكم، فإن أوفق * الفصول (112) للشبان على ما دل عليه الاستقراء الطبي فصل الشتاء وليس هو شبيها * بمزاجهم (113) . وأما الموافق في حال المرض فقد يكون ضد مزاجه الأصلي بناء على أن المرض يداوي بالضد فمزاجه الأصلي يعرف من ذلك. وأما غير الموافق في حال الصحة فهو ضد مزاجه فمزاجه يعرف من ذلك. وهذا أيضا لا يصح مطلقا، فإن الفصل الحار غير موافق للشبان وليس هو ضد مزاجه، وغير الموافق في حال المرض هو المناسب لمزاجه المرضي * منه (114) يعرف مرضه. وقوله «إلا أنه يجب أن يعتبر ما يخالفه في الطرف الآخر أيضا كما يخالفه هذا في هذا الطرف حتى يعلم بالحدس المقدار PageVW5P132A الذي له من المزاج» معناه أن المخالف للمزاج البدني في حال الصحة أو في حال المرض يجب أن يعلم رتبة مزاجه في أي درجة هو، فإن منه يعلم رتبة المزاج البدني الصحي والمرضي، وهذا العلم حدسي لا حقيقي. ومع ذلك PageVW1P074A فلا يعرف إلا من الغذاء والدواء المعلومين * درجتهما (115) .
3
[aphorism]
قال أبقراط: كل واحد من الأمراض فحاله عند شيء دون شيء أمثل وأردأ وأسنان ما عند أوقات من السنة وبلدان وأصناف من التدبير.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (116) بما قبله: وذلك من وجهين: أحدهما أنه لما ذكر أن المزاج الواحد يختلف حاله بحسب أوقات متباينة، ذكر لذلك صورة أخرى في هذا * الفصل (117) تولده وهي تباين المرض الواحد بحسب أمور مختلفة على ما سنذكره واختلاف حال السن الواحدة بحسب أوقات السنة والبلدان وأصناف من التدبير. * ثانيهما (118) أن الحكم في هذا الفصل أعم من الحكم في الفصل الأول، ولا شك أن بين العام والخاص * صلة (119) لأن الخاص فيه العام وزيادة فبينهما * صلة (120) . وإنما قلنا إن الحكم هاهنا أعم لمن قيل أنه ذكر في الفصل الأول فصلي الصيف والشتاء فقط وفي هذا * الفصل (121) جملة أوقات السنة * والبلدان (122) وأصناف التدبير، ولا شك أن هذا أعم من الأول.
البحث الثاني
في بيان ما المراد بقوله «كل واحد من الأمراض فحاله عند شيء دون شيء أمثل وأردأ»: وإظهار الحق في ذلك قال الفاضل جالينوس: أرى أبقراط قد تعدى قليلا في هذا الفصل في لفظة النظام المستقيم، والأجود أن يقول إن كل واحد من الأمراض والأسنان فحاله عند شيء دون شيء من أوقات السنة والبلدان وأصناف من التدبير أمثل وأردأ. وقد استصوبه في هذا جماعة من شراح هذا الكتاب مثل ابن أبي صادق وعبد اللطيف المعروف بالمطحن وعلاء الدين ابن النفيس. وأما أنا فأرى أن هذا القدر الذي ذكره الفاضل جالينوس لا حاجة إليه البتة. وذلك لأن * قول (123) * الإمام (124) أبقراط «كل واحد من الأمراض فحاله عند شيء دون شيء أمثل وأردأ» * غير (125) قوله «كل واحد من الأمراض فحاله عند وقت من أوقات السنة أمثل وأردأ». فإن الأول يتضمن قياس بعض الأمراض إلى بعض لأن تقدير قوله «فحاله عند شيء دون شيء منها أمثل وأردأ»، والباقي يتضمن قياس بعض الأمراض إلى * بعض (126) الفصول * ولا (127) شك أن هذا مباين للأول. وعند هذا نقول: لو كان الأمر على ما قاله جالينوس لكان ذلك من الإمام أبقراط تكرارا في المعنى. وذلك لأنه تقدم هذا منه في قوله «إن من الطبائع ما يكون حاله في الصيف أجود وفي الشتاء أردأ * وبالعكس (128) (iii.2)». وقد علمت أن مراده هاهنا بالطبيعة المزاج ثم هذا منه أصلي ومنه مرضي. وإذا كان كذلك فيكون حكمه هاهنا على تقدير ما ذهب إليه جالينوس مندرجا في حكمه في الفصل المتقدم. فلو * كان (129) أعاد ذكره هاهنا PageVW5P132B على ما * زعمه (130) جالينوس لكان ذلك تكرارا منه. ومثل هذا لا يليق * بالأوحد (131) أبقراط إذا عرفت هذا. فنقول الحق في هذا البحث ما ذكرناه وهو اختلاف حال المرض الواحد في أشخاص متعددة، فإنه يكون في بعضهم أشد جودة وفي بعضهم أقل جودة وفي بعضهم أشد رداءة وفي بعضهم أقل رداءة. ويكون تقدير قوله «كل واحد من الأمراض الجيدة فحاله عند شخص دون شخص أجود وأقل جودة وكذلك حال كل واحد من الأمراض الرديئة». والعلة في * ذلك (132) من وجوه ثمانية: أحدها من جهة حدوثه، فإنه متى كان حادثا ابتداء كان أقل خطرا ومتى حصل هو * بعينه (133) لشخص آخر بعد عروض مرض آخر كان أكثر خطرا فإن النكسة على ما عرفت أكثر خطرا من المرض الحادث ابتداء؛ * وثانيها (134) من جهة كثرة الاعتياد وقلته فإن المرض * الكثير (135) الاعتياد أقل خطرا من القليل الاعتياد؛ وثالثها من جهة القوة فإن القوة متى كانت قوية كان المرض * قليل (136) الخطر
ومتى كانت ضعيفة كان * كثير (137) الخطر؛ ورابعها من جهة المناسبة فإنه متى كان مناسبا لمزاج الشخص * الأصلي (138) أو لمزاج العضو العارض فيه كان أقل خطرا مما يكون ضد * ذلك (139) ؛ وخامسها من جهة مقدار المادة الموجبة للمرض * فإنه (140) متى كانت قليلة كان المرض قليل الخطر ومتى كانت * كثيرة (141) كان المرض كثير الخطر؛ وسادسها من جهة حسن تدبير المريض في نفسه ومن جهة معالجته فإنه متى كان حاله * كذلك (142) كان المرض العارض له قليل الخطر ومتى كان بخلاف ذلك كان كثير الخطر؛ وسابعها من جهة ما يرد عليه من الأخبار الواردة * فإنه (143) متى كانت سارة كان المرض قليل الخطر ومتى كانت * غامة (144) أو محزنة كان * المرض (145) كثير الخطر؛ وثامنها ما يتعلق بالبحران * فإنه (146) متى كانت المسام متخلخلة والهواء المحيط معتدلا فإن الحار يخرج المادة قبل وقتها والبارد يكثف المسام ويمنع المادة من الخروج في وقتها ولم يرد من الخارج أمر مغضب ولا محزن فالبحران العرقي يكون جيدا والمرض * سليما (147) ومتى كان بالخلاف فالبحران يكون رديئا والمرض غير سليم. * فبهذه (148) الوجوه المذكورة يختلف المرض الواحد في الجودة والرداءة بحسب عروضه للأشخاص.
البحث الثالث:
قال * الفاضل (149) جالينوس: الأمراض التي حالها عند أوقات ما من السنة * أمثل (150) . أما في تولدها فعند الأوقات المشابهة لما قد علم أن المرض المناسب أقل خطرا من غير المناسب. وأما عند زوالها فعند الأوقات المضادة لأنها تصير في مثل هذا الوقت معينة للمداواة على برء المرض. وقد علمت ضعف هذا التأويل بما * ذكرناه (151) .
البحث الرابع
في معنى قوله «وأسنان ما عند أوقات من السنة والبلدان»: قال جالينوس: الحال في الأسنان كالحال في الطبائع فإن صاحب السن * الذي (152) تغلب * عليه (153) البرودة عند الوقت الحار أمثل وحال صاحب السن * الذي (154) تغلب * عليه (155) الحرارة عند الوقت البارد أمثل. وهذا حق فإنه كما أن المرض الواحد يختلف حاله في الجودة الرداءة PageVW5P133A * باختلاف (156) الأشخاص * بحسب (157) ما ذكرنا * كذلك (158) حال الأسنان * يختلف (159) * باختلاف (160) أوقات السنة والبلدان.
البحث الخامس
في بيان معنى قوله «وأصناف PageVW1P074B من التدبير»: معناه أن السن الحارة عند التدبير البارد يكون حالها أصلح مما هي * عليه (161) عند التدبير الحار، والسن الباردة بالعكس اللهم إلا أن * تجوز (162) رتبة درجة الغذاء المعبر عنه بالتدبير بحيث أن تكون * مساوية (163) لدرجة مزاج الشخص، فإنه بهذا التدبير يكون حاله أجود بناء على * أن (164) الصحة تحفظ بالمثل. * وهذا (165) حكم السن الحارة والباردة. وأما المعتدلة فإن صاحب السن المعتدلة * عند (166) التدبير المعتدل أجود * منه (167) عند التدبير الحار أو * البارد (168) . * والله (169) أعلم.
4
[aphorism]
قال أبقراط: متى كان في أي وقت من أوقات السنة في يوم واحد مرة حر ومرة برد فتوقع حدوث أمراض خريفية.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا بما قبله: وذلك من وجهين: أحدهما أنه لما بين أن لأوقات السنة تأثيرا في الأبدان بحسب * استعدادها (170) نقل هذا الحكم إلى ما هو أخص من ذلك وذكره في يوم واحد وهو أنه متى كان هواء اليوم مشابها لهواء * الفصل (171) فإنه يحدث ما يحدثه ذلك الفصل إن وجد البدن مستعدا لذلك * الأمر (172) . وثانيهما أنه لما بين أن لأوقات السنة تأثيرا في الأبدان بحسب استعدادها قال في هذا الفصل إن ذلك ليس لأنها أوقات بل لما تشتمل عليه من الكيفيات ولذلك صار أي يوم من الأيام شابهه * فصل (173) من الفصول في كيفياته ولد أمراضه، ويدل على ذلك الاستقراء. وقد مثل على ذلك باليوم الواحد المشابه للخريف.
البحث الثاني
في أنه لم مثل على ذلك باليوم المشابه للخريف ولم لا مثل على ذلك باليوم المشابه لأي فصل كان وهو أن يقول متى كان في أي وقت من أوقات السنة يوم مشابه لأي فصل * كان (174) في مزاجه أحدث ما يحدثه ذلك الفصل: نقول الجواب عن ذلك من * وجهين (175) : أحدهما أن أقوى الكيفيات في إيجاب الأمراض الحرارة والبرودة، * والخريف (176) لما كان حاله كذلك ذكر * المثال (177) به وإنما قلنا إن هذا النوع من التغير يظهر في الخريف، وذلك لأن هواءه متخلخل بسبب حرارة الصيف * المتقدمة (178) عليه والمتخلخل قابل لما يرد عليه من التأثيرات فعند ما تظهر الشمس على الأفق وينعكس الشعاع منها على الأرض يسخن * الهواء (179) ، وهو * قابل (180) لذلك فتشتد السخونة وعند غيبتها تزول السخونة ويؤثر فيه برد الأرض والماء، وهو في نفسه قابل * لذلك (181) فيشتد برده، ولذلك صار نهاره قوي الحر وغدواته ولياليه باردة جدا. ويدل على صحة ذلك أنا * لو (182) أخذنا ما بين متساويين في قوة البرد وكنا قد أغلينا أحدهما وعرضنا هما للجمود كان جمود المغلاء أسرع من جمود الذي لم * يغل (183) . فإن قيل فلم لا يظهر هذا الاختلاف في هواء الصيف فإنه لطيف PageVW5P133B أيضا متخلخل، فنقول لطافة هواء الخريف أبلغ من لطافة هواء الصيف وذلك لدوام تأثير حرارة الشمس فيه. فإن قيل إن قرب الشمس من رؤوسنا في زمان الخريف كقربها من رؤوسنا في زمان * الربيع (184) على ما ثبت في غير هذا العلم وإذا كان كذلك فيكون السبب الفاعل لحر نهار الخريف وبرد ليلة هو بعينه حاصل في الربيع وعند ذلك يقول القائل * فلم (185) لا يحصل هذا * القدر (186) في الربيع كما * يحصل (187) في الخريف؟ فنقول الجواب عن هذا أن وجود الأثر ليس هو موقوفا على وجود الفاعل فقط بل وعلى وجود القابل فالفاعل للاختلاف المذكور وإن كان حاصلا في الربيع لكن القابل فيه معدوم وهو لطافة جوهر الهواء ورقته، فإن هواءه غليظ بسبب برد الشتاء * المتقدم (188) ورطوبته ولم يحصل بعد من قوة الحر ما يزيل ذلك ويوجبه له شدة استعدادة لما ذكرنا. وثانيهما أن الخريف أردأ الفصول وأقواها * في (189) إيجاب الأمراض، ولما كان حاله كذلك ضرب المثال به في التغير اليومي فإن التغير القصير المدة لا يقوى على إيجاب ما يوجبه إلا إذا كان قويا جدا فإنه قد ثبت أن قوة الأثر * إما (190) لقوة المؤثر * أو (191) لدوام تأثيره فالتغير اليومي ظهور الأثر عنه ليس له علة سوى قوة المؤثر. وإنما قلنا إن الخريف أردأ الفصول وذلك لوجوه سبعة: أحدها لاختلاف الهواء فيه وتردد الناس فيه من حر مفرط إلى برد على ما عرفت، ولا شك أن ذلك مما يضعف القوى البدنية والحرارة الغريزية. وثانيها كثرة الفواكة المستعملة فيه التي هي أقوى * سببا (192) في إيجاب العفن. وثالثها رداءة الأخلاط فيه وفسادها لغلبة الاحتراق عليها. ورابعها * حصوله (193) الصيف المحلل للقوى وللحرارة الغريزية. وخامسها تحير الطبيعة فيه في فعلها فإنها عند ما تروم تحليل المادة عند قوة الحر بمانعها البرد الحاصل في لياليه وغدواته. وسادسها ميل مزاجه إلى اليبس الذي هو مضاد * للحيوة (194) ومناسب للموت. وسابعها قلة الدم فيه الذي هو أشرف الأخلاط وبه اغتذاء الأعضاء والزيادة في النمو وصار حاله كذلك مع الدم، وذلك لوجوه ثلاثة: أحدها أن مزاجه مناف لتوليد الدم؛ وثانيها * أن (195) الخلط المذكور توليده من جودة الهضم * والهضم (196) في هذا الفصل ضعيف لتوارد الحر فيه عقيب البرد؛ وثالثها مواد هذا الفصل بتحلل لطيفها بسبب * حرارة (197) الصيف ونقي كثيفها بسبب برد الهواء الحاصل فيه. إذا عرفت هذا فنقول وباقي الفصول إذا اعتبرنا * حالها (198) لم نجد هذه الأسباب مجتمعة فيه فلذلك كان أردأ الفصول.
البحث الثالث
قوله «في يوم واحد»: وذلك لأن التغير إلى جانب PageVW1P075A الحرارة والبرودة قد يكون في أيام متعددة بمعنى أن تكون أيام حارة ثم يأتي بعدها أيام باردة. ومثل PageVW5P134A هذا النوع من التغير لا يحدث ما ذكره أبقراط * من (199) الأمراض الخريفية بل الأيام الحارة تحدث الأمراض الحارة في المستعدين لها والأيام * الباردة (200) تحدث الأمراض الباردة في المستعدين لها، فلذلك اشترط أن يكون التغير المذكور في يوم واحد. ومراده بالحر والبرد الحادثين أن يكونا أكثر من المعهود في جميع الأيام فإن * كل (201) يوم طرفاه باردان ووسطه حار لكن لما كان ذلك * مكررا (202) أو مستمرا كان مألوفا للأبدان فلا ينفعل عنه بحيث أنه يحدث مرضا.
البحث الرابع:
التغير الحاصل في فصل من فصول السنة إن لم يستمر في جملة الفصل أو في أكثره بحيث أن ينفعل عنه الأبدان، وإلا * لم (203) يوجب هذه الأمراض. وهذا هو معنى قوله «متى كان في أي وقت من أوقات * السنة (204) » أي في جملة الفصل، وإلا فمتى * فهم (205) من ذلك أن التغير المذكور يكون في يوم واحد * فقط (206) فإنه لا يقوى على إيجاب مرض من الأمراض البتة لقصر زمان التأثير إلا أن يكون عظيما جدا.
البحث الخامس
لقائل أن يقول تشبيه أبقراط الخريف بالوقت المختلف في الحر والبرد ليس بصحيح، وذلك لأن الخريف على * المذهب (207) الحق معتدل بين الحرارة والبرودة مائل إلى جهة اليبوسة، وإذا كان كذلك فكيف يصح تشبيهه بما ذكره؟: فإن قيل فمن أين يعلم أنه كذلك؟ فنقول: أما اعتداله بين الحر والبرد فهو أن بعد الشمس عن مسامتة الشمس رؤوسنا فيه كبعدها عن ذلك في زمان الربيع، وقد علم أن المسخن للهواء مسامتة الشمس لرؤوسنا والمبرد له بعدها عن ذلك، وإذا * كان (208) كذلك فيكون حكمه في الحر والبرد كحكمه في زمان الربيع. وأما ميله إلى اليبوسة فلأن الشمس قد * خففت (209) رطوبة الهواء ولم يحدث بعد من العلل المرطبة ما يقابل * تخفيف (210) العلل المخففة، ويجب أن يعلم أولا أن المراد بالرطوبة * هاهنا (211) اختلاط أجزاء * هوائية (212) بأجزاء * مائية (213) وباليبوسة انفشاش هذه عنها أو مخالطة أجزاء دخانية لها. * فإذا (214) عرفت هذا فنقول: لا شك أن الهواء في الصيف * خال (215) من مخالطة الأجزاء المائية، فلو حصل مثل هذا في الخريف. فأما أن يكون واردا عليه من خارج أو من داخل، فإن كان الأول فذلك إما بنزول مطر * وإما (216) بصعود بخار؛ وإن كان من * داخل (217) فذلك بأن ينقلب بعض أجزاء الهواء * ثم (218) ما يخالطه ويفيده الرطوبة لكن الخريف لم يحصل له شيء من ذلك فلا يكون رطبا بل مائلا إلى اليبوسة. أما الأول ففساده ظاهر وهو نزول المطر. وأما الثاني فإن البخار حصوله عن حرارة قوية في باطن الأرض وحر ضعيف في الجو. أما الأول فليقوي على * تبخير (219) ما هو هناك من الأجزاء القابلة للتبخير. وأما الثاني فلئلا يجمد ما يتصاعد من البخار إذا كان الحر ضعيفا جدا أو يحلله ويجعله هواء إذا كان قويا، وحال الأرض والجو في الخريف بضد ذلك. أما باطن الأرض * فهو (220) أبرد مما هو في زمان الشتاء، وذلك لتخلخل * مسامها (221) وتحليل الحرارة * فيها (222) ، فحرارة الهواء الخارجي. وأما الجو فإن الحرارة فيه PageVW5P134B بعد قوية جدا، وذلك لأن اتصال الضوء بالمضيء على هيئة مخروط أو على هيئة أسطوانة، ولكل واحد منها وسط ومحيط. ونحن في الصيف واقعون في الوسط أو قريبا منه فلذلك كان الحر فيه قويا جدا. وفي الربيع والخريف فيما بين الوسط والمحيط * فكان (223) الحر فيهما دون ذلك لتأثير المجاور المحيط. وفي الشتاء قريبون من المحيط فلذلك كان الحر * فيه (224) ضعيفا جدا، فالحاصل مما ذكرنا أن حرارة الجو في الخريف بعد قوية جدا، ومتى كانت كذلك حللت ما يتصاعد من باطن الأرض من البخار وجعلته هواء. وأما الثالث وهو القول بالانقلاب فهو باطل في حق الخريف. وذلك لأن البرد وإن كان هو المحيل للأجزاء الهوائية إلى الأجزاء المائية غير أن الفاعل لذلك هو البرد القوي لا الضعيف، وبرد الخريف ضعيف لا يقوى على ذلك لأنا فيه بعد * بين (225) الوسط والمحيط من المخروط المذكور أو * الأسطوانة (226) . فإن قيل هاهنا بحثان: أحدهما أن يقال لم لا انتقل الخريف إلى الرطوبة كما انتقل * إلى (227) البرودة؟؛ وثانيهما أن يقال إن الهواء الشتائي الرطب اعتدل بحرارة الربيع فلم لا اعتدل يبس الهواء الصيفي ببرودة الخريف الضعيفة؟ فنقول الجواب عن الأول * أن (228) الانتقال إلى البرودة أسهل منه إلى الرطبوة، وكيف لا والبرودة كيفية * فاعلية (229) والرطوبة كيفية انفعالية؛ والجواب عن الثاني أن الاستحالة إلى الجفاف أسهل منه إلى الرطوبة، وذلك لأن تأثير الحرارة في إفناء الرطوبات وتحليلها أسهل من تأثير البرودة في تحصيلها، وكيف لا وإعدام الشيء أسهل من إيجاده، وذلك لأن الأول يكفي * فيه (230) أمر واحد والثاني موقوف على اجتماع أمور، فلما كان حال * حرارة (231) * هواء (232) الربيع الحال الأول وحال برد الخريف الحال الثانية * لكان (233) نقل هواء الشتاء إلى الاعتدال في الرطوبة أسهل من نقل برد الخريف لهواء الصيف إلى الاعتدال من اليبوسة، فظهر مما ذكرنا أن الجو الضعيف إحداثه للتخفيف أسهل من إحداث البرد الضعيف للرطوبة، فثبت حينئذ بما ذكرنا اعتدال الخريف في الحرارة والبرد ومثله إلى * اليبوسة (234) . وإذا كان كذلك فيقول المعترض فكيف يصح تمثيله بالوقت المختلف فيه الحر والبرد؟ فنقول: لا شك أن طبيعة الخريف كذلك غير أن هواءه لما كان لطيفا جدا بسبب تأثير حر الصيف المتقدم فيه صار قابلا لما يرد عليه، فعندما تشرق الشمس على الأفق يسخن الهواء، ثم تشتد جدا عند توسطها، ثم تأخذ في الاعتدال عند ميلها، ثم في البرد عند غيبوبتها، ثم يشتد في الليل لعدم تأثيرها وتأثير برد الماء والأرض فيه. وكل هذا لشدة قبوله لتأثير الأمر الخارجي. * والله (235) أعلم.
5
[aphorism]
a. قال أبقراط: الجنوب يحدث ثقلا في * السمع (236) وغشاوة في البصر وثقلا في * الرأس (237) وكسلا واسترخاء فعند * قوة (238) هذه * الريح (239) وغلبتها تعرض للمرضى هذه الأعراض.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثمانية.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (240) بما قبله: وهو أنه لما ذكر تأثير أوقات السنة في الأبدان وذكر أن ذلك * لما (241) يلزمها من PageVW5P135A تغير كيفيات الهواء، ذكر بعد ذلك تأثير الرياح في الأبدان. PageVL7P075B فإنها مناسبة للهواء من وجهين: أحدهما أنه مادة الريح فإنه قد جاء في كلام أرسطو أن الريح * هو (242) متحرك هواء، قيل والذي يمكن أن يقال في هذا الهواء مادة الريح ومادة الشيء لا يجوز وضعها مكان الجنس؛ وثانيهما أن تأثير الرياح في الأبدان * مما (243) يلزمها من الكيفيات فكان ذلك منها مناسبا لتأثير الهواء فيها.
البحث الثاني:
الرياح لها حظ متوفر في * تغير (244) الهواء ثم في الأبدان. وذلك لأنها بقوة حركتها توصل ما تمر به إلى المواضع التي لا يمكن أن يصل هواء إليها بطبعه، ولذلك صارت تغير طبيعة النبات والحيوان * أيضا (245) حتى من الذكورة إلى * الأنوثة (246) وبالعكس، فإنه قد اعتبر هذا غير مرة حتى أن الرعاة عند سفاد الغنم ينظرون إلى الريح الهابة. فإن كانت جنوبية حكموا بكثرة الأناث في * الحمل (247) ، وإن كانت شمالية حكموا بكثرة * الذكور (248) في الحمل. ولها تأثير قوي في الأبدان الإنسانية في تغير ألوانها واسترخاء حركاتها وغير ذلك من الأعراض التي سنذكرها.
البحث الثالث:
عدد الرياح بحسب المشهور * أربع (249) ، وذلك بحسب عدد جهات العالم، وهي المشرق والمغرب والشمال والجنوب. فالصبا هي الهابة من جهة المشرق، والمغربية هي الهابة من خلف المستقبل له ولذلك سميت الدبور، والشمالية هي الهابة عن شمال المستقبل للمشرق، والجنوب هي الهابة عن يمينة. وأما عند البسط والتفصيل فمهاب الرياح اثنا عشر مهبا لأن الأفق العالمي يتحدد * باثني (250) عشر حدا، * فثلاثة (251) مشرقية وثلاثة مغربية وثلاثة جنوبية وثلاثة شمالية. فالمشارق الثلاثة مشرق الاعتدال وهو المشهور عند الجمهور بالمشرق والريح الهابة منه تسمى الصبا، ومشرق الصيف * وهو (252) تقاطع مدار رأس السرطان للأفق، ومشرق الشتاء وهو تقاطع مدار رأس الجدي للأفق. ويقابل هذه المشارق مغارب ثلاثة تحدث من تقاطع هذه الدوائر للأفق * إلى (253) جهة المغرب، والنقطة الشمالية والجنوبية تحدث من تقاطع الأفق مع دائرة نصف النهار نقطة، ومن تقاطع الأفق للدائرتين الموازنتين لدائرتي نصف النهار المماستين للدائرتين الدائمتي الظهور والخفاء من * غير (254) قطع نقطتين. فيكون في جهة الشمال ثلاثة نقط وهي المهاب الشمالية، وفي جهة الجنوب ثلاثة نقط وهي المهاب الجنوبية. ولهذه الرياح أسماء * عربية (255) قد ذكرناها في شرحنا الكليات القانون ليس لنا حاجة بذكرها هاهنا.
البحث الرابع:
الجنوب والشمال على نوعين: مطلق ومضاف. فالجنوب المطلق هو ما مال عن خط الاستواء إلى جهة القطب الذي يقرب منه سهيل، وليست العمارة في هذه الجهة كما في الجهة الشمالية، فإن العمارة تنتهي في هذه الجهة إلى ستة عشر درجة من خط الاستواء، ومع ذلك فهذه العمارة ليست هي عمارة يعتد بها بل هي جزائر وفيها أناس * شبيه (256) بالحيوانات الغير ناطقة في خلقهم * وأخلاقهم (257) ، والمضاف * هي (258) كل بقعة تلي * القطب (259) الجنوبي. والشمال المطلق * هو (260) ما مال * عن (261) خط الاستواء إلى جهة القطب الذي يقرب منه PageVW5P135B الدب الأكبر والأصغر، وفي هذه الجهة الأقاليم السبعة، والمضاف كل بقعة تلي القطب الشمالي. ولنبسط القول في هذا الموضع فنقول: الأرض كرية الشكل، وكذلك الفلك وهو متحرك من المشرق إلى المغرب على قطبين ثابتين من جهة الشمال والجنوب وهما طرفا المحور وهو خط في وسط الكرة يمر بمركز الأرض؛ وإن السماء مقسومة بدائرة عظيمة بنصفين من المشرق إلى المغرب بعدها عن القطبين على * السواء (262) تسمى معدل النهار لأن الشمس إذا وصلت إليها اعتدل الليل والنهار في جميع المعمورة، والموضع الموازي لهذه الدائرة من الأرض يسمى خط الاستواء؛ ثم * إن (263) هذه الدائرة تقسمها دائرة أخرى بنفصفين من الشمال إلى الجنوب تسمى دائرة نصف الهنار تمر بالقطبين، فتنقسم الأرض أربعة ارباع، اثنان جنوبيان واثنان شماليان، وأحد الشماليين * والجنوبيين (264) لا عمارة فيه البتة بل هما * معموران (265) بالماء. والربع الآخر الشمالي تنتهي العمارة فيه إلى ست * وستين (266) درجة من خط الاستواء إلى القطب الشمالي وفيه الأقاليم السبعة، وبعد ذلك لا عمارة فيه البتة، وذلك لاستيلاء البرد. والربع الآخر الجنوبي تنتهي العمارة فيه إلى * ست (267) عشر درجة من خط الاستواء على ما عرفت؛ ثم إن الشمس تحدث بحركتها الخاصة دائرة أخرى تسمى دائرة البروج تقاطع معدل النهار بنصفين على وراب، وقطبا هذه الدائرة موضعا التقاطع وأحد هذين التقاطعين عند رأس الحمل والآخر عند أول الميزان، وتمر هذه الدائرة في الشمال برأس السرطان وفي الجنوب برأس الجدي، وعلى هذا التقدير تكون الشمس مسامتة * لخط (268) الاستواء في السنة مرتين: أحدهما عند كونها في رأس الحمل، وثانيهما في أول الميزان غير أنه لا يدوم مسامتها، ولا تبعد عن ذلك بعدا كثيرا، * ويكون (269) كل فصل في هذه البقعة خمسة وأربعين يوما، فتكون الفصول * هناك (270) متضاعفة، ويلزم من هذا أن يكون * هواء (271) هذه البقعة متشابها دائما.
البحث الخامس:
لقائل أن يقول لم قال أبقراط الجنوب يحدث ثقلا، ولم لا قال الرياح الجنوبية تحدث كذا وكذا؟ نقول: وذلك ليندرج في ذلك البلاد الجنوبية غير أن الفرق بين ما تحدثه الرياح وبين ما تحدثه البلاد أن الأول يكون حصول ما يحصل منه * بعد (272) أن لم تكن، والثاني دائم الحصول. واعلم أن الرياح الجنوبية تسمى الرياح * البيض (273) ، وذلك لوجهين: أحدهما لإحداثها الصحو، وذلك لأنها بحرارتها تذيب السحب * وتحللها (274) فيبيض الجو؛ وثانيهما أنها متى هبت كثر البيض في الدجاج، وهذه الرياح الغالب عليها في الأكثر الحرارة والرطوبة. أما الحرارة فثلاثة أوجه: أحدها أنها * تهب (275) من جهة خط الاستواء الذي تسامته * الشمس (276) في PageVW1P076A السنة مرتين فيكون الهواء الآتي من هذه الجهة حارا؛ وثانيها قرب الشمس من هذه الجهة، وذلك لأنها عند كونها في الحضيض تكون في غاية القرب من الأرض * وحضيضها (277) الآن في الأبراج الجنوبية، وحين ما تكون قريبة من الأرض تكون أعظم في الروية فيكون نورها عند كونها * لذلك (278) أعظم وأكثر، * وذلك (279) موجب PageVW5P136A لقوة الحر. والحرارة متى كانت قوية بقي منها بقية في المادة المتصعدة * بها (280) فلذلك كانت الرياح الجنوبية حارة؛ وثالثها ستعرف أن هذه الرياح تستصحب أبخرة كثيرة، وقد علمت أن الأبخرة مسخنة مرطبة. وأما الرطوبة فلأن هذه الجهة كثيرة البخار وهي مما ترطب الهواء لوجهين: أحدهما من جهة مرورة بها، وثانيهما من جهة البخار المنفصل منها المخالط له. وقولنا في الرياح الجنوبية إنها كذلك في الأكثر، وذلك لأنه قد يكون بلد جنوبي يليه جبال ثالجة ومياة * جامدة (281) فتكون * الرياح (282) الجنوبية الهابة بهذا البلد باردة يابسة، وقد تكثر الرياح الجنوبية في الصيف * مع (283) كون الشمس شمالية، وذلك لأن الرياح الشمالية تنقل إلى جهة الجنوب * رطوبات (284) لأنها تمر أولا بالبحر فترطب تلك الأرض وتعدها اللتدخين والتبخير، وحينئذ تحصل عنها الرياح. وقد تقل الجنوبية في الشتاء مع كون الشمس جنوبية، وذلك لقوة الشمس هناك فتلطف المادة وتحللها قبل الوصول إلينا لبعد المسافة.
البحث السادس
في اقتضاء الجنوب: لما ذكره الجنوب سواء كان هواء أو بلدا فهو مسخن مرطب، * فبتسخينه (285) يخلخل الدماغ ويوسع مسامه، * وبترطيبه (286) يرخيه ويهيئ الحرارة للنفوذ ويترتب على ذلك * تكدر (287) جوهر الروح وتغليظ قوامه. وقد ثبت في * التشريح (288) أن أعصاب الحركة الإرادية والحواس نابتة منه فتتكدر الأرواح النافذة في هذه الآلات. وأيضا فإن * هذه (289) بحرارتها ورطوبتها تبخر في البدن أبخرة كثيرة. والدماغ موضوع في أعلى * البنية (290) ، والأبخرة بطبعها طالبة * للأعالي (291) . والدماغ مع كونه كذلك جرمه متخلخل ومزاجه رطب فهو قابل لما يرد عليه، ومتى ارتفعت الأبخرة إليه كدرت أرواحه وغلظت * قوامها (292) . إذا عرفت هذا فنقول مما ذكرنا * يعلم (293) كيفية حدوث ما ذكره الإمام أبقراط من الجنوب. أما ثقل * الرأس (294) فلاستيلاء الرطوبة عليه وكثرة ما يرتفع إليه من الأبخرة. وأما ثقل السمع فلغلظ جوهر * الروح (295) الحامل للقوة السامعة ولاسترخاء الأعصاب الحاملة لها. وأما غشاوة البصر فلذلك أيضا. وأما الكسل وهو العجز عن الحركات فلاتسرخاء الأعصاب المحركة للأعضاء. وأما الاسترخاء وهو ثقل الأعضاء وعجز * الطبيعة (296) عن إقلالها فسببه ابتلال الأعضاء والعضلات وضعف القوة المحركة عن تحريك * الأعضاء (297) . فإن قيل ما الفائدة في قوله «ثقلا في السمع وغشاوة في البصر» ثم ذكر * الرأس (298) ولم لا اقتصر على ذكر السمع والبصر وترك ذكر الرأس أو بالعكس؟ فنقول الآفات الحاصلة للسمع والبصر على نوعين: خاصة بهما وحاصلة لهما بواسطة حصولها للرأس. * والفرق (299) بين ذلك بعموم الآفة وخصوصتها وهو أنه متى كانت الآفة من القبيل الأول كانت خاصة ومتى كانت من القبيل الثاني كانت عامة، وآفة الحاستين المذكورتين في هذه الصورة حصولها بواسطة حصولها في الرأس، فلذلك ذكرهما ثم ذكر الدماغ ليعلم PageVW5P136B أن الآفة فيهما لا فيه لأن هذه الرياح بذاتها وهو مبدأ الحواس في المبدأ متى تضرر تضرر ما ينشأ ويتفرع منه.
البحث السابع
في قوله «فعند قوة هذه الريح * وغلبتها (300) تعرض للمرضى هذه الأعراض»: لقائل أن يقول هذا الكلام فيه نظر من وجوه أربعة: أحدها لم خصص الريح بالذكر دون البلد الجنوبي؟؛ وثانيها هذه الأمور المذكور الحادثة عن الجنوب تعرض للأصحاء وللمرضى، وإذا كان كذلك فلم خصص ذكر ذلك بالمرضي دون الأصحاء؟؛ وثالثها لم سمي ما يحدث عن الجنوب أعراضا ولم لا * سماها (301) أمراضا أو دلائل؟؛ ورابعها المستفاد من الجنوب كيفيتان مجردتان، والكيفيات المجردة لا تقدر على إيجاب ما ذكره من الأعراض. فنقول الجواب عن الأول قد أشرنا إليه وهو أن نقول إنما خصص الريح بالذكر دون البلد، وذلك لأن الحادث عن البلاد الجنوبية مستمر لا اختلاف فيه * فيكون (302) ما يحدث عنها دائما، * وإذا (303) كان الحاصل من هذه بعد أن لم تكن فإنما يكون عن الريح فقط، فلذلك قال «فعند غلبة هذه الريح يتوقع * للمرضى (304) هذه الأعراض». والجواب عن الثاني: الأمور المذكورة الحاصلة عن الجنوب تحدث للأصحاء وللمرضى غير أن حصولها للمرضى أكثر وأظهر، وذلك لاستعدادهم لحصولها فلذلك خصص ذكر ذلك * بالمرضى (305) . والجواب * عن (306) الثالث: لما كان أكثر عروض ذلك للمرضى والعارض للأمراض تسميته بالأعراض أولى من يسميته بالأمراض والدلائل. أما الأول فلأنها عارضة للأمراض والعارض للأمراض أعراض بالإضافة إليها. وأما * الثاني (307) فلأن الدلائل تعم ما يعرض للأصحاء والمرضى. وقد علمت أن أكثر ما يعرض من الجنوب من الأمور المذكورة للمرضى لاستعدادهم لا للأصحاء وما يعرض للمرضى يسمى * أعراضا (308) . وقد علمت أن قوانين الطب أكثرية * فسمى (309) ما يحدث عنها باسم الأكثري الحدوث وهي الأعراض. والجواب عن الرابع: الكيفيات المجردة وإن كانت عاجزة عن إحداث ما ذكره غير أنها * تولد (310) في المستعدين مادة موجبة لذلك.
البحث الثامن:
هذه الاعراض التي ذكرها * الإمام (311) أبقراط قد تحصل عن الرياح المذكورة وقد تحصل عن طبيعة المرض. فإن كان حصولها عن الأول فتكون عامة، وإن كان عن الثاني فلا يكون كذلك. فبهذا يفرق بين ما إذا كانت الأعراض المذكورة حاصلة عن الجنوب وبين ما إذا كانت حاصلة عن طبيعة المرض. * والله (312) أعلم.
5b.
[aphorism]
قال أبقراط: وأما الشمال فيحدث سعالا وأوجاع الحلوق والبطون اليابسة وعسر البول والاقشعرار ووجعا في الأضلاع والصدر فعند غلبة هذه الريح وقوتها ينبغي أن يتوقع في الأمراض حدوث هذه الأعراض.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثمانية.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (313) بما قبله: وهو أنه لما بين ما تحدثه الجنوبية من الأعراض في المستعدين لها PageVW1P076B ذكر ما تحدثه الشمالية من ذلك، فإن هذه تقابل تلك في المزاج والتأثير. PageVW5P137A فإن قيل: * فهلا (314) ذكر ما تحدثه الرياح المشرقية والمغربية كما ذكر ما يحدثه الريحان * المذكورتان (315) ؟ فنقول: وذلك لأن المشرقية والمغربية * معتدلتان (316) على ما سنوضحه والمعتدل لا يؤثر في البدن أمورا غريبة تسمى أعراضا. وقد عرفت * أن (317) غرض أبقراط في هذا الموضع ذكر ما تؤثره الرياح من * الأعراض (318) في الأبدان المستعدة لتأثيرها.
البحث الثاني
في ذكر ما يدل على اعتدال المشرقية * والمغربية (319) : هذا أمر قد أؤعدنا ببيانه فنقول: والذي يدل على ذلك أن الجهة * المشرقية (320) ليست * الشمس (321) بعيدة عنها كحالها مع الشمالية ولا هي قريبة إليها كحالها مع الجنوبية فتكون معتدلة في الحر والبرد بالإضافة إلى ما ذكرنا، وكذلك الحال في * المغربية (322) . وأما الرطوبة واليبوسة فليس في جهة المشرق من البخار والمياه كما في جهة الجنوب ولا من الجبال المثلوجة والجمد كما في جهة الشمال فتكون معتدلة في الرطوبة واليبوسة، غير أن المشرقية أميل إلى اليبوسة * والمغربية (323) إلى الرطوبة. وذلك لوجهين: أحدهما أن شمال المشرق أقل بخارا من شمال المغرب فتكون * المغربية (324) أرطب؛ وثانيهما أن الشمس إذا أشرقت على البلد تكون مصاحبة لرياح تلك البلدة فيكون فعلها فيها فعلا قويا بخلاف * المغربية (325) ، فإن فعلها فيها وهي مدبرة فتكون منصرفة عنها لا إليها فيكون فعلها * فيها (326) فعلا ضعيفا فتكون أرطب.
البحث الثالث:
قد عرفت أن الرياح الشمالية هي الهابة عن شمال المستقبل للمشرق وهي في الأكثر باردة يابسة. أما بردها فلأن جهة الشمال كثيرة الثلوج والجبال فعند مرور الرياح بها تفيدها بردا. وأما اليبوسة فلقلة ما يخالط الرياح المذكورة من الأبخرة الرطبة لجمود المياه الكائنة في هذه الجهة لقوة البرد. وإنما قلنا في الأكثر لأنه يحتمل أن يكون شمال بلد * ما (327) مياه كثيرة فتفيد الرياح المذكورة حرارة ورطوبة بما يتصاعد * منها (328) من * الأبخرة (329) . واعلم أيضا أن حكمنا على الرياح الشمالية بذلك بالقياس إلى بلادنا، وإلا فمتى امتدت إلى جهة الجنوب لم يبعد أن تسخن بمرورها على بلاد حارة.
البحث الرابع
لقائل أن يقول هاهنا اعتراضان: أحدهما لم قدم ذكر * الجنوب (330) على * الشمال (331) وقد * كان (332) يجب عليه أن يكون الأمر بالعكس، وذلك لوجهين: أحدهما لأنا شماليون، وثانيهما * لأن (333) منافعها أكثر من منافع * الجنوب (334) فتكون أشرف منها وتقديم الأشرف على الأخس واجب؛ وثانيهما لم لا ذكر أبقراط في إحكام الرياح الشمالية ما * يقابل (335) إحكام الرياح الجنوبية وهي قوة القوة وجودة الأفعال الطبيعية وصفا الحواس: قلنا الجواب عن الأول * أن (336) الإمام أبقراط في مقام ما تؤثره الريحان * المذكورتان (337) في الأبدان * المستعدة (338) * لتأثيرهما (339) من الأعراض وآثار الجنوبية بالحرارة والشمالية بالبرودة والحرارة أقوى الفاعلين فتقديمها أولى. والجواب عن الثاني * أن (340) غرض أبقراط أن يذكر ما توجبه هذه الرياح من الأعراض المرضية في الأبدان المستعدة لها، ولذلك قال * «يتوقع (341) PageVW5P137B في الأمراض حدوث هذه الأعراض» * وللأمور (342) المذكورة أحوال صحية.
البحث الخامس
في بيان * كيفية (343) إيجاب الرياح المذكورة: لما ذكره الإمام أبقراط، وهي أمور سبعة: أحدها السعال وثانيها وجع الحلق وثالثها يبس البطن ورابعها عسر البول وخامسها القشعريرة وسادسها وجع الأضلاع وسابعها وجع الصدر. أما السعال فلوجهين: أحدهما أن الحنجرة وقصبة الرئة أعضاء غضروفية * وهي (344) باردة يابسة على ما أوضحنا في شرحنا الكليات القانون، والرياح المذكورة كذلك فتزيدها بردا ويبسا وتؤديها لا سيما ووصولها إلى الأعضاء المذكورة بسرعة من غير أن تمر بعضو آخر تفعل * فيه (345) * وتنكسر (346) حميتها، وهذا لا * يناقض (347) حكمنا إن حفظ الصحة بالشبيه، فإن هذا القدر مخصوص بالأغدية لا بالأدوية * وحكم (348) الهواء حكم الدواء لأنه يؤثر في البدن مع بقاء صورة النوعية؛ وثانيهما كثرة النزلات الحادثة * عند (349) هبوب الرياح المذكورة، وذلك * لتكثيفها (350) للمسام وحبسها للمواد ببردها ويبسها. وأما وجع الحلق فتارة يفهم من الحلق قصبة الرئة والحنجرة وتارة يفهم منه المريء والنغانغ، والكل حق. فإن هذه الرياح لبردها ويبسها تحبس المواد في * الباطن (351) وعند احتباسها في الدماغ تقطر إلى الأعضاء المذكورة وتحدث ما ذكرنا. وأما يبس البطن فلوجوه ثلاثة: أحدها * بتكثيفها (352) عضل المقعدة فتحتبس الفضلات البرازية، وعند ذلك تنشف الحرارة الباطنة رطوباته فتجف؛ وثانيها قوة الحرارة الغريزية في الباطن، فإن الرياح المذكورة لبردها ويبسها تهرب الحرارة الغريزية منها إلى الباطن على ما عرفت، وعند قوتها في الباطن تنشف بلة البراز ورطوبته * فيجف (353) ؛ وثالثها لجودة الهضم، فإنك قد عرفت أن الحرارة قوية في الباطن في هذا الوقت، ومتى قويت هذه الكيفية جاد الهضم والاستمراء وعند ذلك تقل الفضلات البدنية جميعها فيقل البراز، وهذه الفضلة عند كونها قليلة ثم تهتم الطبيعة البدنية العامة والخاصة بدفعها فتبقى محتبسة في المعاء فتنشف * رطوباتها (354) وبلتها وتجف. قوله «والبطون اليابسة» تحتمل أن * يكون (355) الضمير في ذلك * عائدا (356) إلى البطون أي * أن (357) الرياح المذكورة توجب يبس البطن وتحتمل أن يكون الضمير عائدا إلى الحلوق أي أن الرياح المذكورة توجب يبس * الحلوق (358) ببردها ويبسها. * وأما (359) جالينوس فإنه فهم من ذلك أنه عائد إلى البطون والحلوق، قال: فإن الحلق عند هبوب هذه الرياح يحدث فيه يبس أي جفاف، وكذلك البطن، وأعني به البراز، فإنه يجف ويصلب عند PageVW1P077A هبوب * هذه (360) الرياح. والحق عندي أن الضمير في اليبس عائد إلى البطن لأنه أقرب * مذكور (361) . وأيضا فإن هذه الريح تحدث أمراض العصر والحقن فتقطر عند ذلك المواد * إلى (362) الحنجرة وقصبة الرية وتحدث أوجاع الحلق، ومثل هذه الأوجاع لا يكون معها سعال يابس أي بلا نفث البتة. وأما عسر البول فذلك لبرد المثانة PageVW5P138A لعصبية جوهرها فتكون مستعدة لتأثير برد الرياح الشمالية، وذلك موجب لحالتين: * إحداهما (363) ضعف دافعتها فإن فعل هذه يتم بالحرارة؛ * وثانيتها (364) * قوة (365) ماسكتها لأنه قد علم أن هذه محتاجة في فعلها إلى حرارة مقصرة، * وكل (366) واحد مما ذكرنا موجب لعسر خروج البول. وأما الاقشعرار فنقول: البدن الهابة عليه هذه الرياح لا يخلو إما أن يكون بارد المزاج وإما أن يكون حار * المزاج (367) . فإن كان الأول فإيجاب * الريح (368) المذكورة للاقشعرار فيه ظاهر، * وذلك (369) لهروب * الحرارة (370) الغريزية إلى جهة المبدأ طلبا للقوة، وذلك لضعفها في الأصل ولوجود الطاري. وإن كان الثاني فإيجاب الريح المذكورة * للقشعريرة (371) أيضا ظاهر، وذلك لحبسها * الأبخرة (372) * الحارة (373) اللذاعة فتلذع الأعصاب والأغشية. وبالجملة الأعضاء الحساسة * فتهرب (374) الحرارة الغريزية لذلك إلى جهة المبدأ ويستولي البرد على الظاهر * فيحصل (375) * القشعريرة (376) . وأما وجع الأضلاع أي ما يلي الأضلاع، وذلك لغلبة العظام والأغشية والأعصاب هناك، وكل هذه باردة على ما أوضحنا في شرحنا الكليات القانون. وقد علمت أن الاستحالة في الجنس القريب أسهل * منها (377) في البعيد، فيكون * تألم (378) ما ذكرناه من الأعضاء من البرد أكثر من تألم الأعضاء الحارة منه، والريح المذكورة باردة. وأما وجع الصدر فلما ذكرنا في أمر الأضلاع ولأنه برد عليه بالاستنشاق فيؤذي ما في تجويفه من الأعضاء ببرده ويبسه.
البحث السادس :
إنما قال الشمال، وذلك ليعم الرياح الشمالية والبلاد الشمالية غير أنه يجب أن تعلم أن آثار البلاد الشمالية لا تختلف البتة بل * هي (379) على وتيرة واحدة بخلاف الرياح، فإن آثارها تستد باستدادها وتحدث بعد إن لم تكن، فلذلك خصص الرياح بالذكر دون البلد، وسمي ما يحدث عنها أعراضا لأنها أمور عارضة أي طارية بخلاف الحادث عن * البلدان (380) ، فإنه أمر صحي لأنه مألوف مستمر الوجود. وخصص المرضى بأكثر * أيضا (381) لاستعدادهم لتأثيرها. ومراده بالمرضى بالأمراض الباردة، والأصحاء وإن كان يعرض لهم شيء من ذلك لكن عروضه للمرضى * أولى (382) وأكثر لما ذكرنا. وسمي ما يحدث عن ذلك أعراضا لما ذكرنا في الرياح الجنوبية. فإن قيل لم قال في الرياح الجنوبية فعند قوة هذه الريح وغلبتها يعرض للمرضى هذه الأعراض، وفي الرياح الشمالية فعند غلبة هذه الريح * وقوتها (383) ينبغي أن يتوقع في الأمراض حدوث هذه الاعراض فجعل ما يحدث عن الرياح الشمالية متوقع الحدوث، ولم يجعل ما يحدث عن الجنوبية كذلك بل بحدوثه، فنقول: وإنما كان * كذلك (384) لأن تأثير الجنوبية بالحرارة والشمالية بالبرودة والحرارة أقوى للفاعلين فكان تأثيرها أسرع وأقوى وأمكن في الوجود من تأثير البرودة.
البحث السابع:
الرياح الشمالية عند هبوبها تقل الأمطار والغيوم، وذلك لأنها تعكس الأبخرة الرطبة الآتية من جهة الجنوب وتمزق السحاب المنعقد منها في جهة الجنوب. وهذ هو أحد الأسباب الموجبة ليبس هواء هذه الجهة، لأنه قد علم أن المراد بقولنا هواء رطب في هذا الموضع هو ما تخالطه أبخرة كثيرة، وباليابس ما يحلل ذلك * عنه (385) أو * ما (386) خالطه أجزاء دخانية.
البحث الثامن:
إذا تساوى بلدان في البعد عن خط الاستواء وكان أحدهما شماليا والآخر جنوبيا، ذهب ابن سينا إلى أنهما يكونان متساويين في الحر لتساوي البعد عن خط الاستواء وتساوي ميل الشمس، وذهب * الإمام (387) فخر الدين ابن الخطيب إلى أن الجنوبية أحر، * قال (388) : وذلك لأن حضيض الشمس في هذا الزمان في الأبراج الجنوبية وقرب الشمس موجب لقوة التسخين، وهذا هو الحق. ويمكن أن يعلل بوجه آخر وهو أن الشمس إذا كانت قريبة من الأرض كان جرمها أعظم في الرؤية، وذلك موجب لكثرة النور وكثرة النور موجبة لقوة الحر. * والله (389) أعلم.
6
[aphorism]
قال أبقراط: إذا * كان (390) الصيف شبيها بالربيع فتوقع في الحميات عرقا كثيرا.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربع.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (391) بما قبله: وذلك من وجهين: أحدهما أنه لما بين أنه * متى (392) كان يوم شبيه في كيفياته بكيفيات فصل من فصول السنة فإنه من شأنه أن يولد من * الأمراض (393) ما يتولد في ذلك * الفصل (394) ، قال هاهنا: * كذلك (395) إذا كان فصل شبيه * بفصل (396) فإنه يولد في الأمراض ما * يتولد (397) في ذلك الفصل، وذلك كما ذكر من كثرة العرق في الصيف الكثير الرطوبة. وثانيهما أنه لما بين أن تأثير الرياح في الأبدان بكيفياتها، ذكر في هذا الفصل أن تأثير * الفصول (398) في الأبدان بما لها من الكيفيات، * فقال (399) : ولذلك إذا كان * الصيف (400) كثير الرطوبة تغيرت أحوال الأمراض العارضة فيه كالحميات، فإنها تصير أزيد عرقا عما تقتضيه * حمى (401) الصيف الخالي * من (402) ذلك.
البحث الثاني:
مراد أبقراط هاهنا بالمشابهة المشابهة في الرطوبة فقط، وإلا فهو * حار (403) . ولا شك أنه متى حصل للصيف ذلك، اجتمع فيه سببا العرق وهما الفاعل الذي * هو (404) الحرارة والقابل الذي هو الرطوبة. فإن الحرارة * تخلخل (405) المسام وتذيب المادة وترقق قوامها والرطوبة تهيء المواد البدنية لذلك.
البحث الثالث:
العرق يحدث من رشح الرطوبة المائية المخالطة للدم، وله أسباب أربعة: أحدها حركة عنيفة تسيل الرطوبات وتفتح المسام وتحرك الرطوبات إلى ظاهر البدن؛ وثانيها حرارة خارجة تجذب الرطوبات إلى ظاهر البدن * وتخلخل (406) مسامه؛ وثالثها استيلاء الطبيعة على الفضول الرقيقة ودفعها لها إلى خارج كما يكون في البخارين؛ ورابعها تكاثف البخار المتحلل بالتحلل الخفي كما في حال النوم فإن الحرارة الظاهر تضعف * وتكثف (407) PageVW5P139A البخار وتعقده عرقا وتكثف المسام * الداخلة (408) لقوتها وتوفرها * بتوفر (409) تحليلها لما في باطن البدن إلى ظاهره، وكما في شرب الماء البارد عقيب الرياضة فإنه * يكثف (410) البخار الحادث بالرياضة ويعقده عرقا. وقيل في هذا أوجهان آخران: أحدهما أن الدافعة تقوى بالبرد فتدفع البخار إلى ظاهر البدن * فيتراكم (411) وينعقد ماء. وثانيهما بالمزاحمة وهو أن الماء المشروب يزاحم البخار ويدفعه إلى ظاهر البدن فيتزاكم وينعقد * ماء (412) . وهذان الوجهان ضعيفان. PageVW1P077B أما الأول * فلأنا (413) قد بينا في كتبنا المبسوطة أن البرودة لا تعين شيئا من القوى * الطبيعية (414) في فعلها الذاتي. وأما الثاني فلأنه لو كان الأمر على * ما (415) قيل لكان الغذاء أولى بذلك لأنه أغلظ جرما وأشد مزاحمة من الماء والوجود بخلافه.
البحث الرابع:
كل أثر لا يكفي في وجوه الفاعل فقط بل لا بد * أنه (416) مع ذلك من القابل. فالصيف وإن حصل فيه الفاعل للعرق الذي هو الحرارة غير أن القابل الذي هو الرطوبة معدوم فيه هذا بالنظر إلى ذاته لا إلى ما في الأبدان من المواد فإذا انضاف إلى الحرارة الرطوبة، وجد العرق. فلأجل هذا قال «إذا كان شبيها بالربيع» أي في الرطوبة. وقوله «كثير» أي بالإضافة والمضاف إليه هاهنا الصيف والربيع، والكل حق. فإن الصيف بالنظر إلى ذاته العرق فيه أقل مما هو في الربيع لقلة الرطوبة، والربيع أيضا كذلك لعدم الفواكه فيه بخلاف الصيف الشبيه بالربيع في مزاجه، فإنه مع وجود الرطوبة فيه التي هي هيولى * العرق (417) هناك رطوبة أخرى مستفادة من الفواكه، فلأجل هذا حكم بكثرة العرق في الحميات الحاصلة في الصيف الشبيه بالربيع. ومراده بالحميات الحميات الخلطية والروحية لا * الدقية (418) . ويمكن أن يقال إنما كان العرق في الصيف الشبيه بالربيع كثيرا. وذلك لأن الصيف متى كان كذلك كانت رطوبة متوفرة، وحرارة الربيع ضعيفة عاجزة عن تحليل الرطوبات البدنية المجتمعة في الأبدان في زمان الشتاء، وحرارة الصيف كيف * ما (419) كانت * فهي (420) أقوى من حرارة الربيع لأن الشمس * فيه (421) * مسامتة (422) لرؤوسنا أو قريبة من المسامتة. وقد علم أن * هذا (423) سبب لقوة التسخين فلذلك كان الصيف الكائن * كذلك (424) يلزمه كثرة العرق في الحميات. * والله (425) أعلم.
7
[aphorism]
قال أبقراط: إذا احتبس المطر حدثت حميات حادة، * وإن (426) كثر * ذلك (427) الاحتباس في السنة ثم حدث في الهواء حال يبس فينبغي أن يتوقع في أكثر الحالات حدوث هذه الأمراض وأشباهها.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (428) بما قبله: وهو أن حكم هذا الفصل مقابل لحكم الفصل المتقدم، وذلك لأنه بين في الأول حكم الفصل إذا كانت رطوبته أزيد، وهاهنا بين حكمه إذا كانت يبوسته أزيد لأنه قد علم أن المراد بالهواء الرطب هو الذي خالطته أبخرة مائية أو استحال إلى مشاكلة الطبيعة المائية، وبالهواء اليابس هو ما * تفششت (429) عنه تلك الأبخرة أو * خالطته (430) أجزاء دخانية.
البحث الثاني:
مادة حميات العفن * هي (431) الرطوبات PageVW5P139B الغريبة المستفادة. * أما (432) من خارج * فمن (433) كثرة الأمطار أو مجاورة مياة غمرة. وأما * من (434) داخل كالإفراط في استعمال الأغذية المرطبة. ومثل هذه الأمراض تكون طويلة المدد أي مزمنة، وتكون أعراضها هادية لأنك قد عرفت أن الحرارة إذا كانت مقارنة لمادة رطبة كانت كيفيتها منكسرة الحدة. فإذا احتبس المطر نقصت الرطوبات فتكون الأمراض الحادثة عنها قصيرة المدد أي حادة، وسورتها قوية لأن الحرارة مقارنة لجسم قليل الرطوبة فالحاصل من هذا أنه إن فهم من الحدة قصر المدة فهو حق، وإن فهم * منها (435) شدة الأعراض وقوة سورتها فهو أيضا حق.
البحث الثالث:
قوله «وإن كثر ذلك الاحتباس في السنة كانت الحدة أكثر»، وذلك لدوام تأثير المؤثر غير أنه لقائل أن يقول لماذا قال «فينبغي أن يتوقع في أكثر الحالات حدوث هذه الأمراض وأشباهها» ولم لا قال «فتوقع في كل الحالات هذه الأمراض * وأشباهها» (436) لأن السبب قوي وعام؟ فنقول: وذلك لأن الاحتباس إنما يوجب حميات حادة إذا كان قد * تقدمه (437) مجيء مطر بحيث أن يكون في البدن رطوبات حتى إذا أفرط الاحتباس أفرطت تلك * الرطوبات (438) في الحدة * فتكون (439) الحمى الحادثة عنها حادة * إذا (440) لم يتقدم ذلك الاحتباس مطر، * ففي (441) هذه الصورة لا يكون في البدن ما يحتد باحتباس المطر بل تكون الاخلاط قليلة جدا. وفي غالب الحال عند حصول هذا * الأمر (442) تكون الحمى الحادثة * عنها (443) * في (444) هذا الوقت حمى دق لا حمى * عفن (445) غير أن الأول هو الأكثري الوجود، فلذلك قال «فينبغي أن * يتوقع (446) في أكثر الحالات * حدوث (447) هذه * الأمراض (448) وأشباهها» أي التي تشابه الحميات الحادة من باقي الأمراض.
البحث الرابع:
قوله «وحدث في الهواء حال يبس»، وذلك لأن بعض البلدان * تجاورها (449) مياه كثيرة ساكنة وجارية فهواء مثل هذا البلد لا يكون يابسا، فلأجل هذا قال «فإن حدث في الهواء حال يبس» أي إن صادف أن يكون البلد مع ذلك * لا (450) يجاوره شيء من المياه فإن أهلها يحدث * بهم (451) ما ذكرناه، وإنما قال «حال يبس» ولم يقل «يبس»، لأن مفهوم اليبس لا يصح أن يوصف به الهواء لأنك قد عرفت أن المراد باليبوسة هاهنا للهواء * تفشيش (452) الأجزاء البخارية أو مخالطة أجزاء دخانية. ولا شك أن السنة متى احتبس المطر فيها كثر الغبار * والدخان (453) فحدث في الهواء حال يبس أي أمر زائد على مفهوم الهواء ذلك الأمر يابس.
البحث الخامس:
لقائل أن يقول: هذا الكلام فيه نظر من وجهين: أحدهما قوله «إذا احتبس المطر حدث كذا وكذا»، هذا الاحتباس إما أن يكون في الوقت الذي يجب أن يحتبس فيه أو لا * يكون (454) في الوقت الذي يجب أن يحتبس * فيه (455) ، فإن كان الأول فلا يضر احتباسه لجريان الأوقات على * طبائعها (456) ، وإن كان الثاني فيبعد حدوث الحميات * الحادثة (457) فيه، وذلك لأن هذا الوقت يكسر * من (458) حدة المادة ويغلظ قوامه PageVW5P140A بمنعه من تحليل لطيفها؛ وثانيهما هذا الحكم يناقض ما يقوله فيما بعد قلة المطر أصح من كثرته وأقل موتا. قلنا الجواب عن الأول إن أبقراط لم يرد بقوله * «حدثت (459) حميات حادة» في الفصل الذي يتوقع فيه المطر ويحتبس فيه بل مراده بهذا الحكم أن المطر إذا احتبس في وقته اشتد يبس الهواء وعند ذلك تنقص رطوبات الأبدان، ومع ذلك تكون جافة يابسة. فإذا جاء الفصل المناسب لحدوث الحميات التي ذكرها كالصيف والخريف والأبدان كذلك فإن الحميات التي تحدث في * تينك (460) الوقتين تكون حادة أي قصيرة المدة لقلة المادة الموجبة لها وتكون * شديدة (461) اللذع ليبسها أيضا. والجواب عن الثاني: فرق بين الاحتباس والقلة، فإن أبقراط لم يقل في هذا الفصل PageVW1P078A «إذا قل المطر حدث كذا وكذا» حتى يكون هذا الفصل مناقضا لما بعد، بل قال «إذا احتبس» والاحتباس غير القلة. * والله (462) أعلم.
8
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت أوقات السنة لازمة لنظامها وكان في كل وقت منها ما ينبغي أن يكون فيه كان ما يحدث فيها من الأمراض حسن الثبات والنظام حسن البحران، وإذا كانت أوقات السنة غير لازمة * لنظامها (463) كان ما يحدث فيها من الأمراض غير منتظم سمج البحران.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (464) بما قبله: وهو أنه لما بين في الفصل الأول أن انقلاب أوقات السنة مما يولد أمراضا ثم * ذكر (465) أن الصيف إذا تغيرت كيفياته كما إذا كثرت الرطوبة كثر العرق في الحميات عما تقتضيه حميات الصيف وإذا كان الشتاء قليل المطر حصل منه حميات حادة أحد مما تقتضيه طبيعة الفصل المولد للحميات، ذكر في هذا الفصل ما يقابل ذلك جميعه وهو أن كل واحد من أوقات السنة إذا كان جاريا على ما ينبغي كان ما يحدث فيها من الأمراض له نظام وبحران حسن. وإذا كانت آتية على غير واجبها كان الأمر بالعكس كما ذكر آنفا.
البحث الثاني
في معنى النظام: قال جالينوس: هذا يعلم مما قاله أبقراط في كتابه في الأهوية والمياه والبلدان وهو أن * يكون (466) الخريف فيه * أمطار (467) والشتاء لا دفيئا ولا مجاوزا لحد البرد المفرط والربيع فيه أمطار في أوقاته والصيف آتيا * فيه (468) على واجبه في حره ويبسه بمعنى أن لا * يكون (469) مفرطا في ذلك، فإن السنة * التي (470) حالها كذلك تكون أصح مما تكون.
البحث الثالث:
كل فصل له مادة مخصوصة تتولد فيه. فإذا أتى * على (471) واجبه كان المتولد فيه تلك المادة الخاصة به فقط، وكانت الأمراض الحادثة عنها حسنة الثبات أي تبقى المدة التي يقتضيها القياس، ولا يكون فيها اختلاط في أعراضها لاتحاد المادة الموجبة لأمراضها وهي التي عني بها حسنة النظام، وتكون مجاريتها آتية في * أوقاتها (472) لا تتقدم ولا تتأخر. وذلك هو معنى قوله حسنة البحران هذا جميعه بالنظر إلى المادة البدنية لا بالنظر إلى ما يطرأ من خارج * (473) . فإنها قد تكون واحدة ويكون ما ذكره مختلفا، وذلك إما لخطأ الطبيب في تدبيره وهو أن يلطف التدبير في الوقت الذي لا يجب أن يلطف فيه أو يغلظه في الوقت الذي لا يجب التغليظ فيه أو يستفرغ على غير نضج، وإما من جهة العليل نفسه وهو أن يخالف * الطبيب (474) فيما يأمر به، PageVW5P140B وإما لعارض نفساني، وإما لخطاء يقع من خدم العليل. فحكم أبقراط هاهنا بما ذكره * ههنا (475) بالنظر إلى المادة البدنية فقط. وقوله * «سمج (476) البحران» أي رديئة البحران، فإن المواد متى كان قوامها مختلفا كانت بحارينها غير آتية على واجبها.
البحث الرابع:
لقائل أن يقول: إذا كان النظام هو أن يأتي كل فصل على واجبه على ما ذكرنا فما الفائدة في قوله * «وكان (477) في * كل (478) وقت منها ما ينبغي أن يكون فيه كان ما يحدث * فيها (479) كذا وكذا»؟ فإن هذا تكرار في * القول (480) لأن ذلك هو معنى النظام على ما فسرناه، والحق عندي أن الواو هاهنا زائدة وزيادتها من الناسخ الأول، وإلا فالحق أن يقال «إذا كانت أوقات السنة لازمة لنظامها كان في كل وقت منه ما ينبغي أن * يكون (481) فيه» من غير اختلاط، * واختلاف (482) هذا هو الحق في عبارة هذا الفصل. * والله (483) أعلم.
9
[aphorism]
قال أبقراط: إن في الخريف تكون الأمراض أحد * ما (484) تكون وأقتل في أكثر الأمر، وأما الربيع فأصح الأوقات وأقلها متوتا.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (485) بما قبله: وهو أنه لما قال إن أوقات السنة إذا كانت حافظة لنظامها أي * إذا (486) كان كل واحد منها آتيا على واجبه كان أصحها كلها الربيع وأجلها للأمراض كلها وأقتل * كلها (487) بالقياس إلى سائر الفصول الخريف.
البحث الثاني
في معنى قوله «أحد وأقتل»: أما الأول فلقلة المادة ،وذلك بسبب تحليل * حر (488) الصيف المتقدم وتفتيحه لمسام البدن فتكون المادة الحاصلة فيه قليلة. وقد علمت أن المادة متى كانت قليلة كان ما يحدث عنها من الأمراض * قصير (489) المدة هذا إن فهمنا من الحدة المقابل * لزمانه (490) . وأما إن فهمنا منها شدة الناكية واللذع فذلك ظاهر فيه، فإن مادة الخريف يابسة لسبق حر الصيف المحرق لها ولخصوصية * الخريف (491) في * توليد (492) السوداء، والمادة متى كانت يابسة كانت الحرارة المتعلقة بها * حارة (493) لذاعة على ما عرفت في الأسنان. وأما الثاني الذي هو أقتل فذلك لوجهين: أحدهما لضعف القوى البدنية فيه، وذلك لتحليل حر الصيف لها؛ وثانيهما تحير الطبيعة في فعلها * من (494) إنضاج مواد البدن ودفعها لها، وذلك لاختلاف هوائه في الحر والبرد، فإنه عند كونه حارا تروم الطبيعة تحليلها والاستيلاء عليها، فإذا انتقل إلى البرد انعكس الأمر. والواجب أن يقال مع ذلك وأكثر، وذلك لوجهين: أحدهما لكثرة الفواكه * المستعملة (495) فيه؛ وثانيهما لاختلاف الهواء فيه وانتقال * اليابس (496) فيه من حر إلى * برد (497) بالعكس.
البحث الثالث
في فائدة قوله «في أكثر الأمر»: وذلك لأنه من المحتمل أن يقع في الخريف أمطار تصلح يبوسته أو تكون بعض * البلاد (498) كثيرة المياه فمثل هذه البلدة يكون خريفها قليل الأمطار أو يكون آتيا على أشخاص رطبي المزاج إما بالطبع كالنساء والصبيان وإما * بالاكتساب (499) كمن يدمن التدبير المرطب من الأغذية والأشربة وغيرهما فأمثال * هؤلاء (500) الأشخاص إذا PageVW1P078B أتى عليهم * الخريف (501) أصلح أمزجتهم وقوي قوامهم باعتدال ذلك.
البحث الرابع:
PageVW5P141A قوله «وأما الربيع فأصح الأوقات * وأقلها (502) موتا»: اما الأول فلاعتدال مزاجه على ما عرفت والاعتدال مناسب للقوى والمناسب للشيء من شأنه أن يقويه ويعضده فهو لاعتداله يصحح الأبدان ويقويها. وأما الثاني فلإتيانه على الأبدان وهي متوفرة القوى والحرارة الغريزية وحرارته الآتية بعد ذلك حرارة لطيفة بخارية.
البحث الخامس
لقائل أن يقول إن حكم الخريف فيما يوجبه كحكم الربيع، وذلك لأن الحكم * على (503) الخريف بذلك إما أن يكون بالنظر إلى ذاته وإما أن يكون بالنظر إلى ما قبله، فإن كان الأول فهو إذا اعتبر من حيث هو هو كان حاله في الاعتدال بين الحرارة والبرودة كحال الربيع في ذلك، وإن كان الثاني فنقول كما أنه يتخلف في * الأبدان (504) عن الصيف مواد رديئة حارة يابسة محترقة ويحبسها برد الخريف فكذلك الربيع فإنه يأتي على الأبدان وقد تخلف * فيها (505) * عن (506) * الشتاء (507) فضلات كثيرة غليظة فجة أكثر من فضلات الصيف، فإذا أتاها حر الربيع الضعيف سيلها ولم يقدر على تحليلها، وربما مالت إلى المخانق أو بعض الأعضاء الرئيسة أو الشريفة وسدت بعض المجاري، أو مالت إلى بعض التجاويف فسدتها سدا تاما أو ناقصا، وإذا كان كذلك فليس الحكم على الخريف بالرداءة من هذا أولى من الحكم على الربيع بذلك: والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما أن الأبدان في كل واحد من الفصلين مستعدة للوقوع فيما تحدثه المواد المختلفة عن الفصل الماضي من الأمراض غير أن الاستعدادين متغائرين، فإن استعدادها في الخريف للوقوع في الأمراض الحادة أشد منه في الربيع، واستعدادها * في (508) الربيع للوقوع في الأمراض المزمنة أشد منه في الخريف، والأمراض الحادة أقتل من الأمراض المزمنة في الأكثر. وذلك * أنك (509) قد علمت أن خروج المادة عن الصلاحتها في الكيفية أذيتها بالقوة أشد من أذيتها بالأوعية، فلذلك حكم أبقراط على الأمراض الحادثة في الخريف بأنها أحد وأقتل. الثاني أن حكمه على الربيع بالصحة ليس ذلك مطلقا بل بالإضافة إلى قلة الموت أي أن الأمراض الحادثة في * الربيع (510) أسلم في الأكثر من الأمراض * الواقعة (511) في الخريف، وذلك لإتيان الربيع على * الأبدان (512) وقواة متوفرة، وكذلك حرارته الغريزية بخلاف الخريف. والله أعلم.
10
[aphorism]
قال أبقراط: الخريف لأصحاب السل رديء.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث * تسعة (513) .
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (514) بما قبله: وهو أنه لما بين رداءة الخريف مطلقا، بين * رداءته (515) في هذا الفصل في صورة مخصوصة وهي لأصحاب السل.
البحث الثاني:
السل قد يعنى به دق الشيخوخة أي دبول الأعضاء، وقد يعنى به الدق المشهور، وقد يعنى به قرحة الرية. والخريف رديء للجميع. أما الشيوخي فلتجفيفه وميله إلى اليبس. وقد علم أن المرض المذكور يحتاج إلى مداواته إلى ما يرطب ويمنع التحليل. وأما الدق المشهور فضرر * الخريف (516) به ظاهر * أيضا (517) لما ذكرنا. وأما قرحة الرئة فلوجهين: أحدهما PageVW5P141B لكثرة ما يحصل فيه من النزلات التي هي من أضر الأشياء بقرحة الرئة؛ وثانيهما أن قرحة * الرئة (518) تلزمها حمى الدق. وقد علمت أن الخريف يضر تلك الحمى بالتجفيف وصارت حمى الدق لازمة للقرحة المذكورة، وذلك لمجاورتها للقلب.
البحث الثالث
في علة حدوث النزلات في الخريف: وذلك من وجهين: أحدهما الاستلذاذ بكشف * الرؤوس (519) للانتقال من حر الصيف، ولم يدخلوا بعد في الأكنان وليلة قوي البرد فينفذ البرد إلى أدمغتهم ويؤذيها * فيحبس (520) ما من شأنه أن يتحلل، وذلك مما يوقع في كثرة النزلات؛ وثانيهما أن الرئة * تتضرر (521) باختلاف الهواء في الحر والبرد وميله إلى اليبس لأنه يرد عليها بلا واسطة تفعل فيه * وتكسر (522) حميته.
البحث الرابع
في ماهية الذبول الشيخوخي الذي نقوله * نحن (523) في هذا الموضع إن ذبول الأعضاء واضمحلالها ينقسم إلى قسمين: طبيعي أي شيخوخي، وغير طبيعي وهو ما لا يكون كذلك: وذلك لأن الذبول يكون عن ثلاثة أسباب: أحدها استيلاء حرارة قوية تنشف رطوبات الأعضاء وبلتها، وذلك كما يحصل من استيلائها على الأشجار والنبات في صميم الصيف. وثانيها برد قوي يجمد الحرارة الغريزية ويجمد مادتها ويكثف مسالكها ومسالك الغذاء ويمنعه من النفوذ إلى جهة المغتذي، وذلك كما يعرض للأشجار * والنباتات (524) عند قوة البرد، ثم هذا البرد تارة يكون حصوله بواسطة ترك حركة معتادة الاستعمال، وتارة لا يكون حصوله * كذلك (525) . فالثاني كما يحصل في سن الشيخوخة، * والأول (526) كما إذا اعتاد الإنسان استعمال رياضة * تنهض (527) حرارته الغريزية وتحلل فضلاته وتقوى قواه ثم تركها. فإن أعضاءه تذبل وحرارته تجمد ومواده تجمد كل ذلك لاستيلاء البرد وسكون حادية أعضائه عن جذب الغذاء المحتاج إليه. قال الشيخ الرئيس في الفصل الأول من التعليم الثاني من الفن الثالث من كليات القانون: وكثيرا ما يقع تارك الرياضة في الدق لأن الأعضاء تضعف قواها لتركها الحركة الجالبة * إليها (528) الروح الغريزية التي هي آلة حياة كل عضو. قال نجم الدون ابن المفتاح: هذا * كلام (529) عجيب من الشيخ وهو أن الدق يتولد عن ترك الرياضة، وذلك مما يوفر الفضلات ويجمد الحرارة ويجمد * المادة (530) ، والدق يحدث عن حرارة غريبية قوية متعلقة بالأعضاء الأصلية. قلنا: ليس مراد الشيخ هاهنا بالدق الدق المشهور بين الأطباء بل ذبول الأعضاء وهزالها. قال الشيخ في المقالة الرابعة من الفن الرابع من الكتاب الرابع من القانون: الهزال يكون لعدم مادة السمن من الغذاء ولكثرة استعمال الغذاء الملطف فلا يتولد في البدن دم كثير * أو (531) لضعف القوة المتصرفة في الغذاء إما الهاضمة وإما الجاذبة إلى الأعضاء لفساد مزاج وأكثره بارد أو بسبب سكون كثير ينام معه قوة الجذب خصوصا إذا كان بعد رياضات اعتادت الطبيعة أن تجذب الغذاء PageVW5P142A بمعونتها، فإذا هجرت لم تجذب ولا الغذاء المعتدل. وهذا تصريح منه بأن * مراده (532) بالدق PageVW1P079A * هاهنا (533) ذبول الأعضاء وهزالها. إذا عرفت هذا فنعود إلى غرضنا فنقول: والسبب الثالث من أسباب الذبول فساد المادة التي بها تغتذي الأعضاء وزوالها عن * صلاحيتها (534) لتغذية الأعضاء وإخلافها عوض ما تحلل منها، وذلك كما يعرض للنباتات إذا أسقيت بمياه رديئة فإنها تذبل وتجف، وذلك لقلة ما في ذلك الماء من الأجزاء الغاذية. والدق المرضي حادث عن السبب الأول والشيخوخي عن الثاني والثالث، فإنه قد عرف أن في * كل (535) سن الشيخوخة الحرارة الغريزية آخذة في الخمود والمواد في * الجمود (536) ويتولد في البدن فضلات بورقيه رديئة غير صالحة * للاغتذاء (537) .
البحث الخامس
في ماهية الدق: الدق حرارة غريبة تحدث في * البدن (538) بواسطة حدوثها * للأعضاء (539) وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مطلقة وذبولية ومقتتة. قال الأطباء: وذلك لأن رطوبات البدن التواني أربع وهي التي في أطراف العروق الصغار والتي في فرج الأعضاء والتي قد تشبهت بجواهر الأعضاء بعض * التشبيه (540) والتي بها اتصال الأعضاء وهي المنوية، فعند ما تفني الحرارة الغريبة الرطوبة الأولى وتشرع في الثانية * وتفني (541) المنوية يكون الصنف الأول. فإذا * أفنت (542) الثانية وتعلقت بالثالثة وسخنت المنوية كان الصنف الثاني. فإذا * أفنت (543) الثالثة وتعلقت بالرابعة كان الصنف الثالث. قالوا: وإنما تأخر فعل الحرارة الغربية وتأثيرها في الرابع لثالثة أوجه: أحدها أن فعل الحرارة في الرطوبة * المحلولة (544) أسهل من فعلها في رطوبة الجسم الحاوي * لتشبيهها (545) به؛ وثانيها أن الطبيعة البدنية تحامي عن الأشرف وتذب عنه وتدفع نكاية المؤذي له؛ وثالثها لو تعلقت الحرارة الغريبة بالمنوية لكانت حمى الدق صنفا واحدا لا ثلاثة أصناف، هذا هو المشهور بين الأطباء في أمر حمى الدق. وفيه نظر وهو أنه إذا كانت حمى الدق حرارة غريبة متعلقة بالأعضاء فيكون تعلقها بالرطوبة القريبة * بالأعضاء (546) . وأيضا لو أفنت الحرارة الغريبة الرطوبة الأولى أولا لفني بفنائها باقي الرطوبات لأنها مدد لها، ويلزم من هذا أن يكون الدق صنفا واحدا لا ثلاثة أصناف. فإذا * أفنت (547) الحرارة الغريبة هذه الرطوبة تعلقت بالردادية ثم بالتي في أطراف العروق الصغار ثم بالمنوية. فإن قيل * لم (548) لا يتعلق بالمنوية * أولا (549) ، فنقول للوجوه الثلاثة التي ذكرناها. فإن قيل إذا كانت الرطوبة الأولى لا تفنى أولا فيجب أن لا تفنى الرطوبة الغريبة العهد بالانعقاد لأنها هي الممدة لها وإذا كان كذلك فكلما فني شيء انجذب عوضه مثله ثم ينجذب عوض ما ذهب من هذه الرطوبة مما في العروق الكبار ثم من الكبد ثم من المعدة ثم من الغذاء، ويلزم من ذلك دوام الحمى المذكورة من غير أن يؤول الحال بها إلى الهلاك، فنقول الجواب عن * هذا (550) : الحرارة عند ما تفني الرطوبة الثالثة تضعف الهضم والشهوة، وعند ذلك يزول عن الدم المتولد PageVW5P142B صلاحيته لتغذية الأعضاء والأخلاف عليها عوض ما يحلل منها فينقص البدل ثم إن الحرارة الغريزية تفني ما عساه أن يصل إلى الأعضاء من ذلك الدم فيؤول الأمر إلى الذبول والاضمحلال. وأيضا فإن * الأعضاء (551) متى * جفت (552) ضعفت جاذبتها للغذاء فيزداد جفافها لذلك ويؤول * أمرها (553) إلى * الهلاك (554) .
البحث السادس:
حمى الدق تارة * تكون (555) ابتداء تارة تكون بواسطة. والكائن ابتداء أكثر وقوعه عن أسباب بادية إذا وافت البدن مستعدا لقبولها مثل * الحركة (556) المفرطة أو قلة ما يرد على البدن من الغذاء أو المدافعة * لاستعماله (557) أو لإفراط في استعمال الأغذية المسخنة أو السهر المفرط أو الفكرة * المستمرة (558) أو الغضب المفرط، كل * هذه (559) إذا * صادفت (560) البدن مستعدا لتأثيرها. والكائن بواسطة إما بواسطة مرض مزمن وإما بواسطة مرض حاد. أما المزمن * فكالحمى (561) البلغمية فإنها لتطاولها تفسد جواهر الأعضاء وجوهر البدل بحيث أنه لم يصلح للتغذية فتنفر منه الأعضاء وتسامه فيزداد احتدادا * واشتغالا (562) * فتقوى (563) الحمى وتوقع في الدق. وأما الحاد فذلك في صور أربع: * أحدها (564) عند إهمال الطبيب جانب القلب في استعمال الضمادات المبردة المسكنة للحرارة الغريبة، * وثانيها (565) منع * المريض (566) من استعمال الماء البارد عند شدة العطش واشتياقه إلى تناوله خوفا من ضعف معدته، * وثالثها (567) اضطراره إلى استعمال ما ينعش القوة ويقويها عند سقوطها ويكون المنعش حارا كالخمر ودواء المسك وماء اللحم، * ورابعها (568) مبالغته في * استعمال (569) تلطيف الغذاء عند ما تكون الحاجة داعية إلى مقابلة، فتشتعل الحرارة وتقوى وتتشبث بالأعضاء.
البحث السابع:
حمى الدق لها علامة عامة لأنواعها الثلاثة، وخاصة بنوع نوع منها، فالعامة اشتعال الحرارة وقوتها بعد أخذ الغذاء في أي وقت كان، وللأطباء في هذا أقوال. قال صاحب الكامل: العلة في ذلك أن الغذاء المستعمل في هذه الحمى مضاد لها * فإذا (570) ورد على بدن من به الحمى المذكورة قاومته الحرارة ونازعته واشتدت بعده كاشتداد حرارة النورة عند صب الماء * البارد (571) عليها، فإنا نرى الحرارة التي فيها تثور وتشتعل ببدنه. * وقال (572) إسحاق ابن * سليمان (573) الإسرائيلي في كتابه في الحميات: وهذا قول ضعيف، فإنه لو كان توزان الحرارة كما قيل لكان ذلك منها عند استعمال الماء البارد أولى منه عند استعمال الغذاء لأن مضادته لحرارة الحمى أبلغ من مضادة الغذاء لها لأنه كيف كان PageVW1P080B مركب وفيه جزء حار والوجود بخلافه. وقال الشيخ الرئيس في الكتاب الرابع من القانون: وحرارة المدقوق تكون متشابهة لكنها إذا ورد عليها الغذاء نمت واشتدت، وهذا كلام مبهم لأنه لم يوضح فيه بأي طريق ينمي الغذاء الحرارة ويقويها. قال ابن رشد في كباته المعنون بالكليات: السبب في ذلك هو أن الأعضاء لما صار بها سوء مزاج * حار (574) وكان المعدي من شأنه أن يتشبه بالمغتذي لزم من ذلك * ضرورة (575) أن يكتسب منه حرارة غريبة سواء كان باردا أو غيره فتعظم الحمى حينئذ وتقوي أعراضها، وليس يلزم مثل هذا PageVW5P143A في حمى العفن فإن الحرارة الغريبة فيها لم تتشبث بالأعضاء الفاعلة في الغذاء. وما يقوله الأطباء في إعطاء سبب هذا العارض * وتشبيههم (576) حال الغذاء في هذه الأبدان بالماء الذي يرش على النورة قولا خطائيا * مثاليا (577) ، وهذا تعليل حسن من هذا الرجل. وأما نحن فكنا * قد (578) ذكرنا في كتابنا المسمى بالشافي وجها قريبا من هذا من غير أن نقف على ما ذكره هذا الرجل وهو أن الغذاء من شأنه أن يقوي القوى والحرارة الغريزية المتعلقة بالأعضاء. ولا شك أن حرارة المدقوق متعلقة بالأعضاء، وقد صارت كأنه أصلية لأنها سوء مزاج مستوي. فإذا ورد الغذاء عليها قواها وأنماها كفعله في الغريزي أولا. وجهال الأطباء عند ما يرون هذا القدر يمنعون العليل من أخذ الغذاء ويكون ذلك سببا لهلاكه وتلافه. فإن قيل هذا القدر على هذا التقدير لا يحصل من الغذاء المستعمل إلا بعد تشبيهه بالأعضاء وهو لا يصير كذلك في أقل من الأربع وعشرين ساعة. ونحن نرى من به العلة المذكورة تشتد حرارته وتقوى بعد أخذ الغذاء بساعة واحدة
L5 فنقول: هذا القدر يحصل من أخذ المعدة نصيبها من الغذاء المستعمل الصائر إليها، فإنه قد علم أن الطبقة الداخلة من المعدة تغتذي بالكيلوس والخارجة بالدم فالقدر الحاصل من الغذاء عند أخذه حاصل على الوجه المذكور ولذلك صارت الحرارة تشتد أولا فأولا بحسب اغتذاء الأعضاء من الغذاء الوارد عليها ثم عند كمال التغذية تسكن الحمى وتهدى. Y فنقول إن ابتداء اشتداد حرارة هذه الحمى من حين يرد الغذاء إلى المعدة، لأنه قد علم أن الطبقة الخارجة من المعدة تغتذي بالدم والداخل تغتذي برطوبة الكيموس على سبيل التلهف لتسكين الألم. والغذاء إذا حصل في المعدة اغتذت منه الطبقة الداخلة على ما ذكرنا اشتدت حينئذ حرارة هذه الحمى وبقيت على حالها. فإذا انحدر الغذاء من المعدة إلى جهة الكبد واغتذت بما يناسبها منه قويت حرارة الحمى أكثر من ذلك. ثم إذا أنفذ الغذاء من الكبد إلى العروق واغتذت بما يناسبها منه قويت حرارة الحمى أكثر من ذلك. ولا يزال الأمر كذلك إلى أن تبلغ الحمى غاية اشتدادها، وذلك عند كمال التغذية ثم تنحط وتسكن إلى حين يؤخذ الغذاء الثاني ثم يعود الأمر كما ذكرنا.
وأما العلامة الخاصة بنوع نوع. أما النوع الأول فصغر النبض مع صلابته وتواتره. أما الصغر فلضعف القوة. وأما الصلابة فللجفاف. وأما التواتر فلشدة الحاجة وضعف القوة، فإن القوى متى كانت ضعيفة والحاجة داعية استعملت الطبيعة التواتر ودسومة البول لشروع الأعضاء في الذوبان. وأما النوع الثاني * فظهور (579) أجزاء صفائحية في البول، وذلك لانحلال الأعضاء وذوبانها، وكذلك الجفاف والقحل * وتنتو (580) عظام الوجه بعض النتو ويقل التواتر في النبض ويظهر التفاوت، وذلك لضعف القوة وتضعف شهوة * الطعام (581) وتكسل العليل عن الحركة، ويظهر غور في العينين ويكثر الرمص عليها. وعلامة النوع الثالث زيتية البول بحيث أنه إذا صب في آناء سمع له صوت كصوت الدهن ويظهر الضعف والصغر في النبض والتفاوت، وكذلك الغور في العينين ويكون * رمصا (582) جافا. وتنحدر الأجفان إلى أسفل من غير PageVW5P143B اختيار العليل كحالها في النعاس، وذلك لضعف القوة المحركة عن تحريك الأجفان إلى فوق وتلطأ الصدغان وتنتو عظام الوجه وتتمدد جلدة الجبهة ويذهب رونق الحياة ويكون على الجلد شيء شبيه بالغبار وتظهر دقة الأنف، وذلك لاستيلاء الجفاف، ويطول الشعر لكثرة الأبخرة ثم يتساقط لقلة المادة، ويظهر القمل للهروب، وذلك لفناء الرطوبة التي تغتذي منها، * ويقحل (583) البطن ويصير كأنه جلد ممتد، وذلك لذهاب الرطوبة، وإذا قبض عليه بالأصابع * ومد (584) إلى خارج امتد وبقي قائما منتصبا لأنه ليس فيه رطوبة تنديه وتبله وتعينه على الرجوع والعود، وتتقوس الأظفار، وذلك لاستيلاء الجفاف. وهذه العلامات متى ظهرت فقد قرب الموت.
البحث الثامن:
السل عبارة عن قرحة الرئة، وذلك إما لمواد حادة تميل إليها فتقرحها وتعفنها، وإما لميل * مادة (585) ذات الجنب إلى جهة الرئة واحتباسها فيها فإنها * تقرحها (586) ، وإما لصربة أو سقطة تحصلان للصدر فيتبثق عرق من * عروقها (587) ، وإما صيحة شديدة تفعل ذلك. ومثل هذه الأسباب توقع أولا في نفث الدم ثم في السل، فإن الدم يعفن في مثل هذا الوقت ثم تعفن * الرئة (588) كما قال أبقراط في هذا الكتاب «إذا انصب * الدم (589) إلى فضاء على خلاف الأمر الطبيعي فلا بد أن * يتقيح (590) (vi.20)» وسنتكلم في شرح هذا. واعلم أن علاج هذه القرحة أصعب من علاج أنواع القروح الحاصلة في الأعضاء الباطنة والظاهرة، وذلك لوجوه عشرة: أحدها بعد * المسافة (591) فإن الدواء المستعمل لمعالجتها يحتاج أن يمر بأعضاء كثيرة كل واحد منها يفعل فيه ويغيره فلا يصل إليها إلا وقوته ضعيفة جدا فلا يفعل فيها الفعل المطلوب. وثانيها دوام حركتها فإن القرحة وبالجملة جميع أنواع التفرق مفتقر في ألحامه إلى السكون. وثالثها سعة عروقها فإن إلحام المجاري الواسعة وسد ما ينفذ فيها أعسر مما إذا كان الأمر بالعكس. ورابعها رقة دمها فإن * إلحام (592) * المجاري (593) مفتقر إلى منع ما عساه أن يسيل منه، والسائل متى كان غليظ القوام كان منعه أسهل مما إذا كان رقيق القوام لأنه يخرج PageVW1P081A من أضيق ما يكون من المنافذ والمخارج. وخامسها إسفنجية جرمها وتخلخله، فإن جرم الشيء متى كان كذلك كان سريع العفن سريع التأكل. وسادسها قرب محلها من أشرف ما في البدن وأرأسه فيتألم * بتألمها (594) ويترتب على * تألمه (595) جميع أعضاء البدن، وعند ذلك تشتغل * الطبيعة (596) العامة بإصلاح ذلك عن تدبير القرحة. وسابعها أن * التحام (597) القرحة * مفتقر (598) إلى تنقية * ما (599) فيها من الرطوبات * الصديدية (600) وتنقية هذه القرحة يتم بأمور أقواها وأبلغها السعال، والسعال حركة والحركة موسعة للجراحة جذابة للمواد إلى جهتها، وذلك مانع من * الالتحام (601) . وثامنها الأدوية المستعملة لإصلاح هذه القرحة، * وذلك (602) لا يخلو إما أن تكون معتدلة أو مائلة إلى * إحدى (603) الكيفيات الأربع، فإن كانت معتدلة عارضها بعد * المسافة (604) وغير ذلك مما ذكرنا. وإن كانت حارة زادت في الحمى اللازمة لهذه PageVW5P144A القرحة. وإن كانت باردة كانت بليدة الحركة وبليدة السير إلى جهة القرحة. وإن كانت رطبة كانت * رهلة (605) القرحة، وذلك مانع من إلحامها فإن كل قرحة مفتقرة في إلحامها إلى التجفيف. وإن كانت يابسة * زادت (606) في تجفيف الحرارة اللازمة للقرحة المذكورة. وتاسعها ضعف الهضم المعدي اللازم لهذا المرض، ويترتب على هذا أمران: أحدهما قلة مقدار الغذاء، وثانيهما فساد هضمه لضعف هاضمة المعدة، ولا شك أن ذلك مضر في المرض المذكور. أما الأول فلأنه قد علم أن المرض الطويل المدة يحتاج في تدبيره إلى تغليظ التدبير لبعد المدة، وذلك إما بكثرة المقدار أو بغلظ قوام الغذاء. وأما الثاني فإن الغذاء متى كانت إحالته كذلك كانت فضلاته كثيرة، ومتى كان كذلك كان المتولد منه والمتبقي منه والسائل منه إلى جهة القرحة أكثر مما إذا كان الأمر بالضد. وعاشرها توهم المريض أن لا يبرأ من المرض المذكور فإنه قد تقرر في العقول أن المرض المذكور من الأمراض * المتعذرة (607) البرء، ولا شك أن الوهم له تأثير عظيم في البدن لا سيما متى كان البدن ضعيفا مستعدا لذلك كبدن المسلول.
البحث التاسع:
هذا المرض له علامات عند كونه في الابتداء وعلامات عند تمكنه. وأما الأول فخمس * علامات (608) : * إحداها (609) صلابة النبض، وذلك لجفاف الآلة وقلة مطاوعة كل جزء منها للحركة والقبول عند الغمز. * وثانيتها (610) نتن ما ينفث بالسعال لعفن المادة المقرحة للرية. * وثالثتها (611) حمى دقيقة لازمة لمجاورة القلب للقرحة. * ورابعتها (612) حمرة الوجنتين عند أخذ الغذاء، وذلك لصعود الأبخرة إلى الجهة المذكورة وتوران الحمى بغير ما ذكرنا في حمى الدق. * وخامستها (613) ضعف شهوة الطعام، وذلك لضعف القوى الطبيعية. وأما علامات التمكن * فسبع (614) علامات: * إحداها (615) تهيج الأطراف، وذلك لضعف الحرارة الغريزية وعجزها عن الانتشار إلى الأطراف وتدبيرها لها. * وثانيتها (616) تساقط الشعر، وذلك لغور المادة الممدة له التابع لقلة الغذاء. * وثالثتها (617) استطلاق البطن، وذلك لعجز القوة الماسكة عن مسك رطوبات البدن. * ورابعتها (618) تقوس الأظفار والشراسيف، وذلك لاستيلاء الجفاف على الأعضاء. * وخامستها (619) رداءة رائحة ما ينفث وظهور ذلك منه ظهورا بينا، وذلك لتمكن العفن وشدة سريانه في جرم الرئة. * وسادستها (620) احتباس النفث في بعض * الأحايين (621) أو في أكثرها، وذلك لعجز الطبيعة عن دفع ذلك. * وسابقتها (622) كمودة ما * ينفث (623) وميله إلى الزرقة، وذلك لضعف الحرارة الغريزية. والله أعلم.
11
[aphorism]
قال أبقراط: وأما في أوقات السنة فأقول إنه متى كان الشتاء قليل المطر شماليا وكان الربيع مطيرا جنوبيا فيجب ضرورة أن يحدث في الصيف حميات حادة ورمد واختلاف دم وأكثر ما يعرض اختلاف الدم للنساء ولأصحاب الطبائع الرطبة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث * عشرة (624) .
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (625) بما قبله: وهو أنه لما ذكر إحكام PageVW5P144B كل فصل من فصول السنة بحسب البساطة، ذكر في هذا الفصل إحكامه عنه التركيب. ولنبسط القول في هذا فنقول: هذا التركيب إذا بسطنا القول فيه تفرع إلى أربعين قسما. وذلك لأنها إذا تغيرت فإما أن يكون ذلك التغير في فصل واحد أو في فصلين أو في ثلاثة فصول أو في أربعتها. والأول يتنوع إلى * اثني (626) عشر نوعا فإن الربيع إما أن يصير هواؤه صيفيا أو خريفيا أو * شتائا (627) ، وكذا الصيف والخريف والشتاء. والثاني يتنوع إلى ستة عشر نوعا، وذلك * لأن (628) الربيع والصيف إما أن يصير مزاجهما ربيعيا أو صيفيا أو * خريفيا (629) أو شتائيا، وكذلك القول في الصيف مع * الخريف (630) وهو مع الربيع. والثالث يتنوع إلى ثمانية أنواع، * لأن (631) الربيع والصيف والخريف إما أن تصير ربيعية أو صيفية أو شتوية، وكذلك القول في الصيف والخريف والشتاء والخريف والشتاء ثم الخريف والشتاء والربيع ثم الشتاء والربيع * والصيف (632) . والرابع يتنوع إلى أربعة أنواع، فإن أربعتها إما أن * تكون (633) ربيعية أو صيفية أو خريفية أو شتوية.
البحث الثاني
في معنى الشتاء الشمالي: * أما (634) أن يكون قوي البرد قليل الرطوبة * وإنما (635) يكون كذلك إذا كان قليل المطر فإنك قد عرفت أن المراد بالرطوبة هاهنا مخالطة أجزاء مائية للأجزاء الهوائية. والربيع الجنوبي معناه أن PageVW1P081B يكون قليل البرد أي دفيئا كثير الرطوبة، * وإنما (636) يكون كذلك إذا كان كثير الأمطار، وعند ذلك يرطب الأبدان * ويزيل (637) عنها الجفاف الحاصل لها من يبوسة هو الشتاء. فإذا ورد الصيف حلل هذه الرطوبة بقوة حرارته وأذابها وعند ذلك تستعد الأبدان بسبب ذلك للعفن، وذلك لاجتماع سببي العفن وهما الفاعل والقابل. * فإن (638) كانت الأبدان في الأصل رطبة المزاج إما أصلية كالصبيان والنساء وإما غير أصلية كمن اعتاد استعمال التدبير المرطب فما أسرع ما يحدث العفن له.
البحث الثالث:
خروج الفصول عن * طبائعها (639) تارة يكون خروجا يسيرا وتارة يكون خروجا كثيرا. والخروج المذكور في هذا الفصل من القبيل الأول، وذلك لأن الشتاء الشمالي لا يبلغ يبس الهواء * فيه (640) أن ينقص رطوبته * نقصانا (641) كثيرا لأن البرد نفسه موجب لاستحالة الهواء فيه إلى الطبيعة المائية، والربيع متى كان رطبا لم يكن قد بعد عن * طبيعته (642) بعدا كثيرا، ولما كان حاله كذلك تأخر الضرر الحاصل منه إلى الشهر الثالث. ولذلك حكم بحصول الأمراض الحاصلة من ذلك في زمان الصيف، وذلك لأنه قد علم أن قوة الأثر إما لقوة المؤثر أو لدوام تأثيره. والمؤثر هاهنا لما كان ضعيفا لم يظهر الأثر عنه إلا لدوام تأثيره فتأخر ذلك عنه المدة المذكورة.
البحث الرابع
في بيان عروض ما ذكره عن الخروج المذكور: أما الحميات فلأن الربيع لما كان جنوبيا رطب الأبدان * عوض (643) ما فاتها من ذلك في الشتاء. فإذا جاء الصيف سيل بحرارته تلك الرطوبة وأذا بها. فإن * كان (644) فيها استعداد للعفن عفنتها حرارته وأحدثت حميات. وأما حدتها فوجهين: أحدهما أن في * الغالب (645) حميات الصيف حادة أي صفراوية أو * دموية (646) ؛ وثانيهما لقلة المادة، فإنك قد عرفت أن الشتاء السابق قليل الرطوبة وأن الرطوبة المستفادة من الربيع معظمها في تندية الأبدان وإذهاب الجفاف الحاصل لها من يبوسة الشتاء هذا إذا كانت المادة * العفنة (647) شاملة لجملة البدن. وأما إن كانت خاصة بعضو دون عضو فإن كانت في الدماغ وكان في العين قبول لانصبابها حصل منها رمد، وإن لم يكن فيها قبول ومالت إلى جهة أخرى حصل منها مرض آخر. وإنما ذكر أبقراط * الرمد (648) ، وذلك أن * العين (649) لما كانت عضوا لطيفا دائم الحركة قريبة من الدماغ كانت أقبل لمواده دون باقي أجزاء الوجه, وأما * إن (650) مالت المادة إلى أسفل أي إلى جهة المعاء، أوجبت الإسهال ويكون دمويا، وذلك لأن * هذه (651) المادة قد استفادت حدة بالعفونة وبما صار في الأبدان من اليبوسة فتجرد المعاء بسبب ذلك وتوقع في السحج والسحج يلزمه خروج الدم.
البحث الخامس:
لقائل أن يقول: أبقراط حكم هاهنا بعروض الحميات والرمد مطلقا، وأما اختلاف الدم فقال إنه أكثرما يعرض للمرطوبين، فنقول: وذلك لأن الرمد يكفي في حدوثه أدنى مادة تنصب إلى العين لأنها عضو حساس صغير الجرم كثير الحركة فتقبل الأذي من أدنى مادة تميل إليه. وأما الحميات فتفتقر في حدوثها إلى * مادة (652) أكثر من تلك المادة. وأما اختلاف الدم فإنه لا يحدث إلا عن مادة متوفرة لأن المعاء عضو معتاد لانصباب الفضلات الحادة إليها التي هي الصفراء المنبه لها على * دفع (653) ما فيها من الفضلات ولخشونة البراز وجرده لها فلذلك لا يحدث فيها السحج وإسهال الدم إلا عن مادة متوفرة. ولما كان * الحال (654) كذلك، قال: وأكثر ما يعرض ذلك لمن كان كثير الرطوبة إما بالطبع * وإما (655) باكتساب فإن هؤلاء لتوفر رطوباتهم يكونون مستعدين * لذلك (656) . فإن قيل: * فلم (657) اقتصر على ذكر * ما (658) يحصل في الصيف ولم لا * ذكر (659) ما يحصل في الشتاء والربيع فإن كل واحد منهما قد خرج عن طبعه؟ فنقول الجواب عن هذا قد عرفته وهو أن التغير الحاصل في كل واحد من الفصلين المذكورين ليس هو تغيرا قويا حتى يوجب الضرر في وقته.
البحث PageVW5P145B السادس:
قال أبقراط في كتابه في المياه والأهوية والبلدان: هذه الأمراض تعرض في الصيف كله إلا أن يحدث * تغيرا (660) ما عند الشعري وهو أن يحدث مطرا * ويهب (661) الرياح التي تهب في كل سنة في ذلك الوقت فقد يرجى سكون مثل * هذه (662) الأمراض، وأن يكون الخريف صحيحا، وإن لم يحدث ذلك لم يؤمن وقوع الموت بالصبيان والنساء. فأما * الكهول (663) فأبعد الناس من ذلك. ومن أفلت من أولائك فلا * يؤمن (664) أن يقع في حمى الربع ثم منها في الاستسقاء. أقول: وذلك لأن المطر متى حصل في ذلك الوقت أصلح يبوسة الهواء وأضعف الحرارة الفاعلة للعفن، ولا شك أنه متى حصل رجي سكون تلك الأمراض ويكون الخريف مع ذلك صحيحا لقلة اليبوسة فيه بسبب تنديه الهواء لمواد الأبدان، ومتى لم يحصل ذلك توفر العفن لا سيما فيمن كان مادته كثيرة ومستعدة للعفن كالصبيان والنساء. وأما من كان غير مستعد لذلك فإنه لا يعرض له ما يعرض للمستعدين كالكهول وغيرهم من يابسي * الأمزجة (665) ، غير أنه يحصل لهم حمى الربع لقلة المادة ويبسها ثم الاستسقاء لضعف الكبد بسبب عظم الطحال وتوفر السوداء. إذا * عرفت (666) هذا فنقول: فعلى هذا كان يجب على الإمام أبقراط أن يذكر عند حكمه بحدوث الحميات والرمد واختلاف الدم في التغير المذكور لفظة الأكثر ليقع الاحتراز عما ذكره في كتابه في المياه وهو قوله: إلا أن يحدث عند طلوع الشعري كذا * وكذا (667) على ما علمته بل ذكر بدل الأكثرية بالضرورة وبين اللفظتين * بيان (668) عظيم. فنقول إن حكمه هاهنا بالضرورة بالنظر إلى طبيعة المادة وهو PageVW1P082A أنه متى حصل التغير المذكور وكان في المواد استعداد لقبول ما يحصل من ذلك التغير فيجب ضرورة أن يحصل كذا وكذا. وأما حكمه في ذلك الكتاب فهو بالنظر إلى التأثير العام وهو أمر الهواء، فإنه متى حصل التغير المذكور في التشاء والربيع حصل في الصيف كذا وكذا إلا أن يتغير السبب العام بما ذكره من أنواع الأمطار، وإذا كان كذلك فليس بين الحكمين تناقض.
البحث السابع:
حكمه هاهنا بالضرورة. قال جالينوس: الاعتماد فيه على القياس لا على التجربة، فإن التجربة لا تكاد تفيد * دوام (669) ذلك فضلا عن الضرورة لأن عمر الإنسان يقصر عن إدراكه والتجربة إنما تفيد إذا تكرر مقتضاها في بلاد كثيرة وأعصار متوالية. والذي نقوله نحن في هذا الموضع أن حكم أبقراط هاهنا * بذلك (670) مأخوذ من القياس على ما عرفت وهو اسعداد المادة لتأثير الحاصل من تغير الهواء والتجربة تؤكد ذلك وتؤيده، غير أن لقائل أن يقول: إذا قابل كل واحد من الفصلين للآخر فإما أن يكون الثاني مساويا للأول في المقابلة ولا يكون، فإن كان الأول PageVW5P146A رفع الثاني تأثير الأول فاعتدلت الأبدان وترتب * على (671) ذلك أن لا يحصل ما ذكره أبقراط من الأمراض، وإن كان الثاني فإما أن تكون القوى في ذلك الفصل الأول أو الثاني، فإن كان الأول فيلزم أن لا يحدث عفن في المواد فلا تحدث حميات حادة ولا رمد ولا اختلاف دم لأن ذلك كله موقوف على العفن، فإذا كان لا عفن فلا يكون لهذه الأمراض وجود، وإنما قلنا: إن * كان (672) القوى في ذلك الفصل الأول فلا عفن لأن خروج الفصل الأول إلى جهة البرد واليبس الذي * هو (673) حكم الرياح الشمالية، وذلك مناف للعفن. وإن كان الثاني وهو أن يكون حكم الفصل الثاني أقوى من حكم الفصل الأول فالأبدان تترطب أكثر، ومتى كثرت الرطوبة غلب تأثيرها على تأثير الحرارة لا سيما وحرارة الربيع ضعيفة، لأنك قد علمت أن الأرطب مما ينبغي يجعل الشيء أبرد مما * ينبغي (674) ، ومتى صار حال المواد كذلك لم تعفن. ويترتب على ذلك أن لا يحدث شيء مما ذكره أبقراط * من (675) الحميات الحادة والرمد واختلاف الدم. قلنا الجواب عن هذا قول المعترض المقابلة في الخروج إما أن تكون متساوية أو غير متساوية، * نقول (676) : فإن كانت متساوية رفع الثاني تأثير الأول، نقول: لا يرفعه بل يكسره ويوفقه ويمنع سرعه تأثيره، وكذلك لما كان الحال كذلك في الخروج المذكور كان الأثر الحاصل منه يتأخر إلى الفصل الثالث بخلاف ما إذا * كان (677) خروج الفصل الثاني متشابها لخروج الفصل الأول فيكون التأثير الحاصل عن ذلك يحصل في الفصل * الثاني (678) .
البحث الثامن
(679) : الحميات الحادة نقول أولا أن أريد بالحاد القصير المدة كانت حمى يوم حادة وأن أريد بالحاد ما كان كذلك وكان شديد الخطر لم تكن حمى يوم * حادة (680) . فعلى هذا التقدير الأول تكون الحميات الحادة على نوعين، دموية وصفراوية. وأما أقسام حمى يوم فقد تقدم الكلام فيه، وكذلك الكلام في غيره. والدموية على نوعين، عفنية وغير عفنية. والعفنية هي المسماة عند الأطباء بالمطبقة وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام، متزايدة ومتناقصة ومتساوية. قال الأطباء: وذلك لأن المتعفن من الدم لا يخلو إما أن يكون متساويا للمتحلل منه أو أزيد منه أو أنقص، فإن كان الأول فهي المسماة بالمتساوية، وإن كان الثاني فهي المتزيدة، وإن كان الثالث فهي المتنقصة. قالوا: * والعلة (681) في ذلك من وجوه ثلاثة: أحدها من جهة الهيئة البدنية، وثانيها من جهة القوة المدبرة للبدن، وثالثها من جهة المادة. أما الأول فإنه متى كانت السخنة متخلخلة كان المتحلل من المادة أكثر من المتعفن فتكون الحمى منتفصة، ومتى كانت متكاثفة كان الأمر بالعكس وكانت الحمى متزايدة، ومتى كان حالها متوسطا بين ذلك كانت متوسطة. وأما أمر القوة فإنها قوية بادرت إلى تحليل المتعفن وكانت منتقصة، ومتى كانت ضعيفة كان حال المادة بالعكس وكانت متزايدة، ومتى كان حالها متوسطا بين ذلك كانت متوسطة. وأما أمر المادة فإن الدم متى كان كثيرا وكان قابلا للعفن ثم عفن جزء منه سرت العفونة إلى جميع أجزائه فكان النتعفن أكثر من المتحلل فكانت متزيدة، ومتى كان حاله بضد ذلك كانت الحمى الحادثة عنه متنقصة، ومتى كان متوسطا كانت الحمى متساوية. والعلة في اختصاص الحمى الدموية بذلك اجتماع سببي العفن فيه وهما الفاعل والقابل. فالفاعل متى كان متساويا للقابل في قبوله كان المتعفن متساويا للمتحلل وكانت الحمى الحاصلة من ذلك متساوية، ومتى كان الفاعل في فعله أقوى من القابل في قبوله كان المتحلل أكثر من المتعفن فكانت منتقصة، ومتى كان الأمر بالعكس كانت متزايدة. واعلم أن الأطباء مختلفون في الدم إذا عفن هل يتغير عن صورته الدموية أو يبقى على ما هو عليه. ذهب الفاضل جالينوس إلى أنه إذا عفن صار صفراء وتكون الحمى الحادثة عنه من قبل الحميات الصفراوية على ما صرح به في عدة مةاضع من كتابه المعنون بالحميات. وقد عينا PageVW1P082B تلك المواضعع المنقولة عنه في شرحنا لكليات القانون. وواقفه على ذلك من المتأخرين القاضي أبو الوليد ابن رشد: وذهب الإمام أبقراط إلى أنه إذا عفن لم يتغير عن الصورة الدموية البتة. وتبعه في ذلك أكثر المتأخرين مثل الشيخ الرئيس وصاحب الكامل وابن أبي صادق، واستدل جالينوس على صحة ما ذهب إليه بوجه وهو أن ذات الجنب إذا كانت عن مادة دموية نراها تشتد غبا فلو لم يكن الدم انتقل إلى طبيعة الصفراء وإلا كيف صارت تنوب غبا والدليل على كون المادة الموجبة لذلك دموية حمرت لون النفث. واعلم أن الحق في هذه المسئلة مع الإمام أبقراط وشيعته. قال الشيخخ الرئيس في الكتاب الرابع من القانون حيث تكلم في حميات العفن هذا القول من الفاضل جالينوس مخالف للحق ولكلام أبقراط فجعل الشيخ كلام أبقراط عديلا للحق والدليل على ذلك من وجوه أربعة. أحدها: ما ذكره الشيخ في الموضع المذكور وهو أن صيرورة الدم كذلك لا يخلو إما يكون في حال العفن أو بعده فإن كان الأول فهوو باطل لأن العفن استحالة وهي حركة وكل حركة محتاجة إلى زمان ومن المستحيل أن يصير صفراء في زمان الاستحالة بل إن كان ولا بد فلا يكون كذلك إلا بعد الاستحالة، وإن كان الثاني وهو أن يصير صفراء بعد العفن وهو أيضا باطل، وذلك لأنه إذا عفن وصار لطيفة صفراء وكثيفة سوداء لا يلزم أن يكونا عفنين إذ لو لزم ذلك لحصل عن السوداء أيضا حمى فيكون هناك حميان سوداوية وصفراوية لا صفراوية فقط بل يقول: لا يلزم أن يكون من العفن ما هو عفن فإنه قد يحصل من العفن ما هو خال من العفن كما يتولد من العفونات حيوانات صحيحة تامة التركيب في نوعها. الثاني: لو صار الدم عند عفنه صفراء لنابت نوائبها والوجود بخلافه فإنا نرى المطبقة مستمرة لأخذ في نوائبها. وما ذكره الفاضل جالينوس من أمر ذات الجنب: قالوا الأطباء: أكثر ما تكون ذات الجنب عن مادة صفراوية لطيفة، وذلك لصفاقة الغشاء الذي هو محل الورم فلا ينفذ فيه إلا اللطيف من الأخلاط، وإن حصل ذلك عن دم فيكون نادرا، ويكون قد خالطه مع ذلك صفراء تنفذه وتداخله في خلل العضو المذكور. وأما استدلاله بحمرة اللون من النفث على أن المادة دموية فنقول: ولون الصفراء أحمر، فإن كان قد خالطها دم فيكون قانيا، وإن كانت بمفردها فيكون ناصعا. وثالثها : لو صار الدم عند عفنه صفراء لكانت أعراضه عند ذلك أعراض الصفراء عند عفنها والوجود بخلافه، فإن القارورة فيها حمراء حمرة كدرة القوام وطعم الفم حلو ولون السحنة شديد الحمرة إلا أن الفم يصير أمرا، والقارورة فيها حدة ولونها أصفر وغير ذلك من * أعراض (682) الصفراء. ورابعها: لو صار الدم عند عفنه كذلك لكانت مداواة حماه كمداواة الحمى الصفراوية والوجود بخلافه، فإن الدموية تعالج بالفصد حتى قال جالينوس إنني نجزتها بذلك نجزا وباستعمال ما يبرد ويجفف ويردع والصفراوية بالإسهال وبما يبرد ويرطب، وإن انتفعنا بالفصد فيها فذلك لإخراج شيء منها مع الدم الخارج فهذا ما أردنا ذكره من أمر الدموية العفنة. وأما الغليانية فرأى جالينوس أنها من قبيل حمى يوم لأنها لما كانت خالية من العفن كان حكمها كذلك. والحق أنها غير حمى يوم وغير حمى عفن وغير حمى دق. أما أنها غير حمى يوم فمن وجوه ستة: أحدها أن حمى يوم تفارق في الأكثر في يوم واحد ولهذا سميت بهذا الاسم وسونوحس تمتد إلى سبعة أيام؛ وثانيها أن حمى يوم تفارق بلا استفراغ محسوس، وهذه لا بجد في مداواتها من استفراغ ثم تبديل المزاج؛ وثالثها أن حمى يوم متعلقة بالروح وسونوحس بالدم؛ ورابعها أن حمى يوم لا يحصل فيها اختلاف في النبض شيء يعتد به، وأما سونوخس فيوجد فيها ذلك؛ وخامسها أن حمى يوم لا يتغير فيها السحنة لا في لونها ولا في ملمسها تغيرا يعتد به وسونوخس لا بد من حصول ذلك فيها؛ وسادسها أن حمى يوم البول فيها كهو في حال الصحة أو مائلا إلى الأترجية أو إلى التبنية. وأما في سونوخس فإنه مائل إلى حمرة ظاهرة، وربما كان فيه كدورة. وأما أنها غير حمى عفن فمن وجوه ثلاثة: أحدها أن سونوخس خالية من العفن بخلاف حمى عفن؛ وثانيها أن سونوخس لا يحتاج إليه في حمى عفن؛ وثالثها أن * سونوخس (683) لا يكون القوارير فيها ممتلئة كما هي في حمى عفن. وأما أنها غير حمى الدق فمن وجوه ثمانية : أحدها أن النبض في سونوخس لين موجي لرطوبة المادة في حمى الدق صلب؛ * وثانيها (684) أن القارورة في سونوخس على ما قلنا وفي حمى الدق ذوبانبة؛ وثالثها أن الحرارة في سونوخس دائما مستمرة على حالة واحدة وفي حمى الدق تشتد بعد أخذ الغذاء اشتدادا قويا على ما عرفت؛ ورابعها أن سونوخس ينقضي في المدة المذكورة والدق تمتد زمانا طويلا× وخامسها أن سونوخس يحتاج في مداواتها إلى الفصد ثم إلى تبديل المزاج وحمى الدق من حيث هي لا يحتاج فيها إلى تبديل المزاج؛ وسادسها أن سونوخس * متعلق (685) بالأخلاط وفي الدق بالأعضاء؛ وسابعها أن سونوخس تكون السحنة فيها ممتلئة وفي حمى الدق منخرطة نحفية؛ وثامنها أن سونوخس الحرارة فيها تائرة وقوية وفي حمى الدق هادية ساكنة إلا بعد الغذاء لما غرفت. إذا عرفت هذا فنقول: والحق أنها من قبيل جميات الخلط غير * أن (686) الأطباء إذا قسموا الحميات على وجه * كانت (687) أقسام الحميات ثلاثة، وإن قسموها على وجه آخر تكون أربعة. أما الوجه الأول فهو أن يقال الحميات روحية وخلطية ودقية. وأما الوجه الثاني فيقال الحميات روحية وعفنية ودقية. فعلى هذا تكون أربعة لأن سونوخس ليست بعفنية ولا تينك على ما عرفت ولكل واحد من الوجهين PageVW1P083A حصر. أما الأول فيقال الجميات إما أن تكون مادتها ذات قوام أو لا تكون. فإن كان الثاني فهي جمى يوم، وإن كان الأول فتلك المادة إما سيالة أو جامدة. فإن كان الأول فهي حمى عفن، وإن كان الثاني فهي حمى الدق. وإن كان الثاني فلا يخلو إما أن يكون معها عفن أو لا يكون، فإن كان الأول فهي حمى العفن، وإن كان الثاني فلا يخلو أن يكون لمادتها قوام أو لا يكون. فإن كان الأول فهي حمى سونوخس، وإن كان الثاني فهي حمى يوم. وأما الحميات الصفراوية فإنها تنقسم إلى دائمة وهي التي تكون المادة فيها محتبسة في داخل العروق وإلى مفترة وهي التي تكون مادتها خارجة العروق وتلك المواضع فرج الأعضاء ثم كل واحد منهما ينقسم إلى خالص وغير الخالص. فالدائمة الخالصة إن كانت مادتها قريبة القلب سميت الحمى الحادثة عن ذلك محرقة. وقد ذكر أبقراط في كتاب أبيديميا أن هذه أيضا تحدث عن بلغم مالح، وكذلك جالينوس في تفسيره للمقالة الثالثة من الأمراض الحادة للإمام أبقراط. ومعنى قولنا خالصة أي أن تكون المادة صفراوية فقط لا تخالطها بلغم، وغير الخالصة هي أن تخالطها ذلك اختلاط اتحاد، ومثل هذه الحمى تكون طويلة المدة. وإنما قلنا في الاختلاط * اتحاد (688) ، وذلك ليتميز الغب الغير خالصة عن شطر الغب، فإن في هذه البلغم مخالطا للصفراء لكن أحدهما متميز عن الآخر ثم هذه تنقسم إلى أربعة أقسام أولا وتتفرع إلى * اثني (689) عشر قسما. وذلك لأن البلغم إما أن يكون داخل العروق والصفراء خارجها وإما أن يكون بالعكس وإما أن يكونا داخلي العروق وإما أن يكونا خارجي العروق، وكل واحد من البلغم فيها إما أن يكون مساويا للصفراء في المقدار أو أزيد منها أو أنقص منها فتبلغ الأقسام عند ذلك * اثني (690) عشر قسما، والمسمى بالخالص من هذه هو القسم الأول من الأربعة، والعلامة الخالصة بهذا النوع أن يكون إحدى النوبتين أقوى من الأخرى، وذلك لاجتماع نوبة الصفراء مع نوبة البلغم الدائمة.
البحث التاسع
(691) في الرمد: * الرمد (692) على نوعين، حقيقي وغير حقيقي. والأول ورم في * الملتحمة (693) ثم هو على نوعين: منه ما يعظم فيه * الورم (694) حتى أنه يعطي الحدقة لاستيلاء إحدى المواد الأربع، وهذا * يختص (695) بالوردينج، ومنه ما لا يكون كذلك وهو المخصوص بالرمد، ومن الأطباء من يخص هذا الاسم بما كان حادثا عن مادة حارة، وما كان حادثا عن مادة باردة فيسميه تكدرا. والغير الحقيقي هو تغير يعرض للعين عن أسباب بادية مثل * غبار (696) أو حر مفرط أو غير ذلك من الأسباب البادية، وهذا يخص بالتكدر، وهذا الاصطلاح المشهور، ثم المادة الموجبة لما * ذكرنا (697) تارة تكون متولدة في العين وتارة تكون صائرة إليها إما من طريق الحجاب الخارج المعروف بالسمحاق، ويخص هذا حصول الوجع في ظاهر العين، وتارة تكون في الحجاب الداخل ، ويخص هذا غور الوجع داخل العين. * وسبب (698) اختصاص العين بتوليد المادة فساد مزاج عارض لطبقاتها إما لمادة محتبسة فيها وإما لرمد طالت مدته. وشدة الوجع في الرمد إما لخلط حاد يأكل طبقات العين وإما لخلط * كثير (699) يمدد طبقات العين وإما لبخار غليظ يفعل ذلك. فرداءة الرمد بحسب الكيفية وعظمه بحسب الكمية. والبلاد الجنوبية يكثر فيها الرمد ويسكن بسرعة. أما الأول فلسيلان المادة وكثرة الأبخرة. وأما الثاني فلوجهين: أحدهما لتخلخل * مسام (700) الأعضاء، وثانيهما لانطلاق الطبيعة. والبلاد الشمالية الحال فيها بالعكس. ولزوم الرمد حالة واحدة من الوجع مع لزوم الصواب * من (701) العلاج مع * التنقية (702) وتبديل المزاج وإصلاح التدبير * بسبب (703) مادة رديئة محتبسة في العين تفسد الغذاء الواصل إليها.
البحث العاشر
(704) في اختلاف الدم: هذه PageVW5P146B اللفظة تطلق على الخارج من جهة الكبد وعلى الخارج من جهة المعاء. ويخص الأول * بالدوسنطاريا (705) الكبدية، والثاني بالدوسنطاريا * المعائية (706) المعائية. والأول له أسباب: إما ورم في جرم الكبد قد انفجر أو سدة قد انفتحت أو انبثاق عرق من عروقها إما لضربة وقعت عليها أو سقطة أو ضعف القوة الماسكة التي فيها فلا تمسك ما * ينفذ (707) إليها من صفو الكيلوس ريثما ينهضم انهضاما تاما أو ضعف من الهاضمة التي فيها فلا تهضم ما يصل إليها من ذلك على ما * ينبغي (708) . وعند ذلك لم تقبل الأعضاء عليه بل تدفعه دفع الشيء المنافي * له (709) أو سوء مزاج حار يذيب جوهرها ويخرج أولا فأولا أو امتلاء مفرط إما في الكبد فقط، وذلك إما لضيق العروق الناشئة منها أو لسدد فيها، وإما في البدن كله، وذلك إما لترك رياضة معتادة، وإما لزيادة في الغذاء، وإما لترك استفراغ معتاد إما * دم (710) بواسير أو خروجه من أفواه العروق * إما (711) بالطمث أو قطع عضو كبير فيرجع الدم في مثل هذه الصورة إلى * جهة (712) الكبد فيؤذيها ويضعف قواها المذكورة ويوجب ما ذكرنا. ويخص الورمي ظهوره للحس إن كان في * التجذيب (713) ، وإن كان في * التقعير (714) * ثقل (715) في الغور وفواق، ويتقدم الورمي * بكلي (716) نوعيه حميات وذبول في الاعضاء، ثم عند خروج مادته يعقبه خفة وراحة. والسددي * ثقل (717) في الغور من غير حمى ثم خفة وراحة عند انفجاره، والكائن لانبثاق عرق يقدم السبب الموجب له. ويخص ضعف الماسكة وجود الإسهال المذكور مع خفة في الجانب الأيمن، والكائن لضعف الهاضمة ثقل في الجانب الأيسر لقوة الماسكة ومسلكها الواصل إليها من * الكيلوس (718) . ويخص الحار المذيب ظهور الحرارة والتهاب. ويخص الامتلاء إما الخاص بالكبد فثقل في الجانب الأيمن، ويفارق الكائن عن ضعف الهاضمة بأن الكائن للامتلاء يكون لون الخارج فيه ظاهر * القانية (719) ، والكائن PageVW1P083B لضعف الهاضمة لا يكون لونه كذلك، وإما العام للبدن فيدل عليه تقدم أسبابه، وإما المعوية وهو المعروف بالسحج وهو جرد يحصل للمعاء، وذلك * إما (720) لمواد حادة تنصب إليها * من (721) الكبد فتجردها أو سوداء محترقة من جهة الطحال أو بلغم * بورقي (722) ينحدر إليها من جهة الدماغ وإما * لدواء (723) مسهل قد لحج بجرمه كما يحصل من شحم الحنظل إذا * أنعم (724) سحقه أو لشدة * حدة (725) المسهل فيجردها كما يحصل من الأفربيون العتيق أو الحديث إذا أخذ منه أكثر من الواجب وحد توليد المواد الصفراوية لذلك * أسبوعين (726) والبورقية * شهرا (727) والسوداوية * أربعين (728) يوما. ثم الجرد المذكور تارة يكون في المعاء الدقاق وتارة يكون في الغلاظ. والفرق بين ذلك من * وجوه (729) * ثمانية (730) : أحدها من جهة الوجع وهو أن الوجع الحاصل في الدقاق يتبعه ألم قوي، وذلك لقوة حسها وقربها من القلب، والحاصل في الغلاظ بخلاف ذلك؛ وثانيها من جهة PageVW5P147A الموضع وهو أن الحاصل في الدقاق * موضعه (731) فوق السرة وفي الغلاظ تحت السرة؛ وثالثها من جهة الخارج وهو أن الحاصل في الدقاق * الخارج (732) مع الدم جوهر كيلوسي، والحاصل في الغلاظ الخارج معه جوهر برازي؛ ورابعها من جهة القشرة الخارجة، * فإنها (733) متى كانت رقيقة فالآفة في الدقاق، ومتى كانت غليظة * ففي (734) الغلاظ؛ وخامسها من جهة اختلاط الدم بما * يبرز (735) معه وهو أنه متى كان مختلطا به * فهو (736) من الدقاق، وذلك لطول المساقة، ومتى * كان (737) منفصلا عنه * فهو (738) من الغلاظ؛ وسادسها من جهة الرائحة، فإن الخارح من الدقاق رائحته قوية، * وذلك (739) لطول المسافة فيطول زمان احتباسه، والخارج من الغلاظ رائحته ضعيفة لقصر المسافة؛ وسابعها من جهة الزمان الحاصل بين القيامين، فإنه متى كان طويلا فالخارج من الدقاق، وذلك لطول المسافة، ومتى كان قصيرا فالخارج من * الغلاط (740) . وأما الفرق بين الكبدية والمعوية مطلقا من وجوه ثمانية: أحدها من جهة الوجع، فإن الكبدية لا يكون معها وجع، وإن كان * فيسيرا (741) جدا، وذلك بمشاركة الغشاء، والمعوية تكون شديدة الوجع؛ وثانيها من جهة مقدار الدم الخارج وهو أنه متى كان كثير المقدار فالعلة كبدية، ومتى كان قليل المقدار فالعلة معوية، وذلك لأن دم * الكبد (742) * كثير (743) جدا بل هي * في (744) نفسها كدم جامد؛ وثالثها من جهة الرائحة، فإن الكبدية يكون الخارج * منها (745) شديد النتن جدا بحيث أنه لا تقابل رائحته، وذلك لاجتماع سببي العفن فيها وهما الحرارة والرطوبة لأن جوهرها * لحم (746) بخلاف الخارج من المعاء، فإنه لا يكون كذلك لعصبية جوهرها؛ ورابعها من جهة اللون، فإن الخارج من جهة الكبد لونه شديد القانية، والخارج * من (747) المعاء لونه أصفى من ذلك، وذلك لأن لون الكبد كذلك؛ وخامسها من جهة الموضع، فإن الكبدية الوجع اليسير فيها تحت الشراسيف والمعوية بكلي قسميها في الجوف؛ وسادسها من جهة اختلاط الدم بما معه وهو أنه متى كان شديد الاختلاط به فالعلة كبدية، وذلك لطول المسافة، ومتى كان منفصلا عنه فالعلة * معائيه (748) ؛ وسابعها من الزمان الحاصل بين القيامين وهو أنه متى كان طويلا فالخارج من الكبد، ومتى كان قصيرا فمن المعاء حتى أن الخارج من الكبد يكون له * نوائب (749) ؛ وثامنها من * جهة (750) الانتفاع * بموضع (751) المداواة وهو أنه إذا كان * ينتفع (752) * بها (753) عند وضعها تحت الشراسيف من الجانب الأيمن فالخارج من الكبد، وإن كان ينتفع بها عند وضعها على * الجوف (754) فالخارج من المعاء. واعلم أن الكبدية قد تبلغ من نكاية السبب الموجب لذوبانها * أن (755) * يقطعها (756) ويخرج شيء من جرمها مع الدم الخارج. وقد شاهدنا ذلك * مرات (757) في إسهالها حتى أنه قد يبلغ * أن (758) يكون * وزنه (759) قريبا من عشرة دراهم، وقد رأيت قطعة كثيرة يكاد أن يكون وزنها * قريبا (760) من خمسة وعشرين درهما، وربما كانت * أكثر (761) من ذلك بكثير غير أن العليل مات بعد ذلك بخمسة أيام. وأما ما كان وزنه خمسة دراهم وستة * دراهم (762) فقد * رأيناه (763) كثيرا وعاش العليل بعد ذلك. قال الأطباء: وذلك لأن التأكل * والخارج (764) متى كان من زوائد الكبد فيرجى لصاحبها PageVW5P147B البرء، ومتى كان الخارج من جرم الكبد * فلا (765) يرجى له برء. ويعرف ذلك من سعة العروق في الخارجة من * القطعة (766) ، فإنها متى كانت ضيقة فالخارج من زوائدها، ومتى كانت واسعة فالخارج من * جرمها (767) . وقد اختلف الأطباء في منفذ * هذه (768) القطعة الخارجة من الكبد. واعلم أولا أنه قد يجتمع الدم الخارج من الكبد في المعاء ويجمد فيها ويخرج قطعا، فيظن * الظان (769) أنه قطع لحم. ويفرق بين * هذا (770) وبين قطع * اللحم (771) بوجهين، بالغسل والشي. أما الأول فإنه * قد (772) يجعل في ماء حار شديد الحرارة ويغسل به، * فإن (773) ذابت * فهي (774) دم جامد، وإن لم تذب فهي قطعة لحم. وأما الثاني فهو أن يجعل على النار، فإن ذابت * فهي (775) دم جامد، وإن لم تذب فهي قطعة لحم. إذا عرفت هذا فنقول: قال * بعض (776) الأطباء إن منفذ ذلك الماساريقا فإنها تقبل التمديد لأن جوهرها عصبي وتخرج هذه القطعة منها، وبذلك، قال، من المتأخرين علاء الدين ابن النفيس قال كما يقبل * فم (777) الرحم مع ضيقة التمديد ويخرج منه الجنين ومقداره عظيم جدا. وهذا وجه ضعيف، وذلك لأن فم الرحم عصبي غليظ الجوهر وهو أيضا واسع، فإذا تمدد قبل الاتساع بسبب غلظ جوهره بخلاف الماساريقا، فإنها مع ضيقها رقيقة الجوهر، فإذا تمددت لخروج * الجرم (778) المذكور انفزرت وصار * الجرم (779) المذكور بين المعاء والفضاء * الذي (780) خلفها. وأما نحن فكنا * قد (781) ذكرنا في كتابنها المسمى بالشافي منفذ خروجها وهو أن هذا الجرم يخرج من الكبد في مجرى PageVW1P084A المرارة ثم إلى كيس المرارة ثم منها إلى المعاء. ثم * لما (782) فتح * الله (783) علي بشرح * الكليات (784) وذكرت تشريح المرارة وأمعنت في كلام الفاضل جالينوس في * تشريح (785) هذا العضو رأيته يقول إن مجرى المرارة المتصل بالكبد ليس اتصاله بها بمعنى أن * فوهته (786) متصلة بها بل أن طرفها هذا يتشعب إلى شعب أدق من الماساريقا ويثبت في جميع جرمها لتأخذ الصفراء منها جميعها، وإذا كان حال هذا المجرى كذلك كيف يتصور أن يقال * إن (787) الجرم المذكور يخرج من هذه * الشعب (788) وينفذ في مجرى المرارة أو * يخرج (789) من جرم الكبد القريب من فوهة المجرى المذكور ولم يخرق ويخرج ويصير إلى الفضاء الخارج عن المجرى. وبالجملة يكون الكلام فيه كالكلام في الماساريقا. وأنا إلى الآن لم يتضح لي كيفية خروج هذا الجرم. ولنرجع إلى غرضنا فنقول: والمعوية إذا كان سببها مواد حادة منصبة إليها إما من الكبد * أو (790) من الطحال أو من باقي * الأعضاء (791) لا * يجوز (792) استعمال القوابض * فيها (793) خوفا من رجوع المادة الحادة * قهقرا (794) إلى جهة الكبد * فتفنيها (795) وتأكلها. وجهال الأطباء متى رأوا شيئا من ذلك استعملوا القوابض فأوقعوا العليل في * ذلك (796) .
12
[aphorism]
قال أبقراط: ومتى كان الشتاء جنوبيا مطيرا دفئا وكان الربيع قليل المطر شماليا فإن النساء * اللواتي (797) * تتفق (798) ولادتهن نحو الربيع PageVW5P148A يسقطن من أدنى سبب، واللاتي يلدن منهن يلدن أطفالا ضعيفة الحركة مسقامة حتى أنهم إما أن * يموتوا (799) على المكان وإما أن يبقوا منهوكين * مستقامين (800) طول حياتهم، وأما سائر الناس فيعرض لهم اختلاف الدم والرمد اليابس، وأما الكهول فيعرض لهم من النزل ما يفنى سريعا.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (801) بما قبله: وهو أن هذا الفصل كالمقابل للأول، وذلك لأن الأول يتضمن الكلام في إحكام الشتاء الشمالي والربيع الجنوبي، وهذا يتضمن الكلام في إحكام الشتاء الجنوبي والربيع الشمالي.
البحث الثاني:
المراد بقول أبقراط «شتاء * جنوبيا (802) » أي يكثر فيه هبوب الرياح الجنوبية، والربيع الشمالي * أن (803) يكثر فيه * هبوب (804) الرياح الشمالية. وقد عرفت هاتين الريحين، وعرفت أيضا أن الجنوبية حارة رطبة وأن الشمالية باردة يابسة، فالجنوبية إذا كثر هبوبها في زمان الشتاء * كانت (805) الرطوبة أزيد مما إذا كان الشتاء * خاليا (806) من ذلك، وعند ذلك تتوفر في الأبدان، ويكون مع ذلك سببا له لحرارة هذه الرياح بخلاف حالها في التشاء المعتاد. فإنها تكون فيه جامدة لقوة البرد، فإذا ورد على ذلك ربيع شمالي حبس تلك الرطوبة في الأبدان ببرده ويبسه، وهي بطبعها تميل إلى أسفل غير أن ميلها إلى ما هو أقبل لها أكثر من ميلها إلى غيره. ولا شك أن الرحم في مدة الحبل * قابل (807) لها فإنها ضعيف لأنه مثقل بحمل الجنين وباجتماع فضلات الحيض فيه وقوة الجنين ضعيفة عن * دفع (808) ما مال من الرطوبات إلى الرحم لتوفر مقدارها وحبس الربيع لها والمادة الرطبة من شأنها الإبلال والإرخاء فعند ميلها إلى الرحم تنكيه * وترخيه (809) ، وذلك مما يهيئ * الجنين (810) للإسقاط، وعند ذلك يكفيه في * ذلك (811) أضعف الأسباب الموجبة للسقوط. فإن كانت قوة الجنين ضعيفة سقط، وإن كانت قوية بقي إلى وقت الولادة الطبيعية. فعند ذلك إما أن تكون قوته قوية أو ضعيفة، فإن كانت ضعيفة مات على المكان لمصادفته هواء مضادا لمزاجه ولطبيعة * الحياة (812) وهو البارد اليابس، وإن كانت أقوى من ذلك قليلا عاش وبقي مسقاما مستعدا للأمراض، وذلك لأجل كثرة الرطوبة، فتكون أعضاؤه ضعيفة رخوة، فيكون * ضعيف (813) الحركة وتكون مواده مستعدة للعفن بسبب غلبة الرطوبة وتكون قواه واهية لانغمارها * بالرطوبة (814) وحواسه كدرة لضعف دماغه وكثرة فضوله وهضمه ضعيف لضعف هاضمته بسبب ضعف الحرارة التابع لتوفر الرطوبة، فإن الأرطب مما ينبغي يجعل الشيء أبرد مما * ينبغي (815) ، وضعف ماسكته لأنه قد علم أن هذه القوة * تحتاج (816) في تمام فعلها إلى توفر اليبس. وقد علمت أن الهضم موقوف على هاتين القوتين فلذلك قال إن المولود في هذا الوقت إن بقي كان مسقاما طول حياته.
البحث الثالث:
هذا النوع من الخروج لما كان كثيرا كان الضرر المتوقع * فيه (817) حاصلا PageVW5P148B في * أحد (818) الفصلين، * ولم (819) يتأخر إلى الصيف مثل * النوع (820) الأول المذكور في الفصل * المتقدم (821) ، وإنما * تأخر (822) إلى الربيع لأن طبيعة الشتاء كيف كانت مسكنة وطبيعة الربيع محركة فلذلك كان الضرر المتوقع من ذلك حاصلا في الربيع. وإنما قلنا إن هذا النوع من الخروج كثير ، وذلك لأن الرياح الجنوبية حارة على ما عرفت وطبيعة الشتاء باردة على ما ستعرفه والشمالية باردة * أيضا (823) على ما * عرفت (824) وطبيعة الربيع مائلة إلى حرارة * معتدلة (825) على ما ستعرفه. ولا شك أن خروج الشيء إلى ما هو * مضاده (826) خروج كثير بخلاف الخروج الأول، فإن الشتاء الشمالي الرياح الشمالية مناسبة لمزاجه ببردها. وأما اليبس فإن البرد القوي يقلب بعض الأجزاء الهوائية إلى المائية * فيرطب (827) الهواء. ولا شك أن البرد في الشتاء الشمالي قوي جدا لأنه حاصل له من وجهين، من جهة الشتاء نفسه ومن جهة الشمال. PageVW1P084B والربيع الجنوبي حاله كذلك، فإن الرياح المذكورة حارة رطبة مناسبة لطبيعة الفصل المذكور. فلذلك قلنا إن الخروج المذكور خروج يسير بخلاف الخروج المذكور في هذا الفصل، فإنه خروج * كثير (828) .
البحث الرابع
في بيان عروض ما ذكره لسائر الناس: أما الاختلاف * المذكور (829) فلامتلاء * البدن (830) من الرطوبات المذكورة وحبسها ببرد الشمال ويبسه فتضعف القوة الماسكة إما لترطيبها المضادة لما هي محتاجة إليه من الكيفيات وإما لثقل المادة فتعجز القوة * المذكورة (831) عن مسكها في أوعيتها. واما كونه دمويا فلأن المادة المذكورة يكون فيها بورقية ما، وذلك لحرارة الجنوب الهابة في فصل الشتاء ويبس الشمال الهابة في * فصل (832) الربيع، فلبورقيتها تجرد سطح المعاء وتوقع صاحبها في سحج، وذلك يلزمه خروج الدم. وأما الرمد * فلكثرة (833) المادة وسيلانها إلى جهة العين. وأما كونه يابسا أي لا يسيل * منها (834) دموع * فلبرد (835) الشمال * ويبسها (836) يكثف سطح العين وتسد منافذها فيحتبس ما عساه أن يندفع إليها من الرطوبات المذكورة.
البحث الخامس:
قوله «واما الكهول فيعرض * لهم (837) من * النزل (838) ما يفنى سريعا»: لقائل أن يقول إن الكهول * يندرج (839) في قوله «وأما سائر الناس» وإذا كان كذلك فيكون قوله هذا * تكرارا (840) ، فنقول * إن (841) الكهول يعرض لهم ما يعرض لسائر الناس مما ذكره، ويعرض * لهم (842) أمر آخر يخصهم * وهو (843) النزل التي تفنى سريعا، والتي لا تفنى سريعا على ما جاء في كلام * الإمام (844) أبقراط، فإنه جاء في بعض النسخ هذا وجاء الأول، وقد جاء ما يفنى سريعا باليا أي يهلك سريعا، والكل * حق (845) ، ومراده بالكهول الذين في آخر سن الكهولة فإن هؤلاء لبرد أمزجتهم وضعف أدمغتهم * وقواهم (846) وكثرة فضلاتهم مستعدون للنزلات. أما التسخة الأولى وهي التي تقرأ «ما يفنى سريعا» فإن هذه النزلة الحاصلة للكهول بعضها الصيف فيحلل مادتها ويلطفها، وبالجملة يكون كالعين لمداواتها بخلاف ما إذا كان عروضها في الخريف أو في الشتاء فإن مدتها تطول. وأما النسخة الثانية وهي التي تقرأ «ما لا يفنى سريعا» لأن عروض ذلك في سن القوى فيها ضعيفة والحرارة آخذة في التلاشي والاضمحلال والمواد الرديئة متوفرة وهي آخذة في الزيادة، وكل ذلك مما يعين على طول مدة النزلة. وأما النسخة الثالثة التي تقرأ «ما يفنى سريعا أي يهلك سريعا» فإن مواد هذه النوازل تهجم على مسالك الروح لكثرتها فتخنق وتقتل سريعا، وشاهد ذلك في قول أبقراط في كتاب المياه والأهوية * والبلدان (847) . واما المشايخ فيعرض لهم من النزل حتى أنهم يهلكون بغتة، ومنهم من يعرض * لهم (848) الفالج في * شقتهم (849) الأيمن، * أقول (850) : وإنما اختص الأيمن بذلك في هذه السن، وذلك لحرارة مزاجه وتخلخل جرمه فيكون أقبل PageVW5P149A للمادة عند ميلها وانحدارها من الأعالي إلى الأسافل. واما الرمد واختلاف الدم فقد تكلمنا فيهما.
البحث السادس
في النزلة من الأطباء من يخص باسم * النزلة (851) ما ينزل إلى * الحلق (852) وباسم الزكان ما ينزل * إلى (853) الأنف: وهذا اصطلاح جمهور * الأطباء (854) ، ومنهم من يسمي جميع ذلك نزلة، وهذا اصطلاح الإمام أبقراط على ما ذكرنا والرئيس أبو علي بن سينا من * المتأخرين (855) . وسبب ذلك إما حرارة أو برودة، والحرارة إما خاصة * وإما (856) حادثة، والخاصة هي الأصلية والحادثة مثل * حرارة (857) الحمام والمستفادة من الرياضة والغضب المفرط والأراييح المسخنة، فإن هذه مع الأصلية تخلخل المسام وجوهر الدماغ وتجعله قابلا للمواد * ولتأثير (858) الحر والبرد الخارجين. وقد يحدث التخلخل من فصد قد أفرط في خروج الدم فيه، فإنه يهيء البدن لقبول ذلك. واما البرودة فإنها توجب ذلك من جهة * حبسها (859) للفضلات البدنية وإضعافها للهضم. ومما ذكرنا يعلم أن أصحاب الأمزجة الحارة استعدادهم لأسباب النزلة الخارجة أشد من اتسعدادهم لأسبابها الداخلة، وأصحاب الأمزجة الباردة * بعكس (860) ذلك. ومادة النزلة قد تكون حارة وقد تكون باردة، ومن جهة قوامها قد تكون غليظة وقد تكون لطيفة، ومن جهة الطعم قد تكون حريفة وقد تكون مالحة وقد تكون مرة وقد تكون حلوة، والباردة والغليظة تنضج بالحمى * والحارة (861) لا ينتفع بها البتة. والصداع إذا * قارن (862) النزلة زاد فيها * الحدب (863) .
13
[aphorism]
قال أبقراط: * وإذا (864) كان الصيف قليل المطر شماليا وكان الخريف مطيرا جنوبيا عرض في الشتاء صداع شديد وسعال وبحوحة * وزكام (865) وعرض لبعض الناس السل.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (866) بما قبله: وهو أنه لما كان آخر كلامه في الفصل المتقدم في الربيع إذا كان جنوبيا، ولا شك أن الصيف بعد الربيع أعقبه بذكر الصيف إذا كان شماليا.
البحث الثاني:
قال جالينوس إن أبقراط جعل مزاج الصيف والخريف هاهنا على مزاج الشتاء والربيع في الفصل المتقدم، وجعل التغير الحاصل من ذلك * حادثا (867) في الفصل الثالث، وكذلك حال ما يحصل من * التغير (868) في هذا الفصل كل هذا إذا فرضنا أن يجيء الفصل الثالث على واجبه، وقد عرفت بيان علة الحكم الأول في الفصل * الأول (869) . وأما بيان حكمه في هذا * الفصل (870) فاعلم أن التغير المذكور هاهنا لم يخرج به كل واحد من الفصلين عن * طبيعته (871) خروجا يضر بالأبدان بل ربما انتفعت به، فإن الصيف إذا كان قليل المطر كان المطر اليسير الحاصل فيه مصلحا * لمزاجه (872) وشماليا أي أن تكون الرياح الهابة فيه شمالية فيكون هواؤه باردا وذلك مصلحا لحره فالصيف إذا كان * كذلك (873) وإن كان خارجا عن مقتضي * طبيعته (874) ، إلا أن خروجه لذيذ * عن (875) الأبدان لا يحصل منه أذى. والخريف المطير الجنوبي مما ينتفع به، فإن المطر والرياح الجنوبية مما يصلحان * يبسه (876) ويعدلانها ويكسران من برده. وعلى هذا التقدير كان ينبغي أن يقال إن هذا النوع من التغير لا يحصل منه ضرر البتة غير أنه لما كان خروج الفصلين عن واجبهما كان ذلك أردأ PageVW1P085A مما إذا كانا على واجبهما حسب ما ذكره فيما * تقدم (877) وهو قوله «إذا كانت أوقات السنة لازمة لنظامها كان ما يحدث في كل PageVW5P149B واحد * منها (878) كذا وكذا» إلى آخره. ولما كان هذا النوع من التغير حاله كذلك حكم الأوحد أبقراط بأن ما يترتب عليه من الضرر متوقع الحصول في الفصل * الثالث (879) .
البحث الثالث
في بيان عروض ما ذكره عن التغير المذكور: وذلك لأن الخريف لما كان جنوبيا كثرت الرطوبات في الأبدان، ثم لما أتى عليها الشتاء وهو بارد رطب على ما ستعرفه زاد الأبدان رطوبة، ثم إنه لبرده يحبس تلك الرطوبة الحاصلة أولا وثانيا ويعصرها. فإن بقيت محتبسة في الرأس أوجبت الصداع وثقل الرأس، وإن مالت إلى الأنف أوجبت الزكام، وإن مالت إلى * جهة (880) الحلق أوجبت البحوحة والسعال. وربما عرض منها السل، وذلك عند ميلها إلى جهة الرئة وتقريحها لها. وهذا القدر إنما يتأتى فيمن كان مستعدا لحدوث ذلك، * وهذا (881) إما أن * يكون (882) خلقه كمن يكون رقيق الرقبة وضيق الصدر مجنح الأكتاف بارز الحنجرة، كل هذا لضيق عروق الرئة * فيمن (883) هو بهذه الصورة فيسهل فزرها وحصول نفث الدم منها ثم تقريحها لها، وأيضا فإن من مو بهذه الصورة ليس على صدره ما يوقيه ويدفع نكاية ما ينكيه من * خارج (884) ؛ وإما عادة كمن هو معتاد لحصول النوازل إلى رئته.
البحث الرابع
في حقيقة الصداع: قال الشيخ في * القانون (885) : الصداع ألم في أعضاء الرأس، وليس هذا يجيد لدخول جميع * أمراضه (886) فيه بل الواجب أن يقال الصداع ألم في أعضاء الرأس خال عن الورم، والموجب له ساكن لطيف ليتميز بالقيد الأول الأورام، والثاني الدوار والسدر، والثالث الصرع والسكتة الخالية عن الورم، وهذا الألم وإن كان لازما لجميع أمراض الرأس لكن لا يسمى * صداعا (887) ، ثم هذا الألم إن عم * جملة (888) الرأس فإنه يسمى بيضه * وحوده (889) ، * وإن (890) خص * نصفه (891) طولا فإنه يسمى شقيقه. ثم هذا الألم تارة يكون سببه خاصا بالدماغ وتارة يحدث له بواسطة شيء آخر، والخالص إما لضعفه وإما لقوة حسه، والفرق بينهما وجوه أربعة: أحدها أن الكائن للحس تكون الحواس معه بقية والكائن للضعف تكون الحواس معه كدرة؛ وثانيها أن الكائن للحس ينتفع باستعمال المخدرات والكائن للضعف يستضر بها؛ وثالثها أن الكائن للحس ينتفع بتغليظ الغذاء والكائن للضعف يستضر به؛ ورابعها أن الكائن للحس يستضر بالاستفراغ والكائن للضعف ينتفع به. والحادث بواسطة شيء آخر فذلك الشيء إما غير بدني وإما بدني. والغير بدني مثل الأراييح القوية المصدعة، وهذه إن أوجبت ذلك بالكيفية نفع بما فيها، وإن أودت بالكمية لم ينفع ذلك ومثل الكائن عن ضربة أو سقطة. والبدني إما البدن كله أو بعض أعضائه، والأول كما في الحميات والثاني أوله وأولاه المعدة لأنها على محاذاة الدماغ وبينهما شركة بالعصب على ما عرفت بالتشريح، وقد يشاركه الرحم والكبد والطحال، ثم هذه المشاركة على نوعين، مطلقة وغير مطلقة. والمطلقة * هي (892) أن لا يتأدى إلى الدماغ من العضو المشارك شيء جسماني البتة بل نفس الأذى فقط أو كيفية إما من كيفيات الأخلاط العفنة أو كيفية سمية، ثم هذه قد تكون لذاتها كذلك مثل السموم، وقد تكون لمادة طبيعة استحالت إلى كيفية * سمية (893) كما تكون في اختناق الرحم المتوي أو الطمثي أو كمن طال عهده بالجماع من الذكور وكان معتادا * لاستعماله (894) ، ثم هذه الكيفية المؤذية المتأدية بكلي نوعيها قد تصير سببا لحصول مادة مؤذية وقد لا تصير وهو إذا كان الدماغ قويا بحيث أنه يدفع نكايتها به وتأثيرها فيه. والأول على وجهين لأنه إما أن يفسد ما يجده في الدماغ من المواد الجيدة أو ما يصل إليه من الغذاء الصالح وإما أن يجعله قابلا لمادة تنصب إليه، ثم هذا القبول تارة يكون معه جذب وهو إذا كانت تلك الكيفية الموجبة لذلك حرارة، وتارة لا يكون معه جذب وهو إذا كانت * الكيفية (895) غير حارة. والمشاركة الغير مطلقة * هي (896) أن يكون المتأدي إلى الدماغ من ذلك مادة خلطية أو جسما بخاريا منفصلا * منها (897) ، ثم هذه * المادة (898) تارة توجب الصداع بالذات وتارة توجبه بالعرض. * والتي (899) بالذات إما أن تغير المزاج بالذات أو تفرق الاتصال بالذات. والمغيرة * للمزاج (900) بالذات إما بالمجاورة وإما بالتخليف. فالمجاورة مثل أن تكون للمادة كيفية من الكيفيات توجب ذلك ثم تفارقه عند الاستفراغ، والتخليف * مثل (901) أن * تكون (902) تلك الكيفية * باقية (903) بعد مفارقة المادة. والمفارقة للاتصال بالذات فذلك إما بحركتها وإما بلذعها وإما * بتمديدها (904) . والتي بالعرض كما إذا أحدثت سدة ورمية وغير ورمية، والسدة يتبعها تغير المزاج لا محالة ويتبعها تفرق الاتصال، وذلك لأنها إذا حصلت منعت، وإذا منعت قاومت، والمقاومة توجب التمديد، والتمديد يوجب تفرق * الاتصال (905) . ويخص الصداع الخاص دوامه، ويعرف كل واحد من قسميه بما ذكرنا، والكائن لأمر خارجي بوجود سببه وبالمشاركة تقدم ضرر العضو * المشارك (906) . ويخص المعدي وجع في حاق وسط الرأس والرحمي في مقدمه والكبدي في الجانب الأيمن والطحالي في الجانب الأيسر. والمعدي قد يكون سببه مواد بلغمية وقد يكون سببه مواد صفراوية، والفرق بينهما من وجوه ثلاثة: أحدها أن الصفراوي يثور * عند (907) الخواء يسكن عند الامتلاء، وذلك لاحتداد المزاج عند الخواء وكسر عادية الصفراء وقوتها بالامتلاء. والبلغمي بالعكس، وذلك PageVW5P150A لانعطاف الحرارة * عند (908) الخواء عليه وهضمها له واختلاطه بالغذاء وطفوه على فم المعدة واستمساكه * بها (909) للزوجته فيقرب تأثيره من الدماغ. وثانيها بما يجده العليل من طعم فمه، فإنه * إذا (910) كان مائلا إلى المرارة فهو صفراوي، وإن كان مائلا إلى الدلاعة فهو بلغمي. وثالثها بالعطش وعدمه وهو أنه * إذا (911) كان هناك عطش فهو صفراوي، وذلك لحرارتها وحدتها، وإن لم يكن هناك عطش فهو بلغمي، وذلك لبرودته ورطوبته اللهم إلا أن يكون PageVW1P085B شديد اللزوجة فيوجب العطش بالعرض كما يوجبه السمك الطري.
البحث الخامس
في ماهية السعال: * السعال (912) حركة من الطبيعة لدفع المؤذي عن الرئة، وسببه إما من خارج * وإما (913) من داخل. والخارجي مثل * الغبار (914) والدخان واستعمال الحوامض، * فإنها (915) تحدث في آلات * التنفس (916) خشونة وسوء مزاج أو ضربة أو سقطة ينالان الصدر فتتأذى الرئة وتتألم لذلك. والداخلي إما خاص * وإما (917) حادث بالشركة. والخاص إما سوء مزاج سادج أو مادي، وأردأه ما * كانت (918) مادته رقيقة حادة لأنها إن * نفثت (919) أحوجت إلى حركة شديدة وربما احتبست في الرئة وانعقدت وصارت حجرا. * والشركي (920) إما بشركة آلات التنفس كما في ذات الجنب فإنها تحدث السعال: أما في أولها فبسبب المزاحمة، وأما * عند (921) نضجها فلإخراج المادة، وذلك بطريق الرشح من الغشاء * فتتشربه (922) الرئة عند انبساطها * ثم (923) تدفعه عند * قبضها (924) ، وربما حصل هذا السعال عن الشوصة إذا كان الورم في العضلات الداخلة، وكما في التقيح وهو عندما تميل مادة ذات الجنب إلى أحد تجويفي الصدر فإن الرئة تتألم بها وتتشربها أولا فأولا وتخرجها بالسعال، وكما * في (925) الخوانيق إذا نضجت مادتها واندفعت إلى جهة الرئة؛ وإما بشركة الرأس وهو عند ضعفه ونزول المادة منه إلى الرئة؛ وإما بشركة الكبد عند ورمها * التحديبي (926) ، وذلك بمشاركة * الحجاب (927) ؛ وإما بشركة فم المعدة عند ورمه، وذلك * بالمجاورة (928) ؛ وإما بشركة البدن * كله (929) ، وذلك كما في الحميات. ويعرف كل واحد من هذه بدلائله: إما السوء * المزاج (930) * بما (931) يخصه من العلامات، وكذلك المادي المورم وغير المورم، وكذلك من لون النفث وطعمه * وقوامه (932) ؛ وإما الكائن من ذات الجنب * فيتقدم (933) علامات ذات الجنب، وكذلك ذات الكبد وورم فم المعدة وغير ذلك من أنواع المشاركات. والسعال منه يابس ومنه * رطب (934) . والمراد باليابس أن لا يكون معه نفث، وبالرطب * أن (935) يكون معه نفث. واليابس يكون لسوء مزاج سادج حار أو بارد أو يابس، أو لأورام الصدر إلى حين تنضج * الأورام (936) تحدث الكبد أو فم المعدة أو للمدة المجتمعة في تجويفي الصدر في ابتدائها. وأما البحوحة فتحدث إما لاستنشاق غبار أو دخان أو استعمال أغذية * حامضة (937) فتخشن داخل قصبة الرئة؛ وإما لمواد حادة حريفة تنزل من الدماغ إلى الرئة فتحدث في قصبتها عند مرورها بها * خشوبة (938) ؛ وإما لصياح شديد * فيحتد (939) المزاج بسبب قوة الحركة فيجرد ما هناك من المواد اللزجة الموجبة للسلاسة أو تحدث مواد حادة * توجب (940) لما ذكرنا من الخشونة؛ وإما لسعال ملح فيؤذي قصبة * الرئة (941) ويحدث في التهاء موادا خشنة أو * يحد (942) المزاج فيجرد ما هناك من المواد اللزجة على ما ذكرنا إن كان يابسا أو رطبا فيما يخرج من المواد من قصبة الرئة ومرورها بها وجردها * لها (943) . وأما الزكام فهو عبارة PageVW5P150B عن انحدار المادة من الأعالي إلى المنخرين في المشهور، وهذه المادة تارة تكون حارة وتارة تكون باردة. ثم الحارة منها حريفة ومنها مرة، ويعرف كل واحد من ذلك بما يخصه من الأعراض من لون المادة ودغدغتها وظهور الحرارة وغير ذلك. وأما السل فقد * عرفته (944) .
14
[aphorism]
قال أبقراط: فإن كان الخريف شماليا يابسا كان موافقا لمن كانت طبيعته رطبة وللنساء، وأما سائر الناس فيعرض لهم رمد يابس وحميات حادة وزكام مزمن ومنهم من يعرض * لهم (945) الوسواس العارض * من (946) السوداء.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خسمة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (947) بما قبله: وهو أنه لما كان انتهاء كلامه في الفصل الأول في حكم الخريف الجنوبي أتبعه بذكر الخريف الشمالي، غير أنه لقائل أن يقول: لم لا ذكر في هذا الفصل ما يقابل الفصل الأول كما فعل في تركيب الشتاء مع الربيع، قلنا: وذلك لأنه يبعد أن يكون صيف جنوبي أي حار رطب، وذلك لأن * قوة (948) حرارة الصيف تنافي وقوع المطر وتجفف الهواء بالتحليل فلا يمكن أن يكون مع قوة الحرارة رطوبة * فلذلك (949) اقتصر على * ذكر (950) مقابل الخريف فقط.
البحث الثاني:
إذا اتفق ورود خريف شمالي على صيف شمالي فقد توالى فصلان على اليبوسة، وعند ذلك ينتفع بهذا التوالي من كان الغالب عليه * الرطوبة (951) * سواء (952) كانت طبيعته أو مكتسبه. وأما من كان معتدل المزاج أو يابسة فيعرض له ما ذكره. أما المعتدل فالرمد اليابس، وذلك بسبب ما تستعيده المادة من الحدة فيكون يابسا من هذا الوجه. وأيضا فإنه ليبسه يكثف مسام العين ويحبس المادة فيكون قليل الدموع، ولا معنى للرمد اليابس إلا ذلك في المشهور فيكون يابسا حقيقة * ومشهورا (953) . وأما الحميات الحادة فليبس المادة * تكون (954) الحرارة المتعلقة بها حادة على ما عرفت هذا إن فهم من الحدة شدة السورة. وإن فهم * منها (955) ما يقابل الزمانة وهو * قصر (956) المدة فهو حق أيضا، وذلك لأن المادة إذا ذهب لطيفها * نقص (957) مقدارها ، ومتى نقص مقدارها كان المرض الحادث عنها قصير * المدة (958) على ما عرفت. وأما الزكام المزمن فلغلظ المادة، فإن لطيفها قد ذهب يبس الهواء، وعند ذلك يعسر على الطبيعة إنضاجها * خصوصا (959) ، والهواء البارد اليابس يكثف المسام ويمنع المادة من * التحلل (960) فيطول PageVW1P087A زمانه. وأما اليابس المزاج فيعرض له الوسواس السوداوي، وذلك * لاستعداده (961) لذلك.
البحث الثالث:
حكم أبقراط بما ذكره على فصول * السنة (962) إنما هو باعتبار اعتدال المسكن أو قربه من الاعتدال، وإلا فمتى كان خارجا عن الاعتدال كالمتوغل في الشمال أو في الجنوب فإن كل واحد منهما إذا خرج الفصل فيه عن واجبه لم يؤثر ذلك الخروج فيه تأثيره في المساكن المعتدلة، * وذلك (963) لبعده عن اتسعداد تأثير الخروج لأنه قد علم أن كل أثر لا بد له من أمور ثلاثة: قوة الفاعل وقبول المنفعل وطول الزمان ليتمكن الفاعل من فعله.
البحث الرابع:
لقائل أن يقول: لم اقتصر أبقراط من تركيب فصول PageVW5P151A السنة على هذا القدر * فقط (964) ؟، ولم لا ذكره من أنواع التراكيب التي * ذكرناها (965) أنها يتفرع إليها؟، فنقول: لأن هذا القدر من التركيب أكثر وقوعا، وأيضا فإن منه يتفطن إلى باقي أنواع التركيب، والطريقة في ذلك أن ينظر * فيما (966) يوجبه كل واحد من الفصول إذا خرج في كيفيته إما خروجا مفرطا أو ضعيفا أو متوسطا، ثم يؤلف ذلك فصلين * فصلين (967) ثم ثلاثة ثلاثة ثم * أربعتها (968) .
البحث الخامس
في ذكر ما ذكره * هاهنا (969) من الأمراض: أما الرمد اليابس والحميات الحادة والزكام المزمن فقد ذكرنا هذا جميعه ولم يبق علينا سوى * ذكر (970) الوسواس السوداوي فنقول السوداء الموجبة لذلك لا تخلو إما أن تكون محترقة أو غير محترقة. فإن كان * الأول (971) فلا تخلو إما أن تكون مورمة أو غير مورمة. فإن كانت مورمة أوجبت السرسام وصبارا، وذلك لأن الورم إن كان في أحد غشائي الدماغ * أوجب (972) السرسام، وإن كان في جوهر الدماغ * أوجب (973) صبارا. وإن كانت غير مورمة أوجبت مانيا وذا الكلب، غير أن مانيا عن سوداء محترقة وذا الكلب عن دم محترق، وإن كانت غير محترقة أوجبت الماليخوليا والعشق، وإن * كان (974) الماليخوليا يحدث عن بلغم محترق لكن ذلك قليل * الوقوع. (975)
15
[aphorism]
قال أبقراط: إن * من (976) حالات الهواء في السنة بالجملة قلة المطر أصح من كثرته * وأقل (977) موتا.
[commentary]
الشرح هاهنا بماحث ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (978) بما قبله: وهو أنه لما تكلم في حكم تركيب فصلين فصلين ذكر حكم السنة مطلقا. قال جالينوس: كان من الواجب على * الإمام (979) أبقراط أن يقدم هذا الفصل على الفصول التي * تقدمت (980) ويجعل هذا الفصل بعد الفصل الذي أوله «الجنوب تحدث ثقلا في * السمع (981) » ثم بعد هذا يقول «فأما حالات الهواء في يوم يوم فما كان منه شماليا» ثم يذكر هذا الفصل الذي كلامنا فيه وهو كأنه * يقول (982) إن «حال الهواء في السنة بالجملة قلة المطر أصح من كثرته وأقل موتا» وذلك ليكون هذا الفصل مثبتا * لتينك (983) الفصلين، ثم يذكر بعد هذا الفصول المتقدمة. قال: وذلك لأن هذا الفصل مفرد وتلك مركبة والمفرد مقدم على المركب بالطبع وفي التعليم. أما الأول فلأنه جزؤه. وأما الثاني فلأن المفرد أقل شرطا * ومعاندا (984) ، وما كان كذلك فيكون انتعاش النفس به أولى من انتعاشها بغيره، فيكون تعليم المفرد قبل تعليم * المركب (985) . هذا تقرير كلامه. وفيه نظر وهو أن يقال له إن كلامه في هذا الفصل في حكم الفصول الأربعة، فإن السنة لا يقال لها إنها قليلة المطر أو كثيرة إلا بالنظر إلى السنة كلها لا بالنظر إلى الفصل الواحد، فإنه متى كان النظر في فصل واحد يقال ذلك الفصل كثير المطر أو * قليله (986) كما * يقال (987) * إن (988) الشتاء * كثير (989) المطر أو * قليله (990) . وأما كلامه في الفصول المتقدمة في حكم فصلين فصلين فقط PageVW5P151B فتكون هذه أقل * تركيبا (991) مما * تركب (992) في الفصول الأربعة فيكون أبسط * فيكون (993) أولى * بالتقديم (994) .
البحث الثاني:
السنة الكثيرة المطر يلزمها كثرة الرطوبة، وذلك يلزمه كثرة العفونة وهي موجبة لكثرة الأمراض، وذلك لأن الهيولى للعفن الرطوبة لا سيما متى كانت غريبة. ولا شك أن الرطوبة المستفادة من المطر كذلك لأنها حاصلة منه على سبيل الابتلال والنفع * لا (995) التقرير في الجوهر * كالرطوبات (996) المستفادة من الغذاء. قال جالينوس: اللهم إلا أن ينقى الإنسان بدنه منها كل يوم بالرياضة فقط لا بالحمام ولا بالدواء المسهل، فإن الحمام يستفرغ مما يلي الجلد فقط. وأما ما هو في عمق البدن ومثبت في اللحم وفيما هو أصلب من * اللحم (997) فليس يستفرغ بالحمام استفراغا كافيا. وأما الدواء المسهل فإنما يحتاج إليه من * كانت (998) حاجته إليه شديدة وفيما بين أوقات متباعدة والفضول التي تجمع كل يوم أقل من مقدار عمل الدواء المسهل أو المقيء، فإن التمس ملتسم استعمال الدواء المسهل في كل شهر مرة واحدة أو مرتين لأجل تنقية البدن من ذلك فقد عود البدن عادة رديئة * جدا (999) * (1000) . * فالحاصل (1001) أنه متى كان حال السنة كذلك واستعمل كل يوم الرياضة فإنها تنقص من الأبدان ما استفادته من الرطوبات عند كثرة المطر بالنظر إلى طبيعة * تلك (1002) السنة لا بالنظر إلى القابل لذلك إذ لو كان حكمه بذلك بالنظر إلى طبيعة القابل كان من الواجب أن يزيد * في (1003) قوله لفظة الأكثر ليقع الاحتراز عما ذكرنا، ويكون قوله هكذا «إن من حالات الهواء في السنة بالجملة قلة المطر أصح من كثرته في * الأكثر (1004) * وأقل (1005) موتا». والحق أن حكم * الإمام (1006) أبقراط هاهنا بالنظر إلى الفاعل لا إلى القابل.
البحث الثالث
في بيان صحة السنة عند قلة المطر: وذلك لأن قلة المطر على ما عرفت يلزمه قلة الرطوبة الغريبة المستفادة من ذلك، وذلك يلزمه قلة العفونة المترتب عليها قلة الأمراض غير أن * هذا (1007) لا يصح مطلقا بالنظر إلى القابل، فإن الأبدان الرطبة إما
[commentary]
طبيعية وإما * بالاكتساب (1008) تنتفع بذلك * نفعا (1009) عظيما، والأبدان اليابسة تستضر بذلك. وإذا * كان (1010) كذلك فالواجب أن يزاد في حكمه هذا لفظة الأكثر وهو أن يقال «إن من حالات الهواء قلة المطر أصح في الأكثر» من غير أن يقول جملة اللهم إلا أن يقال حكمه هذا بالنظر غلى الفاعل لا إلى * القابل (1011) .
16
[aphorism]
قال أبقراط: * فأما (1012) الأمراض التي تحدث عند كثرة المطر في أكثر الحالات فهي حميات طويلة واستطلاق البطن وعفن وصرع وسكات وذبحة. وأما الأمراض التي تحدث عند قلة المطر فهي سل ورمد ووجع المفاصل وتقطير البول واختلاف الدم.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1013) بما قبله: وهو أن هذا الفصل تفصيل لما ذكره في الفصل المتقدم، فإنه لما قال فيه إن قلة المطر أصح من كثرته قال في هذا الفصل * إن (1014) كثرة المطر يحصل منها كذا وكذا وقلته يحصل منها كذا وكذا، غير أنه لقائل أن يقول؛ كان ينبغي أن يبتدئ في هذا الفصل بذكر الأمراض الحاصلة عند قلة المطر كما ابتدأ * بحكم (1015) قلة المطر PageVW1P086B على كثرته في الفصل المتقدم، فنقول: وذلك لأنه لما * انتهى (1016) كلامه في الفصل الأول بحكمه على كثرة المطر جعل هذا القدر ابتداء كلامه * في (1017) هذا الفصل فقال إن كثرة * المطر (1018) تحدث كذا وكذا.
البحث الثاني
في كيفية عروض ما ذكره عند كثرة المطر: وذلك لأن كثرة * المطر (1019) يلزمها على ما عرفت كثرة الرطوبات، وذلك * موجب (1020) لا محالة * للعفونة (1021) PageVW5P152A لأن الحرارة الغريزية يعرض لها عند كثرة الرطوبات * أن (1022) تعجز عن التصرف فيها بالهضم والنضج. وإذا عجزت عنها تصرفت فيها الحرارة الغريبة تصرفا يزول به عن الصلاح لما أعدت له لأنه لا معنى للعفونة إلا تغير في الرطوبة عن الحرارة الغريبة يزول به عن الصلاح لما أعدت له مع بقاء نوعها فالتغير حبس يعم الاستحالة وقلب الجوهر. وقولنا عن * الحرارة (1023) الغريبة تمييز لها عن الهضم والنضج، فإنهما عن * الحرارة (1024) الغريزية، وقولنا «يزول به عن الصلاح لما أعدت له» زيادة ليفهم التغير الحاصل من الحرارتين أي أن التغير الحاصل من الغريبة تزول به الرطوبات عن * الصلاحية (1025) للتغذية والتغير الحاصل من الغريزية تصلح به للتغذية. وقولنا «مع بقاء نوعها» تمييز للعفونة عن * الكون (1026) والفساد، فإن الثاني وإن كان قد حصل فيه التغير لكن في الجوهر، والأول في الكيفية. وهذا تعريف جيد للعفونة. ونعود إلى غرضنا فنقول: والعفونة موجبة للحميات. وأما طولها فلكثرة الرطوبات، فإن الحمى لا يمكن أن ينقضي ما لم تنضج مادتها ونضج المواد المتوفرة يحتاج إلى زمان طويل. والأشبه أن مراده بهذه الحميات * الحميات (1027) البلغمية. قال جالينوس في شرحه لهذا الفصل: وذلك لأن كثرة الأمطار تجعل المواد وأميل إلى طبيعة البلغم وقلتها تجعلها أيبس وأميل إلى طبيعة الصفراء وهو حق، فإن كثرة الأمطار تكثر الرطوبات والأرطب أكثر مما ينبغي تجعل الشيء أبرد مما ينبغي وقلة المطر تنقص الرطوبة فتحتد الحرارة وتقوى، وذلك مولد للصفراء. ولا شك أنه متى استولى البرد والرطوبة على المواد كان المتولد منها البلغم لأنه قد علم أن الفاعل للبلغم حرارة مقصرة والفاعل للصفراء حرارة مفرطة. فإن قيل كيف يتصور هذا والفاعل في المواد حرارة واحدة والآلة لها عضو واحد وهو الكبد وعند هذا يقول المعترض كيف يصح ما حكم به من أمر الفاعل للأخلاط فنقول إن حكمنا هذا عليها إنما هو بالنسبة إلى الفاعل لا بالنسبة إلى القابل * أي (1028) أن مواد الأخلاط لما كانت مختلفة في الاستعداد كان فعل الحرارة فيها مختلفا بالأشد والأضعف، فمادة البلغم لما كانت باردة رطبة غليظة القوام لزجة ومادة الصفراء لما كانت حارة يابسة لطيفة القوام كان قبول مادة البلغم من تأثير الحرارة المذكورة أقل من قبول مادة الصفراء من تأثيرها فكان القدر الحاصل لمادة البلغم من الحرارة قليلا وقاصر بالنسبة إلى القدر الحاصل لمادة الصفراء منها. ولنعد إلى غرضنا * فنقول (1029) : والحمى البلغمية طويلة المدة بسبب كثرة مادتها لأنه قد علم حيث ذكرنا نسبة الأخلاط في شرحنا الكليات القانون أن البلغم أقل من الدم وأكثر من الصفراء والسوداء. وأما استطلاق الطبن * فالمراد (1030) به الإسهال، * وذلك (1031) كثرة الرطوبة فتدفعها الطبيعة لتضررها بها * أو (1032) تضعف الماسكة عن * إمساكها (1033) * (1034) * فتخرج (1035) هي من ذاتها، ثم هذه الماسكة تارة تكون ماسكة المعدة وتارة تكون ماسكة المعاء وتارة تكون ماسكة باقي الأعضاء، ويخص الأول خروج الغذاء بحاله ويخص الثاني كيلوسية الغذاء ويخص الثالث خروج المواد على غير هاتين الصورتين. وأما العفن فلكثرة الرطوبة على ما * عرفت (1036) . وأما الصرع والسكتة فلامتلاء تجاويف الدماغ من المواد الرطبة. فإن كان تاما كان من ذلك السكتة، وإن كان ناقصا كان من ذلك الصرع. وأما الذبحة فلما ينحدر من الدماغ من الرطوبات إلى جهة الحلق والغدتان اللتان عن * جنبتي (1037) اللسان * جوهرهما (1038) غددي * فيقبلان (1039) ذلك ويحدث * منه (1040) الذبحة.
البحث الثالث
في كيفية عروض ما ذكره * عند (1041) قلة * المطر (1042) : نقول: قد عرفت أن قلة المطر يلزمها احتداد المزاج ونقصان المواد. أما الأول فلأن الحرارة متى تعلقت بجسم يابس كانت * أحد (1043) مما * إذا (1044) تعلقت بجسم رطب. وأما الثاني فلقلة المواد المستفادة من قلة الأمطار. وإذا كان * حال (1045) المواد عند قلة المطر كذلك فإذا مال شيء منها إلى جهة الرئة قرحها وأوجب فيها السل لأن انصباب المواد المتولدة عند استيلاء أسبابها إلى بعض الأعضاء دون بعض بسبب استعدادها PageVW5P152B وقبولها لها، فمتى كان في الرئة استعداد لميلها إما لكثرة ما يعتريها من النزلات وإما لأن صاحبها متهيء لحدوثه خلقه على ما ذكرنا، فمتى مالت المادة * المستولية (1046) على البدن إلى جهتها أوجبت فيها القرحة لأنها قابلة لذلك منها بسبب سخافتها * وأسفنجيتها (1047) ولا معنى للسل إلا * ذلك (1048) . قال الفاضل جالينوس: قد قصر أبقراط عندي في تحديد ما حكم به في ذلك، وذلك لأن السل يحدث من الهواء على وجهين: أحدهما إذا برد غاية البرد حتى يتصدع منه بعض العروق التي في آلات التنفس؛ ةثانيهما أنه إذا سخن مع رطوبة حتى يحدث للرأس امتلاء فيحدث منه نزلة إلى الرئة. فأما متى كان مزاج الهواء يابسا وكان يعتدلا في الحر والبرد فتوليده لكل شيء أفرب منه إلى أن يولد السل. وذلك أطن أن قوما اضطروا إلى أن * يفهموا (1049) من قوله السل العلة التي يحدث منها في العين نقص. وذلك لأن العين تعدم الغذاء الآتي إليها وتهزم. هذا كلامه، وحاصله أنه رحج قول من فهم من السل سل العين، والذي أوجب لمن فهم من كلام أبقراط أن مراده بالسل سل العين ذكره للرمد PageVW1P087A بعده، فإنه لما كان هذا المرض من أمراض العين ثم ذكر السل قبله فهم منه سل العين. واعلم أن هذا الإنكار من جالينوس ليس له وجه، وذلك لأن * كلام (1050) الإمام أبقراط محتمل للكل، فغإنه إن عني به هزال البدن فهو حق، فإن الهواء المذكور يوجبه يبسه، وإن عني به دق الشيخوخة فهو أيضا موجب له بما ذكرنا، وإن عني به قرحة الرئة فذلك ظاهر منه على ما عرفت ويحتمل أيضا، وإن عني به هزال العين وذبولها المعروف بالسل فيمكن أيضا لأنها عضو لطيف مكشوف لتأثير الهواء دائم الحركة، وبالجملة فهو قابل لتأثير الهواء ومستعد للجفاف. فكلام أبقراط هاهنا محتمل لجميع ما * ذكرنا (1051) . وأما الرمد فالمراد به * اليابس (1052) فلميل المادة المذكورة إلى جهة العين. وأما كونه يابسا فليبس الهواء وتجفيفه لسطح العين ومنع المواد الموجبة له من الخروج والبروز، فإنه لا معنى للرمد اليابس إلا الذي لا يسيل منه * الدموع (1053) . وأما أوجاع المفاصل فقد استبعد حدوثها جالينوس عند قلة المطر قائلا إن أوجاع المفاصل كائنة من فضول تتجلب إليها. وأما يبس الهوا فإنه لا يعرض منه وجع المفاصل البتة إلا أن يقال إن يبس الهوا إذا فرط فإنه يفني الرطوبة الحاصلة في المفاصل * فيحدث (1054) فيها عند ذلك عسر حركة ووجع في بعض الأوقات. ومثل هذا لا يسمى وجع المفاصل إلا أن يريد مريد بوجع المفاصل كل وجع * حدث (1055) فيها غير أن هذا الإطلاق خطأ. * قال (1056) : فإن أبقراط قال في ثانية إبيديميا إن أهل أيبس * لما (1057) أكلوا الحبوب ضعفت أرجلهم عن الحركة، ولما أكلوا الكرسنة أصابهم وجع الركبتين، ولم يقل إنه عرض لهم أوجاع المفاصل بل قال وجع الركبتين. فحاصل ما ذكره جالينوس أنه ليس * أي (1058) وجع * حصل (1059) في المفاصل * فإنه (1060) يسمي وجع المفاصل حتى يسمي عسر الحركة وجع المفاصل. والذي نقوله نحن في هذا الموضع أن أوجاع المفاصل أنواع. فمنها النقرس وهو ما كان * مختصا (1061) بمفصل إبهام الرجل، وهذا * كثير (1062) ما يحصل في هذا الوقت، وذلك لأن المواد متى احتدت كرهتها الطبيعة ودفعتها إلى المفاصل لأنها أقبل لها بسبب تجويفها ودوام حركتها خصوصا مفصل إبهام الرجل لتسفله . وأما تقطير البول فقد استبعد حدوثها أيضا. قال: وذلك لأن هذا المرض لا يحدث عن يبس الهواء وحده من غير حرارة من دون أن يكون اليبس مفرطا، وذلك لأن تقطير البول يحدث من حدة البول ومن ضعف القوة الماسكة بسبب سوء مزاج من الأمزجة الثمانية. وهذا الكلام فيه * نظر (1063) ، فإن الهواء متى كان يابسا أفاد المواد البدنية حدة. ومثل هذه المادة إذا تولدت في البدن كرهتها الطبيعة ودفعتها مع فضلات البدن وأقبل المخارج لهذه المادة مخرج البول، لأنها منبثة في عروق البدن لا سيما في سطحه لقربه من تأثير الهواء المذكور. وقد علم أن المائية تنبث مع الدم إلى جميع الأعضاء حتى إلى سطح * الجلد (1064) . ويدل على ذلك انصباغ بول المختضبة بالحناء وكثرة البول عند قلة العرق وقلته عند كثرته. فإذا * استغنت (1065) الطبيعة عنها رجعت * قهقرا (1066) إلى مغيضها التي هي * المثانة (1067) ، واستصحبت ما هناك من المواد لا سيما مواد قد كرهتها الطبيعة وهي مستمرة لدفعها. فإذا مالت إلى العضو المذكور لذعته وأنكته فيدفع ما * يصل (1068) إليه منها أولا فأولا، ولا معنى لتقطير البول إلا ذلك. وأما اختلاف الدم وهو * إسهاله (1069) فذلك لحدة المواد، فإن المواد الحادة المتولدة من الهواء المذكور، اللطيف منها يندفع مع البول إلى جهة المثانة والغليظ منها يندفع إلى جهة المعاء. ومتى اندفعت * هذه (1070) إلى العضو المذكور لذعته وأنكته ثم جردته، وذلك لحدتها وحينئذ توجب إسهال الدم هذا إذا كانت الكبد قوية ولم تتأثر PageVW5P153A من مرور المادة المذكور * بها (1071) بل تدفعها أولا فأولا إلى جهة المعاء * وكانت (1072) قابلة لتأثيرها. وإلا فمتى كانت الكبد قابلة لذلك فعلت فيها ما فعلته في المعاء. وجالينوس استبعد حدوث اختلاف الدم من ذلك. فإنه قال في شرحه لهذا الفصل: وما قلته من تقطير البول فهو قولي في اختلاف الدم أي أن يبس الهواء مطلقا لا يوجب تقطير * البول (1073) ما لم يشترط فيه أن يكون في غاية الإفراط وأن تكون طبائع الأبدان نستعدة * لذلك (1074) ، ثم قال: وليس من الإنصاف أن يطالب أبقراط بهذا وشبهه إذ كان هو أول من استخرج هذا العلم وكان هذا العلم على ما هو عليه من السعة وبعد الغور * فلم (1075) يقدر أن يستقصيه كله ويأتي على صفته بمثل ما يجب. وأنا أظن أنه كان عوض الاستخراج التصنيف أي * إذ (1076) كان هو أول من صنف هذا العلم، وإلا فهذا العلم استخرجه أي استنبطه جماعة قبل أبقراط. ولنذكر الأمراض المذكورة في هذا الفصل.
البحث الرابع
في الصرع: الصرع علة * تمنع (1077) القوة المحركة والحساسة من النفوذ في آلتها منعا غير تام. وقولنا «غير تام» تميز له عن السكتة، وذلك لسدة غير كاملة في بطون الدماغ. فإنه قد علم أن مبدأ القوى النفسانية وهو شرط في ظهور أفعالها على اختلاف المذهبين وأن نفوذ القوة منه في الأعصاب النابتة أو المتصلة به على اختلاف المذهبين أيضا على سبيل المدد. وكيف لا وقد دلت التجارب الطبية على أنه إذا * حصل (1078) سدة في الأعصاب منعت القوة التي أعدت لها من النفوذ فيها، PageVW1P087B فإذا * زالت (1079) تلك السدة عادت القوة إلى ما كانت عليه من النفوذ لا على أنها مستقرة في * جواهر (1080) الأعضاء كالقوى الطبيعية، وإن كان الحق عندنا أن وصول هذه * القوى (1081) من الكبد إلى ما * عداها (1082) على سبيل المدد على ما أثبتناه في شرحنا لكليات القانون والأعصاب ما خلا عصبتي البصر لها * منافذ (1083) محسوسة. قال الفاضل جالينوس في كتابه المعنون بالعلل والأعراض: وتلك المنافذ كمنافذ النبات المسمى * بالبردي (1084) . إذا عرفت هذا فنقول: فالسدة متى حصلت في بطون الدماغ وكانت ناقصة سمي ما يحدث عنها صرعا مشتقا من السقوط. ثم هذه السدة تارة تكون عن ورم وتارة تكون من * عن (1085) غير ورم، وذلك لاستيلاء مادة من المواد الأربع. وأكثرها إيجابا لها البلغم لأنه أكثر المواد وجودا في الدماغ، * وذلك (1086) لأنه يغتذي بدم بارد رطب أو بلغم على اختلاف المذهبين ثم الدم ثم السوداء ثم الصفراء وهؤي قليلة الوقوع. فذلك لأن الأخلاط الأربعة على ما ذكره جالينوس في الصناعة الصغيرة توجب السدة إما بالغلظ وإما باللزوجة، فالصفراء توجبها بالكثرة والدم والسوداء بالغلظ والبلغم باللزوجة. وقد ظن أرسطوا أن الريح توجب ذلك فتوجب الصرع. واستدل على صحة ذلك بحدوث الصرع دفعة وانحلاله دفعة. قال: وذلك لأنه لا يحدث إلا عن ريح. قال جالينوس إن الريح لو بلغت مهما بلغت من الكثرة لم توجب السدة بل متى كان حدوث الصرع كذلك فسببه مواد لطيفة أوجبت السدة . قال الرازي: والحق عندي في هذه المسئلة مع جالينوس، ولا ينبغي لنا أن تسلم الغلبة في كل موضع لأرسطو، ثم إذا حصلت السدة في الدماغ حاول دفعها، وذلك باجتماعه إلى ذاته عند ذلك يجتمع الأعصاب ويتقلص، ولأجل هذا صار الصرع يلزمه تشنج الأعضاء لاسترخائها، غير أنه قد علم أن كل تشنج فسببه إما امتلاء وإما استفراغ وإما كيفية سميه. والتشنج الحاصل من الصرع لا يمكن أنن يكون من استفراغ البتة، وذلك لوجهين: أحدهما أن التشنج الاستفراغي حدوثه بالتدريج والتشنج الحاصل في الصرع حدوثه دفعة؛ الثاني أن اليبس لا يبلغ من قوته أن يجفف الدماغ حتى يحدث منه التشنج إلا ويسبقه الهلاك فبقي أن يكون التشنج الحاصل في الصرع لأحد أمرين إما امتلاء أو كيفية سمية. وأما تشنج الأعصاب في الصرع فلأربعة وجوه: إما لانقباضها وتقلصها تبعا لجوهر الدماغ في ذلك على ما ذطرنا؛ وإما لتأذيها بما يتأذى به الدماغ فتجتمع هي إلى ذاتها وتدفع ذلك المؤذي؛ وإما لامتلائها من الخلط المندفع إليها من الدماغ فيزداد عرضها وينقص طولها وقد يقع صرع بلا تشنج محسوس، وذلك إما لرقة المادة الفاعلة له وإما لقلتها جدا. ثم الأطباء مختلفون في الصرع السوداوي والبلغمي في أيهما أردأ، فذهب قوم إلى أن السوداوي أردأ، وذهب قوم إلى أن البلغمي أردأ. ومن قال بالأول فله أن يحتج بنوعين: أحدهما أن السوداء بعيدة عن مناسبته لبردها ويبسها وهي لا تحدث إلا لسبب قوي وقوة السبب تدل على قوة الآفة؛ وثانيهما أن قوامها أغلظ من قوام باقي المواد فمتى أوجبت السدة منعت ما من شأنه أن ينفذ في ذلك المجرى منعا تاما . ومن قال بالثاني فله أن يحتج بأن البلغم أكثر مقدارا من السوداء وألزج قواما من جميع الأخلاط، وخلط يكون كذلك إذا استولى على مجرى وأوجب سدة منع ما من شأنه النفوذ في ذلك المجرى منعا بليغا. والحق عندي في هذه المسئلة أن البلغمي أكثر وقوعا من السوداوي والسوداوي أردأ. وقد يحدث الصرع بشركة عضو آخر ثم هذا العضو تارة يكون المعدة وهو إذا اجتمع فيها مادة رديئة يرتفع منها بخار إلى جهة الدماغ وتارة يكون المعاء وهو عند اجتماع الدور فيها وموته وتارة يكون الرحم وهو عند اختقان المني أو الطمث فيه وتارة يكون الطحال وهو إذا حصل فيه سدة أو في أحد مجرييه وتارة يكون المراق وهو إذا حصل فيه سدة وتارة يكون في بعض الأعضاء الأخر وهو إذاا اجتمعت فيه مادة واستحالت إلى كيفية سمية كما حكى جالينوس أن رجلا كان بحس كان شيء يرتفع من إبهام رجليه إلى نحو دماغه وقلبه فإذا وصل ذلك إلى ما ذكرنا سقط إلى الأرض. قال: حتى أنني كنت إذا ربطت ساقية برباط قوي قبل النوبة امتنع ذلك أو جف والصبيان كثيرا ما يعتريهم الصرع، وذلك لتوفر رطوباتهم وضعف أدمغتهم ويسهل خروجهم منه، وذلك لتوفر حرارتهم وقوة قواهم الطبيعية، والزبد يحصل في الصرع لاضطرار حركة التنفس لا لاختناقه كما في السكتة، وعند ذلك ينفصل من الرئة ما كان قريب العهد بالانعقاد ويداخله الهواء المداخل لخلل الرئة ويشتبك أحدهما بالآخر بسبب الحركة فيصير المجموع زبدا على ما عرفت في ثانية هذا الكتاب. وأما الغليظ فسببه ضغط الصدر لآلات التنفس بسبب ضعف القوة المحركة له على الواجب لاختلاف المبدأ لأنه قد علم أن المحرك للتنفس قوة إرادية * طبيعية (1087) .
البحث الخامس
في السكتة:
L5 وقد ذكرنا شرحها في المقالة الثانية ولا غاية في إعادته. Y هي علة تمنع نفوذ القوة المحركة والحساسة في آلتها منعا تاما، وذلك لانسداد بطون الدماغ انسدادا تاما لأنه قد علم أن قوة الأثر إما لقوة المؤثر أو لدوام تأثير، والمؤثر هاهنا قوي وهو السدة، فلذلك صار المسكوت يبقى ملقى كالميت. وفي بعضهم يظهر للصدر حركة فقط، وذلك لاهتمام الطبيعة العامة به خوفا من الهلال. وفي بعض لم يظهر له حركة البتة، وذلك لاستيلاء البرد على القلب. فلم يكن شديد الافتقار إلى جذب الهواء البارد ولا إلى دفع البخار الدخاني. وفي مثل هذه الصورة لم يبق فرق بينه وبين الميت. وللأطباء في هذا وجوه يعرفون بها هل هو ميت أو حي. وقد ذكرنا تلك الوجوه فيما تقدم حيث ذكرنا شرح قوله السكتة إن كانت قوية من ثانية هذا الكتاب. وأجود ما ذكره الفاضل جالينوس في كتابه PageVW5P153B المعنون بتحريم الدفن وهو أن الناظر يفتح عيني المسكون في مكان مضيء. فإن رأى صورة ناظره في عينيه فهو حي، وإن لم يره فهو ميت. وسبب ظهور الزبد في فم المسكوت والغطيط ما ذكرناه في الصرع. وقد تقدم لنا كلام آخر في هذا المرض أيضا أبسط من هذا الكلام.
البحث السادس
في الذبحة: منهم من يطلق هذه اللفظة على ورم العضلتين اللتين عن جنبي PageVW1P088A اللسان المسميتين بالنغانغ والخوانيق على الورم الخاص بعضل الحنجرة أو بالمريء أو المشترك بينهما. ومنهم من يطلق الخوانيق على الجميع، وذلك لانصباب مادة من أحد المواد الأربع إلى الأعضاء المذكورة، والخوانيق على الخصوص قد تكون أيضا لزوال فقرة * من (1088) فقرات العنق العليا. وأجود هذه الأورام * جميعها (1089) الظاهرة للحس الذي يسهل معه دخول الهواء البارد وخروج البخار الدخاني وابتلاغ الغذاء والمشروب. وأردأها ما خفي عن الحس الذي * يحوج (1090) إلى إدامة فتح الفم المتعذر معه دخول الهواء ازدراد الغذاء. والمخصوص باسم الكلبي هو الحادث عن زوال الفقرات، وقيل الحادث في عضل الحنجرة الباطن. وعروض الخوانيق في الحميات الحادة رديء جدا لأن الحاجة فيها إلى التنفس شديدة، وإذا عرض في يوم * باحوري (1091) كان مخوفا قاتلا. والعرض العام لجميع أنواع الخوانيق ضيق النفس وبقاء الفم مفتوحا وصعوبة الابتلاع حتى أن صاحبه إذا شرب * شيئا (1092) خرج من منخريه وجحوظ * العينين (1093) وخروج اللسان. والزوالي يخصه أن يكون معه تقصع في القفا ويعقر فيه. * والله (1094) أعلم.
17
[aphorism]
قال أبقراط: فأما حالات الهواء في يوم يوم فما كان منها شماليا فإنه يجمع الأبدان ويشدها ويقويها ويجود حركتها ويحسن ألوانها ويصفي السمع منها ويجفف البطن ويحدث في * الأعين (1095) لذعا * واكلا (1096) ، وإن كان في نواحي الصدر وجع متقدم هيجه وزاد فيه، وما كان جنوبيا فإنه يحل الأبدان ويرخيها ويرطبها، ويحدث ثقلا في الرأس وثقلا في السمع وسدرا في العينين وفي البدن كله عسر الحركة ويلين البطن.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1097) بما قبله: وهو أن الإمام أبقراط لما تكلم في أحكام الفصول وتراكيبها ذكر في هذا الفصل شيئا من أحكام الأيام، فإنه قد علم أن الهواء الوقتي له تأثير في الأبدان على ما ذكرنا في شرح قوله: متى كان في يوم واحد مرة حر ومرة برد فتوقع حدوث أمراض خريفية.
البحث الثاني
في بيان كيفية إيجاب الشمال لشد الأبدان وقوتها: نقول: قد عرفت أن الشمال باردة يابسة، فلبردها ويبسها تجمع آلات الحركة بعضها إلى بعض وتلزرها، وعند ذلك تشدها. قال جالينوس: وأيضا فإنها PageVW5P154A بذلك تنقص رطوباتها الموجبة لها، وذلك موجب لشدها. وأما تقويتها للأبدان فلحصرها * الحرارة (1098) الغريزية في بواطن * الأبدان (1099) على ما * ذكرنا (1100) فيما تقدم فتقوى القوى فيها لأنه قد علم أن هذه الكيفية هي آلة * للقوى (1101) لا سيما الطبيعية في أفعالها. ولا شك أنه إذا قويت الآلة تمكن الفاعل من فعله. وقد أشار إلى قوة القوى النفسانية بقوله «ويجود حركتها ويصفي السمع منها» وإلى القوة الطبيعية بقوله «ويحسن ألوانها»، وقدم * ذكر (1102) النفسانية على الطبيعية لشرفها وترك ذكر الحيوانية، وذلك لما قلناه حيث * شرح (1103) قوله «صحة الذهن في كل مرض علامة جيدة» وهو أن في ضمن القوتين المذكورتين ذكر قوة الحيوانية، وذلك لأن القوة الحيوانية هي المعدة لقبولها وكيفيتها التي هي الحرارة الغريزية آلتيهما، ولما كان الحال كذلك استغنى بذكرهما عن ذكرها ولم يصرح * بها (1104) .
البحث الثالث
في تجويدها للحركات وتحسينها للألوان: أما الأول فلوجهين: أحدهما أنه قد علم أن الشمال ببردها ويبسها تصلب الآلات، وعند ذلك تقوى على التحريك؛ وثانيهما أن الآلات متى صار حالها كذلك تفتحت مسامها ومنافذها * لتوفر (1105) الحرارة في باطنها، وعند ذلك يسهل نفوذ القوة المحركة فيها من مبدئها بخلاف ما إذا كانت رطبة فإنها تكون منسدة منضغطة بعضها على * بعض (1106) فيتعذر * على (1107) القوة المذكورة النفوذ فيها. وأما تحسينها الألوان فذلك * لوجهين (1108) : أحدها لقوة الهضم بسبب قوة الحرارة الغريزية، ولا شك أن قوة الهضم يترتب عليها قلة الفضلات، وذلك مما يوجب حسن اللون لأنه عند ذلك يكون معظم ما يتولد من المواد الدم الذي هو الغاذي بالحقيقة وما عداه يكون قليل المقدار ومع قلة مقداره تكون القوى قاهرة له وقادرة على دفعه؛ وثانيهما أن الحرارة الغريزية لقوتها في الباطن تبخر أبخرة دزوية لأنه المتوفر في الباطن ولونه كلون ما انفصل منه فيرتفع إلى الظاهر ويصادف المسام منسدة بسبب برد الشمال ويبسها فيحمر اللون وتحسن * البشرة (1109) .
البحث الرابع
في كيفية إيجابه لباقي ما ذكره: أما تصفية السمع فلثلاثة أوجه: أحدها لقلة الرطوبة الموجبة كتكدير الذهن * والسمع (1110) ليبس الهواء؛ وثانيها لقوة الحرارة * الغريزية (1111) في الباطن فتحلل الأبخرة المذكورة للذهن والسمع؛ وثالثها لقوة القوة * التابعة (1112) لجودة الهضم فتدفع ما يوجب التكدير. وأما تجفيف البطن * فالمراد (1113) به البراز فلثلاثة أوجه: أحدها لقوة الحرارة في الباطن فتنشف مائية البراز وتجففه؛ وثانيها لجودة الهضم، ولا شك أنه متى كان كذلك نقصت فضلات البدن، وذلك مما يتبعه قلة البراز، والبراز متى كان قليلا لم تهتم الطبيعة بدفعه فيبقى محتبسا في المعاء وتعمل الحرارة فيه وتجففه؛ وثالثها أن الرياح المذكورة تكثف عضل المقعدة، وإذا تكاثف ذلك العضل احتبس البراز في المعاء وجف قوامه. وأما لذعه للعين فلأحد أمرين * وهو (1114) إما أن يقول: العين عضو حساس لطيف الجوهر ملاق لتأثير الهواء، والشمال باردة يابسة فتنكيه وتؤديه بذلك فيحدث فيها ما ذكره؛ وإما أن يقول إن الشمال لبردها ويبسها تكثف سطح العين وتحبس الفضلات التي من شأنها أن تتحلل منها فتلذعها وتؤذيها * وتنكيها (1115) ، وكذلك إيجاب الرياح المذكورة للإكال أي للحكاك. وأما تهييجه لوجع الصدر فلوجهين: أحدهما PageVW5P154B لبرد الشمال ويبسها فيرد على الرئة ويخشنها لذلك ويحدث فيها حالة غير طبيعية فيثير ما كان بها من الألأم السالفة؛ وثانيهما أن الصدر الغالب عليه العظام وهي باردة يابسة، والشمال PageVW1P089B كذلك فتؤذيها وتزيد في أنحرافها. فإن قيل إن حفظ الصحة بالشبيه فلم لا يقال إن الشمال تحفظ * صحة (1116) العظام ولا تيؤذيها؟، فنقول: معنى قولنا هذا بالغذاء لا بالدواء، والهوا جار مجرى الدواء لأنه يؤثر في البدن مع بقاء الصورة النوعية. فإن قيل: فلم لا قال هاهنا ويحدث وجعا في الصدر بل قال * وإن (1117) كان في نواحي * الصدر (1118) وجع هيجة وزاد فيه؟، فنقول: وذلك لأن السبب هاهنا * ضعيف (1119) لأنه يومي فلا يقوى على إحداث وجع لأن القلب قريب من الهواء الداخل إليه فيقوى عليه ويقهره ويسخنه فيدفع ضرره، * ولذلك (1120) لم * يجعله (1121) هاهنا موجبا للاقشعرار ولا لعسر البول لأن * هذه (1122) لا تكون إلا من سبب قوي أو دائم، والهواء اليومي لا يقوى على ذلك.
البحث الخامس
فيما يوجبه اليوم الجنوبي: * نقول (1123) : قد عرفت أن الجنوب مسخنة مرطبة فلذلك يوجب ما ذكره وهو إرخاء الأبدان. والمراد به الضعف، وذلك لتحليله القوى والحرارة الغريزية. وأما الإرخاء أي استرخاء الحركات فللحرارة فإنها تخلخل جوهر الشيء * ولرطوباتها (1124) تبل الآلات. وأما الترطيب فلرطوبة الجنوب. وأما ثقل الرأس فلكثرة ما يتصاعد إليه من الأبخرة لاجتماع * سببها (1125) هاهنا وهما الحرارة والرطوبة. وكذلك إيجابه لثقل السمع ولاسترخاء أعصاب السمع وانضغاط أجزائه بعضها ببعض، فإنه عند كونه كذلك يتعذر نفوذ القوة السامعة فيه. وأما السدر فتارة يفهم منه السدر المشهور وتارة يفهم منه غير المشهور وهو ظلمة تحدث في العين عند القيام. والحق هو المفهوم الثاني، وذلك لأن السبب هاهنا ضعيف لأنه يومي فلا يقوى على إيجاب ذلك، وسبب ذلك الأبخرة المتصاعدة إليه. وأما عسر الحركة فلاسترخاء العصب، فإن الحرارة مسيلة والرطوبة مرخية فتنضغط أجزاء الأعصاب بعضها على بعض فيتعذر عليه قبول القوة المحركة من المبدأ. وأيضا فإن المبدأ متكدر بسبب ما تصاعد إليه من الأبخرة. وأما لين البطن فلضعف القوة الماسكة لاستيلاء * الرطوبة (1126) ، فإنك قد عرفت أن الهضم موقوف على قوتين، الهاضمة * والماسكة (1127) .
البحث السادس:
قال جالينوس: كان الأجود لأبقراط أن يقدم ما أخره ويؤخر ما قدمه وهو أن يذكر أولا أن الجنوب مرطبة للأبدان ثم * يذكر (1128) ما يحدثه فيها لأن * إحداثه (1129) لما * يحدثه (1130) إنما هو بالرطوبة. والذي نقوله نحن في هذا الموضع إن أبقراط اراد أن يذكر في الجنوب مقابل ما تحدثه الشمال فلأجل هذا PageVW5P155A قدم في تأثير الجنوب الحل لأنه مقابل * للجمع (1131) في الشمال ثم الإرخاء لأنه مقابل للشد في الشمال. ولما كانت الرطوبة لازمة للإرخاء ذكرها. فإن قيل: فلم لا ذكر في الشمال بعد * ذكره (1132) شدة الأبدان اليبس كما ذكر الرطوبة عقيب الاسترخاء في الجنوب؟، فنقول: لأن * شدة (1133) الأبدان تحتمل أن تكون لليبس وتحتمل أن تكون للبرد * المعتدل (1134) بخلاف الاسترخاء، فإنه لا يكون إلا للرطوبة، فلذلك لم يذكر اليبس بعد ذلك لأنه ليس هو بلازم له بخلاف الرطوبة، فإنها لازمة * للاسترخاء (1135) . قال جالينوس: ليس مما تفعله الجنوب شيء صالح للأبدان إلا تليينها للبطن وهو حق، فإنها تلين البطن وتليين الطبن مما يعين على إخراج الفضول ونفضها عن * البدن (1136) .
18
[aphorism]
قال أبقراط: * وأما (1137) في أوقات السنة ففي الربيع وأوائل الصيف * يكون (1138) الصبيان والذين * يتلونهم (1139) في السن على أفضل حالاتهم * وأكمل (1140) الصحة، وفي باقي الصيف وطرف من الخريف يكون المشايخ أحسن حالا وفي باقي الخريف وفي الشتاء يكون المتوسطون بينهما في * السن (1141) أحسن حالا.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1142) بما قبله: وهو أنه * لما (1143) مضى بيان ما تؤثره أوقات السنة من الأمراض، ذكر في هذا الفصل ما هو أعم من ذلك وهو بيان ما تؤثره أوقات السنة مطلقا في الحالات البدنية، وذلك لأن الأمزجة على نوعين: فاضلة وغير فاضلة، فالفاضلة يوافقها ما يناسبها ويضرها ما يخالفها والغير الفاضلة يضرها ما يناسبها ويوافقها ما يخالفها بناء على أن حفظ الصحة بالمثل وتدبير المرض بالضد.
البحث الثاني:
قد عرفت أن الربيع معتدل غير أنه مائل إلى حرارة سماوية ورطوبة لطيفة صالحة، والصبيان ومن يتلونهم في السن كالفتيان حالهم كذلك فهو موافق لهم للمناسبة. وذكر أبقراط أول الصيف لأن أول كل فصل شبيه بآخر الفصل الماضي. قال جالينوس: وغرضه بذكر * هذا (1144) توسيع في الانتفاع بكل واحد من الأوقات. وأما باقي الصيف وأول الخريف فإن المشايخ فيهما أحسن حالا، وذلك لبرد * أمزجتهم (1145) فيعتدل بحرارة الوقتين المذكورين. وابتدأ أبقراط بذكر الربيع من الفصول لأنه * أعدلها (1146) ، وبذكر * الصبيان (1147) من الأسنان لأنهم أول الأسنان في الكون. ثم ذكر بعد * الربيع (1148) وأول الخريف لأنه موافق لآخر الأسنان الذين هم * المشائخ (1149) . وأما باقي الخريف والشتاء فيوافق * المتوسطون (1150) بين ذلك وهم الشبان والكهول. أما الشبان * فلانكسار (1151) حدة * المرار (1152) المتولد في أبدانهم في الوقتين المذكورين، وذلك لبرد * مزاجها (1153) . وأما الكهول فلأن الهضم يقوى فيهم في الوقتين المذكورين ولم * يخف (1154) من برد الهواء أن يتوغل إلى باطن أبدانهم فيؤذيها PageVW5P155B كما يؤذي ذلك المشايخ لأن الحرارة الغريزية في بواطن الكهول أوفر مما هي في بواطن المشايخ، وهذا القدر وإن كان يحصل للصبيان وينتفعون PageVW1P089A بالشتاء غير أن نفع الربيع لهم أكثر من نفع الشتاء لأنه أنسب لهم وهو مع ذلك * مقو (1155) للهضم لأن حره ضعيف. فإن قيل: فعلى هذا فالربيع أوفق للكهول من الشتاء لأنه قد جمع بين الاعتدال وتقوية الهضم فإن حره ضعيف وبرد الشتاء قوي وهم أحوج إلى حر يعدل * أمزجتهم (1156) ، فنقول إن برد الكهول ليس * بقوي (1157) حتى يحتاج إلى التسخين بل لو قيل إن مزاجهم معتدل لصح لأن حرارتهم لم تنقص عن حرارة الشبان المفرطة نقصانا ظاهرا. وأما يبسهم فهو ظاهر والشتاء * أرطب (1158) وهم أحوج إلى الترطيب من التسخين، فلذلك كان التشاء أوفق لهم.
البحث الثالث:
إذا عرفت أحكام الفصول بحسب الأسنان، عرفت أحكامها بحسب الأمزجة. فإن المحرورين كالشبان والمبرودين كالمشائخ والمتوسطين بين * ذلك (1159) كالصبيان، * وذلك (1160) يعرف منه أحكام البلدان، فإن الباردة أصح ما تكون في الصيف والحارة في الشتاء والمعتدلة في الربيع والرطبة المعتدلة في الحرارة والبرودة في * الخريف (1161) .
19
[aphorism]
قال أبقراط: * والأمراض (1162) كلها تحدث في أوقات السنة كلها إلا أن بعضها في بعض الأوقات أحرى بأن تحدث وتهيج.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1163) بما قبله: وهو أنه لما ذكر في الفصل المتقدم ما تؤثره الفصول في الأبدان من النفع، ذكر في هذا ما تؤثره من الضرر بحسب الاستعداد.
البحث الثاني:
قال جالينوس: لو كان مزاج الهواء المحيط بنا وحده هو السبب في حدوث الأمراض لكان جميع الناس يمرضون في كل واحد من أوقات السنة بأمراض تشاكل ذلك الوقت. وهذا كلام صحيح، فإنا إذا استقرئنا ما يحدث في كل فصل من الأمراض رأيناها مختلفة الأنواع في الأكثر بعضها سوداوية وبعضها بلغمية وبعضها * صفراوية (1164) . فإن قيل: فأبقراط نفسه عند ذكره أمراض الفصول فيما بعد حكم بحدوث الأمراض الصفراوية في الصيف والسوداوية في الخريف والبلغمية في الشتاء في الأكثر وغالب * الأمر (1165) وعند * هذا (1166) يقول القائل لا يصح هذا التفسير، فنقول: حكم أبقراط في هذه الفصول بما ذكره إنما هو بالنظر إلى طبيعة الفصول المذكورة لا إلى طبيعة القابل، وحكمه في هذا الفصل بالنظر إليهما جميعا، ولأجل هذا قال في آخر الفصل «إلا أن بعضها في بعض الأوقات أحرى بأن تحدث وتهيج».
البحث الثالث:
قال جالينوس: ليس يمكن أن يكون الضرر PageVW5P156A الذي ينال البدن الحار والبدن البارد من السبب الواحد على مثال * واحد (1167) ، ولا ما ينال الرطب واليابس من السبب الواحد شيء واحد، ولا ما ينال المعتدل من السبب الواحد * هو (1168) ما ينال كل واحد من الحار والبارد منه. وهذا كلام حق، فإن استعدادات الأبدان لها حكم آخر، وهذا القدر راجع إلى اختلاف التدابير في المأكل والمشارب والحركات وغير ذلك فتختلف المواد البدنية لذلك، وعند اختلافها يختلف قبولها لتأثير السبب العام فتختلف الأمراض.
البحث الرابع
في فائدة تقييد حكمه بحدوث ما يحدث في كل وقت بلفظة أخرى ولم يقل يجب لقائل أن يقول إن لفظة الوجوب أجود من لفظة أخرى، وذلك لأن مواد البدن مختلفة ومن شأن المادة المناسبة لطبيعة كل فصل أن يتحرك فيه وتحدث مرضا، وأيضا فإن لكل فصل مادة مخصوصة شأنها أن تتولد فيه وتحدث ما يناسبها من الأمراض: أقول إن هذا وإن كان حقا غير * أن (1169) المادة المتقدمة قد تكون قليلة والقوة البدنية في الفصل المناسب لها قوية مستولية عليها فعند ذلك لم يحدث من المادة المناسبة مرض أو أن صاحبها يبادر ويستفرغها أو يستعمل عند إتيان فصلها ما يضاد مزاجها ويكسر قوتها، وبالجملة يقابلها بما يضادها من الأشربة والأغذية، * وكذلك (1170) يفعل بالمادة المتولدة في الفصل. فلما كانت هذه الأمور محتملة الوقوع قيد * حكمه (1171) هاهنا بلفظة أخرى ولم يقيده بلفظة الوجوب.
البحث الخامس
في فائدة * قوله (1172) «تحدث وتهيج»: أقول: هذا الكلام يحتمل وجهين: أحدهما أن * يقال (1173) إنه قد عرف أن المواد المولدة للأمراض قد تتولد في الفصل المناسب وقد تكون حاصلة قبل مجيء الفصل غير أنها كانت مقهورة بغيرها فلما ورد عليها الفصل * المناسب (1174) لها حركها وأوجب لها القوة لما يحدث عنها، ولما كان حال المواد البدنية كذلك عبر عما يحدث عنها بالحدوث عن المواد الوقتية وبالهيجان عن المواد * المتقدمة (1175) ؛ وثانيهما أن * يقال (1176) توليد فصول السنة للأمراض على ما * ستعرفه (1177) على وجهين: أحدهما بمعنى الحدوث، والثاني بمعنى التهيج، فالأول مثل * الصيف (1178) والخريف والشتاء، والثاني مثل * الربيع (1179) . ولما كان * حال (1180) فصول السنة في توليد الأمراض هذه الحال، أشار أبقراط إلى ذلك وقدم لفظة الحدوث على الهيجان، وإن كان حدوث الهيجان في أعدل الفصول على ما ذكرنا في الوجه الثاني لأن الموجب للحدوث أقوى من الموجب للهيجان فإن السبب * لن (1181) يقوى على إحداث ما يحدثه * ما (1182) لم يكن قويا بخلاف المهيج فإن أدنى سبب يهيج المادة المناسبة له لاستعدادها * لذلك (1183) .
20
[aphorism]
قال أبقراط: قد يعرض في الربيع الوسواس السوداوي والجنون والصرع والسكتة وانبعاث الدم والذبحة والزكام والبحوحة والسعال والعلة التي * يتقشر (1184) فيها الجلد والقوابي PageVW5P156B والبهق والبثور الكثيرة التي تتقرح والخراجات وأوجاع المفاصل.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1185) بما قبله: وهو أنه لما حكم في الفصل الأول بحكم عام * للسنة (1186) جميعها في حدوث الأمراض، خصص بعد ذلك الحكم بفصل * فصل (1187) وابتدأ بذكر الربيع منها لأنه أفضلها، وذلك لوجهين: أحدهما لاعتداله ولخروج تلك عن الاعتدال، ولا شك أن المعتدل أشرف من غير * المعتدل (1188) ؛ وثانيهما أنه مائل إلى حرارة سماوية ورطوبة لطيفة والمزاج الإنساني كذلك فإنه مائل إلى حرارة قليلة ورطوبة PageVW1P089B لطيفة فهو مناسب له فاستحق التقديم. وأما معنى الربيع عند الفلاسفة والأطباء وبيان اعتداله فقد ذكرناه في شرح المقالة الأولى من هذا الكتاب حيث شرحنا قوله «الأجواف في الشتاء والربيع».
البحث الثاني:
توليد الفصول للأمراض على نوعين على ما عرفت: تارة تكون بمعنى أنها تقوى * القوة (1189) فتقوى وتنهض لدفع المواد البدنية، وتارة تكون بمعنى أنها تولد المادة المولدة لتلك الأمراض فتوليد الربيع للأمراض من القبيل الأول وما عداه من الفصول من القبيل الثاني. والدليل على ذلك أن الأمراض الحاصلة في الربيع مختلفة الأنواع، فإن منها دموية ومنها بلغمية ومنها صفراوية ومنها سوداوية. وأما أمراض باقي الفصول فإنها في الأكثر من نوع واحد.
البحث الثالث:
الربيع عند إتيانه على الأبدان إن صادفها نقية حفظ صحتها ولم يحدث فيها * حادث (1190) ، وإن صادفها ممتلئة أنهض الطبيعة البدنية باعتداله لدفع ما فيها من المواد ويعينها على ذلك * بتسييله (1191) المواد بحرارته اللطيفة. فإن كانت تلك * المواد (1192) قليلة والقوة البدنية قوية، أخرجت تلك المادة عن البدن جملة إما بالإسهال * وإما (1193) بغيره أو كان صاحب تلك المادة حسن التدبير فاستعمل ما يخرج تلك المادة عن البدن أو استعمل ما يضادها ويكسر عاديتها، * لم (1194) يحدث عنها مرض. فإن كانت كثيرة أو لم يتفق ما ذكرناه من حسن التدبير، ولدت أمراضا. فلما كان حال الربيع * كذلك (1195) ، عبر عما يحدث فيه من المواد البدنية بلفظة قد، فإن هذه اللفظة تستعمل * للتقليل. (1196) فإن قيل: وكذلك الحال في باقي الفصول فإنه متى استعمل فيها ما يخرج مادتها من البدن أو استعمل فيها ما يكسر عادية تلك المادة لم يحدث عنها مرض فكان من الواجب أن يعبر عما يحدث فيها بلفظة قد، فنقول إن حكمه في الربيع بتوليد ما يتولد فيه ليس هو بالنظر إلى طبيعة الفصل بل بالنظر إلى طبيعة القابل لأنه في نفسه معتدل والمعتدل ليس من شأنه أن يولد أمراضا والقابل على ما عرفت تارة يكون نقيا وتارة يكون غير * نقي (1197) ثم هذا تارة تكون مواده قليلة وتارة تكون كثيرة ثم هذه تارة يكون المستولي منها مادة واحدة وتارة تكون أكثر من مادة واحدة. وأما حكمه في باقي الفصول بتوليد ما يتولد فيها فهو بالنظر إلى طبيعة الفصل لا إلى طبيعة القابل فلذلك كان من الواجب أن يعبر عما يحدث في الربيع بلفظة قد وعما يحدث في غيره لا بهذه اللفظة بل بما ذكره في أول كل * فصل (1198) .
البحث الرابع:
لقائل أن يقول: كان يجب على * الإمام (1199) أبقراط أن يقدم ذكر الأمراض الدموية على ما عداها مما يحدث في الربيع لأن مناسبة الدم له أشد من مناسبة باقي * الأخلاط (1200) وهو قد فعل بخلاف ذلك * فإنه (1201) ذكر أولا الأمراض السوداوية ثم البلغمية ثم باقي الأمراض، فنقول لأن الربيع إتيانها بعد الشتاء، فالشتاء إن كان قوي البرد ولد السوداء الجمودية. وأيضا فإن في غالب الحال الأغذية المستعملة في زمان الشتاء غليظة الجوهر والأغذية التي حالها كذلك الغالب عليها من * المواد (1202) المواد السوداوية. * فإن (1203) كان البرد ضعيفا، ولد المواد البلغمية. فلأجل هذا ذكر الأمراض السوداوية PageVW5P157A ثم البلغمية لأن في غالب الأحوال يكون الشتاء قوي البرد.
البحث الخامس:
قد عرفت أن المواد البدنية التي يصادفها الربيع في الأبدان قد تبلغ من الكثرة إلى أن القوى لا * تقوى (1204) على دفعها * أو (1205) تكون القوى البدنية ضعيفة في الأصل. وإن كانت المواد قليلة بالنسبة إلى * الاعتدال (1206) ففي مثل هاتين الصورتين إن كانت الأعضاء الشريفة * فيهما (1207) ضعيفة قبلت تلك * المواد (1208) من قبول غيرها لها فأحدثت فيها أمراضا مناسبة لها. وإن لم يكن فيها قبول لها، دفعتها القوى التي فيها أو مالت هي بنفسها إلى ما هو أقبل لها من الأعضاء، وتلك هي المفاصل. فإنها لدوام حركتها وسعة تجويفها وكون أكثرها متسفلا أقبل لها من غيرها. وإن كانت القوى البدنية أقوى من ذلك وفي المواد قبول للدفع، اندفعت إلى ظاهر البدن وأحدثت في سطح الجلد أمراضا، فالوسواس السوداوي والجنون والصرع والسكتة من القبيل الأول، وبعده * الذبحة (1209) والزكام والسعال وأوجاع المفاصل من القبيل الثاني، والعلة التي * يتقشر (1210) فيها الجلد والقوابي والبهق والبثور والخراجات من القبيل الثالث. وقدم ذكر أمراض الدماغ على ما عداها لشرف محلها، ثم ذكر بعدها ما محلها دون ذلك في الشرف، وأخر ذكر أمراض المفاصل لخستها لأن مفاصل البدن أخس أعضائه لأن خدمتها مستمرة ولأنها أقبل الأعضاء لانصباب المواد لما ذكرنا، وجعل باقي الأعضاء متوسطة لتوسط * محلها (1211) فيما بين ذلك.
البحث السادس
في رسوم الأمراض المذكورة في هذا الفصل: أما الوسواس والجنون والصرع والسكتة فقد ذكرنا ذلك جميعه فيما تقدم. وأما انبعاث الدم فتارة يفهم منه خروجه من الفم وتارة يفهم منه * خروجه (1212) من أفواه العروق وتارة يفهم منه خروجه بالرعاف. وسبب هذا جميعه غليان الدم وزيادة كميته. فمتى لم يبادر إخراجه بالفصد، مال إلى بعض الجهات المذكورة، غير أنه متى خرج من الفم قد يكون خروجه منه نفسه وقد يكون خروجه من الدماغ وقد يكون خروجه من الحنجرة وقد يكون خروجه من القصبة وقد يكون خروجه من نفس الرئة وقد يكون خروجه من الصدر وقد يكون خروجه من المريء وقد يكون خروجه من المعدة. فإن كان * خروجه (1213) من الفم * كان (1214) بالتبصيق، وإن كان من الحنجرة * كان (1215) بالتنخيج، وإن كان من قصبة * الرئة (1216) * كان (1217) بالسعال اليسير، وإن كان من نفس الرئة كان الدم الخارج زبديا، وإن كان من الصدر كان الدم غليظ القوام وبسعال قوي، وإن كان من المريء كان وجع * معه (1218) بين الكتفين، وإن كان من المعدة كان خروجه بالقيء. وأما خروجه من أفواه العروق PageVW1P090A فهو عند كونه غليظا محترقا أو غير محترق، فإنه بسبب ذلك يهبط إلى أسفل ويخرج من أطراف العروق المذكورة ويكون خروجه PageVW5P157B عند * التزحير (1219) لإخراج النجو بسبب قوة الدفع لذلك ولا سيما متى كان ذلك شديدا ولذلك صار توفق الطبع مزيدا في ذلك لكونه يحتاج في إخراجه إلى تزحر شديد ولينه بخلاف ذلك. ويخص خروجه أمران: أحدهما مجيئه بعد مجيء الطبع لأن التزحر يخرجه غير أن الطبع إذا كان في * طرف (1220) المعاء * زاحم (1221) أطراف العروق المذكورة ومنع ما من شأنه أن يخرج منها؛ وثانيهما مجيؤه وثبا، وذلك لقوة خروجه، وهذا الدم متى قطع أعقبه بواسير لأن الدم الخارج متى لم يجد منفذا يخرج منه ورم أطراف العروق وحصل منه زيادات تسمى بواسير، ولذلك لم يجب أن يقطع إلا أن يفرط خروجه، فإن في مثل هذا الوقت يخاف منه أن يحدث استسقاء لأنه يضعف الكبد والقوى التي فيها. وأما خروجه بالرعاف فهو عند كون المادة لطيفة، وذلك لأن الدم المذكور لا يخلو إما أن يكون عند خروجه لطيفا وإما أن يكون غليظا وإما أن يكون معتدلا. فإن كان الأول خرج بالرعاف، فإن كان الثاني خرج * بأفواه (1222) العروق. وإن كان معتدلا خرج من الفم على ما فصلناه، فالرعاف منه بحراني، ومنه غير بحراني. وأجود البحراني ما كان خروجه باعتدال حتى لا يجحف بالقوة. وقد عرفت المنذرات حيث شرحنا * قوله (1223) الرابع منذر بالسابع والغير بحراني على نوعين، منه قطرات ومه خافر، وكل واحد منهما على نوعين، منه شرياني ومنه وريدي، وأردأه الشرياني الخافر في خروجه وأسلمه الوريدي الخارج قطرات، ويعرف الوريدي من الشرياني بلون الدم الخارج، فإنه متى كان قانيا فهو وريدي، ومتى كان ناصعا فهو شرياني وبقوامه، فإنه متى كان غليظا فهو وريدي، ومتى كان لطيفا فهو شرياني وبكيفية خروجه، فإنه متى كان برفق فهو وريدي، ومتى كان بخفر فهو شرياني. وأما الذبحة فقد عرفتها، وكذلك الزكام والبحوحة والسعال. وأما العلة التي يتقشر فيها الجلد فتارة يفهم منها الجرب وتارة يفهم منها الحكة وتارة يفهم منها الخراز ويعرف بالإبرية. أما الجرب فهو بثوى يحدث في البدين وأكثره بين الأصابع لاستيلاء * إحدى (1224) المواد * الأربع (1225) لكن البلغم لا يحدثه إلا إذا كان مالحا، وما كان منه حادثا عن السوداء فإنه يسمى جربا يابسا أو لا يكون معه رطوبة سابلة أو تكون قليلة جدا، وما مال من الجرب إلى رطوبة فإنه يسمى رطبا وأسبابه من خارج كثيرة مث=ل الإكثار من الأغذية المولدة للدم الغليظ والأبازير الحارة المسخنة الملطفة المحرقة للدم والأغذية المالحة، وصار أكثر تولده بين الأصابع لدوام حركتها. وأما الحكة فحدوثها من مادة الجرب لكن هي في الحكة أرق وأقل ميلا إلى الملوحة وأسكن وأشد استقرارا من مادة * الجرب (1226) ، وذلك لدفع الطبيعة لها انسداد المسام كما يعرض للمشائخ وفي أواخر الأمراض ولمن اعتاد الاستحمام بالماء العذي ثم تركه. وقد يكون حدوث الحكة والجرب على سبيل دفع الطبيعة لمادة بعض الأمراض في البحارين. وأما الخراز فهو أجسام صغيرة شبيهة بالنخالة تنتثر من جلدة الرأس من غير تقريح وحدوثها عن بلغم مالح أو دم يخالفه مادة سوداوية. وأما القوابي فهي خشونة تحدث في سطح الجلد لاستيلاء مادة سوداوية عليه أغلظ من مادة الجرب وهي تنقسم إلى رطبة وإلى يابسة. وسبب الرطبة مادة موية واليابسة مادة سوداوية، والفرق بين اليابسة والخراز أن الخراز يتناتر منه قشور عند حكة. وأما البهق فالأبيض منه بياض يحصل في سطح الجلد لضعف المغيرة الخاصة بذلك الجزء عن أن يتشبه الغذاء بالمغتذي أو لاستيلاء مواد بلغمية عليه يحيل مزاجه إلى ما يناسبها. ولنبسط القول في هذا فنقول: المادة الموجبة لذلك إن كانت رقيقة والدافعة فيه قوية، دفعت تلك المادة إلى سطح الجلد وحصل من ذلك البهق، وإن كانت غليظة فالدافعة ضعيفة، عجزت عن دفع تلك المادة فتبقى محتبسة في الباطن ويحصر منها البرص. وتقرير ما ذكرناه في كتبنا المبسوطة أن المغتذي وإن كان * هو (1227) الفاعل والمغير للغذاء غير أن الغذاء قد يفعل في المغتذي ويغيره على طول المدة، ويدل على هذا انتقال النباتات من السمية إلى الغذائية بانتقالها من مغارس إلى مغارس. وكل واحد من البهق والبرص ينقسم إلى أسود وإلى أبيض فالأبيض لاستيلاء ماا ذكرناه والأسود لاستيلاء مواد سوداوية، والبرص الأسود. قال بعضهم: هو القوباء ويعرض في بدن الأسود بخشونة الموضع، والفرق بين البرص والبهق الأبيضين من وجوه ثلاثة: أحدها أن البهق الشعر النابت فيه أسود لأن المادة تستوليه فيه على الظاهر لما قد عرفت، والشعر النابت في البرص أبيض لأن المادة فيه غائرة÷ الثاني أن البهق إذا غرز فيه إبرة خرج من الموضع دم لخلو الباطن من البلغم والبرص إذا فعلت به ذلك خرج من الموضع دم أبيض لاستيلاء البلغم على الباطن؛ وثالثها أن البهق إذا غمز عليه لم يبق فيه أثر الغمر والبرص إذا غمر عليه بقي أثر الغمر غائرا، وذلك لاستيلاء البلغم على * الباطن (1228) .
21
[aphorism]
قال أبقراط: * فأما (1229) في الصيف * فيعرض (1230) بعض هذه الأمراض وحميات دائمة ومحرقة وغب كثيرة وقيء وذرب * ورمد (1231) ووجع الأذن وقروح في الفم وعفن في القروح وحصف.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1232) بما قبله: هذا معلوم بالضرورة، فإن بعد الربيع الصيف. وقد * عرفت (1233) مما تقدم أن المراد بالصيف عند * المنجم (1234) * من (1235) حلول الشمس في السرطان إلى حلولها في الميزان، وعند * الطبيب (1236) هو الوقت الحار.
البحث الثاني:
قد عرفت أن أول كل فصل شبيه بآخر الفصل الماضي. ولما كان أول الصيف * شبيها (1237) بآخر الربيع، حصل فيه ما من شأنه أن يحصل في آخره، فلذلك قال «فيعرض فيه بعض أمراض الربيع» وقال «يعرض فيه بعض» ولم يقل «يعرض فيه ما يعرض في الربيع» أو «أكثر أمراض * الربيع (1238) ». وذلك لأن الحرارة تقوى في آخر الربيع وأول الصيف وأيضا يدوم تأثيرها فيتحلل معظم PageVW1P090B المادة البدنية بذلك فتنقص الأمراض بذلك غير أنه بسبب المشابهة يعرض بعض الأمراض الربيعية. وأما في وسط الصيف فبسبب كثرة التحليل لقوة الحر فلا يعرض فيه من أمراض الربيع ما سببه مواد رطبة كالصرع والسكتة والسعال والبحوحة * والزكام (1239) . وإن * حصلت (1240) في الوقت المذكور كان حدوثها * نادرا (1241) . وأما انبعاث الدم فيعرض في الوقت المذكور غير أن عروضه في الربيع من وجه غير الوجه الذي به يحصل في الصيف. وذلك لأن سبب حدوثه في الربيع هو غليان المادة وزيادة حجمها، وفي الصيف حدة المادة ولذعها، فتنفجر العروق PageVW5P158A السهلة * الانصداع (1242) . وكذلك الحال في الذبحة فإنها تحصل في * الصيف (1243) لكنها بطريق آخر وهو عند * صيرورة (1244) المادة صفراء، وذلك في وسط الصيف فتندفع إلى جهة الحلق ويحدث المرض المذكور، فإن الصفراء بطبعها تطلب الأعالي واللحوم الغددية قابلة لذلك لسخافتها فلذلك صارت الذبحة تحدث في الوقت المذكور عن المادة * المذكورة (1245) . وأما الوسواس والجنون فقد يعرضان في الصيف، وذلك لفرط احتراق المواد بسبب حرارة الصيف ويبسه لا كما يعرض في الربيع بسبب تحريك المادة. وكذلك ا لحال في القوابي والعلة التي ينقشر فيها الجلد أي بسبب احتراق المادة لا بسبب تحريك القوة * لدفع (1246) المادة. وأما البهق فيقل عروضه في الصيف، وذلك لتخلخل الجلد وتحليل ما يندفع إليه من المواد. وكذلك الحال في البثور والخراجات إلا أن تكون المواد المتولدة في الصيف رطبة كما إذا كان الصيف جنوبيا أو * إذا (1247) أفرط فيه في استعمال الأغذية * المرطبة (1248) .
البحث الثالث
في بيان كيفية عروض ما يخص الصيف من الأمراض: أما الحميات الدائمة فتارة يفهم منها الحميات الدموية المرضية، وتارة يفهم منها الصفراوية الدائمة أي الداخلة * في (1249) العروق لا البلغمية والسوداوية الكائنتان كذلك، وذلك لقوة الحر. وقد علمت أن كل فصل يولد ما يشاكله فمادة الحميتين المذكورتين قلما يتولد في الفصل المذكور. والمفهومان حق غير أنه إن فهم من الدائمة الأمر الأول فحدوثه في * أول (1250) الصيف، وذلك لقرب العهد بالربيع فتكون المواد الدموية كثيرة. وأما الصفراوية فأنواعها بسبب تولدها في زمان الصيف أمران: أحدهما اختصاص الفصل المذكور بتوليد الصفراء؛ وثانيهما كثرة ما يؤكل من الفواكه ولا سيما في آخره فيتولد عنها دم سريع الإجابة للغليان والعفن فيتولد ما ذكره أبقراط، غير أنه إن كانت المادة المذكورة خارجة العروق حصل منها الصفراوية الدائرة، وإن كانت داخلة العروق حصل منها الدائمة، إن كانت المادة مبثوثة في عروق البدن كله، وإن كانت في العروق القريبة من الكبد والقلب حصل منها المحرقة. وأما القيء والذرب فبسبب ميل المادة المذكورة إلى جهة العلو أو السفل فإنها إن كانت لطيفة مالت إلى جهة العلو وأوجبت القيء، وإن كانت غليظة مالت إلى جهة السفل وأوجبت الذرب ثم القيء إن كان معه إسهال سمي المجموع هيضة، وإن لم يكن معه ذلك سمي بذلك فقط. ولنبسط القول في هذه الأمراض الثلاثة فنقول: القيء. حركة من المعدة لدفع ما هو مصبوب في تجويفها، وذلك لأن المادة الحاصلة في المعدة تارة تكون مصبوبة في تجويفها وتارة تكون متشربة في خملها وتارة تكون في جرمها، ثم هذه نارة تكون مشنجة وتارة لا تكون مشنجة، فإن كانت مصبوبة في تجويفها أوجبت القيء، وإن كانت في جرمها أوجبت التهوع، وإن كانت في * خملها (1251) أوجبت الغثيان، وإن كانت مشنجة أوجبت الفواق، ثم القيء منه بحراني ومنه غير بحراني، فالبحراني كما في الحميات الصفراوية وكما في ورم تقعير الكبد عند انفجاره، وغير البحراني على نوعين، حاد مقلق وساكن، فالحاد كما في الحيضة واستعمال دواء مقيء والساكن كما في الممعودة، والمادة الموجبة له * إحدى (1252) المواد * الأربع (1253) لكن إن كان ذلك صفراء أوجبت القيء العنيف، وإن كان بلغما أوجب القيء الساكن، والسوداء قريبة من البلغم والدم قريب من الصفراء في قوة الحركة وضعفها. ومن الناس من يكون له نوائب في السوداء ويكون فيه * صلاحة (1254) ، ومن الناس من يدوم غثيانه ولم يحصل له قيء، وذلك إما لقوة الماسكة وإما لضعف كيفية ما يغثي وإما لقلة مقدار مادته، فإذا أكل شيئا سهل عليه القيء وضعيف المعدة كلما اغتذى بشيء عرض له غثيان وتقلب نفس، فإن مال ما استعمله إلى فوق خرج بالقيء، وإن انحدر إلى أسفل خرج بالإسهال، ومن العلامات المنذرة بالقيء ثقل فوق الشراسيف وتقلب نفس واختلاج الشفة * السفلى (1255) . واما الهيضة فهي حركة من المعدة لدفع ما فيها بالقيء والإسهال معا. وذلك لفساد يحصل للغذاء المستعمل فما لطف منه اندفع بالقيء وما غلظ منه * اندفع (1256) إلى أسفل وخرج بالإسهال. والفساد اللاحق للغذاء المذكور إما أن يكون من جهة الغذاء وإما أن يكون من جهة المعدة وما يطيف بها وإما أن يكون لأمر * طار (1257) . والعائد إلى الغذاء إما أن * يكون (1258) من جهة كمية وإما من جهة كيفية، والكمية هي أن تكون أكثر مما ينبغي فلا ينهضم على ما ينبغي أو أقل مما ينبغي فينفعل * من (1259) الهاضم فوق ما ينبغي * فيحترق (1260) . والكائن من جهة * الكيفية (1261) إما أن يكون في نفسه سريع القبول للفساد كاللبن الحليب والخوخ والبطيخ الأصفر وإما أن * يكون (1262) بطيء القبول * للإصلاح (1263) كالكماه واللحوم الغليظة وإما أن * يكون (1264) مفرط الحرارة كالعسل أو البرد كالقرع. وأما الكائن من جهة المعدة وما يطيف بها فمثل أن تكون ضعيفة عاجزة عن هضم ما يصل إلها من الغذاء ويحصل فيها رياح عن ذلك PageVW1P091A تحيل بين جرم المعدة وبين * الغذاء (1265) المستعمل فلا يشتمل عليه اشتمالا جيدا أو يكونالمراق مهزولا أو الكبد أو * الطحال (1266) ضعيفين. والطاري هو أن يكون قد أخذ الغذاء * عن (1267) غير شهوة صادقة أو قدم * فيه (1268) ما يجب تأخيره أو * تأخر (1269) ما يجب تقديمه أو يكون الهواء عند استعماله * حارا (1270) جدا أو استعمل عقيب أخذه حركة عنيفة. فأمثال هذه الأمور متى حصلت فسد الغذاء المسعمل، ومتى حصل ذلك قام مقام الدواء لأنه يستحيل إلى كيفية سمية فيحرك ما في البدن من المواد كما يحركها الدواء المسهل، ولذلك صار الإنسان عند حصول ذلك الأمر له يخرج من بدنه أضعاف ما يستعمله من الغذاء. والهيضة تكثر بالصبيان لسوء ترتيبهم في المآكل * والمشارب (1271) وكثرة حركاتهم عليها، ومعتاد الهيضة مضرتها له أقل من PageVW5P158B مضرة الغير معتاد لها، وكثيرا ما تحتبس مادة الهيضة وتميل عند ذلك إلى جهة البول فتحدث حرقة في مجاريه ولذعا فيها، ومن اعتراه القيام بالنهار أكثر من * الليل (1272) فالشر من جهة معدته فإنها * تنفر (1273) عن الغذاء المستعمل وتدفعه إلى أسفل. * وإذا (1274) كان بالليل * أكثر (1275) فالشر من جهة من جهة كبده بحيث أنها * (1276) ترد الغذاء النافذ إليها. وأما الذرب فهو الإسهال المزمن، وسببه إما ضعف ماسكة المعدة أو المعاء أو سدة في الماساريقا أو بقايا من أجرام الأدوية المسهلة ملتصقة بخمل المعدة. وأما الرمد فقد عرفته، وسبب عروضه في زمان الصيف حرارة المادة ولطفها وميلها إلى الأعالي. والعين عضو سخيف دائم الحركة فتقبل منها مقدارا متوفرا ويحدث فيها * رمد (1277) لا سيما وحرارة الوقت تخلخل جرم العين وتسيل المادة الحاصلة في * الدماغ (1278) . وأما وجع الأذن فالمراد به ورم يحصل حولها، وذلك لاستيلاء مادة من المواد الأربع على الدماغ غير أن أكثر ما يكون ذلك عن المادة الصفراوية، وذلك لكثرة تولدها في الفصل المذكور ثم أن الدماغ يدفعها إلى مغيضه وهو خلف الأذنين. وقد تكون المادة المذكورة غير مورمة * وهي (1279) إذا كانت خالية من * العفن (1280) . وأما قروح الفم فذلك لارتفاع الأبخرة الصفراوية إلى جهته فتنكيه وتؤذيه، وربما أوجبت فيه * قلاع (1281) ، وسنذكره. وأما عفن القروح فلاجتماع سببي العفونة فيه وهما الحرارة والرطوبة. أما الحرارة فمن جهة الفصل. وأما الرطوبة فمن جهة مادة القرحة. فإن كان الصيف مع ذلك جنوبيا أي كثير الرطوبة كان أقوى في * ذلك (1282) . وأما الحصف * فهو (1283) بثور تحدث في جلدة الرأس لمواد حادة * ترتفع (1284) إليها وتقرحها.
[commentary]
قال جالينوس: وهذا الاسم مشتق في اللغة اليونانية من اسم العرق، وذلك لأن العرق إذا كان مائلا إلى طبيعة المرار فإنه يحرق الجلد ويحدث فيه حكة وخشونة ثم * تقرحه (1285) . * والله (1286) أعلم.
22
[aphorism]
قال أبقراط: * وأما (1287) في الخريف فيعرض أكثر أمراض الصيف وحميات ربع ومختلطة وأطحلة واستسقاء * وسل (1288) وتقطير البول واختلاف الدم وزلق * الأمعاء (1289) ووجع الورك والذبحة والربو والقولنج الشديد الذي يسميه اليونانيون إيلاوس والصرع والجنون والوسواس السوداوي.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1290) بما قبله: * وهذا (1291) معلوم بالضرورة وهو أن الخريف عقب الصيف. وقد علمت أن المراد بالخريف عند المنجمين * من (1292) حلول الشمس في الميزان إلى حلولها في الجدي، وعند الأطباء هو الوقت المعتدل في الحر والبرد.
البحث الثاني:
عروض أمراض الربيع في الصيف أقل من عروض أمراض الصيف في الخريف. وذلك لأن أمراض الربيع حاصلة عن المواد المتولدة في الأبدان في زمان الشتاء لا أنه مولد * لها (1293) على ما عرفت. فإذا ورد عليها حر الصيف حلل تلك المادة وأخرجها عن البدن إما بالتحليل الخفي إن كانت المواد طليفة والقوة مستولية، وإن كانت غليظة أو القوة ضعيفة بقيت تلك * المواد (1294) في البدن وأوجبت * أمراضا (1295) بحسبها، فلذلك * صار (1296) يحصل في الصيف لا سيما في أوله بعض أمراض الربيع بخلاف الخريف مع الصيف، فإن الصيف بطبعه مولد * لمادة (1297) مخصوصة موجبة لأمراض مناسبة لها والخريف أبرد من * الصيف (1298) . فإذا ورد على الأبدان حبس تلك المادة وجمعها وعكس بعضها إلى الباطن وبالجملة منعها من التحلل، ولذلك قيل PageVW5P159A إن الخريف كالكافل لأمراض الصيف، فلذلك قال «والخريف يعرض فيه أكثر أمراض الصيف».
البحث الثالث:
قوله «أكثر أمراض الصيف» أي أن أكثرها يعرض * فيه (1299) كثيرا. وأما أقلها فيقل عروضها فيه، وذلك مثل * الأمراض (1300) الحاصلة عن الصفراء الساذجة لأن هذه المادة ينكسر حرها ويغلظ قوامها ببرد الخريف وميله إلى الاعتدال وتلك الأمراض مثل * القيء (1301) والرمد والحصف. وذلك لأن المادة المذكورة عند * صيرورة (1302) قوامها كذلك يقل ميلها إلى الأعالي ويطلب جهة أخرى فيقل عروض ما ذكرنا. وأيضا فإن الهواء في الفصل المذكور ببرده يكثف سطح العين ويقويه فيقل لذلك قبولها لما يميل إليها لا سيما والمائل إليها قليل. أما من جهة الأسافل فلما ذكرنا. ووأما من جهة الدماغ فلبرده يقل السائل والقاطر منه إلى جهتها ويكثف سطح الرأس فيقل العرق لا سيما والمتصاعد إليه * قليل (1303) .
البحث الرابع:
الأمراض الخاصة بالخريف هي الأمراض السوداوية لكن يجب أن تعلم أن توليد السوداء على ثلاثة أنواع: إما على سبيل الرسوب، وهذا لا يكون إلا من الدم، فإن الصفراء للطافتها وقلة الأجزاء الأرضية فيها ودوام حركتها قلما يتميز فيها رسوب يعتد به، والبلغم للزوجته PageVW1P091B وتماسك أجزائه بعضها ببعض لا يرسب منه شيء؛ وإما على سبيل الاحتراق * ومثل (1304) هذا النوع يتولد عن سائر الأخلاط حتى عن السوداء * الطبيعية (1305) نفسه؛ وإما على سبيل الجمود وهذا لا يتولد إلا عن خلط بارد كالسوداء الطبيعية والبلغم * فالسوداء (1306) الحاصلة في الخريف الاحتراقية والرسوبية. أما الاحتراقية فمن الصيف، فإن حره السابق أحرق مواد البدن ثم جاء الخريف ببرده حبس ذلك المحترق لا سيما والغذاء المستعمل في الصيف قابل للفساد للطفه كالفواكه وغيرها. وأما الرسوبية فلميله في ذاته إلى البرد واليبس فتكون الأجزاء المستعدة لقبول السوداء في الدم أكثر مما هي في باقي توليد الخلط المذكور لا سيما في أوله ووسطه * أيضا (1307) .
البحث الخامس
في بيان عروض ما ذكره فيه: أما * الربع (1308) فلكثرة * السوداء (1309) . وأما الختلطة أي التي ليس لها نظام فلاختلاف المواد فيه، لأن الأبدان * فيها (1310) مواد مختلفة متخلفة عن الصيف ومتولدة فيه، وأيضا كما قال جالينوس لاختلاف هواء هذا الوقت، فإنه على ما عرفت تارة يكون بردا وتارة يكون حرا فعند كونه حارا تتلطف المادة وتسيل وتطلب التحلل، وعند كونه باردا يكون الأمر * بالخلاف (1311) . وأما الأطحلة * فالمراد (1312) * بها (1313) عظم الطحال، وذلك العظم إما ورم وإما صلابة، وذلك بحسب المادة الموجبة لذلك. فإنها متى كانت عفنة أحدثت الورم ومتى * كانت (1314) غير عفنة أحدثت الصلابة. وسبب عروض ذلك في الخريف إما كثرة السوداء فتميل إلى الباطن بسبب برد هوائه فتقبلها الأعضاء القابلة لها وأشدها قبولا لها الطحال، لأنه مغيضها أو يقول: لأجل حصول الربع فإن من لوازم هذه الحمى ألم * الطحال (1315) . وأما الاستسقاء فلضعف الكبد، وذلك لثلاثة وجوه: أحدها لعظم الطحال، وثانيها لكثرة * توليد (1316) الربع، وثالثها * لميل (1317) مزاج الفصل إلى البرد واليبس، وهذه جميعها مضادة لمزاج الكبد ومضعفة لهضمها فيما يرد عليها من صفو الكيلوس، وستعرف كيفية إيجاب ذلك للاستسقاء. وأما السل فلاختلاف الهواء فيه فيرد على الرئة وهو كذلك فيؤذيها، وأيضا لحبسه المواد المحترقة في زمان الصيف فيميل شيء منها إلى جهة الرئة فتقرحها. وقال جالينوس: حدوث السل إنما هو فيمن كان يخاف عليه السل وأمره بعد محيل فإن أمره ينكشف في الخريف ليبس ذلك الوقت وبرده واختلاف مزاجه ورداءة الأخلاط * فيه (1318) . وأما تقطير البول فلاحتباس المواد المحترقة في باطن البدن وميلها مع البول إلى جهة المثانة فتلذعها وتمنعها من الاشتمال عليه إلى حين تجتمع وتخرج مرة واحدة بل كلما مال إليها شيء خرج أولا فأولا، * ولا (1319) معنى لتقطير إلا ذلك. وأما اختلاف الدم فالمراد به إسهاله، وسببه احتباس المواد الحادة وميل غليظها إلى جهة المعاء، فإن المواد المذكورة متى حصل لها الحتباس مال * ما (1320) لطف PageVW5P159B * منها (1321) إلى جهة المثانة وأحدث ما ذكرنا، ومال * ما (1322) غلظ * منها (1323) إلى جهة المعاء وأوجب إسهال الدم، فإنه يحدثه * لجرد (1324) سطحها ويحدث فيها سحجا. وأما زلق المعاء فقال جالينوس: المراد به خروج الطعام بالبراز بسرعة من غير أن يكون قد تغير البتة. وذلك إما لقروح تحدث في سطح المعدة والمعاء تشبه القروح التي تعرض للصبيان في أفواه * الصبيان (1325) التي تسمى القلاع، وإما لضعف * القوة (1326) الماسكة. والحالة الأولى تكون من فضول لذاعه، والثانية تكون من تغير عظيم * تكون (1327) في مزاج المعدة والمعاء، والسببان جميعا يعرضان في الخريف.
هذا كلامه في كيفية عروض هذا المرض وهو حق، فإن الخريف لبرده ويبسه يحنس المواد لببدنية، فإن كانت محترقة أوجبت * القروح (1328) ، ومتى حصل للمعدة ذلك امتنع اشتمالها على الغذاء إما لخشونة جرمه وإما لكيفية حادة فيه وإما لأنه حامض وإما لأنه كثير المقدار، فمتى ورد على المعدة تشمرت لدفعه أولا * فأولا (1329) . والفرق بين قروح المعدة وبين * ورمها (1330) أن في قروحها تتأذى المعدة بكيفية الغذاء وفي ورمها بكمينه. وإن كانت المواد خالية من الاحتراق وهي رطبة متبقية عن الفواكه المستعملة فيه أرخت المعدة وأضعفت القوة الماسكة التي * فيها (1331) ، وعند ذلك تعجز عن مسك الغذاء الوارد * عليها (1332) ويخرج أولا فأولا بحاله وبهذا يفرق بين ضعف ماسكة المعدة وماسكة * المعاء (1333) . وسمى الأطباء هذا المرض بزلق المعاء تجوزا في العبارة، وإلا فالواجب أن يسمي زلق المعدة. وأما وجع الورك فتارة يفهم منه وجع النسا وتارة يفهم منه وجع الظهر، والكل حق. فإن الفصل يوجب ذلك، لأنه يرد على الأبدان وهي متخلخلة من حر الصيف فينفذ في * تلك (1334) الخلخلة إلى باطن البدن ويؤذي ’لات الحركة ببرده. وأيضا فإنه بسبب ذلك يحبس المواد المحترقة في زمان الصيف، وعند ذلك تميل إلى ما هو أقبل لها وتلك في المفاصل لا سيما متى كانت مستقلة، وذلك لما عرقته. وأما الذبحة فلما ينحدر إلى الحلق من الرأس بسبب تكاثف مسامه وامتناع تحلل ما كان يتحلل منه بالتحليل الصيفي غير أن أكثرها صفراوية والربيعية دموية أو بلغمية لأن مبدأ كل واحد منهما الخلط الذي يولده الفصل المتقدم. وأما الربو فلانحدار المواد من الرأس إلى جهة الرئة فتملأ أقسام قصبتها. وأما إيلاوس فلانحدار المواد المذكورة إلى جهة المعاء فتؤذيها وربما ورمتها وصار ذلك مختصا بالمعاء وتجففه غير أن هذا السبب يصلح أن يكون سببا للقولنج المشهور، والأول * لإيلاوس (1335) . وأما الصرع فلانحصار المواد في الدماغ وانعصارها. وأما الجنون والوسواس السوداوي فلغبة السوداء.
البحث السادس
في رسوم الأمراض المذكورة: أما حمى الربع فهي حرارة غريبة تحدث للبدن بواسطة حدوثها في المادة السودتوية وهي تنقسم إلى PageVW1P092A * دائمة (1336) ودائرة. وذلك لأنها عند كونها كذلك إما أن تكون داخل العروق وإما خارجها. فإن كان الأول كانت الحمى دائمة، وإن كان الثاني كانت الحمى دائرة. ومن الحميات الدائرة الخمس والسدس والسبع. ومعنى الخمس أن تنوب الحمى في أول يوم وتفتر ثلاثة أيام ثم تنوب في اليوم الخامس، والسدس تنوب أول يوم وتفتر أربعة أيام وتنوب في اليوم السادس، والسبع تنوب أوذل يوم وتفتر خمسة أيام وتنوب في اليوم السابع. وعلامة الحمى السوداوية ثقل شديد وتكسر في المفاصل وإعياء فيها، كل ذلك لغلظ المادة وبرد شديد وقشعريرة لبرد المادة وحده الحرارة عند ظهورها ليبس * المادة (1337) . وأما الحميات المختلطة أي العديمة النظام فمعروفة. وأما وجع الطحال فتارة يكون ذلك لورم فيه وأكثره عن مواد سوداوية، وقلما يعرض له ورم لين * بلغمي (1338) . وأما الدم فورمه سريع الاستحالة إلى السوداء. ثم هذا الورم تارة يكون في أعلاه وتارة في أسفله. والثاني هو الأكثري، وذلك لثقل السوداء وأشكاله أربعة المستدير والعريض والطويل الغليظ والطويل الدقيق، وتارة يكون لمواد صلبة محجرة فيه وتلك المادة إما لأنها في الأصل كذلك وإما لأن الطبيب أمعن في استعمال الرادعات فتجمد المواد وتتحجر أو في استعمال المحللات فتحلل لطيفها وبقي * كثيفها (1339) * (1340) . وأما الاستسقاء فهو مرض مادي تتغير معه السخنة * واللون (1341) عن واجبهما * الطبيعي (1342) ، وأقسامه ثلاثة: لحمي وطبلي وزقي.
(L5) (1342b)
وسبب الاستسقاء بأنواعه ضعف الكبد عن هضم الغذاء * إما (1343) لسدة وإما لسوء مزاج، وذلك إما ساذج وإما مادي، والمادي إما مورم وإما غير مورم. أما السدة فإنها تحدث الاستسقاء اللحمي عند ما يكون في مقعر الكبد، ويكون في مجذبها حرارت تذيب جوهرها ثم لا يمكنها دفع ما ذاب إلى جهة المعاء فيتفرق مع الدم إلى جهة البدن وتضعف القوة الهاضمة عن هضمه والمغيرة عن الصاقة. وتحدث السدة أيضا الاستسقاء الرقي عند ما يكون في مجرى الكليتين بحيث أنها تمنع المائية من النفوذ إلىها، ومتى امتنعت من النفوذ إلى هذه الجهة اندفعت لضرورة قاهرة إلى فضاء البطن والخلاء الذي فيه المعاء، وذلك في المجرى المتصل بسرة الجنين * الذي (1344) كان يأتي فيه غذاؤه. فإذا اندفعت فيه وسعته بالقياس إلى حلقة الأول ثم إنه ينفزر وتخرج المائية منه إلى الفضاء المذكور. وأما السوء * المزاج (1345) : أما الحار فعلى ما ذكرنا وهو أن يذيب حوهر الكبد ثم ينفذ ما ذاب إلى جهة الأعضاء فلا تغتذي به الأعضاء كاغتذائها بالدم الصالح، وكذلك الإلصاق. وأما البارد فيضعف القوة الهاضمة ويستحيل الغذاء إلى الفجاجة البلغمية فلا يلتصق بالأعضاء كإلتصاق الدم الطبيعي، وكذلك الحال في الرطب. وأما اليابس فإنه لا يحدثه إلا لإجداثه البرودةهذا حكم الساذج. وأما المادي المورم وغير المورم فيحدث الاستسقاء بغمر المادة الحرارة الغريزية وإضعافها للقوى الطبيعية. ولنا كلام آخر في الاستسقاء، وسنذكره في المقالة السادسة في شرح قوله «من كان به استسقاء فجرى الماء منه في عروقه إلى بطنه كان بذلك انقضاء مرضه (vi. 14)». وأما السل فقد عرفته. وأما تقطير البول فهو على ما عرفت معناه خروج البول أولا فأولا، وسببه إما في البول نفسه وإما في * آلاته (1346) وإما في المبادئ والكائن من جهة البول. أما * لكيفيته (1347) وهو أن يكون حادا جدا فيلذع المثانة عند انصبابه إلى تجويفها فيحوجها إلى خراجه أولا فأولا. وأما لكميته وهو أن يكون كثيرا فتنقل المثانة ويحوج العضلة للانفتاح، وإن لم * تستدع (1348) ذلك الإرادة والكائن من جهة الآلة فهو إما في المثانة وإما في العضلة المحيطة بها. أما المثانة فذلك إما لجرب وإما لقروح فيها فلا يقدر على حبس البول وإخراجه دفعة. والفرق بين الجرب والقروح أن الجربي يخرج فيه قشور بيض مع البول وإما لقروحي يخرج مع البول دم ومدة وإما لسوء مزاج حاصل لها وأكثره بارد. وإيجاب السوء * المزاج (1349) لذلك على وجهين: إما لإضعافه القوة الماسكة التي فيها فلا يقدر على إمساك ما ينحدر إليها حتى يجتمع ويخرج دفعة بل يتخلى عنه فيخرج أولا فأولا؛ وإما لإضعافه الدافعة فلا يقدر على عصر البول إلا قليلا قليلا. وأما لحصاة حاصلة فتميل إلى جهة مجراها وتمنع من خروج البول جملة والكائن من جهة العضلة فهو عند ما يسترخى فلا يقدر على إمساك البول إلى حين يجتمع بل يخرج أولا فأولا كما يعرض للعضلة المحيطة بالمقعدة والكائن من جهة المبادئ فمثل أن يكون في الدماغ آفة فتشتغل القوة المحركة بالإرادة عن النفوذ إلى جهة المثانة فيخرج البول أولا فأولا بالإرادة. وأما اختلاف الدم فقد عرفته، وكذلك زلق الأمعاء. وأما وجع الوركك فقال جالينوس: المراد به عرق النسا، وقد يفهم منه وجع الورك نفسه. أما عرق النسا فهو وجع من جملة أوجاع المفاصل يبتدئ من مفصل الورك وينزل إلى الفخذ، وربما امتد إلى الركبة وإلى الكعب، وكلما طالت مدته زاد نزوله بحسب المادة في قلتها وكثرتها، وربما امتد إلى الأصابع وتهزل منه الرجل والفخذ لانسداد مجاري الغذاء إليها، وذلك لاستيلاء * إحدى (1350) المواد * الأربع (1351) على الموضع المذكور وأكثرها باردة. فإن كان انصباب المادة إلى مفصل إبهام الرجل على الخصوص فإنه يسمى نقرسا، وإن كان ميلانها إلى ما عدا ذلك من مفاصل البدن فإنه يسمى باسم عام وهو وجع المفاصل. ومعتاد وجع المفاصل إذا عالج نفسه وقوي مفاصله عن قبول ما من عادته الميل إليها فكثيرا ما يكون سببا لهلاك نفسه. وذلك لأن المواد الرديئة التي كانت معتاده الانصباب إلى مفاصله تميل إلى بعض أعضائه الشريفة فتوقع صاحبها في خطر عظيم، والمبتلي بأوجاع المفاصل تارة يحلها على نفسه بسوء PageVW1P092B تدبيره وتارة يكون بسبب ذلك هيئة أعضائه فتولد أخلاطا رديئة توجب ذلك. وأما وجع الورك فهو الذي يكون الوجع فيه ثابتا في الورك فقط، وذلك لاستقرار المادة هناك. وسبب ذلك إما استمرار الجلوس على جسم صلب أو ضربة تقع على ذلك الموضع. وأما الذبحة فقد عرفتها. وأما الربو فهو علة حادثة في الرئة لامتلاء أقسام قصبتها مواد غليظة ويلزمها ضيق النفس بسبب المزاحمة. وإن كانت هذه المادة حاصلة في شرايين الرئة سمي الحادث عن ذلك بهرا. والفرق بين العلتين أن في الربو يحسن ببرد شديد عند لمس الصدر وفي البهر بحرارة ظاهرة قوية شديدة، وذلك لاحتباس الأبخرة الدخانية. وأما إيلاوس فهو وجع يحصل في المعاء الدقاق لأسباب القولنج إذا كانت حادثة فيها. وتفسير هذا الاسم يا رب أرحم على ما ذكره جالينوس في كتاب أغلوقن، وذلك لقوة وجعه وألمه لأن الآفة حاصلة في أعضاء قوية الحس قريبة من القلب. وأردأ إيلاوس الذي يقذف فيه الزبل من فوق ويسمى * المنتن (1352) ثم الذي فيه العرق منتنا ثم الذي يكون النفس فيه منتنا ثم الذي رائحة الجشاء فيه منتنا ثم الذي يكون فيه الريح الخارجة من أسفل منتنة، كل هذا لدلالته على قوة السدة واحتباس المادة بحيث أنها أوجبت ما ذكرناه. فإن قيل إن المعاء الدقاق يحتوي على جوهر كيلوسي والزبل يتولد في المعاء الغلاظ فكيف صار يحصل في إيلاوس في الزبل؟، فنقول: البراز بسبب تولده في المعاء الغلاظ لا لأن فيها خصوصية لتوليده بل لطول زمان جذب الكبد لصفو الكيلوس بسبب طول المسافة. فإن طال زمان احتباس الكيلوس في المعاء الدقاق لمانع يمنعه من النزول قام ذلك مقام طول مسافة انحدار الكيلوس إلى آخر المعاء الغلاظ فتنشف مائية بسبب شدة استقضاء جذب الكبد له فيجف ويصير برازا. وأما الصرع والجنون والوسواس السوداوية فقد عرفتها. والله أعلم.
(Y)
قال صاحب المغني: لأن الحرارة الغريبة الموجبة لذلك لا تخو إما أن تكون قوية أو ضعيفة أو متوسطة. فالحادث عن الأول اللحمي وعن الثاني الزقي وعن الثالث الطبلي. ثم اختلف الأطباء في أيهم أردأ: فمن يقول إن اللحمي أردأ احتج بوجهين: أحدهما أن الآفة فيه عامة لجميع البدن، وما كان كذلك فهو رديء لأن الأعضاء كلها فيه مشغولة بمقاومة المؤذي فتكون الطبيعة للعامة والخاصة مشغولتين بمقاومة ذلك بخلاف الزقي والطبلي، فإن المشغول فيهما به الطبيعة الخاصة بمحل الآفة فقط لا العامة؛ وثانيهما أن الطبيعة في مداواته مصروفة لأمور متعددة، فإن الأطراف فيه مترهلة والكبد ضعيفة وكذا الحرارة الغريزية والمعدة ففي غيره إلى أمر واحد. أما الطبلي فإلى تحليل الرياح. وأما الزقي فإلى إخراج المائية. ومن يقول إن الزقي أردأ، وهو اختيار ابن سينا يحتج على أنه أردأ من اللحمي بوجوه أربعة: أحدها أن الزقي فيه بعض الأعضاء سليمة من الآفة فلا يتمكن من استعمال PageVW5P160A الأدوية القوية المحتاج إلى استعمالها في مداواة هذا المرض خوفا من إضرارها بالأعضاء السليمة، ولذلك لما كان الحال كذلك كان السرطان أردأ من الجذام، وإن كانت مادة الجذام أعم من مادة السرطان؛ وثانيها أن معظم ضرر الزقي بالأعضاء الباطنة التي هي أشرف من الأعضاء الظاهرة التي معظم ضرر اللحمي بها، ولا شك أن تأذي الأعضاء الشريفة أردأ من تأذي الأعضاء التي هي دون تلك في الشرف فيكون الزقي أردأ؛ وثالثها أن ضرر الزقي بآلات النفس أكثر من ضرر اللحمي بها فيكون الزقي أردأ؛ ورابعها أن اجتماع المانع من مداواته على الواجب أكثر من اجتماعه مع اللحمي وهو الحمي، فإن حصولها مع الزقي في أكثر من حصولها مع اللمي، وما كان كذلك فهو أردأ من اللحمي. وعلي أنه أردأ من الطبلي بوجهين: أحدهما أن مادة الطبلي ألطف فيكون تحللها وخروجها عن البدن أسهل من مادة الزقي؛ وثانيهما أن مداواة الزقي الحقيقية البزل وفيه ضرر عظيم وخطر العاقبة بخلاف الطبلي، فإنا لا نحتاج في مداواته سوى استعمال المحللات القوية فقط. واعلم أن الحق في هذه المسألة أن الطبلي دون اللحمي والزقي في الرداءة، وذلك لأن السبب الموجب له سهل المعالجة بخلاف الآخرين غير أنه لم يترجح عندي خطر أحدهما على الآخر. ومن أردأ الأمور وأشرها اقتران الاستسقاء بالحمي لأن معالجة كل واحد منهما مزيد في الآخر، وهذا القدر لا يحصل إلا في الزقي واللحمي فقط. وأما في الطبلي فلا، وذلك لأن الحرارة الموجبة اللحمي سواء كانت ساذجة أو مادية مورمة أو غير مورمة يستحيل اجتماعها مع الرياح. وكيف يتصور هذا والحرارة محللة للرياح؟ وأما كيفية اجتماع ذلك في اللحمي والزقي: أما في اللحمي ففي صورتين: أحدهما أنه إذا كان في الكبد ورم حار مذيب لجوهرها فينفذ ما ذاب منها إلى جهة الأعضاء؛ وثانيهما أن يكون هناك حرارة قوية مذيبة مع سدة في تقعيرها تمنع ما ذاب منها من الانحدار إلى جهة المعاء. وسبب الاستسقاء بأنواع ضعف الكبد عن هضم الغذاء إما لسدة أو لسوء مزاج، وذلك إما سادج أو مادي، والمادي إما مورم وغير مورم. أما السدة فإنها تحدث الاستسقاء اللحمي عند ما يكون في مقعر الكبد ويكون في مجذبها حرارة تذيب جوهرها ثم لا يمكنها دفع ما ذاب إلى جهة المعاء فيتفرق مع الدم إلى جهة البدن وتضعف القوة الهاضمة عن هضم الغذاء. وأما السوء المزاج: أما الحار فعلى ما ذكرنا وهو أنه يذيب جوهر الكبد ثم ينفذ ما ذاب إلى جهة الأعضاء فلا تغتذي به اغتذائها بالدم الصالح. وأما البارد فيضعف القوة الهاضمة، وكذا الحال في الرطب. وأما اليابس فإنه لا يحدثه إلا لإحداثه البرودة PageVW5P160B هذا حكم الساذج. وأما المادي المورم وغير المورم فيحدث الاستسقاء بغمر المادة للحرارة الغريزية وإضعافها للقوى الطبيعية. وأما السل فقد عرفته. وأما تقطير البول فهو على ما عرفت. والله سبحانه وتعالى أعلم.
23
[aphorism]
قال أبقراط: وأما في الشتاء فيعرض ذات الجنب ذات الرئة والزكام والبحوحة والسعال وأوجاع الجنبين * والقطن (1353) والصداع والسدر والسكات.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1354) بما قبله: هذا معلوم بالضرورة لكل * أحد (1355) أن الشتاء بعض الخريف، غير أنه يجب أن يعلم أن المراد بالشتاء عند الأطباء هو الزمان البارد، وعند * المنجمين (1356) عبارة عن حلول الشمس في الجدي * إلى (1357) حلولها في الحمل.
البحث الثاني:
أبقراط لم يقل في هذا الفصل ما قاله قبل وهو أنه يعرض في الشتاء بعض أمراض الخريف كما قال في الصيف مع الربيع ولا أنه يعرض في * الشتاء (1358) أكثر أمراض الخريف كما * قال (1359) في الخريف مع الصيف بل جعل * هذا (1360) الحكم مطلقا هو حق. فإن الشتاء عند إتيانه على الأبدان تارة يكون قوي * البرد (1361) وتارة يكون * ضعيفه (1362) . فإن كان الأول حصل فيه أكثر أمراض الخريف أي السوداوية، وذلك بطريقين: أحدهما * لحبس (1363) المواد الخريفية في الأبدان؛ وثانيهما لتوليده السوداء الجمودية على ما عرفت. وإن كان الثاني حصل فيه بعض الأمراض الخريف لا سيما في أوله. * فلما (1364) كان الشتاء محتملا لذلك جعل حكمه فيه بتوليد ما يولده من الأمراض مطلقا ولم يقيده بحكم بعض أو أكثر.
البحث الثالث
في بيان كيفية ما يحدثه الشتاء من الأمراض المذكورة: أما ذات الجنب فلما تنال آلات التنفس من الضرر بسبب قوة البرد. ثم هذا * تارة (1365) يفهم منه ذات الجنب * الحقيقية (1366) * وهي (1367) ورم يحصل في * الغشاء (1368) المستبطن للأضلاع لمواد لطيفة صفراوية أو دم رقيق، وتارة يفهم * منه (1369) ذات الجنب المجازية * وهي (1370) وجع يحصل في * الآلات (1371) المذكورة عند تضررها بالبرد، وهذا هو الحق من كلامه هذا، وذلك لأن المواد الصفراوية يقل تولدها في الشتاء. وأما ذات الرئة فذلك لاحتباس المواد بسبب قوة البرد فيقطر من الدماغ إلى جهة مواد متوفرة فتارة تورمها وتارة لا تورمها. وأما الزكام * فكذلك (1372) أيضا لحبس المواد وانعصارها ثم انحدارها إلى جهة الأنف. وأما البحوحة فعند انحدارها إلى جهة قصبة الرئة. أما أوجاع الجنبين والقطن فلما تنال الأعضاء العصبية من البرد فيتعذر عليها تحريك ما تروم تحريكه إما لصلابتها في نفسها وإما لتعذر نفوذ القوة المحركة فيها بسبب تكاثفها.
وأما الصداع فلاحتباس المواد في * الدماغ (1373) بسبب التكاثف. * والسدر (1374) والسكات أي السكتة فلذلك أيضا ولكثرة البلغم.
البحث الرابع
PageVW5P161A في رسوم الأمراض المذكورة: أما ذات الجنب الحقيقية * فسنتكلم (1375) فيها. وأما الزكام والبحوحة والسعال والصداع والسدر والسكات فقد عرفت ذلك جميعه. بقي علينا ذكر ذات الرئة وهي ورم يحصل في الرئة. ثم هذا المرض تارة يحصل ابتداء وتارة يحصل بواسطة. والكائن ابتداء أكثره عن مواد بلغمية، فإن الرئة * لسخافتها (1376) قلما يحتبس فيها الخلط الرقيق كما أن ذات الجنب تعكس ذلك. والكائن بواسطة إما بواسطته نوازل نزلت إلى الرئة أو * خوانيق (1377) انحلت إلى الرئة أو ذات الجنب مالت مادتها إلى الرئة، فمتى حصل * أحد (1378) هذه الأمور ورمت الرئة وحصل منه ذات الرئة. والله أعلم.
24
[aphorism]
قال أبقراط: فأما في الأسنان فتعرض هذه الأمراض: أما الأطفال الصغار حين يولدون فيعرض لهم القلاع والقيء والسعال والسهر * والتفزع (1379) وورم السرة ورطوبة الأذنين.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1380) بما قبله: وهو أن * الإمام (1381) أبقراط لما فرغ من الكلام في ذكر الأمراض الخاصة بفصل فصل شرع في ذكر الأمراض الخاصة بسن سن، وذلك لمشابهة الأسنان للفصول الأربعة في انحصارها في العدد المذكور وفي مشاكلة * كل (1382) واحد منها لنظيره من الفصول في المزاج. وبدأ منها * بالأطفال (1383) لأنهم أول الأسنان في الوجود ولأنهم مشابهون للربيع الذي هو أول الفصول في المزاج. وأما أن الأسنان لم صارت أربعا فقد تقدم لنا كلام في ذلك في المقالة الأولى في * شرحنا (1384) : المشائخ أحمل الناس * للصوم (1385) .
البحث الثاني
PageVW1P093A في بيان عروض الأمراض * المذكورة (1386) للمولودين. أما القلاع فسبب عروضه لين جلدة فم الطفل، فإنه حين كونه في جوف أمه كان يغتذي بدم يأتيه من جهة أمه في وريد يدخل في سرته ويتصل بمقعر كبده، وستعرف جميعه. فجلدة فمه لينة لدنة، واللين فيه جلاء لأنه مركب من ثلاث جواهر زبدي وجبني ومائي وفعله المذكور بجزئه المائي. ولما صار ما كان من اللين أكثر مائية فهو أكثر جلاء كلبن الماعز. فإذا مر بسطح فم الطفل فعل فيه ما ذكرناه وعند ذلك بضعف الجزء من الجلد الحاصل فيه ذلك عن إحالة ما يصل إليه من الغذاء على الواجب فيتقرح ذلك الموضع ويحدث فيه بثور وهي المسماة * بالقلاع (1387) . * وأنواعه (1388) أربعة: أحمر وأبيض وأسود وأصفر. وذلك لغلبة * إحدى (1389) المواد * الأربع (1390) وميلها إلى تلك المواضع. وأسلمه الأحمر وأردؤه الأسود الاحتراقي وشره وأقواه أعراضا الأصفر. وهذه القروح جميعها رديئة عسرة البرء لثلاثة أوجه: أحدها للين جلدة * داخلة (1391) الفم فتكون قابلة لسريان الفساد؛ وثانيها لكثرة الرطوبة هناك * فتبتدئ (1392) القرحة ويعسر إلحامها؛ وثالثها الدوام حركة الفم، وذلك مما يمنع القروح من سهولة * الالتحام (1393) . وأما القيء فلوجهين: أحدهما لنفور المعدة مما يصل إليها من اللبن لأنها ليس * لها (1394) عادة حين كونه في جوف أمه بوصول * الغذاء (1395) إليها فتنقر منه وتروم قذفه؛ وثانيهما عجزها وضعفها عن هضم ما يصل إليها، وذلك لاستيلاء الرطوبة عليها ولقلة اعتيادها لا سيما والمرضعات يقصدن في هذا الوقت PageVW5P161B كثرة الرضاع ليخف أثدانهن من ثقل اللبن فيتولد منه فضول كثيرة. وعند ذلك تروم المعدة قذفه * وإخراجه (1396) بالقيء. وأما السعال فلوجوه ثلاثة: أحدها لاستيلاء الرطوبة على أبدانهم ويلزم ذلك كثرتها في رئاتهم فيتحرك لدفعها؛ وثانيها لاستضرار رؤوسهم بالبرد الخارجي بعد * حر (1397) الأحشاء فتنفذ قوة البرد إلى داخل الدماغ فتضعف حرارته الغريزية وقواه الطبيعية فتكثر الفضلات فيه * فتقطر (1398) إلى جهة الرئة؛ وثالثها لامتلاء معدهم باللبن ومزاحمتها للرئة، ومثل هذا السعال يكون يابسا * والأولان (1399) رطبان. وأما السهر فالمراد به سرعة الانتباه من النوم لا الذي هو إفراط في اليقظة، وذلك لتوفر * رطوباتهم (1400) . ولسرعة * الانتباه (1401) أسباب أربعة: أحدها فساد اللبن في معدته فيرتفع منه أبخرة إلى دماغه فتفزعه وتؤذيه؛ وثانيها ألمه من قطع سرته؛ وثالثها تأذي بشرته بصلابة الثياب ولذع الملح لها؛ ورابعها ألمه * بشدة (1402) القماط. وأما التفزع فسببه استحالة اللبن إلى كيفية رديئة قريبة من السمية فيرتفع منها إلى دماغه أبخرة رديئة تؤذي الدماغ وتخيل له خيالات فأسده مفرغع. وأيضا فإن قواه ضغيفة تنفعل عن أدنى سبب * مفرغ (1403) . وأما ورم السرة فلموضع القطع كما يعرض * لغيرها (1404) من الأعضاء إذا * جرحت (1405) ، وقد عرفت كيفية إحداث المادة للورم. وأما رطوبة الأذنين * فهو (1406) سيلان ذلك منها بسبب رطوبة الدماغ فتندفع إلى الأذنين ويخرج منها * لا (1407) إلى المنخرين لأن نومهم على ظهورهم. * والله (1408) أعلم.
25
[aphorism]
قال * أبقراط (1409) : فإذا قرب الصبي من أن تنبت له الأسنان عرض له مضيض فى اللثة وحميات وتشنج * واختلاف (1410) لا سيما إذا نبتت له الأنياب * وللعبل (1411) من الصبيان ولمن كان منهم بطنه معتقلة.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله: فهو * معلوم (1412) بالضرورة. أما المضيض فهو وجع يحصل في اللثة مع حكاك يسير، وسببه تفرق اتصال اللثة لبروز الأسنان منها. قال جالينوس: وذلك كما يعرض عند دخول السلي.
وما أشبهها في اللحم لأبل الأذى العارض في الأسنان أشد من الأذى العارض من * السلي (1413) ، لأن السلي ساكن ثابت في الموضع الذي * انتشقت (1414) فيه منذ أول الأمر والأسنان لا تزال * تسعي (1415) وتثقب ما دامت في * النشوء (1416) . وأما الحمى فسببها الألم الحاصل من نبات الأسنان. وأما التشنج فقال ابن أبي صادق: عنى به التواء العصب بسبب كثرة اضطرابهم وحركاتهم. أقول: وقد يعرض لهم التشنج الامتلائي سريعا، وذلك لضعف عضلاتهم * وأعصابهم (1417) وتوفر موادهم. وقد يعرض لهم تشنج يابس، وذلك بسبب تجفيف الحمى لرطوباتهم وتحليلها * لها (1418) لا سيما ورطوباتهم قابلة * للتحلل (1419) بسرعة للطافتها، غير أن حدوث هذا النوع من التشنج يكون نادرا جدا، ومتى حصل كان رديئا لدلالته على قوة السبب. وأما الاختلاف فالمراد به الإسهال، وسبب عروضه للصبيان أمور خمسة: أحدها كثرة ما يمتصون من الفضول القيحية من لثاتهم عند نبات PageVW3P297B الأسنان؛ وثانيها قوة المهم * من (1420) نبات الأسنان فتشتغل الطبيعة عن * الالتفات (1421) إلى جانب الهضم فيعتريهم الإسهال؛ وثالثها كثرة ما يتناولون من اللبن وقواهم الماسكة ضعيفة لغلبة الرطوبة فتفجر عن مسكه فتخرج بالإسهال؛ ورابعها لفساد الهضم الذي يعتريهم على ما عرفت فتنفر المعدة والمعاء منه فيتشمران لدفعه؛ وخامسها اشتغال الطبيعة بتكوين العضو * عن (1422) إجادة الهضم. وقوله «لا سيما إذا نبتت له الأنياب» لأنها أعظم فيكون ضررها أكثر.
البحث الثاني:
قوله * «وللعبل (1423) من الصبيان ولمن * كان (1424) منهم * بطونه (1425) معتقلة» تارة يفهم من ذلك أن الضمير * فيه (1426) عائد إلى التشنج أي أن أكثر ما يعتري التشنج لمن كان منهم عبل البدن وبطنه معتقلة، وذلك لتوفر رطوباتهم واحتباس فضولهم، وتارة يفهم من ذلك أنه عائد * إلى (1427) الاختلاف أي أن أكثر ما يعتري الاختلاف لمن كان عبل البدن معتقل الطبيعة، وذلك لما ذكرنا. والحق عندي أن المفهوم الثاني أصح * لأن (1428) الضمير يعود إلى أقرب * المفهومين (1429) ولا شك أن الاختلاف أقرب في الذكر إلى قوله * «وللعبل (1430) من الصبيان ولمن كان * منهم (1431) بطونه معتقلة» من التشنج. والله أعلم.
26
[aphorism]
قال * أبقراط (1432) : فإذا * تجاوز (1433) الصبي هذا السن عرض له ورم الحلق ودخول خرزة القفا والربو والحصى والحيات والدود والثآليل المتعلقة والخنازير وسائر الخراجات.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث سبعة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله: فذلك * معلوم (1434) بالضرورة، وعنى بهذا السن PageVW3P298A المدة التي بعد نبات الأسنان إلى قبل مشارفة الأنياب.
البحث الثاني:
قوله «ورم الحلق» تارة يريد به الذبحة وتارة يريد به الخوانيق. أما الذبحة فقد عرفتها. وأما الخوانيق * فهي (1435) مرض يتعذر معه نفوذ ما ينفذ في الحلق، وذلك إما لورم عضل المريء أو عضل الحنجرة الباطن أو العضل المشترك بين المريء والحنجرة. وأجوده ما كان الورم فيه ظاهرا للحس ولم يكن التنفس والازدراد فيه متعذرين، وأردؤه ما كان بخلاف ذلك. والمخصوص باسم الكلبي ما تعذر فيه الاستنشاق PageVW1P093B والازدراد بحيث * أنه (1436) يحوج صاحبه إلى إدامة فتح * فاه (1437) وإدلاع لسانه، ومنهم من يخص * بذلك (1438) ما كان حادثا عن زوال فقرات العنق. وسبب عروض هذا المرض للصبيان * كثرة (1439) ما ينحدر من أدمغتهم إلى العضلات المذكورة لكثرة كلامهم وقراءتهم في هذا الوقت فتسيل تلك الرطوبات وتتهيأ للانحدار لا سيما وتكون الأعضاء المذكورة قد قبلت ذلك بالسخونة الحاصلة لها. وأما دخول خرزة القفا فلانجذاب * الرباطات (1440) المتصلة بها إلى ذاخل، فإن العضلات المذكورة إذا حصل فيها ورم تمددت ثم تتمدد الرباطات المتصلة بها وهي متصلة بالمجرى فيجذب * المجرى (1441) إلى داخل. ويعرف هذا القدر بالتقصع الحاصل في القفا وشر هذا الدخول ما كان في الخرزة الأولى، وذلك لقربها من الدماغ.
البحث الثالث:
قال جالينوس: لم لا ذكر أبقراط فيما * يعرض (1442) للصبى المولود من الأمراض ورم الحلق ودخول خرزة القفا إلى داخل لأنه أولى بذلك لتوفر رطوبات دماغه PageVW3P298B وقوة استعداد خرزة للزلق ثم إنه أجاب بجوابين: أحدهما أن الصبى يعرض له الموت قبل عظم الورم في حلقه؛ وثانيهما أن * الرباطات (1443) في هذا السن * تكون (1444) في غاية اللين فتكون في غاية القبول * للتمديد (1445) فلا يحصل من تمديد الورم لها أن يحدث * خرز (1446) العنق إلى داخل، ويمكن أن يجاب * بجواب (1447) ثالث وهو أن الحرارة في هذا السن ضعيفة فلا تقوى على إذابة الرطوبات التي في دماغه بحيث * أنها (1448) تسيلها وتحدث الورم المذكور ثم الجذب.
البحث الرابع
في الحصى وكيفية تولده: أما الربو فقد عرفته. وأما الحصى فالمراد به * حصاة (1449) المثانة فإن هذا المرض مخصوص بسن * الصبيان (1450) ، وذلك لوجوه أربعة: أحدها كثرة حركاتهم فتنحدر الفضلات الحاصلة * التي (1451) في أبدانهم إلى أسفل أعضائهم وتلك هي المثانة ؛ وثانيها قوة الدافعة في أبدانهم فتندفع الفضلات إلى أسفل * البدن (1452) ، وأسفل ما في البدن من الأعضاء هي المثانة؛ وثالثها كثرة الرطوبة في أبدانهم وسبب ذلك شرهم في مآكلهم ومشاربهم فتنحدر الرطوبة إلى أسفل مع البول ويحدث ذلك؛ ورابعها سعة المجرى الكائن بين الكلى والمثانة فإن ذلك مما يعين على انحدار المادة إلى أسافل البدن. وأما كيفية تولد الحصى فاعلم أن الحصى لها سبب فاعلي وسبب مادي * فالفاعلي (1453) حرارة غريبة * تعقد (1454) المواد بمعنى أنها تحلل لطيفها وتحجر كثيفها كما تفعله حرارة النار في إحياض الحمامات، والمادي مادة غليظة لزجة تنعقد من تلك الحرارة ثم * هذه (1455) المادة لها مادة ولها حابس فمادة المادة الأغذية الغليظة واللزجة كالفطر واللبن الحليب PageVW3P299A والجنب الطري والسمك الطري وشور بالقمح والأطرية والحلاوات لا سيما الكثيرة النشاء والمياه الكدرة والحابس للمادة مثل انسداد مجاري آلات البول فيتعذر نفوذ ما غلظ من المواد. وأما الفرق بين * حصاة (1456) والكلى * والمثانة (1457) فسنذكره.
البحث الخامس
في الددود وكيفية تولده: أما الحيات فهي الزيدان الطوال وباقي أصنافه تخص باسم الدود * وهي (1458) حيوانات * تتولد (1459) في المعاء في الأكثر. وإنما قلنا في الأكثر لأنها تتكون في البدن في غير المعاء، وذلك في ثلاثة مواضع أخر وهي الخياشيم والأذن والضرس. ولنبسط القول في ذلك فنقول: المعد * لقبول (1460) الصور عن الصانع تعالى ذكره المزاج الخاص بالشيء ثم على قدر الاستحقاق يكون قيضان الصور. فالمادة الدودية إذا اجتمعت * وعفنت (1461) استعدت بما حصل لها من المزاج لقبول * الصورة (1462) الدودية فأفيض عليها تلك الصورة. واعلم أن تكوين هذا الحيوان في البدن له فائدة عظيمة إذا كان معتدلا فإنه ينقي البدن مما فيه من العفونات. وذلك لأنه جسم * نأمي (1463) مغتذي فهو محتاج إلى ما * يغذوه (1464) ، والغذاء شبيه بالمغتذي، وذلك ليخلف عليه عوض ما * تحلل (1465) منه فيكون غذاؤه من مادة رديئة عفنة، * فهذا (1466) وجه انتفاع البدن به. فإن * فرط (1467) زاد في البدن عفونة ورداءة بسبب اجتماع أقداره وانحصار أبخرته ونفسه وجذبه لغذاء البدن. فلأجل هذا * اشترطنا (1468) الاعتدال في تكوينه ونسبة الدود إلى البدن نسبة الحشرات إلى العالم، فإنها متى كانت * معتدلة (1469) فعلت في عفونات العالم ما يفعله الدود * في (1470) عفونات البدن من PageVW3P299B التنقية، ومتى كثرت زادته وباء * ورداءة (1471) بعين ما ذكرنا في الدود، بل الدود متى كان * مما (1472) يستحقه البدن أثر في البدن من الفساد أكثر مما تؤثره الحشرات في العالم من الفساد لانحصار الدود في وعاء ضيق وانتشار حشرات العالم في * فضاء (1473) متسع، فإنه كم ما يؤثره ما يرتفع من الحشرات من الأبخرة وأنفاسها وأقدارها في هذا الفضاء الواسع على أنه في بعض الحيوانات * المذكورة (1474) قد يبلغ ذلك منها مبلغا عظيما، وذلك عند كون الخصوصية قوية جدا كما قد ذكروا أن الأفاعي * فيه (1475) نوعا يقتل بصفيره وبنظره ولا ينبت حول حجره نبات وأي حيوان مر به سقط ميتا فمثل هذا النوع ليس فيه فائدة في تنقية عفونات العالم بل له فائدة أخرى * وهي (1476) تخليص * أجزاء (1477) العناصر من التركيب الفاسد فيها * لتركيب (1478) نوع آخر * منه (1479) ينتفع به حتى لا يظن أن الخير المحض أفيض عنه شر محض. ولنرجع إلى غرضنا فنقول: * والمادة (1480) المتكون منها الدود لا يمكن أن تكون من غير البلغم. أما الدم فلأن الصيانة متسلطة عليه بسبب احتياج الأعضاء إليه لأجل التغذية والزيادة في النمو. وأيضا فإن الدم نادر أن ينصب إلى * المعاء (1481) ، ومتى انصب جمد ولم يعفن حتى يتكون منه دود * أي (1482) حيوان. قال الأطباء: وأيضا فإن لونه يدل على أنه مركب من غيره، وهذا وجه ضعيف فإن اللحم الغددي والشحم يتكونان من الدم ولونهما غير لونه. وأما الصفراء فلثلاثة * أنواع (1483) : أحدها أن لونها يدل على أنها ليست متكونة منها؛ وثانيها أنها لا * تصلح (1484) أن تكون مولدة لها بل مهلكة، ولذلك صارت تقلق عند استيلاء الصفراء على البدن كما في PageVW3P300A * الحميات (1485) الصفراوية والأدوية التي تقبلها مرة الطعم؛ وثالثها أنها بعيدة عن مناسبة الحياة لفرط حرها ويبسها. وأما السوداء فلوجهين: أحدهما من * وجه (1486) اللون؛ * والثاني (1487) PageVW1P094A بعدها عن مناسبة الحياة لبردها ويبسها فلم يبق ما يصلح أن يتولد منه سوى البلغم ولا كل أصنافه يولدها، فإن المالح لا يصلح لذلك لأنه قريب * من (1488) طبيعته * إلى (1489) الصفراء والحامض قريب من السوداء والحلو قريب من الدم فتكون أحكام هذه * الأقسام (1490) كأحكام تلك، فالصالح إذن لأن يتولد منه إما الزجاجي وإما التفه، والزجاجي * أنسب (1491) لأن التفاهة أول درجات الحلاوة فيكون حكم التفه قريبا من حكم الحلو من البلغم. وأصناف الدود أربعة الطوال ويخص باسم الحيات والعراض والمستديرة والصغار ويخص * هذا (1492) باسم الدود. والعلة في اختلاف مقاديرها من وجهين: أحدهما من جهة المادة، وثانيهما من جهة المحل. أما المادة فلا يخلو إما أن يكون قد استولى عليها الانقسام من * جهة (1493) الكبد لها أو لا يكون قد استولى عليها ذلك أو يكون حالها في ذلك متوسطا. فإن كان الأول كان المتكون عن تلك المادة الدود الصغار، وإن كان الثاني كان الدود الطوال وهو المعروف بالحيات، وإن كان الثالث كان المستدير والعراض . وأما المحل فالمحل المتكون فيه الدود إما أن يكون أول المعاء أو آخرها أو وسطها. فإن كان الأول فالمتكون فيه الطوال، وإن كان الثاني فالمتكون فيه الصغار، وإن كان الثالث فالمتكون * المستدير (1494) والمستعرض. وأقل هذه الأصناف * ضررا (1495) للبدن الصغار لأنها بعيدة عن الأعضاء الرئيسة ولأنها PageVW3P300B تندفع بخشونة البراز قبل أن تشتد وتقوى غير أنها إن بقيت وثبتت كانت أذيتها أكثر من أذية غيرها لأنها متكونة عن مادة رديئة وبعدها في الضرر الطوال لأنها متكونة عن مادة صالحة غير أنها تؤذي البدن من وجه آخر وهو * من (1496) نهمها وكثرة أكلها ومبادرتها إلى التقام الكيلوس * عند (1497) انحداره من المعدة حتى أنها في بعض الأوقات إذا عازها الغذاء صعدت إلى * المعدة (1498) . وربما قذفت بالقيء وأقل جودة من الطوال المستدير والمستعرض، وذلك لأن مادتهما رديئة. وللدود علامات عامة وخاصة بنوع نوع منها. فالعامة سيلان اللعاب من الفم في وقت النوم، وذلك لميل المادة إلى الباطن في الوقت المذكور وجذب الدود لها وجفاف الشفتين في النهار، وذلك * لانتشار (1499) الحرارة في ظاهر البدن * فتنتشر (1500) الرطوبة معها وتنبث فيه. وأن يكون العليل هيئته كهيئة الغضبان السيء الخلق، وذلك لارتفاع الأبخرة الرديئة من جهتها إلى جهة القلب والدماغ، وأن يحصل عند أخذ الغذاء غثيان وتهوع، وذلك لاختلاط ما يتخلف عنها من فضلاتها في المعدة عند صعودها إليها في حال عوز الغذاء بالغذاء المستعمل. وأما الخاصة إما بالطوال فدغدغة فم المعدة في بعض الأوقات، وذلك لصعودها إليها على ما عرفت ومغص شديد عند خلو المعدة والمعاء من الغذاء، وذلك لشدة طلبها للغذاء وفواق مفرط لنفور * المعدة (1501) منها. وأما الصغلر * فدغدغة (1502) فم المعدة وحكة فيها والعراض والمستديرة دغدغة في وسط المعاء.
البحث السادس
في الثآليث وكيفية تولدها: الثآليث PageVW3P301A زوائد تنبت في سطح البدن وأكثر نباتها يقرب المفاصل، وذلك لدوام حركتها ودفعها للفضول المائلة إليها، وأصنافها ثلاثة مستقيمة * ويخص (1503) باسم الثآليث ومستديرة الرؤوس ويخص بالمسامير ومعوجة الرؤوس ويخص بالقرون ومادة جميعها بلغم لزج * غليظ (1504) . وسبب عروضها للصبيان كثرة الرطوبة في أبدانهم لما ذكرنا. واندفاعها إلى ظاهر البدن لقوة الحرارة في بواطن أبدانهم والقوى الطبيعية فتدفع تلك الركوبات إلى ظاهرها وصارت الثآليل المتولدة في * هذه (1505) السن متعلقة لكثرة المادة * الممدة (1506) لها بخلاف حالها في سن الشباب فإنها كثيرا ما تسقط لانقطاع مادتها، وذلك لاستيلاء ضدها.
البحث السابع
في الخنازير وكيفية تولدها: الخنازير زوائد تظهر في الرقبة في اللحوم الغددية التي فيها تعرف عند جرائحية زماننا * بريح (1507) التخم وتعلوها غشاء حجابي * متولد (1508) عن مواد بلغمية يخالطها يسير من السوداء وهي على نوعين: * أحدها (1509) ما لا يصحبه وجع، * والثاني (1510) يصحبه وجع. * والأول (1511) هو الحاصل عن المادة المذكورة، والثاني ما تخالطه مادة. وهذه الزوائد ربما كان بعضها متباعدا عن بعض، وربما كان متقاربا كقلادة واحدة وأشد الناس استعدادا القصار الرقاب المنهومين * الكثيرين (1512) التخم وأسلمها ما حصل في رقاب الصبيان لرطوبة أمزجتهم * وأردأها (1513) ما حصل في رقاب * الشباب (1514) ، وذلك لبعد المناسبة وتفارق الخنازير السلع من وجهين: أحدهما أن الخنازير قلما تكون واحدة بل كثيرة بخلاف السلع؛ وثانيهما أن السلع * متبرئة (1515) عن اللحم والخنازير متعلقة به، وسميت PageVW3P301B هذه الزوائد بالخنازير إما لكثرة عروضها للخنازير لنهمها وشرها وإما لأن الرقبة عند حصولها تشبه رقاب الخنازير في * غلظها (1516) وإما أنها لكثرة عددها وكون فيها واحدة عظيمة تشبه الخنزيرة وأولادها. وأما قوله «وسائر الخراجات» فالمراد * بالخراج (1517) في عرف * الطب (1518) كل ورم أخذ في التقيح والجمع غير أن أكثر ما يعرض للصبيان منها الدماميل، وذلك لغلبة الدم على أبدانهم وقوة القوى الطبيعية والحرارة الغريزية في بواطنهم فتدفع المادة إلى ظاهر البدن. والله أعلم.
27
[aphorism]
قال أبقراط: وأما من جاوز * هذه (1519) السن وقرب من أن ينبت له الشعر في العانة فيعرض له كثير من هذه الأمراض وحميات أزيد طولا ورعاف.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
: أما صلة هذا * الفصل (1520) بما قبله * فمعلومة (1521) غير أنه يجب أن يعلم أن زمان الصبي ينقسم إلى * أربعة (1522) أسابيع يعرض في * انتهاء (1523) كل أسبوع * منها (1524) حالة مخصوصة. فعند نهاية الأسبوع PageVW1P094B الأول تصلب الأعضاء بعض الصلابة وتستبدل الطبيعة أسنانا أقوى من الأسنان الأول، وذلك لتكون قادرة على قطع الأشياء الصلبة وكسرها وتقوي الأفعال الطبيعية بعض القوة غير أن الشهوة تكون أقوى من الهضم بالقياس إلى * الأسبوع (1525) الثاني، وذلك للحاجة في هذا الأسبوع إلى تناول الغذاء لأجل قوة النماء وظهوره. وفي نهاية الأسبوع الثاني تنقص الرطوبة بعض النقصان وتشتد الحرارة ويقوى الهضم مع قوة الشهوة وتصلب الأعضاء ويبتدئ الإدراك وتتولد مادة الزرع غير أن المني يكون في هذه المدة قليل * التوليد (1526) لكثرة * الرطبوات (1527) المائية وتتفرق أرنبة الأنف لاستيلاء الجفاف ونقصان الرطوبة الملصقة لها. وتنبو الحنجرة ويخشن الصوت لقوة الحرارة، وتظهر رائحة الإبط لكثرة الأبخرة المتولدة في القلب بسبب قوة الحرارة فتدفعها إلى هذه الجهة لأنها مغيضة. وينبت الشعر في العانة لوجوه الأبخرة هناك بسبب توليد المني وانطباخه. والجمهور يجعلون هذا القدر علامة PageVW5P162A الإدراك. وفي نهاية الأسبوع الثالث تقوى الأعضاء ويبتدئ نبات شعر اللحية الذي * هو (1528) علامة الذكورة ويخرج به من هيئة النساء إلى هيئة الرجال ويبتدئ به وجود الأبهة والوقار. وفي نهاية الأسبوع الرابع تكمل الأعضاء غاية الكمال ويقف النمو وتظهر الأبهة والوقار ظهورا تاما ويكثر المني لقلة الحاجة حينئذ إلى صرف المادة إلى جهة النمو ويكون المني مع ذلك متينا.
البحث الثاني:
قال الشيخ في فصل القوى النباتية من العلم الطبيعي من كتاب الشفاء: واعلم أن القوة المولدة تنبعث بعد وقوف النامية. ولا شك أن هذا الكلام يناقض ما ذكرناه وشهد به الاستقراء. ذلك لأن المولدة تنبعث * في (1529) خمس وعشرون سنة وربما يتقدم عن ذلك بشيء يسير ووقوف النماء في تمام سن لبنما * وهو (1530) ثمانية وعشرون سنة. والذي يقال في هذا الباب * هو (1531) أن سن النمو هي السن التي تكون الأعضاء فيها قابلة للتمديد بالنمو ثم قبولها لهذا تارة يكون ظاهرا جدا وتارة يكون خفيا وتارة يكون متوسطا. فقوله في الشفاء «المولدة تنبعث بعد وقوف النامية» أراد به النمو الظاهر لا مطلق النمو فاندفع ما ذكرناه.
البحث الثالث:
قال جالينوس إن الغلام ينبت له الشعر العانة بعد أن يأتي عليه أربع * عشرة (1532) سنة أو ثلاث * عشرة (1533) سنة. ومن الغلمان من تأتي عليه أربع * عشرة (1534) سنة ولم ينبت له لأنه ليس حد الإنباث واحدا على الصحة والاستقامة في جميع الغلمان لكنه يختلف بقدر حرارة المزاج وبرودته، وذلك لأن الغلام إذا كان مزاجه حارا فإنباته يكون أسرع، * وإن (1535) كان باردا فإنباته يكون متأخرا. وهذا الكلام حق، فإن سرعة الإدراك ونبات الشعر يختلف باختلاف الأمزجة.
البحث الرابع:
إنما قال أبقراط «يعرض له كثير من هذه الأمراض» ولم يقل «يعرض له الأمراض المذكورة» أو «كلها». وذلك لأن بعضها يستحيل حصوله في هذه السن مثل * المضيض (1536) وورم السرة والبعض يكون ممكن الحصول، غير أنه يختلف في هذا الإمكان فبعضه يكون قليل الوقوع مثل * القلاع (1537) والتفزع والسهر لأنك قد عرفت أن سبب الأول لين جلدة الفم وقوة جلاء اللبن. وجلدة الفم في مثل هذه السن صلبة واللبن غير مستعمل في هذه * السن (1538) غير أنه يمكن * أن (1539) يحصل لمواد حادة يندفع إلى سطح الفم. وأما التفزع والسهر فقد عرفت أن سببهما كثرة ما يتناوله الصبى من اللبن فيفسد في * معدته (1540) ويوجب ذلك، واللبن غير مستعمل في * هذه (1541) السن لكن يمكن أن يحصل له ذلك من سبب آخر. وكذلك الحال في دخول خرزة القفا والربو لأن الرطوبة في هذه السن قليلة * والأوتار (1542) صلبة. والدود أيضا كلذلك لقلة الرطوبة، والحصى أيضا والثآليل. وأما الخراجات وأورام الحلق فقد يحصل * لهم (1543) غير أنها تكون صفراوية والبعض كثير الوقوع مثل * الحميات (1544) والاختلاف، وذلك لتوفر * المواد (1545) في هذه السن لقلة PageVW5P162B انصرافها في النمو لا لأنها تتولد في هذه السن أكثر من تولدها في * السن (1546) التي قبلها. وقوله «أزيد» أي أطول من الحميات الحاصلة في السن الماضية. وأما الرعاف فلميل المادة في هذه السن إلى الحدة فتميل بسبب ذلك إلى العلو وتخرج * بالرعاف (1547) . * والله (1548) أعلم.
28
[aphorism]
قال * أبقراط (1549) : وأكثر ما يعرض للصبيان من الأمراض يأتي في بعضه البحران في أربعين يوما وفي بعضه في سبعة أشهر وفي بعضه في * سبع (1550) سنين وفي بعضه إذا * شارفوا (1551) نبات الشعر في العانة، * فأما (1552) ما يبقى من الأمراض ولا ينحل في وقت الإنبات أو * في (1553) الإناث في وقت ما يجري منهن الطمث * فمن (1554) شأنها أن * تطول (1555) .
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في صلة * هذا (1556) بما قبله: وهو أنه لما ذكر الأمراض الحاصلة في سن الصبي ذكر أحكامها في البحارين وصارت أمراض الصبيان فيها طول حتى أنه * ذكر (1557) بحارينها تتأخر إلى المدد المذكورة، وذلك لتوفر رطوباتهم لشرههم في المآكل والمشارب وحركاتهم الكثيرة عليها.
البحث الثاني:
قال جالينوس: لو كان أبقراط زاد في قوله هذا مع الأمراض المزمنة لكان أجود، ولذلك فهم * قوم (1558) عن أبقراط * أنه (1559) متى قال أمراض فإنما يعني بذلك الأمراض * المزمنة (1560) PageVW1P095A فقط. قال: وقد ذكر أبقراط في هذا الكتاب الأمراض في عدة مواضع ينقص دعوي هولاء منها قوله «قد يحتاج في الأمراض الحادة في الندرة إلى أن يستعمل الدواء المسهل (i. 24)» ومنها قوله PageVW3P303B «التدبير البالغ في اللطافة مذموم في جميع الأمراض المزمنة وفي الحادة إذا لم تحتمله قوة المريض (i. 4)». وهذا القول من جالينوس لا يصلح أن يكون مناقضا لما ذهبوا إليه أولائك، فإن هذا لا يمنع أنه إذا قال الأمراض يريد * بها (1561) الأمراض المزمنة لأنه * قيد (1562) هاهنا بالحادة. والذي نقوله نحن في هذا الموضع أنه * إن (1563) صح هذا الاصطلاح أو لم يصح فمراده * هاهنا (1564) بالأمراض الأمراض المزمنة. وإلا فالحادة في جميع الأسنان يستحيل أن تتأخر إلى هذه المدد وصارت أمراضهم المزمنة تتأخر * إلى (1565) هذه المدد لما ذكرنا.
البحث الثالث:
اليوم الأربعين هو آخر يوم من أيام بحارين الأمراض الحادة وأول يوم من حركات الأمراض المزمنة، فمتى لم ينقص ما يحصل * لهم (1566) من الأمراض في هذا الوقت فانقضاء هذه * الأمراض (1567) يتأخر إلى المدد المذكورة وهي سبعة أشهر لأنها في حكم السابوع اليومي والشهوري. فإن لم ينقص في هذا تأخر إلى * سبع (1568) سنين لأنها أيضا في حكم السابوع اليومي والشهوري. فإن لم ينقص في * هذه (1569) انقضى في أربعة عشر * سنة (1570) لأنها في حكم الرابع عشر وصارت الحركة المذكورة تحصل في السابوع السنوي لأنه يعرض للصبى فيه تغير عظيم، ولذلك صارت أعضاؤه تشتد * بعض (1571) الشدة وتصلب بعض الصلابة وتستبدل الطبيعة البدنية أسنانه بأسنان أخرى وفي الرابع عشر لأنه أيضا يعرض للبدن فيه تغير عظيم من ظهور الإدراك وهو توليد المني في الذكور وظهور الحرارة الغريزية وانبعاث دم الطمث في الإناث ودفع فضلات * أبدانهن (1572) بذلك. فإن لم ينقص في * هذه (1573) المدد فمن شأنه أن يبقى دهرا طويلا وربما بقي إلى آخر العمر.
PageVW3P304A
البحث الرابع:
إطلاق أبقراط لفظة البحران على هذه الحركات على طريق المجاز. وذلك لأن هذه اللفظة تطلق في اللغة اليونانية على ما ذكره جالينوس في كتابه في البحران وفي أيام البحران على ما كان من أنواع الحركات دفعة وعلى اصطلاحه ما كان من ذلك إلى السلامة اللهم إلا أن يقال إن هذه اللفظة كانت تطلق في قديم الزمان على كل تغير * عظيم (1574) يعرض للمريض سواء كان دفعة أو قليلا قليلا. ولعل أبقراط تبع المشهور ثم يقول: * قد (1575) عرفت أن البحارين اليومية منسوبة إلى الحركة القمرية والشهورية منسوبة إلى حركة الشمس والسنوية منسوبة إلى حركة زحل. وهذا القدر مبرهن عليه في علوم * أخرى (1576) .
29
[aphorism]
قال أبقراط: وأما الشباب فيعرض لهم نفث الدم والسل والحميات الحادة والصرع وسائر الأمراض إلا أن أكثر ما يعرض * لهم (1577) ما ذكرناه.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
* في (1578) صلة هذا * الفصل (1579) بما قبله: * فمعلومة (1580) بالضرورة، فإن سن الشباب بعد سن الصبى.
البحث الثاني:
قال جالينوس إن أبقراط دقق الكلام جدا في استقصاء تلخيص أمراض الأسنان إلى السن التي حدها نبات الشعر في العانة. ثم لا أدري كيف تجاوز سن الفتيان * وهي (1581) فيما بين سن الإنبات والمتناهي للشباب * ثم (1582) تجاوز عن ذكر أمراض هذه السن ووصف * بعد (1583) حال من ينبت له الشعر في العانة حال الشباب. والذي نقوله نحن في هذا الموضع أن هذا الكلام حق، فإن سن النمو ينقسم إلى خمسة أقسام: سن الطفولية وسن * الصبى (1584) وسن الترعرع وسن المراهقة وسن الفتيان. فسن * الطفولة (1585) عبارة عن الزمان * الذي (1586) تكون الأعضاء فيه غير مستعدة للحركة والنهوض. وسن * الصبى (1587) عبارة عن الزمان الذي * تكون (1588) الأعضاء فيه قد استعدت للحركة والنهوض الغير شديدين وأن لا تكون الأسنان قد استوفت السقوط * والنبات (1589) . وسن * الترعرع (1590) عبارة عن الزمان الذي * يكون (1591) بعد هذا الوقت إلى وقت المراهقة. وسن * الغلامية (1592) عبارة عن الزمان الذي يكون بعد هذا الوقت إلى أن * ينقل (1593) الوجه. وسن * الفتى (1594) من هذا الوقت إلى أن يقف النمو. فهذه * أقسام (1595) النمو وأعدلها * جميعها (1596) سن * الفتى (1597) لأن الرطوبة ليست * هي (1598) غالبة فيها كما في التي قبلها، ولا هي ناقصة كما في سن الشباب. فلما كانت هذه السن حالها كذلك لم تكن مختصة بمرض معين كاختصاص باقي الأسنان بالأمراض الخاصة بها وتكون نسبتها إلى ما ذكرنا كنسبة الربيع إلى باقي الفصول، أي في عدم اختصاصه بمرض معين. ولما كان حال السن المذكور كذلك لم يخصصها أبقراط بذكر مرض من الأمراض بل يكون العارض فيها كما يعرض في باقي الأسنان من الأمراض * الاتفاقية (1599) .
البحث الثالث:
الغرض من هذا الفصل بيان أمرين: أحدهما أن * يبين (1600) الأمراض التي تعرض للشباب كثيرا؛ وثانيهما بيان أن الأمراض كلها تعرض في الأسنان كلها إلا أن بعضها في بعض * الأوقات (1601) أحرى بأن تحدث وتهيج كما ذكل في أوقات السنة، وذلك بسبب الاستعداد. أما الأول فمثل نفث الدم والسل والحميات الحادة بعد أن يعلم أن ليس علة حدوث ما يحدث من الأمراض في هذه السن لأجلها، فإن القوى البدنية فيها متوفرة، وكذلك الحرارة الغريزية، بل متى عرض لهم شيء من ذلك فهو منسوب إلى سوء تدبيرهم. أما نفث الدم فلقلة توقيهم النوم على غير وطاء وكشف رؤوسهم للحر والبرد واستعمالهم الصياح الشديد والعدو والقفرة والوثبة وكثرة المآكل والمشارب، فبسبب هذه الأمور يعرض لهم نفث الدم كثيرا لا سيما لمن كان منهم نحيف البدن، فإن عروق رئة من هو بهذه الصفة يكون مستعدا للانفزار والانبثاق، وقد تكلمنا في نفث الدم. وأما السل فتابع لنفث الدم لا سيما متى احتبست المادة الخارجة بالنفث عفنت وقرحت الرئة، وأوجبت السل هذا إذا عنى بالسل قرحة الرئة. وإن كان عنى به حمى الدق كما من عادته فهو أيضا حق، فإن سن PageVW1P095B الشباب مستعدة لذلك بسبب قوة الحرارة وظهور اليبوسة لا سيما لمن كان من الشباب نحيف البدن، وقد تكلمنا في السل. وأما الحميات الحادة فذلك لغلبة المرار على السن * المذكورة (1602) ، وقد تكلمنا في الحميات. وأما الأمر الثاني وهو أنه قد علم أن لكل سن مادة مخصوصة مولدة لما يناسبها فكل الأسنان تحصل فيها تلك الأمراض إلا أن بعضها في بعض الأسنان أحرى بأن يحدث ويهيج غير أنه ذكر هذا القدر في فصول السنة مجملا وفي الأسنان مفصلا، وذلك لزيادة * الإيضاح (1603) .
البحث الرابع:
قال جالينوس إنني لا عجب من أبقراط كيف عد الصرع من أمراض الشباب وهو يقول في غير هذا * المكان (1604) * إن (1605) أكثر ما يعرض هذا * المرض (1606) للصبيان ولذلك يسمى أيضا خاصة مرض * الصبيان (1607) ، وإنه عند انتقال سنهم يسكن عنهم. أقول: حاصل ما ذكره جالينوس أن الصرع في غالب الأمر يكون عن مواد بلغمية، وهذه المادة يقل تولدها في سن الشباب لقوة الحرارة وحدتها. وهذا الكلام حق، والذي يمكن أن يقال من جانب أبقراط أن الصرع يكون داخلا في الأمراض القليلة الوقوع ويكون معنى قوله إلا أن أكثر ما يعرض لهم ما ذكرنا أي نفث الدم والسل والحميات الحادة أو يقال إن عروض الصرع للشباب ليس هو من مقتضي السن بل من سوء التدبير على ما * ذكرنا (1608) . * والله (1609) أعلم.
30
[aphorism]
قال أبقراط: * فأما (1610) من جاوز * هذه (1611) السن فيعرض * لهم (1612) الربو وذات الجنب وذات الرئة والحمى التي يكون معها السهر والحمى التي يكون معها اختلاط العقل والحمى المحرقة والهيضة والختلاف الطويل وزلق الأمعاء وسحج * الأمعاء (1613) وانفتاح أفواه العروق من أسفل.
[commentary]
الشرح هاهنا بماحث ثلاثة.
البحث الأول
PageVW5P163A * في (1614) صلة هذا * الفصل (1615) بما قبله: * فمعلومة (1616) غير أن أبقراط قال: * «فأما (1617) من تجاوز هذه السن» ولم يقل «الكهول»، وذلك لأن كثيرا من الأمراض * التي (1618) عدها يعرض كثيرا للمشائخ ولما كان الحال كذلك عبر بعبارة تعطي * العرض (1619) ، فإن المجاوز لسن الشباب يعم سن الكهولة والشيخوخة.
البحث الثاني:
قال جالينوس: سن الشباب ينقضي مع انقضاء الأسبوع الخامس، ويعرض كثيرا في هذه السن الرعاف على * ما (1620) ذكره في * تقدمة (1621) المعرفة. أقول: والعلة في هذا وقوف النماء في السن * المذكورة (1622) فتكون المواد متوفرة، وقد مالت إل حدة يسيرة فتطلب الأعالي وتخرج بالرعاف. ثم قال: وأما السن التي يتلو سن الشباب فمدتها * أسبوعان (1623) وأصحابها يلتمسون عمل جميع ما يتصرف الناس فيه لمعايشهم على شبه ما يلتمسون به * المتناهون (1624) في الشباب لا أنهم ما يحتملون من التعب ما يحتمله الشباب من الأمور الخارجة. وذلك لأن قواهم ضعيفة أضعف من قوى الشباب، * وكذلك (1625) حرارتهم. أقول: يشبه أن يكون هذا الكلام من الفاضل جالينوس العلة في كثرة الأمراض الحاصلة في سن الكهولة. ثم قال: ومزاج هذه السن أميل إلى السوداء، ولذلك يعرض لكثير من أصحابها الوسواس السوداوي كما يعرض في أوقات السنة في الخريف، فإنه كما أنه يأتي على الأبدان فيصادف فيها بقية من المرار المحترقة فتحبسه ببرده ويبسه، فلذلك سن الكهولة تأتي فتصادف البدن على تلك الحال لأن سن الشباب شبيه بالصيف فتحبس الصفراء المحترقة في سن الشباب وتحدث الوسواس * السوداوي (1626) ، وإنني لا عجب كيف لم يذكر فيما ذكر من أمراض أصحاب هذه السن الوسواس السوداوي. وقد وجدت في نسخة * أخرى (1627) في عدة * مواضع (1628) أمراض هذه السن الوسواس * السوداوي (1629) ، ولا أدري * من (1630) أتى بعد أبقراط * وألحق (1631) ذلك به لما أغفل أبقراط ذكره * أو (1632) أن أبقراط ذكر ذلك ووقع تركها * سهوا (1633) من الناسخ الأول. والذي نقوله نحن في هذا الموضع أن أبقراط ترك ذكر ذلك قصدا منه، وذلك للعلم به، فإنه قد علم أن لكل سن مادة مخصوصة فالمخصوص من ذلك سن الكهولة السوداء، * فلأجل (1634) ذلك ترك المرض * المذكور (1635) وذكر ما يظن أنه لا يعرض في السن المذكور.
البحث الثالث
في بيان عروض ما * ذكره (1636) من الأمراض في السن المذكورة: أما الربو فلتوفر المواد في * هذه (1637) السن لوقوف النماء وحبسها في البدن لبرد المزاج وكثرة النزلات العارضة في * هذه (1638) السن فنقطر تلك المواد إلى جهة الرئة ويحدث المرض * المذكور (1639) . وكذلك الحال في ذات * الجنب (1640) ، غير أن القياس يوجب أن يكون عروض ذات الجنب في أول سن الكهولة لغلبة المرار في هذا الوقت، وذات الرئة في آخر السن * المذكورة (1641) . وأما الحمى فلتوفر المادة وعجز القوى البدنية والحرارة الغريزية عن التصرف فيها على * الواجب (1642) وكونها سهرية لأن الغالب على المادة المذكورة * البلغم (1643) البلغم المالح، فإن هذا الصنف من البلغم كثيرا ما يتولد في * هذه (1644) السن، وذلك لوجود الصفراء المتبقية من سن الشباب واختلاطها بالبلغم، أو يقول لاحتداد الحرارة بسبب تعلقها بجسم * يابس (1645) فتسهر. وأما الحمى * التي (1646) يكون معها اختلاط الغقل فالمراد بها على ما ذكره جالينوس التي يكون معها ورم في أغشية الدماغ، وأكثر وقوع هذا النوع في ابتداء سن الكهولة لقرب العهد بتولد الصفراء ثم احتباسها في البدن. وأما الحمى المحرقة فلكثرة الصفراء ووخود حدتها، وهذا أيضا أكثر عروضه في السن * المذكورة (1647) . وأما الهيضة والذرب الذي عبر عنه بالاختلاف الطويل فسبب عروض ذلك لهم توفر المادة في أبدانهم. قال جالينوس: وذلك لنقصان ذهاب الغذاء في أبدانهم، فإنه ليس في * أبدانهم (1648) من الحرارة ما يحلل منها تحليلا كثيرا كما في سن الشباب ولا ينفذ شيء من أغذيتهم في غو أبدانهم ولا ضعفت بعد فيهم القوة الماسكة كمات ضعفت في المشائخ حتى يكون ما تحلل من أبدانهم بسبب ذلك كثيرا فعند توفرها إن كان بعضها لطيفا وبعضها غليظا حصل منها الهيضة الموية. وإن كانت غليظة مالت إلى أسفل وأوجبت الذرب. فإن قيل: فهل يمكن أن تكون لطيفة بحيث أنها توجب القيء المحض، فنقول: وقوع هذا القدر في السن المذكورة بعيدا جدا، وذلك لاستيلاء البرد في آخر سن الشباب وسن الكهولة، وعند ذلك يغلظ قوام المادة ويتعذر عليها PageVW1P096A إحداث القيء المحض. وقد عرفت الهيضة * والذرب (1649) . وأما سحج المعاء وهو المسمى عند * الأطباء (1650) بالدوسنطاريا * المعوية (1651) . فأكثر عروضه في أول سن الكهولة، وذلك لوجود المواد الصفراوية. وقد يحدث في آخرها، وذلك لوجود البلغم المالح على ما ذكرنا. فإذا مالت إحدى المادتين إلى جهة المعاء جردتها وفعلت فيها المرض المذكور، وقد تكلمنا * فيه (1652) . وأما زلق المعاء فسببه حدة المادة في أول السن فيكثر انصبابها إلى المعدة فليلذعها ويحدث المرض المذكور في آخرها لاستيلاء البلغم * المالح (1653) ، وقد تكلمنا * فيه (1654) . وأما انفتاح أفواه العروق فقال جالينوس: هذا مرض خاص بالسن المذكورة كحال الوسواس السوداوي، وذلك لاحتباس السوداء المتولدة في سن الشباب وميلها بغلظها إلى أسفل فتخرج من أفواه العروق. * والله (1655) أعلم.
31
[aphorism]
قال * أبقراط (1656) : * فأما (1657) المشايخ فيعرض لهم رداءة التنفس والنزل التي * يعرض (1658) معها السعال وتقطير البول وعسره وأوجاع المفاصل وأوجاع * الكلى (1659) والدوار والسكات والقروح الرديئة وحكة البدن والسهر ولين البطن ورطوبة العينين والمنخرين وظلمة البصر والزرقة وثقل السمع.(om. Y)
[commentary]
الشارح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
* في (1660) صلة هذا الفصل بما قبله: * فمعلومة (1661) بالضرورة. قال جالينوس إن قوما من أصحاب أبقراط يفرقون بين المشائخ والشيوخ، ويوقولون إن اسم الشيوخ يدل على أصحاب السن القصيا، واسم المشايخ يدل على أصحاب السن التي قبلها وهي المتوسطة بين الشباب * وسن (1662) الشيوخ. قال: ومراد أبقراط بالمشايخ أصحاب السن القصيا، ويدل على ذلك أنه قطع الكلام بعد ذكره السن المذكورة.
البحث الثاني
في * بيان (1663) كيفية حدوث ما ذكره PageVW3P307B في السن المذكورة: أما رداءة التنفس فقد يفهم منها الربو، وقد يفهم منها البهر، وقد يفهم * منها (1664) ضعف حركة الصدر في التنفس، والكل حق. فإن السن المذكورة تكثر فيها المواد الرطبة لا لرطوبة الأعضاء والمزاج بل لاستيلاء البرد، فتضعف القوة الهاضمة عن إحالة ما يرد على البدن من الغذاء على ما ينبغي فتكثر الفضلات وأدمغة المشائخ ضعاف، فتكون الفضلات المذكورة فيها أكثر مما هي في غيرها من أعضاء البدن، فيقطر منها شيء إلى جهة الرئة فيحدث الربو أو البهر. وأما ضعف الحركة * فلأن (1665) القوة مطلقا في بدن الشيخ ضعيفة فتعجز القوة المحركة للصدر عن تحريكه على ما ينبغي، أو نقول إن الحرارة الغريزية في بدن الشيخ ضعيفة. ولا شك أنها متى كانت كذلك كان ضعفها في الظاهر أكثر مما هو في الباطن وعضلات * الصدر (1666) وأعصابه من الأعضاء الظاهرة فتكون الحرارة فيه ضعيفة فيكون تأثير الهواء الخارجي فيها تأثيرا بالغا فيضعف عن تحريك * التنفس (1667) على ما ينبغي، أو نقول إن المواد القاطرة من الدماغ يقطر منها شيء إلى الأعضاء المذكورة بحيث أنها * تضعفها (1668) عن تحريك * التنفس (1669) على ما ينبغي. وأما النزلات * فكما (1670) ذكرنا * ويكون (1671) معها سعال لاستيلاء البرد الخارجي والبرد واليبس الداخلي. وأما أوجاع المفاصل فلكثرة الفضول وانصبابها إلى ما هو قابل لها وأقبل الأعضاء لها المفاصل. وذلك لما ذكرنا وأيضا لضعف القوة فتعجز عن تحريكها والآلة أيضا التي هي الحرارة الغريزية. وأما أوجاع الكلى فالمراد به * حصاة (1672) الكلية. فإن هذا المرض خاص * بهذه (1673) السن، وذلك لكثرة الفضول الغليظة المتولدة في * هذه (1674) السن واندفاعها إلى أسافل * البدن (1675) فتندفع إلى جهة الكلي، PageVW3P308A ثم * إن (1676) الدافعة تعجز عن دفعها فتبقى محتبسة وتنعقد فيها حصاة ويعينها على احتباسها ضيق المجرى المنحدر من الكلى إلى المثانة بسبب استيلاء البرد. فإن قيل: * فلم (1677) لا يضيق المجرى الأعلى * الذي (1678) بين الكبد والكلى بالبرد كما يحصل في المجرى الأسفل وتحتبس المادة المنحدرة إلى الكلى هناك، فنقول: هذا المجرى وإن كان يحصل فيه ضيق من البرد غير أن الضيق الحاصل فيه أقل * من (1679) الضيق الحاصل في المجرى الآخر، لأن هذا المجرى مجاور للكبد فتفيده حرارة موسعة، ثم هذه * الحصى (1680) لها بسبب فاعلي وسبب مادي يعين ما ذكرنا في حصاة * المثانة (1681) وهي تتولد في البدن في خمسة مواضع: أحدها في الرئة، وثانيها في المعاء، وثالثها في المفاصل، ورابعها في الكلى، وخامسها في المثانة. وأما الفرق بين حصاة الكلى وحصاة * المثانة (1682) فمن وجوه خمسة: أحدها من جهة * الموضع (1683) وهو أن * الكلوية (1684) موضع وجعها في الطقن والمثانة في العانة؛ ثانيها من جهة اللون وهو أن الرمل الحاصل * في (1685) الكلوية لونه أحمر * وفي (1686) المثانة أبيض؛ وثالثها من جهة المقدار وهو أن الكلوية أصغر مقدارا لضيق * تجويف (1687) الكلى والمثانة أكبر مقدارا لسعة تجويف المثانة؛ ورابعها من جهة القوام وهو أن الكلوية ألين قواما للين المادة المتكونة منها وهي الدم، والمثانة أصلب لصلابة المادة ولبرد المثانة؛ وخامسها من جهة اللمس وهو أن الكلوية أنعم ملمسا والمثانة أخشن، وذلك لضيق تجويف الكلى فلا تتمكن المواد من الركوب عليها وسعة تجويف المثانة فتركب المواد على الحصى المتكونة فيها تخشنها. وأما الدوار فلكثرة المواد في الدماغ وضعفه عن دفعها وإخراجها عنه. وأما السكتة فلذلك أيضا. وأما القروح فلكثرة الفضول وضعف القوة الدافعة عن دفعها PageVW3P308B عن البدن وكونها رديئة لذلك ولضعف الآلة التي هي الحرارة الغريزية فيعسر اندافاعها * وبروزها (1688) . وأما حكة البدن فلكثرة الفضول وتكاثف جلودهم بسبب البرد فتحتبس المواد فيه. وأما السهر فلكثرة همومهم وإفكارهم في عواقب الأمور وغلبة اليبس على أدمغتهم. فإن قيل: فالرطوبة موجبة للنوم وهي كثيرة في أبدانهم، فنقول: هذه الرطوبة الحاصلة في أبدانهم بورقية * ليبس (1689) امزجتهم فتكون حادة لذاعة. ومثل * هذا (1690) لا يوجب النوم PageVW1P096B إلا أن النعاس * يغلب (1691) إذا جلسوا. فإذا طرحوا أنفسهم * على (1692) الأرض زال عنهم النوم. وذلك لأن أخلاطهم في حال الجلوس تكون ساكنة غير مؤذية ولا * لذاعة (1693) للدماغ فيغشاهم النعاس لما تقدم لهم من السهر. فإذا استلقوا غارت حرارتهم وأخلاطهم إلى داخل * البدن (1694) وتار منها أبخرة رديئة مؤذية للدماغ فتؤذيه وتلذعه وتوجب السهر. وأما لين البطن فليس المراد به ما يعرض لهم في حال الصحة فإن هذا لا يصح فإنا قد بينا فيما تقدم أن من كان في شبابه يابس * البطن (1695) لأن بطنه في زمان * الشيخوخة (1696) ومن كان بالعكس فبالعكس، بل المراد به في حال المرض، وذلك لضعف الهضم والاستمراء ولكثرة الفضول المزلقة ولكثرة ما يتناول من الأغذية، فإن الشهوة في هذه السن أقوى من الهضم. وأما رطوبة العينين والمنخرين فلاستيلاء الرطوبات على الدماغ وعجزه عن دفعها. وأما ظلمة البصر فلضعف القوة الباصرة لضعف المبدأ ولكثرة الفضول فيه فتكدر القوة، وكذلك * آلتها (1697) . وأما الزرقة فلاستيلاء * اليبس (1698) فيقل * سواد (1699) الحدقة كما يعرض للزرع إذا عطش فإنه يبيض وينحط عن خضرته. وأما ثقل السمع فلضعف القوة الحساسة * التابع (1700) لضعف المبدأ ولكثرة PageVW3P309A * الفضول (1701) * المكدرة (1702) لها.
البحث الثالث
في رسوم الأمراض المذكورة: هذا القدر جميعه قد ذكرناه ما خلا الدوار والسهر والزرقة وتقل السمع فإنا لا * نتعرض (1703) لذكرها فلنذكره * هاهنا (1704) فنقول: أما الدوار فهو حالة يتحيل الإنسان معها أن الأشياء تدور * عليه (1705) وأن دماغه وبدنه كذلك، فلا يتمالك أن يثبت بل يسقط إلى الأرض، وذلك لما يعرض للروح * التي (1706) في بطون الدماغ وفي شرائينه ما يعرض له عند دورانه على نفسه. وكلما كان البدن أضعف كان هذا الانفعال * عنه (1707) أشد، وكلما كان أقوى كان أضعف. ولذلك صار هذا العارض يظهر في المرض أبلغ من ظهوره في الصحة. ثم هذا المرض له سبب من داخل وسبب من خارج. والأول إما أبخرة حاصلة في الدماغ قريبة العهد بالتوليد أو حاصلة عن أمراض متقدمة فتجول فيه * وتحدث (1708) حركات * مضطربة (1709) إما مقابلة * لحركة (1710) الروح الطبيعية أو غير * مقابلة (1711) لها فيحصل من ذلك حركة دورية كما يحصل * من (1712) الزوبعة عند الرياح إذا تقابلت أو مرتفعة إليه من أعضاء أخر فيحصل ما ذكرنا. والخارجي مثل ضربة تقع على القحف فتموج الأرواح التي من داخل ويحصل منها حركة * مضطربة (1713) أو سقطة تفعل ذلك. قال الشيخ * الرئيس (1714) في ثالث القانون: وقد يحل الدوار صداع عارض، وقد يحل الصداع دوار عارض. أقول: هذا الكلام في ظاهره توهم الدور، والحق أنه ليس بدور. وذلك لأن الدور إنما يلزم عند اتحاد الجهة والجهة هاهنا في الحقيقة مختلفة، فإن الجهة التي يحل بها الصداع الدوار غير الجهة التي يحل بها الدوار الصداع. أما الجهة الأولى وهو الدوار على ما عرفت سببه أبخرة متهوجة تحرك الأرواح الحركة المذكورة. فإذا قويت الطبيعة عليها أبطلت PageVW3P309B حركتها، وعند ذلك تستقر في موضع مخصوص وتحدث الصداع. وأما الجهة الثانية فهو إذا * كان (1715) سبب الصداع مواد غليظة ثابتة في موضع مخصوص فإن الطبيعة عندما تروم إخراجها عن الدماغ تنضجها * لتهيئها (1716) بذلك للخروج وإنضاج المواد الغليظة بترقيق القوام. فإذا رق قوامها تبخر منها أبخرة أو * تحركت (1717) هي بنفسها فيحصل من ذلك الحركة التمويجية فيحصل من ذلك الدوار فيكون الدوار من هذا الوجه يحل الصداع والصداع من الوجه الأول يحل الدوار فيظهر مما ذكرنا اندفاع الدور. وأما السهر فهو إفراط في اليقظة ثم له سبب من داخل وسبب من خارج. أما الداخل فمن وجوه خمسة: أحدها حرارة المزاج ويبسه فتفيد الأرواح نارية فتتحرك دائما إلى الخروج؛ وثانيها بورقية المواد فتلذع الدماغ وتجفف المزاج كما في * سن (1718) الشيخوخة؛ وثالثها وجع مبرح * فتشغل (1719) القوة عن طلب الراحة واستعمال النوم؛ ورابعها استمرار الفكرة فإنها تشغل * القوة (1720) عن طلب الراحة وحصول النوم؛ وخامسها أبخرة رديئة لذاعة تصعد إلى الدماغ فتؤذيه وتلذعه، وذلك كما في الحميات الصفراوية الخالصة. وأما الخارجي فمن وجهين: أحدهما استنارة الموضع فتنجذب الأرواح إلى خارج البدن * للمناسبة (1721) ؛ وثانيهما اتسعمال ما ينفخ ويشوش * الأحلام (1722) كالباقلى. وأما الزرقة فاعلم أن الزرقة على نوعين: أصلية وحادثة. * فالأصلية (1723) لها أسباب ستة: أحدها * كثرة (1724) الرطوبة الجليدية فتكون الأرواح لذلك كثيرة فتنير العين وتكثر ضياؤها؛ وثانيها قرب وضعها فيستولى لونها على لون الطبقات الخارجة؛ وثالثها قلة سواد الطبقة الغبية؛ ورابعها PageVW3P310A كثرة الأرواح في العين فتفيدها الضياء والأشراق؛ وخامسها قلة الرطوبة البيضية، وعند ذلك يقل الحائل لخروج الأرواح وبروزها إلى خارج العين؛ وسادسها صفاء هذه الرطوبة لذلك * أيضا (1725) . وأما الحادثة فلسببين: أحدهما ضعف الهضم والنضج فتتوفر الرطوبات وتفيد العين بياضا كحال النبات في أول طلوعه، فإنه يكون ضعيف الخضرة، ثم إذا نشأ * ونقصت (1726) تلك الرطوبات * قويت (1727) خضرته، ولذلك كانت أعين الأطفال لونها مائل إلى الزرقة أو إلى الشعلة؛ وثانيهما استيلاء الجفاف على العين، فإنه متى حصل مال لونها إلى البياض كالنبات إذا أخذ في الجفاف فإنه ينحط عن خضرته الخاصة به، ولذلك صارت أعين المشائخ تميل إلى الزرقة لا سيما في آخر سنهم. وأما ثقل السمع فمعناه ضعفه، وسبب هذا إما في المبدأ وإما في القوة وإما في العصبة وإما في النفس المجرى. فأما الكائن في المبدأ فكما إذا كان في الدماغ آفة فإنه تشغلها وتمنع نفوذ القوة PageVW1P097A السامعة إلى آلتها بحيث أنها لا تدرك محسوسها الخاص بها على ما ينبغي. وأما القوة فيكون ذلك عند ضعفها فيقل النافذ منها في آلتها إلى السماخ فيضعف إدراكها للمسوعات، ولذلك صار الناقهون * ضعيفي (1728) السمع لا سيما متى كان الخروج من مرض * مخيف (1729) مجحف بالقوة. وأما العصبة فكما إذا حصل فيها سدة فإنها تمنع القوة السامعة من النفوذ والبروز إلى السماخ فيضعف إدراكها للمسموعات. وأما المجرى فكما إذا حصل فيه سدة إما من مدة وإما من اجتماع أوساخ وإما لوقوع شيء فيه، فإنه متى حصل ذلك تعذر على القوة السامعة الإدراك. والله أعلم.
تمت المقالة الثالث.
المقالة الرابعة من شرح فصول أبقراط وهو ثلاثة وثمانون فصلا
1
[aphorism]
قال أبقراط: ينبغي أن تسقى الحامل الدواء إذا كانت الأخلاط في بدنها هائجة منذ يأتي الجنين أربعة أشهر وإلى أن يأتي عليه سبعة أشهر ويكون التقدم PageVW5P163B على هذا أقل، وأما ما كان أصغر من ذلك أو أكبر فينبغي أن يتوقى عليه.
[commentary]
قال الشارح هاهنا * أربعة (1) عشر بحثا.
البحث الأول
في المني: المني رطوبة بيضاء تتولد في الهضم الرابع ولها صفات خمس: أحدها بياض اللون كما ذكرنا، وذلك لتولدها في لحم غددي؛ وثانيها لزوجة القوام، وذلك لشدة طبخه وانعقاده بالحرارة الغريزية، ولذلك صار البرد يذيبه؛ وثالثها أن فيه قوة عاقدة؛ ورابعها أن يحصل منه لذة عند جريانه على عضو مخصوص؛ وخامسها أن تكون رائحته تشبه رائحة الطلع. فهذه صفات المني. ومن هذا يعلم هل للمرأة مني أم لا، فإنه إن أريد بالمني ما اجتمعت فيه هذه الصفات فالمرأة لم يكن لها مني لأنه ليس فيه قوة عاقدة على المذهب الحق وليست رائحته كرائحة الطلع، وإن أريد * فيه (2) ما اجتمع فيه * بعض (3) هذه الصفات المذكورة كان * للمرأة (4) مني.
البحث الثاني:
هل المني يتولد في الأنثيين أو في جملة البدن وينفذ إلى جهة الأنثيين: اختلف العلماء في هذا الأمر فذهب الإمام أبقراط وشيقته إلى أن المني يتولد في الأعضاء ثم ينفذ منه إلى الأنثيين مثلا يتولد في العصب جزء وفي اللحم جزء وفي العظم جزء وكذا في كل واحد من الأعضاء ثم كل عضو يرسل قسطه إلى الأنثيين. واستدل على صحة هذا بوجوه ثلاثة: أحدها المشابهة الكلية أي أنه لو لم يرسل كل عضو قسطه إلى الأنثيين وإلا كيف وقفت المشابهة؛ وثانيها عموم اللذة في حال الجماع، وذلك لأن الأعضاء لما دفعت ما عندها من المادة المجتمعة التي هي فضلة بالنسبة إليها استراحت بدفعها وإخراجها عنها فإنه لا معنى للذة عند الجمهور إلا خروج من الحالة الغير طبيعية إلى الحالة الطبيعية؛ وثالثها مشابهة عضو ناقص لعضو ناقص من والديه أو لذي شامة. وذهب أرسطو وشيعته إلى أنه يتولد في الأنثيين فقط واستدل على صحة مذهبه بوجوه ثلاثة: أحدها أن المشابهة قد تكون بالوالدين وقد تكون بغيرهما فإنه رأي امرأة سوداء ولدت بنتا بيضاء ثم هي ولدت بنتا سوداء، وذلك بحسب استعداد المادة لقبول الصورة؛ وثانيها أن المشابهة تحصل في أعضاء لا ينفصل منها شيء، وذلك مثل الشعر والظفر؛ وثالثها أن الشيء يتولد من غير جنسه فإن الذباب يتولد من دود ويتولد من زبل الخيل. وأما ما ذكره * الإمام (5) أبقراط من أمر المشابهة فسببه إعداد المغيرة الأولى لتمام الخلقة. وأما عموم اللذة فسببه سيلان المني وخروجه من أوعيته مع دغدغة فتحصل اللذة ثم لقوتها يحصل منه العموم * لجملة (6) البدن. وأما أمر المشابهة ففيه نظر فإنه لو كان * الأمر (7) كذلك للزم أن الأعمى يلد * له (8) ولدا أعمى ومقطوع اليد أو الرجل كذلك والوجود بخلافه. ولنا في هذه المسألة كلام طويل قد ذكرناه في شرحنا * لكليات (9) القانون. والحق في هذا المقام مع أرسطو وشيعته.
البحث الثالث:
هل للمرأة مني كما للرجل؟ هذا الأمر فيه خلاف بين أرسطو وجالينوس فإن أرسطو ينكره وجالينوس PageVW5P164A يثبته. وقد طال الكلام بينهما في هذه المسألة، ونحن قد حررناه في شرح كليات القانون. والذي يليق ذكره منها في هذا الموضع أن أرسطو لم * ير (10) له دليلا في هذا الباب بل قال إن لها دم الطمث فقط. وأما جالينوس فقد ذكر في هذا وجوه ثلاثة: أحدها أنه وجد وعاء المني في بعض النساء التي شرح أرحامهن * فيه (11) رطوبة منوية، قال، إلا أنه أرطب من مني الذكر؛ وثانيها أن النساء يحتملن ويرقن منيا ويلتذذن به؛ وثالثها أنه كان * ببعض (12) * النساء (13) اختناق الرحم لطول غروبتها ثم استفرغت منيا كثيرا وحصل لها من ذلك لذة عظيمة كلذة الجماع وصحت مما بها. واعلم أن الخلاف المذكور في هذه المسألة خلاف لفظي فإنه إن أريد * بالمني (14) على ما * عرفت (15) ما اجتمعت فيه الصفات المذكورة لم يجز أن تسمى تلك الرطوبة منيا، وإن أريد به ما حصل بعضها فيه جاز تسميته بالمني.
البحث الرابع:
هل كل واحد من * المنيين (16) يصير جزءا من بدن الجنين؟ هذا الأمر قد وقع فيه خلاف بين الفلاسفة وأئمة الطب ادعى الفاضل جالينوس أن أرسطو يرى أن مني الرجل لا يكون جرءا من الجنين. وقال الشيخ في حيوان الشفاء إن هذا ليس هو رأي أرسطو بل رأيه أن المني يخالط رطوبة المرأة على أنه فاعل لا على أنه مادة * فيجري (17) مع المادة التي للأناث كالمبدأ المحرك وتكون فيه الروح. وجالينوس يرى أنه يصير جزءا منه واستدل على ذلك بوجهين: أحدهما أن الرحم مشتاق بالطبع إلى المني والمشتاق إلى الشيء كيف يضيعه فالرحم لا يضيعه واستدل على صحة الصغرى بأمر وهو أن للمرأة التي لم يجب أن تحبل لما غرمت على إزلاق * المني (18) احتاجت إلى طفر شديد إلى خلف حتى أزلقت * المني (19) ، وأيضا فإن المجامع والمجامعة متى كانا بعيدي العهد بذلك احتبس المجامع كان شيئا يجذب إحليله إلى داخل ويمصه مصا بالغا؛ ثانيهما أن باطن الرحم خلق خشنا لئلا ينزلق المني حتى يحفظه ويمنعه من السيلان بخشونته. هذا ما ذكره المذكور في هذا المطلب. قال الشيخ في حيوان الشفاء: نحن نتعجب من جالينوس مع دعواه في جودة تصرفه في المنطق كيف قنعت نفسه في هذا المطلب بمثل هذه الحجج السخيفة. أما الوجه الأول فإنه يجوز أن يجذب شيء لشيء لشوق طبيعي إليه ثم إذا زالت تلط الحاجة زال ذلك الاشتياق PageVW1P097B وتبدل الجذب بالدفع، وذلك كاشتياق الكبد والعروق إلى المائية عند الحاجة إليها لأجل التنفيذ ثم إذا حصل النفوذ لا يبقى ذلك الجذب بل يتبدل بالدفع، وإذا كان الأمر كذلك فيجوز أن الرحم يشتاق إلى المني ليؤثر في دم الطمث تأثيرا يستعد به لقبول النفس الإنسانية ثم أنه يستغنى عنه بعد ذلك ويدفعه أو يتخلى هو عن مسكه وينحل هو بنفسه. وأما خشونة باطن الرحم فهذا مما لا ينازع فيه أحد، وذلك ليتعلق المني به لأجل الحاجة إليه لما ذكرنا لا إلى ما ادعاه جالينوس، وفي الحقيقة ما ذكره جالينوس لا يفيد مطلوبه فإن مطلوبه أن يبين أن مني الذكر يصير جزءا من بدن الجنين وما ذكره خال من * ذلك (20) . وأما ابن سينا فقد اضطرب كلامه في هذا الباب لأنه يقول في حيوان الشفاء إن مني الرجل يتحلل في أجزاء المتكون لأنها تنمي وتعظم بمادة المرأة والمنمى والمعظم لها مني الرجل غير أنه لا يبلغ أن يصير عضوا متصلا بل هو ينبت في خلل تلك المادة ويتم بالمجموع انعقاد الجنين. وقال بعد ذلك في المكان المذكور إن مني الرجل لا يصير جزءا من الأعضاء بل هو مبدأ روحي نافذ فيها يفعل في الأعضاء. فإذا وقع في الرحم قوم نطفة الأنثى وحركتها فالجسد من الأنثى والروح النفساني من الذكر. وقال في القانون إن مني الذكر يقوم للجنين مقام الأنفخة للجنين، ومني الأنثى يقوم له مقام اللبن للجنين. قال: وكما أن مبدأ العقد من الأنفخة كذلك مبدأ عقد الصورة من مني الذكر، ومبدأ الانعقاد من اللبن، كذلك مبدأ الانعقاد من مني المرأة. وكما أن كل واحد من اللبن والأنفخة جزء من جوهر الجنين الحادث عنهما، كذلك كل واحد من المنيين جزء من بدن الجنين الحادث * عنهما (21) * (22) . فهذا ما قيل في هذا المطلوب. والحق عندي أنه يصير جزءا من بدن الجنين، وذلك لأنه إذا ثبت أنه مبدأ العقد والتحريك وهو في نفسه جسم كيف يتصور أنه يقال إنه لا يصير جزءا من المنعقد * والمتحرك (23) .
البحث الخامس
(24) : هل كل واحد من المنيين فيه قوة عاقدة وقابلة للعقد أو العاقدة خاصة بمني الذكر والمنعقدة بمادة الأناث؟ ذهب جالينوس إلى القول الأول غير أنه يقول إن العاقد في الذكر أقوى والمنعقد في الأنات أقوى. وهذا القول مخالف لما يقتضيه العقل. وذلك أنه لو كان الأمر كذلك للزم أن يكون كل واحد من المنيين كافيا في التوليد ويلزم من هذا أنه إذا سبق ماؤها لماء الرجل أن يحتوي عليه الرحم ويتصور منه جنين من غير أن تحتاج إلى ماء الرجل. فإن قيل إن مني المرأة وإن كان فيه قوة عاقدة غير أنها ضعيفة لا تكفي في التصوير فاحتاج في ذلك إلى مني الرجل، فنقول له القوة العاقدة التي في مني المرأة هل يفعل فعلا أم لا. فإن قال إنها تفعل فعلا، فنقول له فعلها على قدر قوتها بمعنى أنها متى كانت قوية كان فعلها قويا ظاهرا، ومتى كانت ضعيفة كان ضعيفا خفيا، فيفرض الكلام عند فعلها قوية، ويلزم من ذلك ما ذكرناه وهو محال. وإن لم تفعل فعلا لم تكن قوية لأنه لا معنى للقوة عنده إلا الفاعلة للفعل، وكيف لا ومذهبه أنه حيث كانت القوة فهناك الفعل الصادر عنها خلافا للفيلسوف.
البحث السادس
(25) في كيفية تكون الجنين: قال الحكماء والأطباء: الرحم حيوان مشتاق بالطبع إلى المني ويدل على هذا ما ذكرناه من أمر الجماع عند بقائه وبعد عهده بالمجامعة من امتصاصه للمني وأبلغ من هذا ما نراه يحصل له في * معالجته (26) عند ميلانه عن محاذاة الفرج. PageVW5P164B فإن الأطباء اتفقوا على أن هذا القدر يحصل له بوضع الأراييح الطيبة بقربه والمنتنة بقرب من المنخرين، فإنه في مثل هذه الصورة ينفر من المنتنة ويطلب الطيبة بحيث أنه يرجع إلى موضعه الطبيعي على ما دل عليه الاستقراء الطبي. فإذا وقع فيه المني احتوى عليه * احتواء (27) المحب على المحبوب، وحينئذ يتولى تدبيره القوة المغيرة الأولى بإذن خالقها، ويعرض له من * ذلك (28) في هذا الوقت غليان وزبديه تندفع إلى الوسط مكان القلب ثم يصير فيه آخر بأن إحداهما في أعلاه مكان الدماغ والأخرى عن يمينه مكان * الكبد (29) ثم بعد ذلك تجري فيه الدموية ويصير علقة ثم يحمر لونها أكثر من ذلك وتصير مضغة ثم تتميز أعضاء بعضها عن بعض ولكل واحد من هذه التغيرات مدة قد حكم بها أرباب التجارب والمباشرون لهذا الفن، فكل منهم حكم بما اتفق له فقالوا مدة الرعوة ستة أيام أو سبعة ثم إلى تمام الخامس عشر أو السادس عشر من أول العلوق تصير النطفة علقة. وربما تقدم ذلك بيوم أو يومين وبعد ذلك * باثني (30) عشر يوما تصير تلك لحمة وهي * المضغة (31) . وربما زاد بيوم أو بيومين وبعد ذلك بتسعة أيام ينفصل * الرأس (32) عن المنكبين والأطراف عن الأضلاع ثم يظهر في بعضها ويخفى في البعض إلى تمام الأربعين. وفي النادر يتأخر إلى خمسة وأربعين يوما، وفي الأقل ثلاثين يوما. قيل إنه لم يوجد في الإسقاط ذكر ثم تكونه قبل ثلاثين يوما وأنثى قبل أربعين يوما. فإن قيل: فإذا * كان (33) تكون الذكر يسبق تكون الأنثى فلم لا يسبقها في الولادة فإن الولادة الطبيعية حاصلة عند كمال الخلقة وقد دل الاستقراء أن زمان الولادتين في * وقت (34) واحد وأن مدة الحبل بالأنثى كمدية بالذكر، فنقول: الجواب عن هذا أنه قد عرفت أن خلقة الذكر أتم من خلقة الأنثى والخلقة حركة وهي محتاجة إلى زمان فزيادة زمان * تمام (35) خلقة الذكر تجبر نقصان زيادة تكون الأنثى، وزيادة زمان تكون الأنثى تجبر نقصان الزمان الحاصل لنقصان الخلقة في الذكر فتساوي زمان الحمل والولادة فيهما.
البحث السابع
(36) في المتكون أولا من الأعضاء: PageVW1P098A * اختلف (37) الأطباء والفلاسفة في هذا المطلب. فذهب الإمام أبقراط إلى أن المتكون أولا من الأعضاء الدماغ واحتج عليه بما شاهده من فراخ البيض، فإنه أول ما * رأى (38) يتكون منها أدغمتها. وذهب * أرسطوطاليس (39) إلى أن المتكون أولا فقرات الظهر. قال: وذلك لأنها أساس البدن والأساس متقدم على ما هو أس له * قياس (40) على البناء في الخارج. وأما أن فقرات الظهر أساس للبدن فلأن أعضاءه مبنية عليه ولذلك قيل إن نسبتها إليها * نسبة (41) الخشبة التي تنصب في السفينة أولا إلى ما يعمل عليه من أضلاعها وغيرهما. وذهب أرسطو إلى أن المتكون أولا القلب محتجا بأن تكوين اللطيف أسهل من تكوين الغليظ، والطبيعة من شأنها أن تبتدئ في التكوين بالأسهل ثم بالأصعب، فأول فعلها في النطفة عند وقوعها في الرحم في الأرواح التي فيها ثم إذا كونتها لا ينبغي الإهمال * بأمرها (42) بل يكون لها عضوا يحصرها ويجمعها ويمنعها من التبدد والتلاشي. وهذا العضو يجب أن يكون صلب القوام ليكون أبلغ في الحصر والمنع وأن يكون مستدير الشكل ليبعد عن قبول الآفات وأن يكون PageVW5P165A في الوسط ليكون بعده عن جميع جوانب البدن على السواء والقلب بهذه الصورة. وذهب محمد بن زكريا الرازي إلى أن المتكون أولا هو الكبد محتجا بأن المني في أول الكون في غاية القلة فهو محتاج إلى شيء يغذيه ويزيد فيه، وذلك هو القوة الغاذية والنامية * فالعضو (43) الذي هو مبدأ لهما هو المتكون أولا وهو الكبد. واعلم أن الحق في هذه المذاهب جميعها مذهب أرسطو، وذلك لأن المعد لقبول آثار الحياة القوة الحيوانية، وإذا كان كذلك فكيف يتصور أن يتقدم العضو القابل للآثار على العضو الذي هو المعد فلا يجوز أن يقال إن الدماغ يتقدم تكونه تكون القلب. وأما أمر الفقرات فقد أثبتنا في شرحنا لكليات القانون أن القلب هو الأصل في وجود بالبدن لأنه مبدأ لجميع القوى ولآلات تلك القوى وبه تتقلق النفس الناطقة أولا. وإذا كان حاله كذلك كيف يجوز أن يتأخر في * التكون (44) ما هو محتاج إليه في التقدم، وما ذكره الرازي فهو فاسد فإنه كيف يتصور أن العضو يغتذي ما لم يكن حيا فالحياة متقدمة على التغذية فعضو الحياة متقدم على عضو التغذية فالقلب متقدم على الكبد في التكون. فإن قال إن الحياة مصاحبة للمني من الأبوين فاستغنى عن تقدم تكون * عضوها (45) . وأيضا فإنه قد ثبت بالأدلة القاطعة على ما ذكرنا في شرحنا لكليات القانون أن القلب القضو الرئيس على الإطلاق وأنه مبدأ لجميع القوى. وإذا كان كذلك فإذا احتاج المني إلى ما يخلف عليه عوض المتحلل منه فهو موجود فيه، فنقول الخصم والعضو الذي هو مبدأ للقوة الغاذية يجب أن يكون متقدما في التكون غير * صحيح (46) .
البحث الثامن
(47) في حال الجنين عند تعلق النفس الناطقة به: نقول: قد ثبت في غير هذا الفن أن القاسر * والجامع (48) لأجزاء العناصر في المني هو النفس الناطقة ثم أورد عليه بحث فقيل قبل تعلق النفس به ما الموجب لاجتماع تلك الأجزاء في المني. قيل نفس الأبوين إلى أن يفاض عليه نفسه ثم يتولى تدبيره وحفظ أجزائه وفي هذا كلام آخر قد ذكرناه في شرحنا لكليات القانون فلنبحث عن حاله في هذا الوقت هل هو كاليقظان أو كالنائم أو كالسكران أو كالمسبوت أو كالنبات؟ فنقول: لا جائز أن يكون يقظان لأنه معطل للحواس آلة الحركة واليقظان مستعملها ولا نائما لأن النوم وإن كانت الحركة الإرادية فيه معطلة غير أن حواسه الناطقة باقية ولا كالسكران فإن السكران حركاته قوية ظاهرة ولا كالنبان فإن النبات عادم مبدأ الأحساس أصلا فبقي أن يكون حاله كالمسبوت فإن طبيعته تستدعي النوم ولذلك صار عند خروجه يبكي لأنه كان * كالنائم (49) ثم استيقظ.
البحث التاسع
(50) في بيان ما يحيط به من الأغشية وهيئة قعوده في * بطن (51) أمه الجنين: عند تكوينه في جوف أمه يحيط به ثلاثة أغشية أحدها المشيمي والثاني الشفاء ويسمى اللفائفي والثالث السلاء. فالمشيمي متولد من المني عند ما يقع في الرحم فإنه يتولد من سطحه الذي يلاقيه كما يتولد الخبز المختبز من النساء على الطابق، والأقرب أن هذا الغشاء متكون من مني الأنثى لأنه أقرب إلى سطح الرحم وأوفر مقدار ثم أنه إذا تكون تبرأ عن بعض سطوح الرحم، وبقي متعلقا بالمواضع الخشنة منه المسماة بالنقر وهي أفواه PageVW5P165B الشرايين والأوردة، وحينئذ يصير المني في مثل هذا الوقت كالبيضة التي لم يعلها القشر الخارج. وقد شوهد هذا في امرأة كانت راقصة في زمان أبقراط فإنها رقصت في اليوم السادس من أول علوقها رقصا عظيما فسقط من رحمها * شيء (52) كأنه * البيضة (53) التي لم يعلها قشر من * خارج (54) ثم أن الصانع تعالى * جل (55) ذكره وتقدس اسمه يكون داخل هذا * الغشاء (56) في جرمه شرايين وأورده ثم أن الشرايين تتصل بأفواه الشرايين المغضية إلى الرحم والأوردة بأفواه الأوردة المغضية أيضا إلى الرحم وفي الشرايين تنفض الروح والنسيم إليه من أمه وفي الأوردة ينفذ إليه الغذاء من أمه أيضا ثم أن PageVW1P098B الشرايين تجتمع إلى شريانين ويدخلان في سرة الجنين. قال المتأخرون: ثم يتحدان شريانا واحدا. وأما جالينوس فإنه قال في خامسة عشر المنافع إنهما لا يتحدان بل يدخلان في سرة الجنين وهو الحق ومتى تجاوز السرة انحرفا عن محاذاة الصلب إلى أسفل قليلا ثم يتصلان بالشريان المتشعب من * الأبهر (57) . وأما الأوردة فإنها تجتمع إلى وريدين ويدخلان سرة الجنين ثم يتحدان ويصيران وريدا واحدا ويتصل بمقعر الكبد فيصب فيها الدم النافذ إليها ويطبخه كبد الجنين طبخا ثانيا ثم هي تنفذه إلى جهة الأعضاء ويغتذي به. وأما اللفائفي فهو متكون داخل هذا الغشاء يجتمع فيه بول الجنين في مجرى يدخل في سرة الجنين ويتصل بمثانته ينصب فيه البول ويجتمع أيضا فيه برازه. وأما * السلاء (58) فهو غشاء متكون داخل هذا الغشاء يجتمع فيه عروق الجنين وهذه الفضلات جميعها تجتمع إلى وقت الولادة وتخرج معه وهي التي تعينه على الخروج بالإزلاق. ولذلك متى سبق خروجها لخروج الجنين اشتد الطلق وتعذر خروج الجنين وفي هذه الأغشية كلام طويل * قد (59) بسطناه في شرحنا لكليات القانون. وأما هيئة قعوده في بطن أمه فإنه يكون معتمدا بوجهه على ركبتيه وراحتيه تحت وجهه وأنفه بين ركبتيه وعيناه على راحتيه وظهره إلى جوف أمه على أن قوما قالوا إن نصبة الأنثى على خلاف ذلك وهو أن ظهرها على ظهر أمها وجوفها إلى جوف أمها وقد شهد * بهذا (60) جماعة من القابلات ممن يعتمد على قولهن وفي هذه الهيئة أيضا كلام طويل قد ذكرناه في شرح * الكليات (61) .
البحث العاشر
(62) في القدود يرى من الأطفال من يكون قده كبيرا ومنهم من يكون صغيرا: ولنبحث عن سبب هذا فنقول: أما الكبر فله ثلاثة أسباب: أحدها توفر المادة المنوية في الأصل، فإن هذه المادة متى كانت كذلك قبلت من القوة * المصورة (63) صورة عضو كبير؛ وثانيها كثرة ما يأتيه من الغذاء الممد * له (64) والزائد فيه؛ وثالثها سعة المحل، فإن المحل متى كان واسعا أعان في كبر الجنين لأنه يجد موضعا يتمدد فيه. وأما الصغر فلإضداد ذلك وهو قلة المادة المنوية وقلة ما يأتيه من الغذاء إما لقلة غذا الحبلى وإما لانسداد مجاري الغذاء إلى رحمها. وأما لضيق المكان فإنه متى كان ضيقا منع الجنين من النمو والتمدد ويكون حاله كحال الفواكه إذا خرجت في أوعية ضيقة وهي فجة فإنها يكمل نضجها وهي ضغيرة جدا بالنسبة إلى إدراكها وعند كونها خالية من * الأوالي (65) فهذا ما أردنا أن نذكره قبل الشروع في حل المتن.
البحث الحادي * عشر
(66) : قال * جالينوس (67) إن اتصال الجنين بالرحم في ابتداء * التكون (68) اتصال ضعيف كاتصال الثمرة بالنبات في ابتداء ظهورها، فكما أنها تسقط في هذا الوقت من أدنى محرك PageVW5P166A يحركها من ريح وغيره كذلك الجني في ابتداء تكونه إذا حصل له أدنى محرك حركة وقلقل علائق المشيمة بالرحم فإنها * تسقط (69) ولذلك صارت الحبلى إذا شمت رائحة طعام مشتهي ولم تأكل منه أسقطت جنينها، وذلك لميل القوة الشهوانية إلى ذلك وشدة طلبها له فتستعين بالطبيعة العامة في ذلك وتشتغل عن تدبير الجنين فتسقط، فإذا كان هذا القدر مع ضعفه يفعل هذا الفعل فما عسى أدوية غريبة يكون فيها قوة سمية؟ ولما كان حالها كذلك لم يأخر أبقراط باستعمالها عند حصولها * لأي (70) مرض كان للحبلى بل شرط ذلك بأمرين: أحدهما أن يكون المرض المحتاج لأجله إلى الاستفراغ مهياجا لأنه أشد الأمراض أذية للأعضاء واللقوة على ما عرفت فيما تقدم ثم لم يعبر عن استعمال الدواء في هذا المرض مع شدة خطره بلفظة الوجوب أي الذي لا بد منه بل بلفظة ينبغي الذي هو الأوفق والأوجد؛ ثانيهما أن يكون استعمال ذلك بعد الرابع وقبل السابع. أما الأول فلما عرفته، وأما الثاني فلما ستعرفه. وإنما قال هذا شفقة على الجنين وخوفا من موته.
البحث الثاني (71) عشر
في بيان كيفية إيجاب الدواء المسهل لذلك: أقول: قد عرفت أنواع المسهلات وأن المسهل الحقيقي ما كان فيه قوة سمية، ومراد أبقراط بالدواء على ما عرفت المسهل الحقيقي. فمثل * هذا (72) إذا استعمل أضر الجنين من ثلاثة * أوجه (73) : أحدها أنه بما فيه من القوة السمية تنكي الطبيعة العامة والخاصة بالرحم لقربه من محل الدواء المذكور، وقد علمت أن قوة الحبلى مشغولة بتدبير بدنين فتضعف عن ذلك، ومتى ضعفت اعتنت عند ذلك بتدبير الأهم وأهملت ما دونه، ولذلك صارت حركة التنفس تظهر في السكتة ظهورا بينا ولذلك لاعتناء الطبيعة العامة بتدبير القلب ودفع نكاية المؤذي عنه، ولا شك أن تدبير بدن الحبلى أهم عند الطبيعة من تدبير الجنين لأنها الأصل في وجوده والمدبرة له فعند ذلك تهتم بتدبير بدنها وتهمل تدبير الجنين فتسقط ويخرج؛ وثانيها أنه بإسهاله يخرج ما هو محتاج إليه في تغذية بدنه وتقوية قوته، وعند ذلك تضعف قوته عن تدبيره في مسكه * وغيره (74) ؛ وثالثها أن الرحم مجاور للمعاء والمواد الخارجة تمر بالمعاء فى خروجها فتلدعها وتنكيها فتتأدى هذه الأدوية إلى الرحم وهو في نفسه قوى الحس فيتشمر لدفع ذلك، وعند ذلك يتقلقل علائق المشيمة لا سيما وهي في أول الأمر ضعيفة جدا فتنفصل تلك العلائق ثم يخرج الجنين. والفصد وإن كان يسقط الجنين غير أنه إنما يفعل ذلك بوجه واحد وهو إخراج مادة * غذائية (75) فلذلك خصص فعل الدواء في ذلك بالذكر ومنه تفهم مضار الفصد هذا كيفية فعل الدواء المسهل في الأربعة أشهر الأول. وأما في الأشهر الأخيرة فإنه إنما يفعل ذلك بأمر واحد وهو استفراغ غذائية لأنه في هذا الوقت يكون قد كبر وعظمت أعضاؤه فاحتاج إلى غذاء متوفر، فإذا استعمل ما يخرج غذاؤه تحرك حركات مضطربة لطلبه لذلك فتتقلقل علائق المشيمة فيخرج ويسقط. وأيضا فإن قوته تضعف * بذلك (76) عن تدبير بدنه لا سيما وعلائق المشيمة في هذا الوقت ضعيفة بسبب ثقل الجنين له، فإذا نظرنا إلى حالة في الشهر الأوسط يكون حاله متوسطا بين ذلك فإنه لا يكون ضعيفا كحاله في أول أمره ولا يكون عظيما محتاجا إلى غذاء متوفر كحاله في الأشهر * الأخيرة (77) .
البحث الثالث (78) عشر:
الحبلى يجب أن تراعي في PageVW1P099A أمرها * وفي (79) تدبيرها أمور غير أن أبقراط إنما خصص الدواء بالذكر لأنه إذا كان ضروري الاستعمال عند الحاجة يجب أن يتوقى استعماله ولا يقدم عليه إلا بعد اعتبار الشرطين المذكورين فبالأولى أن يراعي PageVW5P166B غيره من باقي الأمور في حفظ صحتها وتدبير جنينها. وهذه الأمور قد حصرناها في عشرة: أحدها القفزة والوثبة والسقطة القوية خوفا من تقلقل علائق المشيمة، ولا شك أن ذلك مما يهيئ الجنين للخروج؛ وثانيها الأمور النفسانية ما خلا الفرح، فإن ذلك يشغل الطبيعة العامة عن تدبير الجنين؛ وثالثها أن تمنع من المجامعة، فإن ذلك يفتح فم الرحم ويفسد غذاء الجنين ويحرك الرحم حركة مضطربة لطلب المني، فإنه حيوان مشتاق بالطبع إليه؛ ورابعها أن تمنع من استعمال المدرات فإنها تجذب المواد إلى جهة الرحم، ولذلك مما يؤذي الجنين والقوة الخاصة بالرحم وربما أخرجت مادة غذائية بالإدرار؛ وخامسها أن تمنع من طول المكث في الحمام لا سيما الحار المكرب فإنه مما يحوج الجنين أن يتحرك حركات مضطربة طلبا للاستنشاق الهواء البارد، وذلك مما يوهن علائق المشيمة ثم بدن الحبلى لا يخلو إما أن يكون ممتلئا أو غير ممتلئ، فإن كان الأول سيل الحمام تلك الرطوبات، وذلك مما يهيئ الجنين للخروج بالأزلاق، وإذا كان الثاني استفرغ غذاء الجنين بالتعريق وفرط التحليل، ولا شك أن ذلك مما يهيئ الجنين * للخروج (80) ؛ وسادسها أن تمنع من القيء خوفا من ذغذغة الأحشاء بحركة؛ وسابعها أن تعطى مما تشتهيه ولو القليل منه لما ذكرنا؛ وثامنها أن تمنع من الصوم وتلطيف * التدبير (81) ، وذلك خوفا من تقليل غذاء الجنين وإضعاف قوته؛ وتاسعها أن تمنع من النوم على غير وطاء خوفا من تأذي الجنين من ملاقاة الأشياء الصلبة؛ وعاشرها أن تمنع من الفصد خوفا مما ذكرنا.
البحث الرابع (82) عشر:
هذا القدر الذي حكم به أبقراط إنما هو بالنظر إلى الجنين شفقة عليه على ما عرفت، وإلا * فمتى (83) رأينا الأمر صعبا وخفنا هلاك الحبلى بادرنا إلى استعمال ذلك، فإن في هلاك الحامل هلاك المحمول من غير عكس، ولا شك أن هلاك نفسين أخطر وأكثر إثم من هلاك نفس واحدة، فلذلك متى * خففنا (84) هذا القدر فعلنا في علاج الحبلى ما يجب أن نفعله من تخفيف المواد بالمسهل والفصد. والله أعلم.
2
[aphorism]
قال أبقراط: إنما ينبغي أن يسقى من الدواء ما يستفرغ من البدن النوع الذي إذا استفرغ من تلقاء نفسه نفع * استفراغه (85) ، وأما ما كان على خلاف ذلك فينبغي أن يقطعه.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
3
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله: وهو أنه لما أشار باستعمال الدواء المسهل عند الحاجة إليه، قال في هذا الفصل: ويجب أن يكون هذا الدواء مما يستفرغ النوع الموجب للمرض وهو الذي إذا استفرغ من تلقاء نفسه أي من ذاته نفع استفراغه.
البحث الثاني:
خروج المادة من تلقاء نفسها تارة تكون لدفع الطبيعة لها وتارة تكون لكثرتها أو لحدتها، فإنها متى كانت كثيرة غمرت القوة الماسكة وخرجت من ذاتها، ومتى كانت حادة لذعت الأوعية وخرجت من * ذاتها (86) بنفسها. فإن كان خروجها لدفع الطبيعة أعقمه خفة وراحة، وإن كان للثاني والثالث لم يعقبه شيئا من ذلك. فقوله «الذي إذا استفرغ من تلقاء نفسه» أعقبه خفة وراحة المراد به الكائن من دفع الطبيعة لا من الأمرين الآخرين.
البحث الثالث:
قد PageVW5P167A عرفت أن المراد بالدواء عند أبقراط المسهل الحقيقي، وهذا القدر * فيه (87) الذي ذكره وهو أنه ينبغي أن يكون ما يستفرغ النوع المستولى على البدن لا يختص بالدواء المذكور بل وبالدواء المقيئ * والمدر (88) والمعرق وهو أن هذه جميعها ينبغي أن يكون حالها كذلك لأنه متى حصل الاستفراغ من غير نوع المادة المرضية كان ذلك وبالا على المريض غير أن أبقراط إنما ذكر المسهل على سبيل المثال. وأيضا فإنه قد تقدم له الكلام في الدواء * المسهل (89) . والله أعلم.
4
[aphorism]
قال أبقراط: ينبغي أن يكون ما يستعمل من الاستفراغ بالدواء في الصيف من فوق أكثر وفي الشتاء من أسفل.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث بحثان.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله: وهو أنه لما كان الفصل المتقدم يعم أنواع الاستفراغات النوعية وهي * الطوعية (90) والصناعية الضرورية والاختيارية، ذكر في هذا الفصل جهة خروج المادة بحسب الفصل. قال «بنبغي أن يكون في الصيف من فوق وفي الشتاء من أسفل». وستعرف العلة في هذا غير أن هذا القدر لا يصح إلا في الصناعي فقط.
البحث الثاني:
قانون الاستفراغ مغاير لقانون الجذب، فإن الاستفراغ ينبغي أن يكون حيث ميل المادة والجذب إلى خلاف الجهة، ولا شك أن المواد في زمان الصيف طالبة الأعالي لأن حرارة الصيف ترفعها وتلطفها وعند ذلك تطفو إلى جهة فوق، وفي زمان الشتاء تتكاتف وتغلظ وتميل إلى أسفل. وقوله «أكثر» احتراز عن الأمرين: أحدهما فيمن كان به عوائق بدنية تعيقه عن القيء كمن يكون متهيئا للسل؛ وثانيهما من تكون أخلاطه غليظة في زمان الصيف أو رقيقة في زمان الشتاء، فإنه في الصورة الأولى لا يجوز له أن يستعمل القيء في الصيف وفي الثانية لا يجوز له أن يستعمل الإسهال في * الشتاء (91) كل هذا مبنى على قاعدة الاستفراغ فلذلك زاد في حكمه هذا لفظة الأكثر. والله أعلم.
5
[aphorism]
قال أبقراط: بعد طلوع الشعرى العبور وفي وقت طلوعها وقبله يعسر الاستفراغ بالأدوية.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله: وهو أن لما بين أن الاستفراغ في الصيف ينبغي أن يكون من فوق، قال في هذا * target="L5"> 99b (92) الفصل: ليس هذا في جميع الصيف * بل (93) في أوله وفي آخره قرب الخريف لا في وسطه، وذلك هو قوة الحر. فإن في هذا الوقت لا يجوز الإسهال بالدواء لا من أسفل ولا من فوق. وذلك لثلاثة أوجه: أحدها أن حرارة الهواء تجذب المواد إلى ظاهر البدن، والدواء يجذبها إلى الباطن، فيحصل فيما بين ذلك مقاومة في الجذب؛ وثانيها أن قوة الحر تضعف القوة لفرط التحليل، والدواء المذكور يزيدها ضعفا لما فيه من السمية ولإسهاله ولا سيما المقيئ؛ وثالثها أن أكثر الأدوية المسهلة والمقيئة حارة، فإذا استعملت في هذا الوقت المذكور انضافت حرارتها إلى حرارة الفصل فأفاد البدن سوء المزاج لأجل هذا، فإن غالب من يستعمل الدواء المذكور فإنه * يحم (94) .
البحث الثاني:
إذا لين الطبع في الزمان المذكور ببعض الملينات أو المزلقات لا يضر ذلك، * وكذلك (95) إذا قيئ بالماء الحار أو ببعض المقيئات اللطيفة كما الشعير وغيره من الأدوية السهلة الفعل فإن هذا القدر خارج عن حكم أبقراط لأن أبقراط إنما منع من استعمال الدواء وقد عرفت مرارا أنه إذا أطلق لفظة الدواء فإنه يريد بها * الدواء (96) المسهل الحقيقي، وقد يريد بها المقيئ أيضا، ومراده * بها (97) هاهنا المعنيان جميعا. فإن قيل: قوله بعد طلوع الشعرى * العبور (98) وفي وقت طلوعها وقبله يعسر الاستفراغ بالأدوية يستفرق PageVW5P167B الأوقات الثلاثة من الصيف وذلك ينقي الاستفراغ بالدواء في جملة الصيف وإذا كان كذلك فلا يصح ما قلتم، فنقول: مراده بالقبل والبعد بأيام يسيرة لا بأيام كثيرة.
البحث الثالث:
الشعرى العبور هي اليمانية وهي تطلع لتسع مضين من آب والحر يشتد قبل طلوعها وبعده، وذلك لعظم جرم هذا الكوكب، فإذا قرب من الشمس زاد في ضوئها فزادت سخونة الهواء لزيادة الضوء. وقد ذكرنا سبب زيادة الكواكب العظيمة الجرم للحر عند مقارنتها للشمس في شرحنا لكليات القانون. والله أعلم.
6
[aphorism]
قال أبقراط: من كان قضيف البدن وكان القيء يسهل عليه فاجعل استفراغك إياه بالدواء من فوق وتوق أن تفعل ذلك في الشتاء.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة وهو أن لما بين أن جهة * إخراج (99) المادة تختلف باختلاف الفصول، قال في هذا الفصل: * وتختلف (100) باختلاف السخنات، فإن من كان قضيف البدن ولم يكن به مانع * نمنع (101) من ذلك فينبغي أن يكون إخراج مادته بالقيء لأن أخلاط هذا الشخص تكون صفراوية طافية إلى فوق PageVW5P182B ، وقد علمت أن الاستفراغ ينبغي أن يكون من الجهة التي المادة مائلة إليها.
البحث الثاني:
من القضاف من يعسر عليه القيء إما لأمر من جهة الخلقة * وإما (102) أن يكون متهيئا للسل وإما لحالة مرضية كمن يكون به سل ففي هاتين الصورتين لا يجوز استعمال القيء فيمن كان قضيف البدن. قال جالينوس: فكان ينبغي أن يزيد في قوله هذا أكثر ليحصل PageVW1P100A الاحتراز عن ما ذكرنا فنقول: قوله «يسهل عليه» يعني عن ذلك، وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى ذكر لفظة «الأكثر».
البحث الثالث:
قوله «وتوق أن تفعل ذلك في الشتاء» المفهوم من هذا الكلام أن في هذا الشخص إذا لم يكن به ما ذكرنا يجوز استعمال القيء في كل فصل إلا في زمان الشتاء لأن المواد فيه تكون شديدة الجمود وآلات صدره غير مؤاتية لحركة القيء. ولا شك أنه مستعد لنفث الدم بسبب نحافة بدنه فيخاف عليه إذا استعمل القيء في هذا الوقت أن يتفزر بعض عروق رئته فيقع في السل فلأجل هذا قال «وتوق أن تفعل ذلك في الشتاء». فإن قيل: وكذلك في الخريف فإنه رديء أيضا لأنه يجلب الحميات لأن الأخلاط تكون فيه رديئة وحادة من إحراق الصيف والقيء لا يقوى على استفراغها وإخراجها بل يحركها ويوجب الحمى، فنقول: حكمه باستعمال ذلك والمنع منه إنما هو بالنظر إلى السخنة، والنهي في الخريف عن القيء * ليس (103) هو بالنظر إلى ذلك بل بالنظر إلى غير ذلك وهو ما في البدن من المواد فاندفع الاعتراض.
البحث الرابع:
اعلم أن * أبقراط حكم (104) هاهنا بالستعمال القيء فيمن كان قضيف البدن وكان يسهل عليه، * وكذلك (105) بالنظر إلى أوقات السنة إنما هو في الأصحاء لا في المرضى، فإن المريض مادة مرضه لا يفي بالقيء باستئصالها إلا أن يكون بدواء مقيئ، والدواء المقيئ حار جدا لا يجوز استعماله في ذلك الوقت البتة بل الذي يفعل ذلك الإسهال سواء كان الفصل شتاء أو صيفا. فالحاصل * إنما (106) يخالف مقتضي الفصل في إخراج المادة في الحالة المرضية. فحكم أبقراط حينئذ لا يصح إلا في الحالة الصحية. والله أعلم.
7
[aphorism]
قال أبقرلط: وأما من كان يعسر عليه القيء وكان من حسن اللحم على * حالة (107) متوسطة فاجعل استفراغك إياه بالدواء من أسفل وتوق أن تفعل ذلك في الصيف.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث PageVW5P183A ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وهو أن حكم هذا الفصل كالمقابل * لما في الفصل (108) المتقدم، فإن هذا يتضمن الكلام فيمن كان لحيم البدن والمتقدم يتضمن الكلام فيمن كان نحيف البدن.
البحث الثاني:
من يعسر عليه القيء إما لغلظ * المادة (109) * التي له (110) * وإما (111) لأنه ليس له عادة بالقيء. فمثل هذا الشخص إن كان حسن اللحم أي * لحيم (112) البدن باعتدال فإخراج مادته بالإسهال أجود من القيء. وذلك لأن مواده فيها غلظ فميلها إلى * جهة (113) أسفل أكثر من ميلها إلى فوق فيكون إخراجها بالإسهال أجود. وإنما شرط الاعتدال في ذلك لأن المفرط الخصب لا يجوز إسهاله لضعف قواه وتوفر رطوباته وضيق مجاريه. وشرط للاعتدال في اللحم لا في الشحم لأنه سواء كان معتدلا أو زائدا على الاعتدال رطوباته متوفرة وحرارته ضعيفة * فلا (114) يجوز استعمال ذلك فيه.
البحث الثالث:
قوله «وتوق أن تفعل ذلك في الصيف» وذلك لئلا يكون مقتضي الإسهال مخالفا لمقتضي الفصل. فإن صاحب الهيئة المذكورة إن كان له عادة بالقيء واحتاج إليه في الصيف فاستعماله فيه لا يضره. وحكم أبقراط * هاهنا (115) بهذا أيضا في حال الصحة فقط، وإلا * فمتى (116) احتجنا إلى الإسهال في هذا الشخص في حال المرض أسهلناه في أي وقت كان، * والله أعلم (117) .
8
[aphorism]
قال أبقراط: وأما أصحاب السل فإذا استفرغتهم بالدواء فاحذر أن تستفرغهم من فوق.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه * لما (118) ذكر أولا من كان قضيف البدن وكان القيء يسهل عليه إن لم يكن به مانع وقد عرفته * في الفصل المتقدم (119) ، ذكر في هذا الفصل المانع وهو السل.
البحث الثاني:
السل يقال على الذين وقعوا فيه وعلى المستعدين للوقوع فيه. وكلاهما يضرهما الاستفراغ بالدواء من فوق غير أن الواقعين فيه هم الأولى بهذا لأن حركة القيء تزيد في * توسع (120) الجراحة وتجذب المواد إلى جهة الرئة التي نحن محتاجون إلى تنقية ما فيها. وأما * المستعدون (121) فإن القيء ربما صدع عرقا من عروق رئاتهم وأوقعهم في نفث الدم ثم في السل.
البحث الثالث:
لقائل أن يقول صاحب قرحة الرئة تلزمه حمى دقية وذلك لقرب الآفة من القلب والدق يلزمه فناء الرطوبات. * وإذا كان كذلك فكيف يجوز الاتستفراغ في هذه الصورة وهو زائد في التخفيف وفناء الرطوبات (122) فقوله «وأما أصحاب السل فإذا استفرغتهم فاحذر أن * تستفراغهم (123) من فوق» عبارة PageVW5P183B رديئة. فنقول يحتمل أن تقارن الحمى الدقية حمى عفن فمثل هذه الحمى إذا ترك استفراغ مادتها أعان ذلك على تخفيف الحمى المذكورة. وذلك لوجوه ثلاثة أحدها من جهة حرارتها وثانيها من جهة تلطيف التدبير الواجب استعماله وثالثها من جهة إزالة الشاغل للطبيعة عن دفع نكايتها بالأعضاء. فإذا بادرنا إلى استفراغ مادة العفن أمنا من ذلك. فلما كان هذا القدر محتمل الوقوع نبه عليه، غير أنه حذر من الاستفراغ من فوق لأن العادة جارية في حمى العفن المفترة استعمال القيء عند مجيء النوبة، * والله أعلم (124) .
9
[aphorism]
قال أبقراط: وأما من الغالب عليه المرة السوداء فينبغي أن تستفرغه إياها من أسفل بدواء أغلظ إذ تضيف الضدين إلى قياس واحد.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر أن الاستفراغ ينبغي أن يكون حيث ميل المادة وكان قد سبق كلامه في الصفراء أنه يجب أن يكون استفراغها بالقيء لميلها إلى جهة العلو، ذكر في هذا الفصل حكم السوداء في ذلك وهو أنه يجب أن يكون استفراغها من أسفل لميلها إلى هذه الجهة.
البحث الثاني:
قوله بدواء أغلظ أي أقوى وصار مستفرغ السوداء كذلك، وذلك لغلظ قوامها وأرخيتها وثقلها لا يؤاتى الخروج إلا بدواء قوي جدا ليس PageVW1P100B في مرة واحدة بل في مرات على ما أمر به الأطباء في استفراغ هذا الخلط.
البحث الثالث:
قوله «إذ تضيف الضدين إلى قياس واحد» الضدان هما جهة العلو والسفل والقياس الواحد هو استفراغ المادة من حيث هي مائله إليه، فالصفراء كما أن تستفرغ من الأعالي لأنها بطبها تميل إلى هذه الجهة لما عرفته.
10
[aphorism]
قال أبقراط: ينبغي أن يستعمل دواء الاستفراغ فى الأمراض الحادة * جدا (125) إذا كانت الأخلاط هائجة منذ أول يوم فإن تأخيره في مثل هذه الأمراض رديء.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنك قد عرفت أن الاستفراغ الصناعي على نوعين اختياري وضروري. فالاختياري قد سبق الكلام فيه، وهاهنا قد تكلم في الضروري وهو أنه إذا حصل مرض فينبغي أن تستفرغ مادته في أي وقت كان وضرب المثال بالمهياج لأن الحاجة فيه إلى الاستفراغ عاجلة من غير أن ينتظر فيها نضجا.
البحث الثاني:
الأمراض الحادة على نوعين مهياجة وغير مهياجة. فالغير المهياجة لا يجوز استعمال المسهل في أولها على المذهب الحق. وأما المهياجة فتقديم الاستفراغ في أولها واجب خوفا من أن تتحرك المادة من * عضو (126) إلى * عضو (127) ولذلك سميت مهياجة اشتقاقا من الحيوان إذا هاج أي إذا تحرك لطلب السفاد فإنه لاستيلاء هذه الشهوة عليه لا يستقر ويثبت في مكان واحد. ولما كان الحال، قال «فإن تأخير الاستفراغ في مثل هذه الأمراض رديء.»
البحث الثالث:
لقائل أن يقول هذا الفصل قد تقدم ذكره وإذا كان كذلك فيكون ذكره هاهنا تكرارا، فنقول: الجواب عن هذا أن الحكم يجوز أن يتكرر لغرض، والغرض هاهنا ما ذكرناه وهو أنه لما كان غرضه أن يتكلم في الاستفراغ الصناعي الضروري، ومثل هذا الاستفراغ * في (128) الأمراض * المهياجة (129) أهم وأشد حاجة إليه حتى في مبدئه. والله أعلم.
11
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به مغص وأوجاع حول السرة وأوجاع في القطن * دائمة (130) لا تنحل بدواء مسهل ولا بغيره فإن أمره يؤول إلى الاستسقاء اليابس.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما تكلم في الاستفراغ الصناعي الضروري، قال في هذا الموضع لا ينبغي أن يظن * أن (131) هذا النوع من الاستفراغ يكون به زوال المرض في كل صورة بل ما لم تخلف المادة سوء المزاج، فإنه متى أثرت المادة ذلك لم يفد الاستفراغ، وعند ذلك لا ينبغي لمعتقد أن يعتقد أن كل استفراغ ضروري به شفاء المريض، وذلك كما * هو (132) * في (133) الصورة المذكورة.
البحث الثاني:
المغص وجع يحصل في المعاء من غير أن يحتبس معه البراز، وحدوثه إما عن رياح غليظة متحللة بين طبقات المعاء وإما عن فضل حاد لذاع يلذع المعاء وينكيها وإما عن خلط بورقي يفعل ذلك إما بما يتولد عنه من الرياح وإما عن خلط غليظ لزج يفعل ذلك بما يرتفع عنه من الأبخرة وإما قرحة تحصل في المعاء أو ورم أو حيات تنكي المعاء وتتحرك حركات مضطربة لا سيما عند شدة جوعها ويخص الريحي انتقال الوجع والقراقر وتمدد شديد. وربما خرجت الريح إما من أسفل أو من فوق بالجشاء والكائن عن الخلط الصفراوي اللذع والحرقان والعطش والتلهب وخروج المرار مع البراز والبول والبورقي ثقل هناك مع لذع. وربما خرج الخلط مع البراز والقروحي لذع ولهيب، وخروج مدة مع البراز وقشور من جرم المعاء والدوري علامته ظاهرة، والذي يحدث الاستسقاء اليابس من هذه الأسباب البلغم الغليظ اللزج والبورقي والرياح الغليظة فإن مثل هذه الأسباب لم تزل بأنواع المعالجات كالكمدات المسخنة والحقن الحادة والأدوية المسهلة فالأولى أن يظن أن هناك أحد أمرين إما أن المادة المستفرغة قد خلفت سوء مزاج يحيل ما يرد إليه من الغذاء ويفعل الألم المذكور وإما أن المادة مرتبكة في طبقات المعاء ولفائف * الغشاء (134) المسمى فاراطين يبخر دائما أبخرة * رديئة (135) فتجتمع ويحصل منها الاستسقاء الطبلى وهو الذي سماه اليابس وسماه بهذا الاسم لخلوه من المادة ذات القوام كالزقي * واللحمي (136) . والله أعلم.
12
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به زلق الأمعاء في الشتاء فاستفراغه بالدواء من فوق رديء.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وذلك ظاهر فإن كلامه في الفصل الماضي في أمراض المعاء وهو المغص وفي هذا في مرض المعدة وقد عرفت أن تسمية هذا المرض بالاسم المذكور على طريق الاستعارة، وإلا فالواجب أن يسمى زلق * المعدة (137) فإن الغذاء في هذه العلة يخرج بالحال التي كان عليها في وقت الازدراد، وقد يكون انحداره لضعف ماسكة المعاء غير أن هذا لا يسمى بهذا الاسم في العرف الطبي ويحصل في هذا النوع كيلوسية البراز.
البحث الثاني
في هذه * العلة (138) : هذه العلة تحدث لثلاثة أسباب إما لضعف ماسكة المعدة وإما لقروح حاصلة فيها وإما لرطوبات مزلقة مستولية على خملها، والكل لا يجوز استعمال القيء فيه. أما الكائن لضعف الماسكة فلا ينفعه هذا النوع من المداواة بل لعلة يضره بما يجذبه من المواد إلى المعدة، والذي ينفعه استعمال ما يقبض ويقوى جرم المعدة. وأما الكائن للرطوبات المزلقة فلا يجوز استعمال القيء فيه البتة لأنه قد علم أنه يجب أن يكون استفراغ المادة من الجهة المائلة إليها المادة وهذه الرطوبات غليظة ثقيلة فهي تطلب الهبوط إلى أسفل والميل إلى هذه * الجهة (139) . وأما القروحي فلا يجوز استعمال القيء فيه البتة بل لعله يكون سببا * لزيادته (140) ، وذلك لأنه يزعزع المعدة ويؤديها بحركته * العنيفة (141) ويجذب إليها مواد متوفرة تزيد في قروحها، وذكر الشتاء ليكون ذلك أكد في ترك القيء في المرض المذكور، وإلا PageVW1P101A فبالنظر إلى ذات * المرض (142) * لا (143) يجوز استعمال القيء فيه البتة. والله أعلم.
13
[aphorism]
قال أبقراط: من احتاج أن يسقى الخربق وكان استفراغه من فوق لا يؤاتيه بسهولة فينبغي أن يرطب بدنه من قبل إسقائه إياه بغذاء أكثر * وبراحة. (144)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في * صلة هذا الفصل بما قبله (145) وهو أنه لما تقدم الكلام منه في استعمال القيء، ذكر في هذا الفصل الدواء المقيئ وتهيئته البدن لعمله لأنه قد عرف أن القيء تارة يستعمل بغير دواء مقيئ وذلك إما بماء حار وإما بالامتلاء من الطعام، وتارة يكون بدواء مقيئ. وذكر الخربق من الأدوية المقيئة * لأنه (146) كان كثير الاستعمال في زمانه * وقد قدم (147) الكلام في القيء بغير مقيئ على القيء بالدواء ليكون الكلام PageVW5P014B فيه * مندرجا (148) .
البحث الثاني:
القيء إذا حصل مانع يمنع من استعماله وهو المعنى بقوله «لا يؤاتيه بسهولة» ثم لم يكن هذا المانع لأمر بدني فسببه أحد أمرين إما لأن العادة ليس جارية باستعماله وإما لأن مواده التي في البدن غليظة غير مؤاتية للخروج. فإن كان الأول فالحيلة في ذلك تدرج صاحبه فيه باستعمال القيء اللطيف بالأشياء الخفيفة ثم بالأغذية. والواجب أن تكون الأغذية المستعملة في هذه الصورة أغذية صالحة. فإنه ربما بخلت المعدة بقذفه لأنه ليس هناك عادة ولأن تبخل المعدة بالجيد خير من أن تبخل بالرديء. ومع ذلك يجب أن لا تجيد مضغة ليكون خشنا فيجرد ما يتصل بخمل المعدة وأن لا يترك ساعات في المعدة لئلا تسحقه وتنعمه فلا يفعل شيئا من ذلك. وإن كان الثاني فالحيلة فيه أن يرطب بدن مستعمله ليتهيأ مواده للخروج بذلك. وهذا تارة يكون باستعمال الغذاء المرطب، وتارة يكون باستعمال الدعة والراحة. وترطيب هذا بطريق العرض بواسطة قلة التحلل، وترطيب الأول بالذات غير أنه يجب أن يكون هذا الغذاء محض التغذية ليكون خاليا من القوة الدوائية فيكون أبلغ في الترطيب. فإذا استعملنا أحد هذين الأمرين كثر مقدار المادة الخارجة بالقيء وهيأها للخروج. أما الأول فتخرج المواد التي لم يقدر المقيئ الضعيف على إخراجها. وأما الثاني فبرقة المادة فإنها عند ذلك يكبر حجمها ويكثر مقدارها. وعند ذلك يحصل أمران أحدهما تهيئتها للخروج بسبب كثرة مقدارها وثانيهما نفور الطبيعة منها لكثرة مقدارها وطلب الطبيعة لقذفها. فإن PageVW5P015A قيل: فعلى ما ذكرتم قذفها يحتمل أن يكون بالقيء ويحتمل أن يكون بالإسهال فلم صار دفعها في هذه الصورة بالقيء دون الإسهال؟ فنقول: لأن المادة عند ما يستعمل فيها ذلك يكون تهيئتها للخروج بالقيء أولى من تهيئتها للخروج بالإسهال. أما الأول * فظاهر (149) لأنها بالقيء الضعيف تتهيأ لذلك. وأما الثاني فإنه متى استعمل ما ذكرنا ورق قوام المادة مالت إلى الأعالي وخرجت بالقيء لا بالإسهال. وقد بقي في القيء كلام آخر قد ذكرناه فيما تقدم حيث ذكرنا شرح قوله من كان بدنه صحيحا فأسهل أو قيئ بدواء أسرع إليه الغشي، وكذلك من كان يغتذي بغذاء * رديء (150) .
البحث الثالث
في ماهية الخربق. الخربق نبات وهو على نوعين، أبيض وأسود. قال جالينوس: من عادة اليونان إذا قالوا خربق من غير تعيين لونه يريدون به الأبيض. والأبيض له ورق كورق لسان الحمل البري أو كورق السلق إلا أنه أقصر منه ولونه مائل إلى السوداء وزهره أحمر وساقه طول أربع أصابع مضمومة بعضها إلى بعض وله عروق كثيرة دقاق مخرجها من أصل واحد صغير مستطيل شبيه بالبصلة وأكثر نباته في الموضع الجبلية وهو حار يابس في الثانية يسهل البلغم إسهالا قويا * وتقيئة (151) وتقيئته أبلغ من إسهاله وينفع من الفالج والاسترخاء والصرع وأوجاع المفاصل. وإذا دق وطلى به الجرب والقوابي نفع منها. وإذا سحق وخلط بخل خمر وطلى به البرص والبهق صبغ لونهما. وأما الأسود فله ورق أخضر يشبه ورق الدلب إلا أنه أصغر منه وأكثر تشرفا منه وسوادا وله خشونة وساقه PageVW5P015B قصير وله زهر أبيض فيه شيء يشيه حب القرطم وله عروق دقاق سود مخرجها من أصل واحد كأنه رأس البصلة والمستعمل من الخربق * هذا (152) العروق. وينبغي أن يحذر من استعمال كلي نوعين من داخل البدن فإنه يجلب الخناق والغشي والتشنج ويصلحه المصطكي وينبت في المواضع الجبلية وفي التلال وهو حار يابس في الثالثة. يسهل السوداء إسهالا قويا، ولذلك صار ينفع من جميع الأمراض السوداوية.
14
[aphorism]
قال أبقراط: إذا سقيت إنسانا خربقا فليكن قصدك (154) لتحريك بدنه أكثر ولتنويمه وتسكينه أقل. وقد يدل ركوب السفن على أن الحركة تثور الأخلاط في * الأبدان. (153)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما ذكر (155) الغرض من استعمال الخربق إخراج المادة المراد إخراجها من غير أن هذه المادة يجب أن تكون متهيئة للخروج لئلا تختنق وتهيئتها تكون باستعمال أمور متقدمة وأمور متأخرة ولما ذكر في الفصل الأول استعمال المتقدم، ذكر في هذا الفصل الأمر المتأخر (156).
البحث الثاني
في بيان كيفية تقوية الحركة لفعل الخربق. وذلك من وجهين أحدهما أن الحركة تلطف المادة المراد إخراجها وترقق قوامها والمادة متى حصل لها ذلك تمكن الدواء المخرج لها من إخراجها. وثانيهما أن الحركة تقوي الحرارة الغريزية وتنهضها والحرارة آلة للقوى في أفعالها. والآلة متى كانت قوية تمكن الفاعل من فعله لكن لا يجب أن تكون الحركة مستمرة خوفا من أن تحدر PageVW5P016A الخربق وتخرجه بالإسهال أو بالقيء عند ثوران المادة وهيجانها باستمرار الحركة. ولذلك أمر بالسكون لكن بشرط أن يكون أقل من الحركة. ولذلك قال: وليكن تنويمه وتسكينه أقل، فإنه متى كان كثيرا تعذر على الخربق جذب المادة لما ذكرنا.
البحث الثالث:
قوله «وقد يدل PageVW1P101B ركوب السفن على أن الحركة تثور * الأخلاط في (157) الأبدان» هذا دليل على أن الحركة مثورة للمواد غير أنك قد عرفت أن الحركة على نوعين ذاتية وعرضية. فراكب السفينة لا شك أن حركته عرضية. وضرب المثال بها لأنها إذا كانت عرضية وفعلها هذا الفعل فما عسى الذاتية. وذكر حركة السفن دون باقي أنواع الحركات العرضية لأنها أقوى في تحريك المواد على ما ستعرفه. وإنما قيد قوله بقد ولم يقل ويدل. وذلك (158) لأن من الناس من إذا ركب السفينة لم يحصل له غثيان ولا تهوع ولا قيء. وذلك إما لأن عادته جارية بركوبها وإما لأن بدنه نقي. ولذلك أمر الأطباء لمن يريد ركوب السفن أن ينقي بدنه مما فيه خوفا مما ذكرنا. فلما كان هذا القدر محتمل الوقوع عبر بلفظة قد. وإنما قلنا إن حركة السفن أبلغ الحركات العرضية في ذلك. وذلك لأن نسبة الساكن إلى الأشياء (159) ساكنة والمتحرك إلى المتحركة متحركة. والذي في السفينة يتيقن سكونه ثم يرى الأشياء تدور وتتحرك فيظن أن العالم جميعه متحرك. فعند ذلك تهول النفس مما تراه وتتحرك الأخلاط حركة عنيفة وتثور. فإذا كانت الحركة تفعل هذا الفعل فما عسىاه إذا انضاف إليها حركة الخربق من داخل (160).
15
[aphorism]
قال أبقراط: إذا أردت أن يكون PageVW5P016B استفراغ الخربق أكثر فحرك البدن. وإذا أردت أن تسكنه فنوم الشارب له ولا تحركه. (161)
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما استدل في الفصل الأول على أن الحركة مثورة للأخلاط، ذكر في هذا الفصل نتيجة ذلك، فقال: إذا صح هذا فإذا أردت أن يكون استفراغ الخربق أكثر فحرك البدن، وإذا أردت أن تسكنه فنوم الشارب له ولا تحركه (162).
البحث الثاني:
أما بيان أن الحركة فاعله لذلك فقد عرفته غير أنه يجب أن يفهم من قوله الحركة هاهنا الحركة المعتدلة، وإلا فالمفرطة توقف فعل الدواء لجذبها المواد إلى ظاهر البدن ومقاومتها لفعل الدواء. وأما بيان أن السكون فاعل لضده فذلك (163) لأن السكون (164) يسكن المادة ويغلظ قوامها ويضعف الحرارة الغريزية وكل هذا مما يوقف فعل الدواء غير أنه لقائل أن يقول: كيف صار النوم يقطع الدواء وهو مما يحرك المواد إلى باطن البدن أي إلى جهة محل الدواء وعلى هذا يقوى فعل الدواء ويشتد الإسهال؟ فنقول: وذلك لأن النوم من شأنه أن يوفر القوى والحرارة الغريزية في الباطن. أما الأول فالدليل على صحته (165) أن الاستقراء قد شهد أن الهضم في النوم أوفر مما هو في اليقظة. وأما الثاني فإن النائم يحتاج * إلى الدثار (166) أكثر مما يحتاج إليه وهو يقظان. وإذا قوي الفاعل والآلة قهر المؤذي. ولا شك أن الخربق مؤذ للبدن بل جميع المسهلات الحقيقية بما فيها من القوى السمية القاهرة لقوى البدن على جذب المواد وإذا انقهر PageVW5P017A المسهل، بطل عمله لأنه تابع لصورته فينقطع الإسهال، والله أعلم.
16
[aphorism]
قال أبقراط: شرب الخربق خطر لمن كان لحم بدنه صحيحا، وذلك أنه يحدث تشنجا. (167)
[commentary]
الشرح هاهنا أما (168) صلة هذا بما قبله فهو (169) أنه لما بين كيفية الإعانة على إسهال الخربق فيمن هو محتاج إليه، ذكر في هذا الفصل ضرره فيمن لم يكن محتاجه كالأصحاء. فإنه يحدث لهم تشنجا وذلك بجدبه الرطوبات الغريزية المالئة لخلل الأعضاء. ومثل هذا التشنج يكون استفراغيا. وأيضا فإنه يعين على إحداث ذلك من وجه وهو من جهة سميته، وقد يحدث التشنج لامتلائي أيضا، وذلك إذا حرك المواد ولم يخرجها وقبلتها الأعصاب والعضلات. وأما الخطر فليس هو خاص بالخربق بل بجميع المسهلات الحقيقية إذا استعملت مع نقاء البدن غير أنه إنما ذكر الخربق على سبيل المثال أو لأن كلامه كان فيه (170).
17
[aphorism]
قال أبقراط: من لم تكن به حمى وكان به امتناع من الطعام ونخس الفؤاد وسدر ومرارة في الفم فذلك يدل على * أنه يحتاج إلى (172) استفراغه بالدواء من فوق. (171)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما ذكر أن الخربق مقيئ وذكر ما يعينه على إخراج المادة بذلك، ذكر في هذا الموضع علامة من هو محتاج إلى القيء وهو من به كذا وكذا.
البحث الثاني
في فائدة قوله «من لم تكن به حمى»: وذلك من وجوه ثلاثة. أحدها أن من به حمى لا يجوز أن يستعمل القيء بالدواء المقيئ لا سيما الخربق لحرارته. الثاني أن من به (173) حمى إسهاله أجود من يقيئته لأن المقيئ لا يقدر على تنقية العروق PageVW5P017B وإخراج مادة الحمى إلا إذا كان قويا، وذلك حار (174) جدا. وثالثها أن من به حمى يحتمل أن يكون حصول الأعراض له ليس هو لغلبة المرار على المعدة بل لأن الحمى يلزمها ذلك.
البحث الثالث:
الامتناع من الطعام معناه ذهاب الشهوة. وسببه إما امتناع نفوذ القوة الحساسة وذلك إما لاختلال المبدأ وإما لسدة في الأعصاب المتصلة بفمها وإما لقلة ما ينصب إليها من السواد وإما لامتلاء البدن، فيستغني عن جذب ما يأتي المعدة أو ما هو فيها. وذلك لقلة التحلل وقد يكون لضعف القوة وقلة الدم كما في الناقهين وقد يكون لامتلاء المعدة أخلاطا رديئة مرارية تشغلها عن طلب الغذاء. وهذا هو مراد أبقراط لأنه هو الذي ينتفع بالقيء (175).
البحث الرابع
في بيان كيفية إيجاب المادة المذكورة لما ذكره. أما النخس فالمراد به اللذع، وذلك (176) لحدة المادة ولذعها لفم المعدة على ما ذكره جالينوس في شرحه لهذا الفصل أن القدماء من اليونانيين كانوا (177) يسمون هذا العضو بهذا الاسم. وأما السدر فالمراد به غشاوة تحصل للبصر لا سيما عند القيام. وذلك لما يرتفع من المعدة من أبخرة المادة التي فيها إلى جهة الدماغ . وربما حصل السقوط إلى الأرض. وأما مرارة الفم فلطعم (178) المادة. ولا شك أنه متى PageVW1P102A ظهرت هذه الأعراض دلت على أن إخراج المادة بالقيء أجود من إخراجها بالإسهال. فإن ما ذكرنا يدل على قرب المادة من فم المعدة.
البحث الخامس:
قال الشيخ في ثالث القانون حيث (179) تكلم في أمراض المعدة. إذا اجتمع في المعدة خلط مخالف للمعتاد في كيفيته (180) اشتاقت الطبيعة إلى PageVW5P018A شيء مضاد له والمضاد للمخالف المعتاد مخالف للمعتاذ فإن المنافيات هي الأطراف وبالعكس. أقول: والطريق إلى حل هذا الكلام هو أنا نفرض أن مزاج المعدة الأصلي مائل إلى الحرارة واليبوسة ثم استولى عليه مادة بلغمية إما لمواد قاطرة إليها من الدماغ وإما للإمعان (181) في استعمال أغذية توجب ذلك أو لذعة مفرطة. فإذا حصل فيها ما ذكرنا اشتاقت الطبيعة إلى ما يحلل تلك المادة ويرققها. وهذا المرقق المحلل لا بد وأن يكون حارا، وحرارته لا بد وأن تكون أقوى من حرارة المعدة الأصلية، وإلا كيف يقوى على تحليل ما فيها لكن حرارة هذا المحلل مخالفة لحرارة المعدة الأصلية لوجهين. أحدهما أنه أقوى منها، وثانيهما أن حرارة المعدة غريزية سماوية وحرارة الدواء نارية. وقد عرفت أنهما متنافيتان فالحرارة المشتاق إليها مخالفة للمعتاد الذي هو حرارة المعدة. وأما برد الخلط المنصب إلى المعدة فلا شك أنه مخالف لها (182) فالمشتاق إليه والمشتاق لأجله متنافيان وهما الأطراف وغير الأطراف وهو الحرارة الخاصة بالمعدة. وهذا معنى قوله وبالعكس أي أن غير الأطراف وهو حرارة المعدة الأصلية غير مناف لها، * والله أعلم (183).
18
[aphorism]
قال أبقراط: الأوجاع التي فوق الحجاب تدل على الاستفراغ بالدواء من فوق، والأوجاع التي من أسفل (184) الحجاب تدل على الاستفراغ بالدواء من أسفل.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما كان ذكر في الفصل الأول علامة من هو محتاج إلى استعمال القيء، ذكر في هذا الفصل ما هو أعم من ذلك فقال: لست أقول هذا في المعدة فقط بل وفي جميع الأمراض التي من (185) فوق الحجاب، فإن استفراغ موادها من الأعالي أجود PageVW5P168B من استفراغها من الأسافل، وبالعكس بباء على أن الاستفراغ من الجهة التي هي أوفق (186).
البحث الثاني:
مراده بالاستفراغ من فوق ما يعم القيء والنفث والرعاف وإخراج المادة بالتسعيط والتنشيق والتغرغر، ومن أسفل ما يعم الإسهال والإدرار وفصد الصافن وخروج الدم من أفواه العروق. ومتى فهمنا من كلام أبقراط هذا القدر لم يرد علينا ما يقوله المعترض من ذلك ذات الجنب وذات الرئة والسل، فإن هذه أمراض فوق الحجاب ولا يجوز استفراغ موادها بالقيء، فنقول له يكون بالرعاف والنفث، وكذلك نقول أوجاع الرأس إذا لم يكن بشركة المعدة نقول له بالرعاف والغرغرة والتسعيط، وكذلك نقول رمل المثانة الإسهال لا ينفعه ولا يخرجه نقول له واحتباس دم الطمث بإدراره لا بالإسهال (187).
البحث الثالث:
قال ابن أبي صادق: مراده بفوق وأسفل فم المعدة وأسفلها لا جهتا البدن حتى لا يرد الاعتراض الرازي (188)، فإن القيء في أوجاع المفاصل أنفع من الإسهال وهو في الصداع والخوانيق أنفع من القيء. نقول: إذا فهمنا من قوله الاستفراغ من فوق ما ذكرنا لم يرد هذا، فإن إخراج مادة الخوانيق بعد تنقية البدن بالغراغر والصداع إذا لم تكن المعدة بالرعاف (189). وأما نفع القيء في أوجاع المفاصل فنقول نحن كلامنا في الإسهال لا في الجذب. وقد عرفت أن الاستفراغ ينبغي أن يكون من حيث ميل المادة والجذب إلى الخلاف فالقيء نفع من أوجاع المفاصل فهو من جهة الجذب لا من جهة الاستفراغ ونحن كلامنا في الاستفراغ (190).
البحث الرابع:
لقائل أن يقول: ما ذكره أبقراط في الفصل الماضي حيث قال «وأما أصحاب السل إذا استفراغتهم بالدواء فاحذر أن تستفرغهم من فوق (iv. 8)» يناقض ححمه في هذا الفصل فإن قرحة الرئة المعبر عنها بالسل فوق الحجاب ومع ذلك فقد أشار بالستعمال الدواء في هذا المرض من أسفل، قلنا الجواب عن هذا النافية وجهان: أحدهما ما ذكرناه من تخصيص الاستفراغ بما ذكرناه على ما عرفت؛ وثانيهما أن يقال الأمراض المادية على نوعين منها ما يحتاج في مداواته لذاته في الاستفراغ ومنها ما لا يحتاج فيه إلى الاستفراغ لذاته، بل إن كان فهو لأمر طاري اقتضاء ذلك (191). إذا عرفت هذا فنقول قوله الأوجاع التي من (192) فوق الحجاب تدل على الاستفراغ بالدواء من فوق أي الأمراض المادية التي تحتاج في مداواتها إلى الاستفراغ لذاتها وعند هذا يخرج السل عن هذا الحكم، فإنه وإن كان من الأمراض المادية التي فوق الحجاب لكن لا يقتضي لذاته في مداواته الاستفراغ، وإلى هذه الفائدة أشار الأوحد أبقراط بقوله «فإذا استفرغتهم فاحذر أن تستفرغهم بالدواء من فوق» أي إذا حصل لهم ما يوجب الاستفراغ وهو إما حمى عفنية أو نزلة أو غير ذلك مما يحصل لهم من الأمراض المادية وأردت أن تستفراغهم لأجل ذلك فاجعل استفراغهم بالدواء من أسفل، ولم يقل «فأما أصحاب السل فاستفرغهم بالدواء من أسفل». ولما كان الحال فيما ذكرناه كذلك لم يحصل بما نقل المعترض من الفصل المذكور تناقض لهذا الفصل لأن الموضوع في أحدهما غير الموضوع في الآخر ومن شرط التناقض اتحاد الموضوع (193).
19
[aphorism]
قال أبقراط: من شرب دواء الاستفراغ فاستفرغ PageVW1P102B ولم يعطش فليس ينقطع عنه الاستفراغ حتى يعطش.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله (194): وهو أنه لما ذكر في الفصل الماضي أن الأوجاع التي تحت الحجاب تدل على استفراغها من أسفل، ذكر في هذا الفصل (195) مقدار الاستفراغ أي إخراج (196) المادة بحسب الحاجة وذكر من حدود ذلك العطش، فإن في الغالب إذا كان في البدن بقية من الخلط المستفرغ فإن البدن لم يعرض له جفاف بسبب الاستفراغ لأن الأدوية تكون مشغولة يجذب تلك البقية، فإذا زالت عاد الدواء لجذب الرطوبات المرطبة فيحصل له جفاف (197)، ولا معنى للعطش إلا افتقار الطبيعة إلى البارد الرطب.
البحث الثاني:
الأمور التي يعتمد عليها في قطع المسهل ثلاثة: أحدها العطش، وثانيها القوة، وثالثها نوع النوع المستفرغ من المادة (198). أما العطش فاعلم أن عطش شارب الدواء تارة يكون لحرارة معدته، فإن المعدة متى كانت كذلك كانت الحاجة دائما PageVW5P169A داعية إلى ما يبرد ويرطب، ولا معنى للعطش إلا ذلك. وتارة يكون لحرارة الدواء المستعمل، فإن الدواء متى كان كذلك أفاد المعدة كيفية مناسبة لمزاجه وهي الحرارة واليبوسة فتفتقر الطبيعة إلى ما يبرد ويرطب (199). وتارة يكون لحرارة المادة المستفرغة، فإن المادة المستفرغة متى كانت كذلك أفادت (200) البدن بالمجاورة ذلك المزاج فاحتاجت الطبيعة إلى ما يضاده وهو البرودة والرطوبة. وتارة يكون للاستقصاء في الاستفراغ بحيث أن رطوبات البدن تنقص فإن الطبيعة في مثل هذا الوقت تحتاج إلى ما يبرد ويرطب. وللعطش أسباب أخر قد ذكرناها (201) في شرحنا لكليات القانون (202)، فشارب الدواء إذا عطش وكان عطشه للسبب الآخر فهو للنفاء، وعند ذلك يتعين قطعه. وأما أمر القوة فإنها متى كانت في الإسهال ثابتة قوية علمنا أن الإسهال بعد الحاجة داعية إليه، ومتى رأيناها أخذه في الضعف فقطعه واجب. وأما أمر المادة فإن الاستفراغ متى كان من النوع الواجب وخروجه فالحاجة داعية بعد إلى خروج ما يخرج (203)، ومتى تغير النوع فقطعه واجب بهذه (204) الأمور التي يعتمد عليها في قطع الإسهال غير أن أبقراط إنما ذكر العطش من دونها لظهوره وشهرته. واعلم أن شارب الدواء يجب عليه مراعاة أمور بعضها قبل أخذه وبعضها عند أخذه وبعضها عند عمله وبعضها بعد الفراغ من عمله، ولنفرد لكل واحد من هذه بحثا.
البحث الثالث
في التي قبل الأخذ هذه الأمور منها ما هو عائد إلى أخذ الدواء ومنها ما هو عائد إلى نفس الدواء:
أما التي هي عائدة إلى أخذ الدواء فهي أن تكون أخذة له (205) بعد نضج ما يجب أن يراعي فيه النضج وقد عرفت الكلام في هذه المسألة (206)، وأن (207) يدخل الحمام قبل أخذه بيوم واحد لتتهيأ المواد للخروج وبترقيق الحمام لها وتفتيحه للمسام، وأن يتقدم ويهيئ فضلاته البرازية للخروج وإن كان هناك شيء منها (208). وأما التي عائدة إلى نفس الدواء فاعلم أن الدواء في غالب الحال على نوعين: مطبوخ وجوب. أما المطبوخ فيجب أن يراعي في استعماله أمور ثمانية: أحدها المدارات وهي أن تكون معتدلة فإن عدمها مضر من جهة تسكينها لحدة المادة المارة بآلات البول وكثرتها تجذب المواد إلى جهة المثانة، وذلك مما يوقف عمل الدواء؛ ثانيها أن يخلط به شيء خلو فإن عدمه مما تنفر الطبيعة عنه (209)، وذلك مما يوقف عمله فإن الطبيعة عند ذلك لم تعمل فيه العمل المخرج به التأثير من القوة إلى الفعل على ما ينبغي والإكثار منها مما يوقف عمله فإن الطبيعة تقوى به على الدواء فتقهر قوته؛ ثالثها أن (210) المزلق والقابض الكائنين فيه وهو أنه ينبغي أن تكون قوة المزلق أقوى من قوة القابض ليسبق عمله ويهيئ المواد للخروج ثم يفعل القابض فعله فيعتدل الإسهال، وإلا فمتى تساويا (211) قاوم أحدهما الآخر في فعله ولا أن تكون قوة القابض أقوى فيسبق ويقبض المجاري ويمنع المواد من الخروج (212)؛ ورابعها أن يكون فيه أدوية عطرية الرائحة، وذلك لتدفع سميته الأدوية المسهلة الحقيقية الضارة بالأعضاء الرئيسة؛ وخامسها طبخ مفرداتها وهو أن من مفردات المسهل ما يحتمل طبخا قويا كالأصول ومنها ما يجعل في وسط الطبخ كالهائجات فإن إسهالها بالصمغية التي فيها فمتى طبخت طبخا قويا تحللت بذلك، ومنها ما يجعل في ثلثي الطبخ كالبزور فإن قواها لطيفة فمتى طبخت أكثر من ذلك تحللت تلاشت، ومنها ما يجعل في آخر PageVW5P169B الطبخ كالأفتيمون فإنه متى طبخ أكثر من ذلك تحللت قوته، ومنها ما لا يحتمل الطبخ البتة كالعصارات والصموغ بل ينفع ويستعمل والاعتماد في هذا جميعه على التجربة؛ وسادسها وزن مفرداته في القلة والكثرة، وهذا القدر مأخوذ من أمور ثلاثة: أحدها قوة الدواء المسهل فإنها متى كانت قوية قلل مقداره لأن (213) قوته تغنى عن تكثير مقداره، ومتى كانت ضعيفة كثر مقداره، وذلك ليستدرك كثرة مقداره ما فاته من ضعف القوة، ومتى كانت معتدلة فمعتدل (214)، والمراد بقوي القوة هو الذي إذا أخذ منه المقدار اليسير (215) أثر تأثيرا ضعيفا؛ وثانيها منافعه وهو أنه متى كان كثير المنافع كثر منه (216)، ومتى كان قليلها قلل منه، ومتى كان معتدلا في ذلك فمعتدل؛ وثالثها ما يتركب من ذلك، وذلك معلوم مما ذكرنا؛ وسابعها وقت أخذه وهو أن يكون في زمان الربيع والخريف (217) وفي زمان الشتاء نصف النهار وفي زمان الصيف نصف الليل، وذلك لأن هذه الأوقات أعدل الفصول المذكورة والاعتدال مما يقوي القوة ويعضدها ويعينها على إخراج المادة المراد إخراجها؛ وثامنها يكون أخذه على الريق وهو أن يكون الغذاء قد انهضم هضومه كلها لأنه متى أخذ وفي المعدة بقايا من الغذاء تعذر نفوذ ما من شأنه أن ينفذ منه فيها بسبب اشتمالها على الغذاء وانسداد PageVW1P103A طرقها، وإن كان في الماساريقا منع انحدار ما جذبه الدواء وقاومه (218). وأما الحب فينبغي (219) أن يراعي فيه أمور أربعة: أحدها السحق وهو أن من الأدوية ما لا يحتمل السحق البتة كالمحمودة والصموغ فإن التجربة قد شهدت أنها متى سحقت بطلت قواها، ومنها ما إذا سحق أضر شاربه وأوقعه في سحج قوي كشحم الخضل فلذلك كان من الواجب أن يقرض تقريضا بالغا لمقراض عند استعماله، ومنها ما لا يحتمل سحقا بالغا إلى الغاية كالأصول وفروع النبات ومع هذا الواجب أن يكون (220) هذا السحق والنقع عند استعمالها لأنه متى فعل بها ذلك قبل استعمالها بمدة ضعفت قوتها وربما بطلت؛ وثانيها الحبل وهو أنه ينبغي أن يكون حبل الأدوية ليلة استعمالها (221) كما يفعله بعض جهال الأطباء وهو أن يحبل الأدوية ويحببها ويذخرها زمانا طويلا إلى وقت استعمالها وهو (222) خطأ لأن هذا الحب المذكور يحتاج في انحلاله ثم في خروج قوته إلى الفعل أن يثبت في المعدة زمانا طويلا وفي إثناء ذلك تفعل فيه المعدة وإذا فعلت فيه الفعل المذكور نقصت من قوته فينقص إسهاله؛ وثالثها مقدار جرمه. قال أبو سهل المسيحي: إن كان الغرض من استعمال الحب (223) تنقية المعدة والرأس فالواجب أن يكون كثير الحب (224) كثير الجرم، وإن كان الغرض منه تنقية المفاصل فالواجب أن يكون صغير الجرم، قال: وذلك ليصل الدواء إلى المفاصل بسرعة (225). وهذا القول منه مخالف لمذهبه على ما عرفت لأنه لا يرى بخروج الدواء عن المعدة البتة بل بنفوذ قوته. قال الشيخ الرئيس في ثالث (226) القانون عند ما تكلم في المعالجة الكلية لأمراض الدماغ. وأما المسهلات الرقيقة PageVW5P170A لتنقية الرأس فهي الشبيارات التي يتخذ منها حب كبار ليفعل الوزن القليل الفعل الكافي باللبث. وهذا القول من الشيخ موافق لما قاله أبو سهل. والحق عندي في هذه المسألة أنه إذا كان الغرض من أخذ الحب تنقية المفاصل والمواضع البعيدة فينبغي أن يكون الحب كبير الجرم، وذلك ليبطئ انحلاله وثباته في المعدة ويستمر نفوذ لطيفة على المذهب الحق وهو مذهبنا إلى جهة المادة ويتمكن بسبب ذلك من جذب ما هناك. وإن كان الغرض منه تنقية المعدة مما فيها وما حولها والدماغ فليكن ضعير الجرم، وذلك لأن الغرض يحصل بمدة مقامه في المعدة لقرب موضع المادة (227). ورابعها أمر المصلح. قال الأطباء: ينبغي أن يكون وزنه أقل من وزن المسهل لئلا تقوى به الطبيعة فتقهر قوة الدواء وتضعفه. وهذا الكلام يحتاج إلى تفصيل فإن المصلح على نوعين: مصطح بمعنى أنه دافع لنكاية الدواء بالعضو، ومصلح بمعنى أنه زائد في فعل الدواء. فما كان من القبيل الأول فالواجب أن يكون فيه الأمر كما قالوا كالكثير أو الأنيسون للمحمودة. ومما كان من القبيل الثاني فالواجب أن يكون مقداره كمقدار المسهل أو أكثر منه كالزنجبيل للتربد فإنه زائد في فعله وتأثيره وأمر المصلح يراعي في المطبوخ والحبوب (228).
البحث الرابع
في التي عند الأخذ: اعلم أن المسهل عند أخذه يحدث كربا وغشيا وقلقا فهذا القدر الحاصل من الدواء تارة يكون من جهة الدواء نفسه فإن من الأدوية المسهلة ما يكرب عند أخذه مثل السنا وزهر البنفسج، وتارة يكون لرطوبات كامنة في خمل المعدة فإذا ورد عليها المسهل حركها وثورها فتشعر الطبيعة بها وتتحرك لدفعها وقذفها كما كان من الكرب من القبيل الأول فالتدبير فيه أن يستعمل مع المسهل ما يصلح رائحته ويذهب بشاعته وما كان منه من القبيل الثاني فالطريق في إذهابه استعمال القيء قبل أخذه غير أنه لا يجب أن يكون بعيدا من أخذ الدواء لئلا ينصب إلى المعدة مادة أخرى ولا قريب العهد به لئلا تقذف المعدة الدواء بسبب اعتياد الحركة. وأما كيفية الفعلية عند أخذه فإن كان شاربه يخشى قذفه وهو عطشان فليشربه وهو بارد بالفعل حتى أنا في بعض الأوقات نبرده بالثلج أو بالجمد عند أخذه، وإن لم يخش شاربه ذلك واختار سرعة العمل فليشربه وهو جار باعتدال فإن الإفراط في ذلك يلذع الفم ويحوج صاحبه أن يشربه في مرات وفي ذلك إدراك طعمه مرارا، وذلك مما يحوجه غلى قذفه في وقته، ومع هذا جميعه يجب أن يتمضمض بما حار ليغسل الفم من آثاره وما بقي منه، ثم بعد ذلك يستعمل ما يقوي فم المعدة ويسكن الغشيان مثل أن يمض شيئا من السفرجل المز والرمان الحامض والريباس والتفاح المز ويشم طينا مدخنا مرشوشا عليه ما ورد وخل خمر. وأبلغ من هذا جميعه أن يتنقل بقطعة ثلج بعد شربه وأن يجعل منه شيئا على اللسان فإنه يخدره. وإن مضغ ورق الطرخون لم يدرك طعمه (229) على ما ينبغي. وأبلغ من ذلك ورق العناب فإنه يخدر حاسة الذوق. وأبلغ مما ذكرنا في تسكين الغشيان شد الأطراف شدا مؤلما فإنه يجذب المواد الموجبة له إلى جهة الألم ويشتغل الطبيعة عن إدراك كراهية الدواء وبشاعة رائحته. وأما الحب على الخصوص فمنهم من يكسيه عند أخذه قميصا من عسل قد طبخ حتى غلظ قوامه أو جلاب حتى صار كذلك. ومنهم من يسحق السكر حتى يصير كالهباء ثم يلوثه ويبتلعه. ومنهم من يجعله في جلاب ويبتلعه (230). ومنهم من يسلق ورق الخبازي إلى أن يقارب أن يتهرى ثم يلفه عليه ويبتلع. PageVW5P170B ومنهم من يلوثه بزبد طري ويبتلعه. وذكر الشيخ في الكليات وجها آخر وهو أن منهم من يلوثه بقير وطي ويبتلع (231). ثم بعد هذا إن كان الدواء قويا فالأولى لشاربه أن ينام بعد أخذه نومة يسيرة، وذلك لتتوفر القوى في الباطن وتعمل فيه عملا جيدا فيتعجل عمله (232) وتأثيره. وإن كان ضعيفا فالأولى لشاربه أن لا ينام عليه خوفا من ضعف قوته أو بطلانها بسبب توفر القوى في الباطن وفعلها فيه وهي على هذه الصورة.
البحث الخامس
في التي عند العمل: اعلم أن الدواء المسهل تارة يكون عمله عملا ضعيفا وتارة يكون قويا وتارة يكون متوسطا. وضعفه يكون لأحد أمور ثلاثة: أحدها لضعف الدواء في نفسه وفي مثل (233) هذا تدبيره بأمرين إما باستعمال مسهل آخر أو (234) بالقيء، PageVW1P103B والثاني أجود من الأول، قال أبو سهل المسيحي في الخامس وعشرين (235) من (236) كتابه: لا ينبغي أن يسقى في يوم واحد دوائين سواء عمل الأول أو لم يعمل فإنه عند اجتماع قوة والدوائين يفرط الإسهال ويخاف على عمل البدن التلف (237)، وإما لفجاجة المادة وعصيانها عن الخروج وفي مثل (238) هذا التدبير فيه أن يقيأ أحد الدوائين أو يترك استعمال الدواء الثاني إلى حين تنضج المادة، وإما لأن في المعاء أثفالا متحجرة بمنع ما من شأنه أن يحذبه الدواء إلى أسفل وتدبير هذا باستعمال ما يخرج تلك الأثفال بالحقن اللينة (239) وقوته تكون لأسباب ثلاثة إما لضعف العروق عن مسك ما فيها من الرطوبات والعروق وإن كانت مجاري فإن فيها قوة ماسكة تمسك الغذاء ريئت ما تجذب الأعضاء المجاورة لها ما هي محتاجة إليه وكيف لا يكون لها ذلك وفيها قوة هاضمة والهضم موقوف على الإمساك (240)؛ وثانيها لطافة المادة ورقة قوامها، فإنه متى كانت كذلك مستعدة للخروج والبروز؛ ثالثها أن يكون شارب الدواء درب البطن أي مستعدا (241) للإسهال وعند ذلك يجب على الطبيب (242) أن يحتال في قطعه وحيلته في ذلك إما بجذب المادة الخارجة بالإسهال إلى جهة أخرى وإما باستعمال ما يقوي القوة وإما باستعمال ما يقوي العضو القابل. أما الأول فقد ذكر (243) الأطباء فيه أمورا (244) خمسة. أحدها السد المؤلم وهو (245) أن يشد الأطراف من أعلاها إلى أسفلها. أما البدن فمن الإبط إلى الزند والرجلان من الأرنبة إلى الركبة، فإنه متى كان (246) فعل ذلك توقف الإسهال يجذب المادة على ما عرفت. ثانيها تعريق (247) البدن، فإنه يجذب المادة من الباطن إلى الظاهر وإخراجها بذلك تارة يكون (248) بإدخال شارب الدواء (249) الحمام وتارة يكون بأن يجعل داخل ثياب شارب الدواء ماء حار بحيث أنه يخرج رأسه إلى خارج خوفا من أن يستنشق هواء حار يؤذي قلبه (250). ثالثها أن (251) تدلك أطرافه دلكا مؤلما فإن ذلك يثير الحرارة ويجذب المواد إلى جهة الدلك. رابعها أن يعلق عليه المحجام إما بنار أو بغير نار والأول أقوى في الجذب، فإن ذلك مما يوقف الإسهال بالجذب (252). خامسها أن (253) يقيأ قيئا عنيفا فإنه يقطع الإسهال من جهة جذبه المواد إلى جهة الأعالي ومن جهة إخراجه للسبب الموجب للإسهال (254) والمقوي للقوة منه أغذية ومنه أشربة ومنه رياحين ومنه أدوية ومنه النوم. أما الأغذية فمثل السويق وأمراق الفراريج المحمضة بماء الرمان الحامض أو بماء الحصرم أو بماء السفرجل أو بقطر السماق أو السماق نفسه واللبن المخيض الذي قد نزع منه زبده غاية النزع وأطفئ (255) فيه حديد أو رضف فإن هذه جميعها تقبض إما عند كونها في المعدة فإنها تقبض المعدة وما يتصل بها من المجاري ويجمع أجزاء ذلك بعضه إلى بعض (256)، وذلك (257) مما يوقف فعل الدواء. وأما عند توليده دما فإنه لم يفارقه هذا القدر البتة فيفعل في العروق فعله في المعدة وأيضا بما في ذلك من الغذائية تقوى القوة فتقهر السبب الموجب للإسهال (258). وأما للأشربة فمثل الأشربة القابضة كشراب السفرجل والتفاح والريباس والأمير باريس والحماض والصندل وغير ذلك وفعل ذلك في قطع الإسهال عل ما ذكرنا. وأما الأراييح فجميع الأراييح الطيبة تقوي القوة، ومتى قويت تمكنت من دفع السبب الموجب للإسهال وقويت الماسكة على مسك الفضلات لكن بشرط أن لا يكون ذو الرائحة فيه إرخاء كدهن البنفسج ولا تغشية كدهن النوفر. وأما الأدوية فمنها ما يستعمل من خارج ومنها ما يستعمل من داخل والمستعملة من خارج منها ما يفعل ذلك بأضعافه لحس العضو الشاعر بانصباب المادة إليه (259)، وذلك بالمخدرات من (260) الأفلونيا وما يجري مجراها، فإنها متى مرخ بها سطح المعاء تبلد حسها وعند ذلك يقل انفعاله بما يرد إليها من المواد الحارة فلا ينتهض لدفعها أولا فأولا بل يتأخر إخراجها غير أنه يجب في مثل هذه الصورة أن يعتني بما يسكن حدوثها ويكسر عادتها لئلا تنكي المعاء وتؤذيها (261). ومنها ما يفعل ذلك بالقبض كالأضمدة المتخذة من الأدوية القابضة الموضوعة على المعدة والكبد والمعاء، ومع ذلك يجب أن تكسر حدة المادة كما ذكرنا. والمستعمل من داخل منه ما يفعل ذلك بخاصية فيه كالترياق الكبير PageVW5P171A فإن من خاصيته قطع الإسهال حتى أن الأطباء جعلوا هذا القدر من جملة ما يتميز به الخالص من غير الخالص. ومنه ما يفعل من جهة تقويته للحار الغريزي والقوى البدنية والأعضاء الرئيسة. ومنه ما يقطع الإسهال بتخديره وهذا يفعل ذلك بوجهين: أحدهما من جهة تغليظه لقوام المادة، ولا شك أن المادة متى صارت كذلك تعذر الخروج والبروز؛ وثانيهما من جهة إضعافه لحس العضو وتخديره له كما ذكرنا آنفا (262). ومنها ما يقطع الإسهال بقبضه وجمعه لأفواه المجاري والمنافذ كما يفعل برز الورد والريباس وغير ذلك من الأدوية القابضة. وأما النوم فقد عرفت كيفية قطعه للإسهال والمقوي للعضو القابل فمثل الحقن القابضة والمغرية وجميع ما ذكرنا في تدبير الإسهال المقصر والمفرط. وأما المعتدل فيجب أن يراعي فيه أمور عشرة: أحدها أن يعدل هواء المسكن PageVW1P104A وهو أن لا يكون معرقا فإنه يقطع الإسهال على ما عرفت ولا يكون باردا مكثفا للمسام فأنه يقوي الحرارة الغريزية والقوى الباطنة في الباطن، وذلك مما يوقف الدواء (263)؛ وثانيها أن (264) يتجنب الأمور النفسانية فإنها تشغل القوى البدنية عن دفع المادة لأنه قد عرف أن دفع المادة يتم بجذب الدواء المسهل وبالقوة المدبرة للبدن (265)؛ وثالثها أن (266) يسخن معدة شارب الدواء بذلك يسيرا ويوضع شيء مسخن عليها فإن ذلك مما يعين على جذب المواد إلى جهة الأحشاء ويحرك الدواء في المعدة (267)؛ ورابعها أن يمشي مشيا رقيقاس عند سكون الغشيان فإن ذلك مما يسخن المواد ويخرجها ويهيئها للخروج (268)، وأضا فإنه يحرك الدواء في المعدة فيختلف مواضعه ومواقعه وفي ذلك يحصل الشعور بفعل الدواء (269)؛ وخامسها أن (270) يجتنب الأراييح الطيبة فإن ذلك (271) مما يقوي القوة وعند ذلك يقهر الدواء؛ وسادسها أن (272) يتجنب النوم بعد عمل الدواء، فإنه مما (273) يقطع الإسهال على ما عرفت (274)؛ وسابعها أن (275) يتجنب الاغتسال بالماء البارد فإن ذلك مما يكتف عضل المعدة، وذلك مما يوقف الإسهال على ما عرفت غير أنه يجب مع ذلك أن يكسر حدة المادة ويسكن عادتها؛ وثامنها أن يتجرع بماء بارد قوي البرد عند ظهور العطش الشديد والجفاف القوي (276) فإن ذلك مما يوقف فعل الدواء بتسكينه السوء مزاج المشغل للطبيعة البدنية عن دفع المادة، وأيضا فإنه مما يغلظ قوام المادة ويسكن حركتها، وذلك مما يؤاتي به للخروج بالإسهال؛ وتاسعها أن يتجرع ماء حارا ظاهر الحرارة عند توقف عمل (277) الدواء، فإنه مما يحرك الدواء ويغير وضع أجزائه الملاقية لجرم المعدة فيحصل الشعور بذلك ويتجذب المواد، وإنما شرط ظهور الحرارة إلى الاعتدال لأن الفاتر يغثى والحار جدا محرق للفم وينبغي أن يغلي الماء الحار إلى حين ينقص ثلثه (278)؛ وعاشرها أن (279) يقلل من الكلام ومن الاشتغال بالحديث فإن الأول يحرك المواد ويوجب الغشيان، والثاني يشغل الطبيعة عن دفع المادة لا سيما متى كان الحديث عبثا من غير مصلحة.
البحث السادس
في التي بعد الغراغ: إذا انتهى فعل الدواء وحصل النقاء فيجب بعد ذلك أن يفعل أمور سبعة. أحدها أن يتقيأ صاحبه بماء حار مرات، وذلك لتنقي المعدة من بقايا الأدوية لا سيما متى كان المستعمل من الأدوية أجرامها، فإنه متى بقي فيها شيء من ذلك أفسد الغذاء المستعمل وأحاله إلى كيفية رديئة، وربما فعل بعد ذلك الإسهال. وثانيها أن يغسل أطرافه بعد الفراغ من ذلك بماء حار، وذلك لتنفتح مسامها ويخرج المادة المندفعة إليها، وإن حكت بحجر ناعم كان أجود، ويتمضمض بالماء المذكور مرات، وذلك ليخرج ما عساه أن تحتبس بين الأسنان مما يخرج بالقيء. وثالثها أن يعطى بعد الفراغ من القيء بساعتين بعض الأشربة المفرحة القابضة. أما التفريج فليقوية القلب وباقي (280) الأعضاء الرئيسة، وذلك لدفع ضرر السمية التي للأدوية بها وليزيد في الأرواح وتقوى القوى بذلك (281). وأما القبض فليقبض جوهر العضو ويقويه ويضاف إليها بزور مغرية كبزر القطونا والريحان، وذلك على قدر مزاج المادة الخارجة وشارب الدواء (282). ورابعها أن يكثر حوله من الأرايح الطيبة والأزهار المنورة، وذلك لتريح قواه في الباطن ويقوي عند المبدأ ليزول الضعف والإعياء الحاصلان لها باستعمال الأودوية. وخامسها أن يغذي بعد ذلك بأغذية لطيفة جيدة الكيموس. أما الأول فلأن القوى في هذا الوقت ضعيفة عاجزة عن هضم ما غلظ من الأغذية. وأما الثاني فليودع البدن مادة محمودة عوضا عن المادة الرديئة الخارجة، وينبغي أن تكون هذه الأغذية فيها قبض تليين. أما القبض فلتقوية الأحشاء. وأما التليين فلئلا يقوى القبض ويحبس ما عساه أن يبقى من المواد الخارجة بالإسهال، ولذلك اختار الأطباء أن يكون أمراق الفراريج في هذا اليوم البعض منها محمض بحب رمان مسلوق أو مدقوق محلا بسكر بياض أو بماء حصرم والبعض مسلوق. وسادسها أن يتجنب الاستكثار من شرب النبيذ يوم قطعه، وذلك خوفا من تسخينه وتفتيحه للسدد التي قصدنا تسديدها. وسابعها أن يدخل الحمام، وذلك ليتحلل ما عساه أن يندفع إلى سطح الجلد ويعجز الدواء عن جذبه. قال الشيخ الرئيس في كليات القانون (283) حيث تكلم في قوانين الإسهال وليكن الحمام ثاني يوم شرب الدواء. وقال أبو سهل: وينبغي أن يكون بعد قطعه بيوم أو يومين وهو الحق (284)، وذلك لتراجع القوى لشارب (285) الدواء بالأغذية والأشربة المفرحة غير أنه ينبغي مع ذلك (286) أن يسأل شارب الدواء بعد خروجه من الحمام هل حصل له التذاذ بدخوله إلى الحمام قلق وضجر وطلب الخروج منه. فإن PageVW5P171B كان الأول فاعلم أنه قد بقي في بدنه بقية تتلذذ الطبيعة بتحلها وعند ذلك الواجب أن تحترز في تدبيره أو يعطى بعد أيام دواء لطيفا يستفرغ تلك البقية. وإن كان الثاني فذلك دليل على نقاء البدن فإنه (287) ليس فيه فضلة محتاج إلى خروجها بل التحليل حاصل الرطوبات الغريزية (288).
20
[aphorism]
قال أبقراط: من لم تكن به حمى وأصابه مغص وثقل فى الركبتين ووجع فى القطن فذلك يدل على أنه يحتاج إلى الاستفراغ بالدواء من أسفل.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما تكلم في (289) ذكر علامات من يحتاج PageVW1P104B إلى الاستفراغ بالدواء من فوق، ذكر في هذا الفصل علامات من يحتاج إلى الاستفراغ من أسفل. وعلى هذا كان يجب أن يكون متصلا بقوله «من لم تكن به حمى» «وكان به امتناع من الطعام ونخس في الفؤاد وسدر ومرارة في الفم فذلك يدل على أنه يحتاج إلى استفراغه بالدواء من أسفل (290)» غير أنه إنما (291) دخل (292) بينهما الفصلين المذكورين لما ذكرنا. أما قوله الأوجاع التي فوق الحجاب إلى آخره فالحكم فيه عاما على ما عرفت. وأما قوله من شرب دواء الاستفراغ فاستفرغ ولم يعطش فالحكم فيه يجد الاستفراغ والنهاية في النقاء فكان ذكر ذلك لما ذكرنا.
البحث الثاني:
المغص وثقل الركبتين ووجع القطن إذا لم تكن معها حمى فإن ذلك يدل على توجه مادة خالية من العفونة إلى جهة السفل، ومثل هذا الميل يجب أن يكون استفراغ المادة فيه من أسفل. وشرط عدم الحمى في هذه الصورة. وذلك لأن من به حمى فاستفراغه من أسفل واجب لما عرفت سواء كانت هذه الأوجاع موجودة أو لم تكن (293). فلو كانت الحمى موجودة مع وجود هذه الأوجاع ربما طن ظان أن وجوب كون الاستفراغ من أسفل لأجل الحمى لا لأجل تلك الأوجاع فلذلك قال إن الأوجاع متى حصلت ولم تكن هناك حمى فالحاجة داعية إلى الاستفراغ بالدواء من أسفل (294). وقد علمت أن الاستفراغ يجب أن يكون من الجهة التي المادة إليها مائلة. والله أعلم.
21
[aphorism]
قال أبقراط: البراز الأسود الشبيه بالدم الآتي من تلقاء نفسه إن كان مع حمى أو من غير حمى فهو من أردأ العلامات، وكلما كانت الألوان في البراز أردأ كانت تلك علامة أردأ، فإن كان ذلك مع شرب دواء كانت تلك علامة أحمد، وكلما كانت تلك الألوان في البراز أكثر كان ذلك أبعد من الرداءة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة (295).
البحث الأول
في الصلة: وذلك من وجهين: أحدهما أنه لما ذكر جهة الاستفراغ أي إخراج المادة من الجهة التي هي إليها أميل أجود من إخراجها من ضد تلك الجهة، قال هاهنا هذا القدر لا يصح إلا في الاستفراغات الجيدة. فإن الرديئة رديئة سواء كان خروج (296) المادة من جهة ميلها أو من الجهة المضادة الثاني أن يقال إنه لما ذكر الاستفراغات الجيدة أعقبها بذكر الرديئة.
البحث الثاني:
سواد البراز يكون لخمسة أسباب: إما لاستيلاء برد مجمد، فإن البرد متى استولى على الدم أو على السوداء أفاد ذلك سواد لون وأزال عنه الأشراف المستفاد من الحرارة؛ وإما لاستيلاء حر محرق بحيث أنه ينشف رقيقة ويفيده غليظا وسوادا؛ وإما لاستيلاء الطبيعة على نضج المادة السوداوية ثم إخراجها؛ وإما لاستعمال دواء يخرجها فيخالط البراز ويفيده لونا أسود؛ وإما لاستعمال صابغ يصبغ البراز يفيده لونا أسود (297) كالمري والخيار شنير، وقد عرفت الفرق بين الجمودي والاحتراقي. ومراد أبقراط هاهنا بالأسود الاحتراقي لا الجمودي، فإن الجمودي لونه كمد ليس هو شبيها بالدم فإن الدم لونه مشرق. والطبيعي يعقبه خفة وراحة فلا يكون رديئا. والصناعي لا يكون من تلقاء نفسه. والكائن الصابغ يكون من تلقاء نفسه غير أنه لا يعقبه شر ويكون خروجه على العادة في حال الصحة في مقداره وقوامه وأيضا يعرف بسببه (298) فظهر مما ذكرنا. مراده بذلك الاحتراقي فقط، فإنه لما قال الأسود فهم منه الجمودي والاحتراقي فإن الطبيعي لونه مائل إلى الحمرة، ثم لما قال الشبيه بالدم اي في الإشراق فهم منه (299) الاحتراقي لأن الجمودي كمد، ثم لما قال الآتي من تلقاء نفسه فهم منه (300) أنه غير الصناعي، ثم لما قال رديء فهم منه أنه غير الطبيعي الكائن للصبغ.
البحث الثالث
في كيفية خروج الاحتراقي من تلقاء نفسه: وذلك إما أن يقال إنه لغلظه يثقل الأعضاء ثم أنها لا تمسكه لتضررها به فيخرج بنفسه أو نقول إنه يؤذي الطبيعة وينكيها بحدته فيتحرك لدفعه فهذا وجه خروج (301) الخلط المذكور من تلقاء نفسه. فإن قيل هاهنا نظر من وجهين: أحدهما قوله خروج الشبيه بالدم الآتي من تلقاء نفسه كان يغني عن هذا جميعه البراز الأسود الاحتراقي فلم لا ذكر هذا دون الأول؟، وثانيهما أنه قال أولا إن استفراغ البدن من النوع الذي ينبغي أن ينقي منه البدن نفع ذلك وسهل احتماله، والجواب عن الأول أن كون ذلك عن الاحتراقي أو عن غيره أمر خفي عند الجمهور، وإن كان معروفا عند الخواص وكونه شبيها بالدم أمر ظاهر لكل احد وتعريف الخفي بالظاهر واجب فلذلك ذكر الأمر الظاهر وترك الأمر الخفي. والجواب عن الثاني نقول: لا شك أن خروج هذا الاحتراقي أنفع من بقائه فيه غير أنه لدلالته على سببه الذي هو الأمر المحرق رديء فرداءته ليس لكونه استفراغا (302) نوعيا بل لكونه دليلا على وجود سببه.
البحث الرابع:
قوله كان مع الحمى أو مع (303) غير حمى من أردأ العلامات لقائل أن يقول: كيف يتصور أن يكون هذا البراز من غير حمى محرقة للمواد؟، فنقول: يجوز أن يتولد عن أمر محرق غير الحمى، وذلك إما (304) لاستعمال دواء حار أو غذاء حار (305) جدا أو غضب مفرط أو حركة عنيفة، ففي مثل هذه الصورة يتولد الخلط المذكور من غير أن يكون هناك حمى مولدة له، فلأجل هذا قال: كان من حمى أو من غير حمى فهو من أردأ العلامات. وقدم ذكر تولده عن الحمى على تولده من غير الحمى لأنه أظهر وأبلغ. ولأجل (306) ذلك قال: وكلما كانت الألوان في البراز أردأ كانت تلك علامة أردأ، وذلك لدلالته على PageVW5P172B استيلاء السبب الموجب لها والألوان الرديئة هي الأخضر والكمد والذوباني والغسالي، وقد عرفتها فيما تقدم.
البحث الخامس:
قوله «فإن ذلك مع شرب دواء هو علامة أحمد»، وذلك لدلالته على أن PageVW1P105A الدواء قد جذب مواد مختلفة من أخلاط البدن. ومنه يفهم قوله «وكلما كانت تلك الألوان في البراز أكثر كان ذلك أبعد عن الرداءة (307).
22
[aphorism]
قال أبقراط: أي مرض خرجت في ابتدائه المرة السوداء من أسفل أو من فوق فتلك منه علامة دالة على الموت.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في صلة هذا بما قبله (308): وهو أن أبقراط عادته أن يخصص الحكم بعد إطلاقه ولما ذكر في الفصل (309) الأول أن البراز الأسود المحترق الخارج مع الحمى وغير الحمى (310) دليل رديء، ذكر في هذا الفصل أن خروجها في ابتداء المرض دليل مهلك.
البحث الثاني:
المراد هاهنا (311) بالخلط السوداوي في عرف الطب وهو المتولد مع الدم في الكبد وبالمرة السوداء المحترق من هذا الخلط ومن غيره. والفرق بين الطبيعي من السوداء وبين المحترق منها من وجوه خمسة: أحدها أن الطبيعي ليس له طعم مخصوص ينسب إليه فإن فيه حلاوة وحموضة وعفوصة، وأما (312) المحترق فإنه خالص الحموضة؛ ثانيها أن الطبيعي مواده (313) ليس له بريق والمحترق له ذلك؛ ثالثها أن الطبيعي إذا وضع على الأرض لم تغل (314) منه، والمحترق تغلى (315) منه؛ رابعها أن الطبيعي يهوي عليه الذباب ويأكل منه، والمحترق ينفر منه ولم يقربه البتة؛ خامسها أن الطبيعي في خروجه راحة للبدن (316)، والمحترق هلاكة على ما عرفته.
البحث الثالث:
المفهوم من هذا (317) الكلام أن المرة السوداء خروجها من ذاتها لا من دواء مسهل يخرجها إذ لو كان المفهوم من كلامه ذلك لكان قال «أي مرض أخرجت في ابتدائه المرة السوداء»، وأيضا لو كان المفهوم منه ذلك لم يكن هذا القدر علامة مهلك، وخصص حكمه بالابتداء وإن كان خروج المادة المذكورة في جميع أوقات المرض علامة مهلكة، غير أنها متى كان خروجها في أول المرض دل على قوة السبب (318)، ولا شك أن قوة السبب في الابتداء أدل على الهلاك لأنه لم تمهل الطبيعة المقاومة بل يقهرها بقوته (319)، ولذلك قال «فذلك علامة مهلكة» ولم يقل «علامة رديئة».
البحث الرابع:
قال جالينوس: ما دام المرض في ابتدائه فليس شيء مما يبرز من بدن (320) المريض يكون خروجه بحركة من الطبيعة لكن جميع ما يخرج إنما خروجه (321) بحالة خارجة عن المجرى الطبيعي (322) لأنه لا يمكن أن تكون الطبيعة في الوقت الذي يكون فيه مثقلة بأسباب المرض ولم ينضج فيه الأخلاط بعد قادرة على استفراغ شيء ينتفع باستفراغه (323). وهذا الكلام من الفاضل جالينوس حق فإن الطبيعة تستحيل أن تكون قادرة على الدفع عند كونها مثقلة أو تكون المواد متهيئة للدفع عند كونها مستعصية كحالها في ابتداء المرض . فإن خرج شيء منها فخروجها لأحد الأمرين (324): إما لكثرة مقدارها فتغمر القوة الماسكة وتخرج هي بنفسها كحال الماء الغمر القوي الجريان إذا منع عن جهة بمانع ضعيف بالنسبة إليه فإنه يغمر ويسيل إلى تلك الجهة (325)، وإما لحدة المواد فتلذع (326) المجرى وتحوج الطبيعة الخاصة به أن تتخلى عن مسكها (327) وتخرج هي بنفسها كما في هذه الصورة التي ذكرها أبقراط، فإن المرة السوداء رداءتها لأجل حدتها وكثرة نكايتها لا لأجل كثرة مقدارها على ما عرفت. ولما كان حالها كذلك صار خروجها مطلقا من فوق أو أسفل (328) علامة رديئة مهلكة (329).
23
[aphorism]
قال أبقراط: من كان قد أنهكه مرض حاد أو مزمن أو إسقاط أو غير ذلك ثم خرجت منه مرة سوداء أو بمنزلة الدم الأسود فإنه يموت من غد ذلك اليوم. (330)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر حكم المرة السوداء في ابتداء المرض في الفصل المتقدم، ذكر في هذا الفصل حكم خروجه في آخره غير أنه يجب أن دلالتها على الشر في الابتداء أبلغ من دلالتها عليه بعد ذلك فإنها لن يعرض لها ذلك في الابتداء إلا لقوة السبب بخلاف ذلك فيما بعد فإن حدوثها يكون لطول المدة ولدوام التأثير.
البحث الثاني:
قوله «من أنهكه» الإنهاك فى العرف الطبي لا يقال إلا لمن فارقه مرضه. وأما ما دام المرض بعد موجودا فإنه يقال إن مرضه أضعفه أو استولى على قوته أو قوي عليه، ولا شك من فارقه مرضه لا يتولد في بدنه شيء مما ذكره (331)، وإذا كان كذلك فليس مراده أبقراط بالإنهاك المشهور العرفي بل مراده الإضعاف والاستيلاء (332). ولا شك أنه عند ذلك يحصل في بدنه ما ذكره من المواد الرديئة، غير أنه إن كان الضعف مرضا حادا كانت السوداء احتراقية، وإن كان الضعف مرضا مزمنا كانت السوداء جمودية، وإن كان الضعف إسقاطا أي سقوط الجنين فإنه يوجب الإنهاك بفرط الاستفراغ وإن كانت السوداء جمودية (333) أيضا لضعف الحار الغريزي. وقوله «أو غير ذلك» أي هم مفرط أو غم مفرط والمتولد عن ذلك السوداء الجمودية أيضا لضعف الحار الغريزي (334).
البحث الثالث
قوله «ثم خرجت منه مرة سوداء»: قوله «خرجت» يفهم منه أمران: أحدهما أن خروجها (335) ليس هو في الابتداء فإن هذه اللفظة دالة على الترتيب؛ وثانيهما أن خروجها ليس هو لاستعمال دواء مسهل يخرجها، فإنه لو كان الحال كذلك لكان قال «ثم أخرجت»، وأيضا لو كان خروجها كذلك لم يكن ذلك منها دالا على أن الموت يكون في غد ذلك اليوم. ولا شك أن خروجها متى كان كذلك فإنه يكون علامة موت عاجل غير أن قوله «يموت في غد ذلك اليوم» العمدة فيه على الاستقراء والتجربة لا على أنه برهان.
البحث الرابع:
المفهوم من قوله «مرة سوداء» أي الاحتراقية المتولدة في المرض الحاد ومن قوله PageVW5P030A «أو بمنزلة الدم الأسود» الجمودية المتولدة في المرض المزمن أو من الإسقاط أو غير ذلك على ما عرفته. ويكون (336) الفرق بين هذا وبين الدم الخارج أن الدم يجمد وهذا يبقى دائبا.
24
[aphorism]
قال أبقراط: اختلاف الدم إذا كان ابتداؤه من المرة السوداء فتلك من علامات الموت. (337)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر أحكام المرة السوداء من حيث هي مرض، ذكر في هذا الفصل أحكامها من حيث هي سبب. فكأنه (338) قال: فكما (339) أنها رديئة من حيث هي مرض كذلك هي رديئة من حيث هي سبب، ولذلك صار PageVW1P105B إسهال الدم الحادث عنها رديئا من قبل أنه يدل على تمكن السبب الموجب لها (340).
البحث الثاني:
المفهوم من كلامه هذا أن مراده بالمرة السوداء الموجبة للإسهال الدموي الاحتراقية لا الجمودية * فإن الجمودية (341) خالية من الحدة واللذع والجرد المترتب عليه إسهال الدم بخلاف الاحتراقية فإن هذه جميعها حاصلة فيها. ولذلك صار لها بريق وتغلي منها الأرض، فمثل هذه المرة إذا طال زمان ومرورها بالمعاء فإنها تلذعها أولا ثم تجردها ثم تسحجها ثم توقع في الاختلاف المذكور. ومثل هذا المرض يسمى في عرف الطب الدسنطاريا المعوية. وقد عرفتها وعرفت الفرق بينها وبين الكبدية في المقالة الثالثة في شرح قوله وأما في أوقات السنة فأقول إنه متى كان الشتاء قليل المطر شماليا.
البحث الثالث
في بيان دلالة الاختلاف المذكور على الموت. وذلك من وجهين أحدهما من جهة السبب من حيث هو سبب فإن خروج المرة السوداء في ابتداء المرض PageVW5P030B وفي غيره دليل رديء على ما عرفت. وثانيهما من جهة الاختلاف فإن فيه أحجافا بالقوة من جهة خروج الدم ومن جهة تواتر القيام وشدة الألم. ولما كان حال (342) المرض المذكور كذلك قال (343) فإن فتلك علامات الموت.
البحث الرابع:
المرة السوداء الموجبة لذلك تارة تكون صفراوية في الأصل وتارة تكون سوداوية. والفرق بين الإسهال الحادث عن تلك (344) أن الحادث عن المرة السوداء الصفراوية يكون لون الخارج مائلا إلى الصفرة ويكون معه عطش شديد ومرارة فم، ويكون قد تقدم ذلك أمراض صفراوية والحادث عن احتراق السوداء يكون لون الخارج فيه شديد السواد وتكون علامات السوداء ظاهرة ولم يكن هناك عطش كما في الأول والله أعلم.
25
[aphorism]
قال أبقراط: خروج الدم من فوق كيف كان علامة رديئة، وخروجه من أسفل علامة جيدة إذا خرج معه شيء أسود. (345)
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما انتهى كلامه في الفصل الأول في إسهال الدم، أوصل كلامه في هذا الفصل في أمر الدم فقال إن خروجه من فوق علامة رديئة ومن أسفل علامة جيدة على ما سنذكره (346).
البحث الثاني:
المراد بدلالة اللفظ على المعنى هو أنه إذا أطلق فهم منه (347) المعنى للعلم بالوضع فالألفاظ حينئذ هي قوالب المعاني ثم هذه الألفاظ منها ما هي مشهورة ومنها ما هي غير (348) مشهورة. ثم المشهور من عادة أبقراط أن يطلقه ويريد به تخصيصه ببعض الصور كما في هذه الصورة، فإن المراد بقوله خروجه من فوق ليس هي مطلقا فإن من PageVW5P031A جملة ذلك خروجه بالرعاف على سبيل البحران. ولا شك أن ذلك محمودا إذا لم يفرط، بل مراده بذلك ما كان خروجه من الرئة بالنفث (349) ومن المعدة بالقيء فإن كل واحد من ذلك رديء. أما الأول فلبعد موضعه عن مورد الدواء ولدوام حركة الرئة ولرقة دمها ولسعة عروقها، ولا شك أن هذه كلها مما يوجب تعذر انقطاعه ومتى دام ذلك أوقع في السل. وأما الثاني فلأن المعدة وعاء ومجرى فسبب الأول يكون دائما مزكرة ممتلئة، وذلك مما يوجب تمدد الأجزاء المتفرقة وتبعيدها بعضها عن بعض. وسبب الثاني لم يمكن أن تلتزق الأجزاء المتفرقة بعضها ببعض لمرور الغذاء بها ثم الكيلوس. فلذلك قال خروجه من فوق علامة رديئة. وكذلك قوله «خروجه من أسفل» ليس المراد به مطلقا فإن من جملة ذلك إسهال الدم الكبدي والمعوي، بل مراده بذلك خروجه من أفواه العروق بشرط أن لا يكون مفرطا. وأما جودته فذلك ظاهر لا سيما لمن كان الغالب عليه السوداء. ولذلك قال «إذا خرج مع شيء أسود» أي إذا خرج مع الدم الخارج من أفواه العروق شيء أسود. ولأجل هذا قال «إذا خرج معه شيء أسود» ولم يقل «إذا خرج أسود» لدلالة (350) هذا على غلبة السوداء على جملة مواد البدن، والله أعلم.
26
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به اختلاف دم فخرج منه شيء شبيه بقطع اللحم فتلك (352) من علامات الموت.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان. (351)
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما انتهى كلامه في الفصل الأول في خروج الدم من أسفل أنه علامة جيدة على ما ذكرنا، قال في هذا الفصل ليس مطلقا فإن خروجه بالاختلاف PageVW5P031B رديء لا سيما إذا خرج معه شيء شبيه بقطق اللحم. ومن هذا يعلم أن كلام أبقراط يجب أن يخصص بما ذكرنا، وإلا فهم مطلقا لم يصح.
البحث الثاني
قال جالينوس: قرحة المعاء ما دامت في الحدوث والكون يكون (353) الخارج من المعاء أجسام شحمية، ثم يخرج بعد ذلك إن لم يسكن الاختلاف اختلاف خراطي، ثم بعد ذلك إن لم يسكن يتقشر سطح المعاء الداخل الذي هو غشاء كثيف ويخرج شيء من جرمها يسمى قطع اللحم وحينئذ يكون ذلك (354) علامة قتالة لأن القرحة إذا بلغت من العظم إلى هذا المقدار لم يمكن أن (355) ينبت فيها لحم ولا يندمل. أقول: هذا الكلام فيه نظر وهو أن جرم المعاء عصبي فالخارج منها لا يقال له قطعة لحم ولا شبيه به بل يقال له جوهر غشائي أي (356) جوهرمصراني. والأولى عندي أن هذا الجرم يخرج من الكبد فإن الكبد كثيرا ما تتقشر في إسهالاتها الحادة بحيث أنه يخرج شيء من جرمها، وقد تقدم لنا الكلام في هذا أيضا في القالة الثالثة في شرح قوله. فأما (357) في أوقات السنة فأقول إنه متى كان الشتاء قليل المطر شماليا غير أنه لقائل أن يقول: فعلى هذا كان من الواجب أن يقول: فخرج منه قطعة لحم ولا يقول: قطعة شبيهة باللحم، فنقول: جوهر الكبد في الحقيقة ليس هو جوهر لحمي بل هو شبيه به لأنه كدم جامد على ما ذكرناه في شرحنا لكليات القانون وخصص كلامه في الخارج بقطعة اللحم لأنه لا يسمى الخارج بذلك إلا إذا كان كثيرا ومثل هذا يكون من جرم الكبد. وأما متى PageVW1P106A كان الخارج صغير المقدار فإن الآفة تكون ضعيفة فلا تدل على الشر كدلالة الجرم الكبير، فلذلك قال: فتلك من علامات PageVW5P032A الموت.
27
[aphorism]
قال أبقراط: من انفجر منه دم كثير من أي موضع كان انفجاره فإنه عند ما ينقه ويغذى يلين بطنه بأكثر من المقدار. (358)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر خروج الدم من أسفل أنه جيد بالشرط الذي ذكرنا وذكر إسهال الدم، ذكر في هذا الفصل ما يتبعه من الضرر إذا أفرط في خروجه مطلقا ودليل الضرر ضعف القوة الغاذية لضعف الحرارة الغريزية.
البحث الثاني:
هذا الشخص إذا انقطع دمه الخارج ثم غذي فإن بطنه يلين. وذلك لأنه قد عرفت أن الهضم موقوف على قوتين الهاضمة والماسكة، والهاضمة يتم فعلها بالحرارة والرطوبة، والماسكة بحرارة ضعيفة (359)، فالحرارة حينئذ هي آلة لجميع القوى وهي ضعيفة فيمن قد أخرج دم متوفر لأنه مادتها وحاملها، ولا شك أن الآلة متى كانت ضعيفة ضعف الفاعل عن فعله، فلذلك صار يلين البطن فيمن حاله كذلك إذا أعطي الغذاء .
البحث الثالث:
قوله «بأكثر من المقدار» تارة يفهم منه أنه عائد إلى الإسهال أي أنه إذا غذي لأن بطنه لينا كثيرا، وتارة يفهم منه أن ذلك عائد إلى التغذية أي أنه إذا غذي بأكثر من المقدار فإن الطبيعة تلين، والأول هو الحق. أما أولا فلأن الضمير يعود إلى أقرب المفهومين، ولا شك أن أقرب المفهومين (360) الإسهال الثاني أنه ليس هذا الحكم خاصا بمن قد أخرج له دم كثير بل بذلك وبغيره من المرضى والأصحاء فإن كلامهم إذا غذي بأكثر مما تحمله قوته لان بطنه.
البحث الرابع:
غالب هذا الإسهال يكون معديا أو كيلوسا فإن المعدة تضعف عن إحالة ما يصير إليها من الغذاء، وإن هضمته PageVW5P032B فإن الكبد تعجز عن جذب (361) صفوة لضعف حرارتها فيبقى محتبسا في المعاء ثم إنها تعجز عن مسكه فتكرهه وتدفعه إلى خارج، ولا شك أنه يكون في هذه الصورة كيلوسيا وفي الأولى معديا.
28
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به اختلاف مرار فأصابه صمم انقطع عنه ذلك الاختلاف ومن كان به صمم فحدث به اختلاف ذهب عنه الصمم. (362)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر الإسهال ومن ذلك المراري ثم ذكر ما يتبعه من الضرر، ذكر في هذا الفصل ما يتبعه (363) من النفع وهو إذهاب الصمم.
البحث الثاني:
المراد بالصمم عند الأطباء هو أن يكون باطن الأذن عديم التجويف ومثل هذا لا برء له البتة، والوقر هو بطلان السمع الحادث، والطرش هو نقصانه. وإذا كان كذلك فليس المراد بالصمم الصمم المشهور، فإن هذا (364) لا برء له بل المراد به نقصان السمع، وذلك لارتقاء المواد الصفراوية إلى جهة الدماغ. فإنها متى ارتفعت إلى جهة أضرت بالسمع من وجوه ثالاثة: أحدها من جهة إضرارها بالدماغ فتشتغل القوى الدماغية بها عن تنفيذ القوة السامعة إلى جهة السماخ؛ وثانيها أن الصفراء وإن كانت لطيفة فلها قوام، فإذا مالت إلى جهة الدماغ سدت منافذه ومنافذ ما ينبت منه، وعند ذلك يتعذر على القوة السامعة النفوذ؛ وثالثها أنها بقوامها يغلظ قوام الروح، وعند ذلك لم يكن نفوذها في مسالكها كنفوذها (365) إذا كانت خالية من ذلك فمن كان به اختلاف مرار أي إسهال مراري ثم PageVW5P033A حصل له صمم دل (366) على ما ذكرنا للإسهال إلى جهة الأعالي ثم أنها توجب ذلك على ميل المادة الموجبة ومن كان به صمم ثم حصل له إسهال مراري، فإن المواد التي ارتفعت إلى جهة العلو وأوجبت ذلك مالت إلى أسفل على طريق الاستتباع ويكون هذا القدر موجبا لزوال الصمم.
البحث الثالث:
إنما قال «فحدث به اختلاف» ولم يقل «وحدث به» لأن الفاء تفيد تقييد كون الحادث عقيب الأول وأنه ليس بينهما تراخ، وإنما يكون هذا إذا كان الصمم ليس بقديم، وإلا لم يصدق أن يقال إن الاختلاف نافع منه لتمكن سببه من الصماخ، فلو قال «وحدث به اختلاف» كان ذلك مشعرا بتقدم الصمم وتأخر الإسهال عنه، وقد علمت ما في هذا. فإن قيل هاهنا سؤال وهو أنه لم خصص ذلك بالصمم فإنه إذا كان نفع الإسهال منه باتجاه المادة المذكورة إلى جهة المخالفة فلم لا ذكر عوضه الرمد أو الصداع (367) أو غير ذلك من الألم الرأس، فنقول: الجواب عن هذا أنه ذكر هذا المرض على سبيل المثال وعليه يقيس كلما يعرض في الرأس، ونقول إن نفع الإسهال المراري في الصمم أكثر من نفعه في غيره، وذلك لأن عادة الطبيعة أن تنفذ مع ما يصل إليه من الغذاء مقدار (368) ما من الصفراء لأجل التنفيذ ثم يندفع هذا القدر من الصفراء إلى جهة الأذن، والدليل على ذلك أن الوسخ المجتمع في مجراها الذي هو فصلة بمدائها لونه أصفر طعمه مر وصار حال الأذن كذلك، لأنها لما كان مجراها مفتوحا وكانت الدباب وغيرها من الحيوانات دخولها فيه سهل فإذا دخل فيه شيء من ذلك قتله إن أكله أو طلب الخروج والهروب إن لم يأكله بل شم رائحته إذا عرفت هذا، فنقول: إذا مال إلى جهة الدماغ مادة صفراوية كان ميلها إلى هذه الجهة أكثر من ميلها إلى غيرها فيكون ضررها به PageVW5P033B أكثر من ضررها بغيرها فإذا مالت إلى أسفل مال ما مال إليها إلى جهة السفل وزال ما حصل منه.
29
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه في الحمى في اليوم السادس من مرضه نافض فإن بحرانه يكون نكدا. (369)
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر في الفصل المتقدم أن البحران قد يكون انتقاليا من عضو إلى عضو ثم ذلك الانتقال منه رديء كما في الصورة الأولى ومنه جيد كما في الصورة الثانية ذكر في هذا الفصل كلاما في البحران ثم ذكر الرازي منه لاشتمال الفصل المتقدم على الانتقال المذكور.
البحث الثاني:
مراده بالحمى هنا الدائمة لأن (370) الدائرة يكون معها نافض في ابتداء النوبة وذلك غير مختص باليوم السادس، فإذا قويت الطبيعة على دفع مادة الحمى المذكورة فتحت بعض أفواه العروق وأخرجت تلك المادة إلى خارج، وعند ذلك لا بد وأن تمر بعضو حساس فتلذعه وتوذيه فيشتمز منها وتهرب الحرارة الغريزية إلى الباطن وتحصل القشعريرة ثم أنه يتشمز لدفعها ويحصل النافض غير أن حركتها هذه لها أيام معلومة على ما ستعرفه عند ذكرنا (371) أيام البحران في شرح قوله العرق يجمد في المحموم في اليوم الثالث أو الخامس (372) فإذا حصل الانفتاح المذكور في غير الأيام المحمودة التي دلت التجربة عليها دل ذلك على توفر المادة بحيث أنها فعلت ذلك ثم أوجبت النافض ولذلك صار هذا رديئا منذرا بالشر. ولما كان الحال كذلك، قال جالينونس في أيام البحران إن البحران في اليوم السادس كالسلطان الجائر وفي اليوم السابع كالسطان العادل، وكذلك الحال إذا تأخر الفتح المذكور إلى بعد السابع ووقع في يوم غير محمود فإنه أيضا يكون بحرانا رديئا PageVW5P034A لدلالته على ضعف الطبيعة وعجزها عن الإنضاج فالتقدم في الحركة والتأخر رديئان غير أن التقدم أردأ لأنه مع ما يدل على الحفر تكون المواد معه فجة، ولذلك خصص بالذكر وقال إنه نكد. وأما أقسام النافض والكلام في أيام البحران الجيدة والرديئة فسيأتي الكلام فيها في مواضعه. والله أعلم.
30
[aphorism]
قال أبقراط : من كان لحماه نوائب ففي أي ساعة كان تركها له إذا كان أخذها له من غد في تلك الساعة بعينها فإن بحرانه يكون عسرا. (373)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر في الفصل المتقدم شيئا من أحكام الحميات المذكورة وهي (374) الدائمة، ذكر في هذا الفصل شيئا من أحكام الحمى الدائرة.
البحث الثاني:
قال الفاضل جالينوس: أي أفرض أن إنسانا (375) حم في أول يوم من مرضه في الساعة الثالثة ثم سكنت عنه الحمى (376) في الساعة من ساعات ذلك اليوم أي ساعة كانت ثم ابتدأت به الحمى في اليوم الثاني من تلك الساعة التي ابتدأت فيها في اليوم الأول أعنى الساعة الثالثة ثم سكنت في أي وقت سكنت ثم ابتدأت في اليوم الرابع في الساعة الثالثة وليس وقت تركها واحدا لكنه مختلف. قال: أقول إن من كان مرضه كذلك فيجب ضرورة أن يطول مرضه أكثر مما يطول مدة مرض من كان ابتدأ نوائب حماه لا يكون في وقت واحد ثم ذكر علة هذا بعد هذا الكلام بأسطر وهو أن سبب ذلك ثبات العلة واستقرارها، ولا شك أن العلة الثابتة أعسر انفصالا من العلة الغير ثابتة، وذلك لأن الشيء المتمكن الثابت يحتاج إلى PageVW5P034B معالجة قوية حتى يقلع سببه، وذلك لا يقلع إلا في مدة طويلة وأدوية قوية ويكون تقدير قول أبقراط على هذا التأويل من كانت (377) لحماه نوائب ففي أي ساعة كان تركها له ثم إذا كان أخذها له في كل يوم في ساعة واحدة بعينها فبحرانه يكون عسرا وعني بعسر البحران عسر انفصال المرض. وهذا التأويل ليس هو مطابق لقول أبقراط، فإن أبقراط يقول: إذا كان أخذها له من غد (378) في تلك الساعة بعينها أي الساعة التي وقع فيها المفارقة.
البحث الثالث:
قال جالينوس: قال قوم إن أبقراط عنى بقوله هذا أن الحمى إذا ابتدأت في اليوم الأول من الساعة الثالثة ثم سكنت في الساعة الثانية عشر ثم ابتدأت نوبتها في اليوم الثاني في الساعة الثانية عشر وأنقل الكلام دائما حتى يكون ابتداء النوبة في كل يوم في وقت انقضاء النوبة في اليوم الذي قبله كان بحران ذلك المرض وانقضاؤه بعسر. قال: والقائلون بهذا القول لم يأتوا عليه بحجة ولا قدروا أن يأتوا على ذلك بتجربة تشهد بصحة قولهم. واعلم أن هذا المعنى ظاهر من قول أبقراط فإنه قال «من كان لحماه نوائب ففي أي ساعة كان تركها له إذا كان أخذها له من غد في تلك الساعة بعينها فبحرانه يكون عسرا» فقوله إذا كان أخذها له من غد في تلك الساعة بعينها (379) أي الساعة التي وقعت المفارقة فيها. وذلك لأن الضمير يعود إلى أقرب المفهومين، وأقرب المفهومين الساعة التي وقع فيها.
البحث الرابع
في إظهار الحق في ذلك: أما تأويل جالينوس فغير مطابق لقول أبقراط، ومع هذا فقوله فإن ذلك يدل على ثبات العلة PageVW5P035A واستقرارها، نقول له: لو كان الأمر على هذا لتساوى زمان الأخذ وزمان الترك لكن قوله تترك في أي زمان اتفق يدل على أن سببها قد خالطه سبب آخر أوجب زيادة زمان أخذها أو نقصانه فحفضها الزمان الأخذ لا يدل على التمكن ما لم يحصله الشرط الآخر. وأيضا فإن الاستقرار والثبات ليس هو رديئا مطلقا بل هو أجود من غير المستقر من وجه وأردأ من وجه آخر. أما وجه الجوده فإن المادة متى كانت كذلك أمنا انصبابها وميلانها إلى ما هو أشرف من محلها ولذلك صارت الأمراض الغير مهياجة أقل خطرا من المهياجة. وأما وجه الرداءة فمن جهة تمكنها في العضو وقهرها الطبيعة الخاصة التي اعتمادنا عليها في المداواة. وأما تأويل الأقدمين فهو وإن كان مطابقا في ظاهره لقول أبقراط غير أنهم لم يأتوا عليه بحجة ولا شبهة (380) وقول جالينوس زادا عليهم أنهم لم يأتوا على ذلك بتجربة تدل على ذلك، نقول: إن عنيت بذلك أنه لم يجرب بنفسه PageVW1P107A بتجربة تدل على ذلك فمسلم ولكن يحتمل أن يكون غيره من الأقدمين قد جرب ذلك فوجد الأمر فيه على ما ذكره أبقراط من النكد . والحق عندي أن مراده بهذا النوع من الحمى نوع الحميات المركبة يقال له المبادلة وهو أن تأتي نوبة الحمى الثانية من غد عند انقضاء النوبة الأولة. وهذا هو غرض أبقراط، فإن الحمى الثانية تأخذ في الساعة التي تركت فيها الأولى، وقد عرفت هذا النوع من التركيب في المقالة الأولى، فإن النوبة (381) اللاحقة تحصل عند انتهاء السابقة وصار بحران هذا النوع عسرا، وذلك لاشتفال الطبيعة بمقاومة العلة PageVW5P035B فإنها في مجاهدة دائما، ولا شك أن الطبيعة متى كان حالها كذلك لم يتمكن من دفع المادة المرضية في البحارين على ما ينبغي فيكون البحران عسرا. ومثل هذا البحران يكون فيه معاودة إن كانت القوة قوية وإلا آل الأمر على الهلاك.
31
[aphorism]
قال أبقراط: صاحب الإعياء في الحمى أكثر ما يخرج به الخراج في مفاصله وإلى جانب اللحيين. (382)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في صلة هذا بما قبله (383): وهو أنه لما تقدم منه، ذكر البحران النكد أعقبه بذكر بحران الخراجي (384) لأنه ناقض ولا شك أن ذلك مناسب للبحران النكد على ما عرفت.
البحث الثاني:
قد عرفت أن الإعياء كلال يعرض للقوة المحركة ثم هذا تارة يكون سببه من خارج كالحركة المفرطة وتارة يكون سببه من داخل، ثم هذا على ثلاثة أنواع: تمددي وقروحي وورمي. فالتمددي هو أن يحس صاحبه معه بتمدد في الأعضاء وسببه مادة متوفرة مؤدية بكميتها، والقروحي هو أن يحس صاحبه معه بألم (385) سببه تألم القروح وسببه مادة مؤدية بكيفيتها تلذع الأعضاء الحساسة وتوجب فيها (386) ألما كألم القروح، والورمي هو أن يحس فيه بألم شبيه بألم الورم وسببه مادة مؤدية بكميتها وكيفيتها. فإذا حصل أحد هذه الأصناف الثلاثة في الحمى دل على أن القوة فيه ضعيفة عاجزة عن إخراج المادة ودفعها عن جملة البدن فتنصب إلى بعض الأعضاء ويعرض منها ما ذكره أو تميل إلى ظاهر البدن وتوجب آفة أخرى كما تبحرن الحميات الصفراوية عند كون القوة قوية والمادة متوفرة باليرقان.
البحث الثالث
في اختصاص المفاصل بذلك: وذلك من PageVW5P036A وجوه ثلاثة: أحدها دوام حركتها فإن الحركة جذابة للمواد وذلك بتثورانها الحرارة (387)؛ وثانيها وجود التجويف فيها والسعة لانصباب المادة، ولا شك أن هذا معين على ذلك، فإن المادة إذا وجدت مكانا لقبولها مالت إليه؛ وثالثها أن أكثرها في أسفل البدن فإن المواد ميلها إلى جهة العلو يجذب القوى لها وحسبها عن مجاري تلك الجهة بما فيها من القوى الماسكة، فإذا عجزت الجاذبة عن جذبها إما لضعفها إما لكثرة المادة والماسكة عن مسكها هبطت إلى أسفل لأنها غليظة وعند هبوطها إلى أسفل تميل إلى ما هو أقبل لها وتلك هي المفاصل كما ذكرنا. وأما جانب اللحيين فلأنها مفاصل ولأنها كثيرة الحركة لأجل المضغ والكلام، أو نقول المادة المرضية إن كانت مستولية على الرأس فالخراج الحادث منها في جانب اللحيين، وإن كانت مستولية على ما دونها فالخراج الحادث (388) عنها يكون في المفاصل.
32
[aphorism]
قال أبقرط: من انتشل من مرض فكل منه موضع من بدنه حدث به في ذلك الموضع خراج. (389)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر العلامة الحاصلة في المرض المنذرة (390) بحدوث الخراج، ذكر في هذا الفصل العلامة الدالة عليه بعد الانتشال من المرض.
البحث الثاني:
لفظة الانتشال من المرض المراد بها خفة الأعراض وظهور القوة والكلال حالة من الكسل والإعياء، ولا شك أن هذا القدر متى حصل عقيب الانتشال من المرض دل على أنه قد بقي في البدن بقايا من المادة المرضية قد عجزت PageVW5P036B الطبيعة العامة والخاصة عن دفعها ثم أن تينك الطبيعتين تنتهضان وتبغيان سكون عادية المرض واستعمال الغذاء وحسن الترتيب لدفع تلك البقية، فإن كانت قليلة أو لطيفة والدافع قوي دفعته عن جملة البدن وأكثر هذا بالإسهال لأن المختلف من المواد في مثل هذه الأوقات في الأكثر مواد (391) غليظة، وإن كان الأمر بالضد مالت إلى بعض الأعضاء وأحدثت فيها ما ذكره.
البحث الثالث
في صيرورة المندفع مدة: وذلك لأن الطبيعة الخاصة بالعضو عند ميل تلك الكيفية إلى جهة العضو تروم إخراجها عن ذلك العضو طلبا لدفع منافاتها وأذيتها غير أنها لا يمكنها أن تفعل ذلك ما لم تتهيأ المادة للدفع وإلا لم يطاوع على ذلك وتهيئها لذلك بالنضج والنضج اعتدال القوام المادة وهذا القدر الفاعل له القوى البدنية بالحرارة الغريزية. ثم يلزمه أمران: أحدهما بياض اللون، الثاني صلاح الرائحة. أما الأول فلتشبه المادة بجوهر المحل فإن الأعضاء لونها مائل إلى البياض. أما المنوية فذلك ظاهر فيها. وأما الدموية فاللحم الغددي والشحم لونهما مائل إلى البياض. وأما اللحم فلونه مائل إلى ذلك بدليل أنها إذا استقصينا في غسله بالماء الحار فإن حمرته (392) تنقص ويميل لونه إلى ذلك. وأما أمر الرائحة فإن الفاعل لها الحرارة الغريزية على ما دل عليه الاستقراء والتجربة. ولذلك كلما كانت الصفتان المذكورتان في المدة ظاهرتين (393) كانت تلك المدة أفضل. وكلما كان الأمر بالعكس فالأمر بالعكس. فإذا تكونت تلك المدة سمي الموضع PageVW5P037A الحاصل فيه خراجا. وهذا الاسم مطابق للمسمى فإن المادة عند صيرورتها PageVW1P107B كذلك تخرج من باطن العضو إلى ظاهره. والله أعلم.
33
[aphorism]
قال أبقراط: فإن كان أيضا قد تقدم فاتعب عضو من الأعضاء ففي ذلك العضو يتمكن المرض. (394)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر في الفصل الأول من انتشل من مرضه وحصل له كلال في موضع من بدنه وكان بحرانه ناقصا فإنه يحدث له في ذلك الموضع خراج، قال في هذا الفصل: فإن كان العليل قد تقدم قبل مرضه وأتعب بعض أعضائه فإن المادة الخراجية تحدث في ذلك العضو، وذلك لاستعداد لقبول المادة بسبب تحلل جرمه وثوران حرارته وسعة المجاري المتصلة به. وبالجملة يحصل له من الأمور المعدة ما لا يحصل لغيره من ذلك. فلذلك كان ميل المادة إليه أكثر من ميلها إلى غيره.
البحث الثاني:
هذا الفصل فيه فائدة عظيمة متعلقة بتدبير العليل وهو أنه يجب أن تجذر العليل من إتعاب بعض أعضائه قبل مرضه لا سيما من علم أن بدنه ممتلئ وأنه غير عادته في تنقية بدنه في حال صحته، فإنه متى حصل له مرض من تلك المادة حصل له في عضوه المتعب ما ذكره. وأن يحرز في تدبيره في حال مرضه بمعنى أنه لا يخالف الطبيب في واجب تدبيره من جهة تنقية بدنه وإصلاح غذائه. وإلا إذا انتشل من مرضه حصل له ما ذكره أو حصل له في حال مرضه إعياء في بعض مفاصله لميل المادة إليها ثم حصل في ذلك العضو ما ذكره.
البحث الثالث:
اعلم أن هذه الفصول الثلاثة تتضمن معنى PageVW5P037B واحدا وهو أن الإحساس في الفصل الأول يكون في وقت المرض وفي الفصل الثاني يكون بعد المرض وفي هذا الفصل قبل المرض ويكون تقدير الكلام من أحسن في مرض بإعياء فتوقع أن يخرج به خراج في ذلك الموضع. وكذلك من انتشل من مرضه فوجد في بعض أعضائه كلالا (395) أو كان قبل المرض قد تقدم فأتعب عضوا من أعضائه. والله أعلم.
34
[aphorism]
قال أبقراط: من اعترته حمى وليس في حلقه انتفاخ فعرض له اختناق بغتة فذلك من علامات الموت. (396)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر في الفصل المتقدم البحران الانتقالي الكائن بالخراج، أعقبه بذكر ذلك بحران آخر انتقالي وهو الحادث بالخوانيق غير أن الأول جيد والثاني رديء. ولذلك يستحق الأول التقديم على الثاني. وصار هذا أردأ لوجهين: أحدهما أن (397) الانتقال فيه عضو خسيس إلى عضو شريف؛ ثانيهما أن هذا الانتقال يصير مانعا لدخول الهواء البارد إلى جهة القلب الذي الحاجة داعية إليه في مثل هذا الوقت لتسكين حرارة الحمى ولهيبها.
البحث الثاني:
قوله «من اعترته حمى» أي من عرض له حمى وليس في حلقه انتفاخ أي تورم ثم حصل له اختناق بغتة فإنه يدل على اندفاع المادة إلى جهة الحلق. وذلك لكثرة المادة وضعف لقوة عن دفعها عن مثل الحلق. وسبب هذا فوات تخفيف المادة إما بالفصد أو بالإسهال فبقيت محتسبه في البدن فعند مجيء البحران اندفعت إلى جهة الحلق وأوجبت فيه PageVW5P038A ما ذكراناه. وسبب اختصاص دفعها بهذا الموضع سخافة هذه الأعضاء وكثرة حركتها، وإنما شرط في قوله «وليس هناك انتفاخ» لأنه لو كان هناك انتفاخ ثم عرض اختناق بغتة لعله كائن لمزاحمة الورم بسبب نضج المادة فإن المادة إذا أنضجت تحلل جرمها، وعند ذلك تطلب محلا كبيرا فتزاحم ما حوله ويعرض الاختناق غير أن هذا الاختناق تعقبه في الأكثر خفة وراحة. وذلك عند انفجاره بخلاف الاختناق الأول فإنه لا يعقبه شيء من ذلك، بل الموت لما ذكرناه.
البحث الثالي:
مراده بالخلق مجرى الهواء والغذاء. قال جالينوس: قد جاء هذا (398) في كلام أوميروس فإنه قال إن الطعام والشراب يمران في الحلق، ثم اندفاع المادة في هذا الوقت تارة يكون إلى النعانع وهي الغدتان اللتان عن جنبي اللسان، وتارة يكون إلى عضل المريء فقط، وتارة يكون عضل الحنجرة فقط (399)، وأردأه ما كان الاندفاع فيه إلى داخل، وتارة يكون إلى العضل المشترك بين المريء والحنجرة، وأردأ هذه الأنواع جميعها ما كان الاندفاع فيه إلى العضل الداخل من عضل الحنجرة وهو مراد أبقراط. فإن الاختناق لا يعرض بغتة إلا إذا كان الاندفاع إلى العضل بخلاف ما إذا كان الاندفاع إلى غيره فإنه يعرض فيه اختناق لكن لا يكون قويا بغتة. ولذلك أمر الأطباء في معالجة هذا النوع بقطع الحنجرة عند تقلصها لتخرج الأبخرة الدخانية ويدخل الهواء البارد خوفا من الهلاك. وأما إذا حصل ورم في عضل المريء فإن منعه لنفوذ الغذاء أكثر منعه لنفوذ الهواء البارد. ولذلك أمر الأطباء في معالجة هذا النوع أن توضع المحاجم PageVW5P038B على الرقبة جميعها من جميع جوانبها وتمص مصا بالغا حتى تجذب المواد إلى ظاهر البدن ويصحبها الورم ونيفتح المجرى لنفوذ الغذاء. والله أعلم.
35
[aphorism]
قال أبقراط: من اعترته حمى فأعوجت معها رقبته وعسر عليه الازدراد حتى أنه لا يقدر أن يزدرد إلا بكد من غير أن يظهر في حلقه انتفاخ فذلك من علامات الموت. (400)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر في الفصل المتقدم أحد أنواع الخناق الرديء الدال على الموت، ذكر في هذا نوعا آخر من تلك الأنواع وهو الاعوجاجي وهو أن يدخل فيه إحدى خرزات العنق إلى داخل ويبقى في خارجها تقصع. وهذا النوع من الخوانيق يعرف بالكلبي لأن فم صاحبه لا يفارق مفتوحا ولسانه خارج فمه طلبا للتمكن من استنشاق الهواء بسبب مزاحمة الخرزة للآلة التنفس وأردأه ما كان الاندفاع في الخرزة الأولى، وذلك لضيق مجرى التنفس عندها ولقربها من الدماغ.
البحث الثاني
في كيفية انجذاب الخرزة عند العنق بالورم المذكور: نقول: قد ثبت في التشريح أن بين العضلات المذكورة وبين الخرز مشاركة بشظايا ليفية فإذا ورمت العضلات الذكورة انجذبت الأوتار إلى داخل بسبب زيادة المادة لعرضها ونقصان طولها فتنجدب الخرز إلى داخل، غير أن هذا المرض أكثر ما يعرض في PageVW1P108A سن الصبا. وذلك لسهولة زوال الخرز عن مواضعها بسبب غلبة الرطوبات المزلقة على مفاصلها. وقد يكون سبب الزوال في الحمى لا سيما الحادة أمر آخر وهو استيلاء الجفاف على الأعضاء المذكورة فتتقلص الشظايا المذكورة ويقصر طولها PageVW5P039A فتنجذب الخرز إلى الداخل. ومتى حصل الزوال المذكور عن السببين المذكورين تعذر على الهواء الدخول إلى جهة الرئة وعلى البخار الدخاني الخروج. ولا شك أن ذلك رديء في الحميات على ما عرفت (401). وأيضا فإن الزوال نفسه عسر المعالجة لأن معالجته بأمرين وهما خطران: أحدهما تعليق المحاجم بغير شرط على موضع التقصع وهو رديء لأنه يجدب المواد إلى موضع الازدراد الضعيف؛ ثانيهما إدخال الآلة الشبية باللجام في الفم ودفع الخرزة (402) إلى داخل. وهذا متعذر جدا فلأجل هذا قال «فذلك من علامات الموت» أي من جهة نفس الزوال ومن جهة ما يلزمه. واعلم أن ضرر انجذاب الخرز المذكور إلى داخل بالمريء أكثر من ضرره الحنجرة، وذلك لقرب المريء منها. ولذلك قال «وعسر عليه الازدراد» ولم يقل «وعسر عليه التنفس» وإن كان يتضرر التنفس غير أن ضرر الازدراد أكثر من ضرر التنفس.
البحث الثالث:
قال الفاضل جالينوس: إذا قال أبقراط من اعترته حمى المراد به الحمى الشديدة. وأما إذا أراد مطلق فإنه يقول من كان به حمى أو ما يشبهه. وهذا الكلام حق فإن الاختناق المذكور في الفصل الأول والزوال المذكور في هذا الفصل لا يؤديان إلى الموت، إلا إذا كانت الحمى شديدة جدا لشدة الحاجة إلى اشتياق الهواء البارد وخروج البخار الدخاني. قال: وقوله في هذا الفصل «وليس في حلقه انتفاخ» يفهم منه أمران: أحدهما أن يكون ذلك عن اليبس كما ذكرنا؛ والثاني أن يكون عن ورم باطن لا يظهر للحس، والكل رديء. والله أعلم.
36
[aphorism]
قال أبقراط: العرق يحمد في المحموم إن ابتدأ في اليوم الثالث أو في اليوم الخامس أو في اليوم السابع PageVW5P039B أو في التاسع أو في (404) الحادي عشر أو في اليوم الرابع عشر أو في اليوم السابع عشر أو في العشرين أو في الرابع والعشرين أو في السابع والعشرين أو في الثلاثين (405) أو في الرابع والثلاثين أو في السابع والثلاثين فإن العرق الذي يكون في هذه الأيام يكون بحران الأمراض به، وأما العرق الذي (406) يكون في غير (407) هذه الأيام فهو يدل على آفة أو على طول من المرض. (403)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث تسعة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما تكلم في البحران الانتقالي الجيد والرديء احتاج أن يذكر الأيام التي يحصل فيها الحركات المحمودة، فإنه متى علمت هذه الأيام التي يحصل فيها الحركة المذمومة وذكر العرق على بسيل المثال، وإلا فجميع أنواع الاندفاعات متى حصلت في الأيام المذكورة كانت محمودة، ومتى حصلت في غيرها كانت مذمومة. قال جالينوس: ليس العرق وحده لكن اختلاف البطن والبول والبراز والخراجات التي تخرج عند الأذنين وعند سائر المفاصل إنما تحمد إذا ظهرت في الأيام التي ذكرها. ولما كان غرضه ذكر العرق للمثالي، ذكر هذه الأيام، وإلا فبعيد هذه الأيام قلما يأتي البحران فيها بعرق.
البحث الثاني:
قال الفاضل جالينوس في شرح هذا الفصل: قد شهدت التجربة شهادة بينة على أنه كل عدد من أعداد الأيام يصلح للبحران، ولنبسط نحن القول في هذا الموضع فنقول: الأيام من حيث هي أيام طبيعية متشابهة فلم صار البحران يحدث في بعضها دون بعض؟، أجاب جالينوس في ثانية البحران وثالثته جوابا عن مثل هذا الاعتراض. وحاصله أنه مبني على قاعدتين: أحدهما مأخوذة من التجربة، والثاني PageVW5P040A من القياس. أما المأخوذة من التجربة (408) فهي أنها قد شهدت أن البحارين لا تكون في الأيام جميعها ومع كونها كذلك ليس كلها على السواء. فإن السابع قوي جدا في البحرانية وأقوى منه الرابع عشر وبين هذين أيام يكون فيها البحارين كالخامس والتاسع غير أنها لا تكون في قوة تلك وأن بحران الأمراض الحادة في الأفراد وبحران (409) الأمراض المزمنة في الأزواج. وأما المأخوذة من القياس فهي أنها قد شهدت أنها مبنية على اصلين: أحدهما مضطرب غير لازم لطريقة واحدة ونظام واحد وهو العنصر الذي فيه الكون وهو البدن، فإنه قابل للتحليل والتغير؛ والآخر لازم لطريقة واحدة ونظام واحد وترتيب واحد وهي الطبيعة الإلهية المدبرة للعالم، فإن أفعالها كلها جارية على نظام واحد وترتيب واحد. ومع هذا (410) فهي على أتم وجه وأكمله ويعرف هذا من منافع الأعضاء ونشوء الحيوانات وكمالها وتولدها، فإنه لكل واحد منها حد لا يتعداه في مقداره ونسبته. ومن جملة ذلك فعلها في البحارين ودفعها لمادة المرض فإنه لازم لطريقة واحدة وفي أيام مخصوصة وكل هذا تابع لجملة الأجرام السماوية التي هي لازمة لطريقة واحدة ونظام واحد، فإنه قد بان في غير هذا الفن أن قوتها فعالة فينا وفي رطوبات العالم غير أنها مختلفة في ذلك في القوة والضعف فأقواها في ذلك الشمس فإنها هي المميزة لفصول السنة بعضها عن بعض والمنضجة للثمار بدليل أن نضج ثمار البلاد الحارة يتقدم على نضج ثمار البلاد الباردة وهي المهيجة للحيوان على طلب السفاد ودونها في ذلك التأثير القمري (411) لأن نظام الأشهر منه وفعله في الحيوانات البحرية أظهر وفي المد والجزر وفي زيادة الرطوبات PageVW5P040B الأدمغة وإنضاج الثمار وإجرائه لدم الحيض وثورانه لنوائب الصرع، غير أن هذا PageVW1P108B جميعه منه مستفاد من نور الشمس بدليل أن فعله عند كونه بدرا في غاية القوة، وقد تقدم لنا كلام في هذا في المقالة الثانية في شرح قوله «الرابع منذر بالسابع».
البحث الثالث:
يجب على الطبيب أن يحرر ابتداء المرض حتى يصح حكمه بمجيء البحران في الأيام المذكورة والمرض له ابتداء عند الطبيعة وعند المريض وعند الطبيب. أما الكائنة عند الطبيعة فغير مشعور به. وأما عند المريض فهو من وقت أن يطرح نفسه على فراشه، وهذا ليس بصحيح فإن كثيرا من المرضى (412) يتحاملون ويحتملون ألم المرض من غير أن يفعلوا شيئا من ذلك. وأما عند الطبيب فهو من حين ظهور ضرر الفعل. هذا هو الحق فإن ضرر الفعل هو الفصل بين الصحة والمرض. وأما ما ذهب إليه طائفة من أصحاب التجربة أن ذلك هو ما جاوز ثلاثة أيام فهو خطأ لأن من الأمراض ما يستوفي الأوقات الأربعة في ثلاثة أيام بل في يوم واحد مثل حمى يوم. وما قيل أيضا إنه الوقت الذي لا يحس فيه وهو الآن خطأ فإن ضرر الفعل محسوس والآن غير محسوس (413) بقي هاهنا شيء وهو أن المرأة إذا ولدت ثم حصل لها حمى هل بحسب ابتداء مرضها من أول النفاس أو من حين حصول الحمى. ذهب الإمام (414) أبقراط على ما ذكره في كتاب (415) تقدمة المعرفة أن ذلك يحسب من أول الولادة، وبه قال صاحب الكمال وابن رشد من المتأخرين، وذهب الشيخ أبو علي بن (416) سينا على ما ذكره في المقالة الرابعة من الفن الثاني من الكتاب الرابع من القانون إلى أن ذلك يحسب من حين ظهور PageVW5P041A الحمى. والأول أقرب إلى الحق لأن المرأة عند الولادة لا بد وأن يتغير شيء من أفعالها.
البحث الرابع:
قد علمت أن الأمراض على نوعين: حادة ومزمنة. وعرفت تعريف كل واحد منهما وما يدل عليه. فالحادة قد شهدت التجربة بإتيان بحارينها في الأفراد، والمزمنة في الأزواج. وذلك لأن البحران والإنذار لا يكونان إلا في يوم النوبة أو في يوم الاستدلال، ونوائب الحميات الصفراوية الدائرة منها واشتداد الدائمة منها في الأفراد، فلذلك كان بحرانها في الأفراد. وأما الأمراض المزمنة كحمى الربع فإن نوائبها تأتي في الأزواج فيكون بحرانه في تلك. وشهدت التجربة أيضا أن الأمراض المزمنة قلما ينفصل بعرق سابغ. وقد تكرر هذا في كلام الفاضل جالينوس في ثانية البحران وثالثته. ومن هذا يفهم قول الإمام أبقراط في هذه المقالة إذا لم يكن إقلاع الحمى عن المحموم في يوم من أيام الأفراد فمن عادتها أن تعاوده، فمراده هاهنا بالحميات الحميات الصفراوية والحادة وغالب تلك الحميات الصفراوية وهي تنوب غبا. وقد علمت أن البحران لا يقع إلا في زمان النوم، ومن هذا يعلم فساد ما قاله جاليونس في تفسير هذا الفصل، فإنه قال: الواجب أن يجعل عوض الأفراد البحران، وإلا فيكون فساد هذا الفصل من الفصول المدلسة. وهذا كلام سخيف فإن الحركة قد تكون في أيام البحران من غير أن تعلق الحمى المذكورة. وذلك كما إذا كان ذلك في الأيام الأزواج. أما إذا قال الأفراد كان الكلام حقا وكان البحران الواقع في ذلك الوقت بحرانا تاما. وسنتم الكلام في هذا الفصل حيث نصل إلى شرحه.
البحث الخامس:
PageVW5P041B القمر له أشكال واضحة وأشكان خفية. والواضحة ثمانية أربعة قوية وأربعة ضعيفة (417). وأحد القوية حيث كونه مستهلا؛ وثانيها كونه في التربيع الأول وهو امتلاء نصفه من النور عند إشراقه وذهابه في الزيادة إلى جهة المشرق وهو الوقت الذي يكون بينه وبين الشمس من ناحية المشرق تسعون درجة ومدته سبعة أيام من الشهر؛ ثالثها كونه مقابلا للشمس (418) وهو الوقت الذي يكون بينه وبين الشمس مائة وثمانون درجة، وفي مثل (419) هذا الوقت يسمى بدرا؛ رابعها تربيعه الثاني وهو الوقت الذي يكون بينه وبين الشمس من ناحية المغرب تسعون درجة وهو أحد وعشرون يوما من الشهر، ويجب أن تعلم أن تربيعه الأول أقوى فعلا من تربيعه الثاني، وذلك لأنه ذاهب في التربيع الأول إلى الكمال والزيادة وفي الثاني ذاهب إلى النقصان والاضمحلال، ولذلك صار اليوم السابع أقوى فعلا من اليوم الحادي والعشر ويدل على صحة هذا أمر المد والزجر فإنا نجده في اليوم الرابع والسابع أكثر منه في اليوم الحادي والعشرين والرابع والعشرين، فهذه الأشكال القوية من أشكال القمر، ولذلك صارت مخصوصة بالبحران لا بالإنذار. وأما الأربعة الضعيفة فأحدها شكله إذا كان متوسطا بين الشمس وبين تربيعه الأول أي الكائن من جهة المشرق، وذلك عند امتلاء ربعه من المنور وبعده عن الشمس من الجهة المذكورة جمس وأربعون درجة ومدته أربعة أيام؛ وثانيها المقابل لها وهو إذا كان متوسطا بين الشمس وتربيعه الثاني أي الكائن من جهة المغرب وهو امتلاء ربعه من النور وبعده (420) عنها PageVW5P042A في هذا الجانب خمس (421) وأربعون درجة ومدته أربعة أيام؛ وثالثها شكله إذا كان متوسطا من جهة الجنوب بين تربيعه الأول والمقابلة وهو عند ما يكون بعده عن المقابلة اثنين وعشرين (422) درجة ونصفا ومن الشمس سبعا وستين (423) درجة ونصفا وهو (424) أحد عشر يوما من الشهر؛ ورابعها إذا كان متوسطا بين المقابلة وتربيعه الثاني وهو عند ما يكون بعده عن المقابلة من جهة الشمال اثنين وعشرين درجة ونصفا ومن الشمس من هذه الجهة سبعا وسبعين درجة ونصفا، وذلك في اليوم الثامن عشر من الشهر. فهذه أشكال القمر الواضحة. وأما الخفية فثمانية أيضا: وهي قبل المقارنة بيوم، وبعدها بيوم، وقبل كل واحد من التربيعين بيوم، وبعده بيوم، وهذه الأيام ضعيفة. PageVW1P109A أما المتعلقة بالمقارنة فهما اليوم الثامن والعشرين والثلاثين والبحران فيهما يكون ضعيفا على ما دلت عليه التجربة. وأما المتعلقة بالمقابلة وهما اليوم الثالث عشر والخامس عشر، وهذان اليومان ضعيفان. أما الثالث عشر فإنه وإن (425) ابتدأ الفعل فيه غير أن تمامه لا يقع فيه لأن كمال نور القمر هو عند امتلائه وذلك في الرابع عشر. وأما الخامس عشر فلأنه تال (426) للرابع عشر وقد تقدمه كمال الفعل وتمامه. وإذا كان كذلك فلم يمكن أن يكون في الخامس عشر كمال آخر إذ ليس بينهما مدة يمكن الطبيعة أن تفعل فيها فعلا تاما بحيث أنه يظهر فيها كمال ثان لأن أفعال الطبيعة لا تأتي دفعة بل قليلا قليلا على نظام وترتيب. وأما المتعلقة بالتربيع الأول وهما اليوم السادس والثامن، PageVW5P042B وأفعال الطبيعة فيهما أيضا ضعيفة على ما دل عليه التجربة. أما السادس فإنه يوم رديء ليس فيه حركة جيدة البتة، ولذلك شبهه جالينوس بالملك الجائر. وأما الثامن فالكلام فيه كالكلام في الخامس عشر أي أنه حادث بعد كمال الفعل. وأما المتعلقة بالتربيع الثاني وهما اليوم العشرين والثاني والعشرين وهما يومان ضعيفان. أما العشرين فعلى ما دلت عليه التجربة. وأما الثاني والعشرين (427) فلأنه أتى بعد يوم كامل والكلام فيه كالكلام في اليوم (428) الخامس عشر. فهذه العلة في اختلاف أيام البحارين (429) في قوتها وضعفها. وهذا البحث قد أشار إليه الفاضل جالينوس في ثالثة أيام البحران.
البحث السادس:
البحران في بعض الصور يمتد أياما كثيرة، وربما يكون ابتداؤه في يوم ضعيف وفي يوم غير بحراني وينفصل في يوم قوي البحران، وربما كان ابتداؤه في يوم قوي البحران ويكون الفصل في يوم غير ذلك. مثاله إذا ابتدأ حصول العرق أو غيره من أنواع الاستفراغات في ليلة السابع وبقي إلى ليلة الثامن وأقلع المرض في هذه الليلة. وكذلك إذا حصل ليلة الثالث عشر وامتد إلى ليلة الرابع عشر وانفصل في هذه الليلة ففي مثل (430) هذه الصورة لم يعلم الطبيب إلى أيهم ينسب البرء من المرض. والذي تقرر رأي الأطباء عليه أن البحران للسابع وللرابع عشر لا للثامن والثالث عشر لأن هذين اليومين ضعيفان في الحركة البحرانية على ما عرفت.
البحث السابع:
قال الفاضل جالينوس إن جميع النسخ التي رأيناها لم نجد في شيء منها ذكر للرابع في PageVW5P043A هذا الفصل على أنه أول يوم من أيام البحران. فأما أن يكون أبقراط إلغاء ذكره في هذا الفصل أو يكون الناسخ الأول تركه. فإن كان أبقراط هو الذي (431) ترك ذكره قصدا فأرى أنه إنما فعل ذلك لهذا السبب وهو أنه أكثر الأمراض الحادة جدا التي يكون بحرانها بعرق فبحرانها يكون في الثالث والخامس أكثر ما يكون في الرابع ولا يكون بحرانها في الرابع إلا في الندرة. قال: وقد وجدت هذا بعد بحث شديد بحثت عنه فلأجل ذلك ترك (432) ذكر الرابع. وهذا كلام حق من الفاضل جالينوس، وذلك لأن غرضه في هذا الفصل ذكر الأيام التي ينفصل فيها المرض بعرق وهذا إنما يكون عند كون المادة رطبة مجيبة لذلك، وتلك هي مواد الأمراض الحادة وغالب الأمراض الحادة الحميات الصفراوية وهي تنوب غبا فتنوب في أول يوم وفي اليوم الثالث من أخذها، والبحارن كائن في أخذها في وقت النوبة على ما عرفت فهو يأتي في (433) اليوم الثالث ثم في الخامس لإتيان النوبة الثانية فيه لا في الرابع لأنه يوم راحة من راحات الحمى الصفراوية فلا يقع فيه بحارن، فعلى هذا يكون تركه لذكر الرابع (434) قصدا لا من الناسخ الأول. واعلم أن اليوم الأول والثاني يستحيل وقوع البحران فيهما لأن أفعال الطبيعة ليس هي مما تقع دفعة بل قليلا قليلا على نظام واحد فإن المقابلة إنما تكون بعد التأهب بالنضج لتهيئتها المواد للدفع في وقت البحران، وأقل ذلك إلى اليوم الثالث.
البحث الثامن:
قال جالينوس: وأما آخر الفصل ففي بعض النسخ الواحد والثلاثين وفي PageVW5P043B بعضها الرابع والثلاثين، والكل حق، غير أن الرابع والثلاثين على ما دلت (435) عليه التجربة أقوى ولم يذكر الأربعين، وخليق به أن يكون إنما ترك ذكره لأنه أول أيام بحارين الأمراض المزمنة، وتلك الأمراض لا يكاد يكون البحران فيها (436) بعرق فإن أيام البحران التي قبل الأربعين القريبة منه مثل اليوم الرابع والثلاثين والحادي والثلاثين والسابع والسابع والعشرين (437) قليلا ما يوجد البحران فيها بالعرق.
البحث التاسع
(438) في آخر الفصل «وأما العرق الذي لا يكون في هذه الأيام فهو يدل على آفة أو على طول من المرض»: أقول: وذلك لأن العرق الذي يكون في غير هذه الأيام لا يكون لدفع الطبيعة لأنها ليست بأيام بحرانية فبقي أن يكون إما لضعف القوة وعجزها عن مسك الرطوبات بحيث أنها تسيل من ذاتها، وإما لكثرة الرطوبة جدا فيخرج بعضها على سبيل الرشح. والأول هو الدال على الآفة، والثاني على طول المرض. فإن قيل يومالأربعين يوم بحران فكيف يكون العرق فيه يدل على آفة أو على طول من المرض، فنقول: اليوم الأربعين وإن كان يوم بحران غير أنه ليس بيوم بحران عرقي لأن المرض لا يطول إلى هذه المدة إلا لغلظ المادة جدا، وذلك مناف لكون البحران بعرق. والله أعلم.
37
[aphorism]
قال أبقراط: العرق البارد إذا كان مع حمى حادة دل على الموت، وإذا كان مع حمى هادئة دل على طول من المرض. (439)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أن أبقراط لما تكلم في العرق الذي يكون به البحران وذلك لا يكون إلا حارا لحركة الطبيعة لدفعه وهيجان الحرارة بالمقاومة، ذكر في هذا الفصل حكم العرق البارد في الحميات الحادة وغير الحادة.
البحث الثاني
في كيفية حدوث العرق البارد في الحميات الحادة: قال جالينوس: قد يظن أن من أبعد الأشياء أن يكون بإنسان حمى في غاية الحرارة (440) ويكون العرق باردا. ثم قال: ولعل هذا يكون لوجهين: أحدهما أن تكون الحرارة الشديدة في بدن من به هذه الحال في مواضع غير المواضع التي يستفرغ منها العرق، إذ لو كان العرق يجيء من المواضع التي فيها تلك الحرارة الشديدة لقد كان يجيء العرق وهو حار؛ الثاني أن يقال هذا القدر يحصل إذا اتفق أمران: أحدهما أن تكون الأخلاط التي في العروق قد عفنت؛ والآخر أن تكون الطبيعة التي تذبل الأعضاء الأصلية التي عبر عنها أبقراط بالحرارة الغريزية قد انطفت أو قاربت الانطفاء. وعند ذلك تتخلى عن مسك الرطوبات التي عندها فيخرج العرق باردا (441). ولا شك أن هذا منذر بالهلاك، ودلالته PageVW1P109B عليه أقوى من دلالة الأول للهلاك. أقول: ويحتمل أن يكون حدوث ذلك لوجه آخر وهو أن يكون في البدن رطوبات كثيرة لا تقوى الحرارة الغريمزية على تسخينها وتكون الحرارة الغريزية بالقرب من القلب وتلك الرطوبات قريبة من الجلد. فإذا قوي تسخين البدن من تلك الحرارة، ذابت تلك الرطوبات وسالت بنفسها ولم يكن ظاهر البدن حارا. ولا شك أن هذا كله دليل على الهلاك لدلالته على استيلاء المواد الفجة على ظاهر البدن وضعف حرارته الغريزية وقرب الآفة من القلب.
البحث الثالث:
قوله «وإن كان مع حمى هادئة دل على طول المرض»: أقول: وذلك لدلالته على رطوبات باردة في جوهرها لكنها سخنت بالحرارة الضعيفة العفنة PageVW5P044B فأوجبت لها سيلانا (442) وخروجا منه المسام. فإذا أخرجت صادفها البرد الخارجي فعادت إلى طبعها بذاتها و ومعاونة البرد الخارجي. ولا شك أن ذلك ينذر بطول المرض لأن ما كان من الرطوبات كذلك فإنه يبطؤ إنضاجه وتحليله وإما أن ذلك يدل على الموت.
38
[aphorism]
قال أبقراط: وحيث كان العرق من البدن فهو يدل على أن المرض في ذلك الموضع. (443)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو (444)من وجهين. أحدهما أن الفصل الأول قد تقدم الكلام فيه في العرق؛ ثانيهما أنه قد علم أن أحد وجهي حدوث العرق البارد في الحمى الحادة اختلاف محل الرطوبات الخارجة. وهذا الفصل يتضمن الكلام في هذا المعنى.
البحث الثاني:
العرق إذا كان في موضع من البدن دون موضع فإما أن يكون ذلك لسبب خارجي أو لسبب داخلي. والأول محال لأن نسبة أجزاء البدن إلى الخارجي واحدة، إذ لو كان بعض أجزاء البدن بالقرب من ذلك ثم حصل عرق لم يكن ذلك العرق دالا على مرض كما إذا كان بعض أجزاء البدن (445) قريبا من نار عند اصطلابها فإنه يدل على قوة تأثير النار في ذلك الموضع وتحليلها لرطوبات ذلك الموضع. والثاني أما أن يكون ذلك لسقوط القوة أو لاندفاع مادة المرض إلى ذلك الموضع. والأول باطل لأن ذلك العرق لا يكون إلا باردا، وقد تقدم الكلام فيه. وأيضا فإن عادة أبقراط إذا أطلق لفظة العرق لا يريد به البارد فبقي أن يكون حدوثه عن اندفاع مادة المرض إلى ذلك المرض. ومراده هاهنا بالمرض PageVW5P045A مادة المرض، فإن أبقراط كثيرا ما يطلق لفظة المرض على مادة المرض. فإذا اندفعت تلك المادة إلى الموضع المذكور بخرت الحرارة الحاصلة في ذلك العضو والقوى الخاصة به بل والعامة للإعانة منها أبخرة ثم إنها تتكاثف عند وصولها إلى المسام للكثرة فتتراكم وتصير عرقا. وعلى هذا فحيث كان العرق من البدن ففيه الفضلة الموجبة للمرض. والله أعلم.
البحث الثالث:
العرق منه محمود ومنه غير محمود. والأول ما اجتمع فيه خمس خصال: أحدها أن يكون مجيئه في يوم بحراني، وذلك كما بينه في الفصل الأول؛ وثانيها أن يكون حارا كما بينه في الفصل الآخر؛ وثالثها أن يكون في جميع البدن لئلا يجحف الفضل بموضع واحد من البدن كما بينه في هذا الفصل، فإن قيل إحجافه بطبيعة عضو من أعضاء (446) البدن أجود من إجحافه بطبيعة جملة البدن فنقول إنه متى كان عاما عاونت الطبيعة الخاصة بعضو عضو للطبيعة (447) العامة لجملة البدن بخلاف ما إذا كان خاصا؛ ورابعها أن لا يكون حارا تارة وباردا أخرى كما سنبينه في الفصل الآخر؛ وخامسها أن يعقبه خفة وراحة، فإنه متى كان كذلك كان خروجه من النوع الواجب خروجه وبالمقدار الذي يجب والغير المحمود ما نقص عن هذه.
39
[aphorism]
قال أبقراط: وأي موضع من البدن كان حارا أو باردا ففيه المرض. (448)
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما استدل بالعرق على محل المرض أراد أن يؤكد ذلك بالاستدلال باللمس، فقال: أي موضع PageVW5P045B كان من البدن حارا أو باردا، ففيه مادة لمرض لأن تلك المادة إن كانت حارة أوجبت اللمس الحار، وإن كانت باردة أوجبت البارد.
البحث الثاني:
قد علمت أن الصحة تتم بالاعتدال، فإذا أزال البدن عن الاعتدال تبدلت الحالة الصحية بالمرضية. فلذلك كان حرارة أي موضع كان من البدن أو برودة دالين على المرض. والله أعلم.
40
[aphorism]
قال أبقراط: وإذا كانت تحدث في البدن كله تغايرا وكان البدن يبرد مرة ثم يسخن (450) أخرى أو يتلون بلون ثم بغيره دل ذلك على طول من المرض. (449)
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما استدل على محل المادة باللمس ذكر ما هو أعم من ذلك من الدلائل وهو مطلق التغير ثم ذكر اللون على سبيل المثال فإن اللون يدل على نوع المادة غير أنه في دلالته نظر وقد عرفته. ولذلك أخره في الذكر.
البحث الثاني
في علة دلالة ذلك على طول المرض: وذلك لأن المرض متى كانت مادته من نوع واحد كان نضجها بنوع واحد من الإحالة وهو إما التقطيع أو التلطيف إذا كانت لزجة أو التغليظ إذا كانت لطيفة أو الترقيق إذا كانت غليظة. فإذا كانت أنواعا متعددة فإن الطبيعة تتحير في نضجها لأن نضج كل نوع منها يقابل نضج النوع الآخر ويخالفه مثاله أن نضج المادة الغليظة بالترقيق والرقيقة بالتغليظ، وكل واحد منهما مقابل للآخر. فإن مالت الطبيعة إلى مادة واحدة بالنضج حصل ذلك واحتاجت في نضج المادة الأخرى إلى زمان آخر. وإن توزع فعلها على المادتين، لم تفعل في كل PageVW5P046A واحدة منهما ما ينبغي أن يفعل فتطول مدة المرض على كلي التقديرين. ولذلك طالت مدة شطر الغب الخالصة وغير الخالصة.
41
[aphorism]
قال أبقراط: العرق الكثير الذي يجري في النوم من غير سبب بين يدل على أن صاحبه يحمل على بدنه من الغذاء أكثر مما يحتمل، وإذا كان ذلك وهو لا ينال منه دل على أن بدنه يحتاج إلى استفراغ. (451)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في الصلة: وذلك من وجهين: أحدهما PageVW1P110A أن أبقراط لما تكلم في أحكام العرق من جهة وقته أي النوم الذي يحدث فيه ومن جهة كيفيته أي حره وبرده ومن جهة محله أي موضعه، ذكر في هذا الفصل أحكامه من جهة كميته أي كثرته وقلته، وكان ينبغي أن يوصل هذا الفصل بالفصل الذي أوله «وحيث كان العرق من البدن فهو يدل على أن المرض في ذلك الموضع» لو لا لما ذكرناه من وجوب تقديم الفصول التي وقعت بين هذا وبين ذلك؛ ثانيهما أن حكم هذا الفصل أعم من الأول فإنه يتناول دلالة العرق في مقداره في حالتي الصحة والمرض.
البحث الثاني:
إنما خصص وقوع الكثير من العرق عند النوم لأن النوم أشد تعريقا من اليقظة. وذلك لأن اليقظة تتحلل المواد فيها بالتحليل الخفي أي بالبخار، وذلك لانتشار الحرارة فيها في ظاهر البدن وباطنه ولانفتاح المسام بسبب ذلك، والنوم الحال فيه بالعكس فإن الحرارة تقوى فيه في الباطن ومسام البدن فيه متكاثفه لاستيلاء البرد عليها، فإذا بخرت الحرارة في الباطن تراكمت الأبخرة في الظاهر واستولى البرد عليها قطرت ماء PageVW5P046B كما (452) نشاهده في الخارج عند دفع غطاء القدر في زمان الشتاء فإن البخار االذي يتصاعد إليها من القدر يقطر ويصير ماء فهذا هو علة كثرة العرق في النوم علته في حال اليقظةس وخصوصا في الجانب الأعلى من البدن. وذلك لوجهين: أحدهما لأن البخار بطبيعته يطلب الارتفاع؛ ثانيهما لأن الجانب الأسفل ينضغط بالأرض وبالنوم عليه.
البحث الثالث:
مادة العرق الغير مرضية رطوبة متوفرة قريبة من الجلد والمخرج لها أمور خمسة: أحدها حركة مفرطة فإنها ترقق المادة وتفتح مسام البدن؛ وثانيها حرارة الهواء الخارجي فإنها تفعل ما تفعله الحركة وزيادة لأنه يسخن الباطن لوروده على القلب بالاستنشاق. ولذلك صار هواء الحمام معرقا؛ وثالثها دثار متوفر فإنه يفعل ما تفعله حرارة الهواء، وذلك لأنه يعكس البخار المتحلل من البدن فيرجع على البدن ويسخنه ويعفل ما ذكرنا؛ ورابعها مزاحم يزاحمها من داخل بالضغط، وذلك إما لاستكثار من طعام أو من (453) شراب، والأول أبلغ من ذلك من الثاني لأن الطعام أغلظ وأثبت في المعدة بل وفي باقي الأعضاء فيكون ضغطه أشد، فلذلك ذكر الغذاء دون الشراب؛ وخامسها انتهاض الطبيعة للدفع، وذلك كما في أوقات البحارين العرقية فإنها تتشمر لدفع المادة إذا كان فيها مؤاتاة لذلك، فالعرق لما كان يحدث عما ذكرنا وكان غرضه أن يذكر العرق الدال على توفر المواد في البدن، احتاج أن يميز ذلك عن غيره، فقال «من غير سبب بين» أي ظاهر، فإنه متى كان كذلك كان لكثرة ما يتناول من الغذاء إما عن قرب PageVW5P047A وإما عن بعد.
البحث الرابع:
إنما شرح الكثرة في ذلك لأن العرق الكثير قد يكون من سخافة البدن، فإن مسام البدن متى كانت متخلخلة تحللت المواد أولا فأولا، وعند ذلك يكون الخارج قليلا قليلا. وقد يكون من ضعف القوة الماسكة، فإن القوة المذكورة متى كانت كذلك خرجت المادة المندفعة إلى مسام البدن أولا فأولا ففي مثل هاتين الصورتين لم يمكن اجتماع المادة وارتباكها تحت الجلد بحيث أنه إذا حصل محرك يحركها خرجت جملة وكان لها مقدار متوفر وعند ذلك لم يحتج البدن في تدبيره إلى ما ذكره أبقراط من تخفيف الغذاء أو استفراغ البدن.
البحث الخامس:
العرق الكثير الحاصل للاستكثار من الأغذية قد تكون هذه الأغذية على ما عرفت قريبة العهد بالاستعمال، وقد تكون بعيدة العهد بذلك،. فإن كان الأول فالتدبير في ذلك تخفيف الغذاء فإن الطبيعة عند ذلك تلتفت إلى تلك الكثرة وتهضم ما يصلح منها للهضم وتغتذي به الأعضاء وتقوى على دفع ذلك (454) وتحليل ما لا يصلح منها لذلك. وإن كانت بعيدة العهد فالتدبير في أمرها إخراجها عن البدن بالاستفراغ بما يخص المادة المستولية عليه غير أنه يجب أن يكون المخرج لها رقيق العمل لأنها غير مؤذية للبدن أذية ظاهرة لا بالكمية ولا بالكيفية. والله أعلم.
42
[aphorism]
قال أبقراط: العرق الكثير الذي يجري دائما حارا كان أو باردا فالحار منه يدل على أن المرض أخف، والبارد منه يدل على أن المرض أعظم. (455)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وذلك ظاهر لأنه أوصل كلامه في العرق غير أن مراده بالعرق المذكور PageVW5P047B في هذا الفصل الخارج في وقت المرض لا الخارج في أوقات البحارين. وذلك لوجهين أحدهما أن البحران قد تقدم الكلام فيه. ثانيهما أن البحران إذا كان العرق فيه كثيرا، فإنه لا يدل على طول المرض بل على انقضائه إن كان حارا أو القوة (456) مستظهرة (457) فيه. وإن كان باردا والقوة فيه (458) ضعيفة، دل ذلك على الهلاك.
البحث الثاني
في كيفية دلالة العرق المذكور على ما ذكره. اعلم أن كثرة العرق في مدة المرض دليل على توفر المادة المرضية غير أنه إذا كان حارا، دل على أن المرض قصير المدة، لأنه يدل على حرارة المادة الموجبة له. وإن كان باردا، دل على أن المرض طويل المدة لأنه يدل على برد المادة الموجبة له والمادة الباردة غليظة القوام ومثل هذه المادة تحتاج الطبيعة في نهضها إلى زمان طويل بخلاف المادة الحارة. فإن قوامها رقيق فهي مؤاتية للنضج وللتهيئ للدفع، فلا تحتاج في الإنضاج من الزمان إلى ما تحتاج إليه المادة الغليظة. ولا شك أن المرض الأقصر أقل خطرا من الأطول على ما عرفت مرارا من كتابنا هذا. فلذلك قال إن كان حار، فالمرض أخف، وإن كان باردا فالمرض PageVW1P110B أعظم والله أعلم.
البحث الثالث:
العرق إما أن يكون قليلا وإما أن يكون كثيرا. وكل واحد منهما إما أن يكون حارا وإما أن يكون باردا. وكل واحد منهما إما أن يكون في وقت البحران وإما أن يكون في مدة المرض. فإن كان كثيرا حارا كان أو باردا في مدة المرض، دل على طول المرض لدلالته على توفر المادة، غير أن الحار كيف كان يدل على أن المرض أقصر والبارد يدل على أن المرض أطول PageVW5P048A على ما عرفت. وإن كان في وقت البحران، فكثرته أجود من قلته لدلالته على دفع الطبيعة للمادة المرضية، غير أن مراده بالعرق المذكور في هذا الفصل في مدة المرض لا في البحران، والله أعلم.
43
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت الحمى غير مفارقة ثم كانت تشتد غبا فهي أعظم خطرا وإذا كانت الحمى تفارق على أي وجه كان فهي تدل على أنه لا خطر فيها. (459)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما ذكر في الفصل المتقدم ما يدل على خفة المرض وثقله أي جودته ورداءته، ذكر في هذا الفصل علامة أخرى دالة على ذلك من جهة لزوم الحمى ومفارقتها.
البحث الثاني:
أما حد الحمى وأقسامها (460) فقد عرفته فيما تقدم. والذي نقوله نحن الآن أن مراده بالحمى الغير المفارقة (461) الدائمة لا لابسيطة إذا تركبت كالغبين. والدليل على ذلك قوله «ثم كانت تشتد غبا» فإنه لا يوصف بهذه اللظفة إلا الحميات التي موادها داخل العروق. ومراده بالحمتين المذكورتين في هذا الفصل الصفراويتان. وضرب (462) المثال بهذا النوع من الحميات لأنها أسهل انقضاء وانفصالا. وإن كانت الدائمة من كل نوع أخطر في المفارقة من ذلك النوع، وصارت الدائمة أخطر من المفارقة من كل نوع. وذلك لأنها لا تريح الطبيعة البتة * في زمن الراحة (463) بل تكدها وتتعبها دائما بخلاف المفارقة فإنها تريح الطبيعة في زمان الراحة. ثم هذه تختلف في ذلك بحسب مدة الراحة في طولها وقصرها (464). وكذلك كانت الربع أقل من الدائرة خطرا ثم الصفراوية ثم البلغمية. وكذلك الحال في الحميات الدائمة في مدة اشتدادها وخفتها.
البحث الثالث:
قوله «وإذا كانت PageVW5P048B تفارق على أي وجه كان دل على أنه خطر فيها» أقول إنما قال ذلك ليبين أن المفارقة من كل نوع أجود من اللازمة المشاركة لتلك من ذلك النوع. وذلك لئلا يعتقد معتقد أن اللازمة من الصفراوية أشد خطرا من المفارقة الصفراوية فقط. واعلم أن المفارقة التي تكون نقية الفترة من الأعراض من التي تبقى في البدن منها بقايا وكذلك الحال في اشتداد الحميات الدائمة وخفتها، فإنه متى كانت الخفة فيها أظهر، فالشدة أنقص، فهي أقل خطرا مما إذا كان الأمر بالعكس. ولذلك صارت الغب الخالصة أقل خطرا من غير الخالصة، والله أعلم.
44
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابته حمى طويلة فإنه تعرض له إما خراجات وإما كلال في مفاصله. (465)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما تكلم في الفصل الأول في أحكام الحميات القصيرة المدد، ذكر في هذا الفصل أحكام الحميات الطويلة المدد (466).
البحث الثاني:
نقول طول مدة المرض إما لأمر في نفسه وأما لأمر عائد على (467) المرض وأما لأمر طارئ. والأول إما أن يكون لغلظ المادة المرضية وإما أن يكون للزوجتها وإما أن تكون لكثرتها. فإن أحد هذه متى حصل، احتاجت الطبيعة في إنضاجها إلى زمان طويل، فكان المرض طويلا. وأما الثاني فكذلك من وجوه أربعة. أحدها أن يكون العليل مسامه متكاثفة متلززة فإنه متى كان حاله كذلك احتسبت المواد في بدنه وحصل ما ذكرنا. ثانيها أن يكون ممن يتعانى الحرف التي تحتاج في استعمالها إلى مباشرة المياه كالقصارة والملاحة فإن ذلك PageVW5P049A مما يفيد البدن رطوبة تطول بها مدة المرض. ثالثها أن يكون شتى (468) التدبير في مرضه بمعنى أنه يخالف الطبيب فيما يأمره به وهو أنه عندما يأمره باستعمال تلطيف التدبير يغلظه. ولا شك أنه متى فعل (469) ذلك طالت مدة المرض. * ورابعها أن تكون قوة البدن ضعيفة فإنها متى كانت كذلك طالت مدة المرض لأنها تحتاج إلى زمان في نضج مادة المرض (470). وأما الثالث فذلك من وجوه خسمة. أحدها أن تكون الأخبار الواردة عليه مفزعة أو محزنة أو مغمة وبالجملة توجب اشتغال الطبيعة عن مقاومة العلة. ولا شك أنه متى حصل ذلك طالت مدة المرض. وثانيها أن ينتقل الهواء من الحرارة إلى البرودة كما إذا انتقل الزمان من الصيف إلى الشتاء، فإنه متى حصل ذلك تكاثفت المسام وغلظ القوام بالمادة وطالت مدة المرض. ثالثها أن يكون الطبيب المباشر لمعالجة المريض قليل التحصيل في صناعته فيستفرغ في وقت أن لا يجب الاستفراغ فيه وهو عند كون المادة فجة فيتسفرغ لطيف المادة ويبقى كثيفها. وكذلك الحال في الأغذية وهو أنه يستعمل الغليظة منها عند ما يجب استعمال اللطيفة منها. ورابعها أن يكون مرقده باردا جدا فإنه متى كان كذلك فعل في بدن العليل ومواده ما يفعله هو الفصل. خامسها أن يكون خدم العليل غير مطيعين له ولا للطبيب بل يستعملون ما يؤمرون به في غير أوقاته مثلا يستعملون الأغذية في وقت النوبة أو قبل نقاء البدن منها أو يؤخرون استعمال المسهل عن الوقت الذي يأمرهم الطبيب باستعماله فيه. فمتى حصل ما ذكرنا PageVW5P049B طالت مدة المرض.
البحث الثالث:
في كيفية إيجاب طول الحميات لما ذكره. أقول: وذلك لأن مدة المرض إذا طالت فإن المادة المرضية يغلظ قوامها ويبرد مزاجها والقوة تضعف. أما الغلظ فلتحليل لطيف المادة بطول زمان الحمى المحللة. وأما البرد فذلكثرة ما يتولد في البدن من الرطوبات الفجة بسبب ضعف الهضم. وأما ضعف القوة فلطول زمان مقاساة الطبيعة لمقاومة PageVW1P111A المرض فعند حصول ذلك لا يخلو الأمر من أحد حالتين إما أن تحلل الطبيعة المادة المرضية أولا فأول بالتحليل الخفي وذلك يلزمه كلال في المفاصل وذلك لما يتجلب ويسيل إلى الفاصل في ذلك الوقت من المادة المرضية لأنها قابلة لذلك بسبب تجوفها وسخونتها بالحركة ولأن أكثر وضعها في أسافل البدن. وإما أن تدفع تلك المادة إلى بعض المواضع الضعيفة فتحدث فيها خراجا وأكثر حدوث (471) هذا في المفاصل لما عرفته (472).
البحث الرابع:
مراده بالحمى ههنا الحمى الخلطية فإن لفظة الحمى إذا أطلقت يراد بها حمى العفن لأن حمى الدق تخص بحمى الدق وكذلك حمى يوم تقيد باليوم. وأيضا فإن قوله «حمى طويلة» تخرج بهه حمى يومه. وقوله «يعرض له خراج أو كلال في المفاصل» تخرج به حمى الدق فإن حمى الدق لا يعرض لصاحبها ذلك لأنه ليس هناك مادة توجب ذلك (473).
45
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه خراج أو كلال فى مفاصله بعد الحمى فإنه يتناول من الطعام أكثر مما يحتمل.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما تكلم في علل حدوث (474) الخراج والكلال في المفاصل في الحمى PageVW5P050A الطويلة ذكر علة حدوثه فيمن قد انتشل من مرضه وهو الناقه.
البحث الثاني:
قوله بعد الحمى أي بعد زوالها ومفارقتها ولا شك أنها متى زالت وفارقت وقد بقي في البدن من مادتها بقايا فإذا حصل بعد ذلك خراج أو كلال، فذلك لمادة تولدت في البدن. وذلك لا محالة يكون من التناولات إذا كانت أكثر مما ينبغي، إذ لو كانت بالمقدار الذي يجب لما تولد منها فضلة البتة.
46
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان يعرض نافض في حمى غير مفارقة لمن قد ضعفت قوته فتلك من علامات الموت. (475)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة .
البحث الأول
في الصلة هذا القدر ظاهر لأن ما قبله يتضمن الكلام في الحميات وكذلك هذا الفصل. قال جالينوس: فرق بين قوله إذا كان يعرض نافض وبين قوله إذا عرض نافض فإن الأول يدل على وقوع النافض مرارا كثيرة، والثاني يدل على وقوعه مرة واحدة. والنافض إذا عرض مرة واحدة لم يتبين بعد هل يتبع ذلك هلاك أم بحران محمود بخلاف ما إذا حصل مرارا كثيرة والحمى لا تقلع فإنه رديء لأنه إن كانت القوة قوية فهو ليس بمحمود لأنه بزعزعته يضعفها وإن حصل معه إسهال من غير أن يفارقه فهو أقوى في الرداءة لأنه يدل على أن الاستفراغ من غير النوع الموجب للمرض ففي مثل هذه الصورة تنحل قوة المريض من الوجهين جميعا. وإن كانت ضعيفة أسقطها في حاضر الوقت. أقول: المفهوم من هذا الكلام أنه لما كان النافض الحادث مرة واحدة لا يلزم من حدوثه ضعف القوة. والحادث مرارا يلزم ذلك عبر بعبارة تدل على أن مراده PageVW5P050B بذلك الحادث مرات. فقال إذا كان يعرض نافض في حمى غير مفارقة.
البحث الثاني:
قوله غير مفارقة يريد به أن تكون لازمة مع حدوث النافض. ولا شك أن هذا مع ضعف القوة دليل على الموت لأنه لم يكن به بحران إذ ليس الحمى تفارق معه فهو من أحد أمرين، إما عن سقوط القوة وعدم المسخن للمواد التي هي الحرارة الغريزية فتسيل الرطوبات بذاتها إلى الأعضاء وقد بردت بانطفاء الحرارة الغريزية. ولا شك أن ذلك دال على الموت. وإما لكثرة المواد الرديئة جدا ورشحها من العروق على الأعضاء الحساسة فتوجب النافض. وذبك مع ضعفها دليل مهلك لأن المواد الرديئة إذا كانت كثيرة لم يمكن أن تنضج أو تستفرغ إلا بقوة قوية. فإذا كانت ضعيفة استولت عليها المواد وقهرتها وكان (476) الموت (477).
البحث الثالث:
النافض حركة تحصل للبدن من غير طبيعية السابق فيها القوى النفسانية المتمم (478) لها القوة الطبيعية لمواد حادة تؤذي الأعضاء الحساسة. وهي (479) ينقسم عند الأطباء إلى أربعة أقسام أولها نافض منذر بإتيان الحمى. وذلك كما في الحميات الدائرة فإن مواد هذه الحميات إذا دامت الاجتماع والانصباب إلى ممستوقد العفونة ومرت بالأعضاء الحساسة فإنها تؤذيها وتنكيها وتلذعها. وعند ذلك تهرب الحرارة الغريزية منها والقوى إلى * الباطن أي (480) باطن البدن فيبرد الظاهر وتحصل القشعريرة ثم أن طبيعة ذلك العضو يتحرك لدفع نكاية المادة المذكورة فإذا كمل انصبابها إلى ذلك المستوقد ثم اشتعالها قويت الحرارة وسرت إلى جميع PageVW5P051A البدن وتبدل البرد بالحر . ثم أن هذه الحركة تختلف باختلاف المواد الموجبة لها. فذهب صاحب الكامل إلى أنها في الحمى الصفراوية أقوى منها في البلغمية. * قال: ذلك لأن المادة الموجبة لتلك الحركة كلما كانت أحد وأشد لذعا كانت أذيتها للعضو المارة به أبلغ وعند ذلك تكون حركة العضو لدفعها أقوى ولا شك أن الصفراء أحد من البلغم وأشد لذعا فتكون الحركة في الحمى الصفراوية أقوى منها في البلغمية (481). وذهب الشيخ الرئيس إلى أن هذه الحركة في الحمى البلغمية أقوى منها في الصفراوية على ما صرح به في الكتاب الرابع من القانون حيث تكلم في الحميات. قال: وذلك لأن المؤذي كلما كان أشد استمساكا بالعضو كانت حركة ذلك العضو لدفعه أقوى مما إذا كان المؤذي خاليا من ذلك. ولا شك أن البلغم لزج بخلاف الصفراء فتكون الحركة المذكورة في البلغمية أقوى منها في الصفراوية. والحق عندي ما ذهب إليه صاحب الكامل. و ذلك لأن حركة العضو لدفع المؤذي بحسب أذية المؤذي له. ولا شك أن المؤذيان في الصفراء العفنة أكثر منها في البلغم، فإن فيها من الحدة واللذع وقوة الحركة أكثر مما في البلغم العفن. وأما البلغم ففيه اللزوجة فقط وحرارته أقل من حرارة الصفراء. وأما السوداء فإن القعشريرة فيها أقوى من النافض. وذلك لبرد المادة وغلظ قوامها وبطؤ جريانها. هذا في مبادئ الأمر فإذا أخذت مادتها ترق وبردها ينكسر بالنضج قوي النافض فيها ونقصت القشعريرة. ولذلك صارت قوة النافض أجود فيها من ضعفه، والحمى الصفراوية بالعكس. وذلك لدلالة PageVW5P051B ذلك على نضج المواد السوداوية ورقة قوامها وسرعة جريانها PageVW1P111B ونضج المواد الصفراوية وغلظ قوامها وهدوء حركتها. وثانيها نافض منذر بإقلاع الحمى وذلك كما في الحميات الدائمة فإن الطبيعة عند ما تستولي على مادتها تفتح أفواه العروق وتخرجها إلى خارج وعند ذلك تمر بأعضاء حساسة فيحصل منها ما ذكرناه. وسنتكلم في هذا النوع من النافض فيما بعد. وثالثها نافض لا تعقبه حمى وذلك كما إذا استولى على البدن بلغم زجاجي خال من العفونة فإنه إذا مر بأعضاء حساسة، أذاها لأنه مناف لها وعند ذلك يتشمر لدفعه ويحصل منه ما ذكرنا غير أنه لا تعقبه حمى لأنه خال من العفونة. رابعها نافض منذر بالموت كما ذكر الإمام (482) أبقراط في هذا الفصل وقد عرفته (483).
47
[aphorism]
قال أبقراط: في الحمى التي لا تفارق النخاعة الكمدة والشبيهة بالدم والمنتنة والتي هي من جنس المرار كلها رديئة فإن انتقضت انتقاضا جيدا فهي محمودة وكذلك الحال في البراز والبول فإن خرج ما لا ينتفع بخروجه (485) من أحد هذه المواضع فذلك رديء. (484)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما كان كلامه في الحمى الدائمة فيما يدل على ردائتها، ذكر في هذا الفصل علامة أخرى دالة على ذلك وهي النفث الذي يخرج بالسعال ومراده هاهنا بالحمى ما يعم ذات الجنب وذات الرئة والسل. فإن هذه الأمراض جميعها يكون معها حمى دائمة. أما ذات الجنب فإن من أعراضها الحمى الدائمة على ما عرفت. وذلك لقرب الورم من القلب. * وأما PageVW5P052A ذات الرئة فلأجل الورم وقربه من القلب (486) وكذلك السل (487).
البحث الثاني:
النفث منه محمود ومنه مذموم. والمحمود ما اجتمعت فيه صفات ست (488). أحدها بياض اللون وذلك لدلاته على قوة القوة المغيرة بحيث أنها شبهت المادة الفاسدة بجوهر الأعضاء على ما عرفت. وثانيها تشابه أجزائه وذلك لدلالته على استيلاء القوة المغيرة على جميع أجزاء المادة . وثالثها سهولة الخروج وذلك لدلالته على قوة القوة (489) الدافعة وانطباع المادة للخروج بسبب كمال نضجها. رابعها أن لا يكون عديم الرائحة فإن عدمها يدل على استيلاء البرد وشدة النتن تدل على قوة العفن. خامسها أن يكون مقداره بمقدار المادة الموجبة له فإن الكثرة تدل على ذوبان العضو الخارجة منه والقلة تدل على ضعف القوة الدافعة له. وسادسها أن يكون له طعم وفيه حلاوة يسيرة فإن وجود الطعم فيه يدل على استيلاء المادة التي طعمها ذلك الطعم. وأما الحلاوة فإنها تدل على استيلاء الدم والدم أخص الأخلاط بالطبيعة. والغير المحمود (490) ما نقصت صفاته عن ذلك إما من جهة اللون فمثل أن يكون لونه مائلا إلى السواد أو إلى الخضرة أو إلى الصفرة أو إلى الحمرة. وأردأه الأسود ثم الأخضر ثم الأصفر ثم الأحمر. ثم الأسود منه احتراقي ومنه جمودي والفرق بينهما من وجوه ثلاثة. أحدها من جهة اللون فإن الاحتراقي مشرق اللون والجمودي كمد اللون. وثانيها بما يتقدمه (491) من الألوان وهو إن يتقدمه نفث أصفر ثم أسود فهو احتراقي، وإن تقدمه نفث أبيض ثم كمد ثم أسود فهو الجمودي. وثالثها من جهة القوام وهو PageVW5P052B أن الاحتراقي يكون متشتت الأجزاء لأن شأن الحرارة التفريق بين المختلفات والجمع بين المشاكلات والجمودي مجتمع الأجزاء لأن شأن البرودة الجمع بين المشاكلات والمختلفات. وأما من (492) جهة القوام فمثل الغليظ * والرقيق واللزج ويلزم هذا تعذر خروجه بالسعال، فإن الغليظ (493) يرسب في قعر العضو فيعسر على الطبيعة خروجه والرقيق يتشربه العضو ويداخل خلله واللزج يستمسك بالعضو. وأما من جهة الرائحة فقد عرفت ذلك وكذلك الكلام من جهة المقدار وأما من جهة الطعم فأي نفث استولى عليه طعم من الطعوم كان المستولي عليه المادة الموجبة لذلك الطعم (494).
البحث الثالث
في كيفية خروج المدة (495) بالسعال في الأمراض المذكورة. أما ذات الجنب فستعرف أنها ورم حاصل في الغشاء المستبطن للأضلاع فإذا ورم هذا الغشى زاحم الرئة وعند ذلك يحصل السعال لأن الرئة تتحرك في ذلك الوقت لدفع المؤذي غير أن هذا السعال يكون في أول الأمر يابسا أي بلا نفث. فإذا نضجت المادة الورمية خرجت من الغشاء إلى فضاء الصدر على سبيل الرشح والرئة أسفنجية، وهي دائمة الحركة فعند انبساطها تلاصق الغشاء الذي هو محل الورم فتتشرب ما رشح منه من المادة ويخرج منها بالسعال. وأما ذات الرئة، فخروج النفث منها ظاهر لأن الرئة تروم إخراج المادة منها لأن الورم والقرحة لا يمكن التحامهما إلا بعد تنقية ما فيها من المدة وكذلك الحال في السل غير أن ذلك مما يؤذيها ويزيد في توسيع القرحة والورم لأن إخراج ذلك لما كان يتم بالسعال وهو حركة والحركة موسعة للجراحة وجذابه للمادة ثم هذه المادة لا يمكن إخراجها إلا بذلك وذلك موجب لما ذكرنا (496).
[commentary]
PageVW5P053A
البحث الرابع:
قال ابن أبي صادق: هذا الفصل يتضمن أصلا كليا قد (497) خصصه (498) أبقراط ببعض جزئياته، وهو أن كل شيء رديء يستفرغ فهو علامة رديئة لأنه يدل على حالات رديئة في البدن. قال: وذلك كالنخاعة التي هي النفث والبراز والبول وذلك لأن عادة أبقراط أن يثبت الحكم في أمر كلي ثم ينقله إلى بعض جزئياته كما فعل في هذا الفصل وفي بعض الصور يثبت الحكم في أمر آخر (499) جزئي ثم ينقله إلى الأمر الكلي وذلك كما ذكرنا في الفصول المتقدمة.
البحث الخامس:
قد جاء في بعض النسخ «فإن خرج ما لا ينتفع به من أحد هذه المواضع فهو رديء» وفي بعضها «فإن خرج ما ينتفع به فهو رديء»، والكل حق. فإن خرج (500) ما لا ينتفع بخروجه، فهو (501) يدل على أحد أمرين، إما على أن (502) الاستفراغ ليس هو من النوع، وإما على أن الاستفراغ من نوع رديء. وهذا أردأ لدلاته على تمكن السبب الموجب له (503) كما (504) ذكرنا آنفا في البراز الأسود. وأما خروج ما PageVW1P112A ينتفع به فلا شك أنه رديء لحاجة الأعضاء إليه في التغذية والقوى في التقوية، غير أن النسخة الأولى أصح لأنها أشبه لما ذكره أبقراط في هذا الفصل من أنواع الخراج الرديء، * والله أعلم (505).
48
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان في (507) حمى لا تفارق ظاهر البدن باردا أو باطنه محترق وبصاحب ذلك عطش فتلك من علامات الموت. (506)
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة وذلك ظاهر لأن هذا الفصل يتضمن الكلام في الحميات الدائمة كما يتضمن الفصل المتقدم، أو نقول إن الفصل الأول يتضمن الكلام في الحميات الدائمة وهذا يتضمن الكلام في تلك ولذلك PageVW5P053B قال لا تفارق (508).
البحث الثاني
في تحقيق الكلام في هذه الحمى. نقول أولا إنما خصص أبقراط كلامه بالتي لا تفارق لأن ذوات الفترات يعرض فيها أن يبرد الظاهر ويسخن الباطن غير أن ذينك (509) الأبدان (510) على الموت. ثم اختلف أقاويل (511) الأطباء في علة هذا القدر. فقال جالينوس العلة * في هذا حصول (512) ورم في بعض الأعضاء الباطنة وذلك الورم إما صفراوي وإما دموي. فإن الطبيعة عند ذلك تتجه إلى جهة الباطن وذلك لمقاومة المؤذي وتتجه باتجاهها الروح والدم والحرارة الغريزية. أما (513) الروح فلأنها مركب للقوى، وأما الدم فلأنه مادة لها والحرارة الغريزية آلة لها. وهذه الثلاثة حارة فإذا مالت إلى جهة الباطن استولى البرد على الظاهر والحرارة على الباطن. ولا شك أن هذا رديء دال على الموت. وذلك من جهتين أحدهما لأجل الورم نفسه لأنه حاصل في محل شريف فإن الباطن أشرف من الظاهر. وثانيهما أذية الطبيعة ببرد الظاهر وحرارة الباطن. وقال بلاذيوس (514) إن هذا القدر يحدث عن كيموس غليظ يغمر الحار الغريزي ويحصره في عمق البدن ويمنعه من الانبساط. فإذا عدم الترويح صار ناريا محرقا في الباطن. فكأنه أشار إلى الحمى المسماة ليفوريا. وهذا الكلام فيه نظر فإن هذه الحمى لا يكون معها حر محرق في الباطن ولا عطش شديد. قال الرازي إن هذا القدر يحدث لتراجع الحار الغريزي إلى * الباطن أي (515) باطن البدن لضعفه عن الانتشار إلى الأطراف. وهذا فيه نظر فإن الحار الغريزي إذا ضعف (516) PageVW5P054A بحيث أنه لا يقدر أن ينتشر إلى الظاهر كيف يوجب الاحتراق في (517) الباطن وقوة العطش. وأيضا فإن الذي يوجب الاحتراق الحار الغريب بل هذا القدر يدل على الهلاك. والحق ما ذكره الفاضل جالينوس.
49
[aphorism]
قال أبقراط: متى التوت في حمى غير مفارقة الشفة أو العين أو الأنف أو الحاجب أو لم ير (519) المريض أو لم يسمع أي هذه كان وقد ضعفت قوته فالموت منه قريب. (518)
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما ذكر في (520) الأول علامة رديئة في الحمى الدائمة أعقبه بذكر علامة أخرى رديئة في تلك الحمى وهي (521) التواء الشفة والعين والأنف والحاجب وعدم * البصر والسمع (522) أو ضعفهما.
البحث الثاني
في بيان حدوث ذلك في الحمى. هذه الأمور تحدث عن الحمى لوجهين. أحدهما لورم حاصل في الدماغ بحيث أنه يجفف رطوبات الدماغ وعند ذلك يتقلص الأعصاب والعضلات القريبة منه. وثانيهما حرارة قوية جدا. ولذلك شرط في الحمى أن تكون دائمة فإنها (523) بسبب دوام تأثيرها تفعل ما ذكرناه. وذكر الأعضاء المذكورة لأن أعصابه قريبة من الدماغ وصغيرة ولدنه. ولذلك صارت الشفتان تلتويان والأنف والحاجب. وأما ضعف البصر والسمع، فلضعف القوى الدماغية بسبب الجفاف الحاصل له فأن القوى المذكورة فيضانه عليه وصدور أفعالها عنه فيه موقوف على مزاج مخصص. فإذا (524) تغير ذلك المزاج ضعفت قواه فيضعف البصر والسمع. وأما أن هذا دال على الموت فذلك ظاهر لأن الدماغ PageVW5P054B عضو رئيس والطبيعة اهتمامها بمرض الرئيس أشد من اهتمامها بما عداه. وإذا كان حاله كذلك فالجفاف المذكور لن (525) يحصل فيه إلا لمجفف (526) قوي بحيث أنه قهر الطبيعة الدماغية وأوجب فيها ما أوجبه والله أعلم.
50
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث (528) في حمى غير مفارقة رداءة فى التنفس واختلاط فى العقل فذلك من علامات الموت. (527)
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة وهو أن الفصل المتقدم لما كان يتضمن تشنج ما قرب من الدماغ على ما عرفت ذكر في هذا الفصل علامات رديئة حاصلة في الورم المذكور.
البحث الثاني:
مراده بالمرض المذكور ههنا البرسام وذلك لأنه ذكر أعراضه وذكر (529) الحمى اللازمة ورداءة التنفس واختلاط العقل. فلما ذكر هذه علم من ذكره لها أن مراده بالمرض المذكور هاهنا بالبرسام لأن الأعراض دالة على الأمراض والبرسام ورم حار يحدث في الغشاء المسمى أفرغما وهذه اللفظة فارسية والسرسام (530) أيضا ورم حار يحدث في أحد غشائي الدماغ أو في جرمه، خلافا لالرازي. وهذه اللفظة * أيضا فارسية (531) والسر هو الدماغ، والسام هو الورم، والبر هو الصدر والسام هو الورم. وهذا المرض يلزمه من الأعراض ما ذكره. أما الحمى فلأن الورم حادث عن مواد حادة عفنة. وذلك لأن الغشاء الصفاقية لا ينفذ فيه شيء من المواد إلا ما لطف منها. وكذلك الحال في ذات الجنب على ما ستعرفه. وأيضا لكون الآفة حالة في محل شريف فتجتهد الطبيعة في دفعها والاجتهاد حركة وهي مسخنة. وأيضا فإن PageVW5P055A القلب يتضرر بالمشاركة والمحاذاة ومن جهة اختلال التنفس على ما ستعرفه. وأما رداءة التنفس فلتضرر الأعصاب المحركة للصدر لتضرر مبادئها بالمشاركة. وأيضا فإن القوة الإرادية يتعذر عليها النفوذ عند ذلك في آلاتها. وعند ذلك تختل حركة التنفس PageVW1P112B بمعنى أنها لم تبسط الصدر على ما ينبغي وصار حال التنفس في المرض المذكور كذلك. وذلك لأن الأطباء اختلفوا في المحرك له فذهب جالينوس على ما ذكره في كتابه المعنون بحركة التنفس وصاحب الكامل من المتأخرين إلى أن المحرك له قوة إرادية آتية إليه من الدماغ في الأعصاب الناشبة منه المتصلة بعضلاته. وله أن يستدل على صحة هذا بتصرفنا في حركته فإن لنا من القوة أن نطوله ونقصره ونمسكه زمانا ما. ولمعتقد أن يعتقد أن المحرك له قوة طبيعية وله أن يستدل على صحة ذلك بحركته في حال الغفلة والذهول فإن القوة الإرادية تبطل في ذلك الوقت. وذهب الشيخ إلى أن المحرك له قوة إرادية وطبيعية وهو الحق وله أن يستدل بما ذكرنا. وإذا صح هذا فهو محتاج إلى القوة الإرادية فإذا تضرر المبدأ لهذه القوة، تضررت القوة المذكورة فيتضرر التنفس. وأما اختلاط الذهن فلتضرر الدماغ الذي هو محله. وصارت هذه العلامات في المرض المذكور منذرة بالموت. وذلك لدلالتها على قوة السبب والبرسام أعراضه شبيهة بأعراض السرسام. والفرق بينهما من وجهين أحدهما أن السرسام يتقدم فيه اختلاط الذهن على ضرر التنفس والبرسام بعكس هذا. وثانيهما أن السرسام لا تكون الحمى معه قوية كما في البرسام PageVW5P055B . وذلك لقرب الآفة من القلب في السرسام وبعدها عنه في السرسام. وقد ذكرنا في هذا كلام طويل في شرح قوله إذا كان البول مشتفا (532) أبيض (533) فهو رديء، وخاصة في الحميات التي يكون معها ورم الدماغ.
51
[aphorism]
قال أبقراط: الخراج الذي يحدث فى الحمى ولا ينحل في وقت البحرانات الأول ينذر بطول من المرض. (534)
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما ذكر في الفصل المتقدم البرسام (535) وهو مرض ورمي، ذكر في هذا الفصل الخراج وهو مرض ورمي وأيضا فإنه كان قد ذكر علامات رديئة في الحمى وفي هذا الفصل علامة أخرى رديئة في الحمى.
البحث الثاني:
ذهب الفاضل جالينوس إلى أن الضمير في قوله «ولا ينحل» عائد إلى الخراج إذا حصل في الحمى ولا ينحل الخراج في الأيام الأول من أيام المرض فإنه يطول. قال وهذا أمر بين لا يحتاج إلى (536) أن يقول فيه أبقراط قولا. وذهب ابن أبي صادق إلى أن الضمير في ذلك عائد إلى الحمى أي أن الخراج الذي يحدث في الحمى ولا ينحل به الحمى ينذر ذلك بأن الحمى تطول. والحق أن الضمير يصح أن يكون عائد إليهما على ما ستعرفه. وهو أن يقال إن الحمى إذا حصل فيها خراج ولم تنحل الحمى به في البحرانات الأول التي وجد فيها الخراج فذلك يدل على أن الحمى تطول مدتها. وذلك لأن هذا الخراج لو كان بحرانا تاما أي دفعا تاما من الطبيعة للمادة الموجبة للحمى لفارقت الحمى بحدوثه. وحينئذ تكون المادة قد انصبت ومالت إلى جهة الخراج بالكلية، وانقطع مدده. وإذا لم تفارق الحمى فإن ذلك يدل على أنه قد بقي بقايا من PageVW5P056A المادة في الأعضاء. وعند ذلك يمد الخراج أولا فأولا. ولا شك أن ذلك يطول به مدة الحمى لاشتغال الطبيعة بمقاومته ومقاوتمة الحمى بمقاومته، وتطول أيضا مدة الخراج فإنا إذا فرضنا خراجين متساويين في المقدار ثم كان أحدهما تمده مادة والأخرى لم تمده مادة فإن الذي تمده المادة تطول مدته والذي لم يمده شيء لا تطول مدته، * والله أعلم (537).
52
[aphorism]
قال أبقراط: الدموع التي تجري فى الحمى أو في غيرها من الأمراض إن كانت عن إرادة من (539) المريض فليس ذلك بمنكر، وإن كان عن غير إرادة فذلك (540) رديء. (538)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما سبق منه ذكر مرض من الأمراض التي يتضرر فيها الدماغ وهو البرسام وذكر فيه العلامات الرديئة المنذرة بالموت أعقبها بذكر علامة أخرى رديئة وهي سيلان الدموع من غير إرادة من (541) المريض ثم أطلق الحكم فقال بل (542) وفي جميع الأمراض فإن ذلك رديء لدلالته على ما سنقوله (543).
البحث الثاني:
سيلان الدموع في المرض على نوعين. منه ما يكون * بإرادة المريض، ومنه ما لا يكون بإرادته. والأول على نوعين منه ما يكون (544) لورود ما يغمه ويحزنه، ومنه ما يكون لنكايته وحزنه لاستشعاره بالموت. والثاني منه ما يكون لرمد في العين ومنه ما يكون لخشونة في جفنها ومنه ما يكون لنبات شعر داخل الجفن ومنه ما يكون لضمور لحم الموق ومنه ما يكون لرطوبات مستولية عليها ومنه ما يكون لضعف قواها الماسكة عن مسك رطوباتها وذلك لاشتغال القوى بمقاومة الآفة الدماغية والبدنية. فقوله «إن كان سيلان الدموع PageVW5P056B عن الإرادة ليس ذلك بمنكر» إنما قال «ليس بمنكر» ولم يقل «ليس برديء» وذلك لأن بعض ذلك دليل رديء وهو الكائن لنكاية والاستشعار. ولذلك عبر بما ذكره وقوله إن كان عن غير إرادة (545) فذلك أردأ أي بالإضافة إلى ذلك وذلك لأن اشتغال القوى وسيلانها إلى جهة الدماغ أو إلى جملة البدن لمقاومة آفة (546) وتحليلها لتدبير أعضائه (547) دليل على قوة الآفة. ولا شك أن هذا أردأ من الأول لأن الأول قد يكون لاستيلاء السوداء على البدن وإحداثها خيالات فاسدة أوجبت ذلك. ومما ذكرنا يعلم أن النسخة التي جاء فيها «أردأ» أصح من النسخة التي جاء فيها «رديء (548)» خلافا لما قاله جالينوس فإنه قال في شرحه لهذا الفصل إن ذكر المقايسة * هاهنا وهو قوله أردأ غلط من الناسخ الأول من قبل أبقراط والحق عندي أن المقايسة (549) كانت مذكورة في كلام أبقراط وإن إسقاطها من الناسخ الأول لأنه لم يفهم كلام أبقراط على ما ينبغي وهو ما ذكرنا.
البحث الثالث:
الدموع التي تجري في الحميات (550) بغير إرادة (551) قد تكون من عين واحدة وقد تكون من الاثنين والأول أردأ من الثاني لدلالته على نقصان الرطوبات وذهابها بحرارة الحمى بحيث أنه لم يبق منها ما يعم الاثنين بل ما يخص الواحدة دون الأخرى PageVW1P113A .
البحث الرابع:
قال جالينونس (552) جريان الدموع بغير إرادة إذا لم يكن لعلة خاصة بالعين فذلك لضعف ماسكة العين. قال الرازي (553): ولو كان ذلك لضعف الماسكة للزم من ذلك أن يسيل العرق البارد والبول والبراز والفضول PageVW5P057A كلها لا سيما فضول الدماغ كالمخاط وما يخرج من أعلى الحنك. قال بل العلة في ذلك أن العين إذا بقيت مفتوحة زمانا طويلا بلا طرف تقلصت اللحمة التي في المآق وخرجت الدموع. والجواب عن هذا أنه قد علم أن لكل واحد من الأعضاء طبيعة خاصة غير طبيعة العضو الآخر ولكلها طبيعة عامة. فالخاصة مثل أن يكون في كل واحد منها قوة جاذبة وهاضمة وماسكة ودافعة. وإذا كان كذلك فلا يلزم من ضعف ماسكة عضو آخر لأنها غيرها. وهذا القدر الذي ذكره إنما يلزم أن لو فرضنا ليس لها طبيعة خاصة البتة، * والله أعلم (554).
53
[aphorism]
قال أبقراط: من غشت أسنانه فى الحمى لزوجات فحماه تكون قوية. (555)
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة وهو أن هذه علامة أخرى رديئة في الحميات الحادة. وذلك لدلالتها على قوة الحمى واشتعالها على ما ستعرف.
البحث الثاني:
الرطوبات اللزجة انعقادها على الأسنان بحيث أنها تغشيها بحرارة قوية تفني اللطيف منها و متى فنيت هذه بقي الغليظ منها وهي في نفسها لزجة غير أن لزوجة غليظها أبلغ من لزوجة رقيقها. فإذا تحلل اللطيف وبقي الغليظ اللزج وعند ذلك يلبس الأسنان واللسان جميع أجزاء الفم ويكون لونها بحسب لون المادة المستولية عليها وكذلك طعمها فلذلك صارت الرطوبات اللزجة إذا غشيت الأسنان في الحميات دل ذلك على قوة حرارة الحمى، * والله أعلم (556).
54
[aphorism]
قال أبقراط: من عرض له في حمى محرقة سعال كثير يابس ثم كان تهييجه له يسيرا فإنه لا يكاد يعطش. (557)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وذلك PageVW5P057B ظاهر لأنه يتضمن الكلام في الحميات. وأما الحمى المحرقة فقد عرفتها وهي عبارة عن الحرارة الحادثة عن عفونة الصفراء الخالصة إذا كانت بقرب القلب أو الكبد. وقد جاء في كلام أبقراط أنها تحدث عن البلغم المالح.
البحث الثاني:
السعال على نوعين رطب ويابس. فالرطب (558) هو الذي يكون معه نفث واليابس هو الذي لا يكون كذلك. وشرط في هذا السعال أن يكون يابسا لأن الرطب في الحميات الصفراوية في الأكثر النفث الخارج معه صفراوي ومثل هذا يكون معطشا لا مسكنا للعطش. ثم أنه ذكر اليابس بشرطين أحدهما أن يكون كثيرا وثانيهما أن يكون تهيجه (559) يسيرا. أما الأول فليكون (560) ما يوجبه من تسييل الرطوبات المسكنة للعطش متتابعا. وأما الثاني فإن السعال المقلق معطش بل يكون حصوله مع كونه ليس في بعض الأوقات دون بعض فإنه متى كان كذلك كان غير مقلق (561).
البحث الثالث
في كيفية تسكين السعال المذكور للعطش. نقول: وذلك لأن الحركة المذكورة تجذب إلى القصبة الرئة رطوبات من الأعضاء التي تجاورها مثل الحنجرة والمري والدماغ ومتى انجذبت تلك الرطوبات إلى قصبة الرئة ندتها ورطبتها وسكنت عطشها وقوله لا يكاد يعطش المراد به تسكين العطش (562).
55
[aphorism]
قال أبقراط: كل حمى تكون مع ورم اللحم الرخو الذي فى الحالبين وغيره مما أشبهه فهي رديئة إلا أن تكون حمى يوم. (563)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وذلك ظاهر لأن يتضمن الكلام في الحمى العفنة واليومية فإن PageVW5P058A الورم الحاصل في الأعضاء المذكورة تارة يكون يوجب حمى عفن وذلك إذا كان المرتفع منه إلى جهة القلب بخار المادة العفنية وتارة يوجب حمى يوم. وهذا إذا كان المرتفع نفس الأذى أو نفس الكيفية.
البحث الثاني:
المواضع المذكورة إذا انصبت إليها مادة من المواد قبلتها لسخافتها وتخلخلها واجتمعت فيها لضعف دافعتها عن دفع ما انصب إليها وعند ذلك تعفن لانحصارها ولاجتماع الأبخرة المنفصلة عنها عندها ومتى عفنت حصل منها ما ذكرناه وصارت حمى العفن الحادة على هذه الصورة رديئة. وذلك لأن الأعضاء المذكورة مغايض للأعضاء الرئيسة فإذا تأذت هذه وصل الأذى إلى الأعضاء الرئيسة. والأذى الواصل من هذه قوي جدا. وذلك لأن المادة العفنة في هذه المواضع تستحيل إلى كيفية سمية وبالجملة كثيرا ما يصير طاعونا فلذلك قال وهي رديئة إلا أن تكون حمى يوم.
البحث الثالث
في الطواعين. هذه اللفظة كانت (564) تطلق في قديم الزمان على كل ورم يحصل في أحد المغايض الثلاثة التي في الأربيتين وتحت الأبطين (565) وخلف الأذنين ثم خصصوا ذلك بالورم (566) * البارد أو الحار (567) الحاصل (568) تحت الإبطين (569) المستحيل إلى كيفية سمية. ومن علامته رداءة الرائحة وسواد لون ما حول الورم وحصول غشي في بعض الأوقات وعرق بارد. كل (570) هذا لما يصل منه إلى القلب من الأبخرة السمية والله أعلم.
56
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت بإنسان حمى وأصابه عرق فلم تقلع عنه الحمى فتلك علامة رديئة، وذلك PageVW5P058B لأنها تنذر بطول من المرض وتدل على رطوبة كثيرة. (571)
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما ذكر أن حمى العفن إذا كانت عن ورم اللحم الرخو رديئة أعقب ذلك بذكر علامة أخرى رديئة في تلك وهي (572) حدوث العرق مع استمرار الحمى.
البحث الثاني:
كثرة العرق تارة تكون لدفع الطبيعة وتارة تكون لكثرة المادة بحيث أنها تخرج من ذاتها على سبيل الرشح فإن حرارة الحمى تخلخل أجرام الأوعية ومسام البدن تهيئها للخروج وتارة تكون لضعف القوة PageVW1P113B عن مسك المادة كما يعرض عند الغشي وسقوط و القوة. ولا شك أن العرق المذكور ليس هو من دفع الطبيعة إذ لو كان كذلك لأقلعت به الحمى. ولا لسقوط القوة لأن ذلك ينذر بطول المرض ويخص هذا العرق لزوجة القوام وذلك لانحلال الرطوبة الأصلية التي بها تتماسك الأعضاء. فبقي أن يكون للكثرة (573). ولا شك أن ذلك يدل على طول المرض لدلالته على توفر الرطوبة الموجبة للحمى. هذا إذا (574) كانت القوة قوية وإلا فمتى كانت ضعيفة أنذرت بهلاك المريض.
البحث الثالث:
الطبيعة البدنية لا يمكنها أن تدفع المادة المرضية إلا بعد تهيئتها للخروج. وذلك يتم بالنضج غير أن النضج حركة وهي محتاجة إلى زمان فالنضج محتاج إلى زمان. ولا شك أن نضج المادة الكثيرة زمانه أطول من نضج المادة القليلة. فلذلك صارت كثرة المادة تدل على طول المرض إذا لم تحصل معونة من جهة الطبيب في إخراج المادة بالصنعة. والله أعلم.
57
[aphorism]
قال أبقراط PageVW5P059A : من اعتراه تشنج أو تمدد ثم أصابه حمى انحل بها مرضه.
[commentary]
الشرح (575) أما صلة هذا بما قبله فهو أنه لما تقدم منه الكلام في أحكام الحميات ذكر في هذا الفصل أن الحمى قد تكون سببا لزوال مرض آخر وهو أنه إذا كان امتلائيا من مادة باردة لا سيما إذا كانت الحمى ذات نافض وكانت المادة مداخلة لجوهرها الأعضاء في خللها كما في هذه الصورة التي ذكرها أبقراط ههنا وهي التشنج والتمدد. وقد تقدم لنا كلام شاف في التشنج والتمدد وأسبابها علاماتها. والفرق بينهما في المقالة الثانية في شرح قوله لأن تكون الحمى بعد التشنج * خير من أن يكون التشنج بعد الحمى (576). ومما ذكرنا يفهم نفع الحمى من هذا المرض لا سيما متى كان معها نافض (577).
58
[aphorism]
قال ابقراط: إذا كان بإنسان حمى محرقة فعرضت (578) له نافض انحلت عنه بها (579) حماه.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة وهو أن حكم هذا الفصل كالمقابل للذي قلبه وذلك لأن الذي قبله يشتمل على ما تفارق الحمى به. فإن النافض متى حصل في الحمى المذكورة دل على خروج المادة * من العروق إلى (580) ظاهرها. وعند ذلك يحصل بمرور المادة على الأعضاء الحساسة لذع وحرقان فتتشمر لدفعها لذلك و تحصل الحركة المذكورة المسماة بالنافض (581).
البحث الثاني:
حصول النافض في الحمى المذكورة تارة (582) يكون لاستيلاء الطبيعة على المادة بحيث أنها تقهرها وتخرجها ويحصل ما ذكرناه وتارة يكون خروجها للكثرة بحيث تخرج من ذاتها على سبيل الرشح ويحصل منها ما ذكرناه. وإذا كان الحال كذلك، فمراده PageVW5P059B بالنافض هاهنا (583) المنذر بإقلاع الحمى النافض الكائن لاستيلاء القوة لا للكثرة. وأما المحرقة وأقسام النافض فقد عرفت ذلك جميعه (584).
59
[aphorism]
قال أبقراط: الغب الخالصة أطول ما يكون تنقضي في سبعة أدوار.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وذلك من وجهين أحدهما أن كلامه في الفصل الأول في الحمى المحرقة وهي الحادثة عن صفراء خالصة قريبة من القلب وهذه عن تلك المادة إذا كانت في البدن كله. ثانيهما أن المحرقة دائمة الأخذ والغب الخالصة منها دائمة ومنها دائرة فبعض أقسامها يشابه المحرقة في الدوام.
البحث الثاني:
الغب على نوعين خالصة و غير خالصة. والخالصة هي الحادثة عن صفراء محضة والغير الخالصة (585) في الأكثر هي الحادثة عن صفراء يشوبها بلغم بحيث أنها تكون مخالطا له لا (586) أنه متميز عنها كما في شطر الغب. والغب متى كانت مادتها خالصة في مادتها خالصة كان مدتها أقصر مما إذا كانت غير خالصة. وتعرف الخالصة من غير الخالصة بوجوه عشرة أحدها من جهة السخونة * وهي أنها متى كانت نحيفة منخرطة فهي خالصة ومتى كانت مترهلة كمدة فهي غير خالصة (587). وثانيها من جهة القارورة فإنها متى كانت قليلة الصبغ والحدة فهي غير خالصة. ومتى كانت بالخلاف فهي خالصة. ثالثها من جهة الأعراض، وهي أنها متى كانت * قوية فهي خالصة ومتى كانت ضعيفة مثل العطش التلهب ومرارة الفم والصداع فهي غير خالصة (588). ورابعها من جهة النوائب وهي أنها متى كانت طويلة المدد فهي PageVW5P060A غير خالصة ومتى كانت قصيرة المدد فهي خالصة. وخامسها من جهة الفترة وهي أنها * متى كانت (589) غير نقية من الأعراض فهي غير خالصة، ومتى كانت نقية فهي خالصة. وسادسها من جهة العرق وهو (590) أنه متى كان قليلا عند انفصال النوبة فهي غير خالصة ومتى كانت بالعكس فهي خالصة. وسابعها من جهة الوقت الحاضر وهو أنه متى كان بأردا فهي غير خالصة في الأكثر ومتى كان حارا فهي خالصة في الأكثر. وثامنها من جهة التدبير المتقدم وهو أنه متى كان * مرطبا مبردا (591) فهي غير خالصة ومتى كان مسخنا مجففا فهي خالصة. وتاسعها من جهة هيئة البدن وهي أنها متى كانت متلززة متكاثفة فهي غير خالصة ومتى كانت متخلخلة فهي خالصة. وعاشرها من جهة السن وهي أنها متى كانت غير سن الشباب فهي غير خالصة في الأكثر ومتى كانت سن الشباب فهي خالصة في الأكثر (592).
البحث الثالث
في معنى الدور. الدور عند الأطباء عبارة عن زمان الأخذ والترك. والغب الخالصة على نوعين دائمة ودائرة. فالدائمة تشتد وتنقص فاشتدادها يقوم مقام نوبتها إذا كانت دائرة وتنقصها يقوم مقام فترتها إذا كانت كذلك. وزمان أخذها إذا كانت دائرة من ست ساعات إلى * اثنتي عشرة (593) ساعة في الأكثر. وقولهنا في الأكثر فإنه من المحتمل أن ينقص عن ست ساعات PageVW1P114A وهو إذا كانت المادة قليلة جدا أو تطول أكثر من اثنتي عشرة (594) ساعة إذا كانت كثيرة جد.ا وزمان تركها في الأكثر ست و ثلاثون ساعة فيكون زمان الدور الواحد ثمانية وأربعون ساعة فيكون مدة الدور الواحد يومين كاملين. وعلى هذا PageVW5P060B التقدير تكون مدة (595) السبعة أدوار أربعة عشر يوما. هذا إذا كانت دائرة. وأما إذا كانت دائمة فمدة ذلك أقل من هذه المدة وهي من سبعة أيام إلى أحد عشر يوما لأن الأمراض الدائمة أقصر مدة من الدائرة. واعلم أن حكم أبقراط بقصر مدة الخالصة وطول مدة الغير خالصة هو بحسب الأكثر وغالب الأمر فإن الخالصة قد تكون مدتها طويلة وهي الحادثة عن المحية الغير مخالطة للبلغم الغليظة للمرار الأصفر الطبيعي. ومنها ما هي حادثة على سبيل الاستحالة وهو أن يذهب لطيف الصفراء الطبيعية ويبقى كثيفها فتصير شبيهة (596) بمح البيض في القوام. وهذا النوع قد ذكره جالينوس في كتاب القوى الطبيعية، ونقل عنه أبو سهل المسيحي. فمثل هذا النوع إذا عفن وحصل عنه حمى كانت (597) مدتها طويلة. ولما كان الحال كذلك قال في الأكثر على ما جاء في بعض النسخ (598).
60
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه فى الحمى الحادة في أذنيه صمم فجرى من منخريه دم أو استطلق بطنه انحل بذلك مرضه.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما ذكر في الفصل الأول الغب الخالصة وهي الحمى التي يلزمها الصمم في (599) بعض الأوقات ذكر في هذا الفصل كيفية انحلال هذا العارض في الحمى المذكورة. قال فإنه ينحل بأحد أمرين إما برعاف وإما بإسهال.
البحث الثاني:
ليس (600) المراد بالصمم ما أريد به في العرق العامي وهو (601) أن يكون قد خلف باطن الأذن أصم أي عديم التجويف بل المراد به ثقل السمع وهذا سببه في الحمى المذكورة ارتفاع المرار (602) إلى جهة الأذن لما عرفت فيما تقدم. وعند ذلك PageVW5P061A تشتد مسالك القوة السامعة فإذا خرجت المادة المذكورة عاد السمع إلى حالته الطبيعية. وجروج هذه المادة تارة يكون بالرعاف وتارة يكون بالإسهال، و خروجها بالأول أولى وأسهل. وذلك للقرب غير أن بالثاني يحصل النقاء أكثر * من الأول (603) وذلك لبعد الموضع ولأنه (604) يخرج به المواد اللطيفة والغليظة وقدم الرعاف على الأسهال لقرب موضعه (605).
البحث الثالث:
حصول الرعاف والإسهال في الصمم تارة يكون لدفع الطبيعة للمادة المذكورة عن الجهة المذكورة وتارة يكون لكثرة المادة بحيث أنها عمت الجهتين. فإن كان حصول ذلك للأول فهو المنذر بنزول الصمم. وإن كان للثاني، فلا ينحل به العارض المذكور لأنه يتبعه ضعف القوة العامة والخاصة. فإنك قد عرفت أن الإسهال سواء كان من مواد صالحة أو رديئة فإنه لا بد أن يتبعه ضعف القوى.
البحث الرابع:
قد عرفت أن دفع الطبيعة للمادة (606) في البحارين تارة يكون بالعرق وتارة يكون بالقيء وتارة يكون بالإسهال وتارة يكون بالإدرار وتارة يكون بخروج الدم من أفواه العروق وتارة يكون بخروج دم الطمث غير أن أجود اندعافها بالإسهال. وذلك لأن فيه يخرج لطيف المادة وغليظها ولذلك (607) جعل من شروط البحران التام. ولما كان حاله كذلك خصصه بالذكر. * وأما الرعاف (608) فإنما ذكره هاهنا لقرب الموضع. ولذلك قدم ذكره لا لأنه أفضل من الإسهال، والله أعلم.
61
[aphorism]
قال أبقراط: إذا لم يكن إقلاع الحمى عن المحموم في يوم من أيام الأفراد فمن PageVW5P061B عادتها أن تعاوده.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما ذكر أن زوال الحمى وما يفارقها من الأعراض يكون بالرعاف وبالإسهال البحرانيين (609) قال في هذا الفصل هذا القدر لا يقلع به الحمى إقلاعا تاما إلا إذا كان حصوله في الأيام الأفراد وذلك لأن غالب الحميات هي الحميات الصفراوية وهي تنوب في الأفراد والبحران كائن في أيام النوائب فلذلك شرط في هذا النوع من البحران أن يكون حدوثه في يوم من الأفراد.
البحث الثاني:
قال جالينوس أحسب أن هذا الفصل من الفصول المدلسة وذلك لأن أبقراط ذكر في تقدمة المعرفة وكتاب أبيديميا أن مرضى كثيرين أتاهم البحران في الرابع عشر وفي العشرين والرابع والعشرين * وفي الثلاثين (610) * وفي الأربعين (611) والستين والثمانين وهذه كلها أيام أزواج. قال فإن الواجب أن يجعل مكان الأفراد البحران وهو أن يقول إذا لم يكن إقلاع الحمى عن المحموم في يوم من أيام البحران (612) فمن عادتها أن تعاود. * وقال الشيخ (613)علاء الدين ابن النفيس (614) هذه الأيام المذكورة أفراد في الحقيقة على حساب البحران وذلك لأن اليوم الرابع عشر هو اليوم السابع من الأسبوع الثاني واليوم العشرون (615) هو اليوم السابع من الأسبوع الثالث واليوم الأربعون (616) هو السابع من الأسبوع السادس. وأما الرابع فهو نصف السابع ونصف السابع فرد. ثم قال على أن كلامه في الحميات وغالب الحميات صفراوية وهي تنقضي في الأيام الأفراد لأن نوائبها تأتي في الأفراد والبحران حاصل فيهما. واعلم أن أصل الكلام من جالينوس PageVW5P062A فيه نظر وذلك لأنه يقول في كتاب البحران إن التجربة قد شهدت أن بحارين الأمراض الحادة في الأفراد وبحارين الأمراض المزمنة في الأزواج، وهو حق فإن غالب الحميات الحادة (617) صفراوية (618) * تأتي بحارينها (619) في الأفراد على ما عرفت. وعلى هذا التقدير يكون كلام أبقراط إذا لم يكن إقلاع الحمى في يوم من أيام الأفراد فمن عادتها أن تعاوده، والله (620) أعلم.
62
[aphorism]
قال أبقراط: إذا عرض اليرقان فى الحمى قبل اليوم السابع فهو علامة رديئة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وهو أن هذا الفصل كالمؤكد لحكمه في الفصل المتقدم فإنه لما قال إذا لم يكن إقلاع الحمى عن المحموم في يوم من أيام الأفراد فمن شأن تلك الحمى أن تعاود قال في هذا الفصل ولذلك صار اليرقان إذا حصل في الحمى في اليوم السادس، وهو المعنى بقوله قبل اليوم السابع، فهو علامة رديئة لدلالته على كثرة المادة بخلاف ما إذا كان عروضه PageVW1P114B في اليوم السابع فإنه يكون لدفع الطبيعة (621).
البحث الثاني
في معنى اليرقان وسببه. اليرقان هو انتقال لون ظاهر البدن إلى الصفرة أو إلى السواد لاستيلاء أحد المادتين اللتين هما (622) الصفراء والسوداء عليه من غير عفونة إذ لو كان هناك عفونة لولدت الصفراء غبا والسوداء ربعا. والأصفر له أسباب تسعة أحدها حرارة الكبد سواء كانت حرارته (623) ساذجة أو مادية والمادة مورمة أو غير مورمة فإن الكبد متى حصل لها ذلك ولدت معظم ما ينفذ إليها من صفو الكيلوس مادة صفراوية. وثانيها الإفراط في استعمال PageVW5P062B الأغذية والأدوية المسخنين فأيهما كان فإن معظم ما يتولد منه الصفراء. وثالثها سدة في مجرى المرارة بحيث أنها تمنع الصفراء من النفوذ إلى جهة المرارة ثم المعاء فترجع قهقري إلى جهة الكبد وتنفذ مع الدم. ثم هذه السدة تارة تكون في المجرى الأعلى للمرارة وتارة تكون في المجرى الأسفل. ورابعها دفع من الطبيعة لمادة حمى الغب. وقد يكون اندفاعها لكثرة مقدارها. ويفرق بينهما بما يعقب ذلك من الأعراض. وخامسها لذع زنابير خبثية أو قملة النسر فإن البدن متى حصل له ذلك أحال الوارد عليه وما فيه من المواد إلى الصفراء بسبب قوة حرارته. وسادسها تواثر غضب مفرط فإنه متى حصل ذلك جذب مواد البدن إلى ظاهره وأحرقها وجعلها صفراء. وسابعها احتباس عرق معتاد لا سيما في المحرورين فإنه متى حصل استولى ما هو معتاد للتحليل من الصفراء وأحال (624) لون البدن إلى الصفرة. ولذلك ما يكثر اليرقان عند هبوب الرياح الشمالية وفي الشتاء القوي البرد. وثامنها ضعف القوة المميزة التي في الكبد والقوة المميزة التي في الكبد. والقوة المميزة هي عبارة عن دافعة العضو الدافع كالكبد مثلا وجاذبه العضو الجاذب كالمرارة مثلا. ولا شك أنه متى حصل ذلك بقيت الصفراء مخالطة للدم ونفذت معه إلى الأعضاء وغيرت لون ظاهرها إلى الصفرة. وتاسعها ضعف دافعة الكبد فقط فإنها متى حصل لها ذلك بقي معظم الصفراء محتبسا في الكبد ونفذ مع الدم لضرورة قاهرة (625).
البحث الثالث:
اليرقان له علامات عامة وعلامات خاصة. فالعامة أربع أحدها احتباس البراز وذلك لميل المنية على PageVW5P063A دفعة إلى ظاهر البدن. وثانيها بياض البراز وذلك لميل الصابغ له إلى ظاهر البدن. وثالثها بياض اللسان لأنه من الأعضاء الباطنة واليرقان المواد فه مائلة إلى الظاهر. ورابعها بياض البول ثم اصفراره وصفرة الزبد ثم سواده وغلظ قوامه وشدة رائحته. ومثل هذا اللون متى عرض في اليرقان أنذر بزواله لدلالته على انفتاح السدة وخروج المواد المحتبسة التي استفادت السواد بسبب الاحتباس. والخاصة بسبب سبب. أما الكائن عن الحرارة فيدل علىيه شدة الالتهاب والعطش المفرط ونحافة البدن والانتفاع باستعمال المبردات ضمادا فيما دون الشراسيف في الجانب الأيمن أو شربا وأكلا فإن كان هناك ورم دل عليه صلابة الموضع غير أن الرجيع لا يبيض في حرارة الكبد كابيضاضه في السددي بل ربما انصبغ أكثر من انصباغه في حال الصحة. ويفارقه بوجه آخر وهو أن المزاجي لا يكون فيه ثقل في الجانب الأيمن كما في السددي. ويخص أيضا أن يكون حدوثه بالتدريج. وأما الكائن عن الأغذية والأدوية المسخنين فوجود السبب دال عليه. وأما السددي فيدل علىيه ثقل في الجانب الأيمن إلى جهة السفل غير أنه متى كانت السدة في المجرى الأعلى من المرار كان زوال صابغ البراز قليلا قليلا لأن كيس المرارة لا بد وأن يكون فيه شيء من الصفراء ينصب أولا فأولا إلى جهة المعاء، وإن كانت في المجرى الأسفل حصل ذلك دفعة. وأما الكائن لدفع الطبيعة فيدل عليه ما يعقبه من الخفة والراحة ومقاومة الحمى والكائن للكثرة بضد ذلك. والكائن للذع الزنابير يعرف من وجود سببه. وكذلك الكائن PageVW5P063B عن تواتر الغضب وعن احتباس العرق. والكائن عن ضعف المميزة يعرف بلون البول والبراز وهو أن يكون مائلا إلى الحمرة لاختلاط الدم بالمرة النافذة إلى المرارة. والكائن عن ضعف الدافعة يعرف بضعف شهوة الطعام (626).
63
[aphorism]
قال أبقراط: من كان يصيبه في حماه نافض في كل يوم فحماه تنقضي في كل يوم.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما ذكر في الفصل المتقدم أن انتفاض الصفراء إلى ظاهر البدن قبل السابع علامة رديئة، ذكر في هذا الفصل أن ذلك ليس برديء مطلقا. فإن ذلك إذا كان على سبيل إحداث النافض في الحميات الدائرة كان ذلك ليس برديء لدلالته على أن العفونة خارج العروق. ولا شك أن ذلك أسلم مما إذا كان داخل العروق (627).
البحث الثاني
في ذكر شيء محتاج إليه في حل هذا الفصل وهو أن الحمى تنقسم من الراس إلى بسيطة ومركبة. والبسيطة تنقسم إلى ثلاثة أقسام روحية وعفنية ودقية. والمركبة تنقسم إلى قسمين أحدهما ينقسم إلى ثلاثة أقسام مشابكة ومداخلة ومبادلة. وقد عرفت تقسيم الحمى البسيطة والمركبة في المقالة الأولى * في البحث الرابع (628) من (629) شرح قوله إذا كان للحمى أدوارا فامنع من الغذاء في أوقات نوائبها. إذا عرفت ذلك فنقول الحمى التي يعرض فيها نافض في كل يوم وينقضي في كل يوم لا يتصور أن يكون دائمة لأنه ليس فيها نافض والدائمة وإن حصل فيها نافض فيه يكون إقلاعها وإن كان (630) على سبيل الرشح للكثرة فمثل هذا لم يفارق معه الحمى. وإن كانت دائرة فإما أن تكون مفردة أو مركبة فإن كانت مفردة فلا يتصور هذا PageVW5P064A القدر إلا في البلغمية غير أنه إن فهم من كلامه هذه الحمى لم يكن في قوله فحماه تنقضي في كل يوم فائدة لأن هذه PageVW1P115A الحمى تنقضي في كل يوم فإن هذا القدر يعرف منها. وإن كانت مركبة فلم يصح هذا القدر إلا في التركيب المسمى بالمبادلة وهو أنه إذا فارقت الواحدة تأخذ الأخرى بعدها بحيث أنها لا يكون بين الانفصال والابتداء زمان محسوس وأيضا بشرط أن يكونا من مادة واحدة مثلا من صفراء فإنه متى كان الأمر كذلك كان النافض حاصلا في يوم وانقضاء الحمى في يوم.
البحث الثالث:
لقائل أن يقول فما الفرق بين هذه الحمى وبين الدائمة التي يحصل فيها ذلك كل يوم على سبيل الرشح؟ قلنا إن الكائن للرشح يخف به الحمى لأنه لا بد وأن تنقص به مادة المرض بخلاف تلك.
64
[aphorism]
قال أبقراط: متى عرض اليرقان فى الحمى في اليوم السابع أو في التاسع أو في الرابع عشر فذلك محمود إلا أن يكون الجانب الأيمن مما دون الشراسيف صلبا فإن كان كذلك فليس أمره بمحمود.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة أما جالينوس فقال الواجب أن يكون هذا الفصل متصلا بالفصل الذي أوله إذا عرض اليرقان في الحمى قبل اليوم (631) السابع فهو علامة رديئة. ثم يقول وأما متى عرض (632) في اليوم السابع أو التاسع أو في الرابع عشر إلى آخره قال وإذا كان كذلك وكان وقوع الفصل المذكور بينهما دخيلا. والحق عندي أن الفصل الذي قبل هذا ليس هو دخيلا بل ذكره فيما بين الأول وهذا الفصل لفائدة وهو أنه كأنه يقول اندفاع من الباطن إلى الظاهر تارة يكون اندفاعا رديئة وتارة PageVW5P064B يكون اندفاعا جيدا، وتارة يكون اندفاعا متوسطا. ففي الفصل الأول ذكر الاندفاع الأول وهو قوله إذا عرض اليرقان في الحمى قبل اليوم السابع فهو علامة رديئة، وفي الفصل الثاني ذكر الاندفاع الثالث، وهو قوله من كان يصيبه في حماه نافض في كل يوم فحماه تنقضي في كل يوم وفي الفصل الثالث وهو الذي نحن الآن في شرحه ذكر الاندفاع الثاني وجعل الاندفاع الثالث تاليا في الذكر لأنه كذلك في الترتيب فإن الأول لما كان يتضمن الرديء والثاني ما دونه في الرداءة أعقبه بذكره (633) وجعل هذا تاليا لأنه دون الثاني (634) في الرداءة فإنه كيف كان لا بد فيه شيء من ذلك لأن فيه حصول مرض عن مرض غير أن المرض الثاني الذي هو اليرقان لما كان حصوله في الأعضاء الظاهرة التي هي أقل شرفا من الأعضاء الباطنة كان أقل ضررا. ومن هذا يعلم أن الفصل الثاني لم يقع دخيلا بين الأول وهذا الفصل (635).
البحث الثاني
اندفاع المادة من الباطن إلى الظاهر تارة يكون لدفع الطبيعة لها وتارة يكون للكثرة ويعرف هذا القدر بما يعقبه من الأعراض ومن اليوم الذي وقع الاندفاع فيه. أما الأول فمثل سكون الحمى والصداع والعطش والقلق وانصلاح رائحة البول والبراز وكذلك قوامها * ولونها. وأما الثاني، فهو أن يكون ذلك في يوم من أيام البحارين (636) الجيدة لا سيما القوية في ذلك. وقد عرفتها غير أن الأول دل على السلامة من الثاني، فإنه من المحتمل أن يحصل الدفع من جهة كثرة المادة في يوم من الأيام البحرانية. وأما الأول فإنه من المستحيل أن يكون الدفع من جهة الطبيعة وتعقبه الأعراض المذكورة ولأجل هذا لم يقل إنه محمود مطلقا، بل بشرط وهو أن لا يكون معه صلابة في الجانب الأيمن مما دون الشراسيف فإنه متى كان كذلك دل على ورم في الكبد أو في عضلتها. والفرق بينهما بشكل الورم ويكون البول واللهيب والعطش. أما الشكل فإنه متى كان في الكبد كان هلالي الشكل. ومتى كان في العضل كان مستطيلا ومستعرضا. وأما لون البول فإنه متى كان في الكبد كان له صبغ، ومتى كان في العضل لم يكن (637) كذلك. * وأما اللهيب والعطش فإنه متى كان في الكبد كان ذلك قويين جدا ومتى كان في العضل لم يكونا كذلك والله تعالى أعلم (638).
البحث الثالث
إنما اقتصر أبقراط على ذكر السابع والتاسع والرابع عشر من الأيام البحرانية ولم يذكر ما بعدها لأن ما بعدها لا يكون بحرانه بيرقان فإن اليرقان مادته صفراوية في الأكثر وبحارين الأمراض الصفراوية تنقضي في الرابع عشر ومادة اليرقان وإن كانت أغلظ من مادة العرق غير أنها في نفسها لطيفة لأنها صفراء. وكان يجب على أبقراط أن يذكر الحادي عشر. وظاهر الحال أن إسقاطه سهو من الناسخ الأول (639).
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به في الحمى التهاب شديد في المعدة وخفقان في الفواد فتلك (640) علامة رديئة.
[commentary]
الشرح مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وذلك من وجهين أحدهما أنه لما كان اندفاع المادة إلى الظاهر في الحمى تارة يكون للكثرة وتارة لدفع الطبيعة ذكر ما يدل على أن الدفع للكثرة لأنه ذكر ما يدل على أن الدفع للطبيعة وهو العلامة المحمودة. وذلك مثل الالتهاب في المعدة والخفقان في الفؤاد فإن حصول ذلك يدل على استيلاء مواد حادة على العضوين المذكورين. ثانيهما PageVW5P065B أن الأول ذكر فيه علامة ضرر الكبد وهو الصلابة وهذا ذكر فيه علامة (641) ضرر المعدة.
البحث الثاني
لفظة الفؤاد تطلق عند اليونانيين على فم المعدة وعلى القلب فإن فهم منه الأول فذلك ظاهر وذلك لأن * الالتهاب الكائن في (642) المعدة يكون إما من صفراء حادة أو ورم صلب حار حاصل فيهما. وكلاهما يوجبان خفقان فيها أي يحصل له حركة اختلاجية وذلك لدفع ما يناله من الأذى. وإن فهم منه الثاني فهو محتمل أيضا لأن القلب كثيرا إما يتضرر في الحالة المذكورة وذلك لوجهين إما لمجاورة المعدة وإما (643) لميل شيء من الصفراء إلى جهة القلب. وأما الحركة الخفقانية فلدفع المؤذي وحينئذ يكون الفصل مشتملا على تضرر المعدة والقلب. قال الرازي وهذا هو الأولى وذلك لأن ذكره الفؤاد بعد ذكر المعدة دليل على أنه لم يرد بذلك فمها. وأيضا فإن المضار القلبية في الحمى أعظم خطرا من مضار فم المعدة (644).
البحث الثالث
في معنى الخفقان. الخفقان حركة تعرض للقلب شبيهة بحركة الختلاج. وسببه أمر مؤذ يصل إلى القلب فيتحرك الحركة المذكورة لدفعه. وذلك المؤذي تارة يكون حدوثه للقلب بغير واسطة وتارة يكون بواسطة. والأول منه PageVW1P115B ما هو من داخل ومنه ما هو من خارج. والداخل منه ما يكون عن أوجاع مبرحة تحلل القوى والأرواح وعند ذلك تضعف القوة المحركة للقلب غير أن تحركه على الواجب. ومنه ما يكون عن قوة حس القلب فإنه متى كان كذلك، كان شديد الانفعال عن ما يرد عليه من المؤذي. ولو كان ضعيفا فتتحرك عند ذلك الحركة المذكورة PageVW5P066A . ومنه ما يكون عن سوء مزاج ساذج إما حار فإن الحر الشديد يوجبه لأنه مؤذ ولأنه يحرق الأرواح ويكثر عنده الأبخرة الدخانية. وذلك محوج إلى حركة قوية سريعة في الانبساط لجذب الهواء البارد وفي الانقباض لدفع البخار الدخاني وكل ذلك زائد في الخفقان، وإما بارد وإحداثه لذلك من حيث أنه مؤذ وكذلك الرطب اليابس. ومنه مادي وإحداثه لذلك من حيث أنه مؤذ وذلك (645) بسدة لمنافذ الروح وذلك إما الشريان الوريدي وأما الأبهر. فإن السدة الأولى تحدث الحركة المذكورة بمنعها البخار الدخاني من الخروج عن القلب ودخول الهواء البارد إليه. والثانية تحدث بمنعها الأرواح من الخروج على الواجب فتغمر الحرارة الغريزية والقوى الحيوانية وتارة يحدث ذلك بالتوريم. وأقواها في إيجاب ذلك السوداء وأسهلها الريح. والكائن بواسطة إما أن يكون بواسطة البدن كله كما في الحميات الوبية أو في عضو واحد كالمعاء إذا اجتمع فيها الدود أو مات شيء منه. فإنه عند ذلك يرتقي منه أبحرة رديئة إلى جهة القلب فتؤذيه ويحيث له الحركة المذكورة. وكذا فم المعدة إذا ورم واجتمع فيه مادة رديئة فتؤذي القلب بالمجاورة وتوجب له الحركة المذكورة. وأما ما يخص كل واحد مما ذكرنا من العلامات فمعرفة ذلك ظاهرة والله أعلم.
65
[aphorism]
قال أبقراط: التشنج والأوجاع العارضة في الأحشاء فى الحميات الحادة علامة رديئة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما ذكر علامة من العلامات الرديئة في الحمى الحادة أعقبه بعلامة أخرى رديئة وهي (646) التشنج والأوجاع PageVW5P066B العارضة في الأحشاء.
البحث الثاني
في كيفية حدوث التشنج في الحمى المذكورة وذلك من أربعة أوجه (647) أحدها من ريح تمدد العضلات والأعصاب وتحدث التشنج وسبب حدوث الريح تسخين حرارة الحمى للرطوبات حتى تصيرها رياحا تمدد الأعضاء وعند ذلك ينقص طولها ويزداد عرضها. ثانيها لذع المادة الصفراوية العفنة للعضل والأعصاب فتشمر منها وتجتمع لذاتها (648) وتتقلص وعند ذلك ينقص طولها وقليل من عرضها. وثالثها تجفيف حرارة الحمى لرطوبات الأعضاء المذكورة فيتقلص طولها وعرضها. ورابعها ميل المادة المذكورة إلى الأعضاء المذكورة وتداخلها لخللها وعند ذلك ينقص طولها ويزداد عرضها وقد تقدم لنا كلام آخر في التشنج (649).
البحث الثالث
سبب حصول الوجع في الحمى المذكورة إما ورم في الأحشاء وإما سدة في بعض مجاريه ولذع المادة له. وعند ذلك تميل الطبيعة لمقاومة ذلك إلى جهة الباطن فتشتد الأعراض وتقوى بسبب القتال. وصار ذلك علامة رديئة لدلالته على ضعف الأحشاء وقبولها للضرر. وكل ذلك رديء.
66
[aphorism]
قال أبقراط: التفزع والتشنج العارضان في الحمى في النوم من العلامات الرديئة .
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة وهو أن هذا يتضمن أيضا ذكر علامة من العلامات الرديئة في الحميات. فإن التفزع المراد به انتهاض المريض من نومه لا لمنبه خارجي. وذلك لمواد حادة تلذع الدماغ (650) وتنكيه وتؤذيه. والتشنج لميل المواد إلى جهة الأعضاء المذكورة وهي المحركة. وكل ذلك رديء PageVW5P067A .
البحث الثاني
قال جالينوس إن أبقراط ذكر فيما تقدم إن النوم الذي يضر المريض من علامات الموت والنوم الذي لا يضره ليس هو من علامات الموت. وأتى على ذلك بمثال أي بدليل وهو أنه قال (651) متى سكن النوم اختلاط الذهن فتلك علامة صالحة. ثم ذكر في هذا الفصل مثالين آخرين يدلان على الضرر وهما حصول التفزع والتشنج في النوم. فإن ذلك يدل على حصول ضرر الخلط المؤذي إلى الدماغ غير أنه إن كان مائلا إلى السوداء حصل منه التفزع وإن كان من نوع آخر حصل منه الوجع. ولا شك أن هذا أردأ (652) فإنه لن (653) يحصل إلا لقوة السبب بحيث أنه قهر الطبيعة المدبرة للبدن العامة والخاصة بالدماغ الذي هو عضو رئيس.
البحث الثالث
الواجب أن لا يفهم منه (654) التشنج المشهور فإن المشهور لا يثور في حال النوم ويسكن في حال اليقظة وأيضا فإن التشنج المشهور أردأ بل مراده بالتشنج صرير الإنسان التي جرت العادة بحدوثه في حال النوم. وسببه تصاعد أبخرة رديئة إما من دود أو من خلط رديء فاسد حاصل في المعدة (655) إلى جهة عضل الفكين فيؤديها وينكيها. وحينئذ تتحرك لدفعها فتحصل الحركة المذكورة. فإن في مثل هذا يحصل في حال النوم ويبطل في حال اليقظة ولا يدل على الهلاك بل على الرداءة لدلالته على رداءة المادة وشدة عفونتها (656).
البحث الرابع:
قال جالينوس وجدنا مكان التفزع في بعض النسخ التوجع. أقول وهذا أيضا موافق وذلك لأن ضعف القوة وعجزها عن تدبير البدن وجلب PageVW5P067B منافعه ودفع مضاره في حال النوم الذي القوة فيه متوفرة دليل رديء. واعلم أن العليل قد يشكو عياء (657) وتوجعا في أواخر مرضه. ومثل هذا لا يدل على مكروه لأن أكثر وقوع هذا عند الإحساس بالضعف وذلك عند فراغ الطبيعة من المقاومة ولأجل هذا أكثر ما يحس بالضعف في أواخر الأمراض وذلك لذهاب الشاغل من الشعور (658).
67
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان الهواء يتعثر في مجاريه من البدن، فذلك رديء PageVW1P116A لأنه يدل على تشنج.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث سبعة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما تقدم منه ذكر التشنج ذكر في هذا الفصل علامة دالة عليه، وهو تعثر الهواء في مجاريه. ومراده هاهنا بالهواء على ما ذكره جالينوس هواء (659) التنفس فإن هذه آلات (660) وهي العضلات والأغشية المحركة للصدر متى (661) حصل لها المرض المذكور منعت الهواء المذكور من الدخول على الواجب وعند ذلك يحصل له وقفة في دخوله كما يحصل لمن تعثر في مشيه فإنه يحصل له ذلك في حركته.
البحث الثاني
لفظة التعثر مستعارة من الحيوان إذا عثر أي إذا صادفه شيء في طريقه يصاك أقدامه عند مشيه. ولا شك أن الحيوان متى حصل ذلك حصل له وقفة في مشيه كذلك إذا حصلت آفة في الآلات المحركة للصدر حركة التنفس منعت القوة (662) عن الحركة التامة فتحصل (663) وقفة فيها. فلأجل ذلك عبر عن ذلك بالتعثر.
البحث الثالث
الآفة الموجبة لضرر التنفس تارة تكون في الدماغ الذي هو مبدأ أفعال العضلات المحركة للصدر وتارة تكون خاصة PageVW5P068A بهذه العضلات ثم هذه تارة تكون خاصة بالعضلات الباسطة وتارة تكون بالعضلات القابضة. فإنه قد عرف في التشريح أن للصدر عضلات باسطة وأخرى قابضة ويعرف ذلك بالضرر الحاصل في إحدى الحركتين فإنه إن كان التألم والتعثر في الانبساط فالآفة حاصلة في عضله. وإن كان في الانقباض فهي حاصلة في عضله. ولفظة التنفس تطلق في العرف العامي على حركة الانقباض وفي الخاصي على مجموع الحركتين وإذا كانت الآفة حاصلة في الدماغ فيعرف هذا القدر بعموم الآفة للحواس. والدماغ متى تضرر تضرر حركة التنفس. ولنبسط القول في هذا فنقول ذهب صاحب الكامل إلى أن حركة التنفس إرادية. قال وذلك لأن المحرك للصدر الحركة المذكورة العضلات المطيفة به والعضلات القوة المذكورة آتية إليها في الأعصاب والأعصاب نابتة من الدماغ والدماغ مبدأ الحركات الإرادية بدليل أنه متى تضرر، تضررت هذه الحركات. قال وإذا كان كذلك فالمحرك للصدر الحركة المذكورة القوة الإرادية. وذهب غيره إلى أن المحرك له القوة الطبيعية. قال ولذلك لم تبطل في حال النوم والغفلة فإن الإرادة تبطل في الوقتين (664) المدكورين. وذهب (665) ابن سينا إلى أن المحرك له الحركة المذكورة القوتان أي الإرادية والطبيعية. وهذا هو الحق. فإن لنا أن نتصرف فيه في الطول والقصر والسرعة والبطؤ. ولا شك أن هذا يدل على أن فيه قوة إرادية تبقى في حال النوم والغفلة * الذي الإرادية (666) متعطلة فيه وهذا يدل على PageVW5P068B أن المحرك فيه (667) طبيعية. فهذا هو الحق في هذا الباب إذا عرفت هذا. فنقول والدماغ متى تضرر ضعفت القوة المحركة للصدر عن حركته على الواجب وحينئذ تحصل الوقفة المذكورة. وأما متى كانت الآفة في العضلات فإن تضرر التنفس ظاهر (668).
البحث الرابع
التنفس ينقسم إلى أقسام منه عظيم ومنه صغير ومنه طويل ومنه قصير ومنه سريع ومن بطيء ومنه منقطع ومنه غير منقطع (669) ومنه متواتر ومنه متفاوت (670) ومنه منتن الرائحة ومنه غير منتن. ولكل واحد من هذه الأقسام أسباب وهذا السبب إما أعضاء التنفس كالحنجرة والرئة وقصبتها وعروقها الخشنة وشرايينها والحجاب وعضل الصدر، وإما أن يكون في مبادئ الحركة كالدماغ والنخاع، وإما أن يكون في الأعضاء المجاورة لآلات (671) التنفس مثل الكبد والمعدة والطحال والرحم والمعاء. وهذه الآفة إما سوء مزاج ساذج أو مادي وإما تفرق اتصال من صدمة أو سقطة وإما مرض آلي مثل الفالج والتشنج. فالعظيم منه (672) هو الذي يبسط معه أعضاء التنفس في الجهات المذكورة (673) الممكنة انبساطا وافرا. وأسبابه ثلاثة قوة القوة على تحريك الأعضاء المذكورة في الجهات المذكورة ولين الآلة لتكون مطاوعة في ذلك وشدة الحاجة لتحوج الطبيعة أن تتحرك إلى الجهات المذكورة. والصغير ما قابل ذلك. والطويل هو الذي يطول فيه مدة تحريك الصدر لجذب الهواء في استنشاقه ورده إلى خارج. وذلك لتمكن القوة في التصرف فيه. وذلك لمانع يمنع الطبيعة من استعمال العظيم. والسرعة والقصير هو المقابل لذلك PageVW5P069A فإن قارنه تفاوت دل على ضعف الحرارة (674) الغريزية. فإن ازداد ذلك دل على موتها. فإن قارنه التواتر دل على قرحة في آلات التنفس. وأما السريع فهو الذي يقطع فيه الحركة في مدة قصيرة مع بلوغ الحاجة وذلك لشدة الحاجة بحيث أن العظيم لا يفي بما يحتاج إليه أو لمانع يمنع من استعمال العظيم مثل أن تكون الآلة صلبة. ثم هذه السرعة قد تكون في الانبساط وقد تكون في الانقباض وسنتكلم في هذا. والبطيء المقابل لذلك. وأما الحار فلسوء مزاج ساذج أو مادة مستولية على القلب وآلات التنفس (675). والبارد فلضعف الحرارة الغريزية وقربها من الانطفاء. والمنقطع هو المتضاعف وهو الذي يتم فيه الانبساط والانقباض بحركتين بينهما وقفة كنفس الصبى إذا بكى. وسببه آفة في آلات التنفس مثل تشنج عضلات الصدر * أو ما (676) يجاورها من الأعضاء. وهذا التنفس رديء جدا في الأمراض الحادة فإنه يمنع الرئة من جذب الهواء البارد مرة واحدة. والمتصل على نوعين ضيق وغير ضيق. والضيق (677) هو الذي لا تجد الطبيعة فيه منفذا واسعا. وذلك إما لرطوبات لزجة في العروق الخشنة أو في خلخلة الرئة وإما لورم في الأعضاء المجاورة PageVW1P116B لآلات التنفس. ومن هذا النوع من التنفس التنفس المنصف وهو أن يكون في أحد قسمي الرئة آفة تعثر التنفس في جانبها ويكون الجانب الآخر سليما وكذلك نفسه. والغير ضيق دليل جيد في جميع الأمراض لدلالته على صحة آلات التنفس. والمتواتر هو الذي يكون في أحد الزمانين الحاصل بين الحركتين قصيرا جدا. وسببه إما شدة (678) الحاجة بحيث أن العظيم والسرعة لا يفي بما يحتاج إليه من الاستنشاق PageVW5P069B وإما لمانع يمنع القوة من استعمالها. المتفاوت مقابله. والمنتن يدل على عفن في آلات التنفس إن لم يكن ذلك عن الفم. والغير منتن يدل في حال المرض على استيلاء البرد على المادة المرضية.
البحث الخامس
اختلف الأطباء اليونان على المتحرك بالذات وبالتبع في التنفس. وقد حرر الفاضل جالينوس هذا القدر في كتابه المعنون بحركة الصدر والرئة. ونحن قد زدناه في ذلك. فنقول ذهب اسقليبياوس (679) إلى أن الصدر وحده هو المتحرك والرئة ساكنة. قال وذلك لأن الفائدة من التنفس جذب الهواء البارد المصلح لمزاج القلب والروح ودفع ما احترق من ذلك إلى خارج البدن. والحس يشهد بأن المتحرك هذه الحركة الصدر والرئة اسفنجية لا يمنع الهواء من الدخول فيها والخروج منها. وإذا كان كذلك فالحاجة حينئذ تتم بحركة الصدر مع سكون الرئة. فإن الطبيعة إذا أمكنها أن تستعمل في تحصيل غرضها آلة واحدة لم تعدل عن ذلك إذ في تكثير الآلات مؤنة عليها في جلب النافع ودفع الضار. وقد أبطل جالينوس ذلك بوجهين أحدهما أن الحس يشهد بحركتها فإنا نرى الصدر عند ما يقع في أحد جوانبه أو جانبيه (680) جرح وخرج من المخرج شيء من جرم الرئة فإنا نشهد حركتها انبساطا وانقباضا. وثانيهما أنا (681) إذا وضعنا أيدينا على الصدر عند سكونه فإنا نحس في داخل الصدر بحركة خفية شبيهة بحركة الاختلاج. وذهب اثيناوس (682) إلى أن المتحرك (683) فيه الرئة فقط والصدر ساكن. قال وذلك لأن الأجسام على نوعين صلبة ولينة. فالصلبة يستحيل PageVW5P070A إن تتحرك أحد طرفيها مع سكون الطرف الآخر. وأما اللينة فيجوز ذلك فيها. وقد عرفت كيفية اتصال الأضلاع يعظام القص أي أن ذلك الاتصال لحامي وما كان كذلك فكيف يتصور أن يتحرك أحد طرفيه دون الآخر؟ قال جالينوس هذا باطل من وجوه أربعة أحدها أن الأضلاع وإن كانت عظاما غير أن لها مفاصل من جهة عظام الصدر (684) ومن جهة الفقرات وإن كانت خفية. وإذا (685) كان حالها كذلك جاز أن يتحرك أحد طرفيها دون الطرف الآخر. وذلك بحسب سلاسة المفصل ووثاقته. وثانيها أنا إذا قمطنا الصدر بقماط رفيع ثم أمرنا صاحبه أن يتنفس تنفسا قويا، فإنا نرى القماط ينقطع بل ولو كشطنا جلدة الصدر لرأينا حركة الأضلاع عيانا. وثالثها أن الصدر يحيط به أغشية وعضلات ويتصل به أعصاب وهذه كلها آلة للحركات والرئة لا يتصل بها شيء من ذلك. فلو كانت هي المتحرك والصدر ساكن لكان اتصال تلك الآلات (686) به عبثا ولكان يمكن وجود الحركة بدون آلتها وذلك محال. ورابعها أن لحم الرئة رخو متخلخل وإذا كان كذلك كيف يتصور أن يقال إن مثل هذا الأول محرك للثاني بال العكس أولى. وذهب ايرفلس (687) إلى أن الرئة والصدر متحركان لكن على سبيل المد والجزر بمعنى أن الصدر عندما * ينقبض تتبسط الرئة وعندما ينبسط تنقبط (688) الرئة. واستدل على هذا بالحس. قال فإنا نشاهد الرئة عند خروجها في (689) جراحة الصدر فإنها عند انقباضه يخرج منها شيء ويكون منتفخا (690) وعند انبساطه تبعد هي عنه بعدا كثيرا. وما سبب هذا أنها عندما PageVW5P070B ينقبض الصدر تنبسط هي. ولذلك يكثر البعد بينهما وبينه. قال جالينوس وهذا قول فاسد وذلك لأن الرئة جوهرها (691) لين لدن قابل للغمز وما كان كذلك فأي موضع وجدته من الصدر خاليا برزت منه عند الغمز عليه وضغطناه فعند وقوع الجراحة فيه تبرز الرئة عند ضغطه لها في حال انقباضه لا أنها تنبسط وتخرج فهذا هو سبب خروجها. والذي نقوله نحن في هذا أن * الذي دل (692) على بطلانه وجهان أحدهما أن الرئة عند حصول الجرحة في الصدر لا شك أنها تتألم، فتألمها يشغل القوة الخاصة بها عند جذب الهواء البارد ودفع البخار الدخاني على ما ينبغي. وعند ذلك تخيل أنها عند انبساطه منقبضة لتعذر انبساطها على تمامه. وثاثنيها أنه لو كانت حركة الصدر والرئة على سبيل المد والجزر لصادمت حركة الهواء الخارج للهواء الداخل فإما أن يتساويا في المقاومة أو لا يتساويا. فإن كان الأول احترق القلب والروح عند دفع الرئة للبخار الدخاني المحتاج إلى دفعه عن القلب. وإن كان الثاني لكان (693) من المستحيل أن الهواء الداخل يقهر الخارج لوجهين أحدهما أن مادة الخارج أوفر من مادة الداخل لأنه عند خروجه يستصحب البخار المتولد عند تكون الروح. وثانيهما أن الخارج حار والداخل بارد ومن المستحيل أن يقال إن أقوى الفاعلين يقهره أضعف (694) الفاعلين. وإذا كان كذلك القاهر هو الخارج فيمتنع أو يتعذر نفوذ الهواء البارد إلى القلب ويترتب على ذلك احتراق الروح PageVW1P117A والحرارة الغريزية. وفي ذلك فساد البدن ثم هلاكه وذلك محال. فثبت أن حركة PageVW5P071A الصدر والرئة ليس هو على سبيل المد والجزر. وذهب دوقولايس إلى أن الصدر والرئة متحركان من ذاتيهما وانبساط أحدهما مع انبساط الآخر وكذلك انقباضه. ولم نجد لهذا الرجل دليلا على صحة مذهبه ولا تكلم جالينوس معه نفيا وإثباتا. وذهب بركساغورس (695) إلى أن الصدر والرئة متحركان الحركة المذكورة لكن حركة الصدر من حركة الرئة ولم يذكر هذا الرجل على صحة مذهبه دليلا ولا لجالينوس معه كلام غير أن هذا قول سخيف فإن (696) من المستحيل أن يكون اللين اللدن السخيف الجوهر محركا لما هو ضده في الأمور المذكورة. وأيضا فإن التشريح دل على أن اتصال آلة الحركة بالصدر لا بالرئة. فلو كان خاليا من الحركة الذاتية لكان اتصالها به عبثا وذلك محال. وذهب ارسسطراطس (697) إلى أنهما متحركان الحركة المذكورة لكن حركة * الرئة تتبع حركة الصدر (698) وهذا هو اختيار الفاضل جالينوس والحق يؤيده فإنه أنسب من أن يكون مبدأ الحركة من الرئة لما ذكرنا. فهذا مباحث اليونان في حركتي الصدر والرئة في التنفس (699).
البحث السادس
في علة الحاجة إلى التنفس. قد عرف أن القلب والروح حار المزاج. أما القلب فلأنه معدن الحرارة الغريزية ومولد الأرواح ودائم الحركة. وأما الروح فلأنها دائمة التوليد وقالبة للقوى والقابل بينه وبين المقبول مناسبة وهي لا تكون إلا مع الحياة والحياة بالحرارة فالأرواح حارة. وإذا كان حال (700) القلب والروح كذلك فهما دائما محتاجان إلى هواء بارد ليكون إما * مددا للأرواح (701) الحيوانية وإما منفذا (702) لها على اختلاف المذهبين. وقد أوضحنا الحق في ذلك في شرحنا PageVW5P071B لكليات القانون غير أن ذلك الهواء إذا أورد إلى القلب عرض له أمران أحدهما استحالته عن البرد وذلك بتسخين ما يجاوره له وبما يخالطه من البخار الدخاني الحاصل في القلب عند تكوين الروح. وثانيهما استحالته عن صفاته بما يخالطه من البخار الدخاني المتولد عند تكوين الروح وحينئذ يزول عنه المعنى الذي به يصلح لأن يحصل منه ذلك فتحتاج الطبيعة إلى إخراجه والاستبدال به. فالحركة التي يتم بها جذب الهواء البارد هي الانبساط والتي يتم بها الثاني أي خروج البخار الدخاني هي الانقباض وبين الحركتين المذكورتين وقفتان وهما السكونان فما كان بين نهاية حركة الانبساط وابتداء حركة الانقباض فإنه يسمى السكون الخارجي والمحيطي وهذا السكون محسوس لأنه ظاهر وما كان بين نهاية الانقباض وابتداء الانبساط يسمى السكون الداخلي والمركزي لأنه حاصل في المركز ولذلك صار غير محسوس. قال الأطباء هذا السكونان لا بد بينهما لأجل راحة الطبيعة من إعياء الحركة. قال الفلاسفة لأنه قد ثبت في الحكمة أنه لا بد و أن يتحلل بين كل حركتين متضادتين مستقيمتين سكون. وقد حررنا هذا القدر في شرحنا لكليات القانون. وقد تصير أحدى الحركتين أسرع من الأخرى فإنه متى كانت الحاجة إلى جذب الهواء البارد أشد من الحاجة إلى إخراج البخار الدخاني كانت حركة الانبساط أسرع. وذلك كما في سن الصبا وحمى يوم. ومتى كانت الحاجة إلى إخراج البخار الدخاني أشد من الحاجة إلى جذب الهواء البارد كانت حركة النقباض أسرع. وذلك كما في سن الشباب وحمى العفن PageVW5P072A . ويلزم من زمان إحدى الحركتين المذكورتين طول زمان السكون الذي يليها فإن كانت الحاجة إلى جذب الهواء (703) البارد كالحاجة إلى إخراج البخار الدخاني كانت الحركتان المذكورتان متساويتين في السرعة. فهذه علة الحاجة إلى التنفس ومجموع هاتين الحركتين للصدر والرئة يسمى في عرف الطب تنفسا. وأما عند العامة فهو عبارة عن حركة الانقباض وهذه الجملة متى كانت على الحالة الطبيعية تمت بحركة الحجاب فمتى احتيج إلى زيادة قوة لما يحتاج إليه في الحالة المذكورة استعانت الطبيعة في بلوغ غرضها بحركات عضلات الصدر وربما استعانت بحركة عضل الترقوة وعضل المنخرين (704).
البحث السابع
التنفس يشابه النبض من جهة أن (705) في كل واحد منها حركتين وسكونين. وبيانه من وجهين أحدهما من جهة الفاعل وهو أن محرك التنفس فيه قوة إرادية على ما عرفت ومحرك النبض خال من الإرادة على المذهب الحق. فإن بعض أطباء زماننا ادعى أن المحرك للقلب الحركة النبضية قوة إرادية. وقد أبطلناه في شرحنا لكليات القانون. ثانيهما من جهة المقابل وهو أن المحرك في التنفس (706) الصدر والرئة والمحرك في النبض القلب والشرايين. إذا عرفت هذا فنقول التنفس له أسباب أربعة فاعلي وغائي ومادي وصوري. فالفاعلي قد عرفته وهو إما القوة لاإرادية والطبيعية (707) أو هما على اختلاف المذاهب. والغائي إصلاح مزاج القلب والروح أو لأمداد الروح على اختلاف المذهبين وإخراج البخار الذخاني. والصوري تأليفه من حركتين وسكونين على ما عرفت. والمادي الهواء المستنشق. والآلي PageVW5P072B داخل في المادي. PageVW1P117B فهذه الأسباب الأربعة متى * كانت على ما ينبغي (708) كان التنفس طبيعيا ومتى تغيرت بغير التنفس. فالفاعل مثلا متى ضعف وكانت الآلة والحاجة بحالتهما صغر التنفس لعجزه عن التحريك التام وعند ذلك تحصل السرعة فيه. وذلك ليحصل بها ما فات بالصغر. فإن ضعف أكثر من ذلك ازداد صغرا ونقصب السرعة وعند ذلك يحصل التواتر وهو أن يقصر زمان السكون وإن ضعف أكثر من ذلك لم تدارك (709) الطبيعة ذلك بأمر آخر. والحاجة إن ازدادت مع بقاء القوة والآلة بحالهما حصل مع عظم التنفس السرعة. وذلك ليتم بالسرعة ما لا يفي العظم به. فإن ازدادت أكثر من ذلك استعملت الطبيعة مع السرعة والتواتر (710) وذلك ليتم به من جذب الهواء البارد ما لا يتم بالعظم والسرعة. فإن ازدادت أكثر من ذلك لم تكن البطيعة في ذلك حيلة ومتى تغيرت الآلة وكانت القوة والحاجة لهما حيث (711) أنها تصير غير مؤاتية للحركة عجزت الطبيعة عن استعمال العظم لعدم مؤاتاة الآلة للحركة واستعملت الصغر والسرعة ويكون مقدارها بمقدار ما نقص من العظم. وذلك ليقوم لها مقام العظم في جذب الهواء البارد. وإن ازدادت الآلة في ذلك نقصت السرعة واستعملت الطبيعة التواتر لأن الأمر الموجب لضعف الآلة يضعف القوة. وعند ذلك تعجز عن استعمال السرعة. وإن ازداد ذلك في الآلة (712) لم يكن للطبيعة حلية في استعمال أمر آخر. فعلى هذه الصورة يتغير التنفس لتغير أسبابه المذكورة، والله أعلم.
68
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بوله غليظا شبيها بالعبيط يسيرا وليس بدنه PageVW5P073A ينقى من الحمى فإنه إذا بال بولا كثيرا رقيقا انتفع به وأكثر من يبول هذا البول من كان يرسب في بوله منذ أول مرضه أو بعده بقليل ثفل.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث تسعة.
البحث الأول
في الصلة وهو أن لفظة العبيط المراد بها عند جالينوس معنيان أحدهما شدة الغلظ وثانيهما اختلاف القوام وتشتته حتى يرى فيه قطع كبار منحازة. وعند المتأخرين هو الدم الغليظ على ما صرح به ابن أبي صادق في شرحه لهذا الفصل. والتشنج بظهر فيه بول بالمعنيين جميعا. أما (713) على ما قاله جالينوس فلوجهين أحدهما لذهاب لطيف المادة وترقيقها بسبب الحركة التشنجية وثانيهما * أن التشنج في الأكثر على نوعين امتلائي واستفراغي فإن كان امتلائيا فإن المواد فيه قد داخلت (714) خلل العضو ومنافذه. ولا شك أن تداخل لطيف المادة لتلك المنافذ أسهل من تداخل غليظها لها فحينئذ يكون القدر المتبقى من المادة في تجويف العروق وهو الغليظ منها. وإن كان استفراغيا فسببه ذهاب شيء من رطوبات البدن. ولا شك أن إذهاب اللطيف على الطبيعة أسهل من إذهاب الغليظ فيكون القدر المتبقى من المادة في تجويف العروق ما غلظ منها. فإذا اندفعت المواد المذكورة مع المائية غلظت قوامها. وأما ما قاله المتأخرون في (715) أمر العبيط فإن التشنج كثيرا ما يبول صاحبه فيه دما ويكون مع ذلك غليظ القوام. أما الأول فلانفزار بعض الأوردة. وأما في الامتلائي فلتمديد أجزاء العروق بسبب مداخلة المادة لها ثم تفرق اتصالها كذلك. وأما في الاستفراغي PageVW5P073B فلاجتماع أجزائها بهعضها إلى بعض بسبب ذهاب الرطوبات المالية لخللها. وأما الغلظ فلفناء لطيف المادة ورقيقها بسبب الحركة التشنجية مطلقا فداخله (716) اللطيف منها لخلل العضو في الامتلائي ولذهاب ذلك في الاستفراغي فإن اللطيف من المادة قبوله لذلك أسهل من قبول الغليظ له. وقال شبيه بالعبيط * ولم يقل عبيط. أما على قاله جالينوس فلأن المواد في بدن المتشنج قليلة فلم يكن لها مقدار بحيث أنها إذا خرجت ملأت القارورة بل غيرت قوام البول إلى أن صار شبيها بالعبيط (717) أو بالمتشتت. وأما على ما قاله المتأخرون فلقلة الدم لما ذكرناه وقد جاء في بعض النسخ عوض قوله شبيها بالعبيط شبيها بالحمأة أي غليظا نتنا. والنسخة الأولة أصح لأن أبقراط لم يرد بقوله هذا البول الغليظ النتن بل البول اليسير الغليظ النتن (718) فقط على مما قد ظهر لنا مما قد وصفه فيما تقدم وصفه فيما بعد هذا وهو قوله إذا بال بولا كثيرا رقيقا انتفع به ولم يقل خاليا من النتن.
البحث الثاني
قوله من كان بوله غليظا نقول البول يستدل به على أحوال البدن من وجوه ستعرفها. وقد ذكر أبقاط منها في هذا الفصل المأخوذ من القوام. ونقول القوام منه غليظ ومنه رقيق ومنه معتدل. والفرق بين الغليظ والكدر أن الغليظ متشابه الأجزاء والكدر غير متشابه بها. ولذلك لا يمنع من روية ما وراء القارورة. والفرق بين الغليظ والرقيق من وجوه ثلاثة أحدها أن الغليظ حركة قليلة بطيئة وذلك لمقاومته للمحرك PageVW5P074A والرقيق بعكس ذلك. وثانيها أن الغليظ إذا حرك كانت نفاخاته كثيرة وذلك لقبول أجزائه لتمديد الريح بسبب غلظها واتصال أجزاء التمدد بعضها ببعض. والرقيق إذا حرك كانت نفاخاته صغيرة لعكس ما ذكرنا. وثالثها أن الغليظ إذا حصلت فيه نفاخات عند تحيركه كانت بطيئة الانفقاء وذلك لغلظ الأجزاء الممددة (719) ونفاخاة الرقيق بعكس ذلك. ثم البول الغليظ تارة يكون كثير المقدار وتارة يكون قليل المقدار وتارة يكون معتدلا. وكثرته تارة تكون إما لكثرة المادة وإما PageVW1P118A لقوة القوة على دفع المادة. وقلته يكون لعكس ذلك والمعتدل للاعتدال والغليظ اليسير المقدار لا يحصل إلا لمن كان في بدنه بقية من المرض أي الناقه الغير تام في ذلك. ولذلك خصص كلامه بذلك (720) لأن ما ليس بمريض بوله ليس بغليظ بل معتدل في مقداره ولونه أيضا والمريض بوله غليظ كثير المقدار. أما الغلظ فلفجاجة المادة في مبدأ مرضه ونضجها فيما بعد ذلك. والكل يصلح أن يطلق عليه لفظ الغلظ بالنسبة إلى الرقيق. وأما الكثرة فلرقة المواد الغليظة المحتبسة وخرجها مع البول وذكر أبقراط الحمى هاهنا على سبيل المثال لأنها أكثر الأمراض حدوثا وإلا فقد يحصل البول فيمن ليس بدنه نقي من مادة وجع النسا ووجع الظهر وبالجملة الأمراض المادية (721) التي ليس معها حمى (722).
البحث الثالث
قوله (723) فإذا (724) بال بولا رقيقا كثيرا انتفع به معناه أن كل من انتشل من مرضه ولم يكن قد نقي منه نقائا تاما فإن ذلك PageVW5P077B يدل على أن في بدنه بقايا يسيرة من المواد مرضه ولم يكن قد نقي منه نقاء تاما. وذلك إما لتقصير وقع في الاستفراغ الصناعي وإما لضعف القوة البدنية عن دفع المادة كما في البحارين النافصة. وذلك إما لغلظ قوامها وإما لكثرة مقدارها فإن من كان حاله كذلك فإنه إذا بال بولا كثيرا رقيقا فإن بقايا مرضه يزول وينقى * من مرضه (725) فإن كثرة البول تدل على خروج ما ينقى من بدنه من مواد مرضه لأنها متى خرجت كثر مقداره وأما الرقة فالمراد بها الاعتدال في القوام فإن القوام المعتدل لا شك أنه رقيق بالنسبة إلى الغليظ.
البحث الرابع
قوله وأكثر من يبول هذا البول من كان برسب في بوله منذ أول مرضه أو بعده بقليل ثفل معناه أن البول الغليظ الشبيه بالعبيط اليسير المقدار أكثر من يبوله من كان يرسب في بوله في ابتداء مرضه أو بعده بقليل ثفل لأن ظهور الثفل في مبدأ المرض ليس هو للنضج بل لغلظ المادة وأرضيتها فيهبط إلى أسفل البول ومرض تكون مادته كذلك فإن بحرانه يكون في الأكثر ناقصا لأن الطبيعة تعجز عن دفع هذا المادة عن جملة البدن دفعا تاما فيبقى شيء منها في البدن وتحتاج إلى (726) تعاوده في المداواة. ولنبسط الآن القول في البول فإن أبقراط قد أخذ من هاهنا في الكلام في الاستدلال به.
البحث الخامس
في حقيقة البول. نقول قد عرف أن المشروب يختلط بالغذاء عند انحداره إلى المعدة وأن الجميع يفعل فيه المعدة هضما إلى أن يصير المجموع شبيها بكشك الشعير في قوامه تسميه PageVW5P078A الأطباء كيلوسا فإذا صار حال الغذاء المستعمل إلى الصورة تخلت المعدة عن مسكه وانفتح له المخرج الذي (727) في أسفلها وخرج إلى المعاء وانجذب لطيفه ورقيقه إلى جهة الكبد في المنافذ المسماة بالماساريقا ثم أن الكبد تحتوي عليه وتفعل فيه فعلا آخر بمعنى أن يخلع صورته يولبس صورة أخرى. وهناك تتميز المواد الأربع التي هي الدم و * والصفراء البلغم (728) والسوداء بعضها عن بعض والمائية عن الجميع وينفذ الدم ومعه شيء من المواد الثلاثة والمائية. وأما المواد الأربع التي هي الدم والصفراء والبلغم والسوداء بعضها عن بعض والمائية عن الجميع وينفذ الدم ومعه شيء من المواد الثلاثة والمائية. وأما (729) المواد الأربع (730) فذلك إما للتغذية وإما لمنافع لا بد منها على اختلاف المذهبين - وقد أوضحنا الحق * في هذا (731) في شرحنا في الكليات وفي كتابنا المسمى بالشافي - والبلغم جميعه ينفذ مع الدم. وأما الفصراء فأكثرها ينفذ إلى جهة المرارة ثم منها إلى جهة المعاء ثم إلى خارج مع النجو. وأما أن هذا النافذ أحد من النافذ مع الدم أو بالعكس فهذا القدر قد أوضحناه في ذينك الكتابين وكذلك الكلام في أن البلغم لم أجرى مجرى الدم مع (732) عدم المفرغة (733). وأما السوداء فأكثرها ينفذ إلى جهة الطحال ثم منه إلى فم (734) المعدة ثم ينحدر عن المعدة ويخرج مع النجو. وأما المائية فإن معظمها ينحدر إلى جهة الكلية ومعها أجزاء دموية تغتذى الكلية بها تبقى المائية خالصة تنحدر (735) إلى المثانة وهو المسمى بالبول ثم أن المائية النافذة مع الدم لأجل تنفيذه في المسالك الضيقة يتحلل ما يتحلل من مسام البدن ويرجع الباقي قهقرا إلى جهة المثانة أيضا. ويدل على هذا القدر وجوه ثلاثة أحدها أنا نرى المختضبة بالحناء ينصبغ بولها ويتغير عن واجبه. وثانيها أنا نرى من كثر عرقه قل بوله PageVW5P078B وبالعكس. وثالثها أنا نرى العرق شبيه بالبول في اللون والقوام والطعم غير أنه يجب أن تعلم أن وجود المائية في الكبد ليس هو على سبيل التكوين بل على سبيل التمييز. فقد علم مما ذكرنا أن المائية من حيث هي مائية استفادها (736) اللون إنما هو بمخالطة الأخلاط لها وبفعل الحرارة والبرودة وفيها. وفي الحقيقة ذلك راجع إلى اختلاط المواد بها وأنها فضلة الهضم الثاني والثالث والرابع فإنه قد عرف (737) أن الهضوم على المذهب الحق أربعة هضم المعدة وهضم الكبد وهضم العروق وهضم الأعضاء. فاثنان فيهما خلع الصورة وهما الكبدي والعضوي واثنان معدان لهما إعدادا تاما وهما المعدي والعروقي. وقولنا تاما احترازا عن إعداد الفم والمعاء والماساريقا فإن هذه غير تامة وإلا كانت الهضوم سبعة الفمي والمعدي والمعوي والماساريقي والكبدي والعروقي والعضوي. إذا عرفت هذا فنقول البول فضلة مائية متميزة في الهضم الثاني والثالث والرابع دالة على أحوال الأعضاء بما تستفيده مما في البدن.
البحث السادس
هذا الجوهر المسمى بالبول يدل على أحوال الأعضاء بأمور ثلاثة وهي (738) قوامه ولونه ورسوبه. أما بقوامه فعلى أحوال المعدة فإنها متى كانت قوية في هضمها واحتوائها على الغذاء واختلط الغذاء بالمشروب في كثير من الحيوان خلطا تاما بحيث أن PageVW1P118B الحس لا يمكنه أن يفرق بينهما ويحس بأحدهما دون الآخر وحينئذ يستفيد الماء من الغذاء قواما أغلظ مما له بحسب طبعه. وأما بلونه فعلى أحوال الكبد إذا لم يكن لأمر صابغ متناول أو ملاق PageVW5P079A للبشرة وذلك لأن الكبد هي المحيلة الكيلوس إلى الصورة الخلطية على ما عرفت والمتميزة لكل واحد من الأخلاط عن الآخر وذلك بفضل حرارتها على حرارة المعدة. فمتى كانت هذه المتميزة بحيث أنها لم تميز كل واحد منها عن المائية على ما ينبغي أو كانت الحرارة * ضعيفة أو قوية (739) استفادت المائية من ذلك لونا ما لم يكن لها من طباعها. وأما برسوبه فعلى الأعضاء لأنه قد عرف أن الرسوب فضلة الهضم الرابع وأنه منفصل من جهة الأعضاء ولما كان البول حاله كذلك سمي العلم المأخوذ منه علم التفسرة أي أنه يفسر لنا أحوال الأعضاء. ثم اختلف الأطباء في دلالته على الأعضاء فقال قوم أنه يدل على أحوال آلات الغذاء بالذات وعلى ما عداها بواسطة دلالتها عليها، قالوا وذلك لأن هذه الأعضاء هي المفيدة للبول القوام واللون وهي الحاوية لها. فمتى كانت هذه سليمة كان البول سليما ومتى كانت مؤوفة كان مؤوفا. ومنهم من قال إنه يدل على جملة الأعضاء بالذات قال وذلك لأن المائية مندفعة مع الدم إلى جملة الأعضاء ويدل صحة هذا ما ذكرنا. قال وإذا كان كذلك فتكون دلالة البول على جملة البدن دلالة ذاتية وهذا هو الحق (740).
البحث السابع
صحة دلالة البول على أحوال الأعضاء موقوفة على سبعة عشر شرطا أحدها أن يكون أول بول أصبح عليه لأنه هو المخالط للكيلوس المتولد عنه المواد في الكبد وثانيها أن لا يدافع صاحبه إخراجه عن المثانة عند الإحساس بخروجه فإنه متى فعل به ذلك PageVW5P079B جرد ما يلاصق المثانة من الرطوبات وما يصادفه في المسافة عند خروجه بحدته المستفادة من احتباسه وذلك مما يغيره عن واجبه. وثالثها أن يكون أخذه بعد النوم الأطول (741) الليلي. أما الأول فلطول زمان تأثير الحرارة الغريزية والقوى الطبيعية فيه. وأما الثاني فلأن هضم الكبد في غالب الحال في الليل فلذلك (742) قال الأطباء إن الإسهال النهاري دال على أحوال المعدة والليلي على أحوال الكبد. ورابعها أن يكون النوم المذكور معتدلا فإن المفرط يحبس الفضلات ويجمعها في الباطن وحينئذ يخالط البول ويغيره عن واجبه والقاصر يقصر معه الهضم وفعل الحرارة الغريزية. وخامسها أن لا يكون النوم المذكور على الخواء فإن ذلك يغير البول عن واجبه * على ما عرفت (743) باحتداد المزاج. وسادسها أن لا يكون قد تقدمه تخمة وفساد الهضم فإن ذلك يغير قوام البول ولونه عن واجبه (744). وسابعها أن لا يكون أخذه عقيب تناول الطعام والشراب فإن ذلك يغير لونه عن واجبه بعطف الحرارة الغريزية إلى جهة الناطن. وثامنها أن لا يكون قد تقدمه شيء من الحركات والأعمال المغيرة للون البول وقوامه مثل السهر والجماع فإن الأول يغير لونه إلى الحمرة باحتداد المزاج والثاني يدسمه. وتاسعها أن لا يكون قد تقدمه صابغ يغير لونه ملاق للبشرة أو مأكول. أما الأول فمثل الحناء فإنه (745) يفيد البدن حمرة قانئة والوسمة سوادا على ما ذكره الإسرائيلي. وأما الثاني فمثل البقول فإنها تغير لونه إلى الخضرة والخيارشنبر إلى السواد وكذلك المري PageVW5P080A والزعفران إلى الصفرة الشراب الأحمر إلى الحمرة. وعاشرها أن لا يكون قد تقدمه أخذ شيء من المدرات فإنها تغير لون البول عن واجبه في اللون والقوام وذلك لما يجذب من المواد إلى جهة المثانة. وحادي عشرها أن لا يكون قد أتى عليه ساعات فإن ذلك يحلل حرارته المعينة على دلالة رائحته ولونه ورسوبه. وثاني عشرها أن لا ينظر فيه ساعة يبال بل يترك زمانا ما حتى يتميز الرسوب. وثالثها عشرها أن يؤخذ البول بتمامه فإن الرسوب الذي العمدة عليه يتأخر خروجه لأنه إما أن يكون في العروق فيبطئ في خروجه وجريانه إلى جهة المثانة * وإما أن يكون في المثانة (746) فيكون هابطا في تجوفها لغلظه وأرضيته ثم أن البول يبادر إلى الخروج لسيلانه ولذعه للمثانة بحدته (747). ورابع عشرها أن يكون النظر إليه في مكان مضيء ليتمكن الرائي من رويته وأن يحرك تحريكا لطيفا ليعلم خفة الرسوب وثفله من سرعة نزوله وبطئه. وخامس عشرها أن لا ينقل البول من إناء إلى إناء، فإن من الناس من يبول في إناء واسع الفم ثم ينقل القارورة وهذا خطأ فإنه ربما يلتصق شيء من أجزاء الرسوب بالإناء الأول. وسادس عشرها أن لا ينقل من بلد إلى بلد فإن هواء البلد الثاني إما أن يكون مثل هواء البدل الأول أو مغايرا له فإن كان الأول تغير عن واجبه في لونه ورسوبه وقوامه بالخضخضة لا سيما متى كانت المسافة بعيدة وإن كان الثاني كان تغيره عن ذلك ظاهرا بسبب اختلاف الهواء. وسابع عشرها أن يكون الآلة التي يؤخذ فيها بيضاء شفافة كالزجاج * الأبيض والبلور (748) وذلك PageVW5P080B ليتمكن الرائي من رويته على ما ينبغي وأن يكون مستديرة PageVW1P119A الشكل وذلك لأن ذا الزوايا يمنع من رويته عند الزوايا على ما ينبغي و إن يغسل من البول فإنه ربما يتطلخ جوانبها بشيء من رسوب البول الأول (749).
البحث الثامن
الدلائل المأخوذة من البول منحصرة بالحقيقة في تسعة أوجه. أحدها من قوامه وثانيها من صفائه وكدورته (750) وثالثها من لونه ورابعها من رسوبه وخامسها من مقداره وسادسها من رائحته وسابعها من زبده وثامنها من ملمسه وتاسعها من طعمه. وأبقراط قد ذكر في هذه المقالة منها على ما سيظهر عند التفصيل. وابتدأ بذكر القوام ولنبسط القول فيه فنقول الماهية من حيث (751) هي هي لو طبخت مهما طجنت لم يتغير قوامها عما يقتضيه ذاتها إلا أن يخالطها ما هو أغلظ قواما منها ثم هذا المخالط إن كان قوامه غليظا أو مقداره كثيرا أفاد المائية غلظ القوام ومتى كان رقيقا أو مقداره يسيرا جدا لم تفد المائية قواما محسوسا وهذا هو الرقيق عند الأطباء. ومتى كان معتدلا * في ذلك كان قوام البول معتدلا (752). ثم الغلظ له أسباب أربعة أحدها أن يكون الموجب لإعطائه القوام غليظا في نفسه. وثانيها أن يكون نضيجا وإن كان نضيجا رقيقا في الأصل. ومثل هذا النوع من الغلظ يعقبه خفة وراحة لأن خروجه لقوة الطبيعة على النضج ثم الدفع. وثالثها انفجار أورام في آلات البول لأن أورام ما عدا هذه من الأعضاء قد تندفع في الأكثر إلى جهات أخر ويخص هذا النوع من الغلظ PageVW5P081A نتن (753) الرائحة. ورابعها ذوبان يحصل للأعضاء ويخص هذا جموده بعد خروجه. واعلم أن دلالة الغلظ على الشر في الأمراض الحادة أكثر * دلالة عليه (754) في الأمراض المزمنة. وذلك لأن مواد الأمراض الحادة لطيفة رقيقة ومواد الأمراض المزمنة غليظة فإن حصل ذلك في الأمراض الحادة فهو لذوبان قد حصل. ومن الأسنان ما يخص بولهم غلظ القوام فإذا رق دل على خروجهم عن مقتضى أمزرجتهم كالصبيان. وذلك لوجوه خمسة أحدها لكثرة مآكلهم ومشاربهم فتستفيد المائية من ذلك غلظ القوام وثانيها سوء ترتيبهم (755) لذلك فإنهم يأخذون غذاء على غذاء ويستعملونه من ذلك فوق الحالجة ولا شك أن ذلك يفيده غلظا. ثالثها كثرة حركاتهم على الأغذية فإن ذلك يحدر المواد عن معدهم وغيرها إلى آلات البول فيفيدها غلظا. ورابعها لرطوبة أمزجتهم فإن الرطوبة مما يفيد البول غلظا. وخامسها جذب أعضائهم لما في معدهم من الغذاء لشدة الحاجة إليه وذلك بسبب النماء وإخلاف عوض المتحلل فيكون المنحدر منه مع المائية مقدارا متوفرا فيفيدها قواما غليظا. والبول الغيظ قد يبال ويبقى على غلظه وقد يبال غليظا ويرق بعد ذلك. وقد وقع خلاف في تأويل ذلك وهو أن معنى هذا القول أن البول الغليظ الذي يرق بعد ذلك أو يبقى على غلظه هل يفهم ذلك منه في القارورة بمعنى أن البول بكون في القارورة غليظا ثم يرق بعد ذلك أو يكون ذلك منه في داخل البدن بمعنى أنه يبال مرات ثخينا ثم بعد تلك (756) المرات يرق أو يستمر على ثخنه. والحق عندي هو الأخير لأنهم قالوا إذا بيل ثخينا ثم رق بعد ذلك فإنه PageVW5P081B يدل على أن الطبيعة قد أخذت في نضج المواد البدنية. ولا شك أن هذا القدر لا يحصل في الإناء فإنه ليس فيه حرارة تنضجه. وقد استقصينا الكلام في هذا الموضع في شرحنا لكليات القانون وأما إن (757) بقي على غلظه دل على عجز الطبيعة عن نضج المواد البدنية فهذا ما يتعلق بالقوام الغليظ. و أما الرقيق فرقته تارة يكون من جهة المادة وتارة يكون من جهة القوة وتارة يكون من جهة الآلة. والأول إما أن يكون من جهة المائية نفسها أو من جهة المخالط لها والأول هو أن يكون أكثر مما ينبغي فيعجز المخالط لها عن أن يفيدها قواما محسوسا. والثاني إما أن يكون قليلا جدا فلا يقدر أن يفيد المائية غلظا محسوسا أو رقيقا جدا فلا يقدر على ذلك. وقلة المخالط إما أن يكون لقلته في نفسه كما في الإسهال وكما في الصوم المفرط وفي تخلخل البنية وإما لانصرافه إلى جهة أخرى كما إذا حصل ورم في بعض الأعضاء. والرقة إما لأن المادة في نفسها كذلك وإما لأمر عارض لها كالتعب الشديد فإنه يفيد المادة قواما رقيقا. والكائن من جهة القوى (758) فذلك إما لضعف هاضمة المعدة فلا تظهر الغذاء كما ينبغي بحيث أنها * تفيدها قواما محسوسا بما يخالطها من المواد، وإما لضعف دافعة الكبد بحيث أنها (759) تعجز عن دفع ما غلظ من المواد وكثر مقداره وحينئذ تعجز المندفع عن أن يفيد المائية قواما محسوسا. ويخص هذا السبب الموجب للرقة ضعف شهوة الطعام وقلة صبغ البراز. وذلك لقلة اندفاع ما يندفع من الفضلات الموجبة لما ذكرنا، وإما لضعف PageVW5P082A جاذبة الكلى عن أن يجذب ما غلظ من المواد وكثر (760) مقداره فيحصل ما ذكرنا، وإما لضعف دافعتها عن دفع ما جذبته جاذبتها من ذلك وحينئذ يحصل ما ذكرنا. وأما الكائن من جهة الآلة فهو أن يكون في المنافذ التي تنفذ فيها المواد المفيدة للقوام سدة تمنع نفوذ ما غلظ من المواد من النفوذ مع البول. فهذه الأسباب الموجبة للرقة وهي ثمانية كثرة المشروب وقلة مقدار المادة الغليظة ورقة قوامها وضعف هاضمة المعدة وضعف دافعة الكبد وضعف جاذبة الكلى وضعف دافعتها وسدة في المجاري. والشبان بولهم بالطبع رقيق وذلك لأن غالب ما يتولد في أبدانهم * من المواد المادة (761) الصفراوية التي هي أرق المواد وألطفها ولقلة ما يستعملون من الأغذية ولأن الغالب على سختهم التخلخل فتحلل مواد أبدانهم التي هي موجبة للغلظ فإذا غلظ دل ذلك على بعدهم عن المزاج الخاص بهم. والبول PageVW1P119B الرقيق قد يبال رقيقا ويبقى على رقته ويدل على استمرار الفجاجة وعجز الطبيعة عن نضج المواد وقد يبال رقيقا ثم يثخن بعد ذلك ودل على أحد أمرين إما إلى أن الطبيعة قد أخذت في نضج المواد وإما على ذوبان قد حصل اللأعضاء فهذا حكم الرقيق. وأما المعتدل فسببه اعتدال الأخلاط في قوامه.
البحث التاسع
انتقال البول الغليظ إلى الاعتدال أو إلى الرقة إما أن يكون دفعة وإما أن يكون بالتدريج وكذلك انتقال البول الرقيق إلى الاعتدال أو إلى الغلظ إما أن يكون دفعة وإما أن يكون بالتدريج. فهاهنا أقسام ثمانية أحدها بول غليظ ينقل إلى الاعتدال بالتدريج هذا يكون لأخذ الطبيعة PageVW5P082B في نضج * مواد غليظة فجة أو كثيرة (762) إذ لو كانت لطيفة أو قليلة لحصل ذلك منها دفعة. وثانيها بول غليظ انتقل إلى الاعتدال دفعة وهذا سببه أحد أمرين إما لأن المادة شديدة القبول للنضج ثم اتفق مع ذلك استعمال (763) ما يقوي القوة وذلك إما لغذاء (764) منعش وإما (765) ما يسكن عارضا قويا مضعفا للقوة فإنه عند ذلك تستولي البطيعة على المادة دفعة وتنضجها وإما لأن نضج المواد كان حاصلا ثم وقع غلظ البول لبحران وقع فدفعت الطبيعة المواد المغلظة للبول ثم بعد الفراغ منها يرجع البول إلى قوامه الأول. وثالثها بول غليظ انتقل إلى الرقة بالتدريج هذا يكون سببه مواد رقيقة مالت إلى جهة آلات البول. ورابعها بول غليظ انتقل إلى ذلك دفعة هذا يكون لأحد أمرين إما لعروض سدة في بعض (766) مجاري البول فمنعت نفوذ ما غلظ من المواد المغلظة للبول وإما لميل المواد المغلظة للبول إلى جهة أخرى. وخامسها بول رقيق انتقل إلى الاعتدال بالتدريج وذلك عند أخذها في النضج للمواد البدنية أولا فأولا. وسادسها بول رقيق انتقل إلى ذلك (767) دفعة. هذا يكون لثلاثة أمور إما لأن البول كان معتدلا في قوامه ثم اتفق لصاحبه أن شرب ماء باردا جدا شربا مفرطا فحصلت الرقة ثم يأتي يوم ترك ذلك الشرب فعاد البول إلى لونه الأول دفعة، وإما لأن المواد البدنية شديدة القبول للنضج والقوى حصل لها ما يقويها وينعشها أو ما يسكن عارضها (768) فيحصل النضج دفعة وإما لأن في العروق أخلاطا مختلفة في قوامها البعض منها نضج والبعض فج واتفق خروج الفج أولا ثم خرج النضج دفعة. وسابعها بول رقيق PageVW5P083A انتقل إلى الغلظ بالتدريج وذلك كما إذا أخذت الطبيعة في نضج المواد البدنية أولا فأولا. وثامنها بول رقيق انتقل إلى ذلك دفعة. هذا يكون لأحد أمرين إما لانفتاح سدة كانت تمنع الأجزاء المغلظة للبول خرجت دفعة وإما لذوبان وقع دفعة كما في الأمراض الحادة.
69
[aphorism]
قال أبقراط: من بال بولا منثورا شبيها ببول الدواب فيه صداع حاضر أو سيحدث به.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة وهو أن البول الغليظ على نوعين ثخين وكدر وذلك لأن الأجزاء الأرضية المخالطة للمائية إما أن تكون مختلطة بالأجزاء المائية بحيث أن الحس لا يمكنه التمييز بينهما أو يمكنه. فإن كان الأول فهو الثخين وهو الذي لا يخرقه البصر ولا ينفذ فيه ويحجب ما وراءه. وإن كان الثاني فتلك الأجزاء الأرضية إما أن تكون راسبة أو لا تكون راسبة. فإن كان الأول فليس ذلك بكدورة بل رسوب. وإن كان الثاني فهو الكدر ويلزمه أن البصر يخرقه ولا يحجب ما وراءه وهو المعبر عنه في هذا الموضع بالمنثور. وأبقراط لما تكلم في الفصل الأول في الثخين ذكر في هذا الفصل الكدر (769).
البحث الثاني
في كيفية إنذار هذا البول بالصداع وهو أنه قد عرف (770) أن المائية من حيث هي مائية ليس لها قوام غليظ وأن (771) الغلظ (772) الحاصل لها من اختلاط الأجزاء الأرضية بها ثم هذه الأجزاء متى لم تكن متحدة بالأجزاء المائية اتحادا يعسر على الحس التمييز بينهما على ما هو عليه الثخين كانت راسبة في قعر المائية فإنها بطبعها تطلب ذلك فصعودها إلى أعالي القارورة أو إلى أوسطها أو تموجها وثورانها إنما هو لفاعل (773) PageVW5P083B يفعل ذلك. والفاعل لذلك إما الحرارة أو البرودة، والثاني محال لأن البرودة شأنها الجمع بين المتشاكلات والمختلفات ويلزم من ذلك التكاثف والمنع من المنثور فبقي أن يكون سبب ذلك الحرارة فإن الحرارة شأنها التفريق بين المتشاكلات والمختلفات ولا معنى للمنثور إلا ذلك. وهذا القدر يلزمه التبخير (774) ومثل هذه الأبخرة تكون غليظة متوفرة المقدار. أما الغلظ فلغلظ الأجزاء الموجبة لغلظ المائية وأما الكثرة فلقوة الحرارة الفاعلة لذلك. والدماغ في نفسه قابل لتأثير الأبخرة المتصاعدة إليه لأنه مع كونه غطاء البدن رطب المزاج والقوام. فعند صعود الأبخرة إليه تمدده ويلزم التمديد تفرق الاتصال وهو موجب للألم على ما عرفت وذلك الألم (775) المسمى عند الأطباء بالصداع. فإن بقي هذا الموثر زمانا طويلا وكانت القوة قوية أنذر ذلك بطول المرض وإن كانت القوة ضعيفة أنذر ذلك بالموت. وأما حقيفة الصداع وما يتعلق به فقد ذكرناه في المقالة الثالثة في شرح قوله إذا كان الصيف قليل المطر شماليا وكان الخريف مطيرا جنوبيا عرض في الشتاء صداع شديد (776).
70
[aphorism]
قال أبقراط: من يأتيه البحران في اليوم السابع فإنه قد يظهر في بوله في اليوم الرابع غمامة حمراء وسائر العلامات تكون على هذا القياس.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثمانية.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه قد عرف PageVW1P120A أن الأجزاء المغلظة للمائية متى لم تكن متحدة بها بل أمكن التمييز بينهما كانت مرتفعة ومنخفضة (777) ومتعلقة وبالجملة ليس لها موضع معين كان ذلك منثورا PageVW5P084A وإن كانت راسبة كان ذلك رسوبا ففي الفصل الأول ذكر فيه (778) المنثور وفي هذا الفصل أخذ يتكلم في الرسوب أو يقال أن عرضه في هذا الفصل أن يتكلم في الاستدلال المأخوذ من الرسوب.
البحث الثاني
في حقيقة الرسوب نقول الغذاء (779) الوارد على الأعضاء إن كان محمودا وبمقدار الحاجة في التغذية والزيادة في النمو إن كان حاصلا وبالجملة إذا دوعي في استعماله الشروط المذكورة في حفظ الصحة بحسب الغذاء هضمته الهاضمة هضما جيدا واغتذت به الأعضاء على أتم وجه وأكمله وفي مثل هذا الوقت لم يتولد منه فضلة وإن تولدت فإن قارن ذلك حركة تحللت تلك الفضلة ونقي البدن وإن حصل تخفيف في الغذاء إما في كميته أو كيفيته عطفت الطبيعة على تلك الفضلة * وإن اغتذت (780) بما هو صالح منها وقويت به على دفع ما لا يصلح للتغذية وإن (781) لم يقارن تلك (782) شيء (783) مما ذكرنا اجتمعت على ممر الأيام وولدت عللا مناسبا لها ثم إن الطبيعة إذا التفتت إليها إما بتخفيف من الغذاء أو بمعونه من الطبيب باستعمال المنضجات وما يسكن سوء المزاج الحاصل انضجت تلك الفضلة وهيئتها للاندفاع والخروج فمثل هذه الفضلة إذا اندفعت مع المائية المعبر عنها بالبول وظهرت في القارورة وسميت رسوبا. ومما ذكرنا تفهم فوائد أربع أحدها في العلة أنه لم لا يظهر الرسوب في أبوال الأصحاء في أكثر الأوقات وهو دوام حركتهم واحتمال قواهم لما يرد على أبدانهم من الأغذية. ثانيها فساد ما قاله الأوائل في الرسوب هو شيء يفوت القوة الهاضمة فلا تهضمه. وذلك لأنا PageVW5P084B نقول هل معنى الفوتان الغفلة كما يقال فلان فات فلان أي غفل عنه أو المراد به الضعف والعجز عن هضمه ونضجه. فإن كان الأول فهو محال لأن الجوهر المذكور لم يمكن خروجه إلا بعد التفات الطبيعة إليه واعتنائها به في هضمه ثم دفعه ولو لم يكن كذلك وإلا كيف كان يمكن حصوله بعد أن لم تكن. وإن كان الثاني فهو أيضا محال لأنها لو لم تكن قوية لم تقدر على هضمه ثم على دفعه. ولذلك صار هذا الجوهر إذا تأخر خروجه في الأمراض أو لم تكن على ما ينبغي دل على ضعف الطبيعة وعجزها عن الإقلال بأحوال البدن. وأيضا يلزم أن تكون الأثفال الرملية والنخالية والكرسنية وغير ذلك من الأثفال الرديئة ليست بثفل. ثالثها أن اصطلاح الأطباء في الرسوب غير اصطلاح أرباب اللغة فإنه معنى الرسوب عندهم المستقر في قعر القارورة السببي (784) وعند الأطباء كل جوهر متميز عن المائية. وعلى هذا يصح أن يقال لكل الجواهر (785) الغريبة التي سنذكرها أثفال. ورابعها صحة ما قاله الشيخ في القانون وهو قوله الرسوب هو كل جوهر أغلظ قواما من المائية ومتميز عنها. فقوله أغلظ من المائية * تمييز له عن الزبد وقوله ومتميز المراد به في الحس وذلك لتمييز الثفل عن جوهر الخلط المخالط للمائية (786) فإن هذا قوامه أغلظ من المائية لكنه ليس متميز عن المائية بحسب الحس.
البحث الثالث
في تقسيم الرسوب. أما معنى البحران واختصاص الطبيعة للدفع في اليوم السابع وغيره من أيام البحران المعلومة وكون الرابع منذر بالسابع وما معنى الإنذار PageVW5P085A فقد عرفت هذا جميعه. إذا عرفت هذا فنقول الجوهر المسمى بالثفل ينقسم إلى قسمين طبيعي وغير طبيعي. والطبيعي منه محمود ومنه غير محمود والمحمود ما اجتمعت فيه صفات ثمان (787) أحدها بياض اللون وثانيها تشابه الأجزاء وثالثها الرسوب في قعر القارورة ورابعها شفافة اللون وخامسها استدارة الشكل وسادسها رويته بعد أن لم تكن وسابعها سرعة تشتته عند تحريكه وبطؤ نزوله عند سكونه ثامنها أن يكون مقداره مناسبا للسن والمزاج والسخنة والتدبير المتقدم. والغير محمود (788) ما لا يجتمع فيه (789) هذه الصفات المذكورة. أما بياض اللون فدلالته على استيلاء الطبيعة البدنية على نضج المادة المرضية وتشبهها بجواهر الأعضاء في لونها ولون الأعضاء على ما علم في التشريح مائل إلى البياض. أما الأعضاء المنوية فذلك ظاهر فيها. وأما الدموية كاللحم فإنه إذا استقصى في غسله مال لونه إلى البياض. وأما تشابه الأجزاء فدلالته على تشابه النضج بحيث أن القوة الهاضمة لم يفتها جزء من أجزاء الثفل الأول إلا وقد عملت (790) فيه نضجا. وأما الرسوب في أسفل القارورة فدلالته على مشابهة الثفل لجواهر الأعضاء في القوام وهو ثقيل فيطلب الرسوب الهبوط (791) إلى أسفل وعلى عدم الجوهر الريحي الموجب لصعوده إلى فوق وذلك لقوة عمل الحرارة الغريزية فيه. وأما إشفاف اللون فدلالة على كمال نضج بحيث أنه يدل على أنه قد انحصر في جوهره مقدار متوفر من الجوهر الروحي. وأما استدارة الشكل فدلالته على تشابه أجزائه وشكل PageVW5P085B المتشابه الأجزاء الاستدارة ولأنه قد قيل يجب أن يكون شكل الإناء الحاوي له مستديرا فيتشكل بشكل الجسم الحاوي له وذلك دليل على لطافة جوهره. وأما رويته بعد أن لم يكن فلأنه يدل على نهوض الطبيعة لنضج المادة المرضية. وأما سرعة تشتته عند حركته فدلالته على لطافة قوامه وكثرة الأرواح فيه. وأما بطؤ نزوله عند سكونه فذلك أيضا. وأما مناسبته للسن ولغير ذلك فإن الصبيان والمرطوبين والسمان ومكتنزي السخنة والمكثرين (792) من الغذاء يكثر في أبوالهم الرسوب ومن كان بالعكس فبالعكس. ولذلك قيل إن أمراض الشبان والنحفاء والمكدودين كثيرا ما ينقضي PageVW1P120B بلا رسوب وهذا الثفل المحمود يلزمه من الألوان اللون الأترجي لأن ما عداه من الألوان يدل إما على غلبة الحرارة وإما على غلبة البرودة ومن القوام المعتدل وهو أن يكون قوام البول (793) معتدلا ومن المقدار المعتدل الاعتدال ومن الرائحة أن لا يكون عديم الرائحة ولا شديد النتن (794).
البحث الرابع
الثفل المذكور يشابه المدة والبلغم الخام في اللون وفي الرسوب لكن الفرق بينهما أن بين الثفل المحمود والمدة فمن وجوه سبعة. أحدها أن المدة منتنة الرائحة والثفل المحمود غير منتن. وثانيها أن المدة قوامها أغلظ من قوام الثفل المحمود. وثالثها أن المدة إذا حركت هبطت أجزائها إلى أسفل بسرعة وذلك لغلظها والثفل المحمود ليس كذلك. ورابعها أن بياض المدة مائل إلى الزرقة لعمل الحرارة الغريزية فيها، والثفل المحمود لونه خالص البياض لما ذكرنا. وخامسها PageVW5P086A أن البول الذي يحس في مجاري البول عند خروجه يحرقه لبورقية المدة والثفل المحمود لا يحس عند خروجه بشيء من ذلك. وسادسها أن الذي يتقدمه أو يخالطه أجراد دموية والثفل المحمود ليس كذلك. وسابعها أن الذي يتقدمه دلائل الورم في بعض الأعضاء التي (795) يمكن أن تندفع مادتها بالبول والثفل المحمود ليس حاله كذلك. وأما بين الثفل المحمود والخام فمن وجوه خسمة. أحدها أن الخام أجزاؤه مندمجة بعضها في بعض بخلاف الثفل المحمود لما علمت. وثانيها أن الخام أغلظ قواما من المحمود لفجاجته واستيلاء البرد عليه. وثالثها أن الخام إذا حرك كان هبوطه إلى أسفل أسرع من هبوط أجزاء الثفل المحمود لما ذكرنا. ورابعها أن الخام إذا حرك كانت أجزاؤه عند التحريك شبيهة (796) بالخيوط متشبكة (797) بعضها إلى بعض. وأما المحمود فإنه إذا حرك كان مثل القطن المنفوش. وخامسها أن الخام لا يخرقه البصر والثفل المحمود يخرقه البصر لما ذكرنا. وأما الفرق بين الخام والمدة فمن وجوه ثلاثة. أحدها بالنتن وثانيها باتصال الأجزاء وهو أن الخام متصل الأجزاء والمدة منقطعتها، وثالثها أن الخام إذا حرك كان نزول أجزائه إلى أسفل القارورة أسرع من نزول الأجزاء المدة. وذلك لثقل الخام وفجاجته (798).
البحث الخامس
اختلف الأطباء في فعل الطبيعة أولا في النضج. المشهور عن الفاضل (799) جالينوس أن فعل الطبيعة في النضج أولا في التكوين ثم في التقويم. ولا شك أن التكوين أسهل من التقويم على ما يدل PageVW5P086B عليه الاستقراء فالطبيعة أول فعلها في اللون ثم في القوام (800). وذهب الشيخ الرئيس (801) في القانون إلى أن فعلها أولا في القوام ثم في اللون. وحجته في ذلك أن الغرض من النضج إعداد المادة للدفع وهذا القدر يتم باعتدال قوام المادة فيكون المطلوب بالذات الاعتدال وما هو مطلوب بالذات بجب تقديمه في الفعل. فالتقويم (802) متقدم على التكوين. والذي أقوله في الجمع بين القولين أنه إن أريد بالأولية بالنسبة إلى ما يظهر لنا كان النضج أولا في اللون لأن الطبيعة عند ما تلتفت إلى نضج المادة تتجه معها الحرارة الغريزية والأرواح. أما الحرارة الغريزية فلأنها آلة لها. وأما الأرواح فلأنها مركب لها فإذا شرعت في النضج ظهر فعلها أولا في اللون لأنه أسهل. وإن أريد بذلك إلى فعل الطبيعة فيكون فعلها أولا في القوام. فإن قيل إذا كان النضج يظهر والثفل على ما ذكرنا والأسهال لا يجب استعماله إلا بعد ظهوره، فلم لا يرى لون المواد (803) الخارجة بالإسهال بلون الثفل الخارج في القارورة. فنقول المواد الخارجة بالإسهال البعض منها قريب من جوهر الأعضاء والبعض بعيد. فما كان منها قريب شبهته البطيعة بجواهرها فيما ذكرنا. وما كان منها بعيد عجزت عن أن (804) تفعل فيه ذلك. ولذلك (805) صرنا إذا أبططنا الورم لإخرج المادة القيحية فإنه عندما يخرج القيح ويعصر (806) الورم تخرج مدة يشوبه دم ثم إذا بالغنا في عصرها خرج دم فقط. وما سبب هذا إلا أن ما كان من المادة قريبا من جوهر العضو استحال إلى القيح وما كان بعيدا عنه PageVW5P087A استحال إلى صديديته كذلك المواد المواد (807) المحتبسة في تجاويف العروق فإن ما كان منها قريبا من جواهر (808) الأعضاء استحال إلى البياض وإلى التشابه المذكور وما كان بعيدا عن ذلك بقي على ما هو عليه. ولا شك أنها عند الخروج ليس الخارج منها هو ما قد نضج فقط بل الجميع الناضج وغير الناضج ولا شك أن الغير ناضج أكثر والحكم للغالب والأكثر فيكون الغالب على لون الخارج لونه. فإن قيل كيف يتأتى خروج ما لا ينضج من المواد لأنه ليس فيه مؤاتاة لذلك ويلزم هذا تعدد (809) الأسهال في الأسهالات الصناعية لأن الغالب على مواد البدن المواد الغير ناضجة. فنقول الطبيعة عندما ينضج الجزء من المادة القريبة من جواهر الأعضاء نضجا تاما تفعل بعض ذلك الفعل فيما بعدها من جواهر الأعضاء ويلزم ذلك البعض استعداد للخروج والبروز لا سيما والقوة قوية وهي معينة (810) للدواء المخرج للمادة في الإخراج.
البحث السادس
الثفل الطبيعي له في القارورة ثلاثة مواضع أعلاها ووسطها (811) وأسفلها. فمتى كان في أعلاها فهو لرياح متوفرة مداخلة لجرمه. ولا شك أن هذا يدل على عجز الطبيعة وضعفها عن نضج تلك المادة وتحليل ما فيها من الأجزاء المذكورة. والمتعلق في وسطها يدل على مذاخلة أجزاء ريحية أقل * من مقدار (812) تلك المداخلة للطافي. ومثل هذا يدل على توسط الطبيعة في القوة والضعف، والراسب يدل على فناء تلك الأجزاء وهذا يدل على قوة الطبيعة البدنية. لما كان حال الثفل PageVW5P087B كذلك كان الراسب أجود من المتعلق وهو أجود من الطافي المسمى بالغمامة وهذا هو الثفل الطبيعي. وأما في PageVW1P121A الغير طبيعي كالأسود الاحترقي والجمودي فالطافي منه أجود من المتعلق وهو أجود من الراسب لدلالة الراسب على قوة المحرق والمجمد والطافي على ضعفه والمتعلق على توسطه. فإن قيل هاهنا بحوث أربعة أحدها أن ذكر الغمامة البيضاء أكثر ودلالتها أبلغ. وثانيها أن تقديم الإنذار على المنذر به أولى من العكس. وأبقراط قد فعل في هذا الفصل العكس فإنه قدم المنذر به على يوم الإنذار فإنه قال من يأتيه البحران في السابع فإنه قد يظهر في بوله غمامة حمراء وكان من الواجب أن يقول قد يكون من ظهر في بوله غمامة حمراء ولم يقل فإنه (813) يظهر في بوله غمامة حمراء فإن لفظة قد يدل على التقليل. ورابعها لم خصص مثاله بيوم البحران والإنذار السابع والرابع ولم لا ذكر غير ذلك من أيام البحران والإنذار كالرابع عشر والحادي عشر المنذر به والسابع عشر والرابع عشر المنذر به. والجواب عن الأول أن الغمامة البيضاء ذلك (814) معلوم منها وإنما الشك في الحمراء لأن النضج فيها أقل ولعلها لأجل ذلك يعتقد أنها لا يدل على كمال النضج في السابع فلذلك خصصها بالذكر ويعلم من ذلك أن البيضاء بطريق الأولى في ذلك. والجواب عن الثاني من وجهين أحدهما أن ذكر العكس أولى من ذكر الأصل لأنه لازم وصدق لازم الشيء إنما يكون بعد صدق ملزومه واللازم هاهنا مجيء البحران في السابع والملزوم إنذار البرابع به على ما ذكره أبقراط هاهنا. فإذا بين أن لازم PageVW5P088A الشيء صادق كان العلم بصدق ملزومه أولى وأكد من العلم بصدق لازمه عند التصريح به على صدق لازمه. وثانيهما (815) أنه لو ذكر القضية على أصلها وهو أن تقدم الملزوم * على اللازم (816) لم يمكن ذكرها إلا جزئية لأن إنذار الغمامة الحمراء ببحران السابع ليس هو بتلك الوثاقة حتى يكون دائما كإنذار الغمامة الببضاء به. والمراد بالدائم في عرف الأطب الأكثري الوجود وإذا كان لا يمكن ذكرها إلا جزئية أشعر ذلك (817) أنها لا تصدق كلية فإن صدق الجزئي لا يمنع صدق الكلي. أما إذا ذكر عكسها جزئيا لم يشعر بذلك لأن عكس الكلي جزئي. والجواب عن الثالث أن دلالة الغمامة الحمراء على كون البحران في السابع أقلية ولأجل هذا نبه أبقراط على ذكرها لئلا تهمل ودلالة البيضاء أيضا على ذلك أكثرية ولأجل هذا ترك ذكرها للعلم به. ولما كانت دلالة الحمراء أقلية عبر عنها بلفظة قد التي المراد بها التقليل فكانت العبارة موافقة للأمر في نفسه. والجواب عن الرابع أنه ليس كل يوم منذر بيوم يكون حاله معه كحال الرابع مع السابع فإن الغمامة الحمراء إذا وجدت في الحادي عشر لا تدل على أن البحران يكون في الرابع (818) عشر أبدا لأن الرابع عشر مدته قصيرة فإذا ظهر فيها علامة نضج دل على أن المادة مطاوعة سهلة الإجابة إلى النضج. فإذا مضى أي السابع فقد مضى على تلك المادة زمان * مساو للزمان (819) الذي انفعلت فيه بالنضج فوجب أن يكمل لأن بوم الإنذار يظهر فيه نصيب وافر من النضج. أما النصف أو قريبا منه وتمامه يظهر في يوم البحران والحادي عشر مدته PageVW5P088B طويلة فإذا ظهر فيه إنذار دل على أن المادة غير مطاوعة للنضج. ومثل هذه المادة لا يتغير في المدة التي بين (820) الحادي عشر والرابع عشر لأنه ليس هو مثل الزمان الذي ظهر فيه ابتداء النضج فلا يلزم أن يكمل النضج فيه فلا يكون فيه البحران ولذلك صار يتخلف في الإنذار ويتأخر إلى السابع عشر والعشرين والحادي والعشرين على اختلاف المذهبين. فإن وقع فيه دفع فليس هو لكمال النضج كما وقع في السابع بل قد يكون لاستعجال الطبيعة للدفع بسبب شدة أذية المادة لها. فالحاصل أنه ليس إنذار الرابع بالبحران الآتي بعده كإنذار الحادي عشر بالبحران الآتي. فلما كان حال الرابع مع السابع كذلك خصصه بالذكر في المثال باليوم المنذر بالبحران (821).
البحث السابع
في قوله سائر العلامات يكون على هذا القياس. قال جالينوس من المفسرين من ظن أنه يريد بالعلامات المذكنورة (822) التي تؤخذ من النوم ومن اليقظة ومن التنفس ومن الاضطجاع ومن النهوض وغير ذلك مما ذكره أبقراط في كتاب تقدمة المعرفة. * قال فهذه (823) كلها إذا كانت على ما ينبغي دل على أن البحران يكون في البوم السابع. قال وهذا ظن فاسد فإن المرضى في الأكثر الأمر يسهرون ويقلقون وتشتد بهم الحمى وكثير منهم يتغير نفسه بالقرب من البحران. قال بل الحق عندي أنه يعني بالعلامات العلامات المأخوذة من البول والبراز والعرق وهو أنه إذا أخذ البول إلى الاعتدال في القوام بعد أن كان رقيقا أو غليظا في اليوم PageVW5P089A الرابع فالبحران في السابع وكذلك إن حصل فيه الصبغ بعد أن كان مائيا في البوم الرابع فالبحران في السابع. فمثل هذه إذا ظهرت في الرابع أنذرت بالبحران في السابع لكن لا تدل دائما على بحران محمود. واعلم أن الجميع حق (824) أي ما قاله المفسر الأول وما قاله جالينوس لأن العلامات الماخوذة مما ذكره الأوائل (825) إذا كانت في اليوم الرابع على ما ينبغى دلت على بحران محمود يكون في السابع وإن لم يكن كذلك دلت على بحران رديء غير أن ما ذكره جالينوس أقرب إلى الحق لأن كلام أبقراط في العلامات المأخوذة من البول فلما ذكر العلامات المأخوذة من الغمامة استثنأ وقال لست أقول ذلك في الغمامة فقط بل وسائر (826) العلامات المأخوذة مما نحن فيه مثل المأخوذ من القوام ومن اللون لأنك قد عرفت أن البول يدل على أحوال الأعضاء بقوامه ولونه ورسوبه (827).
البحث الثامن
في الثفل الغير طبيعي وهو ثمانية عشر قسما النخالي والدشيشي والصفائحي والسويقي والذوباني والكرسني واللحمي (828) والخامي والعلقي والشعري والأصفر والأسود والأحمر والخميري والرملي والحصوي والرمادي والمذي. فالنخالي تارة يكون من انجراد الأعضاء الأصلية وتارة يكون من انجراد المثانة كما في جربها وسنتكلم في هذا. والدشيشي PageVW1P121B تارة يكون من انجراد باطن الأعضاء الأصلية وتارة يكون من احتراق الدم وتارة يكون من جهة المثانة لكنه يكون نادر الوجود وتارة يكون من احتراق البلغم وانعقاده وتارة يكون من انحلال اللحم وتفتته. أما الكائن من انجراد الأعضاء فسببه تمكن الحرارة الغريبة منها بحيث أنها تنشف الرطوبات PageVW5P089B الأصلية الموجبة لاتصالها. ولا شك أن العظام الغالب عليها الأجزاء الأصلية (829) والأجزاء الأرضية إذا عدمت الأجزاء المائية الموجبة لاتصالها تفتت أجزاؤها وتناثرت. وهذا النوع من الثفل أردأ من النخالي لوجهين. أحدهما أن النخالي من انجراد سطح الأعضاء والدشيشي من باطنها وعمقها. ولا شك أن الأول يدل على ضعف الحرارة الغريبة والثاني على قوتها بحيث أن فعلها تعدى إلى باطن الأعضاء. وثانيهما أن الدشيشي أكثر من النخالي والأجزاء المنفصلة (830) من الأعضاء كلما كانت أعظم فالآفة الموجبة لما أقوى وكلما كانت أصغر فالآفة أضعف. ولا شك أن قوة الآفة أدل على الهلاك من ضعفها ويخص هذا من العلامات عموم الحمى وقوتها وعدم نضج البول لأنه قد عرفت أن المعدة والعروق وجواهر الأعضاء هي العاملة له القوام والرسوب. وبهذا يفارق الدشيشي المنفصل من جوهر المثانة والكائن من احتراق الدم يكون قوامه صلبا عسر التفتت ولونه أحمر وتكون الحمى معه قوية وإلا لما انعقد. والكائن من جهة المثانة قليل الوقوع لأن جرم المثانة رقيق على ما دل عليه التشريح فلا يبلغ أن يكون الخارج منه في الجرب في ثخانة الدشيش إلا وتبلغ الآفة إلى آخرها كما في خرقها وذلك نادر الوقوع. ويخص هذا من الأعراض حكه عند (831) أصل القضيب وحرقه عند مجيء البول والكائن من انعقاد البلغم يكون لونه أبيض مع كمودة وتكون الحمى معه قوية. واللحمي يكون قوامه لينا وهو عسر الانفصال وتكون الحمى معه قوية لكن قوتها دون قوتها مع ما ذكرنا. والصفائحي ويسمى العرقي والعرق هو القشر الذي PageVW5P090A يوجد داخل القضيب الفارسي بقرب العهد بالانعقاد الذي له. وقيل هو القشر الرقيق الأبيض الذي بين بياض البيض وبين القشر الخارج وهو أن يخرج من أجزاء عرضية قليلة السمك. وهذه الأجزاء تارة يكون انفصالها عن الأعضاء الأصلية كالعروق والعصب والشرايين وتارة يكون انفصالها من المثانة وتارة يكون من انجراد الكلية والأعضاء اللحمية والنوع الأول أردأ الجميع. ولذلك صار هذا الثفل متى ظهر في الحميات أنذر بالدق. والفرق بين الخارج من الأعضاء الأصلية وبين الخارج من المثانة بما ذكرنا من نضج البول وعموم الحمى ويخص الثاني وجع في العانة (832) والخارج من الكلى حمرة (833) اللون ووجع في القطن ويفرق بين الخارج من اللحم والأعضاء الأصلية باللون وهو أن الخارج من اللحم أحمر اللون ومن الأعضاء الأصلية أبيض. واعلم أن الصفائحي الخارج من الأعضاء الأصلية أردأ من النخالي ودون الدشيشي في الرداءة. أما الأول فلأنه قد علم أن الأجزاء المنفصلة متى كانت أعظم فالفساد مستول على أجزاء متباعدة ومتى كانت أصفر فالفساد مستول على أجزاء متقاربة. ولا شك أن الصفائحي أكثر من النخالي فيكون أردأ لأن الفساد فيه مستول على أجزاء كثيرة. وأما الثاني فلأن الصفائحي من ظاهر الأعضاء والدشيشي من باطنها والآفة لا تصل إلى الباطن إلا وقد بلغت في الظاهر. والسويقي قريب من الدشيشي في اللون ويفارقه أن هذا * أدق وأصغر (834) جرما. والذوباني هو أجزاء دسمة ترسب في قعر القارورة عند برد المثانة وذلك لحرارة قوية مذيبة. ولذلك صار PageVW5P090B هذا في الحميات الحادة منذر بالدق. وفي الدق منذر بالهلاك. ثم هذا الذوباني تارة تكون في شحم الكليتين (835) وتارة (836) من ذوبان شحم باقي الأعضاء. والفرق بين ذلك من وجوه أربعة. أحدها أن الخارج من جهة الكلى كثير المقدار وذلك لقرب المسافة فلا يتفرق منافذ أخر وإن كان قليلا فهو في غيرها من الأعضاء وإن كان كثيرا غير أنه يتفرق في مواضع أخر ولا يخرج بالبول منه إلا قليل. فإن قيل الشحم الذي على الكلى خارجها فكيف إذا ذاب خرج بالبول؟ قلنا يدخل إلى تجويف الكلى في المنافذ التي خرج منها مع غذاء ظاهرها. وثانيها أن الخارج من جهة الكلى يكون منفصلا عن المائية لقرب المسافة. والخارج من باقي الأعضاء يكون مختلطا بالمائية لتموجه بها بسبب بعد المسافة. وثالثها أن الخارج من جهة الكلى لا يكون معه حرارة في جملة البدن بل في القطن فقط. والكائن من باقي الأعضاء تكون معه الحرارة شاملة لسائر الأعضاء. واربعها أن الخارج من جهة الكلى يكون البول معه ناضجا في قوامه ولونه ورسوبه لأن الفاعل له ذلك صحيح على ما عرفت. والخارج من باقي الأعضاء لا يكون ناضجا نضجا تاما. وأما الكرسني ويسمى العدسي وهو قطع صغار محببة قريبة من الاستدارة وهو تارة يكون من الكلى لاستيلاء حرارة غريبة عليها تفتتها وتارة يكون من الكبد وتارة يكون من الأعضاء اللحمية التي فوق الكبد. فإن الحرارة الغريبة شأنها أن تذيب الأعضاء لا سيما ما كان منها قريب العهد بالانعقاد حتى تجعله صديدا ثم تجففه وتصلبه لا سيما ما كان PageVW5P091A منها قد استحكم انعقاده وجموده بمنزلة الأشياء التي تجعله في المقلى وتقلى قليا محكما فإنها يعرض لهاه عند ذلك أن تتفتت وتارة يكون لانعقاد الدم. ويفرق بين هذه أن الخارج من جرم الكلى يكون معه وجع في القطن وبول نضيج لما ذكرنا وضعف الحمى والخارج من الكبد وجع تحت الشراسيف في الجانب الأيمن. وربما تقدمه بول PageVW1P122A غسالي وبول غير نضيج * والخارج مما فوق الكبد يكون معه حرارة مشتعلة وبول غير نضيج (837) وربما تقدمه بول ذوبناني والخارج من الدم شديد الصلابة سريع التفتت. وأما اللحمي فهو أن يخرج مع البول أجزاء لحمية أكثر مقدارا من الكرسني. * فهذه الأجزاء (838) تارة تكون من الكلية وتارة تكون من الكبد وتارة تكون مما فوق الكبد من الأعضاء اللحمية. ويفرق بين ذلك بما (839) ذكرنا وقد عرفته. وأما الخامي فهو لاستيلاء مواد بلغمية لزجة غليظة على المائية. فإذا خرجت معها رسبت في قعر القارورة ثم هذه المادة تارة تكون مستولية على جملة البدن ويخرج معها (840) شيء مع البول للكثرة وتارة تكون لبرد آلات البول بحيث أنه يولد تلك (841) المادة وتارة تكون بحرانا لبعض الأمراض البلغمية كعرق النسا وأوجاع المفاصل البلغمية. والفرق بين الكائن للكثرة وبين الكائن لدفع الطبيعة من وجوه ستة. أحدها أن الخارج للكثرة لا تعقبه خفة ولا راحة والذي للدفع تعقبه خفة وراحة. وثانيها أن الخارج للكثرة لا تتقدمه دلائل النضج وللدفع يتقدمه ذلك فإن الدفع لا بد وأن تتقدمه تهيئة للدفع. وثالثها الكائن للكثرة يكون خروجه في أي وقت كان وللدفع في يوم PageVW5P091B بحراني. وربعها أن الكائن للكثرة لا يتقدمه مرض بلغمي وللدفع يتقدمه ذلك، وإلا لأي شيء يكون البحران؟ وخامسها أن الكائن للكثرة لا يكون متوفر المقدار متراكم الأجزاء وللدفع يكون كذلك لقوة الطبيعة واستيلائها على ذلك. وسادسها أن الكائن للكثرة لا يكون أبيض اللون ساطعه وللدفع يكون كذلك لاستيلاء الطبيعة عليه. وأما العلقي فهو أن يخرج مع البول جسم مستطيل أحمر اللون دقيق وحدوثه لجمود دم يشوبه بلغم لزج يعينه في الامتداد والاستطالة. ثم هذا تارة يتكون (842) في مجاري الكبد المفضية (843) إلى آلات البول (844) وتارة يتكون (845) في المثانة وتارة في القضيب ويخص الخارج من الكبد اختلاطه بالمائية ويكون لونه أسود والخارج مما دونها يكون منفصلا عنها. وأما الشعري فهو أن يخرج مع البول جسم مستطيل أحمر اللون دقيق جدا شبيه بالشعر وهو كائن عن مادة غليظة لزجة جدا قارنتها حرارة عاقدة. وأما الأصفر فهو أن يخرج مع البول ثفل مشبع الصفرة ومثل هذا الثفل يدل على استيلاء الحرارة النارية وخبث المرض. فإن كان معه ذوبان دل على تمكن الحرارة الغريبة في الأعضاء مع قوتها . وأما الأسود فالمراد به في هذا الموضع الجمودي والاحتراقي لا الكائن للدفع الطبيعة. فإن هذا طبيعي لأنه (846) تعقبه خفة وراحة. والفرق بين الجمودي والاحتراقي من وجوه خمسة أحدها أن الجمودي يكون آخذا إلى ذلك من الخضرة ثم إلى الكمودة ثم إلى السواد والاحتراقي من الحمرة ثم إلى الصفرة ثم إلى السواد. وثانيها أن الجمودي يكون عديم PageVW4hP092A الرائحة والاحتراقي له رائحة حادة. وثالثها أن الجمودي يكون كمد اللون والاحتراقي براقا. ورابعها أن الجمودي يكون مجتمع الأجزاء لأن البرودة شأنها الجمع بين المختلفات والمشاكلات، والاحتراقي مشتت الأجزاء لأن الحرارة شأنها التفريق بين المختلفات والمشاكلات. وخامسها أن الجمودي لا تكون علامات الحرارة ظاهرة معه واحتراقي بعكس ذلك. وأما الأحمر فهو أن يخرج مع البول ثفل أحمر غليظ القوام. وهذا الثفل يدل على طول المرض وسلامته لما عرفته. وأما الخميري فهو أن يخرج في البول شيء أبيض منقطع الأجزاء شبيه بالخمير الممروس في الماء وسببه تناول أغذية مولدة لمواد غليظة أو رداءة في المعدة. والرملي هو أن يخرج مع البول أجزاء رملية ثم هذه تارة تكون من الكلى وتارة تكون من المثانة. وعلى كلي التقديرين تارة تدل على انحلال الحصا وتارة تدل على توليده. وسنتكلم في هذا جميعه * في شرح قوله من كان يرسب في بوله شيء شبيه بالرمل فالحصا يتولد في مثانته (847). والحصوي وهو أن يخرج مع البول أجزاء كثيرة الجرم حجرية الجوهر بحيث أنها تقف في مخرج البول وتحبسه (848). وهذه (849) في الأكثر يتولد في الكلى وفي المثانة، وقد يتولد في البدن في مواضع أخر مثل المفاصل والمعاء والرئة والكبد. وأما الفرق بين الكلوية والمثانية اختصاص الكلوية بسن الشيخوخة والمثانية بسن الصبى. والسبب المولد للحصى قد مضى الكلام فيه جميعه. وأما الرمادي فهو أن يخرج مع البول ثفل لونه بين البياض والزرقة اليسيرة. وأجزاؤه صغار مستديرة PageVW5P092B الشكل وحدوث ذلك من مادة طال احتقانها واحتباسها، فاستفادت بسبب ذلك هذا اللون أو لأن بعضها احتراقي واستفاد سودا بسبب ذلك ثم خالطه ما لا احترق وحصل للمجموع اللون المذكور. لذلك (850) صار هذا يدل تارة على البرد وتارة على الحر. وأما المدي فهو أن يخرج مع البول مدة ترسب في قعر القارورة (851) وذلك لانفجار ورم في آلات البول وقد يكون لانفجار ورم في بعض آلات التنفس كمادة ذات الرئة وذات الجنب. فإن هذه تندفع بالبول وبالبراز أيضا. وذلك في الوريد الشرياني إلى جهة الكبد فإن مادة ذات الجنب إذا خرجت إلى فضاء الصدر على طريق الرشح التقصت بالرئة وتشربتها ثم أن الرئة إن قويت على ذلك دفعتها بالسعال وإلا دفعتها في المجرى المذكور إلى جهة PageVW1P122B الكبد. فإن كانت لطيفة مالت إلى محدبها وخرجت بالبول وإن كانت غليظة مالت إلى جهة مقعرها وخرجت بالإسهال. فهذه أنواع الرسوب الرديء، والله أعلم.
71
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان البول (852) شفافا أبيض فهو رديء وخاصة في الحميات التي يكون معها ورم الدماغ.
[commentary]
قال الشرح هاهنا مبحاث سبعة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما فرغ من الكلام في قوام البول أخذ يتكلم في لونه واللون الأبيض على نوعين مشف كلون البلور والزجاج الأبيض ويخصه أنه لا يحجب ما وراءه وأن يرى ما وراءه أكثر مما هو عليه ومفرق للبصر كلون اللبن والكاغظ (853) ثم المشف منه ما ليس له لون أصلا كالنار والهواء ولذلك PageVW5P093A صارا لا يحجبان ما فوقهما من الكواكب وغيرها. ومنه ما له لون يسير كالماء ولذلك يرى ما هو فيه أكثر مما هو عليه لانعكاس البصر على سطحه ولو كان خالص الإشفاف لما حصل منه ذلك. وأيضا فإنا نرى شعاع الشمس ينعكس عن القوارير المملوءة ماء ولا ينعكس عند كونها مملوءة هواء. ولما كان حال الماء كذلك جاز إطلاق لفظة البياض عليه فيكون لون الماء مركبا من الإشفاف والبياض بمعنى أنه ليس هو مشفا خالصا ولا أبيضا خالصا كلون اللبن والكاغظ (854) فمتى كان البول كذلك فهو رديء. وأما الإشفاف فدلالته على عدم المخالط للبول المفيد له قواما ولونا ورسوبا. وذلك يدل على عدم تصرف الطبيعة في المائية أصلا. وأما البياض فدلالته على ميل الصابغ إلى جهة آخرى (855).
البحث الثاني
في تحقيق الجهة. نقول هذه الجهة لا تخلو إما أن تكون ظاهر البدن أو باطنه. فإن كان الأول فإما أن يحصل منه ورم أو لا يحصل منه ورم. فالأول كما في الأورام الصفراوية والدموية الحاصلة في ظاهر البدن. والثاني فإما أن يتحلل بالعرق ويخرج من مسام البدن وإما أن يحتبس تحت الجلد. فإن كان الأول خرجت عن البدن وسلم من نكايتها وإن كان الثاني فكما في اليرقان الأصفر. وإن كان مليها إلى الباطن فإما (856) أن تحتبس في عضو وتورمه وإما أن لا تكون كذلك. فإن كان الأول فأي عضو مالت إليه ورمته. وأكثر ما يكون ذلك في الدماغ لأنها للطافتها ميلها للأعلى تميل إليه PageVW5P093B والدماغ قابل لها لرطوبته ولين قوامه وتخلخل جرمه. ثم هذا العارض إذا عرض للدماغ فالحمى إما أن تكون قوية أو ضعيفة. فإن كانت ضعيفة وقوة الدماغ وقوته لم يحصل له شيء لأن الدماغ لم يقبل ما يرتفع إليه وإن كانت الحمى قوية وقوة الدماغ قوية دفع ما يرتفع إليه. لكن المادة ليس لها (857) من المطاوعة للدفع كما إذا كانت الحمى ضعيفة وفي مثل هذا يحصل أحد أمرين إما رعاف إن كانت المواد لطيفة لأن هذه الجهة هي أقرب المواضع إلى الدماغ وإما أورام خلف الأذنين إن كانت المواد فها غلظ فإن هذا الموضع هو مغيض الدماغ وإن كانت الحمى ضعيفة وقوة الدماغ ضعيفة استمر ما عرض للدماغ لأن المواد مستمرة في التوجه إلى الدماغ وهو ليس فيه قوة قادرة على دفع ما هو متوجه إليه. هذا إن لم تحصل معونة من الطبيب إما باستفراغ المادة وتخفيفها وإما باستعمال أغذية مقوية للقوة ومضادة لكيفية المادة. وإن كانت الحمى قوية وقوة الدماغ ضعيفة تمكن العارض فيه وآل الأمر فيه إلى الهلاك. فهذا هو التحقيق في هذا الباب. وأبقراط إنما لم يذكر هذا التفصيل لأن قوله أبدا إجمالي والتفصيل عائد إلى أن شارحه ومفسره. وإن لم يحتبس في عضو فإما أن يندفع إلى الأسافل ويخرج بالإسهال وإما أن يندفع إلى فوق ويخرج بالقيء. فلما كانت جهات الدفع كذلك قال إنه رديء وخاصة في الحميات التي معها ورم الدماغ ولم يقل إنه منذر بورم الدماغ إما أنه رديء PageVW5P094A فلما ذكرنا من عدم النضج وإما تخصيصه بالحميات فلأن الحمى من طبيعتها توجب صبغ البول فإذا لم يكن معها صبغ يدل على عدم تصرف الطبيعة فيه وذلك لا لتفاوتها إلى مقاومة أمر أهم من الحمى ثم خصص ذلك بالتي يكون معها ورم الدماغ لأن ذلك يدل على الهلاك لأن ورم الدماغ قتال وإن لم تكن المواد متوجهة إليه. والذي ظهر لنا مما ذكرنا أن بياض البول (858) ليس هو علة لورم الدماغ بل علته المواد الصابغة فيكون بياض البول (859) وورم الدماغ معلولي علة واحدة. ومما ذكرنا يعلم ضعف كلام الشيخ في القانون وهو قوله * عندما أخذ يتكلم (860) في استدلال المأخوذ من اللون الأبيض أن الأبيض بمعنى المشف دال على البرد ومؤنس (861) من النضج، فإن البول هاهنا أبيض بالمعنى المذكور وليس هو إلا على البرد. فإن قيل معنى قوله دال على البرد أي برد الكبد والمعدة. نقول وفي هذه الصورة المذكورة أي ورم الدماغ والكبد والمعدة مزاجمهما على ما ينبغي من الحرارة فلا يكون البول أبيض بمعنى المشف دالا على برد الكبد دائما. والذي يمكن أن يقال في هذا إن دلالته في الأكثر على برد الكبد والمعدة وفي الأقل على ورم الدماغ وأحكام الطب أكثرية. واعلم أن الثخين على نوعين. مشف كبياض البيض وغير مشف كأكثر الأجسام الثخينة. فالثخين المشف يشارك البول المذكور في الإشفاف أي في نفوذ البصر غير أنه يفارقه من وجوه ثلاثة. أحدها أن الثخين المشف إذا موج بالتحريك كانت أجزاؤه المتحركة PageVW5P094B كبارا يعسر قبولها للانفصال إلى أجزاء صغيرة بخلاف الرقيق فإنه لما كان قابلا للانفصال صارت أجزاؤه المتموجة صغيرة. وثانيها أن أمواج الثخين المشف بطيئة الحركة يعسر انفعالها عما يرحكها بخلاف أمواج الرقيق، فإنها سريعة الحركة لسهولة انفعاله عما يحركها. وثالثها أن المشف إذا حركته وأزبد كان زبده كثير النفاخات بطيئة الانفقاء. أما الأول فلأن أجزاءه لغلظها واتحادها يكون قابلة للتمديد فتكثر (862) النفاخات. وأما الثاني فلثخانة جرم التمدد (863) والرقيق بخلاف ذلك (864).
البحث الثالث
الحميات التي يكون معها ورم الدماغ هي فرانيطس PageVW1P123A وهو السرسام البارد وأما السرسام الحار فهو ورم حار في أحد حجابي الدماغ وفيهما جميعا وفي جرمه لمواد صفراوية أم دم لطيف. وأما الحمرة هي (865) الفلغموني فهو ورم دموي يعرض لجرم الدماغ ويتبعه من الأعراض جحوط العينين للمزاحمة وحمرتهما (866) وحمرة الوجنتين وتفريق الشؤون. وبهذا تفارق * هذه العلة للسرسام (867). وذلك لأن الدم الفاعل لهذا الورم أكثر مقدارا من الصفراء وأغلظ قواما منها. وأما صبارا فهو السرسام الحار إذا كان معه جنون وهذيان وعبث. وسببه ورم حار في أحد حجابي الدماغ أو في جرمه عن صفراء لطيفة خالصة (868). والجنون والورم ليس أحدهما سببا للآخر كما في فرانيطس. وأما ليثرغس وهو السرسام البارد ويقال له النسيان وهو ورم بلغمي يحدث في الأكثر في مجاري الدماغ دون جرمه وأغشيته لأن الأغشية لصلابتها لا ينفذ فيها المواد البلغمية وجرمه لزج لا ينفذ فيه ذلك. إذا عرفت هذا فنقول ذهب الرازي في PageVW5P095A كتابه المعروف بالفاخر إلى أن الدماغ لا يرم (869) وكذلك العظم. قال وذلك لأن حدوث الورم * موقوف على (870) التمديد فما لا يقبل التمديد لا يرم. والعظم لا يقبل التمديد لصلابته فلا يرم. وأما الدماغ فإنه للينه لا يقبل التمديد فلا يرم. وذهب الرئيس (871) إلى أنهما يرمان. قال في الفصل الخامس والعشرين (872) من كليات القانون حيث تكلم في الأمراض المركبة والورم يعرض للأعضاء اللينة وقد يعرض للعظام شيء شبيه بالورم ويغلظ له حجمها ويزداد طولها ولا يغرب (873) أن يكون القابل للزيادة بالنمو يقبلها بالفضل إذا نفذ فيه. قال الإمام فخر الدين محتجا للشيخ قول الرازي إن العظم لا يرم وكذلك الدماغ قول فاسد من وجوه خمسة. أحدها أن كل واحد منهما ينمو وذلك لا يكون إلا بالتمديد وما قبل التمديد بالمنو قبله بالورم. وثانيها (874) أن كل واحد منهما يغتذي وذلك لا يكون إلا بنفوذ جوهر الغذاء في جوهر المغتذي فتلك الأجزاء كما أنها قد تصلح فيكون منها الغذاء فيمكن أن يفسد ويكون منها الورم. وثالثها أن جوهر الدماغ وإن كان ربطا إلا أنه لزجا فبسبب لزوجته يقبل التمديد. رابعها أن العظام لو لم يقبل نفوذ الفضلات لما كانت الأسنان تخضر وتسود ونحن نراها يحصل لها ذلك فالمواد الفاسدة حينئذ ينفذ فيها فإذا نفذت فيها يجوز أن تزيد في حجمها وتورمها. وخامسها أن الأسنان خلقت قابلة للتمديد ويدل على هذا أن السن النابتة المحاذية للسن الساقطة يزداد طولها وإذا كانت قابلة للتمديد فيجوز أن يقبل ما ينفذ فيها من الفضلات وترم PageVW5P095B . وللرازي أن يجيب عن هذا الأول ويقول التمديد الحاصل للعظم والدماغ بانمو غير التمديد الحاصل لهما بالورم من جهة الفاعل والمادة ونفس التمديد. أما الفاعل فإن الفاعل للمنو الطبيعة البدنية الموكلة بتدبير البدن والفاعل للورم دفع الطبيعة للمادة المورمة أو (875) حركتها أو هي بنفسها. وأما المادة فإن مادة النمو مادة صالحة مألوفة ومادة الورم فاسدة مؤذية (876). وأما نفس التمديد فإن الزيادة في النمو في الأقطار الثلاثة على التناسب الطبيعي. والزيادة في الورم في بعض الأقطار دون بعض. وإذا كان النمو مغايرا للتمديد بهذه الأمور فلا يجوز أن يقاس أحدها على الآخر. والجواب عن الثاني أن نفوذ الغذاء في جوهر الأعضاء أمر طبيعي مألوف. وإذا كان كذلك فلا يلزم من قبول الطبيعي قبول ما ليس بطبيعي. والجواب عن الثالث قوله إن الدماغ لزج إما أن يعني باللزوجة الدسومة أو غلظ القوام مع قبول التمديد كالمخاط. فإن عني بها الأول فتلك لم تقبل التمديد حتى تتورم. وإن عني بها الثاني فهو باطل فإن التشريح قد دلنا على أن جوهر الدماغ ليس هو كذلك. والجواب عن الرابع أن سواد الأسنان واخضرارها لا تقارنه زيادة البتة. وإذا كان كذلك فليس ذلك لقبول فضل وارد عليها بل ذلك (877) لفساد مزاجها في نفسها بحيث أنها لم يحل الغذاء الوارد عليها على ما ينبغي وتغتذي به. والجواب عن الخامس ما ذكرناه في الأول أو نقول لو ورمت الأسنان (878) وحصل لها ما ذكره فلا ينبغي أن يقاس عليها العظام فإن جوهرها غير جوهر العظام ويدل PageVW5P096A على هذا العقل والنفل. أما الأول فمن وجهين أحدهما أنها (879) أقوى حسا من العظام بل الأطباء يعتقدون أن العظام عديمة الحس والأسنان لها حس. وأما الثاني فإنا إذا (880) عرضنا الأسنان للفساد فإنا نرى الفساد يسرى إلى بعضها دون بعض ويظهر هذا ظهورا بينا في أسنان الحيوانات العظيمة الجثث. وأما النقل فإن الإمام أبقراط يقول في * خامسة الفصول (881) البارد ضار للعظام والأسنان والعصب والدماغ والنخاع. وأما الحار فنافع موافق لها. فأفرد الأسنان بالذكر ميزها عن العظام. واعلم أنا إذا أنصفنا في هذه المسألة كان الحق فيها مع الرازي في أمر العظام ودون الدماغ. ولذلك لم يجزم الشيخ الرئيس بحدوث الورم فيها. بل قال يعرض لها شيء شبيه بالورم يغلظ له حجمها ويزداد طولها ولا يغرب أن يكون القابل للزيادة بالنمو يقبل الزيادة بالفضل. ومع هذا فهذا القدر الذي ذكره إنما يمشي ويصح في سن المنو لأن الأعضاء فيه تكون قابلة للنمو. وأما الدماغ فإن جرمه يرم خلافا * لما ذكره الرازي (882) حتى أنه في بعض الأوقات يتفسخ الشؤون ويتفسخ عظم القحف (883).
البحث الرابع
قد عرفت أن البول يدل بقوامه وبلونه وبرسوبه وقد مضى الكلام في القوام والرسوب وبقي ذكر اللون. ولينبسط الآن القول فيه * فنقول الإمام (884) أبقراط قد أشار إليه في هذا الموضع فنقول أصول اللون أي لون البول خسمة. الأصفر والأحمر والأخضر والأسود والأبيض ثم الأصفر ستة التبني والترجي والأشقر والنارنجي (885) والناري والزعفراني PageVW5P096B . والأحمر أربعة أصهب والوردي والقاني والأقتم. والأخضر ستة الفستقي والزنجاري والأسمانجوني والنبلنجي والكراتي والزيتي. والأسود لون واحد، وللأبيض مشف وغير مشف والأول واحد والثاني سبعة المخاطي و الدسمي والفقاعي والأهالي والمنوي والرصاصي واللبني فتكون بسائط الألوان خمسة وعشرين. فلنذكر كل واحد من هذه وما يدل عليه فنقول. قد عرفت أن المائية من حيث هي هي جوهر شفاف مائل إلى بياض PageVW1P123B ما فلونه المخالف للطبيعي منه مستفاد من أمر خارجي وهذا الأمر الخارجي إما خلط يخالطه وإما قوة من تأثير الحرارة الغريبة فيه وإما صابغ من مأكول أو مشروب أو ملاق للبشرة. مرادنا هاهنا باللون الحاصل من الخلظ أو من فعل الحرارة لأنه المعتمد عليه والدال على الأحوال البدنية. إذا عرفت هذا فنقول في اللون الأصفر إما اللون التبني منه فهو لون مؤلف من صفرة يسيرة مع بياض وإشفاف شبيه بالماء المنقوع فيه التبن فهو يدل على نقصان الصفراء الصابغة للبول. وذلك إما لانصرافها إلى جهة أخرى وإما لأنها في الأصل قليلة وذلك إما لنصان مادتها وإما لاستيلاء البرودة عليها والأترنجي لون صفرته أظهر من صفرة الأول مع إشفاف شبيه بصفرة قشر الأترج (886) وهذا يدل على اعتدال الحرارة. ولذلك صار هذا اللون هو اللون الطبيعي المقارن للثفل الطبيعي المذكور آنفا. والأشقر لون أصفر يميل إلى قليل حمرة يسيرة وذلك لتوفر الصفراء المخالطة له أو دم قليل. والنارنجي لون أصفر شديد الصبغ مع صفاء متوفر PageVW5P097A . وذلك المخالطة صفراء لطيفة ولا يكون من مخالطة الدم وإلا تبع ذلك (887) قانية ما. وهذا يدل على حرارة أقوى من حرارة الأشقر. والناري لون أصفر مشبع الصفرة بحيث أنه يميل إلى (888) حمرة يسيرة وله شعاع كشعاع النار وسببه حرارة قوية جدا أو مخالطة صفراء متوفرة المقدار لطيفة القوام. وهذا اللون يدل على قوة المرض وقصر مدته. والزعفراني لون شديد الصفرة بحيث أنه يقارب الحمرة وبالجملة هو شبيه بشعر الزعفران وسببه حرارة أقل حدة من الحرارة الفاعلة لما قبله ويدل على طول المرض بالنسبة إلى ما قبله. وأما اللون الأحمر فاعلم أولا أن اللون الأحمر له أسباب أكثرية وأسباب أقلية فالأكثرية مخالطة الدم للمائية والأقلية إما مواد بلغمية كانت محتبسة في بعض المجاري فعفنت وعملت فيها الحرارة الغريزية واستفادت منها لونا أحمر (889) وإما مواد صفراوية قد تراكمت واجتمعت بعضها على بعض فإنها عند ذلك يحصل لها لون قريب من الحمرة. ولنعد إلى غرضنا فنقول أما الأصهب فهو لون أحمر صافي الحمرة رقيق القوام. وهذا اللون لا يمكن أن يكون من الدم الغلبة القانية عليه ولا من البلغم المذكور لغلظ قوامه فبقي أن يكون من الصفراء المتراكمة فإن لونها يميل إلى الإشراق وقوامها رقيق. ولذلك صار هذا البول يدل على قوة الحرارة واستيلائها على البدن. فإن كان خاليا من الثفل أنذر بدق فإن رؤي عل ظاهره أجزاء دسمة كان أكد في ذلك. وإن كان فيه ثفل أنذر بحدة المرض وقصر مدته. فإن تناقصت صفرته وكان الدماغ ضعيفا أنذر باسرسام PageVW5P097B . وإن كان قويا فتوقع سحجا أو قيئا مفرطا. وذلك بحسب استعداد المادة وقبول العضو. وأما الوردي فهو لون أحمر أقل إشراقا من الأول ولذلك لم يكن تولده من البلغم العفن لغلظ البلغم ولا من الصفراء المتراكمة لإشراق الصفراء فبقي أن يكون من الدم بشرط أن يكون رقيقا. ومن هذا يعلم أن حمرة هذا اللون لا يمكن أن يكون لضعف مميزة الكبد فإن الحادث (890) عن هذا يكون غليظ القوام لاختلاط السوداء به ولا يكون بحرانا للحمى المطبقة لأن مادة هذه غليظة بل للحمى الغليانية فقط. وقد يكون لضعف مميزة الكلى فإن الدم النافذ مع المائية إلى الكلى دم لطيف. فالبون الوردي في الأكثر يكون لهذين الأمرين أحدهما بحران الحمى الغليانية. والثاني لضعف مميزة الكلى. وأما القاني فتارة يكون بحرانا للحمى المطبقة وتارة يكون لانفتاح عرق في آلات البول لا سيما في الكلى فتارة يكون من امتلاء البدن وتارة يكون لقطع عضو كبير. واعلم أن البول الأحمر في اليرقان كلما كان أكثر وأصبغ لونا بحيث أنه يصبغ ما يقع عليه فهو أجود وأحمد لدلالته على انفتاح سدد الكبد وغيرها ودفع المادة الموجبة لها والمحتبسة عنها وبالصفة التي (891) تحمد بها في اليرقان تذم بها في الاستسقاء لدلالته على ذوبان الكبد وخروج شيء من جرمها. وأما الأقتم فيكون من البلغم العفن المحتبس على ما عرفت ومن الدم المحترق ومن ضعف مميزة الكبد. وأما اللون الأخضر الفستقي هو لون أصغر يخالطه سواد يسير وهو دال على غلبة الصفراء ويسير من السود. فإن كانت جمودية دلت (892) على البرد وإن كانت احتراقية دلت (893) على قوة الحر. وأما الزنجاري فهو لون يميل عن الخضرة إلى بياض يسير ويدل PageVW5P098A عل قوة الاحتراق. ولذلك متى ظهر في الحميات أنذر بالموت وإن خرج عقيب حركة قوية أو تبع شديد أنذر بتشنج أو بالموت (894) لدلالته على قوة الحرارة. وإن حصل للصبيان أنذر بتشنج أو بموت لدلالته على بعدهم عن المزاج الأصلي. وأما الاسمانجوني فهو لون أخضر يميل إلى زرقة صافية وسببه برد قوي يجمد رطوبات البدن أو سوداء تخالط المائية. ولا شك أن هذا يدل على البرد لا على الحر لأنه لم يشبه الصفراء (895). وأما النيلنجي فهو لون أخصر يميل إلى زرقة قوية وسببه إما سوداء جمودية تخالط المائية أكثر من مخالطتها للأول وإما برد مجمد. وأما الكراتي فهو لون ظاهر الخضرة ويدل على الحر أقل من دلالة الزنجاري عليه. وأما زيتي فقد قسمه الأطباء إلى ثلاثة أقسام. زيتي في لونه وزيتي في قوامه وزيتي فيهما جميعا لأن دسومات الأعضاء إما أن يكون في ابتدائه وإما أن يكون في تزيده وإما أن يكون في منتهاه. فإن كان الأول كان (896) زيتيا في لونه وإن كان الثاني كان في قوامه وإن كان الثالث كان في قوامه ولونه. لكن في قول الأطباء في هذا شيء وهو أن هذا البول إذا انتقل من زيتية لونه إلى قوامه هل يبقى مع ذلك زيتية لونه أم تفارقه؟ فإن كان الأول فيلزم من هذا أن يكون المراتب اثنتين (897) لا PageVW1P124A ثلاثا وهو في اللون وفيهما. وإن كان الثاني فهو محال وذلك لأن لون لطيف الدسم كلون غليظه وإذا كان كذلك لم يبق فرق بين ذلك. واعلم أن الحق هو الأخير وهو أن زيتية لونه إذا صارت إلى القوام فارقته ثم حصلت واجتمعت مع القوام في المرتبة الثالثة. وذلك لأن لون لطيف الدسم كيف كان لا بد وأن يكون PageVW5P098B مباينا للون الغليظ (898) فإن الصافي الرائق من الزيت يميل إلى صفرة يسيرة مع خضرة يسيرة (899) ومثل هذا يغير اللون فقط دون القوام. فإذا فعلت الحرارة في الغليظ تغير القوام مع مفارقة اللون وذلك لأن لون هذا الغليظ كمد مع خصرة يسيرة وقوامه لا شك أنه أغلظ من الأول. فإذا * فعلت الحرارة في الغليظ تغير القوام مع مفارقة اللون وذلك لأن لون هذا الغليظ كمد مع خضرة يسيرة وقوامه لا شك أنه أغلظ من الأول فإذا (900) قويت الحرارة على هذا الغليظ ميزت لطيفه عن كثيفه فحصل من الأول تغير اللون ومن الثاني تغير القوام. وأما الأسود فهو إذا لم يكن لصابغ ملاق للبشرة ولا مأكول إما لبرد مجمد أو لحر محرق أو لدفع الطبيعة للمواد السوداوية. وقد عرفت الفرق بين الجمودي والاحتراقي. وأما الفرق بين الدفعي وبينهما فهو أن الأول تعقبه خفة وراحة ويكون خروجه في يوم باحوري بخلاف الكائن للأولين والاحتراقي والجمودي كلما كانا أقل مقدارا فهو أردأ وكذلك كلما كانا أغلظ قواما. أما الأول فلأن قلة المقدار يكون لأحد أمرين إما لفناء الرطوبة المزيدة في مقداره وإما لضعف الطبيعة عن دفعه بالكلية وكل ذلك رديء. فإن قيل المادة الصابغة إلى السواد المذكور (901) مادة رديئة وقلة الرديء أجود من كثرته. فنقول قلة ظهور الرديء تارة يكون لقلته في نفسه وبمعنى أن يكون سببه ضعيفا. وتارة تكون قلته بمعنى أن يكون أجود ما فيه قد ذهب وتلاشى وهو لطيفه وتارة يكون لضعف الدافعة عن دفعه فإن كانت لقلة للفناء وللضعف فالكثير من البول الأسود أجود من القليل وإن كانت لضعف السبب فالقليل منه أجود من الكثير. وأما الثاني وهو الأعلظ أردأ فنقول وذلك لفناء رطوباته التي هي أفضل PageVW5P099A مما غلظ منه لأنها تعيننا في نضج ذلك والأبيض المشف دال على قصور الهضم لاستيلاء البرد لأن هذا هو لون المائية وقد علمت أن المائية من حيث هي هي مائية لونها مستفاد من أمر خارجي وقد عرفت أن الأمر الخارجي المراد به هاهنا الخلط أو الحرارة القوية. فإذا لم يكن خلظ ولا حرارة خرجت المائية على ما هي عليه. وأما المخاطي فسببه بلغم لزج غليظ القوام يخالط البول ويفيده اللون والقوام المذكورين. وهذا البول متى خرج في حال الصحة أنذر بحدوث أمراض بلغمية وإن كانت حاصلة فهي للكثرة. فإن أعقبه خفة وراحة كان اللدفع. وأما الدسمي فسببه حرارة قوية تذيب دسومات البدن كالشحم الذائب والسمين والشحم الذائب تارة يكون شحم الكلى وتارة يكون شحم سائر البدن وقد عرفت الفرق بينهما. وأما الأهالي فسببه بلغم مع ذوبان من دسومات البدن لاستيلاء مذيب عليها. وأما فقاعي فله ثلاثة أسباب أحدها * مختلط بجوهر (902) مدى بالبول غير أن هذه المدة التي توجب ذلك لا يمكن أن يكون إلا من المثانة لأن مدة قرحة الكلى تشوبها حرارة يسيرة ومدة ما هو إعلانها يكون قليل الوقوع ومع ذلك فتشوبه حمرة. وثانيها بلغم خام يخالط البول مخالطة شديدة. ثالثها ذوبان حصاة المثانة فقط لا حصاة الكلية فإن لونها أحمر والفرق بين هذه الثلاثة أسباب ظاهر. وأما المنوي فسببه مخالطة بلغم لزج قد علمت فيه الحرارة عملا يسيرا حتى شبهته بالمني. وهذا البول تارة يكون حصوله بعد حصول أمراض وتارة يكون حصوله ابتداء. فإن كان الأول فإما أن يكون اندفاعه PageVW5P099B للطبيعة وللكثرة. فإن كان الأول فيكون بحرانا. ومثل هذا النوع تعقبه خفة وراحة وإن كان الثاني فهو بلغم لزج زجاجي متوفر المقدار. وإنما قلنا إن هذا البلغم زجاجي لأن هذا الصنف من البلغم يكون حرارة قد علمت فيه لأحتباسه في المفاصل على ما بيناه في كتابنا البسوطة. وإن كان ابتداء فهو منذر بأمراض بلغمية مثل السكتة والفالج واللقوة * والاسترخاء والتشنج الامتلائي (903) وذلك بحسب استعداد الأعضاء وقبولها للمادة. وأما الزجاجي فهو لون * فيه بياض (904) مع خضرة يسيرة وسببه مخالطة بلغم متوفر المقدار لقليل من السوداء. وذلك لبرد قوي استولى على البلغم وأزال عنه الإشراق وأفاده الكمودة. وأما اللبني فسببه إما ذوبان الأعضاء الشحمية وإما اختلاط بلغم غليظ به أكثره البلغم ألفته لأن ما عداه قد استفاد لونا لفعل الحرارة فيه أو مخالطة مدة له. فهذه أصناف ألوان البول وفي ذلك كلام طويل قد ذكرنا في شرحنا لكليات القانون. * فمن أراد معرفة ذلك فعليه بمطالعة ذلك الكتاب (905).
البحث الخامس
الذي ظهر لنا مما ذكرنا أن البول الأحمر دال على الحرارة والأبيض المشف دال على البرد. وهذا القول لا يصح مطلقا فإن لنا أمراضا باردة والبول فيها أحمر. وذلك ستة أمراض القولنج الشديد الألم والقولنج الصفراوي والاستسقاء والفالج والتشنج والتمدد الامتلائيات والحمى البلغمية. ولنا أمراض حارة والبول فيها أبيض مثل السرسام وحمى الدق. وأما القولنج الشديد الألم فإن هذا المرض سببه مواد بلغمية ارتكبت PageVW5P100A في طبقات الأمعاء ومنعت الأثفال من الخروج ومع هذا والبول معه أحمر اللون وسبب ذلك شدة الوجع وتحليله للصفراوي أذابته لها وذلك لأن الوجع الشديد تلزمه السخونة لاضطراب الأرواح بسبب تحريك PageVW1P124B النفس للقوى البدنية لمقاومة الألم. فعند ذلك ترق المواد وتخالط البول وتفيده صبغا. والذي يقبل من المواد ذلك الألطف فالألطف ولا شك أن الصفراء ألطف مواد البدن. وأما القولنج الصفراوي فسببه سدة في مجرى المرارة المتصل بالمعاء بحيث أنها تمنع ما كان ينصب منها إلى المعاء لينبهها على دفع ما فيها من الفضلات البرازية وغيرها فيرجع القهقري إلى الكبد إلى محدبها ثم يندفع مع المائية إلى الكلى ثم إلى المثانة ثم إلى خارج. هذا إن لم يصعد إلى المعدة في الشعبة الأخرى المعروفة من التشريح ويحدث غثيانا وقيئا. وأما الاستسقاء فسبب حمرة البول فيه ضعف مميزة الكبد عن تمييز الدم المخالط للمائية فيبقى منه مقدار متوفر مخالط للمائية ويفيدها لونا أحمر. هذا كله بشرط أن لا يكون مع الاستسقاء ورم وإلا فمتى كان معه ذلك كان معه حمى فيكون سبب صبغ البول الحمى. وأما الفالج فسبب حمرة البول فيه ضعف القوى عن دفع المائية على مخصوصيتها. هذا إذا كان في الجانب الأيمن وضعف العروق عن جذب المواد. هذا إذا كان في أي جانب كان أو توفر الحرارة على أحد الجانبين لاسيما متى كان ذلك (906) الجانب هو الأيمن من اليد أو قلة احتياج العليل إلى الغذاء فينفذ الدم مخالطا للمائية ويخرج بالبول. وأما التشنج والتمدد الامتلائيات PageVW5P100B فسبب ذلك فيهما انفزار بعض أوردة البدن وخروج الدم منها فيخالط البول ويخرج معه. وأما الحميات البلغمية فإن هذه إذا حصل معها سدة في بعض مجاري البدن منعت من خروج ما غلظ المواد وبقي محتبسا فتعمل فيه الحرارة وتفيده لونا أحمر (907) فإذا افتحت السدة وخروج ذلك صبغ البول ففي هذه الصورة المرض في نفسه بارد والبول أحمر. وأما البياض فكما في السرسام وذوبان الأعضاء في حمى الدق ففي هاتين الصورتين أيضا المرض حار والبول أبيض.
البحث السادس
قال الأطباء الألوان المذكورة منها ما لا يكون معه قوام رقيق البتة كالأسود البدني والقاني ومنها ما لا يكون معه قوام غليظ البتة كالأترجي والزعفراني والناري وغير ذلك من طبقات الصفرة. ومنها ما يمكن اجتماع القوامين معه كالأبيض. وأما الأسود فقد عرفت أنه إذا لم يكن لصابغ ملاق للبشرة أو مأكول فهو إما لدفع الطبيعة للمواد السوداوية كما في بحران حمى الربع وإما لحر محرق وإما لبرد مجمد وكل هذه مغلظة لقوام البول. وأما القاني فهو لاستيلاء الدم وذلك مغلظ للقوام فلا يوجب الرقة. وأما الأصفر بأصنافه فهو لغلبة الصفراء وهي رقيقة فلا توجب الغلظ. وأما الأبيض فتارة يكون القوام معه رقيقا كما في فساد الهضم وتارة يكون غليظا كما إذا خالطه بلغم غليظ على ما عرفت (908) مفصلا.
البحث السابع
الذي تلخص مما ذكرنا أن البول منه فاضل ومنه غير فاضل. والثاني قد عرفته في لونه وقوامه ورسوبه والأول له شروط سبعة PageVW5P101A أحدها أن يكون قوامه معتدلا فإن ما عدا ذلك من قوامات البول ليس بمحمود على ما عرفته إلا أن يكون الغلظ لتراكم المواد الناضجة بدفع الطبيعة. وثانيها أن يكون لونه أترجيا لأن ما عدا هذا اللون فهو إما لغلبة الحرارة أو البرودة. وثالثها أن يكون محمود الرسوب وقد عرفت صفات المحمود. ورابعها أن يكون مقداره بمقدار المشروب الوارد على البدن. وخامسها أن يكون خروجه في الوقت المعتاد. وسادسها أن يكون سهل الخروج. وسابعها أن لا يكون عديم الرائحة ولا ظاهر النتن فإن عديم الرائحة دليل على قوة البدر والنتن على قوة (909) العقن وهذا البول متى ظهر في المرض دل على استيلاء الطبيعة البدنية على المادة المرضية استيلاء تاما سواء كان المرض حادا أو مزمنا وسواء (910) خرج دفعة أو قليلا قليلا.
البحث الثامن
في ذكر البول الخالص بكل واحد من الأسنان نقول قد عرفت أن الأسنان أربع وعرفت لم صارت أربع (911). فهذه الأسنان لكل واحد من أصحابها بول خاص له خصوصيات لم توجد في غيره. فيجب عل الطبيب الماهر أن يعرف تلك الخصوصيات ليعلم متى لم ير (912) مزاجهم الخاص بهم عنه أنهم قد خرجوا عنه. أما بول الصبيان فله خصوصيات خمس (913). أحدها غلظ القوام وثانيها (914) بياض اللون وثالثها (915) كثرة المقدار ورابعها (916) تثور القوام وخامسها (917) اعتدال الرائحة. أما الخاصية الأولى فقد عرفت العلة فيها. وأما الثانية فلوجوه ثلاثة أحدها لبنية غذائهم في أول عمرهم وما بعده لقلة توليد الصفراء فإنها هي الصابغة للبول في الأكثر. وثانيها (918) لكثرة PageVW5P101B ما يشربون من الماء وذلك لكثرة مآكلهم وحركاتهم عليها. وثالثها لفساد الهضم فيهم وذلك لسوء ترتيبهم في مآكلهم ومشاربهم. وأما الثالثة فلوجوه ثلاثة أحدها لانسداد مسامهم وذلك لاستيلاء الرطوبة على أبدانهم وذلك مما تتبعه قلة التحلل التابع له كثرة البول. وثانيها لكثرة ما يشربون من الماء لما عرفته. وثالثها لكثرة رطبوباتهم فينحدر لطيفها مع البول ويكثر مقداره. وأما الرابعة فلوجهين أحدهما لكثرة ما يعتريهم من سوء الاستمراء فإن ذلك يلزمه كثرة الرياح وهي موجبة لتثوير البول. وثانيهما لكثرة حركاتهم على الأغذية فإن ذلك تخصص (919) الغذاء ويولد فيه رياحا والرياح مثورة للبول. وأما الخامسة فإن حرارتهم وإن كانت متوفرة غير أنها مكسورة السورة لتوفر PageVW1P125A الرطوبة الغريبة في أبدانهم.فتكون الرائحة ليست حادة ولا خاملة. وأما بول الشباب، فله ثلاثة خصوصيات، أحدها ظهور النارية، وثانيها (920) اعتدال القوام، وثالثها قوة الرائحة. أما الأولى فلكثرة الصفراء المتولدة في أبدانهم. وأما الثانية، فلجودة الهضم فيهم وذلك لحسن تدبيرهم في أغذيتهم. وأما الثالثة، فلقوة الحرارة وميلها إلى الحدة وذلك موجب لقوة الرائحة. وأما بول الكهول، فله خصوصيات خمس: أحدها غلظ القوام، وثانيها قلة صبغه، ثالثها كثرة مقداره، ورابعها تعذر خروجه، وخامسها ضعف رائحته. أما الأولى فلاستيلاء المواد الباردة اليابسة في هذه السن. وأما الثانية، فلقلة الصفراء * في هذه السن (921). وأما الثالثة، فلقلة PageVW5P102A التحلل وقلة انصراف الغذاء إلى جهة الأعضاء لتغذيتها لا سيما في أول سن الكهول. وأما الرابعة، فلوجهين. أحدهما لقلة الصفراء في هذه السن وثانيهما قوة القوة الماسكة في أبدانهم لا سيما في المثانة لبردها ويبسها. وذلك لعصبية جوهرها وأما الخامسة فلضعف الحرارة في هذا السن ولقلة الصفراء فيها (922) أيضا. وأما بول المشايخ، فله ثلاث خصوصيات. أحدها رقة القوام، وثانيها قلة المقدار، وثالثها بياض البول. أما الأولى فلثلاثة أوجه. أحدها لضعف الهضم فيهم، وثانيها لضعف الدافعة فيهم عن دفع ما غلظ من المواد. وثالثها لضيق المجاري فيهم، وذلك لاستيلاء البرد واليبس في هذه السن، فتعتذر نفوذ ما غلظ من موادهم وأما الثانية، فلقلة المشروب لضعف الحرارة في هذه السن. ولاحتباس ما غلظ من موادهم لما ذكر فيقل مقدار البول. وأما الثالثة، فلثلاثة أوجه، أحدها لضعف الحرارة التي هي أحد الملونات للبول في هذه السن، وثانيها ضعف الهضم فيهم وقد عرفت كيفية إيجاب ذلك للبياض. وثالثها قلة ما يتولد في هذه السن من الصفراء.
البحث التاسع
في ذكر الفرق بين البول من الرجال والنساء. نقول الفرق بينهما من وجوه سبعة أحدها أن بول الرجال أرق قواما من بول النساء. وثانيها أن أبوال الرجال أشد رونقا من أبوال النساء. وثالثها أن أبوال الرجال (923) أكثر صبغا من أبوال النساء. ورابعها أن أبوال الرجال إذا حركت، كان تكديرها أسرع من تكدير أبوال النساء بالتحريك. وخامسها أن أبوال الرجال إذا كدرت بالتحريك، كان تكديرها PageVW5P102B مائلا إلى فوق وتكدير أبوال النساء مائل إلى أسفل. وسادسها أن أبوال الرجال إذا زبدت بالحركة، كان زبدها أقل استدارة من زبد أبوال النساء عند التحريك . وسابعها أن الزبد الحاصل في أبوال الرجال متفرق والحاصل في أبوال النساء مجتمع. ولنبين علة كل واحد من هذه الفروق. أما رقة القوام، فلوجوه أربعة. أحدها لحرارة مزاج الرجال وبرد مزاج النساء، والحرارة أنسب بالرقة والبرودة بالغلظ. وثانيها أن الرجال أقل سكونا من النساء وكثرة السكون مما توجب اجتماع الفضلات وتراكمها بعضها على بعض. وذلك موجب لقلة المواد المغلظة للبول وحال بول النساء بعكس ذلك. وثالثها أنه قد عرف في التشريح أن مجرى المثانة المتصل بالرحم قصير واسع وفي الرجال المتصل بالقضيب طويل ضيق. وقصر المجرى وسعته مما يعين على انحدار ما غلظ من المواد. ورابعها كثرة ما يتجلب إلى الأرحام في النساء من فضلات دم الطمث وعدم ذلك في الرجال. وأما الرونق، فلوجهين. أحدهما أنه قد علم أن بول الرجال أرق من بول النساء والرقة يلزمها في الأكثر الأشراق والضياء والغليظ يلزمه في الأكثر الكدورة. وقوانين الطب أكثرية. وثانيهما أن الرجال أحر مزاجا من النساء. والحرارة يلزمها الإشراق والبرودة الكدورة. وأما أمر الصبغ، فاعلم أن بول الرجال أقوى صبغا من بول النساء وذلك لوجهين. أحدهما لكثرة حركاتهم والحركة مما يحد الحرارة وذلك موجب لظهور الصبغ. وثانيهما لحرارة أمزجة الرجال وبرودة أمزجة النساء. وقوة الحرارة مما يوجب PageVW5P103A قوة الصبغ. وأما التكدير (924) فقد علمت أن الرجال أحر مزاجا من النساء والحرارة يلزمها رقة القوام وتباعد الأجزاء بعذها عن بعض لأن شأن الحرارة التفريق والبول متى كان بهذه الصفة كان تكديره أسرع مما إذا كان بخلاف ذلك وأما أمر الميل فاعلم أن الحرارة شأنها طلب العلو والسمو، والبرودة شأنها طلب الهبوط والرسوب ولا شك أن أبوال الرجال أحر من أبوال النساء لحرارة أمزجة الرجال وبرودة أمزجة النساء فلذلك كان كدر أبوال الرجال مائلا إلى فوق وكدر أبوال النساء مائلا (925) إلى أسفل. وأما الاستدارة فقد علمت أن أبوال الرجال أحر من أبوال النساء فيكون ريح زبده ألطف وذلك مما يهيئه للتمزيق وسرعة التفريق. وأبوال النساء باردة فتكون الريح المتخلخلة غليظة عسرة الانفصال وعسر الانفصال مما يوجب بقاء الاستدارة. وأما أمر الاجتماع والافتراق، فلأن أبوال الرجال أحر وألطف فيكون الزبد الحاصل لها بالتحريك متفرقا وأبوال النساء أبرد وأغلظ فيكون زبدها مجتمعا، والله تعالى (926) أعلم.
72
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت المواضع التي فيما دون الشراسيف منه عالية ومنها قرقرة ثم حدث به وجع في أسفل ظهره، فإن بطنه تلين إلى أن ينبعث منه رياح كثيرة أو يبول بولا كثيرا وذلك في الحميات.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول:
في الصلة وهو أن حكم أبقراط في هذا الفصل كالمقابل لحكمه في الفصل الماضي. وذلك لأوجه أربعة. أحدها أن الفصل الماضي يتضمن حكم حركة المواد إلى الأسافل والأسافل تقابل PageVW5P103B الأعالي. وثانيها أن هذا الفصل قد ذكر فيه حمى توجب كثرة البول وفي الأول ذكر فيه حمى توجب قلته. فإن المواد التي (927) كانت تغير البول كانت تزيد في مقداره لأنها جسم فعند ارتفاعها إلى الأعالي لما ذكرنا نقصت من مقدار البول (928). وثالثها أن الفصل الأول (929) ذكر فيه حمى يكون البول معها مشفا وفي هذا الفصل ذكر فيه حمى يكون البول معها غير مشف. ورابعها أن الفصل الأول يتضمن الاستدلال من البول أحوال رديئة PageVW1P125B وهذا يتضمن الاستدلال من البول على أحوال صالحة لدلالته على أحوال دفع الطبيعة للمادة المرضية.
البحث الثاني:
المراد بالشراسيف أطراف أضلاع الخلف وسميت هذه الأضلاع بهذا الاسم لأنها تخلفت عن تمام الاستدارة وصارت كذلك لئلا يمنع الجوف من البروز إلى قدام وفي ذلك منع من الحبل ومن التملي من الطعام بقدر حاجة البدن لزمان طويل وقد أشبعنا القول في هذا حيث ذكرنا تشريح الأضلاع في شرحنا * لكليات القانون (930) وقوله فيما دونها أي مما يلي إلى جهة السفل وذلك ليتناول موضعي الكبد والطحال. ومعرفة العلو في هذا الموضع يكون عند نوم العليل على ظهره فإن عادة الأطباء أن يمتحنوا أحشاء العليل بأن ينوموه على ظهره قبل أخذ الغذاء ليظهر لهم ذلك غير أن علو هذا الموضع تارة يكون لورم في الكبد أو في الطحال أو في فم المعدة وتارة يكون لرياح غليظة مشتبكة في هذه المواضع، وتارة يون لرياح تولدت هناك متحركة إلى * جهة السفل (931) تقارنها رطوبة لطيفة. هذه يحس معها بقرقرة PageVW5P104A كحركة الرياح، ولنزول المواد إلى أسفل. فقول أبقراط يكون معه قرقرة يخرج الكائن عن الورم وإن كان قد يكون معه رياح على ما سنذكره لكن لا يكون معه قرقرة ويخرج الكائن عن الرياح الغليظة المشتبكة. أما الأول، فإن الورم يحتبس الرياح ويمنعها من الحركة، فلا يكون معها قرقرة. وأما الثاني، فإن القرقرة هي صوت يحصل من حركة الريح مع رطوبة. فإن كانت الريح قد ملأت هذه المواضع، لم يبق لها مكان تتحرك فيه. فلا يحصل معها قرقرة * والله أعلم (932).
البحث الثالث:
قوله ثم حدث وجع في أسفل ظهره. نقول: الطبيعة البدنية شأنها أن تدفع المواد إلى السبل التي عادتها خروج المواد منها. فإذا دفعتها إلى أسفل تبع ذلك تمديد الأعضاء التي في هذه المواضع فيحصل من ذلك وجع في أسفل الجوف مما يلي الظهر فوجع الظهر عند حركة هذه المواد دليل على انحدارها إلى أسفل فإن كانت الرطوبة مائلة إلى الغلظ، حصل من ذلك لين البطن وإن كانت الرطوبة لطيفة، مالت إلى جهة المثانة وخرجت بالبول. وإن كانت الرطوبة قليلة جدا، خرجت بالرياح. فإن كان هناك حمى أحالت هذه الرياح وأذابت الرطوبات إلى المائية، وخرج ذلك (933) بالبول فيكون كثيرا لتحليل الرياح التي كات تمنع البول من الخروج بالمزاحمة. ولأجل هذا قال وذلك كما في الحميات وتعرف هذه المواد خارجة بالبول وبالبراز وبالريح بما ذكرنا في البحران من علامات اندفاع المادة * من جهة إلى جهة (934).
البحث الرابع:
قال جالينوس: من عادة الأوائل إذا قالوا إنسان أصابه PageVW5P104B حمى، يعنون بذلك إذا حصل ذلك له من غير ورم حصل له في بعض أعضائه. فإذا حصل له ذلك من قبل ورم، عرض له في جنبه مثلا أو في رئته أو في معدته، لم يكن من عادتهم أن يقولوا أنه أصابه حمى لكن كانوا يقولون أصابه ذات الجنب أو ذات الرئة أو ذات الكبد أو ذات الطحال أو غير ذلك. قال وأبقراط (935) يريد في هذا الموضع أنه يدل على أحد أمرين، إما على أن هذه الأعراض أي علو (936) ما دون الشراسيف التي ذكر إنما يعرض في الحميات التي ليس معها علة خاصة بعضو من الأعضاء أو على أن علو ما دون الشراسيف يكون في الحميات لكن هذه الحميات لا يكون معها انطلاق بطن ولا انبعاث رياح أو بول. فإن كان معها رياح، فيحتبس (937) الورم للرياح عن النزول لا لحركة المواد إلى الأسافل. أقول: حاصل ما ذكره جالينوس في هذا الموضع أن غرض أبقراط بهذا القول يتبين أن علو ما دون الشراسيف ليس هو للورم كما ذكرنا ذكر حصول الحمى مع ذلك فإنه لو كان هناك ورم لما قال حمى بل قال ذات الكبد أو ذات الطحال أو ذات الرئة أو ذات المعدة، والله أعلم.
73
[aphorism]
قال أبقراط: من يتوقع أن يخرج به خراج في شيء من مفاصله فقد يتخلص من ذلك الخراج ببول كثير (938) غليظ يبوله كما قد يبتدئ في اليوم الرابع في بعض من به حمى معها إعياء. فإن رعف، كان انقضاء مرضه مع ذلك الرعاف سريعا جدا.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول:
في الصلة، وذلك من وجهين. أحدهما أن الفصل الأول الماضي لما (939) تضمن (940) حكم ميل المواد إلى الأسافل وميلها إلى أسفل تارة يكون خروجها بالإسهال وتارة يكون بانبعاث الريح وتارة يكون PageVW5P105A بالإدرار، ذكر في هذا الفصل بحرانا يكون بالبول وثانيهما أن الفصل الماضي يتضمن الكلام في بحارين الأمراض التي موادها غليظة وهذا يتضمن تلك، ولذلك ذكر الخراج والبول والرعاف. وذلك لأن المادة إن كانت غليظة جدا ومائلة إلى البرودة وكانت المفاصل ضعيفة، حصل منها عند دفع الطبيعة في أول (941) البحارين خراج. وإن كانت المادة دون تلك في الغلظ والبرودة خرجت بالبول وإن كانت دون تلك في الغلظ وهي مع ذلك مائلة إلى الحدة، خرجت بالرعاف وقد عرفت علامة ميل المادة إلى أحد هذه الجهات حيث ذكرنا البحران فيما تقدم.
البحث الثاني
(942): قوله من يتوقع له أن يخرج به خراج في شيء من مفاصله، أقول: الخراج بحران ناقص. وهذا البحران له سبب فاعل وسبب قابل. فالفاعل عجز الطبيعة البدنية عن دفع المادة المرضية عن جملة البدن. وذلك إما لغلظ قوامها وإما لكثرة مقدارها. والقابل ضعف المفاصل، وذلك لتقدم حركة متعبة أضعفتها وأوجبت لها إعياء كما قال أبقراط فيما تقدم وإن كان قد تقدم فأتعب عضوا (943) من الأعضاء ففي ذلك العضو يتمكن المرض أي مادة المرض لا سيما والمفاصل متهيئة لذلك من وجوه أخر: كثرة حركتها ووجود التجويف فيها وكون أكثرها موضوعا في أسفل البدن. فمن كان قد أتعب عضوا من الأعضاء ثم حصل له مرض عن مادة غليظة ثم حصل له بحران ناقص فإن كثيرا ما يبحرن بخراج (944) فهذا معنى قوله من يتوقع له أن يخرج به خراج في شيء من مفاصله.
البحث الثالث:
قال جالينوس الخراج يحدث في المفاصل فيمن أتعب مفاصله قبل المرض وفيمن أصابه PageVW5P105B إعياء PageVW1P126A في نفس مرضه على أي وجه كان. وفيمن يطول به المرض من قبل كثرة المادة الغليظة. وهذا الحكم من جالينوس صحيح فإن كل واحد من هذه الثلاثة علة لحدوث الخراج في المفاصل. أما الأول والثاني، فظاهران. وأما الثالث، فإن المرض إذا طالت مدته لغلظ مادته وكثرتها ثم جاء وقت البحران، فإن الطبيعة إذا عجزت عن دفعها عن جملة البدن، دفعتها إلى أقبل المواضع لها وتلك هي المفاصل على ما ذكرنا غير أن الطبيعة إن (945) قويت في وقت الدفع، دفت المادة المزمعة لإحداث الخراج، وأخرجتها بالبول لأن المادة الخارجة بالبول قريبة الشبيه من المادة الموجبة للخراج. فلذلك جعل دفعها بالبول عند زيادة قوة الطبيعة عما (946) كانت، ولأجل هذا قال وقد يتخلص من ذلك ببول كثير غليظ أما الكثرة فلاتجاه المواد والمحدثة للخراج إلى جهة المثانة * فيزيد في مقدار البول. وأما الغلظ المادة الندفعة إلى جهة المثانة (947) ومراده بالغلظ هاهنا الاعتدال في القوام، فإن القوام المعتدل غليظ بالنسبة إلى الرقيق وصار قوامه معتدلا. وذلك لأن خروجها بالبول لدفع الطبيعة وذلك لا يتم إلا بعد الإعداد للدفع وهو الاعتدال. وفي بعض النسخ أنقص وهو حق فإن البول المذكور يلزمه من الألوان البياض على ما عرفت.
البحث الرابع:
قوله كما قد يبتدئ في اليوم الرابع، قال جالينوس ذكر أبقراط اليوم الرابع ههنا على سبيل المثال، ونقيس عليه سائر أيام الإنذارات. أقول وإنما مثل به لأنه أول الإنذارات. قال (948) ابن أبي صادق PageVW5P106A إن الحمى متى كانت قوية الحرارة وكنا نتوقع خراجا يحدث في بعض المفاصل فإن حرارة الحمى تذيب المادة وتدفعها الطبيعة إلى جهة المثانة ويخرج بالبول ويكون غليظ القوام كثير المقدار أبيض اللون لأنه عن استيلاء الطبيعة على الدفع لا للكثرة ويكون ابتداء الخروج في اليوم الرابع لأنه يوم إنذار على ما عرفت. واعلم أن الحق في هذا الموضع مع الفاضل جالينوس وذلك لأن اليوم الرابع أقصر الإنذارات فإذا أسرعت الطبيعة فيه بالدفع، دل ذلك على استيلائها عليها في أول المرض. وذلك ينافي حدوث البحران الخراجي لأنه يكون لضعف القوة ولغلظ المادة وبالجملة قلة مطاوعتها للدفع ولذلك صار يتأخر حدوثه. وكيف لا يكون كذلك (949) وذكره الرابع على سبيل المثال وقد عبر عنه بعبارة تعطي هذا المعنى وهو قوله كما قد يبتدئ في اليوم الرابع فإن كما في قوة قولنا مثل ما ولو كان أراد به غير التمثيل لكان قال يبول بولا كثيرا أبيض يبتدئ في اليوم الرابع.
البحث الخامس:
قوله في بعض من به حمى معها إعياء معناه أن خروج المادة التي كنا نتوقع منها حدوث الخراج بالبول الكثير الغليظ الأبيض يوم من أيام الإنذارات يكون ذلك في بعض الحميات التي يكون معها إعياء وهي الحميات التي موادها مائلة إلى اللطافة وحرارتها مائلة إلى القوة وكذلك حال القوة فإن غالب الأمر أن الحميات التي موادها غليظة وقد حصل معها إعياء في المفاصل بحرانها يخرج وفي بعض النسخ من به حمى معها إعياء بزيادة الواو، ويكون تقدير الكلام PageVW5P106B على هذا النسخة أن من يتوقع أن يخرج به خراج في مفاصله فقد يتخلص من ذلك الخراج ببول كثير غليظ أبيض كما قد يبتدئ في اليوم الرابع. وكذلك حال بعض من به حمى معها إعياء فإن يتخلص من خراج يحدث به بسبب إعيائه (950) ببول كثير يبوله كما قد يبتدئ في الرابع وقال في الصورة الأولى فقد يتخلص فعبر بلفظة قد وفي الثانية بعض ولم يقل كل لأن في الأول الخلاص من الأمراض التي يتوقع بحرانها يحدث خراج بدفع المادة بالبول المذكور يكون (951) قليل الوقوع لأن ذلك إنما يأتي من قوة القوة ولطافة المادة المزمعة بحدوث الخراج. وذلك مناف لحدوث البحران الخراجي. فإن ذلك يكون لتراخي القوة وغلظ المادة وكثرة مقدارها وغلظ قوامها وفي الثانية كذلك فإن الخلاص من حدوث الخراج في الحميات التي يكون (952) معها إعياء في المفاصل ببول على الصفة المذكورة يكون قليل الوقوع وعند كون القوة قوية والمادة المرضية لطيفة ومع ذلك فإن دفع هذه المادة مع قوة القوة إلى جهة المثانة بالبول مع ضعف المفاصل وقبولها لانصباب المادة قليل الوقوع فلذلك عبر ببعض ولم يقل كل.
البحث السادس:
قوله فإن رعف كان انقضاء مرضه مع ذلك الرعاف سريعا جدا أقول البحران الرعافي (953) يستأصل المادة المرضية لأنه يخرج المادة اللطيف منها والغليظ. ولا شك أن ذلك يكون به انقضاء المرض وهو مع ذلك يكون خروجه دفعة فيكون انقضاء المرض به سريعا بخلاف البحران البولي فإنه قد يتخلف شيء من المواد PageVW5P107A الغليظة، ومع ذلك فإن خروجها بالبول في أيام فلا يحصل به الانقضاء وإن حصل كان في أيام ولما كان * حال الرعاف (954) كذلك، قال فإن رعف بذلك (955) كان انقضاء مرضه سريعا جدا. وذكر جدا للمبالغة في السرعة لكن الكلام في قوله كان (956) بذلك انقضاء مرضه هل الضمير في قوله مرضه عائد إلى الخراج أو إلى المرض المتوقع إن يبحرن بخراج؟ كلام أبقراط محتمل للمعنيين جميعا. أما الأول، فإنه قال من يتوقع أن يخرج به خراج في شيء من مفاصله وقد علمت أن المفاصل منها ما هي في أعالي البدن ومنها ما هي في أسافله. فإن كانت في الأعالي، كان انقضاء ما هو متوقع الحدوث بالرعاف. وإن كانت في الأسافل، كان انقضاء (957) ما هو متوقع الحدوث (958) بالبول. لكن الانقضاء بالرعاف أسرع من الانقضاء بالبول لما ذكرنا. وأما الثاني، فإن قوله من يتوقع أن يخرج به خراج في شيء من مفاصله قال فقد يتخلص من ذلك الأمر بخراج (959) يحدث في شيء من مفاصله فإن بال بولا كثيرا غليظا أبيض فقد يتخلص من ذلك الخراج المزمع الحدوث، فإن رعف، كان انقضاء المرض الأصلي المتوقع أن يبحرن بخراج في شيء من مفاصل البدن سريعا جدا، والله أعلم.
74
[aphorism]
قال أبقراط: من كان يبول دما أو قيحا فإن ذلك يدل على أن به قرحة في كلاه او في مثانته.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول:
في الصلة، وهو أن حكم هذا الفصل كالمقابل لحكم الفصل الأول. فإن الأول يتضمن الكلام في الثفل المحمود لأنه كائن عن دفع الطبيعة. PageVW1P126B وهذا في الثفل المذموم ونقول أنه قد عرفت أن الثفل على نوعين، طبيعي PageVW5P107B وغير طبيعي. وقد تقدم الكلام منه في الطبيعي، وهو قوله الغمامة الحمراء وفي هذا وما بعده أخذ يتكلم في الثفل الغير طبيعي * والله أعلم (960).
البحث الثاني:
خروج الدم والقيح من القضيب تارة يكون لقرحة في الكلى والمثانة، وتارة يكون لقرحة في الحالبين، وتارة يكون لانفجار قرحة في الكبد، وتارة يكون لانفجار قرحة فيما هو أعلى من ذلك كما ذكرنا في ذات الجنب وذات الرئة، غير أن مراد أبقراط بذلك الخارج من الكلى والمثانة فقط لأن الحاصل من جهة قرحة القضيب يكون خروجه قبل البول وبعده ومعه. وأبقراط يقول من كان يبول دما وقيحا والخارج من الحالبين يكون لمرور حصاة خشنة بالمجرى المذكور عند انحدارها من الكلى إلى المثانة غير أن هذا يكون نادر الوقوع. وأبقراط يقول من كان يبول وهذه اللفظة تعطي كثرة المرار والخارج من الأعضاء العليا يكون قليل الوقوع. ولفظة أبقراط كثرة المرار كما ذكرنا فإنه فرق بين قولنا من كان يبول وبين قولنا من بال فإن الأول يفهم منه من تكرر ذلك منه والثاني يفهم منه من وجد ذلك منه مرة أو مرارا قليلة. ولا شك أن الخارج مما هو أعلى من الكلى والمثانة يكون خروجه يومين أو ثلاثة لأنه بحران والحركة البحرانية انقضاؤها سريع (961) وأيضا فإن الخراج من هذه الأعضاء يكون قيحا فقط. وأبقراط قد قال دما وقيحا لأن اندفاع مادة الأعضاء المذكورة إلى جهة البول على سبيل البحران وهذا كائن بعد نضج المادة ونضج المواد المورمة بصيرورتها قيحا فيكون PageVW5P108A الخارج منها قيحا فقط (962). وإن خرج دما مختلطا (963) بالدم الحاصل في العروق فلا يخرج مع البول سوى القيح فقط. ولما كان حال بول الدم والقيح كذلك أي اجتماعهما، خصص كلامه بالكلى والمثانة. أما الدم فلانبثاق بعض عروق العضوين المذكورين. وأما القيح، فلانفجار الورم فإنه دائما يخرج منه ذلك لأنه تطول مدته على ما سنبينه. ويفرق بين القيح الخارج من الكلى والخارج من المثانة بوجوه خمسة. أحدها أن الخارج من الكلى يكون معه وجع في القطن. والخارج من المثانة يكون معه وجع في العانة. وثانيها أن الخارج من الكلى يكون مقداره أكثر من مقدار الخارج من المثانة لأن دم الكلى أكثر من دم المثانة للحمية الكلى وعصبية المثانة. وثالثها أن الخارج من الكلى يكون اختلاطه بالمائية أكثر من اختلاط الخارج من المثانة. وذلك لبعد * المسافة إلى المثانة (964). ورابعها أن الخارج من الكلى يكون أقل نتنا من الخارج من المثانة لما ستعرفه بعد. وخامسها أن القطع الخارجة من جهة الكلى لونها مائل إلى الحمرة والخارجة من المثانة لونها مائل إلى البياض.
البحث الثالث:
قرحة آلات البول طويلة المدة وذلك لدوام جريان المائية ومرورها بها ولذعها لها بما فيها من الحدة والجلاء. ولا شك أن ذلك مما يمنع القرحة من الالتحام فإن كانت حاصله في المثانة، كان ذلك فيها لوجوه ستة. أحدها لما ذكرنا من مرور المائية بها. وثانيها لصلابة جرمها والصلابة مما يعين على بطء الالتحام. وثالثها لعصبية جرمها فتكون شديدة التألم، PageVW5P108B وشدة الألم مما يعين على جذب المادة وكثرة المادة مما يعين على بطء الالتحام. ورابعها لقلة دمها فإن عروقها ضيقة جدا وهي مع ذلك مداخلة في جرمها وقلة الدم مما يوجب بعد الالتحام. وخامسها بعد موضعها عن مورد الأدوية فإنها لا تصل إليها إلا وقد مرت بأعضاء كثيرة وذلك مما يضعف قوتها وإذا وصلت إليها وهي كذلك لم تعمل فيها العمل المطلوب. وسادسها وضعها في أسافل الأعضاء وقد علم في الأسباب الكلية أن من جملة الأسباب المعينة على انصباب المادة كون العضو في أسافل البدن، لا سيما متى كان ضعيفا. فإن ذلك يكون آكد في ميل المادة إليه. فهذا هو العلة في طول مدة جريان ما يجري من آلات البول من الدم والقيح معا، بخلاف الخارج مما هو أعلى منها في باقي * أعضاء البدن (965).
البحث الرابع:
قد جاء في بعض النسخ من يبول دما وقيحا وفي بعضها دما أو قيحا بزيادة الألف فمن أراد أن يدخل بول الدم والقيح الخارج من انفجار أورام الأعضاء العليا في الفصل المذكور وينقض تخصيص أبقراط ذلك بقرحة الكلى والمثانة، اختار النسخة التي فيها الألف، غير أن هذا النقص لا يرد على كلام أبقراط فإنه قال من كان يبول وليس قول من يقول من كان يبول (966) دما وقيحا، فإنه إذا انفجر خراج إلى ناحية آلات البول حصل بول القيح والدم يومين أو ثلاثة فقط. وأما طول مدته أو شهرا، فإن ذلك خاص بقرحة آلات البول كالكلى والمثانة في الأكثر. ومن اختار أن يخصص حكمه في ذلك بالكلى والمثانة PageVW5P109A اختار النسخة التي هي خالية من الألف، وهي الحق، لأنه أنسب بقوله من كان يبول فإن تكرار ذلك البول أياما طويلة ليس هو إلا من الكلى والمثانة. والكائن من هذين العضوين هو الذي يكون (967) اجتماع بول الدم والقيح فيهما، والله أعلم.
75
[aphorism]
قال أبقراط: من كان في بوله وهو غليظ قطع لحم صغار أو بمنزلة الشعر فذلك يخرج من كلاه.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث سبعة.
البحث الأول:
في الصلة، وذلك من وجهين. أحدهما أن كلامه في الفصل الأول في رسوب الدم والقيح والدم لونه أحمر والقيح أبيض. وقد ذكر في هذا الفصل الرسوب اللحمي والشعري. واللحمي أحمر والشعري أبيض لأن اللحمي على ما ستعرفه من جرم الكلى وهو جوهر لحمي. والشعري متولد من بلغم لزج أو دم الغالب عليه البلغم. وكما أنه في الفصل الأول قدم ما لونه أحمر على ما لونه أبيض، كذلك في هذا الفصل. وثانيهما أن كلامه في الأول في الرسوب الغير طبيعي وكذلك في هذا الفصل.
البحث الثاني:
الرسوب اللحمي تارة يكون من جرم الكلى وتارة يكون من جرم الكبد وتارة يكون من الأعضاء اللحمية PageVW1P127A التي فوق هذه وتارة يكون من انعقاد دم. ويخص الكلوي أمور أربعة. أحدها وجع في القطن. وثانيها شدة الاتصال، وذلك لصلابة جوهر الكلى. وثالثها ميل لون ما يخرج إلى الصفرة لأن لون الكلية كذلك. ورابعها بول قريب من النضج مائل إلى الغلظ. أما النضج، فلأن نضج البول كائن قبل الكلية. وأما PageVW5P109B الغلظ، فلأن الكلية إذا كان بها آفة يلزمها تقطيع جرمها وهو لا محالة يضعفها (968). وإذا ضعفت، لم تستعمل ما يصل إليها من الغذاء صحبة المائية، فتندفع معها، وذلك موجب للغلظ. والكبدي يخصه وجع تحت الشراسيف من الجانب الأيمن ويكون لون الخارج مائلا إلى القتمة، وهو أقل صلابة من الكلوي. وعدم نضج البول في اللون والكائن من الأعضاء العليا اللحمية عموم الحمى وعدم نضج البول في الرسوب. ويخص الدموي صلابة القوام مع سرعة التفتت وقوة الحمى. وأما الشعري، فله سبب فاعل وسبب قابل. فالفاعلي حرارة غريبة عاقدة المادة التي له والمادي رطوبة لزجة مستطيلة الشكل ثم هذه تارة تكون بلغميا محضا وتارة تكون دما غليظا يشوبه بلغم ويولد هذا الجوهر على مثال توليد الحصا. لكن الفرق بين الصورتين أن مادة الشعر لطيفة، ومادة الحصا غليظة. والعاقد للحصا حرارة قوية، وللشعر حرارة دون ذلك (969).
البحث الثالث:
قد جاء في بعض النسخ قطع لحم صغار شبيهة بالشعر. فذلك يخرج من كلاه. والذي اختار هذه النسخة إنما اختارها على ما ظنه استبعاده توليد جسم شبيه بالشعر في الكلى أو البربخين لأنهما مجريان. فلا يلبث فيهما مادة يتولد منها ذلك الجسم. قال جالينوس: وهذا ظن رديء لأن قطع اللحم الصغار لا تشبه الشعر أصلا. لكن ينبغي أن يوضع فما بين الجزئين أو حتى يكون أبقراط ذكر شيئين في قوله، لا شيئا واحدا، وأحد الشيئين هو قطع لحم صغار والآخر ما هو شبيه بالشعر. والذي نقوله نحن في دفع الظن PageVW5P110A المذكور وجوه (970) ثلاثة. أحدها أن الكلية لم يبلغ الخارج منها في الطول أن يكون مثل هذا الجسم. فإن جالينوس قد ذكر في شرحه لهذا الفصل أنه رأى (971) جسما شعريا طوله (972) قريب من نصف ذراع. وثانيها أن الجسم المذكور في الأكثر وغالب الأمر كونه يميل إلى البياض فهو متولد عن مادة بلغمية أو الغالب عليه البلغمية ولأجل هذا جالينوس يقوله في شرحه لهذا الفصل إن صاحبه ينتفع بالأدوية الملطفة المقطعة ولو كان هذا الجسم من الكلى تضرر بهذا التدبير. وثالثها أن الخارج من الكلى إذا مرس في الماء لم يذب البتة، والجسم الشعري إذا مرس في الماء ذاب.
البحث الرابع:
قوله وهو غليظ قطع لحم صغار تارة يفهم منه الغليظ الذي يقابل الرقيق وتارة يفهم منه المعتدل فإن يجوز أن يطلق عليه لفظة الغليظ بطريق الاستعارة لأنه يصح أن يوصف بذلك بالنسبة إلى الرقيق الذي هو الطرف الآخر. والكل حق. أما الأول، فإن البول الخارج معه قطع لحم صغار من جرم الكلى يكون غليظا لما ذكرناه. وأما الثاني، فإن اعتدال قوام البول خاص لما يخرج من الكلى. والمثانة من أنواع الرسوب الرديء على ما عرفت.
البحث الخامس:
قوله فذلك يخرج من كلاه انظر إلى هذه العبارة التي لم يرد عليها طعن، فإنه لو قال يخرج من جرم الكلية لخرج الرسوب الشعري على المذهب الحق. ولو قال متولد في كلاه لخرج الرسوب اللحمي، ولما كان الحال كذلك عبر بعبارة تعطي الغرض لأن الإشارة في قوله فذلك إلى قطع اللحم والشعر ولا شك أن قوله يخرجه من كلاه أعم PageVW5P110B من كونه خارجا من جرمها أو متولدا فيها.
البحث السادس:
قال جالينوس وقد (973) اتفق لنا أنا رأينا هذا الجسم مرارا كثيرة، على أن غيرنا من الأطباء ممن تكررت تجربته قد ذكروا أنهم رأوا هذا البول مرارا قليلة. وقد رأيت منذ قريب من بال من هذا الشعر ما له طول ما لا يكاد أن يصدق به من يسمعه أن بعضه كان قريبا من نصف ذراع وكان من قصة هذا الرجل أنه مكث نحو من سنه قبل أن يبول هذا البول يأكل باقلي مطبوخا وخسا رطبا ويابسا، ورأيت رجلا آخر بال هذا البول وكان قد استعمل أطعمة غليظة تولد خلطا غليظا، وهذا الخلط الغليظ إذا عملت فيه الحرارة الغريبة تولد منه هذا الجسم وعلاج هذا الداء يشهد على صحة القياس في وجود سببه. فإن الذين أصابتهم هذا العلة إنما يبرؤون بالأدوية الملطفة المقطعة ولو كان هذا الجوهر من الكلى لما كان أصحابها ينتفعون بهذه الأدوية، بل كانت تضرهم. أقول طول هذا الجسم بحسب استعداد المادة فربما كان طول المادة المستعدة لذلك طول ما قاله جالينوس. وربما كان أكبر، وربما كان أقل. ولأجل هذا قال كان الأنسب بتوليد هذا الجسم المادة البلغمية.
البحث السابع:
قال ابن أبي صادق الأجزاء الشعرية لا يمكن أن تكون من جوهر الكلى أو (974) المثانة لأن جوهر الكلى لا ينحل إلى أجزاء شعرية، بل إلى أجزاء كرسنية. وجوهر المثانة ينحل إلى أجزاء صغار صفائحية أو نخالية. ولا يمكن أن ينعقد في تجويفهما من خلط لأن ما ينعقد في تجويف الكلى يوجد في PageVW5P111A شكله شبيها بنوى الغبير أو الزيتون أو التمر والمنعقد في تجويف المثانة جوهر حصوي بل الأجزاء الشعرية تنعقد في تجويف البربخين الجائيين من الكلى إلى المثانة لرطوبة فيهما غليظة تعمل فيها حرارة غريبة فتجففها فإن لها من الطول المقدار يمكن أن ينعقد منه أمثال هذه الأجزاء وأبقراط عبر عن البربخين بلفظة الكلى تجوزا في العبارة. والدليل على هذا الجوهر ينعقد من البلغم الغليظ أن البول يكون مع الأثفال الشعرية غليظا لأن الخلط البلغمي الذي هو مادتها ينتقض من الكلى ولذلك ينفع هو لا التدبير الملطف. وأما مع قطع اللحم، فلا يكون البول غليظا ولعل أبقراط عنى بالغليظ المعتدل القوام حتى يكون قوله وهو (975) غليظ معناه أنه ليس بالرقيق. أقول هذا الكلام من هذا الرجل ليس بشيء. وذلك لوجوه ثلاثة. أحدها أن البربخ مجرى ضيق يستحيل أن تقف فيه مادة لزجة يتكون منها هذا الجوهر. وثانيها أن حرارة البربخ ضعيفة لأن جوهره عصبي وهي عاجزة عن عقد هذا الجوهر وحرارة الكلى قادرة على ذلك لأنها جوهر لحمي. وثالثها أن البربخ ليس فيه قوة (976) مغيرة تحيله PageVW1P127B يمكن أن تولد مثل هذا الجوهر. وهذه الأمور الثلاثة موجودة في الكلى. أما المجرى، فالكلى وإن كانت كذلك لكن فيها تجاويف وهي تجاويف العروق المنبتة من مجراها في جرمها. فإنه يحتمل أن يتولد في هذه العروق المذكورة ويندفع إلى تجويف المثانة ويخرج بالبول لا سيما والمادة الحاصلة في الكلى غليظة لاختلاط الدم بالمائية النافذة إليها. وأما الحرارة فإنها في الكلى أقوى مما هي في البربخين لأنها عضو لحمي والبربخان PageVW5P111B عصبيان. وأما التغير، فإن الكلى فيها قوة مغيرة أي فاعلة لأنها عضو لحمي والبربخان (977) عضو عصبي، فتكون أحر منها. وقد علمت أن الآلة في التغير والإحالة الحرارة الغريزية. وأما قوله وأما مع قطع اللحم، فلا يكون البول معه غليظا إلا أن يعني به (978) الاعتدال. أقول: قد بيننا أن البول يكون غليظا على جميع التقادير، * والله أعلم (979).
76
[aphorism]
PageVW5P185A قال أبقراط: من خرج في بوله وهو غليظ بمنزلة النخالة فمثانته جربة.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان.
البحث الأول:
في الصلة، وذلك من ثلاثة أوجه. أحدها أنه لما انتهى كلامه في الفصل الأول في الرسوب الشعري ابتدأ في هذا الفصل بالنخالي. فإن النخالي يشابه الشعري من وجهين. أحدهما من جهة المادة فإن الشعري متولد في الأكثر عن مادة بلغمية وفي الأقل عن مادة دموية الغالب عليها البلغم والنخالي بتولد عن البلغم الغليظ اللزج المتولد عنه ذلك. وثانيهما من جهة اللون فإن لون النخالي مائل إلى البياض والشعري في الأكثر كذلك. وثانيها أن كلامه في الفصل الأول في الرسوب الغير طبيعي وفي هذا أيضا يتكلم في الرسوب الغير طبيعي. وثالثها أن الفصل الأول ذكر فيه أن قوام البول يكون مع الرسوب اللحمي والشعري غليظا وفي هذا الفصل ذكر أيضا أنه يكون غليظا مع النخالي.
البحث الثاني:
قد عرفت أن الرسوب (980) النخالي يكون لجرب في المثانة فإن المثانة متى حصل ذلك فيها، انفصل من جرمها أجزاء بيض رقيقة الجرم شبيهة بالنخالة وذلك شبيه بما يتقشر من سطح الجلد في الجرب قشور رقاق بمنزلة سلخ الحية. وقد يكون لقرحة فيها بحيث أنه ينفصل شيء من جرمها يخرج مع القيح. وقد يكون لانفصال شيء من جوهر الأعضاء الأصلية كالعروق والغضاريف والعظام فإن هذه لونها مائل إلى البياض لتولدها عن مادة بيضاء اللون وهي المني. وذلك لعمل حرارة غريبة قوية بحيث أنها تفني الرطوبة الأصلية الموجبة لاتصالها فتتفتت (981) وتنفصل عنها. ثم تسري مع المائية قهقرا إلى جهة المثانة على ما علم في التشريح. وقد يكون لبلغم غليظ لزج تعقده حرارة قوية غريبة. والفرق بين هذا * أي ما (982) بين المثاني وما عداه فمن وجوه سبعة. أحدها أن المثاني تكون (983) رائحة البول معه منتنة لاقتران المدة به وغير المثاني لا تكون رائحته كذلك، وهذا الفرق خاص بالقروحي. وثانيها أن المثاني يكون معه وجع في العانة وغير المثاني لا يكون كذلك. وثالثها أن المثاني لا (984) يكون PageVW5P185B معه حكة عند (985) أصل القضيب. ورابعها أن المثاني يكون البول معه نضيجا لأن الفاعل لذلك في البول غير المثانة وغير المثاني لا يكون البول معه نضيجا. وخامسها أن المثاني لا تكون معه حرارة عامة وغير المثاني معه ذلك. وسادسها أن المثاني لا يقدر صاحبه على مسك المائية حتى يجتمع منها مقدار صالح بسبب حدة المائية ولذعها لها بل كلما انصب إليها شيء من المائية خرج أولا فأول وغير المثاني بخلاف ذلك. وسابعها أن الخارج من المثانة يكون خالص البياض لقرب المسافة. فلا يغيره لون البول والخارج مما عدا ذلك لا يكون لونه خالص البياض لطول المسافة فيستفيد لونا من المائية. وأما الفرق بين العضوي والبلغمي، فمن وجوه ثلاثة. أحدها أن العضوي تكون الحمى معه قوية جدا والبلغمي لا تكون الحمى معه كذلك. وثانيها أن العضوي لا يكون البول معه نضيجا والبلغمي قد يكون نضيجا. وثالثها أن العضوي يظهر معه نحافة البدن وصلابته والبلغمي لا يكون الحال معه كذلك. وأبقراط ذكر هاهنا فرقا واحدا بين الخارج من المثانة وبين ما عداه وهو غلظ البول. قال ابن أبي صادق مراده هاهنا بالغليظ المعتدل القوام فإنه غليظ بالنسبة إلى الرقيق غير أنه لقائل أن يقول وهو رقيق بالنسبة إلى الغليظ فليس حكمنا عليه بالغلظ بأولى من حكمنا عليه بالرقة. بل الحق في هذا أن يقال إنما كان البول مع هذا الرسوب غليظ القوام وذلك لاختلاط المادة القيحية به. فإنها (986) كيف كانت (987) أغلظ قواما من المائية بخلاف الخارج من ذلك مما ذكرنا فإنه لا يكون معه قيح يغلظ قوام المائية، والله أعلم.
77
[aphorism]
قال أبقراط: من بال دما من غير سبب متقدم دل ذلك على أن عرقا في كلاه قد انصدع.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول:
في الصلة، وذلك من وجوه ثلاثة. أحدها أنه لما تكلم في الفصل الماضي في مرض خاص بالمثانة، ذكر في هذا الفصل مرضا خاصا بالكلى، لأنه كان قد تقدم منه ذكر فصل يتضمن مرضى الكلى PageVW5P186A والمثانة معا وهو قوله من كان يبول دما وقيحا فإن ذلك يدل على أن قرحة في كلاه أو في مثانته. وثانيها أن الرسوب النخالي الحاصل من جهة المثانة يكون على ما عرفت إما لجرب فيها وإما لقروح في جرمها. ويلزم القروحي عند تمكنه بول دم وذلك لوصول التآكل إلى بعض عروق المثانة فيخرج الدم فلما كان النخالي القروحي يلزمه ذلك قال في هذا الفصل وقد يخرج بول الدم من غير ذلك من آلات البول وهو من الكلى لئلا يظن ظان أن ذلك خاص بقروح المثانة فقط. وثالثها أن الأول يتضمن ذكر رسوب رديء، وهذا أيضا * يتضمن ذكر رسوب رديء (988).
البحث الثاني:
قوله من بال دما من غير سبب متقدم أقول: هذا أحد الفروق من بول الدم المثاني القروحي وبين بول الدم الكلوي، وهو أن المثاني يتقدمه قرحة لأن عروق المثانة مداخلة لجرمها فلا يخرج منها دم إلا لتآكلها بأمر مقرح بخلاف الكلى، فإن عروقها ظاهرة فلا تحتاج إلى ذلك. فلما كان بول الدم مشتركا بين العضوين المذكورين، احتاج أبقراط أن يذكر الفرق بينهما وقد يمكن أن يفرق بينهما بوجوه ستة. أحدها أن الخارج من الكلى يكون معه وجع في القطن (989). والثاني وجع في المثانة. وثانيها أن الكلوي مقداره أكثر من مقدار الخارج من المثانة، لأن دم الكلى أكثر من دم المثانة، لأنها عضو لحمي والمثانة عضو عصبي. وثالثها أن المثاني يخرج معه قيح والكلوي لا يخرج PageVW1P128A معه شيء من ذلك. ورابعها أن المثاني تكون رائحة البول معه منتنة والكلوي لا تكون رائحة البول معه كذلك. وخامسها أن المثاني يكون معه قشور بيض والكلوي لا يكون كذلك. وسادسها أن المثاني يكون فيه خروج الدم بالتدريج والكلوي دفعة.
البحث الثالث:
قال جالينوس قوله من غير سبب متقدم يفهم على وجهين، وهو أنه إما أن يعني به أن يكون عن سبب من خارج، وإما أن يعني به أن يكون قد تقدم ذلك عرض من الأعراض كما يعرض عند حدوث القرحة في المثانة فإنه ليس يمكن أن ينصدع عرق في المثانة من قبل دم كثير ينصب إليها كما يعرض ذلك (990) PageVW5P186B في الكلى. وذلك لوجوه ثلاثة. أحدها أنه ليس يتصفى إلى المثانة من الدم كما يتصفى إلى الكلى وإنما يجيئها من ذلك في عروق كبدية ما يكفيها فقط. وثانيها أن عروق (991) المثانة ليست بمكشوفة كعروق الكلى، بل هي مداخلة لجرمها. وثالثها أن عروق المثانة إذا انفتحت بالقرحة يكون خروج الدم منها على سبيل الرشح، ثم قال وإن كان قد يمكن أن يخرج من الكلى دم دفعة لصدمة أو سقطة أو ضربة تقع على الظهر، والله أعلم.
78
[aphorism]
قال أبقراط: من كان يرسب في بوله شيء شبيه بالرمل فالحصا يتولد في مثانته.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول:
في الصلة، وهو أنه لما ذكر في الفصل الماضي مرضا خاصا بالكلى، ذكر في هذا مرضا آخر خاصا بالمثانة. وأيضا فإنه قد ذكر في الأول رسوبا رديئا خاصا بالكلى وفي هذا الفصل (992) ذكر رسوبا خاصا بالمثانة.
البحث الثاني:
قد عرفت أن الحصى له سبب مادي وسبب فاعلي. ثم المادي له مادة وله حابس. فالمادة الأغذية الغليظة واللزجة، والحابس ضعف دافعة العضو أو قوة ماسكته. والفاعل حرارة غريبة قوية تولد من ذلك الجسم رملا، ثم جوهرا حجريا كما يتولد في حياض الحمامات. فإذا خرج في البول مادة شبيهة بالرمل، لا أنها رمل، دل على توليد الحصى في المثانة فقط. فإن هذا القدر لا يمكن خروجه على ما هو عليه إلا من المثانة فقط. لأن ذلك وإن كان يتولد في الكلى أيضا غير أنه (993) لبعد مسافته (994) عن مجرى القضيب يتغير لونه ويتمزق جرمه بسبب انحداره وجريانه مع البول في الحالبين وتأثير المائية فيه بما يخالطها من المواد وبحدتها وتقطيعها وجلائها. والرمل المتولد في الكلى قد اجتمعت فيه من الصفات الرملية ما لا اجتمع في المتولد في المثانة وهو خشونة الملمس وظهور الاستدارة والثفل التام وحمرة اللون أو صفرته لأن المادة المائلة إلى جهة الكلى المتكون منها ذلك قابلة (995) لذلك بخلاف الخارج من المثانة فإنه أشبه شيء بالرماد فإن لونه كمد PageVW5P187A واستدارة أجزائه ليست ظاهرة، بل خفية جدا. وليس به ثفل فهو بالحقيقة شبيه بالرمل. ولما كان الحال كذلك، خصص دلالة خروجه بحصى المثانة أو توليده بالمثانة على اختلاف التأويلين.
البحث الثالث:
قال جالينوس إن الخطأ في هذا الفصل بين، وذلك إما أن يكون أبقراط أسقط النصف الأخير منه أو الناسخ الأول. * قال بل (996) يجب أن يقال والحصى يتولد في مثانته أو في كلاه . ونحن نقول له فرق بين الرمل والشبيه بالرمل. وأبقراط لم يقل الرمل بل قال الشبيه بالرمل. ولا شك أن هذا الجوهر لا يمكن أن يخرج على ما هو عليه إلا كان في المثانة على ما تأولناه. أو يقال له إن الخارج من المثانة لا يقال له رمل في الحقيقة بل شبيه بالرمل على ما ذكرنا أيضا. والوجه الأول أجود وهذا الجوهر الشبيه بالرمل * لا يمنع توليده في الكلى حتى لا يقال فإذا لم يمكن توليده في الكلى كيف يمكن تولد الرمل (997) ثم الحصى فيها؟ فنقول نحن لا نمنع توليد ذلك في الكلى، بل نمنع بقاءه على ما هو عليه في جوهره عند انحداره من الكلى مع المائية إلى جهة المثانة ثم إلى الخارج (998) لما ذكرنا.
البحث الرابع:
الرسوب الرملي سواء كان من المثانة أو من الكلى، فإنه تارة يدل على توليد الحصاة وتارة يدل على انحلالها والفرق بين الصورتين من وجوه خمسة (999). أحدها أن الدال على التوليد يأخذ قوام البول معه من * الغلظ إلى الرقة (1000). وثانيها أن الدال على التوليد * يأخذ معه جرم الرمل من الصغر إلى الكبد. والدال على انحلال يأخذ معه جرم الخارج من الكبد إلى الصغر. وثالثها أن الدال على التوليد (1001) تشتد معه الأعراض أولا فأولا. والدال على الانحلال تخف معه أولا فأولا. ورابعها أن الدال على التوليد كلما مر به الزمان توقف في الخروج أولا فأولا والدال على الانحلال كلما مر به الزمان سهل (1002) خروجه أولا فأولا. وخامسها أن ننظر إلى التدبير المتقدم فإن كان قد تقدم استعمال أغذية غليظة لزجة (1003) مسددة فهو لتوليدها. وإن كان تقدمه استعمال مدرات ومفتتتات للحصى فهو لانحلالها. وأما الفرق بين رمل الكلى ورمل المثانة، فمن وجوه خمسة. أحدها من جهة الموضع وهو PageVW5P187B أن الكلوي الوجع معه في القطن (1004) والمثاني في العانة. وثانيها من جهة اللون وهو أن الكلوي (1005) أحمر اللون، والمثاني قريب من البياض. وثالثها من جهة المقدار وهو أن الكلوي أصغر مقدارا من المثاني. ورابعها من جهة الشكل، وهو أن الكلوي قليل التضرس والمثاني كثيره. وخامسها من جهة القوام، وهو أن الكلوي ليس سريع التفتت والمثاني صلب بطيء التفتت.
البحث الخامس:
قد عرفت في المقالة الثالثة من هذا الكتاب أن حصاة الكلى خاصة بسن الشيخوخة. فاعلم الآن أن حصاة المثانة خاصة بسن الصبا (1006) وذلك لوجوه أربعة. أحدها القوة الدافعة في هذا السن فتدفع فضلات آلات البول إلى أسافلها وذلك هو المثانة. وأما بيان العلة في قوة الدافعة في هذه السن، فقد قررناه في شرحنا للكليات. وثانيها أن أخلاط الصبيان رقيقة وذلك لتوفر الحرارة فيهم والمواد متى كانت رقيقة سهل نفوذها وجريانها في المجاري، وهي بطبعها مائلة إلى الهبوط لا سيما متى انضاف إلى ذلك قوة الدافعة لها فتنحدر المائية ويتولد منها ذلك. وثالثها أن الصبيان سيئو (1007) التدبير في المآكل والمشارب. وهم مع ذلك كثيرو (1008) الحركة عليها. ورابعها سعة المجرى الواصل من الكلى إلى المثانة * في الصبيان وذلك مما يعين على انحدار المادة الى المثانة (1009) (1010). واعلم أن حصاة المثانة قل ما تعرض للنساء وذلك لقصر مجرى مثانتهن وسعته. ولا شك أن للقصر (1011) والسعة في سهولة اندفاع المادة ما ليس للطول والضيق من المعونة والحصاة الصغيرة PageVW1P128B أحبس للبول من الكبيرة لأنها أثبت في المجرى ولا تتقلقل بخلاف الكبيرة.
البحث السادس:
حصاة المثانة تشابه حصاة الكلى من أمرين. أحدهما في خروج الرمل. وثانيها في حبس البول لكن الفرق بينهما من وجوه ستة. أحدها أن الكلوية يتبعها وجع في القطن، والمثانية يتبعها (1012) وجع في العانة. وثانيها أن الكلوية لونها أحمر والمثانية قريب إلى (1013) البياض. وثالثها أن الكلوية لينة القوام للين المادة (1014) المتولدة منها والمثانية صلبة القوام. PageVW5P188A ورابعها أن الكلوية صغيرة الجرم لضيق تجويف الكلى والمثانية كبيرة الجرم لسعة التجويف. وخامسها أن الكلوية وجعها أشد من وجع المثانية. وذلك لضيق تجويف الكلى وسعة تجويف المثانة. وسادسها أن الكلوية ملمسها أملس، والمثانية خشن، والله أعلم.
79
[aphorism]
قال أبقراط: من بال دما عبيطا (1015) وكان به تقطير البول وأصابه وجع في أسفل بطنه، فإن ما يلي مثانته وجع .
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول:
في الصلة، وذلك من وجوه أربعة. أحدها أنه لما ذكر في الفصل الماضي ألما خاصا بالمثانة، ذكر في هذا الفصل ما هو أعم من ذلك. وما هو خاص لها بالمجاورة وقدم الماضي على هذا لأن الخاص بالشيء يتقدم على ما هو حاصل له بالتبع. وثانيها أن الثفل الشبيه بالرمل كثيرا ما يحبس البول ويمنع خروجه على الواجب. وذلك لغلظ جوهره وفي هذا الفصل ذكر تقطير البول. وثالثها أن الثفل الشبيه بالرمل يشبه العبيط على اصطلاح جالينوس على ما عرفت PageVW0P253A لا على اصطلاح المتأخرين لأنه الفضل الغليظ المحتبس في المثانة المزمع بأن يتولد منه رمل ليس هو أحمر اللون لأن الكلية قد سبقت وخلصت منه الدموية عن المائية وأبقراط قد ذكر في هذا الفصل العبيط. ورابعها أن كلام أبقراط في هذا الفصل يتضمن القول (1016) فيما يحدث عنه مما (1017) يلي المثانة وجع. ولا شك أن الثفل المذكور يحصل منه وجع في المثانة وكيف لا وهو مزمع بأن يتولد منه رمل ثم حصى.
البحث الثاني:
قال جالينوس من المفسرين من فهم من قوله ما يلي المثانة نفس المثانة وهو خطأ فإنه فرق بين قولنا نفس الشيء وبين قولنا وما يلي ذلك الشيء (1018). فإن الأوجاع الحاصلة للمثانة منها (1019) ما هي حاصلة لها ابتداء، ومنها ما هي حاصلة بالتبع. ولما كان حال المثانة في الانتهاء (1020) هذا الحال وقد تقدم منه ذكر الحاصلة لها ابتداء، نبه في هذا الفصل على ما ذكرنا وعند ذلك لم يكن لهذا (1021) أوفق من العبارة المذكورة لأنه لو (1022) قال نفس المثانة لخرج ما يعرض بالتبع ولو قال ما يعرض لها بالتبع لخرج عن ذلك ما يعرض PageVW5P188B لها في نفسها. ونقول أن ألم المثانة إما أن يكون خاصا بها أولا. وإما أن يكون حادثا لها من غيرها وذلك الغير إما عضو وإما (1023) من جهة المائية الآتية إليها. والخاص إما حصاة وإما ورم وإما خلع وإما استرخاء وإما قرحة. والحصاة قد عرفت سبب تولدها (1024) الفاعلي المادي. وعلامة انحلالها وتولدها. والفرق بين الكلوية والمثانية والذي نقوله الآن أن حصاة المثانة تحبس البول بسدها مجراها لا سيما متى كانت صغيرة فإنها تتشتت في المجرى بخلاف الكبيرة فإنها تزول عن محاذاة المجرى باستلقاء العليل على ظهره وشيل وركيه وهزهما أو بغمز عنيف على العانة على محاذاة الحصاة (1025) ومن علاماتها وجع في القضيب مع دوام حكة لا سيما في أصله لقربه من المثانة ويكثر صاحبها العبث بقضيبه وخصوصا إذا كان صبيا ويكثر انتشاره وربما (1026) دام وذلك لحبس الحصاة للبول وفعل الحرارة فيه وبتحيزها إياه. ويكثر بصاحبه خروج المقعدة لقوة التزحر لخروج الحصاة. وربما بال بغير إرادة وكلما فرغ من بول اشتهى أن يبول والمتقاضي لذلك هو الحصاة. وربما بال دما (1027) لخدش الحصاة للمثانة فهذه الحصاة إذا تولدت في المثانة حصل منها ما ذكره أبقراط هاهنا وهو بول العبيط وتقطير البول ووجع في العانة. أما (1028) البول، فلخدش (1029) الحصاة للمثانة وخروج الدم من ذلك الموضع، وانحصاره في تجويف المثانة وجموده. ثم خروجه مع المائية إذا انصبت إليها ثم خرجت منها. وأما تقطير البول، فلوجهين. أحدهما لحبس الحصاة * للمائية قبل خروج المائية (1030) جملة. وإما لأن المادة التي الحصاة متكونة منها تسد المجرى وتمنع البول من الخروج على واجبه. وأما وجع العانة فلأن (1031) هذا موضع المثانة التي الحصاة فيها. وأما الورم، فأكثر أورام المثانة حارة لوجهين. أحدهما أن أكثر عروضها لرقبتها (1032) وهي لحمية. وثانيهما أن أكثرها لخدش الحصاة ويلزم ذلك خروج الدم منها. وذلك موجب للأورام الحارة. ولذلك أكثر ما يعرض هذا الورم في سن الصبا والأعراض التي ذكرها تظهر في هذا. PageVW5P189A أما بول العبيط، فلخروج الدم من الورم عند انفجاره ثم جموده في تجويف المثانة على ما ذكرنا. وأما تقطير البول فلسد الورم فم المثانة ومنعه (1033) خروج البول جملة. فإن ورم المثانة أكثر حدوثه في رقبتها لأنه لحمي. وأما وجع العانة، فذلك ظاهر. وأما الخلع، فيعرف بميل المثانة عن موضعها الطبيعي وظهور الدم العبيط بالبول في هذا ظاهر لأن الأمر (1034) الموجب للخلع وهو مثل الضربة والسقطة وغيرهما لا بد وأن ينفزر أو يقطع شيء من عروق المثانة فيخرج الدم إلى تجويف (1035) المثانة، ثم يجمد ويخرج البول (1036) على ما ذكرنا. وأما وجع العانة، فقلما يعرض. وأما الاسترخاء ويعرف بخروج البول بغير إرادة وحصول الأعراض المذكورة فيه ظاهر. أما بول الدم العبيط، فإن المادة الموجبة لذلك ترخي أجرام الأوردة وتهيئها للانفزار وتفرق الاتصال فيخرج الدم إلى تجويفها، ويخرج كما ذكرنا. وأما تقطير البول فذلك ظاهر، وكذلك وجع العانة. وأما القروح فأسبابها أسباب باقي القروح، لكن أكثر (1037) أسباب قروح المثانة حصاة خشنة تخدشها ثم ينصب إلى ذلك الموضع مادة حادة توجب PageVW1P129A ذلك وحصول الأعراض المذكورة في هذا الموضع ظاهر (1038).
البحث الثالث:
في ذكر ما يعرض لها من الأمر الخارجي. نقول قد عرفت أن ذلك إما من جهة البول، وإما من عضو يجاورها. والحاصلة لها من البول كثيرة لكن الآفة الحاصلة لها من جهة البول التي تحصل معها الأعراض المذكورة في هذا الفصل هي (1039) مثل حرقة البول، وعسر خروجه، واحتباسه. أما حرقته، فهي إما لحدة البول وبورقيته فيلذع المثانة عند انصبابه (1040) إليها ويحرقها بلذعه إياها وتحصل منها الحرقة. والأعراض المذكورة ظهورها في هذه العلة ظاهر مما ذكرنا. وأما العسر والاحتباس، فسببه إما من جهة المثانة، وإما من جهة العضلة المحيطة بفمها، وإما من جهة العضو الباعث، وإما من جهة البول، وإما من جهة المجرى. وأما (1041) الكائن من جهة المثانة، إما من (1042) سوء مزاج وأكثره بارد فلا يجوز عند الدفع PageVW5P189B اشتمالها على البول لتخرجه عصرا على ما هو عليه الأمر الطبيعي. ولذلك، صار هذا العارض كثيرا ما يعرض للمشايخ. وأما العضلة فكما إذا حصل فيها ورم فإنه يسد مجرى البول، وكما (1043) إذا حصل لها آفة في حسها أو حركتها. أما الحس، فيقل شعورها بألم الاجتماع البول فيطول زمان مقامه فيها فيتعذر خروجه (1044) بعد ذلك لما ستعرفه. وأما القوة المحركة فتعجز عن الدفع للبول بتمامه. وأما الكائن من جهة الباعث، فذلك إما الكلية * وإما ورم (1045) فيها أو حصاة تحبس البول وتمنعه من الخروج على الواجب. وأما الكبد وذلك عند ضعف مميزتها (1046) وإرسالها للمائية على الواجب. وأما الكائن من جهة البول، فكما إذا أطيل مكثه في المثانة إما (1047) في الليل فللاستغراق في النوم وإما في النهار فلشاغل يشغل الإنسان عن إخراج البول وفي هذه الصورة تعجز الدافعة عن دفع ما فيها من البول، فإن خروج البول يتم بقوة طبيعية دافعة ونفسانية إرادية. والكائن من جهة المجرى الذي هو المتصل بالقضيب في الذكور وبالرحم في الإناث فذلك إما لآفة خاصة (1048) به أو حاصلة له بالمجاورة. والخاصة مثل ورم في المحل (1049) والمجاور ومثل ورم في المعاء المستقيم أو في الرحم أو في السرة. فإن هذه الأعضاء متى ورمت حبست البول بالمزاحمة. وأما ظهور الأعراض المذكورة في (1050) كلام أبقراط في ذلك، فذلك ظاهر وإن كانت لا تظهر * في ذلك (1051) كلها في بعض هذه الأسباب لأن كلام أبقراط مهمل وهو في قوة الجزئي، والله أعلم.
80
[aphorism]
قال أبقراط: من كان يبول دما وقيحا وقشورا وكان لبوله رائحة منكرة، فذلك يدل على أن به قرحة في مثانته.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان.
البحث الأول:
في الصلة، وهو أنه لما كان بول الدم والقيح يعم آلات البول أجمع، والمثانة داخلة في ذلك وكان كلامه هاهنا في أمراض المثانة خاصة، احتاج أن يذكر علامة خاصة بها يعرف منها أن بول الدم والقيح خاص بالمثانة فقط وتلك العلامة هي خروج القشور والرائحة المنكرة. أما الأول، فلأن المثانة جرمها عصبي غشائي وإذا (1052) انفصل منها شيء، كان قشريا. وأما الثاني، فلأن المثانة محل لاجتماع البول. فإذا كان فيها قرحة، PageVW5P190A كان اجتماع البول في مكان متقيح وذلك موجب لقوة النتن بخلاف الكلى والبربخين. فإن البول لا يطول مقامه فيها لأنها مجاز له لا وعاء، وأيضا فإن المثانة عضو عصبي الجوهر فلا يتكون القيح فيها إلا لسبب قوي موجب لشدة العفن وشدة العفن موجبة لشدة النتن.
البحث الثاني:
قد أشار الإمام (1053) أبقراط ههنا إلى (1054) الاستدلال المأخوذ من رائحة البول فنقول قال (1055) الأطباء لم ير بول مريض قط توافق رائحته رائحة بول صحيح. وهذا القول من الأطباء فيه نظر، فإن لنا من الأمراض ما هي أصلية كزيادة العدد والمقدار الطبيعيين وفساد الشكل وأما بيان أن هذه أمراض وأنها مضرة بالفعل فقد بيناه في كتبنا المبسوطة والحق عندي أن يقال إن الأمراض على نوعين. منها ما تتغير فيها رائحة البول ومنها ما لا تتغير. فالأول مثل الأمراض المذكورة والثاني مثل الأمراض الحادثة المزاجية والتفرقية والآلية. فهذا هو الحق في هذا وإذا كان كذلك فالواجب على قائل هذا الحكم أن يقول إنه لم ير قط بول في مرض من الأمراض الحادثة رائحته شبيهة برائحة بول صحيح والعلة في ذلك أن الأمراض المذكورة لا يخلو إما أن يكون معها سوء مزاج أو لا يكون. والثاني محال. فإنه كيف يتصور حصول آفة حادثة بالبدن ولا (1056) يتغير معها مزاجه (1057) الخاص PageVW0P254B به، وإن كان الأول فذلك لسوء مزاج (1058) إما أن يكون حارا أو باردا، فإن كان الأول، فإما أن يكون ساذجا * أو ماديا (1059). فإن كان ساذجا كان أثره غير أثر المزاج الأصلي الذي هو غريزي بالنسبة إلى ذلك الشخص. وإذا كان الأثر غير الأثر ومن جملة ذلك الرائحة فتكون الرائحة غير الرائحة وإن كان ماديا غير رائحة البول من الوجه المذكور من (1060) جهة المادة المخالطة لأن لها رائحة خاصة وإن كان سوء (1061) المزاج (1062) باردا، فإما أن يكون ساذجا أو ماديا. فإن كان ساذجا أخمد رائحة البول وسكنها فتكون الرائحة غير الرائحة الأولى. وإن كان ماديا، كان لتلك المادة رائحة خاصة فتغير رائحة (1063) البول الطبيعي فهذا هو التحرير في هذا الباب، والله أعلم.
81
[aphorism]
قال أبقراط: من خرجت به بثرة في إحليله، فإنها إذا انفتحت PageVW5P190B وانفجرت انقضت علته.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان.
البحث الأول:
في الصلة، وهو أن حكم هذا الفصل كالمقابل لحكم الفصل الماضي وذلك من وجهين. أحدهما أن الفصل (1064) الأول يتضمن خروج دم وقيح يلزمها عسر خروج البول. فإن ذينك عندما يخرجان معه يغلظان قوام البول * فيحصل منه ما ذكرناه (1065). * وثانيهما أن الأول يتضمن ذكر خروج قيح دال على بقاء العلة (1066) وهذا يتضمن ذكر خروج قيح دال على زوال العلة.
البحث الثاني:
قال جالينوس قد توهم قوم أن هذا الفصل ليس فيه معنى PageVW1P129B وذلك لأن كل واحد يعلم أن البثرة إذا حصلت في مجرى القضيب ثم تقيحت وانفتحت، انقضت علته، أي البثرة وهذا القول من هذا المتوهم مبني على الضمير في قوله علته أنه عائد إلى البثرة. أقول وهذا خطأ لأنه لو كان الأمر كما توهمه هذا (1067) المتوهم لما صح قول أبقراط انقضت علته. فإن بثرة القضيب إذا * انفتحت وانفجرت (1068)، لم تنقض عند الفتح بل تبقى (1069) بعده زمانا طويلا وذلك لوجوه ثلاثة. أحدها لرباطة جوهره فإن الرباط قليل الدم صلب hلقوام وهما معينان على عسر الالتحام. وثانيها دوام حركته لكثرة انتشاره والحركة * مما تنمع من (1070) سرعة الالتحام لأنه مفتقر إلى السكون. وثالثها لأنه مجرى للفضول لا سيما والفضول المارة به حادة لذاعة بما فيها (1071) من البورقية وبما يصحبها من المواد الصفراوية وذلك مما يلذع القرحة وينكيها ومعلوم أن ذلك مما يمنع القرحة (1072) من سرعة الالتحام (1073) وإذا كان الأمر كذلك فالحق أن الضمير عائد إلى أمر آخر وهو عسر البول فإنه إذا قاحت تلك البثرة وخرجت المدة منها انقضت العلة التي هي عسر البول لوجوب انقضاء المعلول عند انقضاء العلة فإن قيل مال كل ورم إلى أحد ثلاثة أشياء: إما إلى جمع وإما إلى التحليل وإما إلى صلابة، لكن الذي تزول به العلة المشار إليها اثنان من ذلك وهما التحليل والجمع. والتحليل أفضل من الجمع لأنه يدل على لطافة المادة وقوة القوة فلم ذكر التقيح وترك التحليل وهو أفضل وبحدوثه أيضا PageVW0P255A تزول العلة المشار إليها فنقول هذا حق، غير (1074) أن PageVW5P191A زوال العلة المشار إليها بالتحليل يكون قليلا قليلا وبالقيح دفعة. فإن المجرى يكون اتساعه بالتحليل على قدره. ولا شك أنه لم يكن دفعة أيضا (1075) بل قليلا قليلا فيكون الاتساع قليلا قليلا. وعند ذلك لا يحسن أن يقال انقضت علته بزوال هذا السبب لأن تغير ذلك وصحة معرفته (1076) فيما كان حدوثه دفعة أبلغ وأشد وثاقة PageVW5P116B مما يكون حدوثه بالتدريج فلأجل هذا ذكر (1077) التقيح، ولم يذكر التحليل، والله أعلم.
82
[aphorism]
قال أبقراط: من بال في الليل بولا كثيرا دل على أن برازه يقل.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول:
في الصلة، وهو أن حكم هذا الفصل كالمقابل للفصل الماضي، فإن الأول يتضمن * ذكر كثرة بول دال على زوال شيء وهذا يتضمن (1078) كثرة بول دال على إحداث شيء وهو توقف البراز وقلته.
البحث الثاني:
البول متى كثر في أي وقت كان سواء كان في الليل أو في النهار، فإنه يترتب عليه قلة البراز ثم توقفه. وذلك لأن المائية التي كانت ترققه وتكثر مقداره عندما انصرفت إلى جهة المثانة نقصت من مقداره لأن لها مقدارا ويلزم من قلة المقدار توقف خروجه لأمرين. أحدهما ليبس جرمه، فإن دفع السيال المائع أسهل على الدافع من دفع ما قابله. وثانيهما أن دفع الكثير أمكن على الدافع من دفع القليل لست أقول أسهل وإذا كان حال البول مع البراز كذلك، فلقائل أن يقول لم خصص كلامه بالليل دون النهار؟ فنقول: لوجهين، أحدهما أن البول فضلة الهضم الثاني الذي هو الكبدي وفي الأكثر وغالب الأحوال هضم الكبد في الليل و هضم (1079) المعدة في النهار لأن الإنسان في أكثر الأحوال والأوقات استعماله للغذاء (1080) في النهار فيكون هضمه المعدي فيه. ثم إذا انهضم وانحدر عن المعدة نفذ إلى جهة الكبد ويكون ذلك في الليل لأن حد زمان الهضم المعدي من ست ساعات إلى اثنتي (1081) عشر ساعة. وقيل إلى خمسة عشر ساعة. ولا شك أن هذا هو مدة النهار وفي الأقل يكون الأمر بالخلاف. وهو أن أخذ الغذاء في الليل وهضم * الغذاء في (1082) الكبد في النهار PageVW5P191B وأحكام الطب أكثرية. ولهذا أكثر ما يبول الإنسان في آخر الليل. وإن حصل بول في أثناء النهار، فذلك من المائية المتصفية إلى الكلى من جهة الأعضاء، وهذا القدر النافذ من المائية مع الدم لأجل تنفيذه إلى جهته، فإن هذه متى استغنى عنها و تحلل ما يتحلل منها بالعرق رجع الباقي قهقرا إلى جهة الكلى ثم يتصفى منها إلى جهة المثانة، ثم إلى الخارج (1083) ومثل هذه المائية تبادر الكلية PageVW0P255B إلى دفعها لأنها ليس فيها ما يغذوها بخلاف النافذة إليها من جهة الكبد، فإنها يخالطها شيء من الدم فتمسكه الكلية حتى تميز عنه الدموية لأجل غذاء نفسها وبما ذكرناه من أمر هضم الكبد والمعدة تفرق بين الإسهال الكبدي والمعدي، وهو أنه متى كان الإسهال في الليل أكثر منه في النهار فهو من جهة الكبد. ومتى كان بالعكس فهو من جهة المعدة. هذا إذا لم يكن خروج البول لأنه بحران فإن كان بحرانا، فأكثر مجيئه يكون في الليل لما عرفته فهما تقدم حيث تكلما في البحران. وثانيهما البول الكثير الذي يترتب عليه قلة البراز وجفافه في الأكثر هو بول الليل لا بول النهار، لأنه كثيرا ما * يكثر البول (1084) في النهار ولا يقل معه البراز ويجف وذلك كما إذا أكثر من استعمال الشراب الكثير المزاج أو أخذ ما يدر البول ويلين الطبع مثل البطيخ والفواكه الملينة المرخية.
البحث الثالث:
الغرض من هذا الكلام التنبيه على فائدتين. أحدهما متعلقة بالطبيعة البدنية، وثانيهما عائدة إلى التدابير الطبية. أما الأولى، فهو أن الطبيعة إذا (1085) التفتت إلى جانب واهتمت به أهملت ما عداه، فعند توقف ما عداه لا يخاف منه وينسب ذلك إلى ضعفها (1086) كحالها في أوقات البحارين. فإنها عند ما تروم دفع المادة بالعرق يتوقف البول والإسهال وكذلك عند دفعها بالبول أو بالبراز لأنها تهمل دفع هذه الفضلات من مخارجها المعتادة لاهتمامها بدفع (1087) المادة من تلك الجهة التى لا يمكن دفعها إلا منها. ثم إنها إذا فرغت من ذلك المهم عندها التفتت إلى ما عدا ذلك من الأمور التي جرت (1088) العادة بها في حال فراغها. فإذا رأينا توقف PageVW5P192A البول والبراز في البحران العرقي أو توقف الطبع والعرق عند البحران البولي، فلا ينبغي لنا أن ننسب ذلك إلى ضعف الطبيعة وعجزها PageVW1P130A عن دفعه ونغتم من ذلك الأمر، بل ننسبه إلى ما ذكرنا. وأما الفائدة الثانية، فهو أن مخارج الفضول المنحدرة إلى أسافل البدن في الأكثر مخرجان، وهما مخرج البول ومخرج البراز. وقولنا في الأكثر احتراز عن خروج الدم الفاسد هو فضلة من أفواه العروق لكن هذا أقلي الوجود. ولأجل هذا اعتبرنا ذينك المخرجين فقط. فإذا كثرت المادة (1089) الخارجة من أحد المخرجين نقصت (1090) الخارجة من المخرج الآخر، وقد دلت التجارب الطبية على أن لنا أدوية تزيد في المادة الخارجة من أحد المخرجين دون المخرج الآخر. مثاله الأدوية المدرة زائدة في البول والملينة في البراز. * فإذا استعملنا أدوية مدرة فإنه لا شك أنه يترتب على ذلك كثرة البول وقلة البراز (1091) وبالعكس الأدوية الملينة. فإذا استعملنا شيئا (1092) من ذلك ثم رأينا نقصان أحد الفضلتين وقلة خروجها من مخرجها فلا ينبغي لنا أن ننسب ذلك إلى سوء التدبير بل إلى خصوصات الأدوية المستعملة. فلما كان الحال كذلك نبه أبقراط على هاتين الفائدتين بقوله هذا ومن قوله هذا يفهم العكس .
البحث الرابع:
في أسباب كثرة البول وقلته. البول يحكم عليه بالكثرة والقلة بالإضافة إلى أمرين. أحدهما البول المعتاد الخروج، وثانيهما مقدار الماء المشروب. وإذا كان كذلك فلكثرته أسباب ولقلته أسباب. أما أسباب الكثرة فعشرة . أحدها كثرة المشروب، فإنه متى كان كذلك كثر البول. ولذلك * صار شارب الخمر يكثر بوله (1093). وثانيها تكاثف المسام وانسدادها بحيث أن المائية يقل خروجها بالعرق وعند ذلك يكثر البول. وذلك كما في الشتاء ولذلك صار البول يكثر فيه. وثالثها ترك حركة معتادة كان الإنسان يستعملها فإنها متى تركت نقص المتحلل بالعرق فيكثر البول. ورابعها قوة حرارة الكلى مع ضعف ماسكتها كما في ديابيطس. وخامسها ذوبان يحصل في الأعضاء فتكثر الرطوبات المنحدرة إلى المثانة ويخرج بالبول. وذلك كما في الذبول. وسادسها جفاف البراز وطول احتباسه في المعاء. فإنه متى حصل ذلك، انصرف رقيقه ولطيفه إلى جهة المثانة. وسابعها دفع الطبيعة لمواد البدن إلى هذه الجهة، كما في البحران الإدراري. وثامنها استعمال أغذية مائية كالفواكه المدرة، وتاسعها الإفراط في استعمال المدرات. وعاشرها سكون مفرط فإن ذلك يلزمه اجتماع الفضلات المائية وغيرها فتندفع إلى المثانة وتوجب كثرة البول. وأما أسباب القلة، فعشرة أيضا. أحدها قلة المشروب كما في أوقات العطش. وثانيها تخلخل البدن وسعة مسامه، فإنها متى كانت كذلك تحلل منها معظم المائية التي كانت تندفع بالبول. وثالثها (1094) حركة مفرطة بحيث أنها تعرق البدن أكثر من الحاجة فيقل البول لذلك. ورابعها انصراف المائية إلى جهة غير جهة المثانة وذلك كما في الإسهال والاستسقاء الزقي. وخامسها سدة في مجاري البول، فإنها تمنع خروج ما غلظ من المواد المكثرة لمقدار البول. وسادسها ضعف دافعة الكبد عن دفع الفضلة المائية إلى جهة آلات البول، وذلك كما في سوء القنية. * وسابعها ضعف جاذبة الكلى عن جذب المائية بالاستقصاء وذلك كما في سوء القنية (1095) أيضا. وثامنها ميل المواد الصابغة إلى جهة أخرى فإنها كانت تكثر مقدار البول فإن كان ذلك الميل إلى جهة الدماغ كان ذلك سببا للقلة من وجهين. أحدهما من جهة ما ذكرنا، والثاني لقلة * شعور المثانة (1096) بحبس البول فيها. فتعمل فيها الحرارة وتبخره أولا فأولا فيقل مقداره. وتاسعها ضعف دافعة المثانة عن دفع المائية. وعاشرها عرق مفرط كما في البحران العرقي، والله أعلم.
المقالة الخامسة من شرح فصول أبقراط وهو سبعون فصلا
1
[aphorism]
قال أبقراط: التشنج الذي يكون من شرب الخربق من علامات * الموت (1) .
[commentary]
PageVW5P193A الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في العلة في ابتداء هذه المقالة بهذا الفصل: وذلك لوجهين: أحدهما أن التشنج قد يكون من استفراغ، وأكثر الكلام في المقالة الرابعة في الاستفراغ فناسب ذكره بعد تمام المقالة المذكورة؛ وثانيهما أنه لما ابتدأ في المقالة الرابعة بذكر الإسهال الصناعي ابتدأ في هذه المقالة بما يناسب ذلك وهو الإسهال * الصناعي (3) .
البحث الثاني:
أما التشنج فقد تقدم * لنا (4) كلام طويل في المقالة الثانية في شرح قوله لأن تكون الحمى بعد التشنج، وقد تقدم لنا أيضا * كلام (5) في الخربق في المقالة الرابعة في شرح قوله «من احتاج أن يسقى الخربق (iv. 13)». إذا عرفت هذا فنقول: الخربق يحدث التشنج إن أسهل، وإن لم يسهل. أما الأول فبواسطة * إذهابه (6) للرطوبات. وأما الثاين فبما فيه * سمية (7) . ومراده هاهنا بالتشنج الحاصل من شربه هو النوع الأول، لا الثاني. فإن هذا هو المميت القتال لأن فيه إذهاب شيء وفي معالجته إعادة شيء وإعادة الشيء أعسر من إذهابه. ولأجل هذا كان التشنج الاستفراغي أردأ من الامتلائي. وأيضا فإنه بحره ويبسه يجفف جواهر الأعضاء المحركة ويمنعها من قبول الترطيب. فالخبرق يحدث التشنج من وجوه ثلاثة: أحدها بما فيه من السمية، وثانيها بحره ويبسه، وثالثها بفرط * استفراغه (8) . وضرب أبقراط المثال على الدواء المسهل بالخربق لكثرة استعماله في زمانه. وقد يقتل الخربق بالخنق وهو أنه عندما * يجذب (9) المواد إلى جهة المعدة وتعجز القوة الدافعة التي فيها عن دفع ما انجذب إليها فيزاحم فمها * ثم (10) القلب فيقتل بالخنق، والله أعلم.
2
[aphorism]
قال أبقراط: التشنج الذي يحدث من * جراحة (11) من علامات الموت.
[commentary]
* الشرح (12) : أما صلة هذا بما قبله فلأنه يتضمن ذكر التشنج الكائن عن الاستفراغ، وكذلك الأول. وجراحة العصب توجب ذلك من وجهين: أحدهما من جهة ذهاب الرطوبات المالية لخلله ومنافذه؛ وثانيهما من جهة وصول الآفة إلى الدماغ الذي هو محل الحركة الإرادية والحس ومنبت آلات ذلك، وذلك PageVW5P193B عندما يجف جوهره لاستفراغ الرطوبات من فروغه ولاجتماعه إلى ذاته ليدفع الأذى الواصل إليه من * الجراحة. (13)
3
[aphorism]
قال أبقراط: إذا جرى من البدن دم كثير فحدث فواق أو تشنج * فهو (14) علامة رديئة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أن أبقراط لما حكم برداءة التشنج الحادث بعد الجراحة * لدلالته (15) على فرط خروج الدم، أطلق الحكم. فإن عادته أن يثبت الحكم في صورة خاصة ثم ينقله إلى ما هو أعم من تلك الصورة. فقال في هذا الفصل: لست أقول ذلك في الدم الخارج بالجراحة على الخصوص بل وفي خروج الدم على أي وجه كان سواء كان * بالرعاف (16) أو بالقيء أو من أفواه العروق أو من غير ذلك، فإنه متى خرج من أي موضع كان وعلى أي وجه كان وأعقبه تشنج أو فواق فتلك علامة رديئة لدلالته على فرط الاستفراغ وخروج الرطوبات المالية لفرج الأعضاء المحركة وخللها. وذكر الفواق لأنه تشنج خاص بالمعدة فإنه من المحتمل أن يكون خروج الدم بالقيء، وهذا متى أفرط أعقبه فواق.
البحث الثاني:
قال جالينوس: ليس ينبغي أن يتوهم أن معنى اللفظة التي قبل هذه اللفظة وهي قوله «من علامات الموت» غير معنى هذه * اللفظة (17) التي أتى بها * بعده (18) * وهي (19) قوله «علامة رديئة»، وليس هذا كذلك. فإن من عادة أبقراط أن يسمي بهذه الأسماء أي قوله «علامة من علامات» أو «علامة رديئة» ما كان من العلامات التي يتبعها الموت كثيرا إلا أن يقول قائل إن اللفظتين تختلفان من طريق الأكثر والأقل. فيكون قوله PageVW1P131B «علامة الموت» يدل على خطر أكثر، و«علامة رديئة» على خطر أقل. والتحقيق في هذا الباب أن يقال إنما قال في هذا «علامة رديئة» وفي الأول «علامة الموت». وذلك لأنه في هذا الفصل * عبر (20) بعبارة تدل على أن خروج الدم في مدة قصيرة * وهو (21) قوله «دم كثير»، وهذه العبارة لا تقال في العرف إلا إذا كان خروجه جملة لأنه إذا كان قليلا قليلا وفي زمان طويل لا يقال له كثير، وإذا كان حدوثه في مدة قصيرة والغرض أن حدوث التشنج والفواق عقيبه فإن الفاء PageVW5P194A تستعمل في اللغة للتعقيب أمكن أن يتدارك ذلك قبل استيلاء الجفاف على الآلات التي حدث فيها التشنج والفواق. فلذلك قال في هذا الفصل «علامة رديئة» ولم يقل «من علامات الموت» كما قال في الأول، لأن هذه العبارة تعطي أن الخطر فيه أشد * وأكثر (22) لأنه لم يعبر فيه بعبارة تدل على أن حدوث التشنج بعد حدوث الجراحة بمدة قصيرة بل بمدة طويلة، وعند ذلك لم يمكن الاستدراك فيه كما إذا كان حدوث ذلك فيه عقيب جريان الدم بمدة قصيرة. فلذلك قال فيما مضى «من علامات الموت»، وقال في * هذا (23) «علامة رديئة». فظهر مما ذكرنا التفاوت بين اللفظتين، وذلك * التفاوت (24) مدلولهما في الرداءة.
البحث الثالث
في معنى الفواق: أما التشنج فقد تكلمنا في معناه بما فيه كفاية. ولنتكلم الآن في الفواق فنقول: الفواق حركة من المعدة مركبة من تشتنج انقباضي مع تمدد انبساطي. وذلك لأن المعدة في هذه الصورة تروم دفع شيء عنها فيكون حالها في هذا الوقت حال من يريد أن يثب فإنه يتأخر إلى خلف ثم يتحرك إلى قدام هذا * إذا (25) كان سببه امتلاء. وإن كان سببه استفراغا فإن الطبيعة تتحرك إلى * قدام (26) هذه الحركة لدفع المؤذي. وكذلك * إذا (27) كان سببه كيفية سمية لذاعة فإن الفواق كالتشنج يكون عن امتلاء وعن استفراغ وعن كيفية سمية لذاعة. ثم هذه الحركة إما أن يكون سببها واردا من خارج أو متحركا من داخل. والخارج كما يعرض * في (28) الهواء البارد، فإنه يوجب الفواق من وجهين: أحدهما من جهة أنه يلزم المادة لفم المعدة فتتحرك الحركة المذكورة لدفعها؛ وثانيهما من جهة أنه كيفية مضادة فتدفعه الطبيعة الدفع المذكور، وإما استعمال ما فيه لذع مثل الخردل والمعجون الفلافلي. والداخل إما أن يكون خاصا بالمعدة أو حاصلا لها بشركة. والخاص إما امتلاء وإما استفراغ. والكائن على سبيل الشركة إما بشركة البدن كله أو عضو واحد. أما البدن كله فكما يعرض في الحميات الحادة، فإنه إذا انصب شيء من مادتها إلى المعدة أنكى فمها وحصل من ذلك الحركة المذكورة PageVW5P194B أو استفراغ عام بحيث أنه يحصل منه في فم المعدة تشنج. وأما العضو الواحد فمثل الكائن * بمشاركة (29) الكبد كما إذا حصل فيها ورم، * غير (30) أن هذا الورم * إذا (31) كان في المقعر أوجب الفواق بالمزاحمة للمعدة فتتحرك الحركة المذكورة لدفع المؤذي. وإذا كان في المجذب أوجب الفواق بما يسيل منه من الصديد إلى فم المعدة فيلذعها ويوجب فيها الحركة المذكورة. وقد يوجب ذلك بالمزاحمة، غير أنه لا يفعل ذلك إلا إذا كان الورم عظيما. فظهر مما ذكرنا أن حركة الفواق حركة حادثة عن الطبيعة على الجهة المذكورة لدفع المؤذي عنها. وأما القيء فهو حركة من المعدة لدفع ما هو مصبوب في تجويفها من طريق الفم. والتهوع حركة من المعدة لدفع ما هو متحلل في جرمها من غير أن يصحبه حركة من المندفع. والغثيان حركة من * المعدة (32) لدفع ما هو متشرب في خملها، وسبب ذلك أحد الأخلاط الأربعة. فهذا هو الفرق بين حركة الفواق وحركة القيء وحركة التهوع وحركة الغثيان.
البحث الرابع:
اختلف الأطباء في حركتي الفواق والقيء أيهما أقوى. فذهب طائفة منهم إلى أن حركة الفواق أقوى، وذهب طائفة منهم إلى أن حركة القيء * أقوى (33) . حجة القائلين بالأول أن حركة الفواق من المعدة لدفع ما هو متشرب في جرمها والقيء حركة منها لدفع ما هو مصبوب في تجويفها، ولا شك أن دفع ما هو مصبوب في * تجويفها (34) أسهل على الدافع من دفع ما هو محتبس في جرمها، فيكون * الفواق (35) أقوى. وحجة القائلين بالثاني وجوه ثلاثة: أحدها ما ذكره الشيخ في القانون أن حركة القيء يتقدمها في بعض الأوقات فواق، فإذا * استحفل (36) صارقيا فالحركة أولا تكون ضعيفة ثم تقوى وتوجب القيء؛ وثانيها أن حركة القيء مركبة من إرادية وطبيعية، وكل واحدة منهما لا بد وأن يستعمل جزءا من المعدة وحركة الفواق طبيعية فقط فتكون الأجزاء المتحركة في القيء أكثر من الأجزاء المتحركة في * الفواق (37) لأنه خال من الإرادة فتكون الفواعل والقوابل لحركة القيء أقوى من ذلك في الفواق فحركة القيء أقوى؛ وثالثها أن مادة القيء وإن كانت مصبوبة في تجويف المعدة PageVW5P195A غير أن حركتها بالقيء إلى خلاف مقتضي * طبائعها (38) فلو لم تكن حركته قوية، وإلا ما دفعا. * والحق (39) عندي في هذا القول الأول. والجواب عن الوجه الأول من * القول (40) الثاني أن تقدم حركة الفواق على حركة القيء لا يدل على أن حركة القيء أقوى. وذلك لاحتمال أمرين: أحدهما إذا كان في تجويف المعدة مادة فقد يحصل فواق من قبل القيء ثم القيء لا على أن القيء * أقوى (41) من حركته بل لأن ذلك يحرك الطبيعة لحركة القيء. وثانيهما أن يقال إن القيء قد يتقدمه الفواق على أن المعدة تدفع ما هو في جرمها إلى تجويفها ثم تدفع ذلك بالقيء، ولهذا كان بحران الفواق * بالقيء (42) . والجواب عن الوجه الثاني نقول: القيء على نوعين: إرادي وطبيعي. * والأول (43) يتم بحركتين ومحركين. وأما الثاني فيتم بحركة * واحدة (44) ومتحرك واحد. وإذا كان كذلك فنقول للقائل بالقول المذكور كيف تقول في القيء الطبيعي والفواق فإن مادة الأول مصبوبة في تجويف المعدة ومادة الثاني في جرمها، وكل * عاقل (45) يعلم أن دفع ما هو متشرب في جرم الشيء أصعب على الدافع من دفع ما هو مصبوب في تجويفه. والجواب عن * الوجه (46) الثالث أن أكثر المواد الخارجة بالقيء المادة الصفراوية، ولا شك أن حركة هذه المادة مناسبة لحركة القيء. وأما باقي المواد فإنها متى اندفعت بالقيء فاندفاعها إنما يكون بعد رقة قوامها ولطافة جوهرها، وحينئذ تصير طباعها مناسبة لجهة الحركة المذكورة مع أن القيء * أكثره (47) عن الصفراء وقوانين الطب أكثرية. والله أعلم.
4
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث التشنج أو الفواق بعد استفراغ مفرط * فهو (48) علامة رديئة.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما حكم في الفصل الماضي أن حصول التشنج والفواق بعد خروج الدم مطلقا علامة رديئة قال في هذا الفصل: وكذلك في خروج غير الدم من الأخلاط. فإن أبقراط * إذا (49) قال «استفراغ» يريد به الإسهال والقيء وفي غالب الأمر وأكثر الأوقات الخارج بذينك الاستفراغين المواد الثلاثة الأخر. وأما بيان أن أبقراط يريد بالاستفراغ PageVW1P132A الإسهال والقيء ما مضى من كلامه، وهو قوله في المقالة * الأولى (50) «إن كان ما يستفرغ من البدن عند استطلاق PageVW5P195B البطن والقيء». فإن قال قائل إن لفظة الاستفراغ في وقتنا هذا تطلق على ما هو أعم من ذلك وهو على القيء والإسهال والرعاف والفصد والعرق والإدرار وخورج الدم بالحيض ومن أفواه العروق، فنقول: وعلى هذا الاصطلاح يمكن ذكر الصلة وهو أن يقال إن أبقراط من عادته إذا أراد أن يذكر حكما فإنه يثبته أولا في صورة خاصة ثم ينقله إلى ما هو أعم من تلك الصورة. وقد ذكر أولا في الفصل الماضي أن التشنج والفواق متى * حصلا (51) عقيب الدم مطلقا كان ذلك علامة رديئة، قال في هذا الفصل: لست أقول ذلك في خروج الدم فقط بل وفي الإسهال مطلقا سواء كان بالدم أو بغيره من أنواع الاستفراغات المذكورة وسواء كانت طبيعية أو صناعية. فإنه متى أعقبه ما ذكرناه كان ذلك دليلا رديئا لدلالته على خروج الرطوبات الفرغية والأصلية.
البحث الثاني:
يجب علينا أن نحقق ونعلم أيما أردأ التشنج والفواق الحاصلان بعد خروج الدم أم * الحاصلان (52) بعد خروج باقي الأخلاط. فأقول: الحق عندي أن الحاصل من ذلك بعد المواد الثلاث أردأ من * الحاصل (53) بعد خروج الدم من وجه، وهذا أردأ من ذلك من وجه آخر. أما الأول فإنه في غالب الأحوال وفي الأكثر الإفراط في خروج المواد الثلاث لا يكون إلا في أيام كثيرة فيكون الجفاف الحاصل منه في آلات الحركة وفي المعدة بالتدريج وحاصلا في زمان طويل. ولا شك أن ذلك أردأ من الحاصل دفعة لأن عوده إلى الترطيب يعسر * في (54) زمان طويل لأن الإسهالات الطويلة يكون الذاهب فيها من رطوبات البدن رطوبتين أصلية وفرعية، وفي الخارج دفعة رطوبة واحدة فقط وهي في الفرعية. ولا شك أن * إعادة (55) عوض رطوبة واحدة على الطبيعة أسهل من اعادة رطوبتين. وأما الثاني فلوجهين: أحدهما أن الدم أشرف الأخلاط * وألومها (56) بالطبيعة فيكون إضعافه للأعضاء الهاضمة أكثر من إضعاف غيره من مواد البدن إذا تساويا في المقدار. وإذا كان كذلك فيكون عود الترطيب بالأغذية أعسر لضعف الهاضمة؛ PageVW5P196A وثانيهما أن الاستفراغ الدموي الجفاف الحاصل منه في نفس الرطوبات الغريزية ومن خروج باقي المواد ليس هو في * نفس (57) تلك الرطوبات لأن الرطب من باقي المواد ليست * رطوبته (58) غريزية واليابس منها لا يحصل من استفراغه الجفاف البتة. وإذا كان كذلك فيكون مدلول هذا الفصل أردأ من مدلول الفصل الماضي من وجه ومدلول الماضي أردأ من مدلول هذا الفصل من وجه آخر. والله أعلم.
5
[aphorism]
قال أبقراط: إذا عرض لسكران سكات بغتة فإنه يتشنج ويموت بغتة إلا أن يحدث به حمى أو يتكلم في الساعة التي ينحل فيها خماره.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه قد علم أن التشنج على ثلاثة أنواع: امتلائي واستفراغي ولذعي، وقد تقدم منه الكلام في شيء من أحكام الاستفراغي، * وأخذ (59) في هذا الفصل يتكلم في شيء من أحكام الامتلائي واللذعي، وقدم ذكر أحكام الاستفراغي لأنه أخطر فيكون أهم وأولى بالذكر ليتدارك بالمعالجة، وذكر من الامتلائي ما كان سببه الشراب للطف مادته وقبوله للعلاج ولأن مادته فيها حرارة تعيننا في مداواته.
البحث الثاني
(60) في كيفية إيجاب الشراب لما ذكره: نقول: الشراب لطيف القوام حار المزاج رطبه مفرح. أما الأول فالدليل عليه سرعة تأثيره مع سرعة زواله. وأما الثاني فيدل عليه تسخينه للبدن وتعطيشه. وأما الثالث فيدل عليه ترطيبه للبدن ثم تخصيبه وزيادته في الدم إذا استعمل وهو معتدل في مزاجه ومقداره. وأما تفريحه فذلك ظاهر فيه، وذلك بصورته النوعية، والدماغ على محاذاة المعدة وهو في نفسه قابل لما يرد عليه لتخلخل جرمه ورطوبة مزاجه. وإذا كان حاله كذلك فيكون قبوله لتأثير الشراب أبلغ من قبول غيره لذلك التأثير. فإذا استعمل تبخر عنه أبخرة كثيرة الرطوبة لرطوبة مزاجه ورطوبة ما يستعمل معه من الأغذية لأنه في النادر أن يستعمل بمفردة، ومع كثرة أبخرة يكون نفاذه لما * ذكرناه (61) من لطف جوهره وحرارة مزاجه فيصعد إلى الدماغ لما ذكرنا من المحاذاة فيؤثر فيه لما ذكرنا من قبوله. فعندما يفعل ذلك يملأ بطونه فتشوش أولا أفعاله * لتمويجها (62) وحركة PageVW5P196B أرواحه لاضطرابها فيسكر لأنه لا معنى للسكر إلا ذلك. ثم إنها إذا ترادفت نفذت في مسالك الأعصاب إما لكثرتها وإما لدفع الدماغ لها لأن الأعصاب كالفروع له فتزيد في حجمها * بميلها (63) للفرج الحاصلة فيها فيزداد عرضها وينقص طولها، ولا معنى للتشنج الامتلائي إلا ذلك. وقد يوجب اللذعي إذا كان كثير المائية فإنه يستحيل عند الأعصاب لبردها إلى * الخلية (64) ، وعند ذلك يلذعها وينكيها فيحدث التشنج لكن أحداثه للأول أكثر. وقد يوجب اللذع إذا استعمل صرفا فإنه يحدث بلذع * الأعصاب (65) والدماغ. وفي هاتين الصورتين ينقبض * الدماغ (66) ثم يتشمر لدفع المؤذي فيحصل التشنج. ومتى حصل من الشراب ما * ذكرنا (67) تعذر على * القوة (68) المحركة لأعصاب الصدر * النفوذ (69) وعلى الأعصاب نفسها القبول للقوة المحركة والتحريك. وربما امتنع ذلك فتنطفئ الحرارة القلبية المحيية فبهذا الوجه يصير سببا للموت، فإن السكتة بمفردها توجب الموت فكيف مع التشنج، غير أن هذا القدر الحاصل من الشراب يكون زواله دفعة، لأن حدوثه دفعة لما ذكرنا فإن حصل من سخونة الشراب حرارة والحرارة بطبعها * توجب (70) التحليل. وقد علمت أن مادة * هذه (71) السكتة وهذا التشنج لطيفة. فإن قويت تلك الحرارة على تحليل الأبخرة الشرابية زال ما ذكرناه من الأعراض وفاق السكران وتكلم. وإن لم يحصل له حمى فينتظر الوقت المعتاد إن لم * ينحل (72) فيه خماره. فإن لكل سكران وقت معلوم يزول فيه خماره ويتكلم فيه، فإن لكله في الوقت المعلوم فيه * الذي (73) جرت عادته أن ينحل فيه خماره ويتكلم * فيه (74) ، وإلا * فيموت (75) . وهذا الوقت يختلف باختلاف الأشخاص في ضعف أدمغتهم وقبولها لتأثير الشراب، ويختلف أيضا من جهة الشراب نفسه في غلظه ولطافته. ولما كان الحال كذلك لم يكن لوقت انحلال الخمار وقت محدود. وإذا كان كذلك فيكون الألف واللام المذكوران في الساعة بمعنى المعهود السابق أي الساعة التي جرت العادة فيها * ينحل (76) خماره، لا * بمعنى (77) التغير. فإن هذا الوقت لا يحد لأنه يختلف بحسب ما ذكرنا. ولنا في السكتة كلام طويل قد ذكرناه في المقالة * الثانية (78) حيث * شرحنا (79) قوله «السكتة إن كانت قوية» إلى * آخره (80) .
البحث الثالث
(81) : قال جالينوس: الخمر من شأنه أن يملأ العصب سريعا لأنه * بطبعه (82) حار. وإذا كان طبعه كذلك فهو غواص في كل شيء لا سيما متى كان لطيف القوام فهو بكثرة حجمه يحدث في PageVW1P132B العصب تشنجا، إلا أنه بكيفيته يصلح ما أفسده في العصب بكميته. فمتى لم يقدر على أن يفعل ذلك فيجب ضرورة أن يلحق شاربه التشنج الحادث منه الموت. والقوى التي في الخمر التي يشفى بها التشنج قد * تشفيه (83) بها الحمى لأن هذه الحمى تسخن ولا تجفف لأنها تحدث عن سخونة الشراب غير انا ينبغي لنا أن نعلم * هل (84) أبقراط ينسب جميع من يغمى عليه إلى السكات أو المراد بمن يغمى * عليه (85) أن يعدم بدنه كله الحس والحركة، ولا شك أن ذلك إنما يعرض عن حصول الآفة في أصل العصب الذي هو الدماغ إما ابتداء أو بواسطة. قال: وأما قوله «أو يتكلم في الساعة التي ينحل فيها خماره»، معنى الساعة الوقت، وليس ذلك الوقت بمحدود لجميع الناس بمقدار واحد. فإن من الناس من يسكن خماره في غد اليوم الذي شرب فيه، ومنهم من يسكن خماره عنه في الليلة التي تتلوه، ومنهم من يسكن عنه في اليوم الثالث. وذلك بحسب كثرة الشراب وقلته وقوته وضعفه وطبيعة شاربه كحال الغذاء في استمرائه، فإنه ليس للهضم حد محدود في جميع الناس. قال: وإذا كان كذلك فينبغي أن يكون الممتحن لذلك خبيرا بطبيعة صاحب * هذا (86) الحال، أي الوقت الذي جرت عادته أن ينحل فيه خماره. هذا خلاصة ما ذكره وهو في غاية الحسن غير أنه لم يبين كيفية حدوث الحمى. وقد ذكر * ذلك (87) ابن ابي صادق. * قال (88) : وذلك لشدة مجاهدة الطبيعة لمقاومة المؤذي. والله أعلم.
6
[aphorism]
قال أبقراط: من اعتراه التمدد فإنه يهلك في أربعة أيام، فإن جاوزها فإنه يبرأ.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة،: وهو أنه لما كان التمدد تشنجا مضاعفا أي من جهتين متقابلتين، ذكره * بذكر (89) التشنج البسيط الذي هو تشنج واحد أي إلى جهة واحدة. والتمدد علة عصبية تمنع الأعضاء العصبية من الانقباض كما أن التشنج علة عصبية تمنع الأعضاء من الانبساط. ومن هذا يعلم أنه ضد PageVW5P197B التشنج لأنه قد حصل معه ضد ما حصل مع التشنج، ولذلك صار بحرانه وانقضاؤه يكون بسرعة إذا كانت الطبيعة لا تحتمل مقاومته مدة طويلة فصار يأتي في أول دور من أدوار البحران وهو اليوم الرابع. وذلك إما إلى جانب السلامة أو إلى جانب العطب. * (90)
البحث الثاني:
التشنج والتمدد يكونان عن امتلاء وعن استفراغ. وأما وجه الاختلاف فثلاثة: أحدها أن التشنج يبتدئ بحركة والتمدد بسكون على ما ستعرفه. وثانيها من جهة وقوع ا لمادة، فإن المادة وقوعها لإيجاب التمدد بخلاف وقوعها لإيجاب التشنج وهو أنها في خلل الليف ثم جمدت وبقيت على الصلابة فيعسر رجوعها إلى الانقباض ويكون وقوعها دفعة فتملأ خلل الأعضاء من غير أن تختلف نسبتها إلى نسبة الليف بل وقعت على امتداد الليف من غير أن نقصت من الطول، وذلك بميلها * للفرج (91) . وأما في التشنج فإن المادة الفاعلة له مختلفة الوقوع في خلل الليف غير نافذة فيه نفوذا متشابها ولا نفوذا كثيرا، ولذلك صار نقصانها للطول نقصانا محسوسا. ولأجل هذا قلنا إن التشنج يبتدئ بالحركة * والتمدد (92) بالسكون فوقوع مادة التمدد على هيئة وقوع مادة الاسترخاء لكن الفرق بينهما أن مادة التمدد جامدة ومادة الاسترخاء رقيقة مرخية. والذي يفهم مما ذكرنا أن التمدد PageVW5P125A الامتلائي أردأ من التشنج الامتلائي. وأما الاستفراغي فبالعكس وهو أن الاستفراغ لما حصل في الأعضاء المذكورة لحدوث التمدد نقصت عرضا بانحلال الرطوبات وازدادت لذلك طولا وانقبضت المنافذ وتعذر النفوذ على القوة المحركة ونقلها إلى القبض. وأما في التشنج الاستفراغي فإن النقصان حصل في الطول والعرض معا، فلذلك كان التشنج الاستفراغي أردأ من التمدد الاستفراغي. وثالثها أن التمدد كثيرا ما يكون عن الريح والتشنج قلما يكون عنه، وذلك لأن الريح نفاذة مداخلة لخلل الليف فميلها لها أنسب من ميلها * لبعضها (93) دون بعض. والله أعلم.
7
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه الصرع قبل نبات الشعر في العانة فإنه يحدث له * انتقال (94) ، فأما من عرض له وقد أتى عليه من السنين * خمس (95) وعشرون سنة فإنه يموت وهو به.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما كان الصرع يلزمه تشنج عام * وكان (96) قد تقدم منه ذكر الشتنج والتمدد، أعقب ذكره بذكر ذلك. وصار الصرع يتبعه تشنج لأن الدماغ إذا امتلأ من المواد الغليظة لا يخلو إما أن يقوى فيدفع المواد عن نفسه إلى الفروع النابتة منه أو لا يقوى على ذلك. فإن كان الأول حصل في تلك الأعضاء التشنج، وإن كان الثاني رام هو أن يدفعها عن نفسه. وعند ذلك ينقبض ويجتمع إلى ذاته طلبا للدفع * فتجتمع (97) الأعصاب تبعا * له (98) لأنها فروعه فتتشنج وتتقلص. وقد علمت أن كل تشنج فهو إما لامتلاء وإما لاستفراغ وإما لكيفية سمية. والتشنج الصرعي لا يكون للامتلاء وللكيفية * السمية (99) ولا يكون عن الاستفراغ لوجهين: أحدهما أن الاستفراغ يكون حدوثه بالتدريج والصرع دفعة؛ وثانيهما أن الاستفراغ لا يبلغ أن يحدث جفافا في جوهر الدماغ والأعصاب الناشبة منه * إلا (100) ويتبعه الهلاك.
البحث الثاني:
الصرع أكثر حدوثه عن مواد بلغمية، وإن كان قد يحدث عن غيرها لكن ذلك نادر وأحكام الطب أكثرية. وإنما قلنا إن أكثر حدوثه عن البلغم لوجهين: أحدهما لمناسبته لمزاجه؛ وثانيهما أن * سد (101) البلغم لمنافذ الأعصاب ومسالكها أبلغ من * سدة (102) غيره من المواد لها، وذلك لكثرته وغلظه ولزوجته، فإن هذا المجموع لم يحصل فيما عدا البلغم من * المواد (103) ، فلذلك كان أنسب بحدوث الصرع. ولما كان حال الصرع كذلك حكم الأوحد أبقراط ببرئه بالانتقال في السن * المذكورة (104) ، وكذلك في البلد والتدبير قياسا على السن، وهذا القدر قد ذكره في المقالة PageVW5P198A الثانية. والذي نقوله الآن أن لفظة الانتقال على ما قاله جالينوس يقال بالحقيقة على انتقال المادة من عضو ثم هذا عند الأطباء على نوعين: انتقال جيد، وانتقال رديء. فالأول كما إذا انتقلت المادة من عضو رئيس إلى عضو خسيس، والثاني مثل العكس. وقد يقال بالاستعارة على كل انتقال يعرض، ومراد أبقراط بالانتقال هذا الانتقال. فإن الصرع إذا حصل قبل نبات الشعر في العانة، وذلك قبل * الأربع (105) عشر سنة، فإذا انتقل في السن وحصل نبات الشعر، فإن الحرارة عند ذلك تقوى وتشتد وتتناقص الرطوبات وتأخذ في الجفاف ويحصل الاستفراغ بخروج المادة المنوية، فمتى لم يزل الصرع بهذا القدر * بقي (106) العمر، فلذلك قال «يموت وهو به». * وإذا (107) كان عروضه بعد * الخمس (108) والعشرين سنة فإنه لا يرجى له برء لأنه لم يحصل للإنسان بعد هذه السن انتقال آخر إلى جانب الحرارة بل إلى جانب البرودة وتوفر الرطوبات لا سيما الفضلية المناسبة PageVW1P133A لمادة المرض المذكور.
البحث الثالث:
قد * عرفت (109) في أمر حرارتي الصبى والشباب هو * أنها (110) في سن الصبى أوفر مما هي في سن الشباب، وكل كيفية من الكيفيات المستولية على سن من الأسنان أو على فصل من الفصول من شأنها أن تكون في وسط تلك السن أو ذلك الفصل أقوى مما هي في * أطرافها (111) ، * ولذلك (112) كانت الفصول الحقيقة هي أوساط الفصول لا أطرافها. وقد علمت أن سن الصبى * أربعة (113) أسابيع، فالكيفية المستولية على * هذه (114) السن أقوى وأوفر مما تكون في وسط هذه السن، ووسط هذه السن هو آخر الأسبوع الثاني وأول الأسبوع الثالث وهو ما بين نبات الشعر في العانة إلى * خمس (115) وعشرين سنة. فلذلك خصص هذا الوقت بالذكر، ولأنه متى ذكر فهم * منه (116) الأطراف، ويعلم منه جملة السن. أو نقول: قد عرفت أن مراده بالانتقال نبات الشعر في العانة والحرارة في هذا الوقت إلى آخر سن الشباب تكون قوية جدا ظاهرة التأثير لكن أقوى ما تكون في هذه المدة في وسطها وهو الوقت الذي ذكره أبقراط لأن نهاية سن الشباب * خمس (117) وثلاثين سنة، PageVW5P198B وقيل * أربعين (118) سنة لأن أطرافها تشارك ما يليها من الجانبين في المزاج فتكون الحرارة فيها دون ما هي في المدة المذكورة. فلما كان وسط المدة المذكورة كذلك، خصصها بالذكر وضرب المثال بها فكأنه يقول: إذا لم تنحل مادة الصرع بالانتقال في الوقت المذكور وتتلاشى فبالأولى أن لا ينحل ويتلاشى بعد المدة المذكورة بل يموت صاحب العلة بها. وقد تقدم لنا كلام محرر في الصرع وفي الأسنان أيضا ليس لنا حاجة إلى إعادته. والله أعلم.
8
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه ذات الجنب فلم * ينق (119) في أربعة عشر يوما * فإن (120) حاله يؤول إلى التقيح.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث سبعة.
البحث الأول
في الصلة: وذلك من وجوه أربعة: أحدها أن الأول يتضمن ذكر مرض فيه امتلاء لأكثر أعضاء البدن، وهذا يتضمن ذكر مرض فيه امتلاء لأكثر أعضاء البدن، وهذا يتضمن ذكر مرض فيه امتلاء خاص بعضو واحد؛ وثانيها أن الأول يتضمن ذكر مرض يحصل منه ضرر عام لآلتى الحس والحركة، وهذا يتضمن ذكر مرض خاص ببعض تلك الأعضاء؛ وثالثها أن الأول يتضمن ذكر مرض فيه دفع رديء لمادته من أصلها إلى غيره، وفي هذا ذكر مرض فيه دفع لمادته من أصلها * إلى (121) غيره جيد ورديء، فناسب الأول في أصل الدفع وفي الرديء منه؛ ورابعها أن * الأول (122) يتضمن ذكر مرض يتبعه ذلك، وذلك لمزاحمة * الورم (123) للرئة والقلب. فإن قيل: فعلى هذا الوجه لم لا ذكر ذات الرئة لأنها يتبعها ضرر في التنفس بالمزاحمة؟، * فنقول (124) : الرئة على المذهب الحق * وهو (125) المشهور عديمة الحس، والغشاء من ذكر آفة ما * ليس (126) له حس، والصرع آفة في مبدأ الحس، فذكر آفة ماله حس بعد ذكر آفة مبدأ * الحس (127) .
البحث الثاني:
ذات الجنب ورم * حار (128) عن مواد حارة في الغشاء المستبطن للأضلاع. وإنما قلنا: * عن (129) مواد حارة، فإن هذا الغشاء * لصفاقته (130) لا ينفذ فيه ما غلظ من المواد الباردة بخلاف ذات الرئة على ما عرفته وستعرفه، ولذلك صارت تشتد غبا. وإن كان هذا الورم حاصلا في الغشاء القاسم للصدر المسمى PageVW5P199A بأفرغما فإنه يسمى برساما. وإن كان حاصلا في العضلات المحركة للصدر عند التنفس فإنه يسمى شوصة. ثم * هذا (131) تارة يكون حدوثه في العضلات الباسطة وتارة يكون * حدةثه (132) في العضلات القابضة. ويعرف هذا من الضرر الحاصل في * إحدى (133) حركتي الانبساط والانقباض وهو أن العليل إن كان تألمه في التنفس عند استنشاق الهواء أكثر من تألمه عند دفع البخار الدخاني * فهو (134) في العضلات الباسطة. وإن كان عند خروج البخار الدخاني أكثر * فهو (135) في العضلات القابضة. ثم اختلف الأطباء في الحاصل في * الجانب (136) الأيمن والأيسر أيهما أردأ، فقال قوم الأيمن أردأ لأن نضجه يكون في زمان أطول مما إذا كان في الأيسر، وقال قوم الأيسر أردأ لقربه من رأس القلب الذي هو أشرف وأرأس مما في البدن. والحق * عندي (137) أن كل واحد منهما أردأ من الآخر من وجه وأجود من وجه. أما الأيمن فإنه أردأ لما ذكرنا وأجود لبعد الآفة عن رأس القلب، والأيسر أجود لسرعة نضجه ولقربه من محل الأرواح والحرارة الغريزية وأردأ من * وجه (138) ما ذكرنا. وقد عرفت أن مآل كل ورم * إلى (139) ثلاثة أشياء إما إلى تحليل وإما إلى جمع وإما إلى صلابة. وذات الجنب أكثر مآلها إلى الأمرين الأولين وقلما يؤول إلى صلابة لأن مادة ذات الجنب في الأكثر لطيفة صفراوية أو دم رقيق ومادة الورم الصلب في الأكثر مادة غليظة، وذلك إما دم غليظ أو بلغم أو سوداء، والفاعل في ذلك إما إفراط في استعمال المحللات وإما إفراط في استعمال المبردات، فيحلل الأول لطيف المادة ويبقى كثيفها، ويجمد الثاني المادة ويكثفها. فإن آل أمرها إلى * التحلل (140) خرجت المادة منها إلى الرئة على سبيل الرشح ثم خرجت بالنفث. فإن آل الأمر إلى الجمع احتيج ضرورة إلى النضج ثم إذا نضج الورم انفجر. وفي هذا الوقت تندفع مادتها إلى جهات شتى إما من العروق المتصلة بالغشاء نفسه إلى جهة الكبد فتخرج إما بالبول إن مالت إلى مجذبها وإما بالبراز إن مالت إلى مقعرها. وقد يخرج بالنفث. وقد يخرج من الرئة بالبول أو بالبراز إذا اندفعت PageVW5P199B في الوريد الشرياني إلى جهة القلب. فإن احتبست هذه المادة في الرئة أوقعت في ذات الرئة ثم في السل. وقد يحتبس في فضاء الصدر ويحصل منها القيح. وقد يندفع في الأعصاب المتصلة بالعضو الذي فيه الورم لأنه عضو عصبي فيوقع في التشنج والكزاز. وقد تندفع إلى جهة القلب فيعرض منها الخفقان ثم الغشي. وقد تميل المادة إلى ظاهر البدن فيحصل منها خراج. وقد تميل إلى جهة المفاصل أو إلى جهة السفل فيحصل منها البواسير أو خروج الدم من أفواه * العروق (141) أو نواصير وذات الجنب إذا اقترن بها نفث الدم كان ذلك مثل الاستسقاء إذا اقترن به حمى، فيحتاج الأول إما بحسب ذات الجنب إلى ملين مرخ منضج وبحسب نفث الدم إلى ما يقبض * ويخشن (142) ، والثاني بحسب الاستسقاء إلى ما يسخن ويجفف ويفتح وبحسب الحمى إلى ما يبرد ويرطب.
البحث الثالث:
قال جالينوس: من عادة أبقراط أن يسمي استفراغ الأخلاط المولدة لذات الجنب بالنفث نفثا واستنقاء ، ولذلك إذا أراد الإنسان أن يبزق فإنه يقال يستنقي، فصاحب ذات الجنب * متى (143) يخرج له مادة مرضه بالنفث * أي (144) بالاستنقاء في الرابع عشر من مرضه لأنه بحران الأمراض الحادة لأنك قد عرفت أن مادة هذا المرض صفراء محضة أو دم رقيق. والأول هو الأكثري فمتى لم ينقص المرض المذكور في المدة المذكورة، فذلك إما لغلظ المادة أو للعجز عن إخراج المادة بالاستنقاء. وإن كانت لطيفة في نفسها فإن الأمر يؤول في ذلك إلى التقيح وهو انفجار المدة إلى فضاء الصدر الذي بين الأضلاع والغشاء المحلل للرية. وذكر دفع المادة المذكورة PageVW1P133B إلى هذا الموضع دون باقي الجهات لأنه * الأكثري (145) . ويعرف الجانب المنصب إليه * المادة (146) بوجوه ثلاثة: أحدها بالخضخضة، وثانيها بوجود الثفل، وثالثها أن يوضع على الصدر خرقة مبلولة بماء ويعتبر جفاف جوانبها أيها أسرع هل اليمين أو اليسار فأيهما كان أسرع فالمادة في جهته.
البحث الرابع:
ذات الجنب يخصها من العلامات خمس حمى لازمة ووجع ناخس وضيق نفس PageVW5P200A وسعال ونبض * منشاري (147) فهذه الأعراض الخمسة مجموعها خاص بذات الجنب. أما الحمى فلمجاورة الورم للقلب وأما الوجع الناخس فلغشائية العضو. وأما ضيق النفس فلضغط الورم للرئة وللقلب. وأما السعال * أي (148) في الابتداء فيكون يابسا لدفع المؤذي * للمزاحمة (149) . وأما في آخره فيكون رطبا لإخراج المادة بالنفث ووجه خروج * هذه (150) المادة بالرشح من الغشاء ثم تشربها الرئة. وأما النبض * المنشاري (151) فلغشائية العضو وتمديد الورم للشظايا الليفية المتصلة بالشريان والحمى إذا قويت في ذات الجنب تواتر النفس، ويعرض من ذلك لزوجة النفث، فإن النفث يجف بسبب التوتر، ويعرض من لزوجة النفث شدة الألم وازدياد اللهيب ومن ازدياد اللهيب تواتر النفث ومن التواتر اللزوجة فلا يزالان يتعاونان على ذلك.
البحث الخامس:
ذات الجنب تشابه ذات الكبد أي ورمها * التحدبي (152) على الخصوص من وجوه أربعة: أحدها من جهة ضيق النفس بسبب مزاحمة التحديب لآلات التنفس، وثانيها من جهة السعال لذلك، وثالثها من جهة الحمى، ورابعها من جهة تمديد المعاليق واتصال الوجع بالترقوة. لكن الفرق بينهما من وجوه عشرة : أحدها أن النبض في ذات الجنب منشاري وفي ذات الكبد * موجي (153) ؛ وثانيها أن السعال في ذات الجنب في ابتدائها يابس وفي آخرها رطب وفي ذات الكبد دائما يابس؛ وثالثها أن الوجع في ذات الجنب ناخس وفي ذات الكبد ثقيل؛ ورابعها أن ذات الكبد يتغير فيها اللون والسخنة إلى الصفرة وفي ذات الجنب لم يتغير فيها * ذلك (154) ؛ وخامسها أن البول في ذات الجنب يكون قريبا من البول الطبيعي وفي ذات الكبد يكون غليظا أحمر؛ وسادسها البراز في ذات الجنب متحجر وفي ذات الكبد غسالي؛ وسابعها الوجع في ذات الجنب تارة يكون في الجانب الأيمن وتارة يكون في الجانب الأيسر وفي ذات الكبد دائما في الجانب الأيمن؛ وثامنها أن الورم في ذات الجنب خفي عن الحس وفي ذات الكبد * ظاهر (155) PageVW5P200B * للحس (156) ؛ وتاسعها أن ذات الجنب لا يكون معها فواق أصلا وفي ذات الكبد قد يكون معها فواق؛ وعاشرها أن الوجع في ذات الجنب مرتفع وفي ذات الكبد متخفض إلى أسفل. وذات الجنب تشابه ذات الرئة من وجوه ثلاثة: أحدها من جهة ضيق النفس، وثانيها من جهة الحمى، وثالثها من جهة السعال. والفرق بينهما من وجوه ستة: أحدها أن النبض في ذات الجنب * منشاري (157) وفي ذات الرئة موجي؛ وثانيها أن ضيق النفس في ذات الجنب أقل مما هو في ذات الرئة؛ وثالثها أن الوجع في ذات الجنب ناخس وفي ذات الرئة ثقيل؛ ورابعها أن لون الوجنتين في ذات الجنب بحالها وفي ذات الرئة مائل إلى حمرة ظاهرة؛ وخاسمها أن الوجع في ذات الجنب مائل إلى جهة الأضلاع وفي ذات الرئة قريب من وسط الصدر؛ وسادسها أن السعال في ذات الجنب تارة يكون يابسا وتارة يكون * رطبا (158) . * وذات (159) * الجنب (160) تشابه البرسام من وجوه ثلاثة: أحدها من جهة الحمى، وثانيها من جهة الوجع الناخس، وثالثها من جهة اختلاط الذهن والهذيان. والفرق بيهما من وجوه ثلاثة: أحدها أن الحمى في ذات الجنب أقوى مما هي في البرسام، وثانيها أن اختلاط الذهن والعبث * والهذيان (161) في ذات الجنب أصعب مما هي في البرسام، وثالثها أن النبض في ذات الجنب صغير إلى التواتر وفي ذات البرسام عظيم إلى التفاوت.
البحث السادس
(162) : خروج النفث يتم بقوتين: أحدهما طبيعية، والأخرى نفسانية إرادية. أما الطبيعية فالهاضمة لنضج المادة وتهيئتها للخروج ثم الدافعة لإخراجها. وأما الإرادية * فليتم (163) الخروج فإن حركته بفعل القوة الطبيعية والنفسانية والمبدأ فيه الطبيعية والمتمم له النفسانية. وقد بسطنا القول في هذا المعنى في شرحنا لكليات القانون. وإذا كان النفث يتم * بهاتين (164) القوتين فيجب على الطبيب الحاذق أن يعتني * بها (165) في المعالجة ليخرج النفث على واجبه وينقضي مدة * المرض (166) . ولأجل هذا صرنا نستدل بأحوال النفث على أحوال هاتين القوتين. فنقول: النفث يدل PageVW5P201A بلونه وبقوامه وبمقداره وبطعمه وبرائحته وبشكله. أما بلونه فأجوده الأبيض الساطع لا لبلغم مستول * وأردؤه (167) الأسود لا سيما المنتن لدلالته على شدة الاحتراق ثم الأخضر ثم الأصفر ثم الأحمر ثم الأبيض اللزج المستدير الشكل. وأما قوامه فأفضله المعتدل في ذلك المتشابه الأجزاء لدلالته على استيلاء القوة على جميع أجزائه. ومن هذا يعلم أن الرقيق * والغليظ (168) رديئان. وأما مقداره فأجود المتوفر المقدار لدلالته على قوة القوة ودفعها لمادة المرض بالكلية. ومن هذا يفهم أن القليل يدل على ضعف القوة. وأما طعمه فأفضله النقه الطعم المائل إلى حلاوة يسيرة وأردؤه * المر (169) ثم الحلو * ثم (170) الخالص التفاهة. وأما رائحته فأجوده ذو الرائحة الغير منتنة فإن النتن دليل على شدة العفن والعديم الرائحة يدل على تمكن البرد. وأما شكله فأجوده المتصل الأجزاء لما ذكرنا من تشابه النضج وأردؤه المستدير الشكل لدلالته على قوة البرد المجمد لأجزائه أو على حر محرق مفن لرطوباته فأوجب له الاستدارة.
البحث السابع
في علامة السليم من ذات الجنب والرديء منه: أما علامة السليم فهي سهولة النفث وسرعة النضج وقلة الوجع واعتدال النوم وسهولة التنفس واستقلال العليل بعلته واستواء الحرارة في البدن مع قلة العطش والكرب واللهيب، ويكون العرق والبول والبراز قريبا من حالها في الوقت الضحى، فإن ظهر رعاف في أول المرض كان من أقوى العلامات على السلامة، وما قابل ذلك فهو علامة رديئةز والله أعلم.
9
[aphorism]
قال أبقراط: أكثر ما يكون السل في السنين * التي (171) بين ثماني * عشرة (172) سنة وبين * خمس (173) وثلاثين سنة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وذلك من أربعة أوجه: أحدها أنه كان قد تقدم منه إذا لم يحصل النقاء من مادة * المرض (174) ذات الجنب بالنفث فإن الأمر يؤول إلى التقيح، والتقيح كثيرا ما يؤدي إلى السل فإن المادة القيحية إذا بقيت محتبسة في فضاء الصدر قرحت الرئة وأوقعت في السل؛ وثانيها السل قرحة PageVW5P201B في بعض أعضاء الصدر وذات PageVW1P134A الجنب كذلك؛ وثالثها أن * السعال (175) حاصل في ذات الجنب وفي السل لدفع مادة القرحة؛ ورابعها من جهة ضيق النفس، وذلك في الجميع بالمزاحمة.
البحث الثاني:
كان الإمام أبقراط لما ذكر الأمراض الخاصة بالأسنان ذكر أن السل خاص بسن الشباب، * وهاهنا (176) ذكر أن * السل (177) يحصل في آخر سن النماء وأول سن الشباب. والكل حق. أما الأول فلتوفر المادة الدموية وقلة انصرافها إلى جهة النمو. وأما الثاني فلتوفر المادة الصفراوية والرئة في نفسها متخلخلة كثيرة الحركة قابلة لتأثير تلك المادة.
البحث الثالث:
لفظة السل في العرف الطبي عبارة عن قرحة في الرئة، وهذه العلة من العلل الرديئة المهلكة. أما رداءتها فلوجوه ستة: أحدها لدوام حركة الرئة فإن التحام * القرحة (178) مفتقر إلى السكون؛ وثانيها رقة قوامها * لدمها (179) فإن غلظ الدم مما يعين على سرعة * الالتحام (180) ؛ وثالثها أسفنجية جرمها فإن ذلك مما يعين على سرعة التأكل وبطوء التحام القرحة؛ ورابعها سعة عروقها ولينها، وذلك مما يعين على سرعة التأكل؛ وخامسها إلحام كل قرحة لا يمكن إلا بعد تنقيتها من المادة القيحية وتنقية القيح من الرئة يكون بالسعال وحركة السعال زائدة في توسيع الجراحة، وذال زائد في الألم والألم جذاب للمواد؛ وسادسها الأدوية المستعملة في مداواة هذا المرض لا يخلو إما أن تكون مائلة إلى الاعتدال أو إلى أحد الكيفيات الأربع. فإن كان الأول فلا يصل إليها إلا وقد ضعفت قوتها، وذلك لبعد موضعها واحتياج الدواء أن يمر بأعضاء كثيرة سواء كان وروده عليها من داخل أو من خارج، وعند وصوله إليها وهو كذلك لا يعمل فيها العمل المطلوب منه. وإن كان الثاني فإن كان حارا زاد في الحمى اللازمة لهذا المرض ونشف النفث وجففه ومنعه من الخروج الذي لا يمكن * التحام (181) القرحة إلا بعد خروجه. وإن كان باردا كان بليد النفوذ لا يصل إليها إلا وقد ضعفت قوته وهو مع ذلك مكثف للنفث PageVW5P202A مانع من سرعة خروجه الذي لا يمكن للقرحة * برء (182) إلا بعد تنقيته. وإن كان * رطبا (183) أرخى القرحة ومنع من سرعة الالتحام، فإن القروح جميعها محتاجة في مداواتها إلى ما يجفف لأن كل قرحة يتولد فيها رطوبتان: إحداهما غليظة والأخرى لطيفة، وذلك لأن فضلات * كل (184) عضو في حال صحته كذلك فإذا ضعف وعجز عن دفعها بقيتا محتبستين فيه ومنعتا القرحة من الالتحام لا سيما وقرحة الرئة دائما يرتفع إليها رطوبات وتنحدر إليها من الأعالي رطوبات آخر. وإذا كان * حالها (185) كذلك فالطبيب * محتاج (186) إلى استعمال ما يجفف تلك الرطوبات لينبت اللحم في القرحة ويسهل التحامها، ومن هذا يسمي الدواء المذكور منبتا للحم بمعنى أنه مزيل * للمانع (187) للإنبات. وإلا فالمنبت بالحقيقة الطبيعة البدنية. وإن كان يابسا زاد في * التجفيف (188) فهذا وجه رداءة هذه االعلة. وأما هلاكها فلقرب العلة من القلب، وذلك لأن محلها الرئة وهي محيطة مكثنفة به. والله أعلم.
10
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه ذبحة فتخلص منها * فمال (189) الفضل رئته فإنه يموت في سبعة أيام، فإن جاوزها صار إلى التقيح.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما تكلم في الفصل الماضي في السل ذكر في هذا الفصل سببا من أسبابه وهو ميل مادة الذبحة عند انفجارها إلى جهة الرئة. والمراد بالذبحة عند أكثر الأطباء الخوانيق، وستعرفها، * وفي (190) الأقل ورم النغانغ وهي الغدتان اللتان عن جنبتى اللسان المسماتان باللوزتين. وأبقراط هاهنا تبع المشهور والخوانيق كثيرا ما تنفجر إلى داخل لا سيما متى كان الورم في العضل الداخل في الخنجرة وتميل المادة إلى الرئة فتقرحها وتوقع في السل، فإن مراد أبقراط هاهنا بالتقيح تقيح الرئة لا التقيح المشهور وهو اجتماع الفضل القيحي في تجويفي الصدر أو في * إحداهما (191) . وصاحب الذبحة إذا انفجر ذبحته إلى داخل ومالت مادتها إلى جهة الرئة أهلكت في اليوم السابع، وذلك بالخنق لقرب الورم من القلب * وشدة (192) المجاهدة فلا تمهل PageVW5P202B إلى أكثر من هذا الوقت. فإن قويت الطبيعة على قهر تلك المادة وأنضجتها تأخر الموت غير أنها توقع في السل لتقريحها جوهر الرئة لبورقيتها وحدتها وقبول الرئة لذلك.
البحث الثاني
(193) : قد ذكر أبقراط هاهنا * سببا (194) من أسباب السل فلنعدد نحن أسبابه فنقول: السل له أسباب من جهة بنية البدن وأسباب من داخل وأسباب من خارج. أما الكائن من جهة * البنية (195) فهو * أن (196) الإنسان مجنح الأكتاف فإن هذا الإنسان يكون صدره بارزا ناتيا * متهيئا (197) لقبول الآفات الخارجة لا سيما متى كان نحيفا قليل لحم الصدر ضعيفة. وأما التي من داخل فإما مواد قاطرة من الدماغ إلى الرئة بورقية وإما مواد واصلة إليها مما يجاوزها كمادة ذات الجنب إذا احتبست فيها أو ما يحاذيها مثل مادة الخوانيق إذا انفجرت وقطرت إلى الرئة أو صاعدة إليها من مواد البدن وإما لانفزار بعض الأوردة التي * للرئة (198) لامتلاء مفرط في البدن، وذلك لترك استفراغ معتاد. والخارجة إما هواء بارد يرد على الرئة ويكثفها وإما حار فيسيل ما حولها من المواد ويقطر إلى * جهتها. (199)
11
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان بإنسان سل * فكان (200) ما يقذفه بالسعال من * البزاق (201) منكر الرائحة إذا ألقي على الجمر وكان شعر رأسه * ينتثر (202) فتلك * من (203) علامات الموت.
[commentary]
الشرح: أما الصلة وهو أنه لما ذكر السل أولا * ثم (204) ذكر سببا من أسبابه ذكر في هذا الفصل علامة من علاماته وابتدأ بذكر علامة رديئة لأنها في الأكثر تهلك بل ما رأينا * أحدا (205) حصل له هذا المرض وخلص منه. وقد عرفت أن مراده بالسل هاهنا قرحة الرئة والسل المذكور له علامات. إحداها ظهور النفث لإخراج المادة القيحية من القرحة، ويفرق بين القيح وبين البلغم الغليظ بوجوه ثلاثة: أحدها نتن الرائحة وهو أنه اذا كان بلغما كان عديم الرائحة * للنتن (206) ، وإن كان مدة كان منتنا؛ وثانيها بالرسوب في قعر الماء وهو أنه متى كان بلغما طفا على وجه الماء ومتى كان مدة رسب في قعر الماء؛ وثالثها باللون وهو PageVW5P203A أن البلغم أبيض اللون والمدة مائلة إلى الزرقة. وثانيتها حمى دقية لمجاورة الورم للقلب واشتدادها عقيب الغذاء في الليل، وهذه هي أخص العلامات بالدق. وقد تكلمنا في هذه العلامات في المقالة الثالثة في شرح قوله «الخريف لأصحاب السل رديء» وذكر أبقراط من العلامات الرديئة علامتين وهما شدة نتن النفث وسقوط شعر الرأس، وذلك * لظهورهما (207) . وقد عرفت أن شدة النتن تدل على شدة العفن * وقوته (208) . أما في المبادئ فإن النتن لا يظهر إلا بوضع النفث على الجمر لتبخير الحرارة وفي آخر الأمر عند اشتداد العفن لا يحتاج في ظهور الرائحة PageVW1P134B المنتنة إلى ذلك. وأما انتثار * الشعر (209) * من (210) الرأس فذلك لقلة الرطوبة * التي (211) يتكون منها البخار الدخاني الذي هو مادة الشعر، وذلك بسبب قوة تحليل حمى الدق وضعف الشهوة لضعف القوى الطبيعية، وأيضا لاتساع المسام التي هي مسلك الشعر، وذلك لقلة اللحم. ومتى بلغ صاحب السل هذا الحد فقد قرب موته.
12
[aphorism]
قال أبقراط: من تساقط شعر رأسه من أصحاب السل ثم حدث له اختلاف فإنه يموت.
[commentary]
الشرح: أما الصلة هذا بما قبله فهو أنه لما ذكر في الفصل الأول علامة رديئة من علامات السل وهي نتن رائحة النفث وسقوط شعر الرأس، أعقب ذلك بذكر علامة أخرى رديئة وهي حدوث الاختلاف أي الإسهال، وذكر أبقراط سقوط شعر الرأس هاهنا ليس هو تكرارا منه بل لفائدة وهو أن حصول الاختلاف للمسلول تارة يكون لفساد الطعام وتارة * يكون (212) لاستعمال الأغذية * المرخية (213) أو * المزلقة (214) وتارة * يكون (215) لسقوط القوة فتخرج الرطوبات من ذاتها وتارة * يكون (216) لذوبان الأعضاء. فإن كان الاختلاف للأول فليس ذلك من علامات الموت أي الموت السريع. وإن كان الاختلاف للثاني والثالث فهو دال على الموت السريع. ويعرف أن ذلك مما ذكرنا بسقوط الشعر، فإنه متى حصل سقوط الشعر ثم أعقب ذلك السقوط الاختلاف فهو لضعف القوة عن مسك الرطوبات أو ذوبان الأعضاء، فكأنه ذكر السقوط هاهنا ليعرف منه ذلك * ويكون (217) دليلا عليه. والله أعلم.
13
[aphorism]
قال أبقراط: من قذف PageVW5P203B دما زبديا فقذفه إياه إنما * هو (218) من رئته.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما ذكر مرضا من أمراض الرئة وهو السل أعقب ذلك بذكر مرض آخر من أمراضها وهو نفث الدم، أو يقال إنه لما ذكر العلامات الرديئة في السل ذكر علامة أخرى رديئة * وهي (220) نفث الدم لدلالته على تأكل جرم العروق المتشعبة في جرمها، أو يقال إنه لما ذكر سببا من أسباب السل أعقبه بذكر سبب آخر وهو نفث الدم. * إن (221) تقدم السل كان سببا له، وإن تأخر عنه كان علامة رديئة له.
البحث الثاني:
خروج الدم من الفم * تارة (222) يكون من الفم نفسه وتارة يكون من الدماغ وتارة يكون من الحنجرة وتارة يكون من قصبة الرئة وتارة يكون من الرئة وتارة يكون من الصدر وتارة يكون من المريء وتارة يكون من المعدة. فإن كان من الفم نفسه كان خروجه * بالتبزق (223) ، وإن كان * خروجه (224) من الدماغ كان خروجه من * ذلك (225) * بالتنخع (226) ، وإن كان من الحنجرة كان * خروجه (227) بالتنحنح، وإن كان من قصبة * الرئة (228) كان خروجه بسعال خفيف، وإن كان من الرئة كان زبدي القوام لا سيما متى كان خروجه عن قرحة، وإن كان من الصدر كان خروجه بسعال قوي من غير أن يكون زبديا، وإن كان من المريء تبعه وجع بين الكفتين، وإن كان من المعدة كان خروجه بالقيء. ولما كان خروجه من الفم من هذه المواضع * وكان (229) كلامه في آفات الرئة، احتاج أن يذكر ما يدل على أن الدم الخارج هو من الرئة وذلك هو زبدي القوام.
البحث الثالث:
قال «من قذف» ولم يقل «من نفث» لأن خروج الدم من الفم على * ما (230) عرفت مشترك بين ما ذكرنا والنفث خاص بأوجاع الصدر فعبر عما يخرج من الفم بعبارة مشتركة . وقال «زبديا» ولم يقل «دما»، وذلك لأنه لما كان كلامه في * قروح (231) الرئة قيد ذلك بالزبدية، فإنه متى كان خروجه عن غير قرحة كما إذا * كان (232) لصدع عرق من عروق الرئة لم يكن زبديا. وإن كان فلا تكون * زبديته (233) ظاهرة، وذلك لطول احتباسه في الرئة واختلاط الهواء به. فعلى هذا ليس كلما خرج دم من الرئة ففيها قرحة بل كلما كان زبديا كان PageVW5P204A خروجه * عن (234) قرحة. والله أعلم.
14
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بمن به * السل (235) اختلاف دل على الموت.
[commentary]
الشرح: أما صلة هذا بما قبله فهو أنه لما ذكر في الفصل الماضي علامة رديئة من علامات السل * وهي (236) النفث الدم، ذكر في هذا الفصل علامة أخرى رديئة وهي الاختلاف. فإن قيل حكم هذا الفصل هو بعض ما شمله حكم الفصل الماضي وهو قوله «من تساقط شعر * رأسه (237) » وإذا كان حاله كذلك فيكون ذكر الاختلاف هاهنا تكرارا. فنقول: أما في الحقيقة فإن حكم هذا الفصل من جهة الاختلاف هو أعم من حكمه في الفصل الماضي والعام غير الخاص. وبيان ذلك أن مراده بالاختلاف المذكور عقيب تساقط الشعر الكائن عن ضعف القوة الماسكة عن مسك الرطوبات والكائن عن ذوبان الأعضاء، ومراده بالاختلاف المذكور في هذا الفصل الحادث عن ذلك وعن سوء الاستمراء وعن غير ذلك مما ذكرناه آنفا. ولما كان الحال في هذا الفصل كذلك، قال «دل على الموت» وقال في الفصل الماضي «فإنه يموت»، وذلك لأن الاختلاف الأول الذي هو الخاص أردأ من هذا الاختلاف الذي هو العام فلأجل هذا عبر في الأول بالعبارة المذكورة وعبر في الثاني بما ذكرنا. فإن قولنا «يموت» * أدل (238) على الهلاك من قولنا «فإنه دال على الموت»، وأدل على الهلاك من قولنا * «يموت (239) » قولنا * «فالموت (240) مطل» وأبلغ من ذلك في الدلالة قولنا «فهو ميت». والله أعلم.
15
[aphorism]
قال أبقراط: من آلت به الحال من أصحاب ذات الجنب إلى التقيح فإنه إن استنقى في أربعين يوما من اليوم الذي انفجرت فيه المدة فإن علته تنقضي، وإن لم يستنق في هذه المدة فإنه يقع في السل.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أن الفصل الماضي يتضمن الانتقال من مرض رديء إلى مرض رديء، وهذا يتضمن ذلك فإنه ذكر فيه الانتقال من التقيح إلى السل، أو يقال إنه لما تقدم منه ذكر شيء من أسباب السل وهو نزلة رديئة من الذبحة أو نفث دم ذكر في هذا الفصل سببا آخر وهو احتباس PageVW5P204B مادة ذات الجنب المندفعة إلى تجويف الصدر المعبر عنه بالتقيح، فإن مثل هذه المادة إذا لم تنق بالنفث في أربعين يوما قرحت الرئة وأكلتها بحدتها وبورقيتها وأوقعت في السل.
البحث الثاني:
لفظة التقيح في عرف الطب تطلق ويراد بها معنيان: * أحدهما (241) كل ورم أخذ في الجمع وتوليد المدة، وثانيهما امتلاء فضاء الصدر مدة، أو أحدهما. وأكثر حدوث هذا المرض من انفجار ورم في نواحي الصدر. وقد يحدث من مواد تقطر من الدماغ أو انفجار ورم حادث * من (242) خوانيق، ومآل هذا التقيح إلى * أحد (243) أربعة أشياء: أحدها أن يخنق بالكثرة * فيقتل (244) ، ويتقدمه ضيق نفس من غير نفث؛ وثانيها أنه يعفن الرئة ويقرحها ويوقع في السل؛ وثالثها أن يخرج بالنفث المتدارك؛ ورابعها أن تندفع المادة إلى الكبد في الوريد الشرياني وهو أن يداخل هذه المادة جوهر الرئة ثم يخرج من العرق المذكور إلى الكبد. فإن كان اندفاعها إلى محدبها خرجت بالبول، وإن كان إلى مقعرها خرجت بالإسهال. وتعرف هذه الاندفاعات من قوة العليل ومن السن ومن الفصل ومن * المزاج (245) . والمشائخ يهلكون في التقيح أكثر من الشبان لضعف قواهم وقلوبهم، والشبان يهلكون في التقيح من وجه آخر وهو من جهة قوة حسهم.
البحث الثالث:
PageVW1P135A المادة القيحية عند ميلها في ذات الجنب إلى فضاء الصدر يقارنها سعال وضيق نفس وحمى دقية إلى * وقت (246) الاستنقاء. وأما علامة الجهة التي فيها المدة فتعرف من وجوه سبعة: أحدها أن يوضع على الصدر خرقة مغموسة في طين أحمر مذاب في الماء ويترك ساعات إلى حين يجف فأي * جانب (247) جف أولا ففيه المادة؛ وثانيها من جهة الثقل فأي * جانب (248) أحس فيه بثقل ففيه * المادة (249) ؛ وثالثها من جهة الخضخضة وهو * أنه (250) أي جانب أحس فيه بخضخضة عند الحركة والاضطجاع ففيه المادة؛ ورابعها أن يؤمر العليل بالنوم على أحد الجانبين ثم على الجانب الآخر فأي جانب أحس فيه عند النوم بشيء معلق ففيه المادة؛ وخامسها من جهة صوت المادة وحركتها فأي جانب أحس فيه بسمع ففيه * المادة (251) ؛ وسادسها من جهة كثرة العرق الخارج من أحد جانبي الصدر فإنه أي جانب كان العرق الخارج منه أكثر PageVW5P205A ففيه المادة؛ وسابعها من جهة ضيق النفس فإنه متى كان في أحد الجانبين أكثر من الجانب الآخر ففيه المادة. وجعل مدة الاستنقاء من يوم الانفجار أربعين يوما لأنه آخر مراتب الأمراض الحادة. والله أعلم.
16
[aphorism]
قال أبقراط: الحار يضر من أكثر من استعماله هذه المضار يؤنث اللحم ويفتح العصب ويخدر الذهن ويجلب سيلان الدم والغشي ويلحق بأصحاب ذلك الموت.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في الصلة: * ينبغي (252) أن يعلم أولا أن مراده هاهنا * بالحار (253) الحار بالفعل، وهذا الحار يشارك التقيح في كثير من أفعاله. فإن التقيح يخدر الذهن بما يرتفع منه من أبخرته الرطبة عن المواد القيحية إلى الدماغ ويترتب على ذلك تفتح العصب أي استرخاؤه، ويجلب سيلان الدم بما يحدثه من التقريح والتفتيح في عروق الرئة والغشي بما يحدثه من ضغط الرئة ومنعه للتنفس على الواجب ومزاحمته للقلب ومنعه من الحركة الانبساطية والانقباضية المحتاج إليها في بقاء الحياة والموت بالخنق على ما عرفت. فلما شاركه الحار بالفعل في هذه الأمور أعقب ذكره بذكره.
البحث الثاني:
الحار والبارد يقال على ما هو بالفعل وعلى ما هو بالقوة لأن الكيفية التي يوصف بها الشيء لا يخلو إما أن تكون مدركة بحاسة اللمس أو لا تكون. فإن كان الأول فهي المسماة بالفعل، وإن كان الثاني فهي المسماة بالقوة. وكل واحد منهما ينقسم إلى أربعة أقسام: بالإطلاق وبالأغلب وبالإضافة وبالعرض. أما الإطلاقي الفعلي فكحرارة * النار (254) وبرد الماء فإن كل واحد منهما ليس في الوجود أقوى منه في بابه، والأغلبي الفعلي كالسبيكة * المحمية (255) فإن الحرارة الفعلية التي فيها أغلب من البرودة، والإضافي الفعلي كحرارة هواء الحمام فإنه حار بالإضافة إلى الهواء الخارجي وبارد بالإضافة إلى هواء الأتون، والعرضي الفعلي كحرارة الماء المسخن. وأما التي بالقوة فالتي بالإطلاق كحرارة النفط، والتي بالأغلب كحرارة الفلفل مثلا فإن الحرارة التي فيه غلبت البرودة، والتي بالإضافة كالبصل PageVW5P205B فإنه بالإضافة إلى الحنطة أحر منها وبالإضافة إلى الثوم هو بارد، والتي بالعرض كالأدوية الحارة إذا جاوزت الباردة فإن كل واحد منها يستفيد من الآخر كيفية لم يكن له.
البحث الثالث:
قد عرفت أن الحار والبارد كل واحد منهما ينقسم إلى ما ذكرنا فنقول: * مراده (256) بالحار هاهنا الحار بالفعل * كالاستحمام (257) بالماء الحار والجلوس في هواء الحمام والضمادات * والكمادات (258) المسخنة. والدليل على ذلك من وجهين: أحدهما أن الحار بالقوة تأثيره ينافي هذا التأثير لأنه لا يؤثر هذا التأثير البتة وهو أنه لا يؤنث اللحم أي يرخيه بل يجففه ولا يخدر الذهن بل يجفف رطوباته ويحرقها، وبالجملة تأثيره مناف لهذا التأثير؛ وثانيهما أنه لما ذكر البارد المقابل لهذا مثل عليه بالجمد والثلج، والجمد والثلج * لا (259) شك أن بردهما فعلي. واقتصر أبقراط على ذكر الحار والبارد دون الرطب واليابس لأنهما كيفيتان انفعالية لا فعلية.
البحث الرابع
في بيان حدوث المضار المذكورة عن الحار المذكور: قوله «يؤنث اللحم» أي يجعلها شبيها بلحم الإناث سخيفا وأقرب إلى الترهل، وذلك لأن الحار يخلخل جوهر الشيء، فإن شأن الحرارة التفريق. وأيضا فإن الحار المذكور يسيل الرطوبات والرطوبات مرخية، وأبقراط استعمل هاهنا لفظة التأنيث على سبيل الاستعارة. وأما تفتيحه العصب أي إرخاؤه له فمن وجوه أربعة: أحدها أنه بإرخائه تضعف القوة الماسكة لفوهائه، * وذلك (260) إلى ضعف القوة الحسية والحركية؛ وثانيها أنه بتحليله تتحلل الأرواح الحاملة للقوى المذكورة فتوجب الفتور والإرخاء في الحركة؛ وثالثها أنه إن كان فيه مواد جامدة سيلها وميعها بإسخانه لها، وعند ذلك تسد مسالك الأعصاب وتمنع القوة المحركة من النفوذ على ما ينبغي؛ ورابعها أنه بتبخيره تبخر إلى جهة الأعصاب أبخرة متوفرة تداخل جوهر العصب وتنفذ فيه وتمنع القوة المحركة من النفوذ وترخي الأعصاب. وأما تخديره للذهن، قال جالينوس: مراده بالتخدير ضعف الذهن. وقد يراد به في عرفنا اليوم كدورته PageVW5P206A وكلاله. والكل حق. أما الأول فإن الحار المذكور يفعله من جهة تحليله لأرواحه ويتبع ذلك ضعف قوته ضرورة، * فإن (261) نقصان الحامل يوجب نقصان المحمول. وأما الثاني فلوجهين: أحدهما من جهة تبخيره إلى الدماغ، فإن الأبخرة متى تصاعدت إلى الدماغ غلظت جوهر الروح وكدرته فتخدر الذهن؛ وثانيهما أنه ربما كان فيه مواد غليظة ساكنة فإذا ورد عليها * رققها (262) وسيلها وخالطت الأرواح وغلظت قوامها وكدرت الذهن. وأما تسييله للدم إن أراد به ترقيقه فهو حق، فإن الحرارة شأنها ذلك والبرد شأنه التجميد والتغليظ. وإن أراد به التسييل إلى خارج فهو * أيضا (263) حق، فإن الحار يفتح مسام البدن ويرقق الدم، وعند ذلك * يتهيأ (264) للخروج والتحليل. قوله «والغشي» الغشي تارة يوجبه الحار بواسطة سيلان الدم وتارة بلا واسطة. أما السيلان فسواء أريد به الترقيق أو التحليل والخروج فإنه يوجب الغشي. أما بمعنى الترقيق فإنه متى حصل له ذلك * كبر (265) حجمه، وعند ذلك يحتاج إلى مكان أوسع فهو عند ذلك إما أن ينصب إلى تجويف القلب فيغمر القوى والحرارة الغريزية ويوجب الغشي وإما أن يزاحم القلب والشرايين ويمنعها من الحركة الانبساطية والانقباضية المحتاج إليها في بقاء الحياة على ما ينبغي، وذلك مما يتبعه الغشي. وأما بمعنى التحليل والخروج من المسام فذلك ظاهر لأنه يتبعه قلة الأرواح وضعف القوى الحيوانية. وأما أن يحلل الأرواح ويضعف القوى ويفتح المسام ويرقق المواد وكل هذه مما تعين على سرعة التحليل.
البحث الخامس:
قوله «ويلحق بأصحاب ذلك PageVW1P135B الموت» المفهوم من كلام الفاضل جالينوس أن الإشارة بذلك إلى أصحاب المضار الحادثة عن استعمال الحار المذكور غير أن لحوقه لبعضها أسرع كسيلان الدم والغشي وبعضها أبطأ كباقي المضار. وفهم ابن أبي صادق أن الإشارة بذلك إلى أصحاب الغشي فإنه قال في شرحه لهذا الفصل: ويلحق النزف إذا أفرط الغشي ثم الموت. وفهم علاء الدين ابن النفيس أن المراد من ذلك أمر آخر وهو أن معنى قوله «يلحق بأصحاب ذلك PageVW5P206B الموت» ليس المراد به أن أصحاب تأنيث * اللحم (266) وتفتيح العصب وغير ذلك يلحقهم الموت، فإن هذه أضعف من ذلك بل المراد بذلك أن أصحاب الغشي أي الذين يصيبهم الغشي كثيرا ما يلحقهم الموت إذا أكثروا من استعمال الحار المذكور. * ونلحق (267) نحن القول في * هذه (268) التأويلات فنقول: الحق في ذلك ما قاله جالينوس، وذلك من وجوه ثلاثة: أحدها أن المضار * المذكورة (269) إذا استمر حدوثها آل أمرها إلى الموت غير أنها مخلتفة في ذلك بمعنى أن مآل بعضها إلى ذلك أبطأ وبعضها أسرع. ولأجل هذا عبر بعبارة تعطي الغرض وهو قوله «يلحق بأصحاب ذلك الموت»، فإن اللحوق لفظ دال على التراخي والفتور. ولو كانت الإشارة إلى الغشي كما زعم ابن أبي صادق لكان قال: ثم الموت، أو قال: ويتبعه الموت، أو: يحدث بعده الموت. والذي أوجب لابن أبي صادق ذلك ظنه أن الإشارة بذلك إلى أقرب مذكور كالضمير وهو فهم رديء بعيد عما قاله أبقراط، فإنه لا يطابق قوله في اللفظ ولا في المعنى على ما سنبينه. وأيضا فإن الفاضل جالينوس أخبر منه بما مراده بقوله هذا في اللغة اليونانية التي كان كلام أبراط أولا فيها. وأما بيان تادية * هذا (270) إلى الموت فهو على ما أقوله. * أما (271) تأنيث اللحم فإنه يترتب عليه ترهل الأعضاء المترتب عليه كثرة الرطوبات المترتب عليها ضعف الهضم * المترتب (272) عليه قلة الدم الصالح للتغذية والتوليد * للأرواح (273) التي هي مطية القوى المترتب عليه ضعف القوى ثم سقوطها ثم الموت. وأما تفتيح العصب فإنه يترتب عليه تأدي الدماغ لأنه منبتها ثم * يضرر (274) التنفس لأن المحرك له قوة إرادية وطبيعية على المذهب الحق. وقد عرفته المترتب عليه تعذر دخول الهواء البارد المصلح لمزاج القلب وتعذر خروج البخار الدخاني عنه المفسد لمزاجه. ولا شك أنه يترتب على ذلك ضعف القوى الحيوانية ثم سقوطها ثم الموت. وأما تخدير الذهن فإنه تؤدي إلى الموت على ما ذكرناه في * تفتيح (275) العصب. وأما سيلان الدم فبواسطة ضعف القوى ثم سقوطها ثم الموت. وأما PageVW5P207A الغشي * فلحوق (276) الموت به ظاهر إذا تكرر حدوثه. فظهر مما ذكرنا لحوق الموت بالمضار المذكورة. وإذا صح هذا فالإشارة بذلك إلى المضار جميعها لا إلى بعضها دون بعض. وثانيها أنه لو كانت الإشارة بذلك إلى الغشي لقال: ويلحق بصاحب الموت. وثالثها أنه لو كانت على ما شرحه * جالينوس (277) أنه رأى هذا الفصل على خمس نسخ: إحداها على هذا المثال «ويلحق هذه الأشياء الموت»، وثانيتها «وهذه الأشياء تحدث ثم يلحقها الموت»، وثالثتها «وهذه الأشياء يلحقها الموت»، ورابعتها «وهذه الأشياء تؤول إلى الموت»، والنسخة الخامسة هي المشروحة وهي التي شرحها جالينوس * والمشهورة (278) الآن. فهذه النسخ الخمس * الآن (279) ليس فيها ما يدل على أن الإشارة بذلك إلى أصحاب الغشي بل إلى المضار التي يحدثها الحار المذكور. وأما ما قاله علاء الدين ابن * النفيس (280) فغير مطابق لقول أبقراط ولا يصلح أن يكون شرحا له، فإن أبقراط قال «والحار يضر من أكثر استعماله هذه» وعدد المضار وهي تأنيث اللحم وتفتيح العصب وخدر الذهن وسيلان الدم والغشي فجعل الغشي من جملة المضار الحاصلة عن استعمال الحار المذكور لأنه كان حاصلا والمضرة المتوقعة من استعمال ذلك هي موته، وكيف يجوز أن يقال الموت مضرة وهو عدم والمضرة أمر وجودي؟ والله أعلم.
17
[aphorism]
قال أبقراط: وأما البارد فيحدث التشنج والتمدد والاسوداد والنافض الذي يكون * معه (281) حمى.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما تكلم في مضار الاستكثار من الحار المذكور ذكر في هذا الفصل مضار الاستكثار من البارد وترك لفظة «أكثر» هاهنا لأنه استغنى بذكرها في الحار وقدم ذكر تأثير البارد لأنه أقوى الفاعلين.
البحث الثاني
في كيفية إحداث البارد لما ذكره: أما التشنج والتمدد فمن وجوه ستة: أحدها من جهة تكثيفه وجمعه للعصب والعضلات فيتعذر على القوة المحركة * لتلك (282) الأعضاء انبساطها وانقباضها. فإن كان الأول كان التشنج، وإن كان الثاني كان التمدد. وقدم ذكر التشنج على التمدد لأنه أبسط منه والبسيط متقدم PageVW5P207B على المركب والتمدد مركب لأنه تشنج مضاعف. وثانيها أنه لقوة تأثيره يجمد المواد التي يصادفها في تلك الأعضاء فيسد خللها ومنافذها، وعند ذلك يتعذر على القوة المذكورة النفوذ ويحصل ما * ذكرنا (283) . وثالثها أن البرد نفسه إذا قوي غلظ جوهر الروح بل ربما جمده، وعند ذلك يتعذر أو يمتنع نفوذها أو مسالكها، ويحصل ما ذكرنا. ورابعها أن البرد إذا استولى على البدن هربت منه الحرارة إلى باطن البدن هروب الضد من الضد، وفي هذا كلام طويل قد ذكرناه. وقد عرفت أن الحرارة آلة للقوى جميعها في أفعالها والآلة متى ضعفت * ضعف (284) الفاعل فتضعف * القوى (285) المذكورة عن الفعل المذكور. وخامسها أن البرد المذكور يتبعه سقوط الشهوة والهضم، وذلك * تتبعه (286) قلة الغذاء ويتبع ذلك ضعف القوة المحركة عن التحريك المذكور. وسادسها أن البرد * يكثف (287) المسام ويمنع * ما (288) من شأنه أن يتحلل منها، وعند ذلك تغلظ أجرام الأعصاب والعضلات وغير ذلك من آلات الحركة، وهذه متى غلظت زاد عرضها ونقص طولها فيحصل التشنج والتمدد الامتلائيات. وأما الاسوداد فهو أن البرد القوي يجمد المادة ويجمد الحرارة الغريزية الموجبة للإشراق، ومتى حصل ذلك في الدم والحرارة الغريزية حصل الاسوداد للعضو. وأما النافض الذي يكون معه الحمى * والمراد (289) بهذه الحمى حمى يوم فإن الغالب على من أطال اللبث في الماء البارد وأكثر من استعماله من خارج فإن جلده يتكاثف ومسامه ينسد وتحتقن أبخرته ويحدث له حمى يوم. وأما الحميات الأخر فعروضها في مثل هذه الصورة قليل جدا، فإن البرد يجمد المواد ويمنعها من قبول العفن. والله أعلم.
18
[aphorism]
قال أبقراط: البارد ضار للعظام والأسنان والعصب والدماغ PageVW1P136A والنخاع، وأما الحار فموافق * نافع (290) لها.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في الصلة: أما صلة هذا بما قبله فذلك ظاهر لأنه ذكر فيه مضار البارد أيضا كحال الأول. فإن قيل كان الأحسن للإمام أبقراط أن يجعلهما فصلا PageVW5P208A واحدا لاشتراكهما في ذلك فنقول في الحقيقة حكم هذا الفصل، وإن شارك الأول فيما ذكرنا، غير أنه يغايره من وجهين : أحدهما أن الأول يتضمن ذكر مضار البارد بالنسبة إلى ذاته، وهذا يتضمن ذكر مضار البارد بالنسبة إلى القابل؛ وثانيهما أنه ذكر في الفصل الأول ضررا قويا صادرا عن البارد وهو لا يحصل إلا عن برد قوي، ولذلك قلنا لا بد من ذكر الشرط المذكور في الحار في الفصل الماضي، وفي هذا الفصل ذكر مطلق * الضرر (291) ومطلق الضرر أعم من الضرر القوي والعام غير الخاص فيكون غيره. وإذا ظهر مغايرته له تعين أن يكون غيره * فيوجب (292) أن يكون فصلا مستقلا.
البحث الثاني
في ذكر ما يدل على برد الأعضاء المذكورة: أما * العام (293) فالذي يدل على بردها وجوه أربعة: أحدها * أنها (294) أصلب الأعضاء قواما وأكثفها جرما، والصلابة في المركبات لغلبة الأجزاء الأرضية التي * هي (295) باردة؛ وثانيها أنها قليلة الدم، والدم حار على ما * بان (296) في غير هذا الكتاب؛ وثالثها بياض لونها فإنه قد ثبت أن البرودة تفعل من الألوان هذا اللون في الممتزج الأول؛ ورابعها عدم حسها على رأي الأطباء أو قليلة على رأينا وقوة الحس أنسب بالحرارة وضعفه أنسب بالبرودة والأسنان حكمها في ذلك قريب من حكم العظام. وأما العصب فالذي يدل على برده وجوه ثلاثة: أحدها صلابة قوامها، وثانيها بياض لونها، وثالثها ضعف حسها، وقد عرفت هذا جميعه. فإن قيل كيف يتصور أن تكون الأعصاب ضعيفة الحس وهي مسلك الحس؟، فنقول: ليس كلما كان مسلكا لشيء ففيه ذلك الشيء، فإن عصبي البصر مسلكا للقوة الباصرة، وليس لهما بصر، ولذلك صار الوجع الخاص بالعصب خدريا وباللحم ضربانيا، ومعنى الخدر نقصان الحس. وأما الدماغ فالذي يدل عليه أنه * بارد (297) وجوه أربعة: أحدها أنه * محيط (298) به أميه والقحف، وهذه كلها باردة؛ وثانيها قلة دمه، وثالثها بياض لونه، ورابعها عدمه للحس على رأي * غيرنا (299) وعلى رأينا قلته. فإن قيل على رأي PageVW5P208B الأطباء كيف يجوز أن يكون مبدأ الحس عديم الحس؟، فنقول: كما جاز أن يكون مبدأ الأبصار عديم البصر ومبدأ القوة الذائقة ليس له ذوق، جاز أن يكون مبدأ الحس ليس له حس لأن أفعال هذه القوى صدورها عنها موقوف على ورودها على أعضاء مخصوصة فقوة الحس، وإن كان مبدأها الدماغ لكن صدور فعلها عنها موقوف على * ورودها (300) إلى الأعصاب ثم إلى اللحم كحال قوة الأبصار والذوق في ورودهما على * الرطوبة (301) الجليدية وللسان. وأما النخاع فالذي يدل على برده وجوه أربعة: أحدها إحاطة أمي الدماغ به مع غشاء ثالث وجوهر الفقرات؛ وثانيها قلة دمه؛ وثالثها بياض لونه؛ ورابعها قلة حسه. وقدم ذكر العظام لأنها أبرد الأعضاء المذكورة هاهنا، * فإنها (302) أصلب من العصب وهو من الدماغ والدماغ أبرد من النخاع لأن النخاع مجاور للقلب ولأن حركته أوفر من حركة الدماغ كما أن حس الدماغ أوفر من حس النخاع والحركة أنسب باليبس والحس بالرطوبة واليبس أنسب بالحر من الرطوبة، وإن كان الحكم * بذلك (303) على الدماغ والنخاع فيه خلاف قد ذكرناه في شرحنا لكليات القانون.
البحث الثالث
في * ذكر (304) مقام شريف: ساقنا إليه حكم الإمام أبقراط ببرد الدماغ وهو أنه كيف يجوز أن يحكم على الدماغ بالبرودة والرطوبة وهو مبدأ الحس والحركة اللذين لا يتمان إلا بحرارة. أما الحس فباعتدالها. وأما الحركة فبتوفرها. أما الأول فيدل عليه وجهان: أحدهما أن الأعضاء التي هي أسخن من العصب أقوى حسا من العصب ويدل على ذلك أن الوجع الخاص بالعصب خدري وباللحم ضرباني مبرح؛ وثانيهما أنه قد عرف أن الإنسان أعدل أنواع الحيوان مزاجا وهو مع ذلك أصدقها حسا لمسيا فقوة الحس اللمسي إذن أحوج إلى اعتدال الحرارة من البرودة. وأما الثاني فيدل عليه وجهان: * أحدهما (305) أن الحرارة والحركة خليفتان بمعنى أنه متى وجدت الواحدة وجدت الأخرى، فإن الحركة تنمي الحرارة وتقويها والحرارة توجب الحركة وتعين عليها، وكذلك حال ضديهما اللذين هما السكون والبرد، فإن السكون يوجب البرد ويقويه والبرد PageVW5P209A يفعل السكون ويعظمه، ومن قبل هذا صارت الحركة والحرارة تجانسان الحياة لأن الحياة معها الحرارة والحركة وهما من صفات الحي. وأما البرودة فمعها السكون والجمود اللذان هما من صفات الميت، ولذلك صار زمانهما الذي هو الشتاء زمان هلاك عامة النبات وعجز كثير من الحيوانات عن الحركة، وزمان الحركة والحرارة الذي هو الصيف بضد ذلك. وإذا كان أمر الحس والحركة يجري على ما قلنا ثم كان الدماغ مبدأ لهما إما القوة أو * الفعل (306) * على (307) اختلاف المذهبين فبالواجب أن يكون مزاجه حارا. والجواب عن هذا لا نسلم أن الدماغ مبدأ الحس والحركة، ولذلك لما كان الحس والحركة حالهما مع الحرارة على ما ذكرنا كان القلب أولى بأن يكون مبدأ لهما من الدماغ سلمنا أن الدماغ مبدأ * لهما (308) لكن نقول خلق الدماغ باردا رطبا بالإضافة إلى القلب. أما برده فلوجوه ثلاثة: أحدها أنه أصل لما يتأدى إليه من قوى الحس والحركات الإرادية وانفعالات الحواس وحركات في الاستحالات التخيلية والفكرية والذكرية، فلو كان حارا وهذه الحركات مسخنة * لكان (309) يلتهب ويحترق؛ وثانيهما لأجل الفكر، فإنه محتاج إلى الثبات والتاني والميل إلى البرد مناسب لهذا. وأما الميل إلى الحر فإنه * موجب (310) سرعة الحركة وكثرة التنقل وقلة الثبات؛ وثالثها ليعدل مزاج الروح الحيواني الصاعد إليه من القلب. وجعل رطبا لوجوه خمسة: أحدها لئلا * يجف (311) بكثرة الحركات المذكورة؛ وثانيها ليسهل انطباع ما ينطبع فيه من صور المحسوسات؛ وثالثها ليصلح أن يمد الأعصاب بالغذاء، فإن إمداد اللين للشيء بالغذاء * أنسب (312) من إمداد الصلب له بذلك؛ ورابعها * ليجف (313) PageVW1P136B جرمه، فإن اللين الرطب * أجف (314) من الصلب المساوي له في الحجم؛ وخامسها ليصلح أن ينبت منه أعصاب تعطي غيره منه ما فيه، فإن نبات الشيء من الرطب أنسب وأسهل من نباته من اليابس الصلب. إذا عرفت هذا * ثبت (315) أن المزاج الأنسب بالدماغ هو المائل إلى البرودة والرطوبة لكن لقائل * أن (316) يقول إن موضع المركب بحسب PageVW5P209 غلبة كيفية من الكيفيات * غلبة (317) التابع لغلبة الأجرام العنصرية وإذا كان كذلك فالموضع الطبيعي للدماغ بحسب ذلك يجب أن يكون دون القلب والوجود بخلافه، فنقول: الجواب عن هذا أن الفائدة * في (318) وجود أعضاء البدن التي هي أجراؤه * وضعها (319) ليس بالنسبة إلى ذواتها وإلى ما تقتضيه * طباعها (320) بل بالإضافة إلى منفعة البدن وحاجته إلى ذلك، فالدماغ وإن كان باردا رطبا بالنسبة * الإضافية (321) إلى القلب وهو حار يابس بالإضافة إليه فإن الأول بالنظر إلى ذلك ينبغي أن يكون وضعه على ما قاله المعترض، وكذلك القلب غير أن الدماغ لما كان مبدأ للحواس * الخمس (322) الظاهرة التي هي طليعة للبدن وهي محتاجة أن تكون في أعلى البنية لأن أوفق المواضع للطلائع هي المواضع * العالية (323) المرتفعة لا سيما حاسة البصر فإنها أحوج إلى ذلك والدماغ محتاج دائما أن يمدها بالقوة الباصرة ومسلك هذه * القوى (324) في غاية اللين فاحتاج الدماغ لذلك أن يكون في أعلى البنية ليكون قريبا منها لا لأجل ذاته وما يقتضيه طباعه من تركيبه من العناصر الأربعة. والقلب لما كان معدن الحار * الغريزي (325) والقوة الحيوانية التي هي * المعدة (326) لجميع القوى وللروح الحيواني الذي هو مادة جميع الأرواح جعل وضعه في الوسط ليكون بعده عن جميع الأعضاء على السواء وليكون في مكان حريز بعيد عن الآفات فلذلك جعل في الوسط وإن كان طباعه يقتضي أن يكون موضعه غير ذلك من * البدن (327) .
البحث الرابع
في * كيفيات (328) مضار البارد بالأعضاء المذكورة: نقول: المستعد للشيء انفعاله عما يناسبه أبلغ من انفعاله عما لا يناسبه، وذلك لكثرة ما فيه من الأجزاء المناسبة للكيفيات الفاعلة فيه، ولذلك صار الحطب المسخن بحرارة الشمس وحرارة النار أسرع اشتعالا من الحطب الرطب، والحمى في الشبان أقوى وأحدهما هي * في (329) المشايخ. وقد ثبت أن الأعضاء المذكورة باردة، فإذا ورد عليها البارد المذكور أثر فيها في أسرع وقت وأوجب لها زيادة في الخروج عن الاعتدال. فإن قيل هذا باطل على ما أصلتموه في حفظ الصحة وهو أن حفظها بالشبيه وقد ثبت أن الأعضاء المذكورة * باردة (330) وإذا كان كذلك فكيف يصح قول أبقراط «البارد ضار للعظام» ولغيرها مما ذكره PageVW5P210A من الأعضاء الباردة؟، فنقول: الجواب عن هذا أن معنى قول الأطباء الصحة تحفظ بالمثل أي بالأغذية لا بالأدوية، وقد عرفت أن المراد هاهنا بالحار والبارد الكائن من ذلك بالفعل لا بالقوة وكيفية الغذاء بالقوة لا بالفعل، وأيضا فإن الماء والهواء في حكم الدواء وحكمنا بما ذكرنا في الغذاء لا في الدواء، ومما ذكرنا يعلم صحة ما قاله * أبقراط (331) في آخر الفصل. وأما الحار فنافع موافق لها.
البحث الخامس
في قوله «والأسنان»: نقول: أما الأسنان فهي مغايرة للعظام، ويدل على هذا وجهان: أحدهما أنا إذا عرضنا الأسنان للفساد رأينا الفساد يبادر إلى بعضها قبل بعض، ويظهر هذا ظهورا بينا في أسنان الحيوانات العظيمة الجثث بخلاف العظام، فإنا إذا فعلنا بها ذلك سرى الفساد إلى جميعها على السواء؛ وثانيهما اتفق الأطباء على أن العظام عديمة * الحس (332) واتفقوا على أن الأسنان لها حس، والدليل على ذلك أنها تفرق بين الحار والبارد وتخدر والحذر نقصان في الحس. هذا ما اتفق الأطباء عليه. ولنتمم الكلام في هذه المسئلة فنقول: قال الأطباء العظام عديمة الحس، والذي يمكن أن يقال في ذلك من جانبهم ثلاثة أوجه: أحدها أن العظم عندما يقطع أو يبرد أو ينشر في القروح الخبيثة لا يحس معه بوجع البتة، فلو كان لها حس لتألمت بذلك، فإنه لا معنى للوجع إلا * إحساس (333) بالمنافي من حيث هو * مناف (334) ؛ وثانيها أنه لو كان لها حس لمنع من فائدتها أن تكون دعامة وأساسا أو وقاية للأعضاء، والحس ضار في ذلك، فإنه في الأول يعده * للألم (335) بالضغط بالمزاحمة وفي الثاني بما يرد عليه من المصادمات والمؤلمات؛ وثالثها أن التشريح قد دل على أن الأعصاب لا تداخل العظام وتنقسم فيها كانقسامها في الأعضاء التي لها حس. والأول فيه نظر قولهم إن العظم عند ما يبرد أو ينشر أو يقطع إلى آخره، نقول: فعلنا بها هذا الأمر إما أن يكون في حال الصحة أو في حال المرض، فإن كان الأول فلا يصل * إليها (336) بذلك إلا بعد قطع ما فوقها من الأعضاء المحيطة بها وهي معروفة، PageVW5P210B وحس هذه على ما علم أقوى من حسها. وإذا كان حالها كذلك فألمها * يشغلها (337) عن إدراك حسها وألمها، فإن إدراك الأقوى يشغل عن إدراك الأضعف كما قال أبقراط في المقالة * الثانية (338) «إذا كان بإنسان وجعان معا (ii. 46)» إلى * آخره (339) . وإن كان الثاني * فنحن (340) لا نفعل هذا القدر بالعظم إلا إذا كان قد فسد واستغنى عنه، ولذلك يجب قطعه لئلا يسرى الفساد منه إلى ما يجاوره من العظام، وإذا كان كذلك فيكون حسه قد بطل، فلذلك لم يتألم عند قطعها ونشرها وغير ذلك. وأما الثاني نقول: الذي يمنع من فائدتها الحس القوي أما الضعيف فلا يمنع في ذلك. وأما الثالث فنقول لقائله إن كان عند انقسامها وانبثاثها في جرمها يوجب أن لا يكون لها حس نقول: فعلى هذا يجب أن يقال إنها غير * متغذية (341) وليس فيها حياة لأن التي * للتغذية (342) والحياة غير منقسمة فيها ولا منبثة فيها وبالجملة حالها كحال الأعصاب. فإن قيل إن العظام تقبل التغذية والحياة من آلتيهما بالمجاورة * لأنها (343) قد ثبت عندي أن القوى الطبيعية واصلة إليها على سبيل المدد على ما برهنت * عليه (344) PageVW1P137A في شرحي لكليات القانون. فنقول: وعلى هذا لم * تقبل (345) قوة الحس والحركة من الأعصاب بمجوارة آلتها. إذا عرفت هذا فنقول: الحق عندي أن الأعصاب جميعها لها حس، وإن كانت مختلفة في ذلك بمعنى أن بعضها أقوى في * ذلك (346) وبعضها أضعف. والذي نقوله في ذلك أنه قد ثبت أن القوة الحيوانية سارية في جميع الأعضاء إذ لو كان بعضها خاليا منها لكان ميتا، ولو كان كذلك لكان حاله حال الميت فيما يعرض له من الفساد والعفن. وحيث كانت القوة المذكورة فهناك قوة الحس والحركة لأنه قد ثبت أن إحداهما لا تنفك عن الأخرى لكن بشرط ارتفاع الموانع وحصول الشرائط. أما الأول فكما في العضو المفلوج. وأما الثاني فكما في القلب. فإن فيضان هذه القوة على روحه موقوف على وروده على الدماغ. ولا شك أن الأعضاء التي أدعى الأطباء أنها PageVW5P211A غير حساسة فيها القوة الحيوانية وليس فيها مانع يمنعها عن قبول ذلك ولا هي شرط لكن هي وأمثالها من الأعضاء التي ذكروا أنها * غير (347) حساسة كثيفه فلكثافتها لا تقبل من هاتين القوتين ما تقبله الأعضاء اللينة، ولذلك صار * حس (348) اللحم أقوى من حس العصب نفسه وحس كف اليد أقوى من حس القدم، فثبت بما ذكرنا أن الأعضاء جميعها فيها قوة الحس والحركة خلافا للأطباء. والله أعلم.
19
[aphorism]
قال أبقراط: كل موضع قد برد فينبغي أن يسخن إلا أن يخاف عليه انفجار الدم منه.
[commentary]
الشرح: أما صلة هذا بما قبله فهو أن عادة أبقراط إذا أثبت الحكم في صورة نقله إلى ما هو أعم منها، ولما انتهى كلامه في الفصل الماضي في أن الحار نافع للأعضاء المذكورة قال في هذا الفصل لست اقول ذلك في الاعضاء * المذكورة (349) فقط بل * وفي (350) عضو قد برد، فإنه قد ينتفع بما يسخن بناء على أن المداواة بالضد، ثم العضو المتبرد قد يكون باردا في ذاته كالأعضاء المذكورة، وقد يكون باردا لا في ذاته * كالأعضاء (351) الحارة إذا بردت لاستيلاء مبرد عليه. فالأول ذكره في الفصل الماضي والثاني ذكره في هذا الفصل، غير أن هذا العضو الذي قد برد إذا كان يخاف من تسخينه من شيء ذلك الشيء أعظم خطرا مما إذا بقي البرد المستفاد فيه، فلا ينبغي لنا أن نستعمل التسخين الذي به تعديل مزاج ذلك العضو وبرده إلى حالته الطبيعية كما في هذه الصورة. وقوله في آخر الفصل الماضي «وأما الحار فنافع موافق لها» لأن تلك الأعضاء باردة قليلة الدم، فإذا اتسعمل فيها الحار لم يحس من استعماله فيها بضرر بخلاف حكمه في هذا الفصل، فإنه يعم الأعضاء الباردة والحارة لأنه قال «كل موضع قد برد»، والأعضاء الحارة كثيرة الدم فإذا بردت تكاثف ما فيها من الدم وجمد وصغر حجمه، والحار يفعل ضد ما يفعله البارد، فإذا ورد عليها خلخل ذلك الدم وسيله ورقق قوامه، وعند ذلك يحتاج إلى مكان * أوسع (352) ويحصل منه ما ذكره من الانفجار. وهذا الاستثناء من الإمام أبقراط فيه فائدة طبية متعلقة بالمعالجة وهو أنه ليس PageVW5P211B كل حالة غير طبيعية يجب أن تقابل بالضد بل قد يستعمل فيها المثل، وذلك إذا كان الخطر في استعمال المقابل أعظم منه إذا استعمل المثل كما في هذه الصورة، فإن البارد إذا استعملناه في المواضع المتبردة التي يخاف منها انفجار الدم زاد ذلك في حبس الدم الذي الأعضاء * جميعها (353) محتاجة إليه لأنه مركب للحرارة الغريزية * التي (354) هي مادة الأراواح * التي (355) هي مظنة القوى، فنفعه عام لجميع البدن هذا إذا كان الدم صالحا في كميته وكيفيته، وإلا فمتى كان فاسدا لم يستعمل ذلك فيه كما في عادة خروجه من أفواه العروق عند فساده، وفي استعمال الحار * ضرر (356) بطبيعة العضو المتبرد فقط، فلذلك قلنا إن استعمال المثل في هذه الحالة الغير طبيعية أجود من استعمال المقابل. والله أعلم.
20
[aphorism]
قال أبقراط: البارد لذاع للقروح ويصلب الجلد ويحدث من الوجع ما لا يكون معه تقيح ويسود ويحدث النافض الذي تكون معه حمى والتشنج والتمدد.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وذلك من ثلاثة أوجه: أحدها أنه لما تكلم في الفصل الماضي في تأثير البارد بالنسبة إلى القابل ثم القابل تارة يكون قبوله لتأثير ذلك لذاته وتارة يكون قبوله لذلك لأمر طاري عليه. فالأول ذكره في الفصل الماضي، والثاني في هذا الفصل. وقدم الأول على هذا لأن ما بالذات متقدم على ما هو لأمر طاري. وأما كلامه في الفصل الذي قبل هذا فهو كالدخيل لأنه لما ذكر في آخر الفصل الماضي «وأما الحار فنافع موافق لها» قال بعده: * ثم (358) أقول ذلك فيما هو أعم من تلك الأعضاء. ولذلك ذكر الضرر المذكور وهو انفجار الدم لأنه لما أطلق الحكم في الأعضاء جميعها وهي منها ما هو كثير الدم وعند استعمال ذلك فيها يخاف * منها (359) ما ذكره، ذكر هذا القدر. وثانيها أنه قد علم أن للأدوية أفعالا أول وأفعالا ثواني. فالأول كالتسخين، والتبريد، والثاني كاللذع والتكثيف. ولما كان الفصل الماضي يتضمن ذكر الأفعال الأول، ذكر في هذا الفصل الأفعال الثواني، وستعلم أن لذع البارد PageVW5P212A للقروح وإيجاب ما يوجبه فيها بواسطة التكثيف. وقدم الأول على الثاني لأن الأفعال الأول متقدمة بالطبع على الثواني. وثالثها أنه قد علم أن الألم هو إدراك المنافي من حيث هو * مناف (360) ، ثم كل واحدة من الحرارة والبرودة توجب ذلك تارة بذاته وتارة بواسطة تفرق الاتصال، ففي الفصل الماضي أشار إلى الأول، وفي هذا أشار إلى الثاني. وقدم الماضي على هذا لأن ما بالذات متقدم على ما بالعرض.
البحث الثاني:
اللفظ تارة يدل على مذلوله بالحقيقة وتارة بالمجاز فاللذع بالحقيقة يقال على الحار. وأما على البارد فبطريق المجاز لما يحدثه من الوجع الذي يوجبه في القروح بواسطة تفرق الاتصال، وإنما اختص إيجاب لذلك بالقروح لأنه لكثافته لا ينفذ في * الجلد (361) حال خلوه من ذلك * لصفاقته (362) . قال جالينوس: PageVW1P137B فإن مقدار * حال (363) الجلد في التكاثف أكثر من مقدار حال الماء في اللطافة. وأما في القروح فإنه ينفذ فيها لترهلها وسخافتها. وأما الحار فإنه للطافته ينفذ في الجلد أسرع من نفوذ البارد * فيه (364) ، ويحدث أيضا فيه تفرقا لكنه للطافته يكون زمان نفوذه أقصر من زمان نفوذ البارد، فلذلك كان ألمه أقل لكنه بتحليله وإرخائه يسكن الوجع، * وهذا (365) فيه عند استعماله في القرحة أبلغ من * الأول (366) ، فلذلك صار تسكينه للألم يخفى * تثويره (367) له، ولما كان الحار كذلك والبارد لا شك أنه يوجب ضد ما يوجبه الحار، وذلك أمور ثلاثة: أحدها الجمع * والتكثيف (368) ، وذلك يلزمه تفرق الاتصال وهو مؤلم؛ وثانيها أنه بذاته * مؤلم (369) لأنه مناف؛ وثالثها أنه * يمنع (370) من تحليل الأسباب المحدثة للوجع بواسطة التكثيف وتجميده للحرارة الغريزية المعينة على ذلك فيوجع بحبس السبب الموجع. وقد علمت قبول العضو المتقرح * لتأثير (371) البارد، فلذلك كان البارد موجبا للوجع
البحث الثالث:
قوله «ويصلب الجلد» البارد بالفعل سواء كان ماء أو هواء، فإنه متى لاقى الجلد صلبه لوجهين: أحدهما من جهة تلززه وجمعه، فإن ذلك موجب لتصليبه؛ وثانيهما PageVW5P212B من جهة تجميده للمواد التي تحت الجلد. وقوله «ويحدث من الوجع ما لا يكون معه تقيح» أما إحداثه للوجع فلما علمت أن البارد مؤلم بذاته وبما يوجبه من تفرق الاتصال. وأما كون هذا الوجع لا يكون معه تقيح فلأنه يجمد الحرارة الغريزية الموجبة للأشراق * ويجمد (372) المواد الحاصلة بقربه، والمواد متى جمدت أسود لونها . أما إحداثه للنافض * فبحسبه (373) للأبخرة اللذاعة للأعضاء الحساسة وحدوثه الحمى من الأبخرة المذكورة، فإنها متى احتبست عفنت، * ومتى (374) عفنت أوجبت الحمى. وأما التشنج والتمدد الامتلائي فبحبسه للمواد البدنية في الأعصاب والعضلات، ومتى احتبست هذه في الأعضاء المذكورة زادت في عرضها ونقصت * من (375) طولها، ولا معنى للتشنج إلا ذلك. فإن كان هذا القدر في الجانبين كان التمدد. والله أعلم.
21
[aphorism]
قال أبقراط: وربما صب على من به تمدد من غير قرحة وهو شاب حسن اللحم في وسط من الصيف ماء بارد كثير فأحدث له * انعطاف (376) حرارة كثيرة فكان يخلصه بتلك الحرارة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وذلك من وجوه ثلاثة: أحدها: لما ذكر في الفصل الماضي كلاما يفهم منه أن استعمال المثل يحصل منه نفع في الحالة الغير طبيعية في بعض الصور ذكر في هذا الفصل صورة أخرى تشابه تلك الصورة؛ وثانيها أنه لما ذكر في الفصل الماضي فعل البارد بالذات ذكر في هذا * الفصل (378) فعله بالعرض؛ وثالثها: قال جالينوس إنه لما * وصف (379) من أمر البارد والحار أخذ في صفة ما ينتفع به في الندرة من البارد والحار، وبدأ بذكر البارد في * ذلك (380) لأن كلامه في الفصل الماضي في ذلك * أي (381) في البارد فأراد أن يوصله به.
البحث الثاني
في فائدة قوله «وربما» * ولم (382) يقل «وإذا صب»: نقول: قد عرف أن التمدد تشنج مضاعف وحدوثه في الأكثر عن مواد بلغمية غليظة ملأت خلل الأعصاب والعضلات بحيث أنها تمنعها من الانقباض، وقد عرفت أن المداواة الحقيقية بالضد وضد هذه الحالة استعمال ما فيه تسخين PageVW5P213A وترقيق وتحليل ثم الاستفراغ إن احتيج إليه ثم تبديل المزاج إن خلفت المادة سوء مزاج مناسب لمزاجها. وأبقراط قد ذكر أن الماء البارد ينفع من هذه * العلة (383) بالعرض أي بواسطة انعطاف الحرارة الغريزية وتوفرها في الباطن، فإنها عند ذلك تقاوم المؤدي وتدفع أذيته بالأعضاء غير أن هذا القدر لا يحصل * في (384) الماء المذكورة إلا بعد * أربعة (385) شروط قد ذكرها الإمام أبقراط هاهنا: أحدها أن يكون المستعمل لذلك ليس في بدنه قرحة، فإن التمدد كثيرا ما يحصل عن ورم في * العصب (386) أو في العضل، فمتى كان التمدد حاصلا عن ذلك أضر به البارد من وجهين: أحدهما لما ذكره أن البارد لذاع للقروح، وثانيهما أن الماء البارد * من (387) أضر الأشياء بالأعضاء المذكورة الصحيحة فضلا عن المأووفة؛ وثانيها أن يكون المستعمل شابا، فإن ما عدا صاحب السن المذكورة حرارته إما هادية ساكنة أو ضعيفة، وكل ذلك مما يضره الماء البارد؛ وثالثها أن يكون مع كونه كذلك حسن اللحم أي معتدله، فإن ذلك يمنع نفوذ قوة الماء البارد إلى العمق وفعله في الحرارة الغيريزية، فإن القضيف ينفذ البرد في مسامه إلى باطنه وتفرغ أعضاؤه وحرارته الغريزية والسمين جدا في الغالب يكون بارد المزاج رطبه، فلا يكون لحرارته من القوة أن يمنع نفوذ البرد وتأثيره في بدنه؛ ورابعها أن يكون مع كونه كذلك في وسط من الصيف، لأن الماء في هذا الوقت يكون قليل البرد، وكذلك الهواء، فإنهما متى كانا قويتي البرد تعاونا على قهر الحرارة الغريزية، أحدهما من داخل والآخر من خارج، وذلك * كحالهما (388) في طرفي الصيف. فإن أول الصيف ظاهر البرد لأن أول كل فصل شبيه * بالفصل (389) الماضي، ولا شك أن الربيع أبرد من الصيف بل هو قوي البرد في بعض البلاد كبلاد أبقراط. وفي آخره ظاهر البرد أيضا لأن الخريف أبرد من * الصيف (390) وآخر الفصل شبيه بأول الفصل الآتي، فلذلك شرط أن يكون استعماله في وسط * من (391) الصيف، فلما كان التأثير المذكور الصادر عنه موقوف على هذه الشروط كان قليل الوقوع نادر الوجود. فقال * «ربما (392) » فعبر بعبارة موافقة لوقوعه. فإن قيل: فهلا ذكر التشنج دون التمدد أو هما PageVW5P212B جميعا، فنقول: ذكر التمدد أولى من ذكر التشنج لأن في ذكره ذكره، فإن التمدد تشنج مضاعف. فإذا كان الماء البارد بالشروط المذكورة ينفع من التمدد فبطريق الأولى ينفع من التشنج والفالج أولى بذلك من التشنج لرقة مادته وقبولها للتحلل بأدنى * حرارة (393) .
البحث الثالث:
قوله «ماء بارد كثير» الضمير في قوله «كثير» عائد إلى الماء لا إلى البارد، وكيف لا وقد أشار بأن يكون استعماله في وسط الصيف لقلة برده، وإنما أشار PageVW1P138A أن يكون الماء المذكور كثير المقدار، وذلك ليتدارك بكثرة مقداره ما يفوته من قوة برده، فلأجل هذا أمر * بأن (394) يكون كثير المقدار. قوله «فأحدث له انعطاف» الغرض من هذا الكلام بيان وجه نفع الماء البارد بصاحب التمدد كأنه قال: * وذلك (395) بواسطة جمعه للحرارة الغريزية في الباطن، وهو المعنى بقوله «فأحدث له انعطاف». قوله «حرارة كثيرة» لا شك أن الحرارة الموجودة في البدن قبل الاستحمام بالماء البارد هي الموجودة فيه بعد استعماله لكنها كانت في الصورة الأولى منتشرة في ظاهره وباطنه وفي الصورة الثانية توفرت في الباطن على ما عرفته، ولأجل هذا قال * أبقراط (396) «الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون بالطبع (i. 15)»، ولم يقل «الأبدان أسخن ما يكون بالطبع». وقوله «فكان يخلصه بتلك الحرارة» هذا جواب عن إشكال مقدر وهو أنه لقائل أن يقول: المرض يداوى بالضد وهذا المرض يشفى بالمثل، فنقول له: المثل الذي استعمل في هذه الصورة ليس هو الشافي في الحقيقة بل هو مقو وجامع للشافي في الحقيقة وهو الحرارة الغريزية، ولا شك أنها ضد * للحالة (397) المذكورة، وإذا كان كذلك فيكون كلام الأطباء في أن المرض يداوى ويقابل بالضد بالذات كلاما صحيحا مطلقا. والله أعلم.
22
[aphorism]
قال أبقراط: الحار مقيح لكن ليس في كل قرحة وذلك من أعظم العلامات دلالة على الثقة * والأمن (398) ، ويلين جلد ويرققه ويسكن الوجع ويكسر عادية النافض والتشنج * والتمدد (399) ويحل الثقل PageVW5P213A العارض في الرأس، وهو من أوفق الأشياء لكسر العظام وخاصة للمعرى * منها (400) ومن العظام * خاصة (401) عظام * الرأس (402) ، ولكل ما أماته البرد أو * أقرحه (403) والقروح التي تسعي وتتأكل وللمقعدة والرحم والمثانة فالحار لأصحاب هذه العلل نافع * شاف (404) والبارد لهم * ضار (405) قاتل.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة: وذلك من وجوه ثلاثة: أحدها أنه لما انتهى كلامه في الفصل الماضي في أمر الحار، أوصله في هذا الفصل بذكر منافع آخر صادره عن الحار . وقد عرفت أن * مراده (407) بالحار والبارد في هذه المواضع جميعا الكائن بالفعل لا بالقوة والحرارة الغريزية * وجوها (408) بالفعل أيضا، فناسب هذا الفصل للماضي أيضا في هذا الأمر؛ وثانيها أن أبقراط لما وصف مضار الحار والبارد استدرك ما ذكره في البارد في صورتين وهما في انفجار الدم وفي التمدد، أخذ يتكلم في منافع الحار والبارد، وكما أنه قدم * في (409) المضار * ذكر (410) الحار على البارد ذكر في المنافع الحار أولا ثم البارد؛ وثالثها أنه ذكر أن البارد بطبعه يحدث التشنج والتمدد وهو يبرئ منهما في الندرة كذلك الحار المذكور، فإنه وإن كان مقيحا بطبعه للقروح لكنه ربما لم يفعل ذلك في بعض القروح.
البحث الثاني:
قوله «الحار مقيح» أقول التقيح نضج والنضج يتم بحرارة معتدلة، * وذلك (411) يجب أن يفهم من قوله «الحار» الحار باعتدال، ولذلك لم يقرن بالحار حرف السود وقال: كل حار، بل قال: الحار. فجعله مهملا والمهملة في قوة الجزئية، ولا شك أن المعتدل الحرارة من الحار جرى بالنسبة إلى القوى في ذلك والضعيف منه، والذي يشهد بأن ذلك الحار فاعل لما ذكرنا أنه لو أمكن الإنسان أن يجعل بعض أعضائه على ورم حاصل في بدنه مدة ليلا ونهارا لنضجت مادة الورم * وصارت (412) قيحا في أسرع وقت، ولذلك صار الإنسان إذا جعل كفه على دمل تعرض في بعض أعضائه ساعة طويلة فإن ألمه يسكن كل هذا * بحصوره (413) وتقويته للحرارة الغريزية التي هي آلة القوى الطبيعية الفاعلة للنضج وهي الهاضمة. فإن فعل هذه القوة متى كان في المواد * الصالحة (414) PageVW5P213B سمي هضما، ومتى كان في المواد الفاسدة سمي نضجا. ولذلك كان من الواجب أن * يقرن (415) بالنضج ما فيه تغرية ليحصر الحرارة الغريزية في الموضع الذي يرام تقييحه، وحكمنا على إنضاج الحار المذكور بالشرط المذكور حاصل فيه * سواء (416) استعمل من خارج ضمادا أو من داخل شربا كما في ذات الجنب وذات الرئة، وسواء كانت المادة حارة أو باردة، إلا أنها متى كانت حارة الواجب أن يكون هذا المنضج باردا بالقوة، وذلك لتعتدل حرارة المادة، وإن كانت باردة الواجب أن يكون حارا بالفعل أو بالقوة. أما بالفعل فلأجل نضج المادة. وأما بالقوة فليعتدل مزاج المادة. وصار الحار المذكور منضجا لوجوه ثلاثة: أحدها أن البارد مكثف مجمع، وذلك يلزمه تفرق الاتصال * وهو (417) مؤلم، والألم يعين في جذب المادة، وذلك مانع ومقاوم للنضج لأنه يشغل الطبيعة المنضجة عن فعلها فيه والحار يفعل ضد ذلك؛ وثانيها أن البرد يكثف قوام المادة ويغلظه والحار يفهعل ضد * ذلك (418) ، وذلك مما يهيء المادة للنضج؛ وثالثها أن البرد يقهر الحرارة الغريزية أو يضعفها، وذلك مما يوقف النضج. ولما كان الحار يفعل مقابل هذه الآثار، وصفه بالنضج. وقوله «مقيح» أي معين على التقيح مثل * قولهم (419) «دواء منبت» أي معين للإنبات، وإلا فالمقيح والمنبت بالحقيقة الطبيعة البدنية.
البحث الثالث:
قوله «لكن ليس في كل قرحة» لما ادعى أبقراط أن الحار المعتدل معين في توليد * التقيح (420) في القروج ولا شك أن هذا القدر لا يصح مطلقا، استثنى وقال * «ليس (421) في كل قرحة»، فإن لنا قروحا متى استعملنا فيها الحار المذكور أضر بها مضرة * شديدة (422) ، وهي أربعة قروح: أحدها القروح السرطانية، فإنها متى وضع عليها ذلك زادها تعفنا ورداءة؛ وثانيها القروح المترهلة، فإن الحار المذكور يزيدها ترهلا وتعفنا؛ وثالثها القروح التي المواد * متجلبة (423) إليها، فإنه بإرخائه وتسييله يهيء العضو للقبول والمادة للسيلان لا سيما والحار جذاب؛ ورابعها القروح الخبيثة التي حصل فيها * فساد (424) اللحم، فإن هذه يحتاج في معالجتها PageVW5P214A إلى شرط ما حولها من اللحم وإخراج ما فيها من الدم الفاسد لا إلى ما يرخي ويرهل. ولذلك صارت القروح متى انتفعت بوضع الحار المذكور عليها وأخذت في الجمع والتقيح وتوليد المدة، كان ذلك دليلا على الأمن فيما ذكرنا من أنواع القروح المذكورة فيكون هذا الحار سببا للصلاح ودليلا على الأمن أي على * الثقة (425) بعدم التجلب إليها وعلى الأمن من العفن والفساد، ولهذا صرنا إذا أردنا أن نعرف الورم هل مادته انقطعت عنه أم لا، وهل هو قابل للعفن أم لا، وضعنا عليه الحار المذكور PageVW1P138B أو جعلناه في ماء حار. فإن رأيناه قد أخذ في الجمع والتقيح فقد أمنا من ذلك. وإن ظهر ضرر، توقينا أحدهما، ثم ذلك الضرر إن كان بزيادة التمدد فهو لانصباب مادة. وإن كان معه تغير لون إلى فساد فهو للعفن. ولنبسط القول في أمر الأورام فنقول: مادة الورم إما أن تكون حارة وإما أن تكون باردة. فإن كانت حارة فإما أن تكون مندفعة عن عضو رئيس أو عن دفع طبيعي بحراني أو عن سبب باد كضربة أو غيرها أو لا يكون حالها كذلك. فإن كان الأول لم بجز استعمال ما يقوى العضو المندفع إليه المادة وردها عن الميل إليه لأنه متى استعمل ذلك جلب على العليل بلية * عظيمة (426) أعظم من ضرر ميل المادة إليه، ويكون الحال في هذه الصورة حال من داوى الداء بإدواء منه، فإن المادة متى كانت مندفعة عن عضو رئيس واستعملنا ذلك رجعت المادة المورمة إلى الرئيس، وقد ازدادت بالحركة شرا ورداءة وأوقعت في ضرر عظيم. ولأجل هذا قال الأطباء: متى حصل هذا القدر الواجب أن يوضع على العضو المندفع إليه المادة ما يحمره ويعين على تمام ميل المادة إليه ولو يوضع المحاجم عليه. فإن قيل: فكيف * نقول (427) في الخوانيق الحاصلة عن اندفاع مادة من جهة الدماغ وهو أنا إن استعملنا الرادع * مع (428) الغراغر وغيره على ما هو المتفق عليه رجعت المادة إلى العضو الرئيس، وإن استعملنا ما يرخي ويهيء العضو للقبول جلبنا على العليل التلاف والهلاك، فنقول لهذا القائل: الطبيب شأنه PageVW5P214B إصلاح البدن والطبيعة شأنها دفع آلامه * وإسقامه (429) ، وبالجملة * تحصيل (430) كما آلاته، فنحن إذا اتفق لنا ذلك ننظر إلى أيهما أخطر وأعظم ضررا ميل المادة أوردها عنه. فإن كان الأول استعملنا ما يدفعها، وإن كان الثاني استعملنا ما يجذبها، ولا شك أن الضرر الأول أهم وأولى بالمراعاة من الثاني، فلذلك صرنا في الأكثر نخالف القاعدة المذكورة ونستعمل ما يقوي العضو المندفع إليه المادة، ومع ذلك لم نهمل أمر المادة بل نبادر إلي تنقيصها وتخفيفها بالقصد، ويفعل ذلك إلى حين يحصل الغشي، وعند ذلك لم يبق من المادة ما يخشى منه سواء رجعت إلى ما اندفعت منه أو مالت إلى ما انصب إليه. وإن كان الثاني وهو الدفع البحراني فمتى استعملنا ذلك فيه قاومنا الطبيعة في أفعالها وعاندناها في أغراضها وضرر * هذا (431) بين. وأما الثالث وهو ما كان سببه باديا فلا يجوز استعمال ذلك فيه لأن الرادع بتكثيفه يزيد في الألم * والوجع (432) بواسطة تفرق الاتصال، وذلك مما يعين على جذب المواد إلى العضو الضعيف. وما لا يكون سببه ما ذكرنا ففي مثل هذه الصورة نستعمل ما فيه ردع وتقوية، وذلك ليقوى جوهر العضو الضعيف عن قبول المادة المندفعة إليه وتكثف مجاريها * وتضييقها (433) ليقف بذلك جريانها وسريانها إلى العضو المذكور. فإن قيل استعمال الرادع في مبادئ الأورام المذكورة فيه نظر من وجوه ستة: أحدها أن الرادع يقوي العضو الضعيف عن قبول المادة، ومتى قوي دفعها إلى غيره لا شك أنها مادة فاسدة، فإن مالت عنه وانصبت إلى غيره فعلت فيه ما فعلت في العضو الأول، فإن استعملنا في هذا الثاني ما استعملناه في الأول حصل ما ذكرناه، وكذلك القول في الثالث، وإذا كان الحال كذلك فنكون قد أضعفنا بهذا التدبير في البدن أعضاء كثيرة، ولا شك أن ضعف عضو واحد في البدن أجود من ضعف أعضاء كثيرة، وإذا كان كذلك فما الفائدة في استعمال الرادع؛ وثانيها أن * الرادع (434) ببرده يغلظ قوام المادة ويفججها، وإن كان قويا حجرها، وذلك مما يؤخر برء المرض، وإذا كان PageVW5P215A كذلك فما الفائدة في استعمال ما يوجب ذلك؛ وثالثها الرادع ببرده يجمد حرارة العضو الغريزية التي هي آلة القوى في أفعالها وتضعف القوى أيضا بالمضادة، ومتى ضعف الفاعل والآلة استولى المؤذي على العضو وأفسده، وإذا كان كذلك فلا * فائدة (435) في استعماله؛ ورابعها أن الرادع ببرده وقبضه يجمع أجزاء العضو بعضها إلى بعض، ولا شك أن المادة متى انصبت إلى العضو واستعمل ذلك فيه تزكر وتمدد وتفرق اتصاله وتفرق الاتصال مؤلم، والألم جذاب للمواد وانصباب المادة زائد في تفرق الاتصال، وإذا كان * حال (436) الرادع كذلك فلا فائدة في استعماله؛ وخامسها أن الورم مرض مادي، والمداواة بالضد فتكون مداواته بالاستفراغ والرادع حابس للمادة فيكون مخالفا لمقتضي المعالجة؛ وسادسها أن الرادع * يعكس (437) المادة من الظاهر إلى الباطن والباطن أشرف لأنه محل * القوى (438) والحرارة الغريزية. فنكون قد دفعنا المادة من العضو الخسيس إلى الشريف، وذلك قلب الواجب. والجواب عن الأول أن الرادع يحصل منه ما ذكر غير أنا لم نقتصر عليه في المعالجة بل نستعمله ليقوى العضو الضعيف لئلا يقبل المادة الفاسدة المنصبة إليه ويتمكن فيه، ونستعمل معه ما يستفرغها ويخرجها عن البدن إما بالفصد أو بالإسهال. أما لو تركنا ذلك واقتصرنا في المعالجة على استعمال الرادع فقط حصل ما ذكر. والجواب عن الثاني أن الرادع إنما نستعمله في الورم الحار في ابتدائه فقط، والمادة في العضو المعالج في هذا الوقت قليلة جدا. ومتى كان حالها كذلك لم يخف منها ما ذكر. والجواب عن الثالث الرادع على ثلاثة أنواع: قوي وضعيف ومتوسط، وهذه المراتب استعمالها بحسب المادة في حدتها وشدتها فالقوي منه للقوية منها، * والضعيف (439) للضعيفة، * والمتوسط (440) للمتوسطة. والجواب عن الرابع ما ذكر إنما يحصل من الرادع عند كمال انصباب المادة، ونحن في هذا الوقت لم نستعمله البتة، وإن استعملناه لم نستعمله بمفرده بل نضيف إليه ما يرخي ليهيء العضو PageVW5P215B للتمديد، وذلك ليقبل المادة المنصبة إليه، فلا يحصل له شيء من التفرق. والجواب عن الخامس أن الرادع متى استعمل في وقته لم يحبس المادة حتى يتوجه الاعتراض المذكور بل يكون معينا على إخراجه، وذلك أنه بتقويته للعضو الضعيف PageVW1P139A تتهيأ المادة المندفعة إليه أن تستقر وتثبت فيه حتى يتعذر خروجها بالفصد أو بالإسهال. وقول المعترض إن الورم مرض مادي فتكون معالجته بالاستفراغ فقط، قلنا: لا نسلم أن معالجته بذلك فقط * بل (441) وبتبديل المزاج لئلا يقبل المادة المائلة إليه فيتعذر خروجها. والجواب عن السادس نقول: لا شك أن الباطن أشرف من الظاهر * ولكن (442) نحن غرضنا في جميع أنواع المداواة أن نقوي الضعيف ونذب عن القوي، ونحن في هذا الأمر على هذه الصورة، فإنا باستعمال الرادع نقوي * الضعيف (443) ونمنع المادة المنصبة إليه من الميل * ونخفف (444) المادة * المورمة (445) بالفصد أو بغيره من الاستفراغات ونصلح مزاج ما بقي منها بالأشربة والأغذية الدوائية. فنكون بالأول قد فعلنا الأول، وبالثاني الثاني هو * أحكم (446) تدبير الأورام * الحارة (447) في ابتدائها. وأما في التزيد فنضيف إلى الرادع المرخي، وذلك ليحصل لنا غرضنا. فإن الرادع يمنعه من أن يقبل مادة أخرى، وبالمرخي يهيء جرمه لأن يقبل * التمديد (448) فيقل الألم التابع لتفرق الاتصال، ثم في المنتهى نترك الرادع ونضيف إلى المرخي المحلل ليحلل ما أعده المرخي للتحليل، وفي الانحطاط يقتصر على المحللات المحضة إلا أن تكون حاصلة في أعضاء رئيسة، فإنها متى كانت كذلك أضفنا إليها ما فيه تقوية عطرية ليقوى بالأول جرمها ويزيد في أرواحها بالثاني. هذا هو التفصيل في الأورام التي موادها حارة. وأما التي موادها باردة فسواء كانت عما ذكرنا أو لم تكن استعملنا في ابتتدائها المرخي ليلين قوام المادة ويرق ولا نستعمل الرادع * لأنه (449) يغلظه ويحجره، ثم في * الانتهاء (450) نستعمل ذلك أيضا، وفي الانحطاط نستعمل ما ذكرناه في الأورام الحارة إلا أن يكون الورم البارد حاصلا PageVW5P216A في عضو رئيس، فنستعمل ما ذكرناه.
البحث الرابع:
قوله «ويلين الجلد»، وذلك لأنه يزيل ما أثره البرد من التكثيف والجمع. وإن كان هناك مادة محتبسة من جهته خلخلها * وخلخل (451) ما هو منها قابل للتحليل. وأما ترقيقه إياه فبفعله ذلك، فإن البرد شأنه التغليظ بذاته وبجمعه المواد فيه وحبسه إياها، والحار يفعل مقابل ذلك. وأما تسكينه للوجع فمن وجوه أربعة: أحدها أنه يحلل المادة الموجبة له، وذلك بترقيق قوامها وتفتيح المسام؛ وثانيها أنه يعدل ما فيه من المزاج المختلف الموجب للوجع؛ وثالثها أنه يعين في إنضاج المادة المرضية، ولا شك أنه متى حصل ذلك سكن الوجع؛ ورابعها أنه بإرخائه للعضو * يهيئه (452) للتمديد المانع من حصول تفرق الاتصال فيقل الوجع. وأما كسرة عادية النافض إما حصل عن الماء البارد والهواء البارد فذلك ظاهر فيه، فإنه يدفع عاديته لأن قهر الضد * بالضد (453) ، * ويبسط (454) الحرارة الغريزية وينشرها في البدن، وعند ذلك تقاوم ذلك أيضا. وأما الذي * يكون (455) في ابتداء الحميات * فبتسخينه (456) للجلد * ونشره (457) الحرارة الغريزية وتسخينه للمادة المرضية إن كانت باردة وترقيق قوامها فيسهل جريانها ونفوذها إلى مستوقد العفن الذي * النافض (458) حاصل منها وهي في الجريان والنفوذ. قوله «والتشنج والتمدد» أي ويكسر عاديتهما لأن البرد يوجهما على ما عرفت وكسر عادية الضد بالضد. وقدم ذكر التشنج على التمدد لأنه أبسط وتقديم البسيط على المركب واجب. قوله: «ويحلل الثقل العارض في الرأس» هذا * إذا (459) كان سببه أبخرة محتبسة فيه، وإن كان سببه مادة ذات قوام، فإن الحار يزيد في ثقلها لأنه يخلخل جرمها * فيكبر (460) حجمها فيرخي الدماغ ويهيئه لقبولها وصعودها. قوله: «وهو من أوفق الأشياء لكسر العظام» العظام لبردها * المبرد (461) يضرها لأنه يزيدها انحرافا عن الاعتدال، فإذا حصل فيها ضعفت قواها، فكان ذلك أوفق لها أعنى الحار وخاصة ما كان من العظام معرى * عن (462) اللحم لأن اللحم * لحره (463) يعدل مزاج العظام ويدفع نكاية البرد بها. فإذا PageVW5P216B كان معرى من ذلك * لكان (464) تأثير البرد فيه تأثيرا قويا. ولما كان عظم الرأس كذلك، قال «وخاصة العظام الرأس». وأيضا فإن هذه قد حصل فيها برد آخر وهو برد الدماغ فيكون نفع الحار * فيها (465) أبلغ. * وقوله (466) «ولكل ما أماته البرد» أي في طريق الموت، وإلا فالذي قد مات من المستحيل أن ينفعه شيء فضلا عن الحار. قوله «أو أقرحه» يريد بذلك ما * يعرض (467) عند العامة بالتثلج الذي هو من مقدمات * غانغرانا (468) ، ويحدث هذا من تكثيف البرد لمسام العضو ومنعه للأبخرة من التحلل، وعند ذلك يتغير لون العضو، ثم إذا قوي ذلك فيه أسود لونه وأكثر ما يعتري هذا القدر لأصابع القدم واليدين لبعدهما عن محل الحار الغريزي ولبرد مزاجها لكثرة عظامها، وإلا فالبارد * يمنع (469) من التقريح. قوله * «وللقروح (470) التي تسعي وتتأكل» يريد بذلك النملة، فإنها تنقسم إلي ساعية وأكلة، وذلك لأن المادة الفاعلة لها إن كانت رقيقة أوجبت الساعية، وإن كانت * غليظة (471) أوجبت الأكلة ونفع الحار لهذه القرحة من جهة تحليل مادتها * وتفتيح (472) مسام العضو لا بالنظر إلى أسبابها، فإنه بالنظر إلى ذلك مداواتها بما * يبرد (473) ، ومن جهة عرضها وهو سيلان الرطوبات بما يجفف، فلذلك صارت هذه المداواة الثلاث نافعة لها، وهي ما يسخن ويرخي ويهيء المادة للتحليل وما يبرد ويسكن عادية الحرارة وما يجفف رطوباتها التي لا يمكن إلحام القرحة إلا بتنقيتها. ونحن نؤثر أحد هذه على الباقي عند مراعاة الأهم * فالأهم (474) . وأما نفع الحار للمقعدة والرحم والمثانة فبطريق المضادة من جهة أن مزاج هذه بارد لعصبية جرمها. قوله «فالحار لأصحاب هذه العلل» أي علل * هذه (475) الأعضاء أجمع لما عرفته، والبارد ضار لهم لما * عرفته (476) . والله أعلم.
23
[aphorism]
قال أبقراط: وأما البارد فإنما ينبغي أن يستعمله في هذه المواضع أعني * في (477) المواضع التي يجري منها الدم أو هو مزمع بأن يجري منها، وليس ينبغي أن يستعمله في نفس * الموضع (478) الذي يجري * منه (479) الدم لكن حوله ومن حيث يجيء، وفيما كان من الأورام PageVW5P217A الحارة والتلكع مائلا إلى الحمرة ولون الدم الطري لأنه إن استعمل فيما قد عتق فيه الدم سوده، وفي الورم الذي يسمى الحمرة إذا لم يكن معه قرحة لأن ما كان معه قرحة فهو يضره.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وذلك من وجوه ثلاثة: أحدها أنه لما وصف منافع الحار ذكر في هذا الفصل منافع البارد، وكما أنه وصف المواضع التي ينفع الحار ذكر في هذا الفصل المواضع التي يتوقع نفع البارد فيها؛ وثانيها أنه لما ذكر في الفصل الماضي وهو قوله «وربما صب على من به تمدد» إلى آخره منافع البارد بالعرض ذكر PageVW1P139B في هذا الفصل منافعه بالذات وجاء ذكر منافع الحار * فصلا (480) بينهما بطريق العرض لأنه لما انتهى في الفصل المذكور في الحار التزم بذكر منافع الحار، وإلا فالواجب أن * يذكر (481) هذا الفصل بعد ذكر ذلك الفصل؛ وثالثها أنه ذكر فيما تقدم مضار البارد إلا ما قاله في التمدد لكن ذلك بالعرض، ومع كونه بالعرض ليس مما يستعمل دائما ولا أكثريا بل ينبغي أن لا يقدم على استعماله، فالحاصل مما ذكرنا أنه لما سبق منه ذكر مضار البارد النفع الصادر عنه العرضي نادر الوجود، ومع ذلك لا ينبغي أن يقدم على اسعماله ذكر في هذا الفصل منافعه الذاتية.
البحث الثاني:
قوله «إنما ينبغي أن يستعمله في هذه المواضع» أي لا ينبغي أن يستعمله إلا في الندرة لأن لفظة «إنما» للحصر، وقد فسر تلك المواضع وبدأ منها بذكر ما يجري منه الدم أو ما هو مزمع بأن يجري منه لأن الدم أشرف الأخلاط لأنه مادة الأرواح التي هي * مطية (482) القوى والغاذي بالحقيقة وحامل للحرارة الغريزية، ولما كان حاله كذلك كان أهم بالمعالجة والمداواة، فقدم ذكره لذلك، فالمواضع التي يجري منها الدم إذا لم يكن فيها قرحة كان من أبلغ الأشياء في قطع الدم، وذلك من وجوه أربعة: أحدها أنه يكثف العضو ويقويه، وعند ذلك يعسر قبوله للدم الوارد إليه؛ وثانيها أنه بتكثيفه يجمع أفواه المجاري ويكثفها، وعند ذلك يضيق أو ينسد فيتعذر أو يمتنع PageVW5P217B نفوذها ما كان ينفذ فيها؛ وثالثها أنه يغلظ قوام الدم، وربما جمده، فيتعذر عند ذلك أو يمتنع عليه النفوذ؛ ورابعها أنه يجمد الحرارة الغريزية الحاصلة في ذلك العضو، وقد علمت أن الحرارة جذابة، فإذا * خمدت (483) ضعف الجذب فيقل الوارد إلى العضو من الدم. وأما إن كان فيها قرحة فيجب أن يكون وضعه حول العضو المتقرح على المجاري المندفع فيها الدم ووجه قطعه بما ذكرنا. ومثال هذه المواضع الأنف عند خروج الدم منه بالرعاف وجريان الدم من أفواه العروق، فإن الأنف متى حصل فيه ذلك ولم يكن فيه قرحة، أمرنا صاحبه بأن يجعل في داخله قطعة من جمد أو ثلج، فإن الدم ينقطع لما ذكرنا. وإن كان فيه قرحة سرطانية أو غيرها، انقطع ذلك بوضع ما ذكرنا على الجنين لأن العروق الآتية إليه في الظاهر * أكثرها (484) نازل إليه من الجنين، وكذلك خروج الدم من أفواه العروق، فإنه * متى (485) لم يكن فيها قرحة كبواسير أو نواصير استعملنا ذلك فيها ومتى كان فعلي ما حولها لأنه قد قال فيما مضى إن البارد لذاع للقروح. وحكمنا هذا في البارد في أي عضو كان. قوله «في العضو المتقرح حوله»، ولم يقل «في مجاريه» لأن مجاريه ربما كانت خفية عن الحس فذكر ما يعم ذلك، وقال: «حوله» لأنه متى استعمل ذلك حوله لا بد وأن يقع بعضه على تلك المجاري لأنه كيف كانت تكون حوله. فإن قيل قوله «ينبغي أن يستعمل في المواضع التي يجري منها الدم»، ثم قال «وليس ينبغي أن يستعمل في نفس * الموضع (486) » أي إذا كان فيه قرحة لما ذكرناه في الفصل الماضي فاستعماله بتجنب في صورتين: إحداهما فيما ذكرنا، * وثانيتهما (487) في * الموضع (488) الذي قد انصب إليه دم، وقد عتق فيه، فإنه يجمده ويسوده ويوقعه في الخبيثة، وذلك بما يحدثه من إخماد الحرارة الغريزية. قوله * «وفي (489) الأورام الحارة» أقول: هذه الأورام لحرارة مادتها ورقة قوامها البارد ينفعها لأنه يطفئ حرارتها ويغلظ قوام مادتها فيقل حركتها فيصغر حجمها ويترتب على ذلك قلة PageVW5P218A ألمها واستيلاء الطبيعة عليها، وهذا القدر إنما يكون في ابتداء هذه الأورام. وأما في انتهائها وانحطاطها فلأولأ في التزيد أيضا على * محوضته (490) . قوله * «التلكع (491) » قال جالينوس: المراد بالتلكع الموضع الذي كان النار قد كوته وأحرقته لشدة حرارة المادة الفاعلة، لذلك أقول: هذا القدر * هو (492) الذي يعرف عندنا بالنار الفارسية أو الحمرة، وهذه الأورام تنتفع بوضع * البارد (493) عليها وعلى حولها لما ذكرنا. وقوله «وفي الأورام الحارة والتلكع مائلا إلى الحمرة»، يعم النار الفارسية والحمرة بالجيم لأن الحمرة تعم الحمرة الناصعة والقاينة، والفرق بين النار الفارسية والحمرة * بالجيم (494) أن النار الفارسية هي بثر من جنس النملة فيها سعي وتنفط ومادتها صفراوية والحمرة * بالجيم (495) هي شيء يحدث في الجلد شبيه بما تحدثه النار عند إحراقها للعضو فيه خشكريشة، ولونه مائل إلى السواد، وسببه دم محترق. وأما الحمرة بإلحاء فهي الورم الصفراوي وهذا الورم أذية مادته بالكيفية أكثر من أذيتها بالكمية، ومثل هذا الورم ينتفع بالبارد على طريق المداواة بالضد كل هذا إذا لم يكن معه قرحة. ولنحقق الأورام ونحصرها هاهنا فإن أبقراط قد أشار إلى بعضها.
البحث الثالث
في تعريف الورم وكيفية حدوثه وتقسيمه: أما الورم فقال صاحب الكامل إنه غلظ يحصل للعضو بغير فعله، وهذا التعريف يخرج عنه الأورام الريحية والمائية، فإنه لا يصح أن يقال لكل واحد * منهما (496) إنه غلظ مع أنه ورم بل الحق أن يقال إنه تمدد يحصل للعضو بغير فعله. وأما كيفية حدوثه فنقول: قد عرف أن الأعضاء على نوعين صلبة ولينة، فالصلبة منها فرجها محسوسة كباطن العظام واللينة فرجها خفية عن الحس. فإذا انصب إلى العضو مادة من المواد زاحمت ما حولها واستحدثت لها فرحا. فإن زاد مقدارها زاد * تمددها (497) ثم إنها تعفن لاحتباسها وتراكمها ولضعف العضو عن إحالتها والتصرف فيها على الوجه الطبيعي، وحينئذ تولد ما ذكر. وأما تقسيمها فهي في الأصل تنقسم PageVW5P219B عند الأقدمين بحسب انقسام المواد الأربع، وعند المتأخرين قسمان آخران المائية والريحية، وعلى هذا التقدير يقال إنها تنقسم إلى ما مادتها ذات قوام وإلى ما مادتها غير ذات قوام. والأول الدموية والصفراوية والبلغمية والسوادية. والثاني أما الحادث عن الريح فكالتهيج النفخة. والفرق بينهما من وجهين: أحدهما أن مادة التهيج مداخلة جوهر العضو ومادة النفخة مجتمعة في تجويف العضو. الثاني أن التهيج يستلينه الحس والنفخة تقاومه. وأما الحادث عن المائية فكاجتماع الماء في البطون المستسقين والقيلة، وذلك لأن المائية إما أن تكون عامة وإما أن تكون خاصة. فإن كان الأول حصل الأول، فإن كان الثاني حصل الثاني. والله أعلم.
24
[aphorism]
قال أبقراط: إن الأشياء الباردة مثل الثلج والجمد ضارة للصدر مهيجة للسعال جالبة لانفجار الدم والنزل.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة: وذلك من وجهين: أحدهما أنه لما ذكر منافع البارد قال إن من جملة ذلك قطع الدم إذا لم PageVW1P140A يكن هناك قرحة، وإن كان فيوضعه حول القرحة كأن قائلا يقول له فنحن نرى استعمال البارد كالجمد والثلج جالب لانفجار الدم، فإن مراده بالبارد هاهنا البارد بالفعل، أجاب عن هذا الاعتراض المقدر بقوله «ضارة بالصدر مهيجة للسعال» أي أن جلب هذا البارد لانفجار الدم من الصدر ليس هو بالذات بل * هو (498) بواسطة ضرره بالصدر وجلبه للسعال. أما ضرره بالصدر * فلغلبة (499) العظام والعصب عليه. وقد قال فيما تقدم: البارد ضار * للعظام (500) والأسنان والعصب والمغير للشيء متى ورد عليه أضعفه وهيأه لقبول الآفات الواردة عليه لا سيما إذا حصل هناك أمر موجب لتلك الآفة كما في هذه الصورة، فإذ ذلك يضعف الصدر ويهيئه لنفث الدم والسعال فاعل له لأنه بحركته القوية يزعزع أجرام الأوردة ويهلهل نسجها ثم يوجب انفجارها. وأما كيفية إيجاب البارد المذكور للسعال فبواسطة ما يحدثه في قصبة الرئة من التكاثف والجمع والسوء * المزاج (501) الغريب. وكل ذلك مناف مؤذ، ولا معنى * للسعال (502) إلا حركة من الرئة لدفع المؤذي، فالحاصل مما ذكرنا أن البارد يوجب انقطاع PageVW5P220A الدم بذاته سواء وضع على نفس الموضع إذا لم يكن هناك قرحة أو حوله إن كان هناك قرحة كل هذا بتكثيفه وإجماده للدم * وبتغليظه (503) قوامه على ما * يدل (504) عليه الاستقراء من وضع الثلج أو * الجمد (505) داخل الأنف أو على الجبهة في قطع الرعاف، ويوجبه بطريق العرض كما في هذه الصورة. وكلام أبقراط في الفصل الماضي في فعله الذاتي لا في العرضي فلا يرد الاعتراض. وثانيهما أنه لما ذكر في الفصول الماضية آثارا ضارة صادرة عن البارد ثم ذكر بعدها نفعا عرضيا صادرا عنه قليل * الوجود (506) .
البحث الثاني
في الجمد: هذا الجوهر يختلف في الفضيلة والرذيلة بحسب طبيعة الماء المجمد منه، فإن الذي جمد من ماء رديء فهو رديء، والذي جمد من ماء محمود فهو محمود وهو بكلي قسميه مضر للأعضاء العصبية مضعف للحرارة الغريزية. وهذا القدر إن لم يظهر في العاجل ظهر في الأجل غير أنه إن كان ماؤه رديئا الواجب أن يبرد به الماء * من (507) خارج الإناء، وإن كان ماؤه جيدا فسواء برد به الماء من خارج الآناء أو من داخله والمياه الجليدية غليظة الجوهر بطيئة الانحدار عن المعدة، ولذلك صارت مضرة بالأعضاء المذكورة، ولذلك لقوة بردها وبطء نفوذها. وإنما قلنا إن ماء الجمد أغلظ من الماء المجمد منه، وذلك لأنه عند جموده ذهب * لطيفه (508) . فإن قيل الماء متشابه * الأجزاء (509) لأنه بسيط وإذا كان كذلك فكيف يتصور أن يقال إن فيه لطيفا وكثيفا حتى يتأتى ما قيل؟، فنقول له: * أما (510) المشاهد بل الأرض المشاهدة والهواء أيضا جميعها ليس هي على * محض (511) بساطتها بل مختلطة البعض بالبعض، ولذلك قيل في الفلسفة ليس لنا من العناصر ما هو خالص على محوضته سواء النار والأرض القريبة من المركز، وإذا كان حال الماء المشاهد كذلك فيجوز أن المجمد يستولى على البعض من الماء قبل البعض، وذلك بحسب الاستعداد فعند ما يجمد البعض منه أولا يتلاشى ويذهب ألطف ما فيه بالجمود لأنه يبادر إلى ما هو أقبل من الماء لذلك وهو الجزء * الغليظ (512) ، ثم يحصل ذلك في البعض الآخر، ثم إلى آخره. فيتلاشى ألطف ما فيه جميعه. PageVW5P220B والدليل على هذا الذهاب أن الجمد إذا ذوب ووزن الماء الحاصل منه فإنه يكون أنقص من الماء المجمد منه.
البحث الثالث
في الثلج: الثلج له ماداتان: إحداهما البخار المرتفع من المياه والمواضع الرطبة، * وثانيتهما (513) هواء قد تكاثف وغلظ قوامه، * وذلك (514) لاستيلاء مبرد عليه. أما الأول فاعلم أن البخار قلما يرتفع إلى الجو هو خال من الدخان بل هذا * شيء (515) لا بد منه إما * أولا (516) فإن الجو لا يخلو منه أصلا وإما ثانيا * فإن (517) الدخان ألطف من البخار لأن فيه أجزاء نارية فيكون هو المعين على صعوده وارتفاعه * إلى (518) الجو. إذا عرفت هذا فنقول: هذا البخار المتصاعد إما أن يكون كثيرا وإما أن يكون قليلا. فإن كان الأول فإما أن يصادف في الجو من الحرارة ما له مقدار أو لا يصادف. فإن كان الأول تحلل ذلك البخار وتلاشى وصار هواء. وإن كان الثاني فإما أن يصعد إلى الطبقة الباردة أو لا يصعد. فإن كان الأول انعقد الصاعد سحابا قاطرا ماء، وإن لم ينعقد كان منه ضبابا. وإن كان الثاني كان سببه أحد أمور خمسة إما امتناع حصول رياح موجبة لصعوده وإما حصول رياح متقابلة تمنعه من الصعود وإما أن يكون الحر المتقدم من البخار وقف في الجو لثقله وبطء حركته ثم التصق به باقي الأجزاء وإما شدة برد الهواء القريب من الأرض فيغلظ البخار ويمنعه من الصعود. وفي مثل هذه الصورة إن صادف بردا في الليل * عقده (519) ذلك البرد ونزل ماء محسوسا نزولا لا يحس به إلا عند اجتماعه شيئا بعد شيء. فإن لم يجمد عند وقوعه على الأرض كان طلا، وإن جمد كان صقيعا، وإن صعد إلى الطبقة الباردة. فإما أن يصل إلى طبقة الزمهرير أو لا يصل فإن كان الأول كان منه البرد ويتشكل بأشكال مختلفة بمقادير مختلفة، وذلك بحسب استعداد المادة المتصاعدة. وإن كان الثاني كان منه الثلج وصار الثلج يكثر في زمان الشتاء والبرد فيه يقل، وزمان الربيع والخريف بعكس ذلك، وذلك لخلو الجو في زمان الربيع والخريف عن العائق لصعود الأبخرة المذكورة إلى طبقة الزمهرير ووجوده في PageVW5P221A زمان الشتاء وهو كثرة الأبخرة المتراكمة في الجو. وإن كان البخار المتصاعد قليلا فإما أن يصادف في الجو حرارة لها قدر أو لا يصادف. فإن كان الأول تلاشى وفنى وصار هواء يعين ما ذكرنا في الكثير. وإن لم يصادف ذلك فإما أن يصعد إلى الطبقة الباردة من الهواء أو لا يصعد. فإن كان الأول كان منه البرد والثلج على ما ذكرنا في البخار الكثير غير أن ذلك يكون هاهنا قليلا، وفي الأول كثير الوقوع متصل المجيء، وإن لم يصعد إلى الطبقة المذكورة. فأما أن ينعقد سحابا قاطرا أو لا ينعقد. فإن كان الأول حصل منه المطر، وإن كان الثاني حصل منه الغمام. وإن كان الثاني من أصل القسمة وهو أن يكون مادة الثلج هواء تكاثف وغلظ قوامه، فهذا القول مبني على انقلاب بعض العناصر إلى بعض. وذلك كما نشاهده من الأواني إذا * حيط (520) بها جمد أو ثلج فإنا نرى داخلها فيه مادة حتى لو دفنا كوزا فيه ثلج وجعلنا رأسه مكشوفا فقط ثم أخرجناه منه لرأيناه مملوءا. وقد تشعبت أقاويل الفلاسفة في هذه المسئلة ولنشير إلى خلاصة ما قالوه فيها فنقول: قالت الفلاسفة: لا شك أنا نشاهد الآنية إذا وضع فيها أو حولها جمد أو ثلج تجتمع على أطرافها أو في داخلها قطرات من الماء فهذه القطرات لا يخلو حالها من أمور ثلاثة: إما أن يقال إن الأجزاء المائية كانت مبثوثة في الهواء الذي يلي الآنية غير أنها كانت صغيرة جدا لم يقدر على خرق الهواء وانحدارها إلى أسفل، وأيضا أن حرارة الهواء تجذبها إلى فوق وتمنعها من ذلك، فلما برد الإناء بما ذكرنا برد الهواء القريب منه وزالت سخونته ثقلت * تلك (521) الأجزاء ونزلت إلى أسفل واجتمعت على الإناء أو في داخله؛ وإما أن يقال إن القطرات حصلت PageVW1P142B على سبيل الرشح من مسام الإناء؛ وإما أن يقال إن الهواء انقلب ماء. فهذه الأقاويل الثلاثة التي ذكرت في هذا المقام. ولنبين نحن الحق منها فنقول: أما الأول فباطل، وذلك لأن تلك القطرات نراها كلما نحيناها اجتمعت مرة أخرى، * فلو (522) كان السبب في حصولها ما ذكر لما كان الأمر كذلك لأن * في (523) المرة الأولى لما برد الهواء القريب من الإناء PageVW5P221B بردت جملة الأجزاء المائية المبثوتة فيه ونزلت على طرف الكوز، وحينئذ لم يبق في الهواء المحيط بالإناء شيء من الأجزاء المائية، ولا شك أنه يلزم من ذلك أن لا يرجع يجتمع على الإناء شيء من القطرات المائية. فإن قيل: * لم (524) لا يقال إن الهواء القريب من الإناء لما برد سرى البرد إلى أجزاء أخرى من الهواء الذي يليه ثم منه إلى الذي يليه ولا يزال كذلك حتى يستمر حصول القطرات؟، فنقول: ومع تقدير القول بهذا يلزم أن القطرات تنقطع في آخر وقت لأن الجزء من الهواء الآخر المتكثف بالبرد يكون * تكثيفه (525) به * تكثيفا (526) ضعيفا لا يقوى على ما يقوى عليه برد الإناء. وأما الثاني وهو القول بالرشح فهو باطل من وجوه أربعة: أحدها أن يقال إنا نغرض الكلام في أنية صلبة مستحصفة عديمة المسام كالمتخذة من الفضة * والذهب (527) والزجاج، فإن الآنية المتخذة من هذه الواجب على ما قيل إذا وضعت في الجمد أو في الثلج أن لا يظهر عليها شيء من القطرات والوجود بخلافه؛ وثانيها أن رشح الألطف أسهل من رشح الأغلظ، ولا شك أن الماء الحار ألطف من الماء البارد فيكون أقبل للرشح منه لكن الأمر المذكور لا يحصل منه إلا بوضعه داخل الإناء ولا * بوضع (528) الإناء داخله؛ وثالثها أن القطرات المذكورة تجتمع على موضع من الكوز فوق الذي يماسه الثلج * والجمد (529) والرشح إنما يكون في الموضع المجاور للرشح؛ ورابعها الجمد قد يبلغ من الصلابة بحيث لا * ينحل (530) منه شيء مع أن القطرات قد تجتمع على الإناء بوضعه عليه بل كلما كان الجمد أبعد من التحلل أي أصلب كان المعنى المذكور أتم وأكمل، وإذا بطل هذا وبطل القول بالقطر تعين لنا أن الحق هو القسم الثالث وهو أن الهواء انقلب ماء عند وضع الآنية في الجمد أو في الثلج، وذلك لأنه قد ثبت أن هيولى العناصر مشتركة وإذا كانت كذلك فيجوز انقلاب بعضها إلى بعض. فإن قيل: إذا كان برودة الإناء الموضوع في الثلج أو عليه تقلب ذلك الهواء ماء فذلك * الموضع (531) الذي كان كان الهواء فيه * انقلب (532) ماء إن بقي خاليا كان قولا بالخلاء وهو باطل. وإن لم يبق خاليا PageVW5P222A بل أتى * عليه (533) هواء آخر عوضه فهذا الهواء أيضا انقلب ماء ويلزم من ذلك أن يسيل من ذلك الإناء نهر عظي، فنقول: الجواب عن هذا أن الماء ألطف من الإناء وتسخين الألطف وتبريده أسهل من تسخين الأكثف وتبريده فيكون تسخين الماء عن الهواء الحار أسهل من تسخين الإناء عنه، وإذا كان كذلك فالإناء إذا برد أحال الهواء الملاصق ماء والتصق ذلك الماء بالإناء وسخن عن الهواء أيضا فسخونته عن الهواء تمنع وصول برودة جرم الإناء إلى الهواء الآخر فلا جرم لم ينقلب ذلك الهواء ماء، ولهذا السبب متى أزلنا * تلك (534) القطرات الملاصقة * بالإناء (535) عنه حصل عليه قطرات أخر. وأما إذا بقيت لم يحصل قطرات أخر البتة.
البحث الرابع:
الحس والعقل مطابقان على برد الثلج والجمد. أما الأول فالاستقراء يشهد بصحته، فإن من * لمسهما (536) أحس منهما ببرد قوي حتى أنه يحدث في حسه خدر والخدر من آثار البرودة. وأما الثاني فإن الثلج على ما عرفت مادته أبخرة مائية خالطتها أدخنة يسيرة والأبخرة مركبة من الأجزاء المائية والهوائية لكن المائية أوفر، وإلا كيف قبلت العقد والأجزاء المائية باردة، * والعاقد (537) له برد قوي، وعند عقده له أحال الأجزاء الهوائية التي فيه * إلى (538) المائية أو هواء انقلب ماء وانعقد ببرد قوي ثم انحدر إلى أسفل، * وكل (539) ذلك دال على البرد، فثبت بما ذكرنا صحة تطابق الحس والعقل على برد الثلج. وأما الجمد فذلك ظاهر فيه لأن مادته ماء محض والماء بارد والعاقد له برد قوي جدا. وقد ذهب * علاء (540) الدين ابن النفيس إلى أن الثلج حار وأن حكمه حكم الأدوية المسخنة التي هي باردة بالفعل وحارة بالقوة، وقد نقلنا كلامه في هذا المقام بلغظه في شرحنا لكليات القانون. وأما الآن فنذكر خلاصة ما ذكره في ذلك فنقول: قد تمسك هذا الفاضل على صحة ما ذهب إليه بوجوه خمسة: أحدها أن الثلج سحاب جامد والأجزاء الدخانية التي فيه لم تنفصل منه بعد تمام الاتصال، ونشاهد هذا منه إذا حل بالماء فإنا نرى الدخان متصاعدا منه والدخان لا محالة مسخن فيكون تسخينه PageVW5P222B بذلك الدخان ويكون تسخين ذلك الدخان أقوى من تبريد الأجزاء المائية التي فيه، ولذلك صار إذا * حصل (541) في الماء وزال تبريده العرضي عاد فسخن الماء البارد. ومن المعلوم أن المسخن * للماء (542) لا يكون إلا حارا فيكون تعطيشه بهذه الأجزاء * إلا (543) بما قيل إنه يجمع الأجزاء التي هي * الحرارة (544) الغريزية في داخل البدن. وثانيها * أنا (545) إذا أخذنا ما بين متساويين في المقدار من ماء واحد، وجعلناهما في إنائين متساويي الجوهر والمقدار وغير ذلك، ثم وضعنا الإنائين في موضع واحد بارد حتى بلغا في البرد إلى حد ما ثم جعلناهما في موضع لا يوجب تبريد الماء ثم جعلنا في أحدهما ثلجا والآخر لم نجعل فيه ذلك ثم تركنا الثلج إلى حين يذوب ويفنى بالكلية ثم لمسناهما، فإنا * نجد (546) الماء الذي كان فيه الثلج أسخن من الماء الآخر. وقد جرينا ذلك مرارا * كثيرة (547) ووجدنا ذلك كذلك. ومن المعلوم أنه لو لم يكن في الثلج حرارة لم يكن * كذلك (548) . ومن المعلوم أيضا أن الحرارة التي تسخن الماء الذي هو شديد البرد بذاته وبمخالطة الثلج له لا شك أنها تقوى على تسخين بدن الإنسان الذي هو معتدل. وثالثها: الثلج محتبس فيه أجزاء دخانية والأجزاء الدخانية لا * محالة (549) حارة والأجزاء المائية * التي (550) لا تقاوم حرارتها فيكون الثلج حارا. أما المقدمة الأولى والثانية فهما ظاهرتان بقيت المقدمة الثالثة وهي قولنا إن الأجزاء المائية لا تقاوم حرارة الأجزاء الدخانية، وذلك لأن جمود الثلج هو الذي يعين الأجزاء المائية على قهر حرارة الأجزاء الدخانية، فلما * زالت (551) عند الذوبان ظهر تأثيرها فسخنت. ورابعها: لو لم يكن في الثلج حرارة لكان جموده أقوى من جمود البرد، وذلك لأن البرد المجمد للثلج أقوى من البرد المجمد للبرد، والدليل على صحة * ذلك (552) كثرة الثلوج في البلاد الباردة جدا أو الفصول الباردة * جدا (553) كالشتاء وكثرة وقوع البرد في الربيع * والخريف (554) . * وخامسها (555) : الحس يشهد بتعطيش الثلج فنقول: تعطيشه إما أن يكون * لأنه (556) حار أو لأنه بارد فيعطش بالعرض. والثاني باطل، فإنه لو كان تعطيشه بذلك لكان الجمد والبرد أقوى تعطيشا منه، وليس كذلك، فهو إذن للحرارة. هذا خلاصة PageVW5P223A ما * تكلم (557) به المذكور في صحة دعواه. ولنتكلم نحن الآن معه فنقول له أولا على جميع التقادير هذه الأجزاء التي في الثلج التي ادعيت أنها هي المسخنة للبدن هل PageVW1P142A وجودها فيه بالفعل أو بالقوة، وليس لنا قسم ثالث لأن الكيفية التي يوصف بها الشيء إما أن يكون مدركه بحاسة اللمس أو لا يكون. فإن كان الأول فهو الموصوف بالفعل، وإن كان الثاني فهو الموصوف بالقوة، وعلى كلي * التقادير (558) إما أن تكون قاهرة للأجزاء الباردة التي * فيه (559) مقهورة عنها . وليس هاهنا أيضا قسم ثالث فيكون هاهنا أقسام أربعة: أحدها أن تكون الأجزاء الحارة بالفعل وتكون قاهرة للأجزاء الباردة؛ وثانيها أن تكون بالفعل وتكون مقهورة عنها؛ وثالثها أن تكون بالقوة وتكون قاهرة للأجزاء الباردة؛ ورابعها أن تكون بالقوة وتكون مقهورة عنها. فإن كان الأول فهو محال لأنه يلزم منه أن يكون ذاتبا مائعا لا جامدا لأن الفرض أن الأجزاء الحارة حاصلة بالفعل وهي قاهرة للأجزاء الباردة والوجود بخلافه. وإن كان الثاني فيكون الثلج باردا لأن الفرض أن الأجزاء البارد مقهورة، وإن كانت بالفعل فالحكم إنما هو * للأغلب (560) والمتسولي. وإن كان الثالث فيلزم أن ينتفع به في مداواة الأمراض الباردة السادجة والمادية فإن حكمه في هذا الأمر يكون حكم الأدوية المسخنة التي هي بالقوة، فإن هذه حالها كذلك لأن الأجزاء الحارة التي فيها بالقوة * هي (561) قاهرة للأجزاء الباردة، والوجود بخلافه لأن الثلج لو كان كذلك لانتفعنا به عند استعماله في الفالج واللقوة الاسترخائية * والاسترخاء (562) وغير ذلك، والوجود * بخلافه (563) . وإن كان الرابع فيكون نادرا لأن حكمه يكون كحكم الأدوية المبردة كالأفيون وغيره من الأدوية المبردة، فإنها جميعها كيفياتها بالقوة وفيها أجزاء حارة بالقوة لأنها مركبة من العناصر الأربعة غير أن الأجزاء الحارة التي فيها مقهورة بالأجزاء الباردة. وأما قوله إن حكمه حكم الأدوية المسخنة * فقول (564) فاسد من وجهين: أحدهما أن الدواء الحار بالقوة ظهور قوته * وتأثيره (565) مشروط بوروده إلى البدن وفعل قواه فيه، والثلج خروجه قوته المسخنة PageVW5P223B التي فيه على زعمه لا * يحتاج (566) إلى ذلك لأنه قد يخرج بذوبانه في الماء على ما اعترف به؛ وثانيهما أن قوى الأدوية المسخنة بالقوة لا تدرك بشيء من * المحسوسات (567) إلا إذا وردت * في (568) باطن البدن، فإنها حينئذ تدرك بحاسة اللمس والقوة في الثلج تدركها بحاسة البصر لأنا نشاهد منه عند ذوبانه دخانا متوفرا * متصاعدا (569) لا سيما متى كان متوفر المقدار، وقد اعترف هو بهذا، وإذا كان كذلك فلا يكون حكمه حكم الأدوية المسخنة بالقوة. إذا عرفت هذا فنقول: الجواب عما تمسك به أولا قوله «الثلج سحاب جامد فيه أجزاء دخانية» إلى قوله «ولذلك إذا حل» نقول له نحن: لا ننكر أن في السحاب أجزاء دخانية لأنه قد عرف أن الدخان والبخار قلما يرتفعان خالصين غير أن الأجزاء الدخانية هاهنا تكون مقهورة بالبرودة، وإلا كيف كان يكون قابلا للجمود من * الجمد (570) ، فإنه لو لا يكون في مادته استعداد لقبول شيء لما قبله فلو كانت الأجزاء الدخانية مستولية على الأجزاء الباردة لما كان كذلك لأن الحكم للغالب الذي حصل به الاستعداد، ومن هذا يفهم فساد قوله «ويكون تسخين الأجزاء الدخانية أقوى من تبريد المائية التي فيه». وأما قوله «ولذلك إذا حل بالماء وزال تبريده العرضي فإنه يعود مسخنا فيسخن الماء البارد» إلى آخره، نقول: هذا كلام عجيب من هذا الرجل، فإنه أدعى أن تعطيشه بما فيه من الأجزاء الدخانية التي هي الحارة وهذه الأجزاء محتبسة في خلله، وذلك لأنه لما كان العاقد له دون العاقد للبرد على المذهب الحق لم يشتد انعقاده فبقي متخلخلا والخلاء محال على ما بان في علم آخر علم فالحاصل أن الأجزاء الدخانية محتبسة في خلله. ولا شك أن الماء أغلظ من تلك الأجزاء والأغلظ من شأنه أن * يضغط (571) الألطف ويطلب الحلول من محله فالثلج عند ما * يذاب (572) في الماء لا شك أنه يهبط في الماء إما كله أو بعضه، وعند ذلك يضغط الماء للأجزاء الدخانية ويحل في محلها، ولذلك صار إذا حل في الماء رؤي له دخان متصاعد منه على ما اعترف به. وإذا كان كذلك فكيف PageVW5P224A يتصور أن يقال إن الأجزاء الدخانية تبقى فيه بعد ذوبانه ويسخن الماء والحاصر لها والقاهر لها على الاجتماع قد زال بالذوبان وهو الجمود؟، فقوله إنه إذا زال تبريده العرضي عاد فسخن الماء كلام في غاية الوهن، ومن هذا يظهر فساد قوله أيضا. ولعل تعطيشه بما فيه من الأجزاء الدخانية لا بما قاله الأطباء، * فإنه (573) كيف يتصور بقاء تلك الأجزاء بعد ذوبانه على ما ذكرنا. * والحق (574) في تعطيشه فهو بما قاله الأطباء. وقد اختلفوا في ذلك فقال قوم إنه لقوة برده تهرب الحرارة الغريزية منه إلى جهة القلب الذي هو محلها فيزداد الباطن سخونة ويحدث العطش. ومنهم من قال إن الثلج لشدة برده يؤلم المعدة لأنه مناف لها، ومن شأن الطبيعة أن تتوجه إلى الأعضاء المتألمة طلبا لمقاومة ما هو مؤلم لها ويتوجه بتوجهها الدم لأنه مركب لها والروح لأنها حاملة لها والحرارة الغريزية لأنها آلة لها، وهذه كلها حارة معطشة. ومنهم من قال إن الثلج لقوة برده يكثف المعدة، وعند ذلك يحبس الأبخرة فلا يتحلل * منها (575) قبل ذلك، وذلك موجب لاجتماع الحرارة فيها والحرارة معطشة لا محالة. هذا ما قاله الأطباء. وأما نحن فقد قلنا في ذلك وجهين: أحدهما أنه لما كان مسكنا للعطش والعطش مؤلم فالطبيعة تطلب الاستكثار منه لأجل الالتذاذ به؛ وثانيهما أنه لقوة برده إذا ورد إلى المعدة * كثف (576) ما يصادفه في المعدة من الرطوبات التي لا تخلو المعدة منها، وعند ذلك يشتد التصاقها بها وهي في نفسها قوية الحرارة لأنها عضو شريف وطابخة الكيلوس فتصير تلك الرطوبات حائلة بين الماء المشروب المسكن للعطش وبين جرمها، ولذلك صرنا * إذا (577) أمعنا في تبريد الماء بالثلج اشتد ما ذكرنا واشتد العطش تبعا لذلك. فالحاصل مما ذكرنا أن تعطيشه ليس لكونه حارا على ما ذهب إليه بل تعطيشه بطريق العرض، وليس كلما عطش * بهذه (578) الطريقة فهو حار، فإن السمك الطري الغير مملوح باتفاق منا ومنه أنه بارد رطب، ولذلك صرنا نستعمله في مداواة الدق وعندما نروم تبريد البدن وترطيبه وهو مع ذلك معطش PageVW5P224B تعطيشا قويا على ما شهد به الاستقراء، وكذلك الحس مع أنه مخدر منوم مبرد مرطب بدليل انتقاع المدقوق به والخيار المقشر أيضا كذلك. فلو كان حكمنا على كل ما يعطش كيف كان بالحرارة لحكمنا على ذلك * بالحرارة (579) وعلى ما يسكن العطش كيف كان بالبرودة لحكمنا على النوم بالبرودة. فإن محمد بن زكريا الرازي قد ذكر في كتابه المعنون بالمنصوري أنه مسكن للعطش * أي (580) العرضي. والجواب عما تمسك ثانيا لنا في هذا الوجه مقامان: أحدهما جواب والآخر إلزام. أما الجواب فنقول: لا نسلم بقاء الأجزاء الدخانية في الماء بعد ذوبان الثلج لأن الحابس والجامع لها في خلله الجمود الحاصل له فعند ذوبانه كيف * يتصور (581) بقاؤها وهي بطبعها طالبة للصعود والانعشاش لما * فيها (582) من الأجزاء * الدخانية (583) النارية، وأيضا الثلج على ما قلنا عند جعله في الماء يحل الماء في خلله التي الأجزاء الدخانية حاصلة فيها لأنه أثقل منها فيضغطها ويحل محلها. وأما المعارضة * فهي (584) أنا * إذا (585) أخذنا * إنائين (586) متساويين في المقدار وفي * الجوهر (587) وفي الثخانة وملأناهما من ماء واحد قد أسخن في إناء واحد * ثم (588) جعلنا في أحدهما ثلجا ولم نجعل في الآخر ثم تركنا الثلج إلى حين يذوب ويتلاشى ثم لمسناهما. فعلى ما ذكره يجب أن يزداد سخونة PageVW1P142B الماء المثلوج لأنه قد انضاف إلى سخونته * الأولية (589) سخونة أخرى، والوجود يشهد بخلافه. فإنا لو فعلنا بالماء المذكور ذلك لحسينا منه ببرد قوي. فإن قيل برودة الثلج فعلية وحرارته ليست كذلك والكيفية الفعلية تأثيرها يسبق الكيفية التي بالقوة وإذا كان كذلك فلم لا يقال إن الثلج عندما وضع في الماء المسخن أزال كيفيته العرضية ويرده ببرده العرضي، وعند هذا نقول للقائل كيف يتصور أن الماء المسخن إذا وضع فيه ثلج * بحيث (590) أن * يزاد (591) سخونته والذي نقوله نحن لهذا القائل: الأجزاء الدخانية التي في الثلج هل هي مسخنة أو ليست * بمسخنة (592) . فإن كانت غير مسخنة نقول للخصم: بطل ما أصلته وبنيت عليه دعواك. وإن كانت مسخنة فنقول: لا بدو أن يؤثر التسخين في الماء المسخن عند زوال PageVW5P225A كيفيته الباردة التي هي عرضية على ما زعم الخصم وإذا أثرت التسخين فتسخينها يستدرك ما * أثره (593) برد الثلج العرضي ويلزم من ذلك أن حرارة الماء المسخن المبرد بالثلج تعود إلى ما كانت عليه بعد ذوبان الثلج فيه وزوال برده العرضي. والجواب عما تمسك به ثالثا قوله إن الثلج * يحتبس (594) فيه أجزاء دخانية إلى آخره، نقول نحن: لا نمنع أن في الثلج أجزاء دخانية لكن نمنع أن تكون في قوتها وتأثيرها أقوى من الأجزاء المائية في * ذلك (595) للزم أن لا يجمد الثلج وينعقد بل يكون سائلا ومائعا ولو فرضنا أن * كونها (596) وتأثيرها على ما قاله الخصم غير أن الثلج عند ذوبانه تتحلل الأجزاء وتتلاشى أولا فأولا لطلب الماء المحلول في أمكنتها على ما عرفت. فإن قال: لا شك أن حالها عند ذوبانها في الماء كذلك لكن حالها في المعدة بخلاف ذلك أي أن المعدة تحصر أدخنتها وتجمعها وحينئذ تعطش، * فنقول (597) : لو كان تعطيشها * كذلك (598) للزم أن لا يعطش الماء المبرد بالثلج لأن أدخنته قد تلاشت وتحللت، والوجود * بخلافه (599) . فإن الماء المبرد بالثلج خارج الإناء * الذي (600) لم * يماسه (601) الثلج البتة نراه يفعل ذلك. والجواب عما تمسك به رابعا قوله: لو لم يكن في الثلج حرارة لكان جموده أقوى من جمود البرد إلى آخره، نقول: نحن لا نمنع أن في الثلج أجزاء دخانية لكن لو فرضنا خلوه منها لكان جموده دون جمود * البرد (602) لأن المجمد للبرد أقوى من المجمد للثلج، وكيف لا وقوة الأثر تدل على قوة المؤثر، ولا شك أن البرد أشد جمودا من الثلج فيكون المجمد له أقوى من المجمد للثلج. وأما استدلاله على أن المجمد للثلج أقوى من المجمد للبرد بكثرة حدوثه في البلاد الباردة والفصول الباردة، نقول: إنما صار الثلج يكثر فيما ذكره، وذلك لكثرة الأبخرة وتلبدها في الجو في زمان الشتاء والبلاد الباردة فتمتنع مادة الثلج من الصعود إلى طبقة الزمهرير التي هي العاقدة للبرد، وإلا لو لا هذا العائق لصعدت تلك المادة إلى الطبقة المذكورة وانعقدت بردا، ولذلك لما كان الجو في البلاد الحارة وفي * زماني (603) الربيع والخريف خاليا من العائق PageVW5P225B والمانع من * الصعود (604) كثر * توليد (605) البرد فيها، ومن هذا يظهر فساد ما استدل * به (606) على ضعف العاقد للبرد بكثرة حدوثه في البلاد الحارة والفصول * الحارة (607) كفصلي الربيع والصيف. والجواب عما تمسك به خامسا قوله: الحس يشهد بتعطيش الثلج فنقول تعطيشه إما أن يكون لأنه حار أو لأنه بارد إلى آخره، نقول: تعطيشه * لبرده (608) بالوجوه التي ذكرناها قوله: لو كان تعطيشه لبرده لكان تعطيش البرد والجمد أقوى من تعطيش الماء المبرد بالثلج، نقول: والأمر كذلك، وكيف لا وهما خاليان من الأجزاء الدخانية. وأيضا فإن الماء المذاب من البرد الجمد أغلظ * قواما (609) من الماء المنحل من الثلج على ما عرفت والأغلظ أثبت في المجاري من الألطف فيكون تأثيره أدوم وأبقى. وقد علمت أن المجمد للبرد والجمد أقوى من المجمد للثلج فيكون مع دوام تأثيره وثباته أقوى فيكون تعطيشه أبلغ فثبت * حينئذ (610) بما ذكرنا فساد ما ذهب إليه هذا الرجل في أمر الثلج وهو أنه حار. وصحة ما ذهبنا نحن إليه * ومنه (611) تعلم صحة ما حكم به أبقراط من المضار الحاصلة من استعمال الجمد * والثلج (612) . والله أعلم.
25
[aphorism]
قال أبقراط: الأورام التي تكون في * المفاصل (613) والأوجاع التي تكون من غير قرحة وأوجاع أصحاب النقرس * وأوجاع (614) الفسخ الحادث في المواضع العصبية وأكثر ما أشبه هذه * فإنه (615) إذا صب عليها ماء بارد كثير * سكنها (616) وأضمرها وسكن الوجع بإحداثه الخدر، والخدر اليسير مسكن للوجع.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وذلك من وجهين: أحدهما أن هذا الفصل يشبه أن يكون متصلا بالفصل الماضي وهو قوله «وأما البارد فإنما ينبغي أن يستعمله في هذه المواضع أعنى * في (618) المواضع التي يجري منها الدم» إلى * آخره (619) ، وجاء ذكر قوله إن الأشياء الباردة كالثلج والجمد بين ذلك بطريق العرض لأنه يتضمن جوابا عن إشكال مقدر على ما عرفته؛ وثانيهما المسكن على نوعين حقيقي وغير حقيقي، فالأول المقابل للسبب، والثاني المحذر، والماء البارد يسكن PageVW5P226A الوجع بالوجهين جميعا. فلما كان البارد يفعل هذين الفعلين نبه عليه في هذا الفصل.
البحث الثاني:
أما نفع الماء البارد من الأورام التي تكون في المفاصل فبطريق المضادة إن كان سببها سوء مزاج حار سادج أو * مادة (620) لطيفة حارة. وإن كان سببها مادة أخرى فإنه يسكن وجعها بطريق آخر، وذلك من وجهين: أحدهما من جهة إضماره للورم، والمراد بالضمور صغر الحجم لأن البرد شأنه ذلك كما أن الحرارة شأنها التخلخل وكبر الحجم؛ وثانيهما من جهة إحداثه * للخدر (621) وشرط أن يكون الخدر يسيرا، وذلك لأن * المفرط (622) يميت العضو لدلالته على استيلاء المخدر المطفئ للحرارة الغريزية كل هذا إذا لم يكن هناك قرحة لأن ما كان معه قرحة فإن البارد يضره. قوله «وأوجاع النقرس»: النقرس من جملة أوجاع المفاصل وهو مخصوص بمفصل إبهام الرجل، * وحدوثه (623) في الأكثر عن مواد حادة لطيفة، وإذا كان حالها كذلك فنفع الماء البارد لها ظاهر، وذلك من جهة تعديل مزاجها وقوامها وإحداثه للخدر اليسير. وأما الفسوخ الحادثة في المواضع العصبية إذا لم يكن معها قروح في الجلد واللحم فإن حدوثها في الأكثر عن مواد صفراوية كثيرة المقدار لطيفة جدا ونفع الماء البارد لها من ذلك ظاهر لأنه يعدل كيفية مادتها وينقص كميتها. * ومما (624) ذكرنا يعلم أن نفع الماء البارد من الأوجاع المذكورة بالعرض، وإلا * بالحقيقة (625) فهو ضار لها فإن أورام المفاصل وإن كانت حارة فإن البارد بالحقيقة ضار لها من جهة حبسه للمادة فيها، ومن جهة إضراره بالعضل نفسه لعصبيته وعظميته، وكذلك الأوجاع وإن كانت حادثة عن * مواد (626) حارة فإن البارد يغلظ قوام مادتها ويمنع سرعة تحليلها. وأما مادة النقرس فإن البارد في الحقيقة يضرها لأن مادتها غائصة، والماء البارد يزيدها غوصا وعسر * تحليل (627) . وكذلك الفسخ العصبي فإن البارد ضار له بالطبع لكنه ينفع * من (628) ذلك بما ذكره وهو من جهة إحداثه للضمور والخدر اليسير. وقوله «ماء بارد كثير»: المراد بالكثير هاهنا صفة للبارد أي القوي البرد، والا فمتى لم يكن كذلك لم يحدث منه خدر لأنه جوهر سيال PageVW5P226B لإثبات له على العضو. وقد يفهم من ذلك أن المراد به التكرار أي لا يكون مقدارا كثيرا بل يكون ذلك مرارا * كثيرة (629) * ويغير (630) الماء بما أخر لأنه متى كان واحدا وكرر سخن بمجاورة العضو ومتى كان كذلك فإنه يوجب الخدر بدوام التأثير، والأول بقوة المؤثر.
البحث الثالث:
معنى المسكن عند الأطباء هو الدافع لما هو متوقع الحدوث من الوجع. وقد عرفت أن الوجع إحساس بالمنافي من حيث هو * مناف (631) فيكون هاهنا حاس ومحسوس وإحساس. والحاس هو القوة المدركة، والمحسوس هو الأمر المؤذي وهو إما المادة المؤذية أو السوء المزاج، والإحساس هو الانفعال * للقوة (632) المدركة عن ذلك المؤذي، * فالإحساس (633) هو * باق (634) ببقاء المؤذي إذا لم يتمكن ويستقر ويلزم ذلك بقاء الوجع. وإذا كان كذلك فالمسكن للوجع على وجهين: تارة يكون مسكنا بالنظر إلى فعله في القوة، تارة يكون مسكنا بالنظر إلى فعله PageVW1P142A في المؤذي. والأول على ثلاثة أوجه: أحدها أن يورد عليها ما يشغلها عن إدراك الألم، وذلك كما إذا ورد على المتألم امر مهم عند الطبيعة المدبرة للبدن، فإنها عند ذلك تشتغل به * وتغفل (635) عن الجانب الآخر؛ وثانيها أن يورد عليها ما يضعفها وينقص حسها، وعند ذلك يقل الانفعال ويضعف الألم ويسكن، وذلك كفعل المخدرات في تسكين الألم؛ وثالثها أن تترك القوة المدركة على حالها لكن بميلها إلى جهة أخرى كما في النوم، فإن الطبيعة تغور فيه إلى الباطن هيء الأرواح * والحرارة (636) الغريزية طلبا للراحة ولغيرها فيقل الإحساس بالمؤلم فيقل الوجع ويسكن عما كان قبل ذلك. وأما الثاني وهو أن يكون النظر إلى فعله في المؤذي فذلك إما باستفراغ إن كان ماديا أو بتبديل * مزاج (637) إن كان * سادجا (638) ، وهذا هو المسكن الحقيقي لأنه ليس فيه ضرر البتة بالقوة كما في الأول. والله * أعلم. (639)
26
[aphorism]
قال أبقارط: الماء الذي يسخن سريعا ويبرد سريعا فهو أخف المياه.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر في الفصل * الماضي (641) الصور التي ينفع فيها PageVW5P227A الماء البارد، ذكر في هذا الفصل الأفضل من الماء. فإن المستعمل من كل شيء في المداواة بل وفي حفظ الصحة ومداواة الأمراض على أتم وجه وأكمله. * والماء (642) الفاضل له صفات من جملتها خفة الوزن، فإن ذلك يدل على لطف جوهره وخلوه من الأجزاء الأرضية التي هي موجبة لغلظ جوهره ولثقل وزنه، ويعرف هذا القدر منه بسرعة تسخينه وتبريده، فإن انفعال اللطيف من المسخن أو المبرد أسرع من انفعال الغليظ، * وكذلك (643) زوال ذلك عنه. ومراده بالأخف الأخف في الوزن وعلى المعدة، فإن الأخف في أحدهما هو الأخف في الآخر. ويعرف خفة المياه وثقلها بوجهين: أحدهما أن يوزن * إنائان (644) وزنا محررا ثم يملئان من مائين ثم يوزنان بعد ذلك فإن * الذي (645) هو أخف ماؤه أخف والذي هو أثقل ماؤه أثقل؛ وثانيهما أن توزن حرقتان * متساويتا (646) الوزن ويبلان بمائين * مختلفين (647) ثم يجففان تجفيفا بالغا في موضع واحد ثم يوزنان فالماء الذي خرقته أخف فهو أخف، والماء الذي خرقته أثقل فهو أثقل، وذلك لأن الأجزاء الأرضية التي في الأغلظ الموجبة * لثقله (648) تبقى متشبثة بها بعد تبخر الأجزاء المائية منها فيزيد في ثقلها غير أنه لا يجب أن يقال إن الأخف مطلقا أفضل من الأثقل إلا بشرط اتفاقهما في الطعم، فإن من المحتمل أن يكون الأخف قد غلب عليه طعم معدني رديء والأثقل طعمه طعم طيب، وفي مثل هذه الصورة يكون الأثقل أفضل من الأخف. وذكر أبقراط في * صفات (649) المياه الفاضلة بسرعة تسخينه وتبريده لأنه كان قد * تقدم (650) في الفصل الماضي نفع الما فيما ذكره، وذلك إنما يكون بتبريده وتخديره.
البحث الثاني:
المياه على نوعين خفيفة وثقيلة فالخفيفة من كل نوع أفضل من الثقيلة، فلذلك كان من الواجب تلطيف المياه الثقيلة. والطريقة في ذلك من وجوه * خمسة (651) : أحدها الترويق، وثانيها التصعيد، وثالثها التقطير، ورابعها المخض، وخامسها الطبخ. فهذه الأمور الخمسة إذا استعمل الواحد منها في المياه الغليظة لطف * قوامها (652) وخفف وزنها، وإن استعملت جملتها كان أبلغ في ذلك. أما الترويق PageVW5P227B فهو أن يجعل الماء الكدر في راووق قد طلى باطنه * بقلب (653) لوز حلو مدقوق دقا بالغا أو بخبز مبلول بماء بحيث أن مسام الراووق يضيق إلى الغاية ويعلق الراووق ويترك الماء ينزل من ذاته فإنه ينحدر منه * الألطف (654) وتبقى الأجزاء الأرضية داخل الراووق. وأما التصعيد فهو أن يجعل الماء الكدر أو الغليظ في قرع ويعلق * في (655) فم القرع أنبيق ويوقد تحت القرع نار هادية، وبالجملة يعمل به كما يعمل بماء الورد في استخراجه من الورد فإنه عند ذلك يقطر منه ألطف ما فيه وتبقى الأجزاء الأرضية محتبسة في القرع. وأما التقطير فهو أن يؤخذ قطعة لبد طويلة قليلة العرض ويجعل الماء الكدر أو الغليظ في * إناء (656) عاليا وطرف اللبد فيه وطرفه الآخر في إناء آخر متسفل فإنه عند ذلك يقطر منه ماء صاف إلى الغاية وتبقى الأجزاء الأرضية في الإناء الفوقاني وفي اللبد. وأما المخض فهو أن يجعل الماء الكدر في وعاء ويحرك تحريكا متواترا كما يفعل باللبن * الحليب (657) عند أخذ الزبد منه فإنه عند ذلك يثخن ويرق جرمه ويسهل على الأجزاء الأرضية إخراقه والرسوب في أسفله. وأما الطبخ فوجه إصلاحه للمياه المذكورة هو أن الواجب لغلظ قوام الماء أحد أمرين إما كثافته بالبرد وإما اختلاط أجزاء أرضية صغيرة الجرم به لا يدركها الحس ولا يقدر على خرق الماء والهبوط إلى أسفل. والأول * يزيله (658) بسبب ما يفيد الماء المذكور من السخونة، والثاني يزيله أيضا لأن تلك الأجزاء بطبعها تطلب الرسوب والهبوط إلى أسفل، والذي يمنعها من ذلك كثافة الماء وغلظ جوهره فيضعف جرمها عن إخراقه وهبوطها إلى أسفل. فإذا طبخ رق قوامه وتخلخل جرمه، وحينئذ يتهيأ لتلك الأجزاء النزول والانفصال عنه، ويدل * على (659) هذا القدر أن الماء المطبوخ إذا ترك إلى حين يبرد ووزن فإنه يصير * أخف (660) من الغير مطبوخ من صنفه. فإن قيل الطبخ يذهب لطيف الماء ويفنيه، وذلك بالتبخير، وإذا كان كذلك فكيف يقال إنه PageVW5P228A يلطف الماء ويرق قوامه؟، فنقول: الماء جوهر قريب من البساطة وتشابه الأجزاء غير أن تكثيفه وتغليظ قوامه يكون لأحد الوجهين المذكورن، والطبخ * يزيلهما (661) على ما عرفت. ويكون الذي انفصل منه بالتبخير مجانسا لما بقي منه غير * بعيد (662) عنه لأنه إذا تخلص من الشوائب تشابهت أجزاؤه * في (663) اللطافة فلم يكن للمتصاعد منه كثير فضل على ما فيه غير أن هذا القدر يحتاج إلى تفصيل وهو أن اختلاط الأجزاء الأرضية بالمائية على وجهين: أحدهما اختلاط بمعنى * المجاور (664) كالمياه الغليظة، وثانيها اختلاط بمعنى الممازجة كماء البحر. فما كان من المياه من القبيل الأول فالطبخ يلطفه ويزيل أرضيته عنه، وما كان من * المياه (665) من القبيل الثاني فالطبخ يزيده تكاثفا وغلظا. ولذلك صار ماء البحر إذا طبخ انعقد ملحا، فبهذه الوجوه يتوصل إلى تلطيف المياه الغليظة وتخليص الأجزاء الأرضية عنها، فإنها متى كانت لطيفة خفيفة في الوزن سهل انحدارها عن المعدة وخروجها عنها ويترتب على ذلك سرعة تنفيذها للغذاء المترتب عليه سرعة التغذية المترتب عليه سرعة تقوية القوة، هذا حكمه بالنسبة إلى التغذية. وأما بالنسبة إلى أمر آخر فهو امتناع توليد الحصا منه والتسديد للمجاري والمنافذ والإعداد لتوليد الأخلاط الغليظة الثقيلة.
البحث الثالث:
المياه أيضا على نوعين: معدنية وغير معدنية. * فالمعدنية (666) قوتها من قوة المعدن النابعة منه أو الذي هو مسلكها، ثم هذه على أنواع: ذهبية وفضية وحديدية ونحاسية ورصاصية وزفتيه وكبريتية وشبية ونفطية وزاجية ونشادرية وملحية. فالذهبية وهي * النابعة (667) من معدن الذهب أو السالكة فيه مفرحة مقوية للقلب مزيلة للهموم والغموم نافعة من ضيق الصدر. والفضية قريبة من ذلك. والحديدية مقوية للأحشاء، ولذلك * صارت (668) تنفع من الإسهال * المزمن (669) . والنحاسية تفسد المزاج وتوقع في سوء القنية، وقيل إنها توقع في البرص لخاصية فيها وترهل السحنة. والرصاصية PageVW5P228B توقع في قروح المعاء. والزفتية تسخن المزاج وتحرق المواد * وتولد (670) الصفراء والاغتسال بها بعد تنقية البدن ينقي السحنة من الجرب والحكة والبهق والبرص والكلف والنمش والبرش. وكذلك حكم المياه الكبريتية والشبية PageVW1P142B باردة يابسة تنفع من الإسهالات المزمنة والاستحمام بها يكثف المسام ويوقع في الحميات الاستحصافية. والنفطية حكمها قريب من حكم الزفتية. والزاجية حارة يابسة تجفف البدن وتوقع في الدق والاستحمام بها ينفع من الأمراض الرطبة المادية والسادجة ويجلو السحنة مما فيها وقد عرفته. والملحية تجفف البدن وتحدث الحكة * والجرب (671) وتضعف البصر وتسهل أولا ثم تقبض. وأما الغير معدنية فهي * على (672) أصناف: مياه العيون ومياه الأمطار ومياه * النز (673) . أما مياه العيون فهي من المياه الفاضلة، وذلك لأنها حادثة عن أبخرة كثيرة قوية الاندفاع بحيث أنها تفجر الأرض وتخرج منها مستتبعة موادها بإمداد البخار الكثير لها. وقد علم أن الماء متى كان كثيرا قويا * دائم (674) الجريان لم يؤثر فيه ما يخالطه من المفسد * الأرضي (675) غير أن * فضيلة (676) * مياه (677) الأعين لا تتم إلا بعد مراعاة شروط تسعة: أحدها أن تكون غمرة أي متوفرة المقدار، فإن الماء متى كان كذلك بعد * عما (678) يؤثر فيه المفسد الأرضي؛ وثانيها أن تكون نزية منبعها حرة اي نقية من الأوساخ وأقدار البدن، ومن القوة المعدنية أيضا فإنه متى كان كذلك خلص مما * يشوبه (679) من الشوائب والرديئة * والممتزجات (680) الغريبة؛ وثالثها أن يكون مسيلها حجريا، وذلك ليتلطف الماء * بمصاكته (681) لها، وأيضا فإنه متى كان كذلك بعد عن قبول الآفات ومنهم من قال إن الطيني الحر أجود من الحجري لأن الطين الحر يخلص الماء من الشوائب الرديئة؛ ورابعها أن يكون مسلكها مكشوفا لينا له حظ متوفر من حر الشمس الملطف لجوهر الماء، وأيضا لتمر بها الرياح وتكشح عنها الأبخرة المرتفعة من منبعها ومسلكها؛ وخامسها PageVW5P229A أن تكون بعيدة المنبع، وذلك ليتلطف جوهر الماء بكثرة الحركة لطول المسافة؛ وسادسها أن تكون شديدة الجريان منحدرة من مكان عال لأن قوة الحركة مما تلطف * المياه (682) ؛ وسابعها أن يكون جريان الماء إلى جهة المشرق لأنه قد عرف أن هذه الرياح معتدلة بين الكيفيات الأربعة؛ وثامنها أن يكون الماء أبيض اللون أي شفافا لا رائحة له ولا طعم رديء، فإنه متى كان كذلك كان أقرب إلى البساطة؛ وتاسعها أن يكون خفيف * الوزن (683) ، فإنه متى كان كذلك كان لطيف الجوهر وماء النيل لما اجتمع فيه أكثر * هذه (684) الصفات أفرط قوم في مدحه فإنه قد اجتمع فيه من الصفات المذكورة خمس بعد المنبع فإنه من وراء خط الاستواء وطيب المسلك وأخذه إلى الشمال عن الجنوب فتصلحه الرياح الشمالية بعد ترطيب الرياح الجنوبية له وغمورته وحلاوة طعمه. فهذه شروط تمام فضيلة مياه الأعين. وأما ماء المطر فهو أفضل المياه، وذلك للطافة مادته لأنها * إما (685) بخار متصاعد من المياه تتراكم في الجو وتقطر ماء وإما انقلاب بعض الأجزاء الهوائية إلى المائية على ما عرفت. فإن كان الجو خاليا من الأدخنة والغبار كان القاطر في غاية الجودة والفضيلة. ولذلك ذهب أبو سهل المسيحي إلى أن الشتوي أجود من الصيفي خلافا لابن سينا. وقد حررنا القول في هذه المسئلة في شرحنا لكليات القانون. ولما كان * حال (686) ماء المطر كذلك كان من أفضل المياه خفيفا على المعدة لطيف الجوهر، إلا أنه قابل للعفن. قال أبقراط: والعلة في * هذا (687) ارتفاع مادته التي هي البخار من مواضع مختلفة، وهذا فيه نظر، فإنه لو كان كذلك لكان ماء المطر من أردأ المياه. والحق في ذلك أن يقال إنه لما كان لطيف الجوهر صار المفسد الأرضي يؤثر فيه بسرعة، ولذلك صار ماء المطر إذا بودر إليه حين نزوله وأغلى حتى يتخلص من الشوائب الرديئة قل قبوله للعفن. وأما ماء * النز (688) فرديء لأن مادته قليلة المقدار عاجزة عن الجريان على وجه الأرض. وقد علمت أن ما PageVW5P229B كان كذلك تمكن المفسد الأرضي من التأثير فيه، ولذلك صار يوقع في أمراض رديئة. فإن كان مكشوفا كان أبلغ في الرداءة لتحليل الشمس لطيفة. فإن كان هناك أشجار ونباتات رديئة وغير رديئة كان أردأ لأن هذه تمنع البخار المتصاعد عن الانفصال عنه. ومثل هذه المواضع تسمى البطائح. وإذا كان عوض النبات أحجار كثيرة سمي ذلك الموضع آجاما، وهذه المياه جميعها رديئة جدا موقعة في أمراض رديئة. فهذا ما يليق ذكره من المياه بمثل هذا * الكتاب (689) .
البحث الرابع:
الماء الفاضل أوفقه لحفظ الصحة البارد المعتدل المقدار. أما برده فلوجوه خمسة: أحدها أنه ببرده يشد المعدة ويقويها فتقوى القوة الماسكة عند ذلك التي الهضم موقوف عليها؛ وثانيها أن القليل منه يغنى في تسكين العطش عن الكثير منه؛ وثالثها أنه ببرده يمنع البخار المتولد عن إحالة الغذاء من الصعود إلى جهة الدماغ؛ ورابعها أنه ببرده * يمنع (690) المواد البدنية من قبول العفن ويصلح العفن منها؛ وخامسها أنه يصلح مزاج القلب بالمجاورة ويمنع حرارته من الاحتداد. وأما اعتداله فإن القليل منه يغنى فيما ذكرنا والكثير * يحيل (691) بين جرم المعدة والغذاء المستعمل، وذلك مما يفسده لكن يجب أن يعلم أن الماء البارد على قسمين: * أحدهما (692) أن يكون برده مستفادا من أمر خارجي كما يحصل من الثلج، وقد عرفت حكمه؛ وثانيهما أن يكون برده ذاتيا كما في زمان الشتاء، وهذا أجود من الأول. وأما الحار القوي الحرارة فإنه إذا تجرع على الريق نقى المعدة مما فيها من المواد اللزجة وحلل رياحها ولين طبيعتها. فإن كان قد أغلى فيه مصطكي قوي جرم المعدة مع ذلك غير أن الأول يلين الطبع أكثر وإدمانه يهلهل ينسج المعدة والفاتر يغثي لأنه يذيب ما في المعدة من الرطوبات ولا يقدر على إخراجها بل تبقى محتبسة في المعدة وتطفو على وجه الماء وتلتصق بفم المعدة فتوجب الغثيان. والله أعلم.
27
[aphorism]
قال أبقراط: من دعته شهوته إلى الشرب بالليل وكان عطشه شديدا فإنه إن نام بعد ذلك * فهو (693) محمود.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه * لما (695) ذكر في الفصل الماضي الفاضل * من (696) المياه PageVW5P230A ذكر في هذا الفصل الوقت الذي يجب استعماله فيه والوقت الذي لا يجب استعماله فيه. فإن الفاضل من كل شيء فضيلته إنما تكمل إذا استعمل في وقته وبمقداره.
البحث الثاني:
الذي صح عندي في تفسير هذا الفصل أن أبقراط لم يأذن لمن دعته شهوته إلى الشرب بالليل أن يشرب أو لا يشرب لكنه إن شرب ونام بعد شربه فإنه أجود من أن لا ينام، وذلك لأن النوم يتدارك ضرر الشرب، وذلك * أن (697) العادة لم تجزنا بالشرب بالليل، فإذا شرب فيه فلا محالة أن ذلك الشرب يحدث في الهضم فجاجة وفسادا كحال الماء البارد إذا صب في قدر فيها طعام وهو يغلي على النار، فإذا حصل بعد ذلك نوم تدارك الضرر بما يحدثه من قوة الهضم وتجويده بسبب انعطاف الحرارة الغريزية والقوى الطبيعية إلى جهة الباطن، وهذا القدر حاصل عن العطش مطلقا سواء كان صادقا أو كاذبا. ولأجل هذا قال «من دعته شهوته إلى الشرب بالليل» ولم يقل «شهوته الصادقة أو الكاذبة». * قال (698) : وكان عطشه شديدا * لأنه (699) لم تجر العادة بشرب الماء في الليل. قال : الواجب أن لا يكون شربه إلا إذا كان العطش شديدا لأنه متى كان كذلك الواجب أن لا يترك استعمال ما يسكنه من شرب الماء.
البحث الثالث:
المشهور من كلام PageVW1P143A الفاضل جالينوس ومن كلام ابن أبي صادق في تفسير هذا الفصل أن العطش على نوعين: صادق وهو الحادث عن استعمال الأغذية والأشربة المسخنة، ومثل هذا النوع لا ينبغي أن ينام عليه لأن ذلك * يزيد (700) فيه بل الواجب أن يشرب ذلك الشخص رئة من الماء بشرط أن يكون امتصاصا ليكون انحداره وقرعه للمعدة بالتدريج، وهذا النوع خارج عن كلام أبقراط؛ وكاذب وهو الحادث عن استعمال أغذية لزجة تحيل ما يتولد منها بين جرم المعدة وبين الماء المشروب، ومثل هذا النوع من العطش الأجود لصاحبه أن لا يشرب ماء باردا بل أن ينام، فإن النوم بعد ذلك يعطف الحرارة الغريزية والقوى الطبيعية إلى جهة الباطن فتنهضم تلك الرطوبات وتتحلل وتنحدر عن المعدة، PageVW5P230B وشرب الماء المذكور يكثفها ويزيد في التصاقها بخمل المعدة. قال ابن أبي صادق: ولما كان المراد من العطش هذا النوع، قال «من دعته شهوته» فإن الذي يشرب للشهوة لا يكون شربه للعطش الصادق. وقال أيضا: فإنه إن نام بعد ذلك فذلك محمود والعطش الصادق لا يحمل التهاون به ولا النوم عليه. وهذا الكلام فيه نظر من وجوه ستة: أحدها أنه إذا * كان (701) شرب الماء البارد رديئا في العطش * الكاذب (702) وهذا العطش قد يحصل بالليل وقد يحصل بالنهار، وإذا كان كذلك فما بال أبقراط خصص كلامه بالليل؛ وثانيها الشهوة على نوعين، صادقة وكاذبة، وإذا كانت الشهوة يراد بها ذلك فلم * خصصت (703) الشهوة هاهنا بالكاذبة دون الصادقة؛ وثالثها الأغذية المعطشة تعطيشها على نوعين إما للغسل وإما للإسالة، فأما التي للغسل * فكالأغذية (704) المالحة فإنه تحت الطبيعة على طلب الشرب ليغسل ما صار في المعدة منها، وأما التي للإسالة فكالأغذية اللزجة فإن الطبيعة تطلب الشرب ليرق قوامها ويسهل نفوذها ويزول التصاقها بخمل المعدة، وإذا كان كذلك فكيف يجوز أن يقال إن الشرب عند حصول العطش الحاصل عن المواد المذكورة رديء؛ ورابعها أن العطش سواء كان صادقا أو كاذبا فإنه مؤذ وكل مؤذ مضر بالفعل وكل مضر * بالفعل (705) فالواجب مقاومته وقهره بإيراد ما * يضاده (706) ، والعطش معناه افتقار الطبيعة إلى البارد الرطب فمتى حصل * لا (707) سيما وكان شديدا سواء كان بالليل أو بالنهار، وعلى أي وجه كان الواجب * تسكينه (708) بالشرب؛ وخامسها أن دفع الرقيق من الدافع أسهل من دفع * العليل (709) أو * اللزج (710) ، ولا شك أن العطش الكاذب إذا شرب صاحبه ماء باردا فإنه بعد لحظة تسيل تلك المادة اللزجة ويرقق قوامها لأنه يختلط بها ويسخن بسخونتها، ولذلك أمر الأطباء لصاحب الهيضة * من (711) رطوبات فاسدة ملتصقة بخمل المعدة إذا شرب ماء باردا لأجل تسكين عطشه أن يصبر على ما يحصل له من العطش بعد ذلك، وذلك ليرق قوام تلك PageVW5P231A المادة اللزجة ويزول التصاقها بخمل المعدة ويسهل على الطبيعة دفعها، * وإذا (712) كان الحال كذلك فكيف صار صاحب العطش المذكور إذا نام بلا شرب كان ذلك أجود من نومه بشرب؛ وسادسها أن التفسير المذكور لم تعطه * لفظة (713) أبقراط فإنه قال إنه إن نام بعد ذلك فهو محمود، ويكون تقدير قوله من أوجبته له شهوته أن يشرب بالليل فإنه إذا نام * بعد (714) شربه فهو محمود، وذلك لما قلناه.
البحث الرابع:
قد عرفت أن معنى العطش افتقار الطبيعة إلى البارد الرطب، وسببه إما من خارج * وإما (715) من داخل. والأول كاستعمال الشراب العتيق الصرف والمياه المالحة والأغذية المسخنة بالفعل أو بالقوة والأدوية المسخنة. والثاني إما عام للبدن وإما خاص بعضو، والعام كالحاصل في الحميات الحادة الملتهبة، والخاص إما بوسط أو بغير وسط، والوسط كالكائن بشركة القلب أو الرئة في سوء مزاجهما * الحار (716) الساذج والمادي، * وكالكائن (717) بمشاركة الدماغ كما في المانيا * والسرسام (718) ، وكالكائن بمشاركة الماساريقا عندما يحصل فيها سدد بحيث أنها * تحيل (719) بين الماء ونفوذه إلى البدن فلا يسكن العطش وإن شرب ماء كثير، ولذلك صار يقوى في الاستسقاء، وكالكائن بمشاركة الكبد وذلك * كما (720) في ورمها الحار والبارد أيضا لأنه يمنع الماء المشروب من الوصول إلى جهة * الأعضاء (721) ، وقد يكون بشركة الكلي، وذلك كما في ديابيطس. والخاص بغير وسط كسوء مزاج عارض للمعدة إمأ ساذج أو مادي أو لرطوبات لزجة ملتصقة بخملها، فإنها متى كانت كذلك أحالت بين جرم المعدة والماء المشروب. والله أعلم.
28
[aphorism]
قال أبقراط: التكميد بالأفاوية يجلب الدم الذي يجري من النساء وقد كان ينتفع به في مواضع أخر لو لا أنه يحدث في الرأس ثقلا.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما كان كلامه في الفصول الماضية في الحار والبارد وكان ذلك عاما فيما يستعمل داخلا وخارجا وكان غرضه أن ينتقل إلى أمراض النساء، ذكر في هذا الفصل ما يتعلق بالمعنيين جميعا وهو التكميد بالأفاوية. ومراده بموضع PageVW5P231B التكميد العانة وبالجملة حول المنفذ الذي جرت العادة بجريان دم النساء منه وهو الحيض، ودم النفاس الذي هو مراد أبقراط بالدم، فهذه الأفاوية المكمد بها في الدفع المذكور تناسب الفصول الماضية لحرارة مزاجها والفصول المستقبلة بما يجلبه من الدم المذكور غير أنها لا تجلب ذلك إلا بعد اعتبار شروط وهو أن يكون سبب احتباس ذلك الدم إما غلظ المواد أو تكاثف المسام عن برد قوي أو سدة في المجاري، فمتى كان احتباس دم النساء عن هذه فالتكميد بذلك يسيل الدم المذكور. وأما متى كان احتباسه عن ورم حار أو ميلانه أةو غير ذلك مما أشبهه فالأفاوية تزيد ذلك ضررا.
البحث الثاني
في معنى التكميد: نقول: الأدوية تستعمل من داخل ومن * خارج (723) ، واستعمالها من خارج على وجوه تارة * تكميدا (724) وتارة نطولا وتارة تضميدا وتارة طلاء وتارة مسحا وتارة نثرا وتارة درورا وتارة مرهما. أما التكميد فهو أن تسخن الأدوية أو تبرد وتلصق بالعضو الألم إما يابسه وإما مبلوله ببعص الرطوبات. وأما التنطيل فهو أن تطبخ الأدوية ويستعمل ماؤها إما جلوسا فيه وإما سكبا على العضو لتغوص فيه قوى الأدوية التي داخل البدن، وهكذا تستعمل الأدوية المسخنة والمبردة والمرطبة والمجففة. * أما (725) التضميد فهو أن تطبخ الأدوية بعد سحقها ونخلها إلى الغاية وتجعل على خرقة وتلصق بالعضو. وأما الطلاء فهو أن تسحق * الأدوية (726) وتبل بالماء وتجعل على العضو. وأما المسح فهو أن يجعل على العضو شيء من الأدوية السيالة كالدهن وغيره ويمسح به العضو. وأما النثر فهو أن تسحق الأدوية اليابسة وتنثر على العضو * كالدرور (727) . وأما المرهم فهو أن تجمع الأدوية مسحوقة * منحولة (728) مطبوخة ببعض الأدهان أو ببعض الدسومات وتجعل على قطن أو على خرقة وتوضع على العضو. وهذه الأدوية جميعها إذا استعملت من خارج البدن فقد ترد بجواهرها إلى داخل PageVW5P232A البدن في ثقب صغيرة جدا لا يدركها الحس وهي المسماة بالمسام ومنها يستفرغ العرق وبالجملة فضلة الهضم الرابع. وأما استعمالها من داخل فقد يكون من الفم ومنه ترد على أكثر أعضاء البدن، وقد يكون من المنخرين، وقد يكون من الأذنين، وقد يكون من أحد السبيلين. والعرض من اختلاف هذه الجهات أن تكون مسافة الدواء قصيرة، وذلك ليلقى الدواء العضو المأووف وقوته باقية تقيء بمقاومة ما يؤلمه. وأما الغذاء فإنه لا يستعمل إلا من داخل * البدن (729) ، وذلك لوجهين: أحدهما أن العضو الذي هو شرط في إظهار ما في الأغذية من القوة إلى الفعل وهو الاستحالة إلى الكيلوسية ثم الدموية موجود في الباطن البدن؛ وثانيهما أن القوة التي تحيل الغذاء إلى جوهر المغتذي ليس لها وجود إلا في عمق البدن. وأما الدواء فإن المخرج لما فيه من القوى الدوائية موجود في الظاهر والباطن، وإن كان في الباطن قوي، ولذلك صار تأثير الأدوية إذا استعملت في الظاهر والباطن بشرط اتفاقهما PageVW1P143B في النوع والصنف ودرجة الدواء كان استعمالها في الباطن أبلغ مما إذا استعمل ذلك بعينه في الظاهر والدواء يستعمل من داخل والمرض في ظاهر البدن، وذلك إذا كان السبب الذي يمده من داخل البدن، وقد يستعمل من خارج والمرض في الداخل، وذلك لأحد أمرين إما لأن أخذ الدواء لا يمكنه أخذه وإما لأن يراد بقاء قوة الدواء مدة طويلة، ومع * هذا (730) فاستعمال الدواء من داخل البدن ضروري لما في الأدوية من القوى المتفتتة التي هي أول وثواني وثوالث فإن المخرج لهذه إلى كمال فعلها وتأثيرها القوى الطبيعية بالحرارة الغريزية وهما في باطن البدن أوفرهما في ظاهره. والدواء يستعمل من داخل البدن لخمسة أغراض إما * لتغير (731) مزاج البدن كالأدوية المسخنة أو المبردة وإما ليزيد في جوهر البدن كالأدوية المسمنة وإما لينقص من جوهره كالأدوية المهزلة وإما ليستفرغ من البدن شيئا كالأدوية المسهلة وإما ليحبس المستفرغ من البدن كالأدوية PageVW5P233B الحابسة للإسهالات. ويستعمل من خارج لخمسة أغراض أيضا إما ليبدل مزاج البدن * كالأدوية (732) المسخنة والمبردة وإما ليزيد في جوهر البدن كالأدوية المنبتة * لللحم (733) وإما لينقص من جوهر البدن كالأدوية * الأكالة (734) * لللحم (735) الزائد في القروح وإما ليستفرغ شيئا من البدن كالأدوية المعرقة وإما ليحبس شيئا مما هو خارج من البدن كالأدوية الحابسة للعرق.
29
البحث الثالث:
الأفاوية هي الأدوية المسخنة العطرة الرائحة كالسنبل والسليجة والبسباسة والدارصيني والقسط والزنجبيل والخولنجان
فإن هذه الأدوية * لحرارة (736) مزاجها تسخن المواد وترقق فوامها وتفتح المجاري، فلذلك تجلب سيلان الدم * للنساء (737) إذا كان سبب احتباسه * ما (738) ذكرنا وينتفع بها في مواضع أخر * لتسخين (739) الأعضاء الباردة وإزالة سوء المزاج بعد نقاء البدن إلا أنها لتبخيرها توجب ثقلا في الرأس ثم الصداع. فالطمث متى توقف مجيئة لما ذكرنا واستعملنا هذه الأدوية على ما ذكرنا، جرى على العادة، وكذلك دم النفاس. ولنبسط القول في أمر الطمث فنقول: الطمث فضلات بدن المرأة، ولذلك يختلف مقداره بحسب اختلاف النساء في السمن والهزال * والسخافة (740) والتلزز وكثرة الغذاء وقلته وكثرة الحركة وقلتها، وخص النساء بذلك دون الرجال لبرد أمزجهتهن وقلة حركاتهن، ولذلك صار من كان منهن كثيرة الحركة كان طمثها قليلا. إذا عرفت هذا فنقول: الطمث المعتدل المقدار والكيفية * والمجاري (741) على عادته سبب لصحة * مزاج (742) المرأة ونقاء بدنها والتقدير المعتدل لجريانه في كل عشرة أيام وإلى ثلاثين يوما، فإن من النساء من يجري طمثها في كل عشرة أيام مرة لكن هذا نادر الوقوع، وفي الأكثر في كل ثلاثين يوما أو في * اثنين (743) وعشرين يوما، ومدة جريانه أربعة أيام وطهرها في الغاية منه في سبعة أيام، وما تقدم على ذلك فإنه يسمى نزفا وما تأخر عن ذلك فإنه يسمى احتباس دم الطمث، وانقطاعه يكون من خمسة وثلاثين سنة إلى أربعين سنة من PageVW5P233A عمر المرأة، وربما تأخر انقطاعه إلى ستين سنة، وما بعد الستين قلما يجري للمرأة طمث. فإن كثر جريانه فإنه يسمى نزفا، والمرأة ينقطع حبلها عند انقطاع دم طمثها. والله أعلم.
30
[aphorism]
قال أبقراط: المرأة الحامل إن فصدت أسقطت وخاصة إن كان طفلها قد عظم.
[commentary]
الشرح: أما صلة هذا بما قبله فهو أنه لما تكلم في الفصل الماضي فيما يجلب دم النساء عند احتباسه، قال في هذا الفصل: ولا ينبغي أن يستعمل ذلك مطلقا، فإنه متى كان احتباسه للحبل فلا ينبغي أن نستعمل * الفصد (744) خوفا من سقوط الجنين إلا لضرورة * عظيمة (745) لا سيما متى كان الطفل قد عظم، وذلك لأن معظم ما يخرج بالفصد * الدم (746) الذي هو العمدة في التغذية. أما على مذهبنا فإنه * الغاذي (747) بالحقيقة. وأما على مذهب جالينوس وشيعته فإنه الغاذي لأكثر الأعضاء. وقوله «وخاصة إن كان طفلها قد عظم» لأن الحاجة تكون إلى الغذاء شديدة جدا. وأما وصول الغذاء النسيم إلى الجنين فقد عرفته * في (748) المقالة الرابعة في البحث التاسع * من (749) شرح الفصل الأول * منها (750) ، وهذا الحكم من أبقراط بحسب الأكثر وغالب الأمر، والا فقد رأينا جماعة من النساء من الحبالي يفصدن ولا يحصل لأطفالهن ضرر فضلا عن الإسقاط، وبسبب إسقاط الجنين * بالفصد (751) عدمه للغذاء أو لقلته. ثم نقول: قلة الغذاء إما لإخراجه عن البدن كما في الفصد وإما لقلة الغذاء وتخفيفه * كما (752) في الصوم الطويل وإما لقلة الدم المتولد عن الغذاء وإن كان الغذاء في نفسه كثير المقدار كالفواكه والبقول وإما لكثرة لتحليل كما إذا * تحلحل (753) المسام أو حصلت حركة مفرطة. واقتصر أبقراط في قلة الغذاء على الفصد لأنه أظهر. وألله أعلم.
31
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة حاملا فاعتراها بعض الأمراض الحادة فذلك من علامات الموت.
[commentary]
الشرح: أما صلة هذا بما قبله فمن وجهين: أحدهما أن الفصل الماضي يتضمن ذكر ما هو رديء من جهة الغذاء، وهذا الفصل يتضمن ذكر ما هو رديء من * جهة (754) PageVW5P233B النسيم، فإن الأمراض الحادة على نوعين منها ما يكون معه حمى ومنها ما يكون من * غير (755) الحمى، فالتي معها حمى معروفة وضرر * هذه (756) بالنسيم ظاهر من جهة أنها تسخن الهواء الواصل إلى قلبه وتخرجه عن الاعتدال الخاص به الذي يصلح أن يكون مددا لأرواحة أو مادة له على اختلاف المذهبين، والتي هي خالية من الحمى كالتشنج والتمدد الامتلائيين والاستفراغين والسكتة والصرع بحسب نوائبه، وضرر كل هذه بالتنفس ظاهر من حيث أن الآفة حاصلة في المحرك للصدر أو في مبدأ الحركة، وعند ذلك لم يتحرك الصدر الحركة المعتادة فلم يحصل التنفس على ما يجب ويترتب على ذلك تغير مزاج الروح وانحرافه عن الاعتدال الخاص * به (757) ويحصل منه ما ذكرنا وينضاف إلى ذلك اشتغال طبيعة الأم بتدبيرها عن تدبير الولد لأن عناية طبيعة أمه بحفظ شخصها أبلغ من عنايتها بحفظ طفلها؛ وثانيهما أن الفصل الماضي يتضمن ذكر ما هو رديء من جهة الغذاء، وهذا الفصل فيه إشارة إلى ذلك، فإن المرض الحاد بالنظر إلى الطبيعة الواجب أن يلطف الغذاء فيه أو يترك على ما عرفت. وقوله «فذلك من علامات الموت» أي موت الجنين، وقال في هذا الفصل «من علامات الموت» وفي الفصل الماضي متى استعمل الفصد سقط الجنين لأن في هذا الفصل الضرر لاحق للحامل والمحمول في الفصل * الماضي (758) للمحمول فقط، ولذلك صار الجنين إذا كان خروجه للفصد يخرج وهو بالحياة في الأكثر، وصار عروض المرض الحاد للمرأة الحبلى من علامات موت الجنين، وذلك لوجهين: أحدهما أن المرض المذكور يحصل * للطبيب (759) وللطبيعة البدنية في مداواته حيرة من جهة الغذاء المستعمل فيه، فإنه إن راعينا أمر الجنين في التغذية وتقوية قوته ضاعفنا مادة المرض وزدنا البلية، وإن راعينا أمر المرض واستعملنا فيه من التغذية ما يقتضي طباعه وهو تخفيف الغذاء نكون قد فعلنا الواجب لكن ذلك مضر بالجنين وموجب لإسقاطه؛ وثانيهما أن المرض الحاد لا سيما * متى (760) كان معه PageVW5P234A حمى أو هو نفس الحمى فإن خروج المادة في * ذلك (761) إلى جانب الكيفية، وقد علمت أن هذا الخروج أذيته للقوة أكثر من أذيته للاوعية، ولأجل هذا سمي هذا النوع من الامتلاء امتلاء بحسب القوة لا بحسب الأوعية، والخارج في الكمية بعكس ذلك، وقد عرفت هذا جميعه. وإذا كان كذلك فتكون الطبيعة مهتمة لمقاومته اهتماما بالغا فإن هي أهملت جانب المرض والتفتت إلى جانب الجنين شفقة عليه استولى المرض عليها وأهلكها لأن المرض الحاد معناه القصير المدة * السريع (762) الخطر أو القصير المدة فقط. وإن أهملت أمر الجنين التفتت إلى جانب المرض شفقة على الحامل، هلك الجنين ومات. وإن توزع فعلها على الجهتين لم يدبر الطفل على الواجب ولا المرض أيضا فيسقط الجنين أو تطول مدة المرض والكل رديء. وألله أعلم.
32
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت PageVW1P144A المرأة تتقيأ دما فانبعث طمثها انقطع عنها ذلك القيء.
[commentary]
الشرح: أما صلة هذا بما قبله فهو أن المرض الحاد الحاصل للحبلى في الأكثر يكون معه حمى وبحران هذا للحبلى في الأكثر بالقيء. أما الأول فهو أن الغالب على المادة الطمثية من الأخلاط الدم والدم حار المزاج * لأن (763) خروج الأخلاط في الكمية مع حفظ النسبة في الأكثر والدم أكثر الأخلاط إذا كان حالها كذلك. وأما الثاني فهو أن الحبلى يعتريها القيء إلى الشهر الرابع فتكون الطبيعة قد اعتادت دفع المادة المؤدية إلى جهة المعدة فلذلك صار بحران مرضها المذكور في الأكثر بالقيء. وعبر أبقراط عما يخرج بالقيء في هذا الوقت بالدم لأنه هو الغالب عليه فسماه باسم الغالب. * وقوله (764) «إذا كانت * المرأة (765) تتقيأ دما * فانبعاث (766) طمثها يقطع ذلك القيء عنها»: غرض أبقراط بهذا الكلام أن ينبهنا على أمر وهو أنه يجب علينا أن نقتدي بالطبيعة في أفعالها وآثارها وهو أنا إذا رأينا المادة قد مالت إلى جهة ينبغي لنا أن نجذبها ونعكسها إلى جهة مضادة لتلك الجهة كما في هذه الصورة، فإن قطع هذه عن جهة المعدة يكون إما بالحيلة بجريان دم الطمث إن كان محتبسا أو بفصد بعض العروق PageVW5P234B السافلة أو بتعليق المحاجم على الساقين أو بخروج الدم من أفواه العروق. وذكر أبقراط في هذا الفصل قطعه بخروج دم الحيض لأن كلامه في هذه الفصول في الحبلى والحبلى دم حيضها منقطع فقال المرأة إذا حصل لها في دم * وكان (767) طمثها منقطعا سواء كان لحبل أو لغير حبل فإنه متى * جرى (768) * انقطع (769) عنها. وألله أعلم.
33
[aphorism]
قال أبقراط: إذا انقطع الطمث فالرعاف محمود.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أن هذا كالمقرر للأول أي أن المادة إذا كانت * منصرفة (771) إلى * جهة (772) * وصرفتها (773) الطبيعة إلى جهة أخرى انقطعت عن تلك الجهة لكن صورة هذا مقابلة لصورة الأول، فإن في الأول الدفع من فوق إلى أسفل وفي هذا من أسفل إلى فوق، وكلا الدفعين مزيل لمرض الجهة المقابلة.
البحث الثاني:
قال جالينوس: ما يشك أحد أنه يجب ضرورة أن يكون الدم الذي يستفرغ في كل شهر على ما ينبغي إذا احتبس بسبب من الأسباب أضر احتباسه بالمرأة وأنه إذا استفرغ من موضع آخر أنقد البدن كله من ضرر احتباسه إلا أن المواضع التي يمكن استفراغه منها كثيرة وليس شيء منها أعفى وأبعد عن المكروه من استفراغه من المنخرين الذي ذكره أبقراط في هذا الموضع. وأما شائر المواضع كلها فقد يلحق فيها الضرر ويختلف ذلك في أنه في بعضها أكثر وفي بعضها أقل. أقول: حاصل ما ذكره أنه لقائل أن يقول إن اندفاع مادة الطمث عند احتباسه * وقد (774) يكون بغير الرعاف ويحصل منه النفع والسلامة من غائلة ما يتوقع من ضرر احتباسه, وذلك كالدفع بالقيء والدفع من أفواه العروق، فلم ذكر أبقراط الدفع بالرعاف فقط وخصصه بالذكر فيقول: الدفع بالجميع يحصل به النفع غير أن ذلك بالدفع المذكور أبلغ. ولما كان النفع يحصل بذلك جميعه لم يقل * في (775) الدفع بالرعاف إنه أحمد أو محمود دون غيره بل قال: محمود مطلقا فالجميع يحصل به النفع لكن بالرعاف أبلغ. وإنما قلنا ذلك لأن الرعاف قد حصل منه فائدتان: أحدهما بعد الجهة في الغاية، فإن في ذلك تندفع المادة المؤذية عن العضو الضعيف بالكلية بخلاف ما إذا كان اندفاعها من أفواه العروق، فإن هذه قريبة جدا من محل المادة المندفعة عنه، PageVW5P235A وإذا كان كذلك فلا يحصل به النقاء التام؛ وثانيهما أن في الرعاف لا تمر المادة المؤذية بعضو شريف أو قوي الحس وحالها في القيء بخلاف ذلك، فإنها عند اندفاعها تمر بفم المعدة الذي هو عضو شريف قوي الحس فتؤذيه وتكون أذيتها له أذية بالغة لقوة حسه. ولما كان الحال في الدفع من الجهات المذكورة كذلك، ذكر الرعاف دون غيره لكن حدوث الرعاف لا يحمد عند احتباس دم الطمث إلا إذا كان * احتباسه (776) في وقت جريانه وفي زمان جريانه. وإلا فمتى كان في غير ذلك الوقت فهو مذموم. وقد عرفت فيما تقدم وقت جريانه وزمان جريانه. ولأجل هذا يجب أن يحمل كلام أبقراط على ذلك. وألله أعلم.
34
[aphorism]
قال أبقراط: المرأة الحامل إن لح عليها استطلاق البطن لم يؤمن عليها أن تسقط.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أن الضرر يلحق الجنين تارة من جهة غذائه وتارة من جهة * نسيمه (778) وتارة من جهة محله وتارة من جهة قواه. ولما تقدم منه ذكر ما يلحق من الضرر من جهة نقصان غذائه ومن جهة * نسيمه (779) ذكر في هذا الفصل ما يلحقه من الضرر من جهة محله الذي هو الرحم لكن هذا الضرر قد يحصل له بذاته وقد يحصل له بضرر ما يجاوره، وقد ذكر في هذا الفصل ما يحصل له بالمجاورة، وكان من الواجب أن يقدم ذكر ضرر الذاتي على * ذكر (780) ضرر المجاوري لأن ما بالذات متقدم على ما بالمجاورة فكان من الواجب أن يذكر الفصل الذي بعد هذا قبل هذا الفصل، وأبقراط فعل بالخلاف. أقول: والعلة في ذلك أن في الفصول الماضية كان كلامه فيها جميعها في الاستفراغ فذكر هذا الفصل بعد ذلك ليكون كلامه مناسبا لما هو متكلم فيه.
البحث الثاني:
الإسهال قد يكون قويا وقد يكون ضعيفا. فالقوي موجب لسقوطه سواء لح أو لم يلح، والضعيف موجب لذلك بطول زمانه. وهذا هو المعنى بقوله «إن لح» لأن * قوة (781) الأثر قد يكون لقوة المؤثر وقد يكون لدوام تأثيره، وهاهنا لما كان السبب ضعيفا صار لا يقدر على إيجاب ذلك إلا إذا كان دائم التأثير، وصار الإسهال المذكور يوجب السقوط، وذلك لضعف الرحم عن مسك الجنين بسبب ما يناله من الأذى بالمجاورة * لمرور (782) المواد الرديئة بالمعاء هذا * إذا (783) PageVW5P235B كان الاستطلاق من غير الورم، وإن كان من الدم حصل من ذلك نقصان الجنين غذاء الرحم فيضعف الرحم عن مسكه وقواه عن تدبيره هذا مع ما ينضاف إلى ذلك جميعه من تخفيف الغذاء اللازم لضعف الشهوة في الإسهال مطلقا ولاشتغال الطبيعة البدنية بمقاومة المؤذي الموجب لذلك عن تدبير الجنين.
البحث الثالث
في فائدة قوله «لم يؤمن عليها أن تسقط»: وذلك لأن الإسهال قد يكون لاستعمال أدوية، وقد يكون لا لذلك وهو إما لدفع الطبيعة وإما لاستعمال أغذية لزجة أو ملينة أو سوء تدبير في استعماله، وليس مراد أبقراط بإسهال الكائن للدواء لوجهين: أحدهما أنه قد منع من استعماله في وقت الحبل إلا لضورة عظيمة، وعند ذلك لم يراع أحوال الطفل؛ وثانيهما أن الكائن للدواء يكون قويا مفرطا في الأكثر وغالب الحال. وأبقراط يقول من لح عليها استطلاق البطن والإسهال لا يوجب ذلك بالإلحاح إلا إذا كان ضعيفا لأنه متى كان قويا أوجب ذلك من غير الإلحاح ولا الإسهال الحادث عن دفع الطبيعة لأن الكائن عن دفع الطبيعة يعقبه الخفة والراحة لا السقوط فبقي أن يكون مراده بالإسهال الموجب لذلك بالإلحاح هو الإسهال الحادث عما ذكرنا بالأغذية. ولا شك أن هذا أقل ضررا من الحادث عن استعمال الدواء المسهل لأن * هذا (784) فيه مضرتان: أحدهما الدواء المسهل بما فيه من القوة السمية، والثانية الإسهال بما هو إسهال. وأما الحادث عن الأغذية ففيه مضرة واحدة فكان الضرر الحادث عنه أقل من الحادث عن الدواء المسهل فلذلك قال «لم يؤمن أن يحدث معه إسقاط» ولم يقل تسقط قولا جزما. والله أعلم.
35
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان بالمرأة علة الأرحام أو عسر ولادتها فأصابها عطاس فذلك دليل محمود.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه قد عرف أن ضرر الجنين يكون لضرر محله أو لضرره في نفسه. ضرر محله قد يكون خاصا به، وقد يكون لضرر * مجاورته (786) . ثم لما تقدم ضرره المجاوري لما عرفت، ذكر في هذا الفصل الضرر الخاص به وهو اختناق * الرحم (787) . ومراده بالاختناق الطمثي لا المنوي PageVW5P236A فإن المنوي لا يكون معه حبل لأنه حادث PageVW1P144B من احتباس المادة المنوية، وذلك إما لبكورية المرأة وإما لبعد عهدها بالجماع وكانت معتادة له. وهذا جميعه لا يكون معه حبل، والحاصل للجنين نفسه هو ضعف قواه. وقد أشار * إليه (788) «أو عسر الولادة» فإن من جملة ذلك * أسباب (789) * ضعف (790) الجنين على ما ستعرفه. وذكر هذا الضرر مع الضرر الخاص بالعضو ولم يذكره في الفصل الماضي المتضمن ذكر الضرر المجاوري لأنه أنسب به فإن ذكر ضرر المحمول من نفسه أولى من ذكر ضرر المحمول من نفسه مع ذكر الحامل لمجاورته * غيره (791) .
البحث الثاني:
قال جالينوس: الغامض في هذا الفصل حرف واحد وهو قوله «علة الأرحام»، فإن قوما من اليونان فهموا من قوله هذا جميع علل الأرحام، وقوما فهموا منه أنه عنى بذلك المشيمة، وقوما فهموا منه أنه أراد بذلك اختناق الرحم. قال: والقول الأول خطأ فإن العطاس لا ينفع من قرحته ولا من ورمه لا سيما الحار ولا من جراحة. وقول الثاني أيضا باطل فإن العطاس وإن كان يعين على إخراج المشيمة غير أنه لا يجوز أن يقال إن لفظة الرحم تطلق على المشيمة فقد جاء في كلام أبقراط الرحم والمشيمة وهكذا عندنا اليوم فإن هذا اللفظة لا تطلق على المشيمة البتة فلم يبق ما هو حق سوى القول الثالث والعطاس في هذه العلة محمود من حيث هو سبب ومن حيث هو علامة. أما الأول فمن وجهين: أحدهما من جهة حركته ونفضه تثير الطبيعة لدفع المؤذي، ولذلك صار نافعا من الفواق؛ وثانيهما أن هذه * الحركة (792) يلزمها انقباض الأعضاء ثم انبساطها ويتبع ذلك دفع ما هو ملتصق بسطوحها، ونفضه مثل المادة المنوية والطمثية في هذا المرض والفواقية من المعدة. وأما الثاني فمن وجهين: أحدهما أن هذا المرض يتعطل فيه الحس والحركة، ولذلك صار يشابه السكتة، فإذا حصل فيه عطاس دل على حس ما للدماغ يشعر به عند ورود المؤذي عليه؛ وثانيهما أنه يدل على نهوض الطبيعة البدنية لمقاومة المؤذي. ولا شك أن هذا القدر يدل على ضعف السبب عن أن تقهر القوة البدنية. هذا حكم العطاس PageVW5P236B في اختناق الرحم. وأما في عسر الولادة فإن العطاس مما يعين على سهولة خروج الجنين، وذلك من جهة إنهاضه للطبيعة وهزه للأعضاء ولعلائق المشيمة فهو محمود من حيث هو سبب فقط.
البحث الثالث:
اختناق الرحم حاله يشبه الصرع والغشي، وذلك لارتفاع أبخرة سمية من جهة الرحم إلى الدماغ والقلب * لاستحالة (793) مادة مختنقة فيه إلى تلك الكيفية وهو على نوعين: منوي وطمثي. أما المنوي فإن المادة المنوية إذا طال زمان احتباسها إما للبكورية أو لبعد العهد بالمجامعة بعد كثرة الاعتياد له اجتمعت وتراكمت بعضها على بعض واستحالت إلى كيفية سمية، فإن المادة المذكورة أقبل للاستحالة من الدم، وإن كانت متولدة منه كاللبن فإنه أقبل الاستحالة من الدم، وإن كان متولدا عنه وذلك للطف المني واللبن بسبب الاستحالة الثانية ولتوفر الرطوبة عليهما، ولذلك كان المنوي أردأ من الطمثي وأقبل. وهذه العلة لها أدوار غير أن هذه الأدوار قد تكون متباعدة وقد تكون متقاربة، وذلك بحسب اختلاف المادة في مقدارها وكيفيتها وقوة الرحم وضعفه، ومتى تقاربت نوائب هذه العلة قبلت كل هذا بما يرتفع من تلك المادة إلى القلب والدماغ. أما القلب فيتأدى الأرواح الحيوانية وخروجها عن أمزجتها الصالحة بها لأن تقبل القوى الحيوانية والحرارة الغريزية، ولذلك صار يحصل من ذلك الغشي. وأما الدماغ فيتأدى بما يرتفع إليه من ذلك وتتعطل قواه المحركة والحساسة عن النفوذ في مسالكها، وعند ذلك تتعطل حركة التنفس ويترتب على ذلك عدم دخول الهواء البارد * إلى (794) الرئة أو تعذره وكذلك خروج البخار الدخاني. ويحصل من هذا جميعة تغير الأرواح الحيوانية عن صلاحتها لقبول الحياة. ولذلك صارت هذه العلة إذا تواترت نوائبها قتلت. وأما الطمثي فسببه احتباس المادة الطمثية وتراكمها في الرحم واستحالتها إلى الكيفية المذكورة لسدد في مجاري الرحم فترتفع تلك الكيفية إلى القلب والدماغ وتوجب ما ذكرنا في المنوي. ومما ذكرنا يعلم الفرق بين المنوي والطمثي PageVW5P237A ويعلم أيضا مشابهة هذا المرض للصرع والسكتة * لكن (795) الفرق بينهما وبين الصرع من وجهين: أحدهما أن الصرع يكون معه زبد وهذان لا يكون معهما ذلك لبعد الآفة عن الدماغ؛ وثانيهما أن الصرع لا يتقدمه احتباس دم الطمث ولا عدم الجماع * إلا (796) بعد العهد * باستعماله (797) وهذه العلة يتقدمها ذلك. وأما الفرق بين اختناق الرحم وبين السكتة فهو أن الاختناق يتقدمه ما ذكرنا والسكتة لا يتقدمها ذلك، وهذا المرض لا يتعطل فيه الحس والحركة، ويتعطل ذلك في السكتة.
البحث الرابع:
عسر الولادة تارة يكون من جهة الحبلى وتارة يكون من جهة الجنين وتارة يكون من جهة المشيمة وتارة يكون من جهة المجاور وتارة يكون من جهة أسباب بادية. أما الكائن من جهة الحبلى فهو أن تكون ضعيفة * أو (798) لمقاساة أمراض متطاولة أو جوع مفرط أو أن تكون المرأة جبانة أو غير معتادة للحمل والوضع فيكون فزعها أكثر ووجعها أشد أو أن تكون * عجوزة (799) ضعيفة القوى أو قليلة الصبر على الألم والوجع أو تكون كثيرة التقلب والتململ فيؤدي ذلك إلى سبب أخر وهو تغير الشكل الطبيعي عن الهيئة الموافقة للخروج. وأما الكائن من جهة المولود فهو أن يكون كبيرا أو كبير الرأس أو له رأسان أو تكون أنثى فإن ولادة الأنثى أعسر من ولادة الذكر، وذلك لضعف قواها أو يكون ضعيف القوة فيكون ضعيف المعونة على الخروج أو خرج على شكل غير طبيعي. وأما الكائن من جهة الرحم فتكون * ضعيفا (800) أو يكون فيها ورم أو شقاق أو بواسير أو أنها كانت رتقا فشق الصفاق عن فمها شقا غير * مستوف (801) ويكون حالها حينئذ كحالها إذا كانت * ضعيفة (802) خلقة. وأما الكائن من جهة المشيمة فهو أن تكون غليظة فلا يقبل الخرق بسرعة فلا يجد الجنين مخلصا أو * يتخرق (803) بسرعة وتخرج الرطوبات قبل خروج الجنين فلا يجد مزلقا بعينه على الخروج. وأما الكائن من جهة المجاورة فهو أن يكون في المثانة ورم أو في المعاء أو فيها ثفل يابس فيزاحم فم الرحم ويمنع الجنين من الخروج بسرعة. والكائن من جهة الأسباب البادية PageVW5P237B مثل أن يشتد البرد في وقت الولادة أو تكون المرأة كثيرة التعطر وشم الطيب في حال الحبل فيكون الرحم دائم الانجذاب إلى فوق. والله أعلم.
36
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان طمث المرأة متغير اللون ولم يكن مجيئه في وقته دائما دل ذلك على أن بدنها محتاج إلى التنقية.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما تكلم في الفصل الماضي في اختناق الرحم وقد عرفت أن مراده بالاختناق PageVW1P145A الطمثي أراد أن يتكلم في ضرر آخر يحصل للمرأة من طمثها من غير الوجه المذكور الذي صار به يحدث اختناق الرحم وهو تغير لونه ووقت مجيئه.
البحث الثاني
(805) : مراده بتغير اللون أي عن اللون الجاري به العادة، وذلك لغلبة مادة لونها ذلك اللون. فإن الطمث الطبيعي لونه مائل إلى الحمرة، فمتى تغير عن هذا اللون فهو لما ذكرنا. ويعرف هذا الخلط بلون الطمث وبأمر آخر وهو أن تؤخذ خرقة * كانت (806) نظيفة إلى الغاية تحملها المرأة حتى تنتقع بالدم ليلة واحدة ثم تغسل ثاني يوم فأي لون مالت إليه فمادة ذلك اللون مستولية عليه. ثم هذه المادة تارة تندفع مع الطمث بالكلية وتارة لا تندفع بالكلية بل يبقى منها بقية في البدن يحتاج البدن بسببها إلى ما يخرجها. وتسمية هذا الأمر بالتنقية أولى من تسميته بالاستفراغ لأن العادة جرت بإخراج بقايا الأخلاط التي تخلفت عن الاستفراغ تنقية والمخرج لها منقيا غير أنا نحتاج أن نعرف هل بقي في البدن بقية يحتاج بسببها إلى تنقية أو ليس قد بقي في البدن منها شيء . ولا يعرف ذلك بالخفة والراحة فإن الخفة والراحة لازمان لكلي * الحالين (807) ، فإن كلتا الحالتين يلزمها الاستفراغ من الخلط الغالب المستولي على البدن غير أن في أحدهما تبقى بقية وفي الآخر لم تبق فيه بقية. وإذا كان كذلك فحصول الخفة والراحة لا يدل على أن الاستفراغ مستأصل للمادة بل الفرق بينهما ما ذكره أبقراط هاهنا وهو مجيئه في وقته، فإنه متى كان متغير اللون وكان مجيئه في وقته دل على * أن (808) الاستفراغ مستأصل للمادة لأنه يدل على أنه لم يتخلف في البدن بقية غليظة موجبة لتأخر مجيئه ولا لطيفة PageVW5P238A حادة موجبة لسرعة مجيئه. وأما متى كان متغير اللون ولم يكن مجيئه في وقته فإنه يدل على بقايا متبقية في البدن فلأجل هذا جعل الدليل على الحاجة إلى التنقية مجيئه متغير اللون في غير وقته. * فالحاصل (809) أنه في هذه الصورة يدل على أحد أمرين إما على إحفار الطبيعة واستعجالها بالدفع إذا كانت المواد المغيرة * لللون (810) حادة لطيفة أو على تعسر الدفع عليها إذا كانت غليظة. وقد يمكن أن يفهم تأويل هذا الفصل على وجه آخر وهو أن يقال: إذا كان طمث المرأة متغير اللون أو كان مجيئه في غير وقته فإن بدنها محتاج إلى التنقية. أما الأول فلدلالة * اللون (811) على غلبة مادة من المواد عليه. وأما الثاني فلدلالته على احتباس مادة رديئة في البدن يحتاج إلى إخراجها وهي الحاصلة * باحتباس (812) الطمث غير أن فيه تغير الصيغة الفصل لأن فيه ألفاء زائدة. وإيضا فإن البدن الذي لم يجر طمثه في وقته لم يسم إخراج ما فيه تنقية بل استفراغا. وأبقراط قال تنقية قوله ولم يكن مجيئه في وقته دائما من تأول الفصل بالتأويل الأول. قال معنى هذا دائما لم يكن مجيئه في وقته * دائما (813) ، ولا شك أن الأول غير الثاني، فإن الأول سلب دائم والثاني سلب الدوام، والسلب الدائم غير سلب الدوام لأن الثاني لا ينافي كون الشيء أكثريا والأول ينافيه، وإذا كان الثاني كذلك فحينئذ لا يدل على * بقية (814) يحتاج سببها إلى استعمال التنقية. ومن تأوله بالتأويل الثاني لم يكن عنده فرق بين تقديم الدوام على السلب أو السلب على الدوام. والله أعلم.
37
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة حاملا * فضمر (815) ثدياها بغتة فإنها تسقط.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة: قال جالينوس: هذا الفصل مثل الفصول الماضية * التي (817) تدل على ما يعرض للطفل في البطن بسبب نقصان غذائه. فإن بين الثدي والرحم مشاركة بالعروق، فإذا نقص الدم في تلك العروق ضمر الثديان، وسبب نقصان الغذاء ربما مات الطفل وربما تحرك للخروج. قال الأطباء: إذا احتوت الرحم على المني انضمت أفواه الأوردة التي في الرحم واحتبس دم الحيض إلى حين تتكون المشيمة وتتكون فيها الأوردة وتتصل فوهات الأوردة التي فيها بفوهات تلك الأوردة وينفذ فيها دم PageVW5P238B الحيض. وعند ذلك ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أجوده وأفضله وأحلاه يغتذي به الجنين، فكل عضو يحدث منه ما يناسبه ويلائمه منه. وقسم منه قريب من هذا يصعد إلى الثديين في العروق المشتبكة بينهما فيستحيل هناك لبنا غير أن هذا يكون في أول الحمل * قليلا (818) جدا لوجهين: أحدهما لأن العهد بخروج الدم بالحيض قريب فلا يكون ما يفضل من الدم لأجل اللبن له مقدار يعتد به، فلذلك لم يظهر العظم في الثديين في أول الحمل؛ وثانيهما * لأن (819) الجنين بعد صغير بطيء الخروج فلم تحتج الطبيعة أن تهيء له غذاء معدا له لأن يغتذي به بعد خروجه. وقسم منه يبقى محتبسا يصعد منه شيء في أول الحمل إلى المعدة في العروق التي تشاركها الرحم بها وتوجب الشهوات الرديئة المسماة عند الأطباء بالوحام إلى الشهر الرابع إلى حين تكبر المشيمة وتتسع ويسع ذلك المقدار من الدم، ولذلك صارت هذه الشهوة تنقص بمقدار ما يعظم المشيمة ويكبر الجنين ويكون ما يجذبه من الدم الصالح لتغذيته مقدارا متوفرا ثم يحتبس هذا * القسم (820) بعد ذلك ويخرج مع الجنين ليعينه على الخروج بالإزلاق، ولذلك صار هذا الدم متى سبق خروجه لخروج الجنين تعذر الطلق * وعسر (821) خروج الجنين. واعلم أن الحق عندي أن هذا القسم الثالث هو بالحقيقة الطمث لا ما يغذو الجنين ولا ما يصعد إلى الثديين لأن دم الطمث فضلة بدن المرأة وهو من الفضلات التي لم ينتفع بها في التغذية كالبراز والبول، فإنه لا ينتفع بهما إلا نادرا ودم الطمث لا ينتفع به إلا في وقت خروج الجنين، ولذلك اشتق له اسم من * النجاسات (822) فسمي طمثا، ودم يكون حاله كذلك كيف يجوز أن يقال إنه يغذي بدنا تكون القوى فيه عاجزة ضعيفة عن إحالة الدم الجيد الفاضل إلى جوهر الأعضاء لو لا ما تعينه حرارة أمه الحاصلة له بالانحصار فكيف الدم الفاسد بل الحق في ذلك أن الطبيعة البدنية ترسل في هذا الوقت دما صالحا من أجود دم في البدن وأفضله لغذاء الجنين غير أنه لما لم يكن له مجاري دم * للحيض (823) صارت تنفذه * في (824) تلك المجاري فتخالط تلك المادة PageVW5P240A عند مجيئها في وقتها، فإن وقت اندفاعها إلى الرحم لم يتغير البتة غير أنه في زمان الحمل لم يخرج إلى خارج لما * ذكره (825) . فإن قيل هذا الكلام فيه نظر من وجوه ثلاثة: أحدها * أن (826) الجنين نراه بعد خروجه يعتريه الجدري والخصبة بالجملة أمراض دموية حاصلة عن فضلة غذائه وهو في رحم أمه الذي هو دم الحيض الذي هو فضلة، فلو كان اغتذاؤه من دم صالح نقي لما حصل له ذلك * عند (827) ما يناسبه عليه، ونحن نراه لا بد له من ذلك حتى أن من الناس من يجدر في عمره مرتين؛ وثانيهما: إذا كان سبب احتباس دم الحيض في وقت الحمل انضمام أفواه أورده الرحم في مبادئه ثم التصاق فوهاتها بفوهات أورده المشيمة ونفوذ الدم من تلك في هذه لا لتغذية الجنين ولا لصعوده إلى الثدي، فما بال المراضع يحتبس دم حيضهن وليس في الرحم ما قالوه من حابس الدم؛ وثالثها: الأطباء جميعهم اتفقوا على أن الجنين متكون * من (828) دم الحيض ومن المني، وإذا كان كذلك فكيف يجوز أن يقال إن الجنين لا يغتذي * بدم (829) الحيض لأنه فضلة بعيدة المناسبة عن جوهر أعضائه، فإنه متى تكون منه كان شبيها صالحا لتغديته * ومشاكلا (830) . PageVW1P145B والجواب عن الأول قد عرفت أن مجاري غذاء الجنين هي بعينها مجاري دم الحيض فعند مجيئه في وقته المعتاد لجريانه يكون هذا الغاذي نافذا إليه أيضا لأنه دائم * محتاج (831) إلى التغذية فيخالطه شيء من دم الحيض وينفذ معه إلى كبده فهذا القدر النافذ منه هو فضلة بالنسبة إلى أعضائه، فإذا اغتذى بما صلح له من الدم الفاضل بقي هو فضلة مع ما يفضل من ذلك الدم. أيضا فإنه قد عرف أن الفضلة الغذائية ليست هو فضلة بالنسبة إلى ذاتها بل بالنسبة إلى ما يحتاج إليه الشيء في تغذيته وإن كان النافذ إليه صالحا فاضلا، وذلك لاعتناء طبيعته وطبيعة أمه به فلذلك كان الوارد عليه أكثر مما يحتاج إليه، فهذه الفضلة الطمثية تبقى محتبسة عند أعضائه إلى حين تخرج ويحصل لها أمر محرك يحركها، وحينئذ تدفعها الطبيعة إلى ظاهر البدن وإلى ظاهر كل عضو ظاهرا كان أو PageVW5P239B باطنا، ولذلك * منع (832) الأطباء من استعمال الحوامض والمسهلات عند كمال خروجه. أما الأول فخوفا من سحج وجرد يحصل في سطح المعدة والمعاء ثم يوقع * في (833) مرض مخطر. وأما الثاني فخوفا من جذب المادة المندفعة إلى سطح العضو إلى باطنة، فإن في ذلك مقاومه للطبيعة وممانعه لفعلها، ويحصل مما ذكرنا الجدري وغيره. فإن كان هذا الدفع مقصرا بقي من تلك المادة بقية إلى حين يأتي محرك آخر فيتحرك منه مرة ثانية ويحصل منها ذلك، ولذلك صار بعض الناس يجدر مرتين. والجواب عن الثاني: نقول قوانين الطب أكثرية. ولا شك أن الأغلب من * أمر (834) من المرضعات جريان دم الطمث. وأما التي لم يجر * لها (835) طمث فهي قليلة الوجود والنادر لا * وجود (836) له. أو نقول: قد * عرف (837) أن الدم وباقي الأخلاط على اختلاف المذهبين في تغذيتها لا يقال لها فضلة إلا إذا كان النافذ منه إلى العضو المغتذي به أكثر من حاجته، وذلك إما لعجز قوته عن التصرف فيه وإما لقلة التحلل والمرضعة من هذا القبيل . فإن الدم الواصل إلى * ثديها (838) أكثر من * حاجته (839) إليه لأجل تغذية نفسه، وذلك لحاجة الطبيعة إلى ما يتولد مما فضل من غذائه نفسه جوهر آخر وهو اللبن، ولذلك متى زالت هذه الحاجة بطل توليد اللبن. والجواب عن الثالث: هذا الذي قد اشتهر بين الأطباء وهو أن الجنين متكون من دم الحيض والمني ليس له أصل يرجعون إليه ولا لهم عليه برهان بل كل منهم قد أخذ هذا القدر مسلما عن من هو أقدم منه وأكثر شهوة أخذ الخلف عن السلف حتى صار هذا القدر عندهم من قبيل القضايا التي لا يحتاج في اثباتها إلى برهان، والذي نقوله لهم أن دم الطمث وقت مجيئه إذا اتفق وقوع المني في الرحم في ذلك الوقت * لم (840) يمكن أن يتولد منه جنين البتة ولا يحتوي عليه لأنه في ذلك الوقت مستثمر لدفع ما * يأتيه (841) ، ولذلك أمر الأطباء بأن يكون استعمال الفرزجات المعينة على الحبل أو على غير ذلك من مصلحات أحوال الرحم بعد نقائه من دم الحيض خوفا من أن تندفع قوة تلك الأدوية وإجرامها مع دم PageVW5P240A * الحيض (842) . وأيضا فإن المجاري النافذة فيها تلك المواد منحدرة فيها إلى جهة الرحم انحدارا قويا، وإذا كان كذلك فكيف يصح ما قالوه حتى بنوا عليه تغذية الجنين بذلك الدم لأنه لقائل أن يقول لهم إن ذلك الدم فضلة رديئة فكيف يجوز اغتذاء الجنين به، فيقولون له: الغذاء شبيه بالمغتذي والجنين متكون من هذا الدم فيكون شبيها به فيجوز أن يغتذي به، فإذا بان فساد أصل ما بنوا عليه بان فساد هذا القدر. وإن قالوا إن المني عند وقوعه في الرحم يأتي إليه دم لأجل الزيادة فيه بالنمو ولأن يتولد منه أعضاء دموية، فنقول لهم: هذا الدم لا يقال له طمث بل هو دم فاضل فإن هذه اللفظة وضعت للدم الجاري من المرأة بعد إدراكها في أوقات مخصوصة وعلى هذا لا يقال لما عداه طمث. فإن سموا ذلك الدم * طمثا (843) فيكون خروجا عن الاصطلاح المشهورة بينهم، وكيف يتصور هذا القدر، ونحن نرى الحبل لا يكون إلا في وقت نقاء الرحم من دم الحيض، وكيف يجوز التغذية به على ما قالوه وجريانه دائما في أوقات مخصوصة سواء كان الحبل موجودا أو معدوما. * وإن (844) كان له أوقات مخصوصة فمن المستحيل أنه يبقى محتبسا ويمد الجنين أولا فأولا في التغذية في زمان انقطاعه لحاجته إلى التغذية دائما * ويبقى (845) خاليا من الفساد والخروج عن الصلاحية للتغذية الذي لو لا اعتناء الطبيعة لأجل حاجتها إليه في خروج الجنين والأعفن وفسد وولد أمراضا رديئة كما يتولد عند احتباسه إذا لم يكن حبل. ولو فرضنا أن الأمر على ما قالوه من أن الجنين يغتذي بذلك الدم في وقت الراحة من جريانه للزم منه أن الجنين إذا ولد أن لا يخرج معه دم البتة، وإن خرج فكان قليلا جدا الذهابة إما كله أو معظمه في تغذية الجنين، والوجود بخلاف هذا، فإنا نراه عند خروجه من * الرحم (846) يخرج معه دم متوفر المقدار.
البحث الثالث:
إذا علمنا أن المرأة حبلى ثم ضمر * ثديها (847) بغتة دل ذلك على أن الدم المتصاعد إلى الثدي قد تحرك إلى جهة مقابلة لجهة * الثدي (848) وهو أسفل. وذلك إنما يكون PageVW5P240B إذا تهيأ الجنين للسقوط بسبب من الأسباب، فإذا حصل ذلك مالت الطبيعة بكنهها إلى جهته مع ما يتبعها من الروح والدم إلى دفعه ومقاومته ما يؤذيه فيضمر الثدي لذلك. وقوله «بغتة» وذلك لأن ضمور الثدي تارة يكون بالتدريج وتارة يكون دفعة فالدال على السقوط هو الحاصل دفعة لأن الجنين فيه يعدم الغذاء دفعة فتنحط قواه لذلك دفعة ويتخلى عن المقام والمسك فيهبط إلى أسفل ويخرج تارة ميتا وتارة قريبا من الموت لا سيما متى كان قد عظم. وأما الكائن بالتدريج فإنه لا يدل على ذلك دائما فإنه من الجائز أن يمد الجنين بذلك الغذاء أولا فأولا إلى حين إما أن يزول السبب الموجب لنقصان الدم وإما أن يسقط. وإذا كان كذلك فسقوطه ليس هو معينا * على (849) حصول ذلك الضمور.
البحث الرابع:
قال جالينوس في شرحه لهذا الفصل: ذكر أبقراط في كتابه في طبيعة الطفل ما هذا لفظه أن الغذاء ومادة النشوء التي تنحدر من الرحم إلى الطفل لا * يكفيه (850) إذا جاوز * العشرة (851) أشهر وأمعن في النشوء، وذلك أنه ينجذب إليه من الدم * أعذبه (852) وأحلاه وهو مع ذلك ينال من اللبن اليسير. * فإذا (853) لم يجد منهما إلا ما هو نزر قليل وكان قد شب وقوي * فطلب (854) أكثر ما يجب من الغذاء ارتكض وهتك اغشيته. فبين أن الطفل إن عدم الغذاء قبل هذه العشرة أشهر فإنه يرتكض * وتتهتك (855) أغشيته. فيكون ذلك أول السبب في أن تلد أمه هذا ما * نقله (856) جالينوس عن الإمام أبقراط في الكتاب المذكور. وفيه تصريح بأن الجنين عند كونه في جوف أمه أن يغتذي بما يتولد في ثدي أمه من اللبن. وهذا نقل غريب، فإنه وإن كان القياس يوجبه فإن أعضاء الجنين على نوعين: منوية ودمية، فالمنوية تغذيتها باللبن أسهل من تغذيتها بالدم لأنه أنسب لها PageVW1P146A من الدم غير أنه من أين يأتي الجنين وفي أي مجرى ينفذ وهل نفوذه إلى كبده أو إلى معدته. فإن كان إلى كبده استحال مرة ثاينة دما كما * إذا (857) نراه يحصل له عند الاغتذاء به. وإن كان * إلى (858) PageVW5P241A معدته فهل من فمه أو * من (859) عرق آخر يدخل في سرته. فإن كان الأول فهو محال لأن فم الجنين لم يدخل فيه شيء ولا يتصل به مجرى على ما دل عليه التشريح. وإن كان الثاني * أيضا (860) فهو * محال (861) لأن التشريح قد دل على أنه لم يدخل سرة الجنين سوى مجرى الدم ومجرى النسيم * وتقدير (862) أن ينفذ إليها شيء منه على أي وجه كان فهو إذا صار إليها لا بد وأن ينحدر إلى الكبد على ما هو * عليه (863) خاليا. * فإن (864) قيل إنه ينفذ إليها شيء منه على أي وجه كان فهو إذا صار إليها لا بد وأن ينحدر إلى الكبد على ما هو خاليا. وإن قيل إنه * ينفذ (865) من مسام المعدة إلى جهة الأعضاء فهو أيضا محال على ما شاهد * به (866) أمر الكيلوس فإنه لا ينفذ منه شيء على هذه الصورة. وإن قيل إنه ينفذ من مسامه إلى داخل البدن على سبيل الرشح فنقول: وهذا محال لأن بشرته ملاقيه لعرقه ولرطوبات أخرى الذي يحويه الغشاء الثالث المحيطة به. وأما قوله إذا جاوز العشرة أشهر فهو غلط إما من الناقل الأول وإما من المترجم فإن مدة الحبل الطبيعي لنوع * الإنسان (867) تسعة أشهر فإن حصل تأخر في الولادة عن هذه المدة أو تقدم عنها فهو غلط في الحساب. وأما قوله ارتكض وهتك الأغشية فهذا * هو (868) سبب الولادة الطبيعية وقد عرفته. والله أعلم.
38
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة حاملا فضمر أحد ثديها وكان حملها تؤما فإنها تسقط أحد طفليها، فإن كان الضامر هو الثدي الأيمن أسفطت الذكر، وإن كان الضامر هو الثدي الأيسر أسقطت الأنثى.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما جعل ضمور الثدي في حال الحبل دليلا على سقوط الجنين كأن قائلا قال له هذا الحكم إنما يصح إذا كان الحبل بشخص واحد فإذا كان بأكثر من واحد كيف الطريق إلى معرفته هل السقوط للذكر أو الأنثى من الأجنة، قال: إن كان الضامر هو الثدي الأيمن فالساقط الذكر، وإن كان الأيسر فالساقط الأنثى، لأن الذكر يتولد في الجانب الأيمن والأنثى في الجانب الأيسر في الأكثر وغالب الأمر ولا شك أن مشاركة الأعضاء التي في جانب واحد بعضها لبعض أشد من مشاركة بعضها للبعض الذي من الجانب الآخر، فإن الآلات التي تقع بها المشاركة وإن كانت كلها نابتة من أصل واحد لكن البدن PageVW5P241B مقسوم بنصفين قسمة لا تظهر للحس، والدليل على هذه القسمة اختصاص مادة الفالج وضررها بجانب من البدن دون جانب. * ولا (870) ينبغي لأبقراط أن يقول في هذا الفصل ما قاله في الماضي وهو قوله بغتة غير أنه إنما ترك هذا الشرط اتكالا على ما تقدم من ذكره. وأما سبب ضمور الثدي ودلالته على السقوط فقد عرفته.
البحث الثاني
في سبب التؤم: القول الحق في ذلك أن الرحم حيوان * مشتاق (871) إلى المني، فإذا بعد عهده وبقوعه فيه ثم اتفق وقوعه فيه فإنه لشدة اشتياقه إليه والتذاذه به يبادر إلى مسك زرقة زرقة * من (872) المني ويحتوي كل جانب منه على تلك الزرقة ويتكون منها جنين لأنه ما من جانب من جوانب الرحم إلا ويتصل به أورده وشرايين فيأتي إليه غذاؤه من الأوردة ونسيمه وحياته من الشرايين. وأما ما قيل غير هذا القول في هذه المسئلة فهو هذيان محض لأن من الأطباء من قال إن سبب ذلك اختلاف المجامعة وهو أن تجامع المرأة بعد العلوق الأول مرارا مثلا في اليوم الثالث والخامس والعاشر وغير ذلك قال: فإن في كل مرة يحتوي الرحم على ما انقذف إليه من المني. وهذا باطل من ثلاثة أوجه: أحدها أن الرحم عندما يقع فيه المني ينضم انضماما محكما بحيث أن طرف الميل الذي هو المرود لا يدخل فيه، وإذا كان كذلك فكيف يتصور دخول طرف القضيب مع ثخانته في فم الرحم وتبقى المادة التي سبقت على حالها؛ وثانيها أن الرحم إذا احتوى على المني قبل اشتياقه إلى جذب المني ويدل على هذا حال المرأة في وقت الحبل فإنها لا تطلب الجماع وتميل إليها كما إذا كانت خالية من الحبل بل ربما * نقرت (873) منه وتألمت منه، وإذا كان كذلك كيف يتصور أن يقال * إن (874) المني يدخل قعر الحرم بحيث أنه * يحتوي (875) عليه حتى يتكون منه جنين آخر، ومتى لم تمسكه تحللت حرارته والأرواح التي فيه وصار مستحقا للدفع لا للاحتواء عليه ومسكه؛ وثالثها أن أحوال المراة عند الطلق يدل على فساد هذا، فإنا لم * نر (876) امرأة تأخر طلقها وولادة ما بقي PageVW5P242A معها من الأولاد إلى أكثر من يوم واحد ونادر أن يتأخر يومين. ومنهم من قال إن سبب ذلك كثرة مقدار المني بحيث أنه ينبسط في جميع جوانب الرحم. وهذا يصلح أن يكون سببا للعظم لا للتؤم، فإن في التؤم مادة كل شخص متميزة عن مادة الشخص الآخر. ومنهم من قال إن سبب ذلك تقطع المني بعد اجتماعه إما لريح * وإما (877) لحركة اختلاجية تعرض للرحم قالوا: وربما كان هذا بعد انتساج الغشاء. وذلك خطأ من وجوه ثلاثة: أحدها أنه إذا كان في الرحم ريح أو كان فيه حركة اختلاجية فإنه يستحيل احتواؤه على المني أو استقرار المني فيه ويترتب على * هذا (878) استحالة قبول المني للصورة الشخصية؛ وثانيها أن المني إذا انقطع الغشاء المحيط به كيف يتصور بقاؤه على الصورة التي تقبل بها الصورة الشخصية؛ وثالثها أن الغشاء المشار إليه لا يتكون ويحيط بالمادة المذكورة إلا بعد تميز مادة القلب واتسعدادها لقبول الصورة القلبية، وربما إنها تكون قد حصلت، فإذا تمزق الغشاء المذكور وانخرق كيف يتصور انقسام المادة المنوية تقسيما يتكون منها أشخاص عديدة، فإن هذه العلة تكون سببا لهلاك ذلك الشخص، * وإذا (879) ثبت فساد هذه الأقواويل تعين أن الحق هو القول الأول. قال صاحب الكامل إني أعرف امرأة ولدت في أربع سنين عشرين ولدا والحكاية المنقولة إليها وهي حكاية * مشهورة (880) أن امرأة من أهل طرابلس الشام ولدت في بطن واحد * سبعة (881) أولاد * ذكور (882) وعاشوا وصاروا فرسانا من جملة فرسان البلد * المذكورة (883) . وإذا كان التؤم ذكرا * وأنثى (884) قلما تعيش الأنثى. وأعلم أن شدة الطلق بعد خروج الجنين الأول قد يكون لخروج جنين آخر وقد يكون لخروج المشيمة، والفرق بين الطلقين هو أنا ننظر إلى سرة الجنين الخارج أو لا. فإن رأينا فيها تعجزا شبيها بالعقد فالطلق لخروج جنين * آخر (885) ويكون * عددهم (886) بعدد التعجز. وإن لم يكن فيها ذلك فهو لإخراج المشيمة. والله أعلم.
39
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة ليست بحامل ولم تكن ولدت PageVW5P242B قبل ثم * كان (887) لها لبن فطمثها قد ارتفع.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أن حكم هذا الفصل كالمقابل لحكم الفصل الماضي، فإن الأول يتضمن ذكر * حركة (889) مادة اللبن إلى جهة الرحم وهذا يتضمن ذكر حركة مادة الطمث إلى جهة الثدي. إذا عرفت هذا فنقول: اللبن بتولد في الثدي لأحد أمور ثلاثة: إما لاندفاع ما فضل من غذاء الجنين من الدم الصالح إلى جهة * الثدي (890) لما بينه وبين الرحم من المشاركة على ما * عرفت (891) بالتشريح، وهذا * إنما (892) يكون في وقت الحمل؛ وإما لتوجه الطبيعة دما إلى جهة الثدي ليكون غذاء للطفل المولود وصار طمث هذه المرأة يرتفع أي ينقص * عما (893) كان، وذلك لأن الطبيعة تأخذ أجود ما فيه ترسله إلى جهة الثدي ليتولد منه * لبن (894) ويندفع القليل منه وهو ما لا يصلح PageVW1P146B لذلك إلى جهات أخر؛ وإما لأمر ثالث، وذلك إما لحبل كاذب أو لسدد في مجاري الحيض وإما لمحبة المرأة وحنوها على بعض الأطفال فتميل الطبيعة * لذلك (895) إلى جهة الثدي من الدم الصالح قدر الحاجة ليصير لبنا ويغتذي به الطفل ففي الحبل الكاذب وعند حصول السدد يرتفع أجود ما فيه * من (896) الدم المنصب إلى جهة الرحم إلى الثدي وهو بطبعه يولد اللبن لأنه لحم غددي أبيض اللون ويبقى الباقي ينفذ إلى ما هو قابل له، ولذلك صارت الشهوة تضعف واللون يتغير والسخنة تتهيج والأطراف تترهل. وأما الثالث فسببه ما ذكرنا، وقد رأينا ذلك في نساء كثيرة. فقوله «إذا كانت المرأة ليست بحامل ولم تكن ولدت ثم كان لها لبن فطمثها قد ارتفع» أي إذا كان توليد اللبن ليس هو للأمر الأول ولا للثاني فهو اللثالث. * وقوله (897) «قد ارتفع» ارتفاعه في الأمر الثالث لا يكون إلا * إذا (898) حصل أحد أمرين إما حبل كاذب أو سدد في مجاري الحيض. وأما الأمر الثالث الذي هو الحنو فلا يرتفع معه الطمث معه بالكلية. واعلم أن المرأة التي لا تحبل أطول عمرا وأوفر قوة من التي تحبل، وذلك لراحة قواها PageVW5P243A من إعياء حمل الطفل وتدبيره غير أنها كثيرة الأمراض لكثرة فضلات بدنها والتي تحبل أقصر عمرا وأضعف قوة لتكلفها بتدبير الجنين وحمله غير أنها أقل أمراضا لاستفراغ فضلات بدنها بدم النفاس.
البحث الثاني:
قال الفاضل جالينوس في شرحه لهذا الفصل: يعم أعضاء البدن جميعها التي تولد رطوبات تنتفع بها أعضاء أخر أو في الجنس أو في الشخم أن تلك الرطوبة إنما تكون كالفضل من غذاء ذلك الغضو الذي يولدها. فإن العضو الذي هو * مولد (899) لها ليس توليده لها من قبل * أنه (900) ينتفع بها في البدن إذا ليس له شعور وعقل يعلمه هذا بل هذا القدر عائد إلى قوة طبيعية حاصلة فيه تسمى القوة المغيرة تشبه غذاءه بنفسه. فما بلغ من أمر هذا الغذاء المستحيل إلى أن ينشبه بالمغتذي تشبيها مستقصاء فإنه يصير زيادة في ذلك العضو، وهذا هو الذي قاله أبقراط في كتابه في الغذاء إن * ما (901) يغذو من الغذاء فهو غذاء. وأما الذي هو كالغذاء فهو الفضلة التي تبقى عنده فإنه كيموس شبيه بطبيعة ذلك العضو، وذلك كالرطوبات التي توجد في تجاويف العظام وكالدم في الكبد * وكالرطوبة (902) الزبدية التي في خلل لحم الرئة والرطوبة اللزجة التي توجد في المفاصل والرطوبة التي توجد في الأنثيين التي تسمى المني والرطوبة التي توجد تحت اللسان وهي المسماة بالريق. والثدي لحم رخو من جنس * الغدد (903) يشبه ما يجري إليه بنفسه، ولما كان ذلك اللحم الرخو أبيض جعل الرطوبة المشاكلة * لها (904) بالحال التي عليها اللبن هذا ما ذكره في هذا الموضع. وحاصله أن المني فضلة غذاء لحم الانثيين واللبن * فضلة (905) غذاء الثديين. وبهذا إيجاب عن اعتراض لا يزال يورده المعترض وهو أنه كيف يصح أن يقال إن اللبن أبرد من الدم وهو حاصل بطبخ * ثان (906) والطبخ يفيده حرارة أخرى، نقول: له لا شك أن توليد الدم لبنا طبخ ثان والطبخ يتم * بحرارة (907) * لكن (908) طبخ فيه تشبيه الغذاء بالمغتذي والمغتذي لحمه غددي أبيض اللون وهو أقل حرارة من اللحم الأحمر PageVW5P243B فاللبن الخارج من الثدي هو فضلة غذاء الثدي وهو أقل حرارة من الدم. وكذلك يقال في المني على هذا التقدير أنه فضلة غذاء لحم الانثيين ولحم الانثييين لحم غددي أبيض اللون وتوليد الدم فيه منيا طبخ ثان لكن طبخ فيه تشبيه الغذاء بالمغتذي والمغتذي حاله كذلك فيكون المني أقل حرارة من الدم، غير أنه لما تولد في الأنثيين وبقي ما فضل من غذائها محتبسا فيها أفيض عليه القوة المذكورة والحرارة الغريزية والأرواح التي فيه. فإن قيل: فعلى هذا يكون للصبي قبل إدراكه مني وللأنثى البكر والتي لم تلد لبن والواقع بخلافه، فنقول: أما الصبي ففي أنثييه على الأصل المذكور رطوبة بيضاء لكن لم تصلح أن تسمى منيا لأنها غير كاملة النضج حتى تفاض عليها القوة التوليدية، وذلك لغلبة الرطوبة على بدنه وغمرها للحرارة الغريزية وقواه الطبيعية * لكن (909) طبيعته مشغولة بنمو أعضائه والزيادة فيها بحسب الكمال اللائق بنوع الإنسان وبإخلاف عوض ما تحلل من بدنه عن توليد المني. وأما أمر اللبن أما الأنثى التي لم تبلغ من الإدراك فالكلام فيها كما * ذكر (910) في سن الذكر المذكور. وأما التي لم تلد فنقول: لأن الطبيعة مستغنية عنه فلم ترسل إلى ثديها من مادة اللبن إلا ما لا يكفيه في التغذية فقط بخلاف الحال عند حصول * الحاجة (911) إلى اللبن فإنها ترسل إليه من ذلك ما * يكفيه (912) وزيادة.
البحث الثالث
في ذكر أمر متعلق برطوبات البدن: وهو أن نقول: رطوبات البدن على نوعين، أصلية وفرعية، والأولى على نوعين منها ما تكون منها الأعضاء وهي المنوية، ومنها ما يغذو الأعضاء، ثم هذه على نوعين منهاا ما يغذو البدن بغير واسطة وهي الرطوبات * الثلاث (913) التي في أطراف العروق الصغار والردادية والتي تشبهت بجواهر الأعضاء، ومنها ما يغذو البدن بواسطة وهي الدم على مذهبنا وعلى مذهب الجمهور هوء الأخلاط الثلاثة الأخر الطبيعية. والفرعية منها ما ينتفع بها ومنها ما لا ينتفع بها، والمنتفع بها PageVW5P244A منها ما ينتفع بها دائما ومنها ما ينتفع بها نادرا، والمنتفع بها دائما منها ما ينتفع بها بحسب الشخص التي هي فيه أو بحسب شخص آخر. * والأول (914) كالأخلاط المذكورة على مذهبنا والرطوبة اللعابية وعلى مذهبهم هذه الرطوبة فقط، والثانية كاللبن أو بحسب النوع كالمني، والمنتفع بها نادرا كالبول والبراز فإنه قد ينتفع بهما في تسهيل ولادة الجنين، والتي لا ينتفع * بها (915) كالأخلاط الغير طبيعية والمخاط والرمص. والله أعلم.
40
[aphorism]
قال أبقراط: إذا انعقد للمرأة في ثديها دم دل ذلك من حالها على جنون.
[commentary]
الشرح : أما صلة هذا بما قبله، قال جالينوس: الدم الصائر * فيه (916) تارة يستحيل لبنا وتارة لا يستحيل إلى ذلك، فالأول يتضمن ذكر الفصل الماضي والثاني هذا الفصل. والتحقيق في هذا الحكم هو أنه إذا كان مصير الدم إلى الثديين لا لصيرورته لبنا فهو لا محالة لغليان مفرط يصعده إلى فوق. والثدي لحم غددي رخو قابل لذلك فيقبل ما يتصاعد * إلىه (917) ثم أن الحرارة لقوتها تحلل لطيف تلك المادة ويبقى كثيقها منعقدا، وفي مثل هذا الوقت يكون قد صعد إلى الدماغ شيء من ذلك الدم لأنه إذا كان الثدي مع برده قد حصل له ذلك فبطريق الأولى غيره من PageVW1P147A الأغضاء التي هي أحر منه. ولا شك أنه متى وصل بعض ذلك إلى الدماغ تبعه جنون. وأما جالينوس فإنه يقول: ما رأيت * هذا (918) قط أي * جنون (919) عن انعقاد دم. قال: فإن كان له وجود فيكون نادرا. وأما أبقراط فقد وصفه وصف من قد رآه، وإن كان هذا الأمر صحيحا فينبغي أن يتوهم في علته ما أصف وهو أن طبيعة اللحم الرخو وخاصة لحم الثديين عديمة الدم باردة لأن كل عضو عديم الدم فإنه بارد * فإذا (920) أنبت في البدن كله في وقت من الأوقات دم كثير حار بحيث أنه انعقد في الثدي لتحليل لطيفه وبقاء كثيفه، دل ذلك من حالها على جنون لدلالته على صعود شيء من تلك المادة إلى جهة الرأس. والله أعلم.
41
[aphorism]
قال أبقراط: إذا * أحببت (921) أن تعلم هل المرأة * حامل (922) أم لا فاسقها إذا * أرادت (923) PageVW5P244B النوم ماء العسل فإن أصابها مغص فهي حامل، وإن لم * يصبها (924) فليست بحامل.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما بين أن اكتناز الثديين ودرور اللبن فيهما قد يكون علامة للحبل وقد يكون لغير ذلك على ما ذكرنا، أراد أن يذكر علامة يعرف بها هل الدرور للحبل أو لغيره وهو أن تسقى المرأة ماء العسل عند النوم، فإن أصابها مغص فهي حبلى، وإن لم * يصبها (926) ذلك فليست بحبلى، وذلك لأن ماء العسل يحدث رياحا لطيفة غير أن مجاريها إلى أسفل قد اجتمعت وانضم بعضها إلى بعض تبعا لاحتواء الرحم على الجنين. وأيضا فإن الرحم يزاحم المعاء ويضيق الطرق التي تتشرب فيها الرياح، وعند هذا يتعذر على الرياح النزول في مجاريها المعتادة فتبقى محتبسة في أسفل المعدة والمعاء وتحدث مغصا.
البحث الثاني:
قال جالينوس: قوله «ماء العسل» المراد به العسل الغير مطبوخ، فإن المطبوخ ليس فيه توليد للرياح فإن رياحه تتحلل بالطبخ. وقوله «أصابها مغص» ولم يقل «قولنج»، وذلك لأن حرارة العسل لطيفة تحدث أبخرة * لطيفة (927) ، وهذه الأبخرة لا تبلغ أن تحدث القولنج بل ولا تقدر على إحداث المغص إلا إذا كان هناك مزاحم كما في الحبل. وشرط أن يكون استعماله عند النوم، وذلك لأن البدن في وقت النوم ساكن فلا تتحلل الرياح اللطيفة المتولدة من العسل بالحركة التي تكون في اليقظة. وأيضا فإن المعدة في وقت النوم تكون ممتلئة من * الطعام (928) ، وذلك مما يعين على توليد الرياح وحبسها. والله أعلم.
42
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة حبلى بذكر كان لونها حسنا، * وإذا (929) كانت حبلى بأنثى كان لونها حائلا.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر في الفصل الماضي ما يدل على الحبل، أخذ يذكر في هذا الفصل ما يدل على أن الحبل بذكر أو أنثى. واعلم أن للأطباء في هذا وجوها ستة: أحدها أن الحبلى بالذكر اعتمادها عند قيامها على يدها اليمنى وبالأنثى على يدها اليسرى؛ وثانيها PageVW5P245A أن الحبلى * بالذكر (931) درور اللبن في ثديها الأيمن قبل دروره في ثديها الأيسر والحبلى بالأنثى بالعكس؛ وثالثها أن الحبلى بالذكر إذا وقفت أول نقلها للرجل اليمنى بالأنثى للرجل اليسرى؛ ورابعها أن الحبلى بالذكر تحس بالثقل في الجانب الأيمن أكثر منه في الجانب الأيسر وبالأنثى بعكس ذلك؛ وخامسها أن الحبلى بالذكر أكثر نشاطا وأصح شهوة وبالأنثى * بعكس (932) ذلك؛ وسادسها ما ذكره أبقراط وهو أن الحبلى بالذكر لونها * حسن (933) والحبلى بالأنثى لونها * حائل (934) ، واقتصر أبقراط على ذكر هذه العلامة فقط إما لأنها كانت أشهر في زمانه وإما لأنها أظهر. والعلة في هذا جميعه أن الأنثى متكونة من مادة أبرد واتسعمالها للغذاء أقل، * وهذا (935) تلزمه كثرة الفضلات في بدن الحبلى وكثرة الفضلات موجبة لما ذكرنا.
البحث الثاني:
قال جالينوس: ما وصفه أبقراط من حسن لون الحبلى بالذكر ينبغي أن يقاس إلى ما كان عليه لونها قبل الحبل لا بلون غيرها. فإن المرأة إذا كانت حبلى بأنثى رأيت لونها * أقبح (936) مما كان، وذلك لأن الأنثى أبرد من الذكر على ما ستعرفه، وذلك من برد المني والمحل، وذلك يلزمه كثرة الفضلات أن * لا (937) تبالغ هذه المرأة في حسن التدبير بعد العلوق، فلذلك كان من الواجب ذكر هذا الشرط في حكم المأخوذ من اللون وهو أن تتفق الحبلى بالذكر والحبلى بالأنثى في نوع واحد من التدبير في صنف واحد. وإلا فمتى أفسدت الحبلى بالذكر تدبيرها وأصلحته الحبلى بالأنثى كما ذكرنا كان الأمر بضد ما حكم به الأوحد أبقراط. والله أعلم.
43
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بالمرأة * الحبلى (938) الورم الذي يدعى الحمرة في رحمها فتلك من علامات الموت.
[commentary]
الشرح: أما صلة هذا بما قبله فهو أن أبقراط لما بين أن الحبلى إذا حصل لها مرض حاد دل على موت الجنين غير أن هذا المرض قد يكون * عاما (939) وقد يكون خاصا بالرحم ولما سبق منه ذكر أحكام العام، ذكر في هذا الفصل الخاص. والمراض بالحمرة الورم الصفراوي على ما عرفت وحدة هذا المرض ظاهرة لأنه قصير المدة شديد الخطر. وصار هذا الورم قاتلا للجنين لأنه * حاصل (940) في PageVW5P245B محله. وذكر الحمرة على سبيل المثال. وإلا فالفلغموني أيضا قاتل للجنين. والله * أعلم (941) .
44
[aphorism]
قال أبقراط: إذا * حملت (942) المرأة وهي من الهزال على حال خارجة * عن (943) المجرى الطبيعي فإنها تسقط قبل أن تسمن.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر أن الحبلى إذا حصل لها ما ذكره من الحمرة كان ما ذكره من السقوط ولا شك أنها إذا برئت مما حصل لها هزل بدنها لا سيما متى كان الحاصل لها مرضا حادا كما ذكره فإنه بقوة حرارته يذيب أجزاء بدنها ويحللها أولا فأولا. وأيضا فإن الطبيعة تشتغل بتدبير عن الالتفات إلى جانب البدن فيستولي على البدن الهزال والذبول لذلك. والدليل على أن مراده بالهزال هذا الهزال قوله «على حال خارجة عن المجرى الطبيعي» فإن الهزال الخارج عن المجرى * الطبيعي (945) لا * يكون (946) مرضيا. فلما كانت المرأة إذا حصل لها حالة مرضية ثم برئت منه ذكر حكمها في الحبل في هذا الوقت، قال: فإن حبلت في هذا الوقت فإنها تسقط ولدها قبل عود بدنها إلى * الحالة (947) الطبيعية التي عبر عنها بالسمن. فإنه * بالحقيقة (948) سمن بالنسبة إلى حالتها * بعد (949) * انتشالها (950) من المرض. وشرط في الهزال الشروط المذكورة لأنه متى كان يسيرا لم تسقط الجنين لأنه لا يعدم فيه الغذاء كما إذا كان كثيرا والعلة فيما ذكرنا أن عناية طبيعة أمه المنفذة له الغذاء بتدبير بدنها * أهم (951) عندها من تدبير بدن الجنين. أما أولا * فلأنها (952) خاصة بالأم. وأيضا فإن في صلاحها صلاحه من غير عكس لأنها هي المنفذة له الغذاء والنسيم. فإذا صلحت أعضاؤها في أمزجتها وحصل لها * النقي (953) من مادة مرضها قبلت الأعضاء ما يصل إليها من الدم. وفي مثل هذا الوقت لا ترجع الطبيعة تصرف من الغذاء إلى الجنين إلا ما يفضل عن أعضاء أمه. والغرض أن أعضاء أمه محتاجة إلى الغذاء وهي مع ذلك كثيرة جدا بالنسبة إلى أعضاء الجنين. وعند ذلك لا يصل إليه من الغذاء ما يكفيه في تغذيته فتضعف قواه وتسقط.
البحث الثاني:
قال جالينوس إن القوم * الذين (954) فسروا هذا PageVW1P147B الكتاب فهموا معنى هذا الفصل على ثلاثة أوجه: أحدها أن PageVW5P246A المرأة لا بد وأن تسقط إذا بقيت على * حالتها (955) هذه أي الهزال، وذلك لأن قواها تضعف عن تدبير بدنها وبدن الجنين، وأيضا لقلة الوارد عليها وعليه فتضعف قواه ويقل غذاؤه فتسقط؛ وثانيها * أنها (956) إن لم تسمن وتحسن قبول بدنها للغذاء أسقطت لأن بذلك تقوى قوتها ويتوفر دمها الصالح لتغذية بدنها وبدن الجنين؛ وثالثها أنه إذا تراجع بدنها وحسن قبوله للغذاء فإنها عند ذلك * تسقط (957) ما كان ينصرف إلى غذاء الطفل فإنه ينصرف إلى غذاء نفسها لما قلناه فيضعف الطفل ويسقط. وهذه التفاسير الثلاثة كلام أبقراط محتمل لها * كلها (958) غير أن الثالث أولى. والله أعلم.
45
[aphorism]
قال أبقراط: متى كانت المرأة حاملا وبدنها معتدلا * وتسقط (959) في الشهر الثاني * والثالث (960) من غير سبب بين فنقر الرحم منها مملوءة رطوبة مخاطية لزجة فلا تقدر على ضبط الطفل لثقله لكنه ينهتك منها.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أن حكم هذا الفصل كالمقابل لحكم الفصل الماضي. فإن الأول يتضمن ذكر سبب السقوط إذا حصل الحبل في حال الهزال، وهذا يتضمن ذكر سبب السقوط إذا كان الحبل في حال اعتدال السخنة.
البحث الثاني:
قوله «من غير سبب بين» أي أن لا يكون لفصد ولا لاستطلاق بطن من نفسه أو من أدوية، وذلك لقلة ما يرد إلى الجنين من الغذاء ويندرج في ذلك الصوم والاقتصار على الأغذية القليلة الغذاء كالفواكه والبقول ولا من أمراض حادة * إما (962) عامة للبدن أو خاصة بالرحم ولا من إفراط الهزال أو من إفراط السمن ولا من حركة عنيفة إما بدنية كالوثبة والسقطة والصيحة وإما نفسانية كالغضب المفرط والفزع أو من أسباب بادية وهي معروفة. * فمتى (963) لم يحصل شيء من ذلك ثم * حصل (964) السقوط في الشهر الثاني والثالث فهو لا محالة لسبب في الرحم، وذلك إما * سوء (965) مزاج فيه أو ضعف في قواه أو رداءة في وضعه غير أنه متى كان بالرحم شيء من ذلك فإنه لا يختص الإسقاط بالشهر الثاني والثالث بل في الأكثر يكون ذلك مانعا من الحبل. فتعين أن يكون PageVW5P246B ذلك لضعف تعلق المشيمة بأفواه الرحم ففي أول الحمل يمكن إقلاله المشيمة ومسكه لأنه يكون صغيرا جدا، فإذا أتى عليه الشهر الثاني والثالث عظم وثقل على * المشيمة (966) ، وعند ذلك تضعف علائقها عن مسكه وضبطه، وعند ذلك يسقط. فإن المشيمة متعلقة بالرحم بمعنى أن أطراف الأوردة التي فيها والشرايين متصلة بأفواه الأوردة والشرايين التي في الرحم المسماة بالنقر، فهذه النقر متى كانت مملوءة بلغما حصل ما ذكرناه لكن بشرط أن يكون غليظا إذا لو كان رقيقا لسال وتحلل من أول العلوق، وعند ذلك * لم (967) يتأخر السقوط إلى ما ذكره أبقراط بل كان يحصل قبل ذلك. والله أعلم.
46
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة على حال خارجة عن الطبيعة في السمن فلم تحبل فإن الغشاء الباطن من * غشائي (968) البطن الذي * يسمى (969) الثرب * يزحم (970) فم الرحم * منها (971) * وليس (972) تحبل دون أن تهزل.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربة.
البحث الأول
في الصلة: وهو أنه لما ذكر في الفصل * الماضي (974) حكم حالها في الحبل من جهة الهزال المفرط ثم ذكر في الفصل الذي بعده حكم حالها في الحبل من جهة الاعتدال في هيئة بدنها، ذكر في هذا الفصل حكم حالها من جهة إفراطها في السمن وجعل الفصل المتضمن الاعتدال في الوسط لأنه مناسب للطرفين.
البحث الثاني:
السمن المفرط قد يكون شحميا وقد يكون لحميا. والمراد به هاهنا الشحمي لأنه علل منعه من الحبل * بمزاحمة (975) الثرب لفم الرحم والثرب لا يبلغ في السمن هذا المبلغ إلا إذا كان السمن شحميا. وهذا السمن يوجد مانعا من الحبل من وجوه خمسة: أحدها من جهة مزاحمته لفم الرحم وهو الموضع الذي ينتهي عنده بطن الرحم ويبتدئ رقبته وهو مدخل الذكر الذي هو ما بين الوركين وفمه الذي من خارج المسمى بالفرج، فإن الثرب إذا سمن * ثخن (976) ووقع على الموضع المذكور وضغطه وسده وفي مثل هذا الوقت إما أن يصل إليه الزرع أو لا يصل، فإن لم يصل لم يحصل حبل، وإن وصل لم يكن بقاؤه بلا فساد لضيق المحل ورطوبته؛ وثانيها أن صاحبة هذا السمن * تكون (977) رطبة المزاج فتكون فضلات رحمها كثيرة، والرحم متى PageVW5P247A متى كان كذلك * أي (978) كثير الرطوبة منع من الحبل؛ وثالثها أن صاحبة هذا السمن يتعذر عليها الحركة التي هي محللة للفضلات البدنية ومنعشة للحرارة الغريزية؛ ورابعها أن السمن المذكور يلزمه كبر الأوراك والأفخاذ، وذلك * يمنع (979) دخول القضيب في الفرج ووصوله إلى الرحم؛ وخامسها أن السمن المذكور لا يرجع بفضل * بسببه (980) من غذاء المرأة ما يكقي الجنين في نموه وتغذيته كحال الأشجار العظيمة من نوع واحد فإنها تكون * كثيرة (981) الثمرة في الأكثر بالنسبة إلى الصغير منها، وذلك لانصراف غذاء الشجرة العظيمة إلى فروعها بحيث أن لا يبقى منه بقية لتوليد الثمرة الكبيرة ولتغذيتها. وذكر من موانع الحبل كبر الثرب وغلظه لأنه أظهر. وإذا كان السمن المذكور يفعل ذلك فليس تحبل هذه المرأة إلا أن يزول هذا العلائق، وذلك هو بالهزال. وشرط في السمن أن يكون مفرطا لأن غير المفرط لا يكون البطن معه * كبيرا (982) فلا يكون الثرب نجيبا فلا يضغط فم الرحم ويسده، وحكمه هذا في السمن المذكور من جهة الثرب بحسب الأكثر وغالب الأمر. وإلا فقد يحصل المنع من جهة السمن مما ذكرنا. ومع ذلك أيضا فالحاصل من جهة الثرب بحسب الأكثر. وإلا فقد يحصل الحبل مع مجوده من غير أن يهزل، وذلك كما إذا جومعت وهي على هيئة الركوع فإن الثرب في مثل هذه الصورة * يشتغل (983) بثفله وتزول مزاجمته لفم الرحم.
البحث الثالث
في هيئة الثرب: الثرب جسم غشائي مؤلف من طبقتين مطبقة إحداهما على الأخرى وبينهما شرايين وأوردة كثيرة وشحم كثير، وشكله يشبه شكل الكيس وابتداؤه من فم المعدة وانتهاؤه عند المعاء وملتحم بها. وأما في الجانب الأيمن والأيسر فإلى الإضلاع الخلف وملتحم بها. فهذه هيئته. وأما فائدته * فهي (984) حفظ الحرارة الغريزية في الباطن ولذلك ركب من طبقتين عصبية مستحصفة لتكون أبلغ في ذلك، * فصار (985) وضعه من قدام لأن الجانب القدامي من البدن لما كان عادم الأجسام الصلبة التي هي أشد * وثاقة (986) وحفظا للحرارة الغريزية من الأجسام اللينة * تلطف (987) الصانع تعالى ذكره * وخلقه (988) من هذه * الهيئة (989) وركبه PageVW5P247B * لما (990) ذكرنا ولم يكثف بذلك بل ضوعف * طبقاته (991) وصار ينتسج فيه شرايين وأوردة كثيرة لتفيده زيادة حرارة معينة على ما ذكرنا وصار يعلوه شحم كثير ليكون أبلغ في حفظ الحرارة ومنعها من * التحليل (992) بدسومته ولزوجته ولأن الشحم أيضا حار فيكون معينا على هضم الغذاء. وصار شكله كما ذكرنا لأنه محيط بأعضاء وضعها على هيئة الاستدارة PageVW1P148 وصار متصلا بما ذكرنا ليحفظ الاتصال وضعه وصار ينفع من الجانبين عند الأضلاع الخلف لأن ما بعد هذا الموضع أطراف الأضلاع وباقي الأضلاع التامة كاف في حصر الحرارة ومنعها من التحلل. فانظر إلى حكمة الصانع تعالى ذكره خلقة هذا العضو وفي تركيبه ما هو محتاج إليه فيما هو بصدره وكيف أوصله حيث الحاجة إلى اتصاله وأفصله حيث الاستغناء عنه تبارك من له الخلق والأمر. وقوله «الغشاء الباطن من غشائي البطن» فإن البطن له غشائين: باطن وظاهر، فالباطن هو الثرب وهو محيط بالأحشاء، والظاهر هو الصفاق.
البحث الرابع:
قال جالينوس: مراد أبقراط بفم الرحم في هذا الموضع الفم الداخل الذي * عنده (993) تنتهي رقبة الرحم ومنه تبتدي رقبة الرحم. وهذا هو أولى بأن يسمى الرحم، فإن طرف رقبة الرحم المتصل بفرج المرأة إنما يجب أن يسمى فم رقبة الرحم لا فم الرحم. والله * أعلم (994) .
47
[aphorism]
قال أبقراط: متى تقيح الرحم حيث يستبطن الورك وجب ضورة أن يحتاج إلى الفتل.
[commentary]
الشرح: أما صلة هذا بما قبله فهو أن أبقراط لما ذكر في الفصل الماضي أن للرحم فما، ذكر في هذا الفصل الطريقة في * مداواته (995) ، فقال وهي استعمال الفتل فإنها أجود من المشروب لبعد مسافته ومن الحقن لأن بينها وبينه حائلا كثيرا بخلاف الفتل فإنها واردة عليه نفسه وهي مع ذلك أثبت وأبطأ تحليلا. وضرب المثال بالتقيح في أمراضه لأن هذا المرض أظهر للحس. وهذا الموضع الذي قد أشار إليه أبقراط هو عنق الرحم في الحقيقة. وقد أطلق عليه لفظة الرحم على سبيل المجاز. والله أعلم.
48
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأطفال ذكرا فأحرى أن يكون تولده في الجانب الأيمن، وما كان * أنثى (996) ففي الأيسر.
[commentary]
الشرح: PageVW5P248A أما صلة هذا بما قبله فهو أنه لما ذكر أن الحبل قد يكون تؤما وقد لا يكون، ذكر في هذا الفصل أن الحبل متى كان كذلك فالذكر من التؤم * تكونه (997) في الجانب الأيمن والأنثى في الجانب الأيسر. وذلك لأن الجانب الأيمن من الرحم أحر من الجانب الأيسر بسبب مجاورة الأيمن للكبد والأيسر للطحال والكبد أحر من * الطحال (998) على ما * أثبتناه (999) في شرحنا الكليات القانون. وأيضا فإن مني المرأة المتكون منه الذكل يأتي الرحم من البيضة * اليمنى (1000) والمتكون منه الأنثى من البيضة اليسرى. والحاصل من ذلك في اليمنى أحر من الحاصل في اليسرى. وفي هذا الكلام من الإمام أبقراط إشارة إلى مزاجي الذكر والأنثى. ولنبسط * نحن (1001) القول في ذلك فنقول: الذكر من كل نوع أحر من الأنثى من ذلك النوع. والذي يدل على هذا وجوه: بعضها مأخوذ من قبل الكون، وبعضها مأخوذ من حال الكون، وبعضها مأخوذ من قبل الولادة، وبعضها مأخوذ من نفس الولادة، وبعضها مأخوذ من بعد الولادة. أما المأخوذ من قبل الكون فإن الذكر تكونه في الأكثر في الجانب الأيمن من الرحم والأنثى في الجانب الأيسر، والأيمن أحر لما قلنا، وقولنا ما * قلناه (1002) في الجانب الأيمن * والأيسر (1003) هو بحسب الأكثر والغالب، فإنه جاء في التعليم الأول أنه وجد * إنسان (1004) طحاله في الجانب الأيمن وكبده في الجانب الأيسر. وأما المأخوذ من حال الكون فهو أن الذكر يتخلق * ويتكون (1005) في مدة من الزمان أقل من المدة * المتكون (1006) فيها الأنثى على ما شهد به السقط * في (1007) كل حيوان والتشريح. وليس السبب في ذلك إلا أن الأسخن والأيبس أكثر نضجا والنضج الفاعل له الحرارة فالمادة السريعة الإجابة للتخليق والتصور هي التي هي أكثر نضجا بخلاف البطيئة الإجابة للتخليق والتصور، فإنها فجة كثيرة الرطوبة فتحتاج الطبيعة أن تفني أولا تلك الرطوبة ثم تكونها وتصورها فيطول زمان تخلفها لذلك. ويدل على ذلك ما نشاهده من الطين الرطب والوسط، فإن الأول ما يقبل من التصور والأشكال يحفظها أبلغ وأسرع مما يحفظها الثاني. PageVW5P248B وأما المأخوذ من بعد الكون وقبل الولادة فهو أن الذكر حركته في جوف أمه أقوى وأسرع من حركة الأنثى لا سيما إذا حصل تأخر الغذاء أو عطش شديد أو شم شيء مشتهي. ولون الحبلى بالذكر أحسن وأنور من لون الحبلى بأنثى إذا اتفقا فيما ذكرنا. وأطراف الحبلى بالذكر أقل تهيجا وترهلا من الحبلى بالأنثى إذا اتفقا في التدبير. وأما المأخوذ من حال الولادة فهو أن ولادة الذكر أسهل من ولادة * الأنثى (1008) ، وليس لهذا علة سوى أن الحبلى تجد من الذكر قوة حركة في سهولة الخروج ودم نفاس الذكر أقل من دم نفاس الأنثى، وذلك لقوة حرارة الذكر وجودة هضمه وتغذيته بخلاف الأنثى. وأما المأخوذ من بعد الولادة فبعضه مأخوذ من أحوال المزاج وبعضه من خلقة أعضاء التناسل وبعضه مأخوذ من العلة الغائية. أما المأخوذ مما يدل * عليه (1009) المزاج فإنه يرتقي إلى ثمانية أمور: أحدها مأخوذ من * الملمس (1010) ، فإن الحار الملمس حار المزاج والبارد الملمس بارد المزاج، ولا شك أن الذكر * أسخن (1011) من الأنثى؛ وثانيها مأخوذ من القوام، فإن الصلب المزاج * والملمس (1012) يابس والرخو المترهل رطب، ومن البين أن الذكر أصلب بدنا وأشد اكتنازا من الأنثى؛ وثالثها مأخوذ من السخنة، فإن القضيف * المعروق (1013) أحر من اللحيم، ولا شك أن الذكر أقضف وأعرق من الأنثى؛ ورابعها مأخوذ من لون البدن، فإن الأحمر والأشقر الذي يضرب إلى الحمرة أحر من الأبيض والكمد، ولا شك أن الذكر في الغالب لونه على ما ذكرنا أولا والأنثى لونها بالصفة الأخرى؛ وخامسها من جهة الأفعال وهو * أنه (1014) حار المزاج تتبعه قوة الأفعال وبارد المزاج يتبعه ضعف ذلك على ما دل عليه الاستقراء في جميع الحيوانات، ولا شك أن الذكر أقوى شهوة وأجود هضما وأسرع إجابة للنمو وأعظم نبضا ونفسا وشجاعة وإقداما على الأهوال وأشد عصبا * وبطشا (1015) وأجود ذهنا ورؤية وأكثر سهرا وأقل نوما من الأنثى من كل نوع؛ وسادسها مأخوذ من الفضول الباردة من البدن وهو أن * نتن (1016) العرق وقوة رائحة البول والبراز وصنان * الإبط (1017) في PageVW5P249A الذكر أبلغ مما هي في الأنثى المتفقة في النوع، وكل ذلك يدل على توفر الحرارة؛ وسابعها مأخوذ من الشعر، فإن من كان حار المزاج يابسه كان شعر بدنه أكثر زينا وأغلظ قواما وأسود لونا وأسرع ثباتا وأشد تقضفا وأحسن ملمسا، ولا شك أن * شعر (1018) الذكر من كل نوع ميله إلى ذلك أشد من ميل شعر الأنثى من ذلك النوع إلى ذلك؛ وثامنها مأخوذ من حال الأعضاء، فإن الذكر من كل نوع يوجد أصلب لحما وأشد اكتنازا وأقوى عضلا وعظاما وأظهر * مفاصلا (1019) وأحسن جلدا وأعرض صدرا وأوسع عروقا، ولا شك أن هذه * كلها (1020) تابعة لقوة الحرارة. وأما المأخوذ من خلقة الأعضاء فهو أن الذكر * والأنثى (1021) يوجدان * متفقين (1022) في أعضاء التناسل غير أن أعضاء الذكر بارزة وأعضاء الأنثى كامنة حتى لو فرضنا ظهور هذه الكامنة كانت مثل البارزة سواء ليس بينهما اختلاف البتة. وليس لهذا علة سوى حرارة المزاج وبرودته، فالذكر لما كان أشد حرارة أبرزت الحرارة * آلته (1023) إلى خارج، والأنثى لما كان مزاجها دون ذلك كمنت * آلته (1024) . وأما المأخوذ من العلة الغائية فهو أن أشخاص نوع الإنسان أحتيج أن تكون متفننة إلى صنفين: أحدهما أن يكون أقوى حرارة ليظهر له الإحليل إلى خارج، وذلك ليكون مستعدا * للتوتر (1025) وقذف المني إلى داخل الرحم ولتكون انثياه كبيرة بارزة لتكون صالحة * لتوليد (1026) مني متوفر ليفي بتوليد الجسم الإنساني؛ وثانيهما أن يكون ناقص الحرارة ليتبع ذلك أمرأن محتاج إليهما: أحدهما لتكون آلة التناسل في داخل البدن لتكون صالحة لقبول المني وحفظه وتوليد الجنين ونشوءه ونموه وحفظه إلى حين يخرج، وثانيهما ليغلب عليه الكسل والفشل ليصلح لملازمة المسكن وتدبير أمره ولتربية الطفل. والله أعلم.
49
[aphorism]
قال أبقراط: إذا أردت أن تسقط المشيمة فادخل في الأنف دواء معطسا وامسك المنخري والفمن.
[commentary]
الشرح: أما صلة هذا PageVW1P148B بما قبله فهو أنه لما ذكر توليد الذكر في الجانب الأيمن من الرحم والأنثى في الجانب الأيسر منه، قال: فعند خورجها ربما تخلفت المشيمة بعد ذلك، وذلك لأن في الولادة تتخرق المشيمة PageVW5P249B ويخرج الجنين والفضول التي كانت محتبسة معه فإنها تعينه على الخروج بالإزلاق وتبقى المشيمة متعلقة بعلائقها المتصلة بأفواه الأوردة والشرايين. ولا شك أنها إن بقيت كذلك أذت النفساء وأوجبت لها الكرب والقلق. وربما جلبت عليها الغشي بما يرتفع منها من الأبخرة الرديئة إلى جهة القلب . وليست المشيمة * هي (1027) المحتبسة فقط بل السفا والسلاء، غير أن المشيمة لما كانت محيطة بهذين الغشائين وهي أثخن الجميع عبر عن المجموع بهذا الاسم. ولما كان حال احتباسها كذلك، ذكر في هذا الفصل الطريقة في إخراجها وهو أن يدخل في الأنف دواء معطسا كالكندس وغيره ويمسك مع ذلك المنخرين والفم. أما التعطيس فلوجهين: أحدهما أن العطاس يتحرك فيه الدماغ والصدر حركة قوية بمعنى أن الأعضاء تنبسط فيه، ولا شك أن ذلك يتبعه اندفاع ما هو ملتصق ومستمسك بها؛ وثانيهما أن العطاس ينفذ فيه هواء * كثير (1028) دفعة فينبسط الصدر غايته، وفي انبساطه هذا يندفع الحجاب إلى أسفل فيضغط الأحشاء التي تحته بمقدار تسفله فيعين على دفع المشيمة عن الرحم، ولذلك يجب أن تكون المرأة منتصبة عند استعماله ليكون ميل الرحم إلى أسفل أبلغ ثم إن الصدر بعد ذلك الانبساط ينقبض انقباضا عنيفا لتوتر العضلات القابضة له، ومن هذه الحال يكاد أن ينقلب الحجاب إلى خارج للضغط الذي يناله لو لا أن عضلات المراق تدعمه وتمسكه فينقبض ذلك جميعه على الرحم، وعند ذلك يزاحمه ويقلقل علائق المشيمة بأفواه الرحم، وذلك يعين على خروجها. وأما إمساك المنخرين والفم * فلأن (1029) في ذلك حصر النفس ورجوع الأبخرة الدخانية الخارجة بالنفس * قهقرا (1030) إلى داخل البدن، وذلك موجب لاتساع المجاري والمنافذ وفي ذلك تخلخل علائق المشيمة بأفواه الرحم. ثم إذا أزيل المسك خرجت هذه الأبخرة المتوفرة بحمية وكانت حركة العطاس أقوى فكانت قلقلة علائق المشيمة أبلغ. ولما كان حال العطاس كذلك مع إمساك الفم المنخرين أمر باستعماله عند احتباس المشيمة. والله أعلم.
50
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW5P250A إذا أردت أن تحبس الطمث المرأة فالق عند كل واحد من ثديها محجمة أعظم ما يكون.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أن حكم هذا الفصل كالمقابل لحكم الفصل الماضي. فإن ذلك يتضمن ذكر تحريك شيء من الأعالي * والأسافل (1032) ، وهذا يتضمن ذكر تحريك شيء من الأسافل إلى الأعالي وهو دم الطمث.
البحث الثاني:
قد بان من جهة التشريح أن بين الثدي والرحم مشاركة بالأوردة التي * هي (1033) مسالك المواد الخلطية، ولا شك أنه إذا كانت المواد متجهة إلى جهة وحدثت تلك المواد عن تلك الجهة إلى جهة أخرى مشاركة لها انقطعت المواد * عن (1034) الجهة الأولى فلأجل هذا صارت المحاجم إذا وضعت عند الثديين انقطع الدم الذي كان نافذا إلى الرحم عن الرحم. وشرط في المحاجم شرطين: أحدهما أن تكون عظيمة، وذلك لتحوي موضعا متوفرا من البدن وفي ضمن ذلك يحتوي على عروق متوفرة، وإذا كان الحال كذلك فيكون جذبها أقوى وأبلغ؛ وثانيهما أن يكون وضع المحاجم عند الثديين لا على الثديين * لأنها (1035) متى وضعت تحت الثديين أي عند الثديين كان احتواؤها على تلك العروق أبلغ بخلاف ما إذا كان وضعها على نفس الثدي فإنها لا تحتوي على العروق، والفائدة من ذكر هذين الشرطين لأن في هذا الجذب جذب مادة متوفرة عن جهة ميلها إليها بالطبع فإن الدم بالطبع يميل إلى أسفل. والله أعلم.
51
[aphorism]
قال أبقراط: إن فم الرحم من المرأة الحامل يكون منضما.
[commentary]
الشرح: أما صلة هذا بما قبله فهي أن أبقراط لما تقدم منه ذكر الحبل ذكر في هذا الفصل علامة من علاماته وهي انضمام فم الرحم من غير صلابة. فإن انضمامه يكون للحبل ويكون لورم فيه، والفرق بينهما أن الكائن للحبل يكون الانضمام خاليا من الصلابة والكائن للورم يكون معه صلابة. وسبب الانضمام المذكور عناية الطبيعة بالجنين لئلا * ينزلق (1036) ويخرج، وهذا الانضمام يحصل من حين حصول المني المحبل في الرحم حتى أنه إذا أدخلت القابلة أصبعها داخل الفرج ووصلت إلى فم الرحم فيتعذر على * القابلة (1037) الدخول، وهذا هو سبب احتباس دم الطمث. فإن فم الرحم عند ما يحصل له ذلك PageVW5P250B تجتمع أجزاؤه بعضها إلى بعض فتضيق المجاري لذلك فيتعذر على دم الحيض الخروج لا لأن الطبيعة تمسكه بالفصد لأجل توليد الأعضاء الدموية من بدنه ثم تغذيته بعد ذلك وتوليد اللبن على ما أثبتناه. والله أعلم.
52
[aphorism]
قال أبقراط: إذا جرى اللبن من ثدي الحامل دل * ذلك (1038) على ضعف من * طفلها (1039) ، ومتى كان الثديان مكتزين دل * ذلك (1040) على أن الطفل أصح * وأقوى (1041) .
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أن أبقراط لما ذكر في الفصل الماضي علامة من علامات الحبل ذكر في هذا الفصل ما يدل على ضعف الجنين الذي حصل به * الحبل (1042) وعلى قوته وهو جريان اللبن وعدم جريانه غير أنه يجب أن تعلم إذا كان جريانه في الشهر الثامن أو التاسع فليس بدال على ضعف الجنين لأنه بطبعة يجري في الوقتين * المذكورين (1043) لقرب حاجة الطبيعة إليه وفي الشهر الأول ليس يتولد فيهما شيء. فإذا جرى فيما بين ذلك دل على ضعف الجنين بحيث أنه لم يجذب من الدم الواصل إليه لأجل تغذيته ما له مقدار يعتد به فيتصاعد منه مقدار متوفر إلى جهة الثدي ويتولد فيه لبنا ويخرج منه لأنه لم يقدر أن يمسكه لضيقه وصغره بعد فإنه يتمدد ويكبر حجمه بحسب كبر الجنين وعظمه. فإن كانت الحبلى غزيرة الدم جدا بحيث أنه يفضل عما يغتذي به الجنين فإنه عند ذلك يتصاعد إلى جهة الثدي ويتولد منه لبن، ومثل هذا اللبن لا يدل على ضعف الجنين. ويعرف جريان اللبن التابع لغزارة الدم والكائن لضعف الجنين سخنة الحبلى فإنها متى كانت ممتلئة لحيمة ولونها أحمر ظاهر الحمرة فذلك لغزارة الدم. وإن كان مقابل * لذلك (1044) فذلك لضعف الجنين. وكما أن كثرته إذا لم تكن لغزارة الدم دلت على ضعف الجنين كذلك قلته المفرطة دالة على ضعف الجنين لأنه يتبعه ضعف قواه لأن القدر الواصل إليه لم يكفه في التغذية. وأما التوسط بين ذلك فهو المحمود الدال على صحة الجنين. ويلزم هذا التوسط كون الثديين مكتنزين من غير صلابة. والله أعلم.
53
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت حال المرأة تؤول إلى أن تسقط فإن * ثدييها (1045) يضمران، * فإن (1046) كان الأمر على خلاف ذلك أعني أن يكون ثدياها صلبيين PageVW5P251A فإنها يصيبها وجع في الثديين أو في الوركين أو في العينين أو في * الركبتين (1047) ولا تسقط.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: * وهو (1049) أن أبقراط لما ذكر في الفصل الماضي أن جريان اللبن من ثدي الحبلى دليل على ضعف الجنين ولا شك أن هذا * إذا (1050) طال أمره آل حال الحبلى إلى السقوط، ذكر في هذا الفصل ما يدل على هذا المآل وهو ضمور الثديين. وليس حكم هذا الفصل * كحكم (1051) الفصل الماضي حتى يظن أن ذكر هذا في الموضع * تكرار (1052) ، وذلك PageVW1P149A لأن في الأول شرط أن يكون حدوث ذلك بغتة * وهنا (1053) لم * يشرط (1054) ذلك ولا شك أن ذكر الشيء بشرط مغاير لذكره بلا شرط. وضمور الثدي الدال على الإسقاط يكون على وجهين: أحدهما أن يتأذى الجنين بمرض حاد أو بحمرة في الرحم أو بصيحة قوية أو وثبة أو سقطة أو غم مفرط أو ميل شهوة الحامل إلى شيء ميلا شديدا، فإنه متى كان شيء من ذلك تأذى الجنين. أما في الحمى الحادة والحمرة فقد عرفت الحال فيهما. وأما الصيحة والوثبة والسقطة فإن هذه جميعها يتخلخل بها علائق المشيمة، ولا شك أن في ذلك تهيئة الجنين للسقوط. وأما الغم والشهوة فإن الحامل في ذلك الوقت ينفعل عن ذلك انفعالا شديدا وعند ذلك ينفعل الجنين لذلك لضعفه، ولأن قواها مدبرة له فتؤدي ذلك إلى السقوط. وفي مثل هذه * الصور (1055) جميعها تتحرك الطبيعة إلى جهة الرحم طلبا لأن تصلح ما حدث هناك من الفساد ويميل بميلها الدم والروح لما عرفته مرارا عند ذلك لضمر الثديان. فإن الطبيعة تحصل لها كلفة في دفع الجنين سواء كان الدفع طبيعيا كما في الولادة أو غير طبيعي. وثانيهما أن يقل الدم في العروق المشتركة بين الرحم والثدي، وذلك إما لفصد أو لقلة الغذاء أو لقلة تغذيته وبالجملة على ما عرفت. واعلم أن حكمنا بضمور الثدي على ذلك إما دائم أو أكثري لكن لا يلزم من كون ذلك دائما أو أكثريا صدق عكسه دائما أو أكثريا وهو أن يقال الحامل التي من شأنها أن يخرج ولدها فإن ثدييها * يضمران (1056) * دائما (1057) ، فإن هذا محال لاحتمال أن يكون خروج الجنين طبيعيا كما في الولادة الطبيعية PageVW5P251B فإن الثديين في هذه الصورة ليسا بضامرين بل مكتنزين * كما (1058) في صلابة الثدي لفساد الدم كما ذكره.
البحث الثاني:
قوله * «فإن (1059) كان الأمر على خلاف ذلك» أي * أن (1060) يكون * الثديان (1061) غير ضامرين بل صلبين مع المآل إلى السقوط، ويكون سبب ذلك فساد الدم وخروجه عن صلاحيته لتغذية الجنين إذ لو كان صالحا لاستحال لبنا عند صعوده إلى الثدي * وكانا (1062) يكونان * لبنين (1063) ومع ذلك ليس خروجه * خروجا (1064) كثيرا. فإنه لو كان كذلك لكان ذلك موجبا للسقوط، ولو أوجب السقوط لضمر الثديان، والفرض أنهما ليسا بضامرين لأنه قال «وإذا كان الأمر على خلاف ذلك». وإذا كان حال الدم كذلك فلا بد * أن (1065) يحدث وجعا في الموضع السائل إليه. فإذا قويت الطبيعة على دفع * مثل (1066) هذا الدم عن الجنين فإنها تدفعه إما إلى موضع بينها وبين ما هو حال فيه مشاركة وإما أن يدفعه إلى أقبل الأعضاء له، وهذا العضو القابل إما أن يكون قبوله لذلك لمرض وإما أن يكون قبوله * لذلك (1067) بطبعة. فإن كان قبوله لمرض فليس كلامنا فيه فإن هذا القدر لا يختص بموضع دون موضع، وإن كان القبول للمشاركة دفعته الطبيعة إلى الثديين وحصل فيهما من ذلك ما ذكره من الصلابة والألم، وإن دفعته إلى القابل له بالطبع دفعته إلى المفاصل فإنها قابلة لانصباب المواد لدوام حركتها ولوجود التجويف فيها غير أن أقرب المفاصل إلى الرحم أولى بذلك، وذلك كالوركين والركبتين. وإن مالت إلى جهة الأعالي لميلها إلى الحرارة * دفعها (1068) الدماغ إلى أقبل الأعضاء لها * وهو (1069) العينين فإنهما لسحافتها ورطوبة مزاجهما ودوام حركتها قابلة لذلك، فمتى مالت المادة المذكورة إلى أحد المواضع المذكورة سلم الجنين من نكايتها ولم يسقط، ومتى حصل شيء من ذلك فإنه يسقط. والله * أعلم (1070) .
54
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان فم الرحم صلبا فيجب ضرورة أن يكون منضما.
[commentary]
الشرح: أما صلة هذا الفصل بما * قبله (1071) * فهي (1072) أن الإمام أبقراط لما قال في الفصل الماضي إن ضمور الثدي دال على السقوط دلالة دائمة أو أكثرية وإن عكسه ليس بدائم ولا أكري، ذكر نظير ذلك الحكم في جانب PageVW5P252A الحبلى وهو أنه لما ذكر في الفصل الماضي أن فم الرحم * من (1073) الحامل يكون منضما قال في هذا غير أن عكس ذلك ليس بدائم ولا * أكثري (1074) وهو أنه ليس كلما كان فم الرحم منضما فالمرأة حامل لاحتمال أن يكون ذلك الانضمام عن ورم، والفرق بين الانضمامين بالصلابة واللين. فإن التابع للورم يكون معه صلابة وللحبل يكون معه لين. وليس المفهوم من ذلك أن الانضمام لا يحصل عن الورم إلا إذا كان صلبا في نفسه، فإن هذا محال لأن هذا العارض يحصل عن كل ورم سواء كانت مادته سوداوية أو غيرها، وذلك بسبب التمديد. والله أعلم.
55
[aphorism]
قال أبقراط: إذا عرضت الحمى لمرأة * حامل (1075) وسخنت سخونة قوية من غير سبب * ظاهر (1076) فإن ولادتها تكون بعسر * وخطر (1077) أو تسقط فتكون على خطر.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فلأن بعض الحبالي قد يتفق لهن أن * يحبلن (1078) وفي أبدانهن مواد عفنة غير أنها قليلة فذكر في هذا الفصل حال هذه المرأة في مدة الحبل وفي وقت الولادة. فقال: إذا كان حالها كذلك كثرت تلك الفضلات الرديئة عند حصول الحبل بسبب احتباس دم الحيض وبما يلزمها من كثرة السكون فيظهر أثر تلك الفضلات، ثم إن المعالج لا يتمكن من * معالجاتها (1079) على الواجب من أمر الاستفراغ والتنقية لأجل الحبل ومن استعمال الحقن بل تكون معالجتها مداراه لا مداواة، ولا شك أن ذلك موجب لطول المرض وضعف القوى وحينئذ يصير أمرها في هذا الوقت بين حالتين إما أن تسقط وإما أن تعسر ولادتها، وتكون مع ذلك على خطر في هذا الوقت، وذلك لأن قواها إن كانت ضعيفة ترتب على ذلك ضعف قواه، وذلك لقلة ما ينفذ إليه من الغذاء الصالح لتغذيته ولقلة ما يرد إليه من النسيم المحتاج إليه في بقاء حياته فيسقط. وأما أن تكون قواها أقوى من ذلك وكذلك قواه فيبقى غير أن ولادته تكون بعسر لأن ولادته تتم بقوة قواه ليتحرك بها وقوة أمه لتدفعه. * فإن (1080) كانتا قويتين سهلت ولاته، * وإن (1081) كانتا ضعيفتين عسرت * ولادتها (1082) ، ويكون مع ذلك على خطر لأنه إذا كان حاله كذلك ربما كان PageVW5P252B خروجه على غير الوجه الطبيعي فيفسد شكل بعض أعضائه أو يختنق ويموت. فلأجل هذا قال «وتكون على خطر». قوله «من غير سبب ظاهر» أي لا تكون الحمى حمى يوم، فإن هذه الحمى حدوثها في الأكثر عن الأسباب البادية التي المراد بها الأسباب الظاهرة، فإن هذه الحمى كثيرا ما تعتري الحبالي ولم يحصل لهن * منها (1083) ما ذكره لأنها خفيفة الأعراض سريعة الزوال. فإن قيل قوله «وسخنت سخونة قوية» تخرج الحمى * اليومية (1084) لأن الحمى اليومية لا تكون السخونة معها قوية وإذا كان كذلك فلا يبقى لقوله «من غير سبب ظاهر» فائدة، قلنا: من الحميات اليومية ما تكون السخونة معها قوية جدا كالحمى الغضبية والجوعية وإذا كان كذلك فالحمى المذكورة لم تخرج إلا بالشرط المذكور. والله أعلم.
56
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بعد سيلان الطمث تشنج وغشي فذلك رديء.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة: وهو أن من عادة أبقراط إذا أثبت حكما في صورة عامة نقله إلى صورة خاصة وكان قد ذكر فيما مضى «إذا جرى من البدن دم كثير فحدث فواق أو تشنج فتلك علامة رديئة» فلما ذكر الحكم في مطلق الدم نقل ذلك * الحكم (1086) إلى دم مخصوص وهو دم الحيض. وذكر هذا الفصل في هذا الموضع لأنه قد تكرر ذكر أمراض النساء.
البحث الثاني:
المشهور بين المفسرين أن أبقراط أراد بقوله «التشنج» التشنج الحادث عن فرط الاستفراغ. وهذا القول ضعيف من وجهين: أحدهما أن هذا القدر داخل في قوله فيما مضى «إذا جرى من البدن دم كثير فحدث PageVW1P149B فواق أو تشنج» فلو أراد بالتشنج المذكور ذلك لكان تكرارا وهو غير لائق بأبقراط؛ وثانيهما أن التشنج الاستفراغي إذا كان معه غشي أعقبه الموت لا محالة وإذا كان كذلك فلا يحسن أن يقال إنه رديء، فإنه لا فائدة في هذا القول لأن كل أحد يعلم أن ذلك رديء قتال بل الحق في ذلك أن مراده بالتشنج هاهنا النوع المعروف عند العامة بالعقال أو الاهتزاز وهو كما يلحق الإنسان عند النوم في بعض الأوقات. وسبب هذا استحالة الطمث إلى * كيفية (1087) حادة لذاعة وهذان الأمران لا يطلق عليهما لفظة PageVW5P253A الرديء إلا أن يقترن بهما عرض رديء. فلذلك قال «تشنج وغشي» فإن الواو * تقيد (1088) الجمع كأنه قال «تشنج مع غشي»، ويكون سبب الغشي ما يرتفع من الأبخرة الرديئة عن المادة المذكورة إلى جهة القلب. وأيضا فلمشاركة القلب للرحم في * تضرره (1089) بسيلان الدم المذكور. وأما كون ذلك رديئا فظاهر لأنه يدل على شدة رداءة الدم وحدته. والله أعلم.
57
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان الطمث أزيد مما ينبغي عرض من ذلك أمراض، وإذا لم ينحدر * الطمث (1090) حدث من ذلك أمراض من قبل الرحم.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في الصلة: وهي أن دم الطمث تارة يؤذي البدن بكيفيته وتارة بكميته. فلما ذلك في الفصل الماضي الأول ذكر في هذا الثاني.
البحث الثاني:
المفهوم من كلام * الفاضل (1092) جالينوس أن غرض أبقراط من هذا الكلام دفع ظن قوم من اليونان وهو أن الأخلاط لا يحدث من نقصانها مرض بل من كثرتها، وهذا خطأ، فإنه عند قلتها ربما لزم البدن يبس وربما لزمه برد وربما لزمه الأمران جميعا، وقد ثبت أن كل مزاج تفاقم أمره حتى يضر بفعل من الأفعال فهو من جنس الأمراض. أقول: والحق في هذا أن يقال إن الصحة الإنسانية الخاصة بكل شخص موقوفة على نسبة مخصوصة من الأخلاط بمقدار مخصوص فإذا تغير ذلك الأمران تغير استعدادها وقبولها لتلك الصحة ثم تغيرها تارة يكون مع زيادة المقدار وتارة * يكون (1093) مع نقصانه. وعلى كلي التقديرين يلزم من نقصان الأخلاط خروج البدن عن الصحة المخصوصة به سواء كان النقصان مع حفظ نسبتها أو مع الخروج عن النسبة لأنا قد بينا أنه لا بد مع اعتبار ا لنسبة من اعتبار المقدار. فإنه لو لا اعتبار المقدار لجاز وجود إنسان في قدر حبل عظيم وإنسان في قدر البعوضة، وذلك محال. وأما معرفة النسبة فقد ذكرناها في كتبنا المبسوطة ذكرا لم نسبق إليه ولنشير إلى * ذكره (1094) هاهنا.
البحث الثالث
في ذكر * الطريق (1095) في معرفة النسبة: أما الطريقة في معرفة هذا القدر فإني لم أجد أحدا من الجماعة ذكره ولا أشار إليه بل نهاية ما قالوه إن أكثر ما في البدن من الأخلاط الدم PageVW5P253B ثم دونه في الكثرة البلغم ثم الصفراء ثم السوداء ولم يذكروا نسبة كل واحد من هذه إلى الآخر. وقد ذكرنا * نحن (1096) طريقا في ذلك بها يعرف نسبة كل واحد من الأخلاط إلى صاحبه غير أن القول بذلك موقوف على أربعة شروط: أحدها * أن (1097) البدن المفروط فيه النسبة معتدل المزاج فإن الخارج عن الاعتدال يكون الغالب عليه الخلط المناسب لتلك الكيفية؛ * وثانيها (1098) أن يكون خروج المواد في كيفيتها مع بقاء كميتها؛ وثالثها أن تكون الأغذية التي تقدم استعمالها أغذية معتدلة فإن الخارجة عن الاعتدال تولد ما يناسبها من * المواد (1099) في الخروج؛ ورابعها أن تكون المواد على ما هي عليه من غير أن يخالط الخلط منها ما هو أرق والرقيق ما هو أغلظ. إذا عرفت هذا فنقول: قد عرفت أن الحميات المفترة لها زمان أخذ وزمان ترك والمجموع هو زمان الدور، فزمان الأخذ هو الزمان الذي تنصب فيه * المادة (1100) إلى مستوقد العفونة ثم تعفن ثم تتحلل، وزمان الترك الزمان الذي تجتمع المواد فيه وتأخذ في الانصباب إلى مستوقد العفونة. وهذا القدر يختلف باختلاف مقدار الخلط في كثرته وقلته، فإن الخلط متى كان كثيرا كان سهل التجمع، وإذا انصب إلى مستوقد العفونة كان تعفنه وتحلله في زمان طويل، ولذلك قصر زمان ترك البلغم وطال زمان أخذه. ومتى كان قليل المقدار كان * سريع (1101) التجمع، وإذا انصب إلى مستوقد العفونة كان تعفنه ثم تحلله في زمان قصير، ولذلك طال زمان * ترك (1102) السوداوية. وأما طول زمان أخذها فليس هو لكثرة مقدارها بل لغلظ قوامها، فإن القوام أعني الرقة والغلظ وإن كان له أثر في سهولة الاجتماع وعسره بمعنى أن المادة متى كانت رقيقة سهل تجمعها، ومتى كانت غليظة عسر تجمعها إلا أن المقدار تأثيره في ذلك أبلغ من تأثير القوام. * وكذلك (1103) الخلط متى كان قليل المقدار عسر تجمعه وإن كان رقيقا، ومتى كان كثيرا سهل تجمعه وإن غلظ، ولذلك طالت فترة الصفراء وقصرت فترة البلغمية بل الذي يعين الكيفية عليه طول زمان PageVW5P254A النوبة وقصرها، فإن المادة متى كانت رقيقة القوام سهل تعفنها ثم تحللها، ومتى كانت غليظة القوام عسر تعفنها ثم تحللها، ولذلك طال زمان نوبة السوداوية على نوبة الصفراوية وإن كانت الصفراء أكثر، ومتى كان معتدل المقدار كان تجمعه في زمان متوسط بين ذلك. إذا ثبت هذا فنقول: قد عرفت أن فترة البلغمية ست ساعات وأخذها ثماني * عشرة (1104) ساعة، وفترة الصفراوية ست وثلاثون ساعة، وأخذها اثنا عشر ساعة، وفترة السوداوية * ثماني (1105) وأربعون ساعة، وأخذها أربع وعشرون ساعة. وأما الحمى الدموية فإنها مطبقة ليس * لها (1106) فترة، غير أنها تنقسم إلى متزيدة ومتنقصة ومتساوية، ومعنى المتزيدة أن يكون المتعفن فيها أكثر من المتحلل والمتنقصة بالعكس والمتساوية ما * تساوي (1107) ذلك فيها. وإذا كان حال هذه الحمى كذلك فلنعتبر المتساوية من الحمى الدموية لتساويها بين ذلك فنقول: هذه الحمى ابتداء * العفن (1108) اللاحق فيها حاصل عند * انتهاء (1109) العفن السابق * إذ (1110) لو كان بينهما زمان لكان لها فترة، والفرض أنها مطبقة لكن يفرض فيها ساعة مقدرة حاصلة بين انتهاء العفن السابق وابتداء اللاحق. وإذا كان كذلك فيكون مقدار ما في البدن المذكور من البلغم مثل سدس الدم لأن نسبة الساعة المفروضة في الحمى * الدموية (1111) إلى فترة البلغمية نسبة السدس ونسبة الصفراء إلى البلغم نسبة السدس * لأن (1112) نسبة الست ساعات التي هي فترة البلغمية إلى الست * والثلاثين (1113) التي هي فترة الصفراوية نسبة السدس ونسبة السوداء إلى الصفراء نسبة النصف والربع لأن نسبة الست والثلاثين التي هي فترة الصفراوية إلى الثماني والأربعين التي هي فترة السوداوية نسبة النصف * والربع (1114) ، فيكون مقدار ما في * البدن (1115) من الدم على الشروط المذكور مثل * ستة (1116) أمثال البلغم، وفيه من البلغم مثل * ستة (1117) أمثال الصفراء، وفيه من الصفراء مثل السوداء مرة وربع هذه نسبة الأخلاط في البدن المذكور بحسب الشروط المذكورة. وأما معرفة PageVW5P254B المقدار * فإن (1118) مقدار كل واحد منها ما هو بالوزن فلم نطلع عليه لأنا لم نطلع على مقدار الدم. ولو فرضنا أنا فصدنا هذا الشخص وأخرجنا كل دمه ووزناه لم نعرف مقداره لأن الخارج بالفصد ليس هو الدم فقط بل هو وباقي المواد.
البحث الرابع:
قال جالينوس: الغامض في هذا الفصد قوله «من قبل الرحم» هل يشتمل على قوليه جميعا أي كثرة الطمث وقلته. فإنه إذا قال: إذا كان الطمث أزيد مما ينبغي عرض من ذلك * وإذا (1119) كان أنقص عرض من ذلك أمراض من قبل الرحم، أقول: أما من جهة اللفظ فيصح أن يكون قوله «من قبل الرحم» قيدا في الاستفراغ والاحتباس. PageVW1P150A والحق كونه قيدا في الاحتباس لأن الطمث إذا كان أزيد مما ينبغي عرض منه أمراض الاستفراغ ويلزم ذلك برد البدن لقلة الدم ويسبه لقلة رطوبته، ومعلوم أن هذا القدر لا يؤثر في الرحم فوق ما يؤثره في باقي الأعضاء بل ربما كان تخفيفه لباقي الأعضاء أكثر، وذلك لمرور المواد الخارجة به دائما. فإذا لم تفده رطوبة بالمجاورة فلا أقل من * أن (1120) يفرط بخفيفه ولا * كذلك (1121) باقي الأعضاء. فلذلك قال إن أفراط خروجه يوجب أمراضا مطلقا لا أنها مختصة بالرحم كما قال في احتباسه، فإن الطمث إذا لم ينحدر على ما ينبغي كان أكثر مضرته بالرحم، وذلك لأن دم الطمث ليس بتام الصلاح والطبيعة تدفعه إلى الرحم، فإذا لم ينحدر عنه أوجب فيه أمراضا امتلائية وأكثرها أورام لأن أقوى الأسباب في حدوث * الورم (1122) اتجاه المواد إلى العضو ثم احتباسها فيه وإن كانت فاضلة. ولما كان الحال كذلك، قال: في الاحتباس حدثت أمراض من قبل الرحم.
البحث الخامس:
كل واحد من إفراط جريان دم الطمث واحتباسه له أسباب. أما الأول فأسبابه ثلاثة: أحدها اتساع أفواه الرحم، وذلك لاستيلاء رطوبة مرخية عليها، فإنها متى كانت كذلك سهل خروج الدم منها وجرى أولا فأولا؛ وثانيها * حدة (1123) الدم، فإنه متى كان كذلك أنكى الأفواه المذكورة ولذعها ، وعند ذلك يخرج أولا فأولا؛ وثالثها امتلاء مفرط فتخرج المواد بذاتها أولا فأولا. وأما الثاني فأسبابه ضد هذه وقد يحدث الاحتباس PageVW5P255A لورم في طرف المعاء أو في المثانة، وذلك بسبب المزاحمة. والله أعلم.
58
[aphorism]
قال أبقراط: إذا عرض في طرف الدبر أو في الرحم ورم تبعه تقطير البول، وكذلك إذا * تقيحت (1124) الكلى تبع ذلك تقطير * البول (1125) ، وإذا حدث في الكبد ورم تبع ذلك فواق.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث أربعة.
البحث الاول
في الصلة: وذلك من وجهين: أحدهما أن الأول مشتمل على ما يتعلق باحتباس دم الطمث، وهذا مشتمل على ما يتعلق * باحتباس (1127) البول فناسبه من جهة الاحتباس؛ وثانيهما أن من جملة احتباس دم الطمث ورم الرحم أو ورم في طرف المعاء. قال في هذا الفصل: وهذا أيضا موجب لاحتباس البول.
البحث الثاني
* في (1128) تقطير البول: هو أن * يخرج (1129) مرات ويكون مقداره في كل مرة قليلا. ومراده بطرف الدبر المقعدة وهي طرف المعاء المستقيم. وورم ذلك وورم الرحم لا يوجب تقطير البول إلا إذا كان عظيما. ووجه * إيجابهما (1130) لذلك من وجوه أربعة: أحدها من جهة سوء المزاج العارض * للمثانة (1131) لمجاورة الورم الذي هو في الحقيقة سوء مزاج مادي والسوء * المزاج (1132) مضعف، وإذا ضعفت المثانة لم تقو على دفع المائية جملة بل قليلا قليلا؛ وثانيهما من جهة ما بين * ذينك (1133) العضوين والمثانة من المشاركة فيتأدى الألم إلى المثانة، وعند ذلك تضعف عن دفع ما فيها من البول جملة بل تدفعه قليلا قليلا؛ وثالثها أن هذه الأعضاء إذا أعظم حجمها بالورم زاحمت المثانة، ومتى زاحمتها ضعطتها وزاحمت تجويفها فلا تسع من المائية شيئا كثيرا فيخرج ما اجتمع أولا * فأولا (1134) ؛ ورابعها أن الورم لمزاحمته المثانة لا يمكن أن تدفع ما انصب إليها من البول مرة واحدة بل مرة بعد مرة لما يحصل عند ذلك من ألم الورم. وأما تقيح الكلى فحصول التقطير فيه ظاهر، وذلك لأن * التقيح (1135) إذا انحدر مع البول إلى المثانة وهي في نفسها حساسة لأنها عضو عصبي لذعها وانكاؤها بسبب ما فيه من الحدة والبورقية تحركت لدفع ما * فيها (1136) من البول أولا فأولا.
البحث الثالث
(1137) : قوله «وإذا حدث في الكبد ورم تبع ذلك فواق» لقائل أن يقول: أي مناسبة بين هذا الكلام وبين ما PageVW5P255 تقدمه فإن كلامه في ورم الدبر والرحم لما ذكرنا من الصلة ثم انتقل من ذلك إلى حكم ورم الكبد، فنقول: ذكر ذلك لوجهين: أحدهما أنه لما ذلك الورم الذي يتبعه ضرر في * منفذ (1138) متسفل بسبب المجاورة وهو المثانة ناسب أن يذكر الورم الذي يتبعه * ضرر (1139) علوي بسبب المجاورة وهو في شرح * قوله (1140) المعدة؛ وثانيها أن ورم الكبد إذا كان تحديبيا تبعه تقطير البول بمعنى أنه يزاحم مجرى البول * فيمنع (1141) خروجه دفعة بل قليلا قليلا. * وكذلك (1142) يكون خروجه من المثانة. وربما حسبه غير أن الورم متى كان في الكبد في الموضع المذكور فإنه لا يتبعه فواق إلا إذا كان عظيما. ومثل هذا الورم يسمى ذات الكبد وهو يشابه ذات الجنب من وجوه أخر، ويفارقها من وجوه * أخر (1143) ، وقد عرفتها. وأما متى كان تقعيريا فهو الذي يتبعه الفواق وقد قيل في ذلك ثالثة أوجه: أحدها بالضغط فإن الكبد متى حصل لها ورم في تقعيرها ضغط المعدة وزاحمها، وعند ذلك تتحرك المعدة الحركة المذكورة؛ وثانيهما لما بينهما من المشاركة، وذلك بعصبة دقيقة متصلة بفم المعدة والكبد؛ وثالثها لما ينصب إلى فم المعدة من الصديد الورمي. والله أعلم.
59
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة لا تحبل وأردت أن تعلم هل تحبل أم لا فغطها بثياب ثم بخر تحتها، فإن رأيت رائحة البخور تنفذ في بدنها حتى تصل إلى منخريها وفيها فاعلم أنه ليس تعذر * الحمل (1144) من قبلها.
[commentary]
الشرح هاهنا * بحثان (1145) .
البحث الاول
في الصلة: وهو أنه لما حكم بحدوث الفواق عن ورم الكبد مطلقا وقد عرفت أن أحد الأقوال في ذلك نفوذ مادة الورم إلى فم المعدة أو في العصبة المتصلة بفم المعدة ربما أنكر منكر هذا النفوذ واستعد وجود منافذ ينفذ فيها هذه المادة، أراد أن يثبت وجود منافذ غير محسوسة بين الأعضاء وكيفية نفوذ المادة فيها بأمر ظاهر للحس وهو نفوذ رائحة البخور من الرحم إلى المنخرين. وضرب المثال بهذه الصورة لفائدتين: أحدهما أنه لما كان كلامه في الحبل وما يتعلق به PageVW5P256A ثم كان بعض النساء لم تحصل لهن حبل ذكر ما يدل على ذلك؛ وثانيهما أن بعد الثدي عن الرحم * أكثر (1147) من بعد الكبد عن المعدة فكأنه يقول: إذا كان بين ذلك مع البعد منافذ فبالأولى أن يكون ذلك بين الكبد والمعدة.
البحث الثاني
في بيان كيفية دلالة * نفوذ (1148) الرائحة على ما ذكره: ستعلم أن من جملة أسباب العقم تكاثف نقر الرحم التي هي أفواه العروق وانضمامها لبرد مفرط. فإن هذه متى كانت كذلك لم ينفذ من دم الطمث ما فيه كفاية لتوليد الجنين * وتغذيته (1149) . ولا شك أنه متى * كانت (1150) منافذ الرحم كذلك احتبست رائحة البخور في الرحم * ولم (1151) تتمكن من الصعود إلى المنخرين. وقد يكون سبب ذلك فرط رطوبة الرحم، فإن الرحم متى كان كذلك غمرت الرطوبة دخان البخور وأخفته، وعند ذلك لم ينفذ منه في الأفواه ما له قدر في اتصال الرائحة. وربما كانت الرطوبة رديئة عفنة فأفسدت رائحة البخور وغيرته. أما إذا كان الأمر بخلاف ذلك فإن الرائحة تنفذ * منه (1152) في تلك المنافذ ثم تصعد فيها إلى المنخرين، فمتى حصل هذا القدر للمرأة ثم كان هناك تعذر حبل فليس ذلك من جهة المرأة بل من جهة الرجل. وللأطباء في ذلك وجوه أخر: أحدها أن * تتحمل (1153) بتؤمه، فإن أدركت رائحتها وطعمها فليس ذلك من جهتها بل PageVW1P150B من جهة الرجل؛ وثانيها أن يصب مني الرجل على وجه الماء، فإن طفى على وجه الماء فالتقصير من جهته، وإلا فمن جهة المرأة؛ وثالثها أن يصب بول كل واحد من الرجل والمرأة على ورقة خس فأيهما جف أو لا فالتقصير من جهته؛ ورابعها أن يؤخذ سبع * باقلات (1154) وسبع حبات حنطة وسبع حبات شعير ويجعل في إناء خزف ويبول أحدهما عليه ويترك سبعة أيام وكذلك يفعل ببول الآخر، فأيهما نبت الحب في بوله فلا عقر من جهته. وأما قوله * «فغطها (1155) بثياب» لأنه لو لم يغط * بثياب (1156) لأمكن أن تصل رائحة البخور إلى المنخرين والفم لا من جهة الرحم فلا يدل ذلك على إمكان الحبل من جهتها. وقد يمكن أن يحترز في * مثل (1157) هذا بوجه آخر وهو أن يجعل البخور في PageVW5P256B إناء ويكب عليه قمع ويجعل فم القمع داخل الرحم أو يجلس على إجانة مثقوبة بحذاء الفرج، وقد جعل البخور تحتها. والأدوية التي يتبخر بها على ما ذكره * الفاضل (1158) جالينوس هي الكندر والميعة والمر، وذكر غيره القسط والكافور. والله أعلم.
60
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان طمث المرأة الحامل يجري في أوقاته فليس يمكن أن يكون طفلها صحيحا.
[commentary]
الشرح: أما صلة هذا بما قبله فهو أنك قد * عرفت (1159) أن دم الطمث تارة يؤذي بكيفيته * وتارة (1160) بكميته، ثم الكميته تارة تكون في مقداره وتارة تكون في عدد مراته، فذكره في هذا الفصل. وكان ينبغي أن يكون هذا الفصل متصلا بذينك الفصلين، غير أنه إنما ذكر ما ذكره من الفصول لأمور وقد عرفتها. وقوله «يجري في أوقاته» يفهم منه أنه تكرر ذلك منه، إذ لو كان ذلك مرة واحدة أو مرتين، لا يقال له إنه يجري في أوقاته بل يقال جرى لها طمث أو حدث لها جريان الطمث أو عرض لها جريان الطمث، وذلك إما الغزارة الدم وإما لأنه يخرج في بعض الأوقات من أفواه العروق التي في رقبة الرحم، فإن المشيمة تعلقها بأفواه العروق التي داخل الرحم دون رقبته، ومثل هذا لا يضر الجنين. وأما الجريان في الأوقات المعتادة فلا يقال إلا لما تكرر مرارا * كثيرة (1161) ، فإن هذا هو المضر بصحة الجنين. وجريانه على هذه الصورة يكون لأحد أمرين: إما لضعف الجنين عن جذب الدم الواصل إليه لأجل تغذيته فيبقى مختلطا بدم الحيض النافذ معه في أوقاته في * جريانه (1162) ويصير المجموع كلا على القوة فتدفعه الطبيعة في أفواه عروق الرقبة؛ وإما لانهتاك بعض عروق المشيمة المتصل بنقر الرحم. وكل ذلك لا يمكن أن يكون الطفل معه صحيحا.
61
[aphorism]
قال أبقراط: إذا لم * يجر (1163) طمث المرأة في أوقاته ولم تحدث بها قشعريرة ولا حمى لكن عرض لها كرب وغثي وخبث نفس فاعلم أنها قد علقت.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الاول
في الصلة: وهو أن حكم هذا الفصل كما المقابل لحكم الفصل الماضي، وذلك من وجهين: أحدهما أن الأول يتضمن PageVW5P257A حكم جريان دم الطمث حيث جرت العادة أن لا يجري، وهذا يتضمن حكم انقطاع دم الطمث حيث جرت العادة أن يجري؛ وثانيهما أن الأول يتضمن ذكر كون الغذاء للجنين قليلا، وهذا يتضمن ذكر كون الغذا للجنين كثيرا.
البحث الثاني:
قوله «إذا لم * يجر (1165) طمث * المرأة (1166) » أقول: طمث المرأة إذا كان * يجري (1167) في أوقاته ثم احتبس فاحتباسه يكون لأحد أمرين: * إما (1168) للحبل لأجل تغذية الجنين لضرورة انسداد مجاريه بسبب انضمام أفواه العروق في مبادئ العلوق ثم اتصال أطراف عروق المشيمة بالنقر؛ وإما لانبثات المادة الطمثية في البدن. ويفرق بين الحالتين بما ذكره من الأغراض وهو حصول القشعريرة والحمى، فإنهما متى حصلا فذلك للحمى، ومتى لم يحصلا فهو للحبل. فإن الطمث إذا انقطع لا للحبل فانقطاعه يكون لفساد فيه أو في مجاريه أو لعجز الطبيعة عن دفعه في مخرجه المعتاد، وكل ذلك موجب لعفنه، ومتى عفن أوجب القشعريرة لما عرفته ثم الحمى ثم بعد الحبل يتبعه ما ذكره وهو الكرب والغثيان وخبث النفس. وأما الكرب فالمراد به القلق المعدي، وذلك لأن الدم الواصل إلى الرحم في أول العلوق أكثر مما يحتاج إليه في تغذية الجنين فيبقى منه في البدن فضلات توجب نفور المعدة من الغداء الوارد إليها * وزيادة (1169) حرارتها لأن الدم حار. وأما الغثيان فلنفور المعدة من تلك المادة وقد عرفت ما هو الغثيان. وأما خبث النفس فالمراد به التهوع وقد عرفته وسببه هنا حاصل. وإنما لم يذكر فساد الشهوة وإن كان من لوازم الحبل في مبادئه لأنه يتولد * بعده (1170) الأخلاط الفاسدة في المعدة وتولدها يكون بعد تلك الأعراض فتكون الأعراض المذكورة قد أغنت في الدلالة على الحبل عن ذكره، وهذه الأعراض مستمرة بالحبلى إلى الشهر الثالث وقيل إلى الرابع، غير أنها تتناقض أولا فأولا. وذلك لأن الجنين يعظم ويكبر ويشتد جذبه للغذاء، ومع ذلك تتسع المشيمة وتسع من الدم مقدارا متوفرا، ووصول المادة المذكورة PageVW5P257B إلى جهة المعدة * إما (1171) في منافذ غير محسوسة كما ذكرنا من أمر البخور وذلك لضرورة قاهرة وإما في أوردة نافذة من الرحم إلى المعدة.
البحث الثالث:
لقائل أن يقول: لم اقتصر أبقراط على الاستدلال على الحبل فقط ولم لا قال وإن حدث * بها (1172) قشعريرة وحمى فليست بحامل، قلنا: الجواب عن هذا أن عدم حدوث القشعريرة والحمى دليل على الحبل. وأما حدوثهما فلا يدل على عدم الحبل، إذ من المحتمل أن يحصل * للحبل (1173) ذلك بأن يعفن بعض ذلك الدم ويولد حمى. والله أعلم.
62
[aphorism]
قال أبقراط: متى كان رحم * المرأة (1174) باردا متكاثفا لم تحبل ومتى كان أيضا رطبا جدا لا تحبل، * لأن (1175) رطوبته تغمر المني وتخمده وتطفئه. ومتى كان * أجف (1176) مما ينبغي أو كان حارا محرقا لم تحبل لأن المني يعدم الغذاء * فيفسد (1177) . ومتى كان مزاج الرحم معتدلا بين الحالتين كانت المرأة كثيرة الولد.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الاول
في الصلة: وهو أن الفصل المتقدم اشتمل على ذكر علامات الحبل وهو انقطاع دم الطمث مع عدم القشعريرة والحمى والكرب والغثي وخبث النفس. ومن ذلك يفهم علامات عدم * الحبل (1179) وهي حصول القشعريرة والحمى عن انقطاع دم الطمث، وهذا الفصل أيضا اشتمل على ذلك. فإن اعتدال مزاج الرحم كما أنه سبب للحبل كذلك أيضا * هو (1180) علامة له، * فإنا (1181) إذا علمنا أن مزاج الرحم * معتدل (1182) علمنا أن المرأة التي لها كذلك كثيرة الولد، وذلك خروجه عن الاعتدال مع كونه سببا لتعذر الحبل هو أيضا علامة له. فلأجل هذا قرن هذا الفصل بالفصل المتقدم.
البحث الثاني:
قال جالينوس: لو استجرت أن أنقل فصول أبقراط عن مواضعها * وأنظمها (1183) على ما ينبغي لما عملت عملا حتى أنقل فصلا قد وضعه قبل هذا بفصلين فأجعله مكان هذا الفصل، وفي نسخة متصلا بهذا الفصل حتى يكون القول في الطمث قد تم وأتبع به القول في الرحم * الذي (1184) * كلامنا (1185) فيه من كم ضرب تكون المرأة عاقرا، وكان يكون أول ذلك قوله «إذا كانت المرأة لا تحبل وأردت أن تعلم أن تحبل أم لا» إلى آخره، ثم يوصله بهذا الفصل الذي نحن في PageVW5P258A شرحه أو نجعله فصلا مستقلا ويكون ذكره بعد ذلك الفصل. أقول: أما قول جالينوس: لو استجرت وفي نسخة * أخرى (1186) لو استجريت لا نظم هذا القول منه مبنى على ما قيل في المشهور وهو أن الإمام أبقراط لم يكن المرتب لفصول هذا الكتاب بعضها بعد بعض بل ذلك فعله بعض * تلاميذه (1187) بعد وفاته، ولأجل هذا لم يكن * بينهما (1188) مناسبة بل كل فصل يتضمن ذكر معنى ليس له اتصال بالفصل السابق. وهذا القول المشهور مبنى على سوء فهم الشراح لهذا الكتاب على ما فهمته من شرحي لهذا الكتاب. فإن الله تعالى قد وفقني لمعرفة الصلة بين كل فصل وفصل حتى كأنني قد كنت مجتمعا PageVW1P151A بالإمام أبقراط عند تصنيفه لهذا الكتاب حتى عرفته أغراضه ومقاصده بما وضعه فيه. وأما قول جالينوس إنه كان يجعل الفصل المتضمن لذكر معرفة منع الحبل من المرأة متصلا بهذا الفصل لأنه ذكر فيه موانع الحبل * فنقول (1189) : لو لم يذكر الفصل الماضي في موضعه لما انتظم له كلام فيما ادعاه في حصول الفواق عن ورم الكبد على ما عرفت. ومع هذا فنقول: ليس ذكر هذا الفصل مع موانع الحبل بأولى من ذكره مع موجباته، فإنه ذكر فيه أن خروج مزاج الرحم عن العتدال إلى الكيفيات المذكورة مانع من * الحبل (1190) وذكر فيه أن اعتداله موجب لكثرته.
البحث الثالث
(1191) : قد بينا في شرحنا الكليات القانون كيفية حدوث المزاج وشروطه وتقاسيمه، فلنذكر الآن ما يليق ذكره من ذلك بهذا الكتاب. فنقول: المزاج تسعة أصناف: واحد معتدل وثمانيه خارجة عن الاعتدال. والمعتدل على نوعين: حقيقي وإضافي. والحقيقي معناه أن تكون كيفيات العناصر فيه متساوية تساويا حقيقيا لا في أجرامها لأنه لا يلزم من التساوى في الأجرام التساوى في الكيفيات لأن الحرارة أقوى الفاعلين لأن الممتزج الموصوف بذلك المزاج لا بد له من مكان طبيعي لأنه جسم فأي مكان حل فيه كان المستولي عليه كيفية ذلك العنصر الحال في ذلك المحل، وإذا كان كذلك فالموجود من الاعتدال الاعتدال PageVW5P258B الإضافي وهو أن يكون الممتزج قد أعطى في أول الوجود من كميات العناصر وكيفياتها ما هو محتاج إليه. فهذا النوع من الاعتدال * اعتدال (1192) بالنسبة لى النوع الخاص به وإن كان غير معتدل بالنسبة إلى النوع الآخر ومن هذا يعلم أن غير المعتدل المقابل للإضافي غير المعتدل المقابل للاعتدال الحقيقي. وإذا قال الأطباء: معتدل وغير معتدل المراد به الإضافي وما قابله لا النوع الأول وما قابله فإن الطبيب ليس له في ذلك نظر البتة والغير معتدل أربعة مفردة، اثنان منها فاعلة واثنان منفعلة. فالفاعلة * هي (1193) الحرارة والبرودة، والمنفعلة الرطوبة واليبوسة. وسميت تلك فاعلة لأن شأنها الفعل في الغير. أما الحرارة فكالطبخ والحل والعقد والشي والتبخير والتدخين. وأما البرودة فكالتفجج والتغليظ والتجميد والجمع. والاعتدال بين هاتين الكيفيتين يسمى تعادل الفاعلتين. وسميت الثانية منفعلة لأن شأنها الانفعال * من (1194) الغير. فإن اليابس هو الذي يعسر انفعاله، والرطب هو الذي يسهل. والاعتدال بين هاتين يسمى تعادل المنفعلتين. وأربعة مركبة حار رطب وحار يابس وبارد رطب وبادر يابس. ولنا أربعة تراكيب أخر: أحدها تركيب يغلب فيه الحرارة والبرودة معا، وثانيها تركيب يغلب فيه الرطوبة واليبوسة معا، وثالثها تركيب يغلب فيه ثلاث كيفيات، ورابعها تركيب يغلب فيه أربع كيفيات. وهذه التراكيب مستحيلة الوجود. أما الحار * واليابس (1195) والرطب واليابس فنقول: هاتان الكيفيتان إما أن تكونا متعادلتين أو * إحداهما (1196) أقوى. وإن كان الأول فالمنفعلتان إما أن يكونا كذلك أو لا فإن حصل الاعتدال من الجانبين كان المزاج معتدلا وهو قسم بذاته. وإن لم يحصل ذلك كان المزاج مركبا من الكيفيات الغالبة من الجانبين. والاعتدال من الجانب الآخر كان مفردا وهو * قسم (1197) بذاته. وأما الثلاث كيفيات فيستحيل وجودها وهو أنا نفرض ممتزجا يغلب عليه الحرارة والبرودة مثلا PageVW5P259A فنقول: الحرارة والبرودة إما أن تكونا * معتدلتين (1198) أو * إحداهما (1199) أقوى. فإن كان الأول كان المزاج * مفردا (1200) ، وإن كان الثاني كان مركبا مما ذكرنا. وأما الأربع كيفيات فوجودها مستحيل، لأن هذه الأربع إذا كانت غالبة فما المغلوب فإن الغالب مضاف إلى المغلوب وليس لنا كيفيات يتم بها المزاج سوى هذه الأربع فثبت بما ذكرنا أن أنواع المركبات المزاجية أربعة لا غير. وصارت أصناف المزاج الخارج عن الاعتدال ثمانية لأن خروجه عن الاعتدال إما أن يكون في كيفية واحدة وإما أن يكون في كيفيتين. فإن كان الأول فتلك الكيفية إما أن تكون فاعلة أو منفعلة، والفاعلة إما أن تكون أقوى الفاعلين أو أضعفهما. وكذلك المنفعلة فتكون أربعة. وإن كان الثاني فإما أن يكون من أقوى الفاعلين مع أقوى المنفعلين أو مع أضعفهما أو أضعف الفاعلين مع تينك الكيفيتين فكانت أربعة أيضا.
البحث الرابع
(1201) : مزاج الرحم إما أن يكون معتدلا أو خارجا عن الاعتدال. والمراد بالمعتدل هنا المعتدل الإضافي. فإن كان بهذه الصورة كانت المرأة كثيرة الولد، ولم يكن من جهتها مانع. وإن كان مزاجه * خارجا (1202) عن الاعتدال الذمكور فهذا الخروج إما أن يكون قليلا أو كثيرا. فإن كان الأول كان ذلك موجبا لقلة الحبل لا لمنعه، وإن كان الثاني كان ذلك مانعا من الحبل. وقد علمت أن الخارج عن الاعتدال قد يكون مفردا، ويسمى بسيطا وقد يكون مركبا. واقتصر * أبقراط (1203) على ذكر البسائط لأنها متقدمة طبعا * لأن (1204) المركب يعرف حكمه من الحكم البسائط. قوله «متى كان باردا متكاثفا» قدم أولا ذكر الكيفية الفاعلة وابتدأ بالبرودة لأن منافاتها للحياة وللتوليد أشد من منافاة الحرارة لأن الحرارة كيف كانت مناسبة للحياة ولذلك لا يبطل الحس والحركة في حمى الدق المتمكنة كما يبطل ذلك في البرودة المتمكنة المساوية لحرارة الحمى * المذكورة (1205) ، والبرودة تمنع من الحبل من وجود ستة: أحدها من جهة تبريدها للمني؛ وثانيها أن البرد المذكور يتبعه ضعف الجذب أي جذب PageVW5P259B الرحم للمني؛ وثالثها أن البرد المذكور يجمع أجزاء الرحم بعضها إلى بعض فيضيق، وعند ذلك يتعذر على المني الدخول فيه؛ ورابعها أن * البرد (1206) المذكور يغلظ قوام * دم (1207) الطمث، وعند ذلك يتعذر عليه الخروج والبروز دفعة فيكون دائم الرشح إلى الرحم فلا ينقى الرحم البتة، وقد علمت أن الرحم لا يحتوي على النطفة ويمسكها إلا إذا كان نقيا؛ وخامسها أن البرد المذكور يكثف أفواه العروق المسماة بالنقر، وعند ذلك إما أن يعتذر أو يمتنع نفوذ الروح * والدم (1208) منها إلى النطفة الواقعة في محل التوليد، وهذه النطفة إما أن يتكون منها * ولد (1209) أو لا، فإن لم يتكون منها ولد قد تم العرض، وإن تكون منها * ولد (1210) لم يعش البتة، فإنه كيف يتصور بقاء الحيوان بدون الغذاء والروح، وإن وصل إليه شيء من ذلك دون * كيفياته (1211) لا يبقي أيضا؛ وسادسها أن البرد المذكور إذا كثف النقر تعذر على أطراف عروق المشيمة إن تكونت التمسك بها، ومتى لم يحصل ذلك تعذر نفوذ ما ينفذ فيها ويحصل ما ذكرناه. وذكر أبقراط التكاثف لفائدتين: * إحداهما (1212) ليعلم أن مراده هنا بالبرودة القوية لأنك قد عرفت السوء المزاج لا يوجب عدم الحبل إلا إذا كان قويا؛ وثانيتهما ليبين أن المانع من الحبل بالذات هو التكاثف، ثم ذكر الرطوبة في السوء المزاج عقيب البرودة لأنها أقوى المنفعلتين في القبول، وعلل أبقراط منع ذلك من الحبل بما يدل على أنه يريد بالرطوبة ما كانت مع مادة، فإن الساذجة لا تمنع من الحبل لأنه لا يلزمه فساد PageVW1P151B المني بل العلة توجب تعذر الحبل وكثرة الإسقاط لما علمت أن الرطوبة توجب الرخاوة فيضعف إمساك الرحم للمني وللجنين. وشرط في الرطوبة أن تكون جدا أي قوية لأنه قد عرف أن السوء المزاج متى لم يكن مفرطا لم يصلح أن يكون مانعا من الحبل. وترك ذكر هذا الشرط في البارد وهو قوله «جدا» لأنه اكتفى بذكر التكاثف عن ذلك فإن البرد لا يوجب التكاثف المانع من الحبل إلا إذا كان قويا، ثم ذكر الأيبس لأنه أشد منافاة للحياة والتوليد من الحرارة، وشرط PageVW5P260A فيه أن يكون أكثر مما ينبغي لما ذكرناه. وأخر ذكر الحرارة لأنها أقل منافاة للحياة والصحة، ولذلك لم تثبت مع الخروج عن الاعتدال كثبات البرودة، ولذلك لما ذكر أبقراط منع الحرارة من الحبل شرط فيه أن تكون محرقة أي قوية جدا لأنه متى لم تكن كذلك كانت معينة على الحبل بجذب المني.
البحث الخامس
(1213) : الرحم وإن لم يكن مولدا ولا مادة للتوليد غير أنه محل * التوليد (1214) والمحل له تأثير فيما يحل فيه ويدل على صحته انتقال النباتات من نوع إلى نوع بحلولها في أراضي مختلفة كما ذكره جالينوس في اللبخ فإنه كان أولا في بلد فارس * غذاء (1215) ، ثم لما نقل إلى الديار المصرية صار غذاء مألوفا حلوا * طيبا (1216) . وكذلك قوله في الحمير وكما ذكره الشيخ في حيوان الشفاء أن الكرنب يصير قنبيطا بنقله من أرض إلى أرض. وأما الانتقال في الأصناف فكثير جدا فإنا نعرف أراضي ببلاد الشام إذا ازرع فيها الحمص وكان أبيض جيدا كبيرا لجرم انتقل إلى الحمرة والصغر وبالعكس وكذلك الحنطة. وأما الرمان الحامض فإنه إذا نقل إلى الديار المصرية صار حلوا * لكن (1217) القدر على ما قيل ليس هو في كل المواضع منها فالمحل لما كان له هذا التأثير ذكر أبقراط إحكام الرحم في الحبل وعدمه وترك ذكر المتعلق بالمادة لأن معرفة ذلك عسرة جدا فترك الأعسر وذكر الأسهل.
البحث السادس
(1218) : لقائل أن يقول هاهنا أسؤلة أربعة: أحدها أن يقال: لم جمع أبقراط بين اليابس الحار في حكم واحد ولم لا جمع بين البارد والرطب في حكم واحد فإنه قال: متى كان رحم المرأة باردا متكاثفا لم تحبل، ومتى كان أيضا رطبا جدا لم تحبل، وأما في أمر اليابس والحار فإنه قال: ومتى كان أخف مما ينبغي أو كان حارا محرقا لم تحبل فجمع بين اليابس والحار في الحكم ولم يقل مثل ذلك في البارد والرطب؛ وثانيها: لم قال في المعتدلة * الرحم (1219) كثيرة الولد وكان ينبغي له أن * يقول (1220) كثيرة الحبل ليكون ذلك مقارنا لحكم التي رحمها * خارج (1221) عن الاعتدال فإنه قال: لم تحبل؛ وثالثها: لم قال معتدلا بين الحالتين مع أن الأمزجة المذكورة المانعة * للحبل (1222) أربعة وعلى هذا كان ينبغي له أن يقول معتدلا بين ذلك أو بين الكيفيات الأربع؛ PageVW5P260B ورابعها: لم لا ذكر المانع من * الحبل (1223) من جهة الرجل بل ذكر الكائن من جهة المرأة فقط. والجواب عن الأول نقول إن علة منع البارد من * الحبل (1224) غير * علة (1225) منع الرطب له على ما عرفت. وأما الحار * واليابس (1226) فالعلة فيهما واحدة وهي أن المني يعدم الغذاء فيفسد لكن علة منع الغذاء فيهما مختلفة فإنها في اليابس الجفاف وفي الحار الإحراق ويترتب على * هذا (1227) جفاف المني أيضا وعند ذلك يزول * عن (1228) الاستعداد الذي به * يقبل (1229) الصورة الإنسانية فإن قبوله لذلك بقوام مخصوص ومزاج * مخصوص (1230) . والجواب عن الثاني أن ذكر كثرة * التوليد (1231) في اعتدال مزاج الرحم أولى من ذكر كثرة الحبل لأنك قد عرفت أن السوء * المزاج (1232) المانع من الحبل متى كان يسيرا فإنه لا يمنع بل تكون المرأة التي يكون حالها كذلك كثيرة الحبل لكن تكون كثيرة السقوط بخلاف ما إذا كان مزاج رحمها معتدلا فإنها تكون كثيرة الحبل والولد أيضا فكثرة الحبل لا تدل على كثرة الولد * وكثرة (1233) الولد تدل على كثرة * الحبل (1234) . ولما كان حال كثرة الولد كذلك ذكره مع الاعتدال ولم يذكر كثرة الحبل. والجواب عن الثالث: مراده بالحالتين الاعتدال بين المتضادين، ولا شك أن ذلك اسم للحاصل بين الحرارة والبرودة وللحاصل بين الرطوبة واليبوسة. والحق في هذا أن المعتبر في ذلك الاعتدال * الحاصل (1235) بين الحرارة والبرودة لأنهما كيفيتان * فاعلة (1236) وتلك منفعلة. والجواب عن الرابع: أما جالينوس فإنه ذكر فيه وجوه ثلاثة: أحدها أن يقال كلامه في الفصل الماضية في النساء ثم لما أراد أن يذكر موانع الحبل ذكر من ذلك ما كان خاصا بالنساء ليكون كلامه متصلا ومناسبا لما تقدم؛ وثانيها أن يقال إنما ترك ذكر المتعلق بذلك من جهة الرجل اتكالا منه أن يقاس ذلك على ما ذكره من أحوال النساء في المزاج الخالج عن الاعتدال المانع من الحبل؛ وثالثها أن يقال إنه أخر ذلك اتكالا منه على أن يذكره بعد ثم نسيه. وقال غيره إن غالب الحال إن منع الحبل من جهة الرحم لأنه المحل * والحاصل (1237) للمني وقلما يكون ذلك من جهة الرجل. والحق عندي في ذلك ما ذكره جالينوس في الوجه PageVW5P261A الثاني، فإن المني إذا كان أبرد مما ينبغي كحال الرحم كان عادم النضج المستقصى، وعند ذلك لا يكون منجبا. وكذلك متى كان مفرط الرطوبة فإنه يكون فجا سيالا * لا (1238) يصلح لقبول الصورة اللإنسانية. ومتى كان مفرط اليبوسة كان جافا غليظ * القوام (1239) لا يسهل عليه الامتداد في جوانب الرحم وقبول صورة الأعضاء. وكذلك متى كان حارا محرقا كالشيء الذي يحترق غير أن خروج المني إلى أحد الأمزجة المذكورة متى كان خروجا يسيرا أو صادف من الرحم مزاجا * مضادا (1240) له ربما أنجب. وإن لم يصادف ذلك لم ينجب. والله أعلم.
63
[aphorism]
قال أبقراط: اللبن لأصحاب الصداع رديء وهو * أيضا (1241) للمحمومين * رديء (1242) ولمن كانت المواضع التي دون الشراسيف منه مشرفة وفيها قراقر ولمن به عطش ولمن الغالب على برازه المرار الأصفر ولمن هو في حمى حادة ولمن اختلف دما * كثيرا (1243) ، وينفع * أصحاب (1244) السل إذا لم تكن بهم حمى شديدة جدا ولأصحاب الحمى الطويلة الضعيفة إذا لم يكن معها شيء مما تقدمنا بوصفه وكانت أبدانهم تذوب على غير ما توجبه العلة.
[commentary]
الشرح:هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الاول
في الصلة: وهو * أن (1246) أبقراط لما انتهى كلامه في الفصل الماضي في كثرة الولد عند كون الرحم معتدل المزاج وكان اللبن من لوازم الولادة * وآخر (1247) الحبل، ذكر في هذا الفصل شيئا من إحكام اللبن ومع ذلك لم يخصص كلامه بلبن * المرأة (1248) بل جعله عاما * للبدن (1249) وابتدأ بذكر مضاره وأخر ذكر منافعه ليكون كلامه فيه مناسبا لما ذكره في الفصل الماضي من أمر المزاج فإنه ابتدأ بتأثير سوء المزاج في الرحم ثم ختم كلامه فيه بتأثير المعتدل منه. وكذا عمل في هذا الفصل فإنه ابتدأ بذكر مضار اللبن للمناسبة لسوء المزاج ثم ذكر منافعه المناسبة للمعتدل منه .
البحث الثاني
في كيفية مضار اللبن: أما مضرته بصاحب الصداع فاعلم أولا أن PageVW1P152A * اللبن (1250) من جواهر ثلاثة: زبدية وجبنية ومائية. ولما كان حاله كذلك كان قابلا للاستحالة إلى جانب الحرارة والبرودة. وهذا القدر يختلف فيه بحسب غلبة الأجزاء المذكورة فيه. PageVW5P261B ولذلك لما كان لبن الضأن الأجزاء الزبدية فيه أكثر * كانت (1251) استحالته في الأكثر إلى جانب * الحرارة (1252) . ولبن البقر لما كان الأجزاء الجبنية فيه أكثر * كانت (1253) استحالته في الأكثر إلى جانب * البرودة (1254) . ولبن المعز لما كان معتدلا بين ذلك كان معتدلا في ذلك ويعين اللبن على ذلك لطف قوامه ورقة جرمه. ولأجل هذا قال جالينوس في شرحه لهذا الفصل: اللبن من الأشياء التي يسرع إليها الإستحالة واستحالته تكون على وجهين. وذلك أنه إن صادف حرارة في البدن أكثر مما ينبغي استحال إلى الدخانية سريعا، وإن صادف حرارة في البدن أقل مما ينبغي حمض سريعا، ويمكن أن يعرف هذا بالحس وهو أنه إذا طبخ ساعة ما يحلب بالنار طبخا مفرطا استحال إلى الدخانية، وإذا جعل في موضع بارد حمض لا محالة. وكذا حاله في البدن فإنه متى صادف إحدى هاتين الكيفيتين أقوى من الأخرى استحال إليها، وإن صادف اعتدالا بينهما استحال إلى الدموية وغذاء البدن غذاء صالحا غير أنه مع كونه كذلك فإنه يولد صداعا سواء استحال إلى الحموضة أو إلى * الدخانية (1255) أو إلى الدموية لكن متى كان * استحال (1256) إلى الدخانية كان ذلك منه أكثر، * وإن (1257) كان يولد في الأصحاء ذلك فإضراره بصاحب الصداع ظاهر لا سيما متى كان سببه مواد حادة أو سوء مزاج حاد ساذج فإنذه يستحيل إلى المادة الموجبة له أو إلى سوء المزاج الفاعل لذلك أيضا. وأما ضرره بالمحمومين فذلك ظاهر لاستحالته * فيهم (1258) إلى المرار والدخانية. قوله «ولم كانت المواضع التي فيما دون الشراسيف منه مشرفة» أي عالية، وقال «مشرفة» ولم يقل «منتفخة» أو «فيها نفخة» لأن الإشراف أعم من ذلك فإنه قد يكون لورم وقد يكون لرياح، ومراده بالشراسيف أطراف الأضلاع، والورم الحاصل في هذه المواضع قد يكون في الكبد وقد يكون في الطحال وقد يكون في فم المعدة، واللبن ضار لهذه جميعها سواء كان ذلك الورم حارا PageVW5P262A أو باردا. وأما إن كان سبب الإشراف رياحا فإضرار اللبن بصاحبه ظاهر من جهة توليده لها. والفرق بين الريح والنفخة أن الريح متحركة والنفخة ساكنة، وسبب هذا غلظ المادة ولطفها وقوة القوة وضعفها. قوله «وفيها قراقر»: الواو هنا بمعنى «أو»، وتقدير الكلام «أو فيها». وأما إضراره بصاحب العطش فاعلم أن العطش على ما عرفت على نوعين: ذاتي وعرضي. واللبن ضار بصاحبهما جميعا لأنه زائد في سببهما. أما الداتي فلاستحالته إلى الدخانية بسبب ما فيه من الأجزاء الزبدية ولطافة قوامه. وأما العرضي فلاستحالته إلى الحموضة والبرودة بسبب ما فيه من الأجزاء الخبيثة الغليظة وللطف قوامه. قوله «ولمن الغالب عله برازه المرار الأصفر»: وذلك لاستحالته إلى المادة المرارية في المحرورين. فإن قيل: لم قال «ولمن الغالب على برازه المرار» ولم لا قال «على بدنه المرار»، فنقول: إنما قال ذلك لوجهين. أحدهما أن استحالته إلى المرار إنما هي في المعدة والمعاء، وذلك لما يخالطه من ذلك عند مصادفته إياه في الانصباب إلى العضوين المذكورين. أما إذا أنفذ إلى الكبد وهو خال من ذلك فإنه يستحيل فيها إلى دم صالح وينفذ إلى جهة الأعضاء ويغذيها غذاء صالحا. فإذا كان شخص مراري البدن لكن المجرى الواصل من الكبد إلى * المرارة (1259) أو من المرارة إلى المعدة والمعاء ضيق فإنه عند ذلك لم ينفذ من الصفراء إلى المعدة والمعاء ما له مقدار فتكون معدة هذا الشخص وأمعاؤه معدلتين، عند ذلك يكون هذا الشخص اللبن من أنفع الأشياء له لأن الدم المتكون عنه يكون رطبا فيتدارك مضرة المرة الغالبة عله البدن. فإن قيل: فلم لا يقال إن اللبن يستحيل في كبد هذا الشخس كما استحال في معدته، فنقول: ليس حكم الصفراء في معدة هذا الشخص كحكمها في كبده فإنها عند كونها في معدته تكون خالصة من * الممانع (1260) والممازج لها الكاسر من تأثيرها وفعلها بخلاف حالها في الكبد فإنه يخالطها المواد الأخر وهي كاسرة لها ومضعفة لفعلها. فإن كانت كثيرة PageVW5P262B جدا بحيث أن تكون أكثر من الخلط الذي هو أكثر منها في البدن، فنقول: هذا الحكم يكون مندرجا في قوله «ولمن به عطش» لأنك قد عرفت أن مضرة البدن * باللبن (1261) بمن به عطش يصح في الذاتي والعرضي، ومن يكون كبده كذلك يكون داخلا فيمن به عطش ذاتي. وثانيهما أن من الناس من يكون حراره لطيفا فيكون المتصاعد والنافذ في * العروق (1262) من هذا المرار أكثر من المنصب إلى معدته وأمعائه. ومثل هذا تكون معتدلة فينهضم اللبن فيها هضما جيدا ثم إنه ينفد إلى كبده ثم إلى عروقه فيعتدل قوام تلك المرة وتنكسر عاديتها وينصلح مزاجها، وحينئذ يكون اللبن من أنفع الأشياء له ومن الناس من يكون مراره غليظا فيكون النافذ منه إلى جهة معدته وأمعائه أكثر من المتصاعد إلى عروقه. فإن من شأن اللطيف الصعود والغليظ الهبوط فتكون معدة هذا الشخص محيلة له إلى المرار ويكون اللبن من أضر الأشياء له. ولما كان احال كذلك، قال * «ولمن (1263) الغالب على برازه المرار» ولم يقل * «ولمن (1264) الغالب على بدنه المرار». قوله «ولمن به حمى حادة» أي وهو أيضا ضار لمن به حمى لاستحالته حينئذ إلى الدخانية والمرار وزيادته في مادة الحمى لكن لقائل أن يقول: هذا * مندرج (1265) في قوله «وهو أيضا للمحمومين رديء» فإن من به حمى حادة يصح أن يقال له محموم وإذا كان كذلك فيكون ذكره الحمى الحادة هنا تكرارا، فنقول الجواب عن هذا من وجهين: أحدهما أن قوله «المحموم» أعم من قوله «من به حمى حادة» فإن الأول يندرج فيه حمى يوم وغيرها والثاني خاص بالحمى الحاصلة عن حمى حادة * أي (1266) * عن (1267) مادة حادة، وإذا كان كذلك فيكون حكمه في الأول عاما والثاني خاص والعام غير الخاص لأن الخاص فيه العام وزيادة؛ وثانيهما أن قوله الأول ضار للمحمومين حال كونهم محمومين أي إذا استعملوه في هذا الوقت فإنه يضرهم، وضرره بهم * ظاهر (1268) وهو استحالته إلى ما ذكرنا. وقوله «ولمن به حمى حادة»: ومراده أن اللبن ضار لصاحب هذه الحمى، وإن لم يأخذه في وقت * حماه (1269) بل في وقت راحته، وذلك لغلبة المرار عليه. قوله «ولمن اختلف دما كثيرا» ضرر PageVW5P263A اللبن بمن حصل له هذه الحالة ظاهر من وجهين: أحدهما استحالته إلى المرار والدخانية، وذلك مما يزيد في الإسهال؛ وثانيهما أن أعضاء من به الحالة المذكورة وكبده وقواه ضعيفة لكن أعضاءه خالية من الغذاء * فيشتد (1270) جذبها له * لتوقع (1271) منه توليد دم كثير سريعا، وذلك مما يوجد السدد في مجاري الكبد. وأيضأ فإنه يزيد في الإسهال لما بينا في قوله «من انفجر منه دم كثير من أي موضع كان انفجاره منه الفصل».
البحث الثالث
في بيان نفع اللبن من العلل التي ذكرها: أما السل والمراد به قرحة الرئة فلأنك قد عرفت أن اللبن مركب من جواهر ثلاثة: مائي وجبني وزبدي. فالمائي يجلو ما فيها من الوسخ والوصل المانع من إلحامها كل هذا بما فيه من الحرافة والبورقية. والجبني * يسد (1272) تجاويفها ويملأها ويمنع تأثير المرار فيها ويصير حائلا بين القرحة والخلط الرديء. والزبدي يرطب البدن ويزيل تجفيف الحمى له. ومع ذلك فإن المسلول يحتاج إلى ما يغذي بدنه PageVW1P152B تغذية متوفرة ويرطب مزاجه ويزيل تجفيف الحمى * له (1273) ، وكل هذا حاصل في اللبن الحليب، وينبغي أن يكون استعماله عند حلبه. وإن أمكن أن يكون ذلك من الضرع فهو أجود غير أن نفع اللبن الحليب له يختلف بالأكثر والأقل. فأنفعه لبن النساء لأنه أعدل الألبان لأنه مأخوذ من نوع أعدل أنواع الحيوان ولأنه غذاء * مناسب (1274) له لكن هذا كله بشروط وهي أن تكون المرأة المأخوذ منها اللبن معتدلة السخنة لا لحمية ولا شحمية ولا مهزولة وأن تكون فتية السن واسعة الصدر عظيمة الثديننز لونها أبيض مشرب بحمرة وولدها ذكر * وليست (1275) قريبة العهد بالولادة ولا بعيدته مغذية * بأغذية (1276) صالحة ملازمة للحمام ويكون استعماله له من الضرع ويترك استعماله في وقت جريان حيضها وفي وقت غضبها وتخمتها وأعيائها من حركة مفرطة ويوم فصدها وجماعها وعند توقف طبعها وعند جوعها وقيئها وانتباهها من النوم ويجب أن يحلب الثدي عند * مصه (1277) سبع حلبات ليخرج ما كان محتبسا منه في حلمة الثدي لفساده لقربه من PageVW5P263B البرد الخارجي وبعده عن الحار الغريزي. وبعد لبن النساء لبن الأتان بشرط أن تكون فتية السن خصبة البدن مغتذية بحشايش جيدة لأن لبن الأتان سريع الجمود، فإذا وصل إلى القرحة جمد عندها وأحال بينها وبين المواد المنصبة إليها. ثم بعد ذلك لبن المعز لكثرة مائيته لكن بالشرط المذكور هذا جميعه إذا لم يكن بمن به ذلك حمى شديدة فإنه متى كان به ذلك كان * ضرر (1278) اللبن المذكور له أكثر من نفعه لأنه يقوي الحمى ويزيد في مادة القرحة وعند ذلك تشتغل الطبيعة بمقاومة ما وجبه عن تدبير القرحة والرئة أسفنجية قابلة للتأكل دائمة الحركة فيتمكن السبب من التأثير فيها وعند ذلك تتضاعف الثلاثة. ولم يكتف بقوله «شديدة» حتى قال «جدا» لأنه متى كانت موجودة لم تمتنع من استعمال اللبن وعند كونها كذلك الواجب ترك استعماله ويتعوض عنه بماء الشعير المزر. وقوله «أصحاب الحمى الطويلة الضعيفة»: المراد بها حمى الدق فإن حمى يوم لا يصدق عليها أنها طويلة المدة وإن كانت ضعيفة والخلطية قد ذكر أن اللبن ضار * بها (1279) وسماها باسم لازمها وهو الطول والضعف أي عند الحس ليشير إلى الإنتفاع باستعمال اللبن فيها وعدم التضرر له. أما الأول فلأن الحمى الطويلة تجفف البدن واللبن يرطبه ويغذيه بسرعة. وأما الثاني فلأن الحمى الضعيفة لا تقوى على إحالة اللبن صفراء كما تقوى عليه القوية. قوله «إذا لم يكن معها شيء مما تقدمنا بوصفه» أي لا يكون معها صداع ولا علو ما دون الشرأسيف ولا عطش ولا الغالب على برازه المرار ولا يكون * به (1280) حمى حادة أي عفنة ولا إسهال دم. قوله «وكانت أبدانهم تذوب على غير ما توجبه العلة»: أقول: الغرض من هذا الكلام زيادة تأكيد في منفعة اللبن وزيادة تعريف لحمي الدق. أما الأول فلأن اللبن يغذو سريعا للطافة قوامه وكثيرا لأن فيه جوهرين غاذيين وهما الجبني والزبندي ومع ذلك فكله مرطب للبدن فهو بهذا جميعه يتدارك الذوبان الحاصل من الحمى. وأما الثاني فإن الذوبان الذي يكون أكثر PageVW5P264A مما توجبه العلة في الحس الظاهر لا يكون إلا في الدق فإن حمى سونوخس أقوى منها في الظاهر ومع ذلك لا يكون فيها ذوبان * كما (1281) في الدق، وذلك لأن الحرارة في هذه الحمى قد داخلت جوهر الأعضاء حتى صارت * كأنها (1282) أصلية لها فهي قوية في نفسها، وإلا ما قدرت على ذلك وضعيفة عند الحس لأنها كامنة كالحرارة * الأصلية (1283) في النورة لكن يجب أن تعلم أن الحاجة إلى استعمال اللبن الحليب في * القرحة (1284) أشد من الحاجة إليه في * حمى (1285) الدق، وذلك لأن الداعي إليه في قرحة الرئة سببان القرحة والحمى اللازمة وفي الدق وجه واحد فقط. والله أعلم.
64
[aphorism]
قال أبقراط: من حدثت به قرحة فأصابه بسببها انتفاخ فليس يكاد يصيبه تشنج ولا جنون، فإن غاب ذلك الانتفاخ * دفعة (1286) ثم كانت القرحة من خلف عرض له تشنج أو تمدد، وإن كانت من قدام عرض له جنون أو * وجع (1287) حاد في الجنب أو تقيح أو اختلاف دم إن كان ذلك الانتفاخ * مائلا (1288) إلى الحمرة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الاول
في الصلة: وذلك من وجوه ثلاثة: أحدها أنه لما ذكر ضرر اللبن الحليب بمن به إشراف فيما دون الشراسيف والانتفاخ قريب من الإشراف فناسب ذكره بعد ذكر الأول؛ وثانيها أن مراده بالانتفاخ هاهنا انتفاخ ما دون الشراسيف وما كان قريبا منه وكان في الفصل الماضي قد تقدم منه ذكر ضرر هذه المواضع فناسب ذكر هذا بعد الأول؛ وثالثها أن الأول يتضمن ذكر نفع اللبن الحليب لمن به * سل (1290) فذكر في هذا الفصل حكما من أحكام القروح.
البحث الثاني:
أما جالينوس فإنه فهم من الانتفاخ الورم. وبه قال ابن أبي صادق: وهذا بعيد لأن المادة المنصبة إلى العضو إذا أخذت في التوريم تكون قد استقرت في العضو وعند استقرارها إذا غاب سببها إلى داخل دفعة وأوجب ما أوجبه القدر المستقر من المادة في العضو يستحيل عوده مع غور ما غار لأنه قد استحدث له قرحا، وعلى * هذا (1291) لم يصح كلام أبقراط فإنه قال * «فإن (1292) غاب ذلك النتفاخ بغته». وقال علاء الدين ابن النفيس: مراده بالقرحة ما من شأنه أن يصير قرحة. قال: PageVW5P264B فإن الشيء قد يسمى باسم ما يؤول إليه كما يسمى الجنين بالطفل. وهذا التأويل خروج عن اصطلاح الأطباء وعما يقتضيه كلام أبقراط. أما الأول فإن لفظة القرحة تطلق على الورم إذا قاح وانفجر. وأما قبل أن * يتفيح (1293) وينفجر فإنه لا يسمى قرحة بل ورما. وأما الثاني فإن أبقراط قال «ثم إذا غاب ذلك الانتفاخ بغتة ثم كانت القرحة من خلف عرض له كذا وكذا» فقد ذكر أن الانتفاخ يزول مع بقاء القرحة، فلو أراد بقوله «القرحة» ما من شأنه أن يصير قرحة * لكان (1294) إذا غاب الانتفاخ غاب ما يسمى بالقرحة ويبرئ بالكلية. وكلام أبقراط لم يعط ذلك بل الذي يعطيه أن الانتفاخ إذا غاب بقيت القرحة. والحق عندي في هذا أن مراده بالقرحة ما حصل معها انصباب مادة مزمعة بأن تحدث ورما ثم غاب ذلك الانتفاخ * فبغيبته (1295) ترجع المادة الموجبة له إلى جهة الباطن وتوجب ما ذكره. وذلك لأن القروح تنقسم إلى بسيطة ومركبة، والأول ما لم يكن معه أمر آخر والثاني ما كان معه، وذلك إما سبب كمادة تنصب إلى الموضع الضعيف وإما مرض إما مزاجي * كحرارة (1296) أو برودة أو رطوبة أو يبوسة وإما آلي كلحم زائد ينبت في القرحة وإما * تفريقي (1297) كانبثاق عرق وإما عرض كألم قوي. فالحاصل مما ذكرنا أن مراده بالقرحة القرحة المركبة مع السبب على الخصوص. فإن مثل هذه القرحة يحصل معها انتفاخ عند ميل المادة إليها * وانصبابها (1298) إلى جهتها. فإذا مالت المادة PageVW1P153A إلى جهة الباطن غاب ذلك الانتفاخ ولم يبق له أثر بخلاف ما إذا فهمنا من الانتفاخ ما فهمه جالينوس، فإنه لا بد وأن للانتفاخ أثر محسوس عند ميل المادة إلى الباطن وبخلاف ما إذا فهمنا من ذلك ما فهمه علاء الدين ابن النفيس فإنه إذا غاب الانتفاخ بقيت القرحة على حالها من غير أن تتغير البتة.
البحث الثالث:
قوله «فأصابه بسببهما انتفاخ فليس يكاد يصيبه تشنج ولا جنون» ذكر ما يحصل من سلامة البدن من الضرر بسبب * ظهور (1299) الانتفاخ فإن ظهور والورم يدل على انتفاخ المادة الرديئة إلى ظاهر البدن، ولا شك أن الباطن أشرف من الظاهر ومن المعلوم أن المادة متى اندفعت من الأشرف إلى الأخس لم يعقب ذلك الدفع سوء البتة، PageVW5P265A وعند ذلك يسلم صاحبه مما ذكره وهو الجنون والتشنج لأنه متى كان من قدام خلص البدن من ورم في بعض الأعضاء الشريفة كالحجاب القاسم والمستبطن الذي لا بد من اختلاط الذهن معه المعبر عنه بالجنون ومتى كان من * خلف (1300) البدن من التمدد * والتشنج (1301) الامتلائين لأن الأعصاب في مؤخر * البدن (1302) كثيرة وهي النابتة في النخاع. قال جالينوس ذلك أي * بمعنى (1303) أنه يصيبه ذلك في الندرة وهذا التأويل من جالينوس حق فإنه يحتمل أن يكون الأمر كذلك وهو عند كون المادة كثيرة بحيث أنها تعم الباطن * والظاهر (1304) لكن هذا نادر الوجود والأكثري هو الأول وقوانين الطب أكثرية.
البحث الرابع:
* قوله (1305) «فإن غاب ذلك الانتفاخ بغتة»: غيوبة المرض قد تكون لتحليل مادته وقد تكون لغورها إلى الباطن. والفرق بينهما في وجهين: أحدهما أن الأول * قد (1306) يكون ذلك منه قليلا قليلا والثاني دفعة؛ وثانيهما أن الأول يعقبه خفة وراحة والثاني يعقبه ما ذكره من الضرر. وأبقراط قد ذكر هاهنا ما يخص الغيوبة للاندفاع وهو حصولها دفعة وما يعقب ذلك من الضرر ومن ذلك يعرف ما يخص الحاصل للتحليل. وقد عرفت أن القرحة الحاصل معها الانتفاخ قد تكون من خلف أي في الظهر وقد تكون في المقدم. فإن حصلت الغيبوبة وكانت القرحة من خلف حصل في ذلك التشنج والتمدد. وقد عرفت الفرق بينهما، وذلك لأن أكثر الأعصاب في خلف بعد العظام الأعصاب لأن الفقرات التي هي * مسلك (1307) النخاع هناك والأعصاب نابتة منه يمينا وشمالا إلا في المواضع على ما وضحناه في التشريح ولأنها دائمة الحركة فقبولها لتلك المادة أكثر من قبول غيرها وقدم ذكر قبول المؤخر للمادة على ذكر قبول المقدم لأن قبوله للآفة أشد من قبوله * لغيرها (1308) ، وذلك لضعف الحرارة الغريزية فيه فإن هذه الحرارة في المقدم أكثر مما هي في المؤخر على ما بان من توفر الشعر في مقدمه وقلته في مؤخره وحيث كانت الحرارة المذكورة أقوى كان الهضم أجود والفصلات أقل وحيث كان الأمر بالعكس فبالعكس وكثرة الفضلات مما يهيء العضو لقبول الآفات. فإن قيل: فلم لا يحدث الفالج، فنقول: PageVW5P265B لوجوه أربعة: أحدها أن هذه المادة لما كانت ظاهرة كان قبول ما ظهر من الأعضاء لها أشد من قبول ما بعد منها إلى جهة الباطن والنخاع لا شك أنه * أبطن (1309) من الأعصاب المنبتة في الظهر فإن اعتناء الطبيعة بالباطن وما قرب منه أشد من اعتنائها بما قابله لأنه أشرف؛ وثانيها أن المادة المذكورة إيجابها للتشنج والتمدد أنسب من إيجابها للفالج لأنها مادة عفنه فإنها كانت اولا صالحة لإحداث الورم؛ وثالثها مادة الفالج رقيقة يسهل تحللها لخلل * ليف (1310) الأعصاب والعضلات وهذه المادة غليظة، وذلك لذهاب لطيفها بالحركة، ولأنها لو كانت رقيقة لتحللت بحرارتها وحرارة القلب وحرارة الحمى، وإذا كانت غليظة فلا يسهل مداخلتها ونفوذها في خلل الأعصاب والعضلات؛ ورابعها أن المادة المذكورة المستولى عليها المرار لأنها منصبة إلى موضع متقرح وأنسب المواد المنصبة إلى ذلك المواد الحارة لأن الموجب لذلك قوة ألم القرحة والألم مثير للحرارة والحرارة أنسب المواد المنجذبة إليها المادة المذكورة، وإذا ثبت أن المواد المذكورة المستولى عليها المرار ومادة الفالج مادة مائية فلذلك حكم * أبقراط (1311) بإيجابها عند غورها * إلى (1312) الباطن التشنج والتمدد لا الفالج.
البحث الخامس:
قوله «وإن كانت من قدام»: أقول: قد عرفت أن الانتفاخ المذكور قد يكون من خلف وقد يكون من قدام فعند غورها عند كونها من خلف قد ذكر ما يحدث عن ذلك. وأما عند كونها من قدام فذكره هاهنا وهو الجنون والوجع الحادث في الجنب والتقيح واختلاف الدم. أما الجنون فهو أن المادة المشار إليها إذا غارت والأعضاء التي تقبلها هي عضلات الأضلاع الباطنة والظاهرة الغشاء المستبطن للأضلاع والغشاء الحاجز. فإن مالت إلى العضلات المحركة للأضلاع سميت شوصة على ما عرفت غير أن هذا المرض قلما يعرض معه اختلاط العقل المراد به الجنون عنده لا سيما في العضل الظاهر، وذلك لبعد الآفة عن الدماغ. وإن مالت إلى الغشاء حصل من ذلك ذات الجنب وهذا كثيرا ما يحصل معه PageVW5P266A اختلاط العقل لوجهين: لقوة الحمى ولمشاركة الدماغ لمحل الآفة. وإن مالت إلى الغشاء الحاجز حصل منها البرسام وحصول اختلاط العقل معه ظاهر هذا جميعه إذا كانت المادة لغائرة كثيرة المقدار كثيرة الرداءة. فإن كانت قليلة الرداءة أحدثت وجعا في الجنب. وأما التقيح فهو عند ما لم تتحلل المادة وتميل إلى تجويف الصدر. وأما اختلاف الدم فالمراد به إسهاله وهو أن تنتقض المادة إلى العرق العظيم الممتد على الصلب وتخرج المدة منه بالبول أو بالبراز. فإن كان اندفاعها إلى مجذب الكبد خرجت بالبول. وإن كان * في (1313) مقعرها حصل الإسهال. وقوله «إن كان ذلك الانتفاخ مائلا إلى الحمرة» أي أن الإسهال لا يكون إلا دمويا إذا كان الإنتفاخ أحمر.
البحث السادس:
قال جالينوس: هل كلام أبقراط في هذا الموضع من البدن فقط أي في مقدمه في الصدر وخلفه أي في الظهر فيما يحاديه أو في مقدم البدن ومؤخره مطلقا حتى يندرج في ذلك مقدم اليدين والرجلين مؤخرهما. قال: وأنا أقول: ليس في مقدم الساق عضل ينتهي إلى أوتار قوية حتى إذا حصل في مقدمه انتفاخ بسبب قرحة ثم غاب ذلك الانتفاخ حصل منه تشنج بل العضل في مؤخرة فيكون حكم أبقراط بما حكم به في مؤخر البدن مطلقا صحيحا. وأما الفخذ فلا يصح ذلك فيه فإن الوتر العظيم الذي فيه ينتهي إلى مقدم الركبة فيكون حصول التشنج فيه أكثر من حدوثه في العضل الموضوع وراء الفخذ لغلبة اللحم على هذا الموضع. قال: وإذا كان كذلك فليس الحكم الكلي بأن التشنج إنما يحدث بسبب ما هو من خلف بحق. ثم قال: إلا أنا * نرى (1314) أن أكثر الأمر يكون على هذا من الرجلين واليدين وخليق أن يكون كذلك لأن تلك المواضع قريبة من النخاع وعلى مسامتته وأعصابها آتية إليها منه. أقول: هذا الكلام لا حاجة لجالينوس به، وذلك لأن غرضه أن يتكلم في مقدم البدن ومؤخرة المحاذيين للقرحة التي سبق الكلام فيها وهي قرحة الرئة ولا شك أنها قرحة في الصدر فيكون كلامه في مقدم البدن ومؤخره وهما PageVW1P153B ظاهر الصدر وظاهر ما وراء الصدر. والله أعلم.
65
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW5P266B إذا حدثت خراجات عظيمة خبيثة ثم لم يظهر معها ورم فالبلية عظيمة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة.
البحث الاول
في الصلة: وهو أن هذا الفصل كالمقرر للفصل الماضي وهو أن المادة إذا أوجبت آفة في الباطن ثم لم يظهر لها أثر في الظاهر فخطرها أشد مما إذا ظهر لها ذلك كما في هذا الصورة فإنه متى حصل في الباطن خراجات عظيمة ولم يظهر معها ورم فالبلية عظيمة أي خطرها أشد مما إذا كان قد ظهر معها ورم في الظاهر، وذلك لدلالته على اندفاع المادة المؤدية إلى ظاهر البدن. وإنما قلنا إن هذا النوع أقل خطرا من الأول لوجوه خمسة: أحدها أن القوى في الباطن لا سيما الطبيعية التي هي متولية لتدبير الخراجات أقوى * مما (1316) في الظاهر وكذلك الحرارة الغريزية فإذا كانت عاجزة عن دفع مادة هذه الخراجات فالآفة عظيمة بحيث أنها تبلغ من عظمها إما في المقدار * إما (1317) في الكيفية إلى أن قهرت القوى المذكورة واستقرت في الباطن؛ وثانيها أن الباطن أشرف من الظاهر، وذلك لأنه محل المبادئ القوى ومعدن الحرارة الغريزية، ومتى كانت المادة في المحل الأشرف * كانت (1318) أذيتها للبدن أبلغ مما إذا كانت في المحل الأخس؛ وثالثها أن تألم الأعضاء اللينة من المؤلم أشد من تألم الأعضاء الصلبة لأنها أقبل للانفعال ولا شك أن الأعضاء الباطنة ألين من الأعضاء الظاهر فتكون الأعضاء الباطنة أشد تألما وشدة التألم مما تضعف القوى المدبرة لذلك العضو وللبدن أيضا وتجذب المواد إلى محل الآفة لأنه حركة والحركة جذابة، وإنما قلنا إنه حركة لأن فيه مقاومة بين المؤلم والمتألم والمقاومة مصارعة فهي حركة؛ ورابعها أن الآفة متى كانت في الباطن لم تصل إليها قوى الأدوية على ما ينبغي وبحسب ما يحتاج إليه في مقاومتها لأنها إما أن توضع عليها من خارج أو ترد إليها من داخل، فإن كان الأول فهي تصل إليها في منافذ خفية عن الحس جدا تسمى المسام، وإذا كان كذلك فمحل الآفة إذا كان باطنا لا يصل منها إلا الألطف، وهذا يكون قليل النفع جدا، والمقاوم متى كان بهذه الصورة لم يعمل العمل المقصود PageVW5P267A منه، وإن كان الثاني فيحتاج أن يمر بأعضاء كثيرة إلى حين يصل إلى ذلك المحل وكل عضو يمر به يفعل فيه ويكسر من قوته لأنه مناف له فلا يصل إلى ذلك العضو إلا وقد ضفعت قوته جدا وحينئذ لم يف بمقاومة تلك العلة بخلاف ما إذا كان محلها فإنا نتمكن من موضع الأدوية على أي تركيب كان؛ وخامسها ما ذكره جالينوس وهو أن المادة إذا كانت في الباطن ربما انتقلت وربما * مالت (1319) إلى بعض الأعضاء الرئسية أو إلى الشريفة بخلاف ما إذا كانت في الظاهر.
البحث الثاني:
لقائل أن يقول: لم خصص كلامه بالخراجات العظيمة الخبيثة مع أن الحكم المذكور عام في كل خراج باطن سواء كان عظيما أو غير عظيم * خبيث (1320) أو غير * خبيث (1321) * لم (1322) يظهر معه ورم في الظاهر فهو رديء لما ذكرنا، نقول: أما العظم فإن الخراج متى لم * يكن (1323) عظيما لم يكن عدم ظهور الورم فيه رديئا لأن المادة تكون قليلة فلا * تكتف (1324) الطبيعة إلى مقاومتها والاهتمام بها أي تدفعها إلى ظاهر البدن. وأما الخبث فالمراد بة أن تكون المادة رديئة ومتى لم تكن كذلك لم تخف منها ولا تكون البلية عظيمة لأن في القوى البدنية قدرة لمقاومتها.
البحث الثالث:
الفرق بين الورم والخراج والقرحة والدبيلة والناصور أن الورم عبارة عن انصباب المادة العفنة أو القابلة للعفن إلى بعض الأعضاء واستحداثها لها فرجا ثم استقرارها فيه، والخراج عبارة عما أخذ من ذلك في الجمع وتوليد المدة ومنهم من خصصه بشرط أن تكون مادته حادة، والقرحة عبارة عن ذلك مطلقا إذا انفجر وبقي منفجرا، والدبيلة عبارة عما كان من القروح فيه مادة رديئة كالحمأة وغيرها وعلى هذا تكون السلع في جملة الدبيلات ومنهم من خصص الدبيلة بما كان من الخراجات حاصلا في باطن البدن، والناصور عبارة عن كل قرحة تجاوزت أربعين يوما وصار على فمها خشكريشة وسال منها صديد رديء الرائحة. واعلم أن الناصور قد يكون أكثر من واحد وقد يكون واحدا وله أفواه كثيرة تنتهي إلى أصل واحد وفي هذه الصورة يشتبه على * الخراجي (1325) الواحد بالكثير. والفرق بينهما أن المفضي إلى أصل واحد يكون PageVW5P267B لون الرطوبات الخارجة من كل قوة لونا واحدا وكذا قوامها ورائحتها والكثير يكون لون كل رطوبة خارجة من قوة وقوامها ورائحتها مبائنا لما يخرج من الأخرى، والعلة في هذا أن كل واحدة منها تنتهي إلى أصل غير الأصل الذي ينتهي إليه * الآخر (1326) فتنتهي هذه إلى لحم وهذه إلى شحم وهذه إلى عظم وهذه إلى عصب وغير * ذلك (1327) .
البحث الرابع:
قال جالينوس: هذا الكلام يصرف على ما جاء في اللغة اليونانية على ثلاثة أوحه: أحدها أن يكون الضمير في * العظيمة (1328) عائدا إلى البلية والرداءة أي أنه إذا * حدث (1329) خراجات عظيمة خبيثة ثم لم يظهر معها ورم عظيم * خبيث (1330) فالبلية عظيمة أي في الرداءة؛ وثانيها أن يكون عائدا إلى الورم إي إذا حدث خراجات عظيمة باطنة ثم لم يظهر معها ورم * عظيم (1331) فالبلية عظيمة؛ وثالثها أن يكون عائدا إلى البلية والورم اي إذا حدث خراجات عظيمة خبيثة ثم لم يظهر معها ورم عظيم في المقدار والرداءة فالبلية عظيمة. قال: والأجود في هذه الأقاويل هو هذا وهو حق فإن الورم الظاهر متى كان كذلك دل على اندفاع المادة التي كانت أوجبت في الباطن خراجا عظيما هي بكليتها وعينها قد اندفعت إلى الظاهر فكان الورم عظيما في المقدار لأن كلية المادة اندفعت وعظيما في الخبث لأن المادة * الخبيثة (1332) التي كانت موجبة للخراج في الباطن هي بعينها اندفعت إلى الظاهر.
البحث الخامس:
قال جالينوس: ينبغي أن يفهم من الخراجات الخبيثة الخراجات التي تكون على أطراف العضل وخاصة ما كان من العضل كثير العصب. وذلك لأن هذه الخراجات * يكون (1333) ألمها قويا جدا والألم مما يعين على جذب المواد لما عرفت وتوفر المادة في محل الآفة مما يوجب خبث المادة فإنها تتراكم بعضها على بعض ويقوى عفنها وفسادها. وأيضا فإن هذه الخراجات إذا استعملنا عليها ما يسكن ألمها وهو المبرد المقوي أضر ذلك بالأجزاء العصبية. وإن استعملنا الأشياء المسخنة الموافقة للعصب زدنا في جذب المادة ويكون قد ضاعفنا البلية بمعنى أنا نزيد الجاذب جاذبا PageVW5P268A آخر. وهذا PageVW1P154A معنى قوله «فالبلية عظيمة». وهذا تأويل حسن من جالينوس. والله * أعلم (1334) .
66
[aphorism]
قال أبقراط: الأورام الرخوة محمودة * والنية (1335) مذمومة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الاول
في الصلة: وذلك من وجهين: أحدهما أن الأول يتضمن ذكر حكم من أحكام الأورام في السلامة والعطب بحسب مواضعها في القرب والبعد من ظاهر البدن، وقد عرفت ذلك، وهذا يتضمن حكمها في ذلك بحسب قوام المادة الموجبة له، فإن المادة السائلة نضجها أسرع من نضج المادة الغليظة الجامدة فلذلك كانت الأورام الرخوة محمودة والنية أي الصلبة مذمومة؛ وثانيها ما * ذكره (1337) جالينوس وهو أن هذا الفصل كالجزء من الفصل المتقدم وهو أنه لما قال الخراجات الباطنة إذا لم يظهر معها ورم فالآفة عظيمة وهذا الورم متى كان رخوا كان أجود مما قابله.
البحث الثاني:
قال جالينوس: ضد الرخو بالحقيقة الصلب وسماه أبقراط الني لأنه غير ناضج فأطلق عليه اسم لازمه غير أنه من هذا الوجه الواجب أن يفهم من الرخو الناضج لأن المقابل * للني (1338) .
البحث الثالث:
قد جاء في بعض النسخ «الأورام الرخوة محمودة واللينة» * باللام (1339) «مذمومة». ويمكن أن يقال في هذه أن الرخو واللين بحسب اللغة متقاربا المفهوم أن الأطباء قسموا الورم البلغمي إلى نوعين: أحدهما الرخو وهو المعروف بأوديما، والآخر اللين وهو السلع. والفرق بينهما أن الورم الرخو مادته مخالطة لجرم العضو والسلع متميزة في غلف. وصار النوع الأول محمودا لأن مادته سهلة التحليل والثاني مذموما لأن مادته منحصرة في غلف ومثل هذه يعسر على المحلل تحليلها لانحصارها في حائل وحاوي. فإن قيل هذه العلل تسمى سلعا لا ورما والضمير في قوله واللينة عائد إلى الأورام لأنه قال الأورام الرخوة محمودة واللينة مذمومة والسلع لا تسمى أوراما، قلنا: الورم جنس للسلع وغيرها ويجوز تسمية الشيء باسم جنسه. والله أعلم.
67
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه وجع في مؤخر رأسه فقطع له العرق المنتصب في * الجبهة (1340) انتفع * بقطعه (1341) .
[commentary]
الشرح PageVW5P268B هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الاول
في الصلة: وهي أنه لما حكم أولا في الفصلين الماضيين أن ميل المواد الرديئة إلى داخل البدن رديء لما عرفته سواء كان الميل بالصناعة أو بغيرها كان قائلا يقول له وإذا كان كذلك لم يجز الجذب إلى خلاف الجهة لأن فيه ميل المادة الرديئة إلى الباطن فإنه متى كانت المادة الرديئة قد مالت إلى مقدم البدن وأردنا جذبها إلى مؤخره على ما هو عليه المنصوص احتاجت أن تمر بالباطن حتى تأتى إلى جهة الجذب وكذلك الحال في اليمين إلى الشمال وبالعكس ومن فوق إلى أسفل وبالعكس، قال: وعلى هذا لم يصح ما قلته وهو أن المواد المائلة إلى مؤخر الرأس ينتفع بإخراجها من مقدمه فذكر هذا الكلام ليكون جوابا عن مثل هذا الإشكال وهو أن هذا القدر إنما يستعمل إذا لم يتوقع من * ميلها (1343) ضرر بالأعضاء الباطنة ولذلك قال «انتفع به» لأنه متى كان الأمر كذلك أي أنا نتوقع من ميلها ضرر تلك الأعضاء لم ينتفع بما قلناه. وتحقيق هذا من وجهين: أحدهما أن الجذب إلى خلاف الجهة مع البعد كائن في مبادئ انصباب المادة إلى الموضع المستعد لانصبابها وهي في ذلك الوقت تكون قليلة الأذية لأن عفونتها تتكامل بعد وعند كونها إذا مالت إلى الجهة المقابلة ومرت بالأعضاء الباطنة لم * تؤذها (1344) وتؤثر فيها، وذلك لضعف المؤذي وقلة انفعال المتأذي منها فإن الأعضاء الباطنة قوية القوى فهي قادرة على دفع ما عساه أن يحصل منها بخلاف حالها في العضو المجذوبة عنه فإنه كان قد ضعف لسبب من الأسباب لقبولها وتأثيرها، ولذلك لما كان حال المادة كذلك أمر الأطباء عند تمكن العفن منها في العضو القابل لها أن يكون جذبها في موضع قريب حتى لا يحتاج أن تمر بأعضاء كثيرة صحيحة فيكون الضرر الحاصل من ميلها أكثر من النفع الحاصل من ذلك أو من نفس العضو على ما ستعرفه وأبعد المواضع من مؤخر الرأس مع المسامتة واختلاف الجهة * مقدمه (1345) ؛ وثانيهما أن المادة التي قبلها العضو الضعيف PageVW5P269A التي يخاف منها عند مرورها بالأعضاء الباطنة ثم يخرج منه بالجذب المذكور بل هذا الجذب يقطع الواصل الذي حاله على ما ذكرنا، وإذا لم يخرج ما انصب إليه لم يحصل من رجوع المادة ومرورها بالعضو السليم آفة لأنه عند انتهائها إلى العضو الضعيف نافذة فيه فإذا رجعت لم يتغير عليه شيء لأنه لم يمر به شيء غريب غير ما ألفه وهو عند مجيئها إليه بل الذي تؤذيه وتؤلمه المادة الحاصلة من المنصبة في العضو الضعيف لأنها أكثر عفنا من التي * من (1346) شأنها الانصباب إله، وإذا كان مثل هذه المادة لم تخرج فلم يحصل له أذية. فإن قيل: فإذا كانت هذه لم تخرج من العضو الضعيف فما الفائدة في الجذب، قلنا: الفائدة منه خوف من زيادتها فلم ترجع القوة الخاصة به تقدر على إخراجها ودفعها عنه بالتحليل أو * بالتقيح (1347) ، أما إذا قطعنا عنه الواصل بذلك قدرت القوة الخاصة به على تحليل * الحاصل (1348) فيه لأن مقداره لم يرجع يزداد) فإن قيل هاهنا نظر من وجهين: أحدهما لم ضرب المثال في الصورة المذكورة بالرأس ولم لا ذكر غيره من الأعضاء، وثانيهما مع ذكره هذا المثال لم خصص ذلك بالجذب من خلف إلى قدام دون العكس، * قلت (1349) : الجواب عن الأول أن حركة المواد بالرأس من مؤخره إلى مقدمه تارة بعضو رئيس رطب المزاج متخلخل القوام وبالجملة قابل لتأثير المادة المشار إليها فكأنه يقول: إذا كان الجذب في هذه الصورة بالشرط المذكور غير مضر فبالأولى إذا كان الجذب في غير هذا العضو بالشرط المذكور فإنه يكون غير مضر؛ والجواب عن الثاني أن مقدم البدن متخلخل البدنية بالنسبة إلى مؤخره، وإذا كان حاله كذلك فيكون إخراج المادة وتحليلها منه أسهل من العكس، ولما كان الحال كذلك خصصه بالذكر وجعله مثالا في مقصوده.
البحث الثاني:
الاستفراغ والجذب اتفقا من وجه واختلفا من وجهين. أما وجه الاتفاق فهو أن في كل واحد منهما ميل المادة عن العضو القابل لها. وأما وجها الاختلاف فأحدهما أن الستفراغ ينبغي ان يكون من جهة PageVW5P269B ميل المادة لأن إخراجها عن البدن منها أسهل من إخراجها مما قابله لأن فيما * قابله (1350) حيرة على الطبيعة وعلى المادة وفي ذلك كلفة على الطبيعة، والجدب ينبغي أن يكون من الجهة المقابلة لأن الغرض منه ميل المادة عن العضو الضعيف وهذا كلما كان أبعد PageVW1P154B وأكثر * مخالفه (1351) كان أجود لينقطع انصبابها إلى ذلك العضو؛ وثانيهما أن الإستفراغ لا بد أن يكون معه إخراج المادة المؤلمة والجذب قد لا يكون معه ذلك كما في المحاجم بالنار أو التي بلا شرط. فإن قيل: فإذا كان الاستفراغ يحصل منه ما يحصل من الجذب وهو إخراج المادة عن العضو الضعيف فأي حاجة إلى الجذب بل لعل الاستفراغ أجود منه لأن فيه إخراج المادة المذكورة عن كل البدن وأما الجذب فإن فيه إخارج المادة وميلها عن العضو القابل لها فقط وأما عن كل البدن فلا، قلنا: يحصل لنا صورة نحتاج فيها إلى ميل المادة عن العضو القابل لها من غير أن يقدر على إخراجها من البدن بالكلية ولا يتمكن من ذلك. وذلك في صورتين: * إحداهما (1352) عند كون المادة في * مبادئ (1353) انصبابها إلى العضو القابل وقوة الألم فإنا في هذا الوقت لا نقدر على استفراغها * لأنها (1354) فجة * نية (1355) ، وقد علم أنه لا يجوز الاستفراغ في هذا الوقت البتة لأنه متى استعمل كان ضرره أكثر من نفعه فنكون قد داوينا الدواء بأدوى منه ومع ذلك تلجئنا الضرورة إلى ميل المادة عن العضو الضعيف خوفا مما ذكرنا فلم يبق لنا حيلة سوى الجذب؛ وثانيتهما عند كون القوة ضعيفة مع احتياجنا إلى ميل المادة عن العضو الضعيف فإنا في هذا الوقت ليس لنا حيلة سوى الجذب فإن الاستفراغ كما أنه يراعي فيه مقدار المادة فقد يراعي فيه احتمال القوة، فمتى لم تكن القوة محتملة له لم نستعمله مع حاجتنا إلى ميل المادة عن العضو الضعيف.
البحث الثالث
في تفصيل القول في الجذب: نقول: راحة العضو الضعيف عن المادة المذكورة تارة يكون يجذبها إلى موضع بعيد عن العضو المذكور وتارة PageVW5P270A إلى موضع قريب وتارة من نفس العضو. وذلك لأن المادة المؤذية المنصبة إلى العضو القابل لها لا يخلو إما أن تكون آخذة في الانصباب أو تكون قد انصبت إلى العضو وفرغ انصبابها ثم هذا إما أن تكون المادة قريبة العهد بالانصباب أو بعيدة العهد به ولكل واحدة من هذه المراتب الثلاث تدبير خاص في راحة العضو القابل من المادة. أما المرتبة الأولى وهي أن تكون المادة آخذة في الانصباب إلى العضو الضعيف ففي هذا الوقت ينبغي أن يراعي في الجذب أمور ثلاثة بعد الجهة والمسامتة والمشاركة. أما البعد فلأن المادة آخذة في الانصباب إلى العضو الضعيف وهو في نفسه قابل لها، فمتى لم يكن جذبها إلى الجهة * المذكورة (1356) لم تنقطع بالكلية عنه. وأما المسامتة فإن جذب المادة في قطر واحد أسهل على الجاذب من جذبها من قطرين مثلا إذا كان ميل المادة إلى اليد اليمنى فإن جذبها من رجل اليمنى أسهل من جذبها من الرجل اليسرى لأنها تحتاج إلى قطع قطرين في هذا الجذب. وأما المشاركة فإن العضو المجذوب عنه متى كان بينه وبين المجذوب إليه مشاركة كان جذب المادة إليه أسهل مما إذا لم تكن * بينهما (1357) مشاركة، والمراد بالمشاركة هنا أن تكون في الأوردة التي هي مجاري للمواد المذكورة. فإن قيل إن مبدأ العروق مبدأ واحد وهي مشاركة في جميع البدن بعضها لبعض وإذا كان كذلك فكيف يصح ما قلتم، قلنا: لا شك أن هذا صحيح غير أن البدن مقسوم بنسفين قسمة لا يدركها الحس ويدل على هذا ما ذكرناه في الفالج وإذا كان كذلك فيكون مشاركة بعض أجزاء الجنين للبعض الآخر أبلغ منه من مشاركة ذلك البعض * للبعض (1358) الآخر من الجانب الآخر والجهات التي هي * كذلك (1359) . أما في الطول فهما العلو والسفل ومن الجانبين اليمين واليسار ومن العمق القدام والخلف، وذلك كما ذكره أبقراط في هذا الفصل. وأما إن كانت المادة قد انصبت وانقطع انصبابها وهي قريبة العهد بالانصباب فينبغي أن يكون جذبها PageVW5P270B إلى موضع قريب كما يجذب مادة الرحم بمحاجم تعلقها على باطن الفخذين فإنه في مثل هذه الصورة لم يمكن جذبها إلى موضع بعيد لأن العضو المائل إليه المادة قد ضعفت قوته عن دفع المادة إلى موضع بعيد وفي القرب حيلة من جهة حركة الجاذب وتوزانه للحرارة وهي جذابه ومقوية للقوة الضعيفة التي فيه وإن كانت قد استقرت في العضو. ويعرف هذا بسكون الوجع وهذه الحرارة لأن المادة تكون قد استقرت في العضو واستحدثت لها فرجا فبطلت حركتها وتفريقها للاتصال وفي مثل هذا الوقت الواجب إخراجها من نفس العضو لأنه لم يبق حيلة في جذبها إلى موضع قريب أو بعيد، وذلك كما * بتعليق (1360) العلق على * الجوف (1361) وانتزاع مادة الخبيثة من نفس العضو ومثل هذا يسمى السل.
68
[aphorism]
قال أبقراط: * إن (1362) النافض أكثر ما يبتدئ في النساء من أسفل الصلب ثم يتراقى في الظهر إلى الرأس وفي الرجال تبتدئ من خلف أكثر * مما (1363) تبتدئ من قدام مثل ما قد تبتدئ * من (1364) الساعدين والفخذين، لأن * الجلد (1365) * أيضا (1366) في مقدم البدن متخلخل ويدل على ذلك الشعر.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الاول
في الصلة: وهو أن هذا الفصل كالمقرر والمؤكد لما قلناه في الفصل الماضي وهو قولنا إن أبقراط إنما جعل المثال للجذب إلى الجهة المخالفة من مؤخر الرأس إلى مقدمه ولم يضرب المثال بالعكس وذلك لأن مقدم البدن متخلخل فيكون جذب المادة إليه من المؤخر الذي حاله بخلاف ذلك أسهل على الطبيعة من العكس * وقال (1368) في هذا الفصل: ويدل على تخلخل مقدم وجهان: أحدهما أن النافض يبتدئ من خلف أكثر مما يبتدئ من قدام وذلك يدل على تكاثف المؤخر واحتباس المواد فيه فإذا تحركت لإحداث النافض احتبست فيه وأحدتث النافض بخلاف المقدم فإنها إذا تحركت فيه تحللت منه بسرعة لسعة مسامه وهي المراد بها التخلخل؛ وثانيهما أن الحرارة في مقدم البدن أكثر مما هي في مؤخره وإذا كان كذلك فيكون متخلخلا ويدل على توفر الحرارة فيه كثرة PageVW5P271A الشعر فيه بالنسبة إلى المؤخر فإن الشعر سببه المادي الأبخرة المنفصلة من الحرارة. فإن كانت دخانية كان لونه أسود، وإن كان مائلا إلى البرد كان لونه أبيض، وإن توسط فيما بين ذلك كان لونه أحمر أو * أشقر (1369) فثبت بما ذكرنا تخلخل مقدم البدن وتكاثف مؤخره وإذا ثبت هذا فيكون هذا الفصل PageVW1P155A كالمقرر والمؤكد للماضي.
البحث الثاني:
النافض من الحركات الغير طبيعية المبتدئ فيه القوى النفسانية والمتمم له القوى * الطبيعية (1370) . ولنبسط القول في هذا المقام فنقول: الحركات الغير طبيعية منها ما هي منسوبة إلى الطبيعة ومنها ما هي منسوبة إلى المرض ومنها ما هي منسوبة إلى الطبيعة والمرض معا. والمنسوبة إلى الطبيعة منها ما هي منسوبة إلى القوى الطبيعية ومنها ما هي منسوبة إلى القوتين جميعا. وهذه منها ما يتبدئ فيه بالفعل القوى النفسانية والمتمم في الحركة القوى الطبيعية ومنها ما هو على العكس. والمنسوب إلى القوى الطبيعية كحركة الجشاء والقيء والتهوع والفواق فإن القوة الدافعة تتشمر لدفع مادة هذه جميعها من المعدة. والمنسوب إلى القوى النفسانية كحركة التثاوب والتمطي والعطاس فإن سبب هذا جميعه حركة القوى المذكورة لدفع المؤذي. أما التثاوب فسببه أبخرة ترتقي إلى عضل الفكين، وأما التمطي فسببه أبخرة ترتقي إلى عضلات باقي الأعضاء، والعطاس دفع الدماغ لما يصل إليه من أذى المؤذي بالقوة المحركة المنبعثة منه. والمنسوب إلى القوتين جميعا كحركة النافض والسعال والمبتدئ فيه القوه النفسانية والمتمم له القوى الطبيعية النافض فإن المواد المؤذية عندما تروم الانصباب إلى مستوقد العفونة إذا مرت بعضو حساس لذعته وأنكته وعند ذلك يتشمر لدفعها غير أنه يعجز عن دفعها لما ناله من أذى اللذع فيستعين بما فيه من القوة الدافعة على دفع ذلك المؤذي ودفع أذيته عنه فيظهر ويقوى ولذلك صار أول ما يتبدئ فيه القشعريرة فإنها حركة ضعيفة PageVW5P271B لأنها حاصلة أولا من * القوى (1371) النفسانية ثم إذا قوي المؤذي وتمكن أديته استعانت بالدافعة * فظهرت (1372) الحركة وهي النافض والذي هو على العكس مثل السعال فإن المبتدئ فيه بالحركة القوة الدافعة عند إنضاج الهاضمة للمادة الموجبة له غير أنها تعجز عن دفعها فتستعين بالقوة المحركة النفسانية الحاصلة في الأعضاء والعضلات المحركة للصدر. والمنسوب إلى المرض كحركة الاختلاج والتشنج. أما الاختلاج فإن الموجب له تموج الرياح تحت الجلد وحركتها، وأما التشنج فقد عرفت أنه امتلائي واستفراغي وحادث عن كيفية سمية وفي الكل يحصل الحركة عن المرض، وأما الامتلائي فإن المادة إذا مالت إلى الأعضاء المذكورة ملئت خللها وداخلتها وعند ذلك تتمدد وتتحرك، وأما الاستفراغي فإن المحلل إذا حلل ما في الأعضاء * المذكورة (1373) من المواد المالئة لها اجتمعت إلى ذاتها وتقلصت، وأما السمي فإن الكيفية السمية إذا وصلت إلى الأعضاء المذكورة تشمرت لدفعها وبعدها عنها وعند ذلك تتحرك. وأما المنسوب إلى الطبيعة والمرض معا فكالرعشة فإن في الرعشة تتحرك الطبيعة وتروم شيل العضو ودفعه إلى فرق ثم إن المرض يروم حظه وتسفله إلى أسفل فيحصل ما بين ذلك حركة صاعدة وهابطة ولا للرعشة إلا ذلك.
البحث الثالث:
قوله «النافض أكثر ما يتبدئ في النساء من أسفل الصلب ثم يتراقى في الظهر إلى الرأس» نقول: قد * عرف (1374) أن ابتداء النافض أبدا من خلف لأنه أبرد، وذلك لأن فقرات الظهر هناك والنخاع سالك فيها وهو قليل اللحم والأعصاب فيه كثيرة لأنها نابتة من جنبيه، وهذه كلها تدل على أنه أبرد من القدام فيكون أقبل للبرد من مقدم البدن فإن الاستحالة في الجنس القريب أسهل منها في البعيد فتسرع إليه القشعريرة لذلك ويلزم من توفر برده شدة * تكاثفه (1375) ويلزم من ذلك شدة حبسه للمادة المتحركة الموجبة للنافض غير أنه * إنما (1376) ابتداء بالنساء من أسفل الصلب ثم تراقى إلى فوق لأن أسفل الصلب من النساء قد حصل فيه مبرد آخر موجب لقوة التكاثف وهو الرحم الموضوع هناك، وقد عرف بالتشنج أنه عصبي والعضو العصبي بارد على ما عرفت ثم يتراقى في الظهر PageVW5P272A إلى الرأس ثم يزول لأن البرد يقل ويتناقص كلما قرب من الرأس، وذلك لأن ما قرب من الرأس متخلخل المسام لقربه من القلب فإنه على محاذاته فلذلك كان ابتداء ظهوره وقوته في النساء من أسفل الصلب.
البحث الرابع:
قوله «وهو أيضا يتبدئ في الرجال من خلف أكثر مما يتبدئ من قدام» أقول: والنافض أيضا في الرجال يتبدئ من خلف لأنه أبرد على ما عرفت فيكون الحال على ما ذكرنا. وقوله في الأكثر لأن في المحتمل أن يكون المعدة بلغم متوفر والمعدة باردة فيكون ابتداء النافض في مثل هذا الشخص من قدام لاستعداده لكن هذا الحكم نادر الوجود وأحكام الطب أكثرية. فإن قيل: فلم لا ذكر في حصول النافض للرجال ما ذكره في حصوله للنساء وهو أكثر ابتدائه من الصلب، قلنا: خلف الرجل لا يختلف في قوة برده وضعفه حتى يكون بعضه أبرد من البعض كما في النساء بسبب الرحم حتى يكون الأبرد منه أشد استعدادا للنافض من الآخر وقدم ذكر النساء في أمر النافض لأنهن أبرد خراجا من الرجال على ما * عرفت (1377) وحينئذ يكون كلامه مناسبا لما ابتدأ به في الفصل الماضي فإنه ابتدأ بذكر مؤخر الرأس ثم ختمه بذكر مقدمه ومؤخره أبرد من مقدمه على ما عرفت.
البحث الخامس:
الذي لاح لنا من كلام أبقراط أن النافض يتبدئ بالنساء والرجال من خلف في الأكثر غير أن بهذه الأكثرية أولى ولذلك ابتداء في الحكم المذكور أولا بالنساء. وإنما قلنا إن النساء بهذه الأكثرية أولى لوجهين: * أحدهما (1378) لفضل بردهن على الرجال، * وثالنيهما (1379) لأن أرحامهن موضوعة هناك وهي عصبية الجوهر بارد المزاج. فإن قيل: هذا الحكم فيه نظر وهو أن أولية ابتداء حدوث النافض بالنساء من خلف ينبغي أن يكون فيما سببه مادة باردة وأما ما كان سببه مادة حادة فابتداء انفعال إصلاب الرجال به أولى من ابتداء إصلاب النساء، وذلك لوجهين: أحدهما لاستعدادهم لذلك لحرارة أمزجتهم فإن الإستحالة في الجنس القريب أسهل منها في البعيد، وثانيهما لقوة حسهم فإن القوى الحس انفعاله من الحار أشد وأبلغ منه من البارد، وإذا كان الحال PageVW5P272B كذلك فلا يصح الحكم على الإطلاق بأن النساء هن أولى بأكثرية النافض من خلف من الرجال، قلنا: الجواب عن هذا أن النافض كيف كان لا بد فيه من البرد إما ذاتي كالحادث عن البلغم وإما عرضي كالحادث عن الصفراء الهرب الحرارة الغريزية منه عند مفاجاتها للأعضاء، وإذا كان لا بد من البرد فيكون إصلاب النساء أولى بالابتداء * به (1380) من إصلاب الرجال لشدة استعدادهن لما ذكرنا * من (1381) الاستحالة في الجنس القريب أولى منه بالبعيد.
البحث السادس:
قوله «مثل ما تبتدئ في الساعدين والفخذين» أقول: إنما كان ابتداء النافض من مؤخر الساعدين والفخذين أكثر من ابتدائيه من مؤخر الصدر لأنهما أبرد لبعدهما عن القلب وقلة * محاماة (1382) الطبيعة عنها واعتنائهما بما قرب من القلب ودفع أدية مادة النافض به وابتداء بذكر الساعدين في ذلك لأنهما أبرد من الفخذين لكثرة اللحم في الفخذين وقلته في الساعدين. وربما ظن أن مؤخر الساعدين أكثر شعرا من مقدمها، وهذا ظن ردىء. فإن الذي يظن أنه مؤخر الساعدين هو بالحقيقة مقدمها، ويدل على ذلك وجوه ثلاثة: أحدها أن الإنسان إذا أرخى * يديه (1383) ولم يتكلف أن يجعل لهما شكلا فإنا نرى ما يلي الظهر أقل شعرا مما يلي البطن؛ وثانيها أن الإنسان إذا قام على يديه وبسط كفه على الأرض حتى يصيرإ نمنزلة القدمين نرى ما * يلي (1384) الظهر من الذراعين أقل شعرا مما يلي البطن؛ وثالثها أنا إذا استقرينا أحوال اليد عند أعمالها في الدفع والجذب والصراع والتمريخ وغير ذلك نرى ما يحاذي الساعدين للظهر أقل شعرا مما يحاذي منه البطن. والله أعلم.
69
[aphorism]
قال أبقراط : من اعترته الربع فليس يكاد يعتريه التشنج، * وإن (1385) اعتراه قبل الربع ثم حدثت الربع سكن التشنج.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الاول
في الصلة: وهو أن الفصل الماضي لما اشتمل على حكم من أحكام النافض ذكر في هذا الفصل حكما آخر من أحكامه أيضا وهو نفعه من التشنج. ومراده بالتشنج الامتلائي لا الاستفراغي فإن هذا يستضر بالحمى لا سيما الذكورة لأنها بدوام PageVW5P273A تأثيرها من جهة حرارتها وحركة نافضها الطويل المدة بدوام تحليلها للمواد * البدنية (1387) فيزداد التشنج وتتضاعف البلية.
البحث الثاني:
قوله «من اعترته الربع» فليس يكاد يعتريه تشنج. وذلك لأن آثار الربع تنافي حدوث التشنج المذكور لما ستعرفه لكن قوله «يكاد» يفهم منه أنه قد يحدث ذلك في الندرة أن يجتمع التشنج المذكور وحمى الربع، وذلك عند كون المادة * كثيرة (1388) متوفرة المقدار فإنها متى كانت كذلك عمت الظاهر والباطن وأوجبت الربع والتشنج المذكور. قوله «وإن اعتراه التشنج» إلى أخره: التشنج المذكور أكثر حدوثه عن مواد بلغمية قد داخلت خلل الأعصاب والعضلات وملأتها وسكنت فيها. وحينئذ تكون معالجة هذا المرض بأمور ثلاثة: أحدها ما يسخن تلك المواد الباردة ويلطفها، وثانيها * بما (1389) يخرج تلك المادة من خللها وأمكنتها؛ وثالثها بما يخرج تلك * المادة (1390) * عن (1391) البدن بالكلية والحمى المذكورة قد حصل فيها الأمور الثلاثة. أما التسخين فبالحرارة الحاصلة فيها المائلة إلى الحدة بسبب يبسها. وأما الثاني فبحركة الحمى فإنها تزعزع المادة وتقلقلها وتخرجها عن أمكنتها. وأما الثالث فبالعرق الحاصل فيها عند انفصال النوبة وهذا القدر وإن كان يحصل من الحميات الصفراوية الدائرة إلا أن حصوله في الربع أبلغ وأعظم، وذلك لدوام تأثيره وهذا الآخر حاجتنا إليه أكثر لأن القوى البدنية تكون ضعيفة عند حصول الربع بعد التشنج بسبب ما من * ألم (1392) التشنج وإنما قال «وإن اعتراه التشنج قبل الربع ثم حدثت الربع» ولم يقل «وإن اعتراه التشنج ثم حدث الربع» لأن العبارة الأولى يفهم منها أن الربع تشفى من التشنج المذكور وأن طرات عليه بعد مدة والثانية يفهم منها أن * ما (1393) يحصل من الربع إذا حصلت عقيب التشنج بحيث لم يكن فيها تراخى في الزمان، وذلك محال فإن الربع تشفى من التشنج المذكور سواء * إن (1394) حصلت بعد حصوله بمدة أو لم * يكن (1395) كذلك.
البحث الثالث:
فإن قيل: حكم ابقراط هنا بقلة حدوث التشنج عند PageVW5P273B حدوث الربع ليس بصحيح، وذلك لأن مادة الربع ليست مادة التشنج في الأكثر حتى إذا حدثت الربع كان حدوثها أمانا من التشنج بإصراف مادته عن العصب فإن مادة الربع في الأكثر سوداوية مادة التشنج في الأكثر بلغمية، وأما حكمه بنفع حدوث الربع لمن به تشنج فصحيح على ما عرفته، قلنا: الجواب عن هذا وجهان: أحدهما ما ذكرناه وهو أن آثار الربع منافية لآثار التشنج إلى * آخره (1396) ؛ وثانيهما أن يقول: ليس مراد أبقراط بالتشنج هنا الحاصل للعصب * لذاته (1397) بل الحاصل له لآفة في الدماغ بسبب مادة سوداوية استولت عليه كالصرع السوداوي فإنه هو الذي يصح الحكم على حدوث التشنج منه بعد الربع، وذلك لانصراف مادته عن الدماغ إلى مستوقد العفن فإذا حدوث الربع بعد حدوثه سبب للخلاص منه، وذلك على سبيل انتقال المادة لا على سبيل الاستحالة في المزاج بمعنى أن المادة الموجبة للتشنج انتقلت في مزاجها إلى أن صارت * مادة (1398) للربع وعلى ما ذكرنا يكون كلام أبقراط في حكمه الأول محتملا للتأويلين المذكورين في معنى التشنج. والله أعلم.
70
[aphorism]
قال أبقراط: من كان جلده متمددا قحلا صلبا فإنه يموت من غير عرق، ومن كان جلده رخوا متخلخلا فإنه يموت بعرق.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الاول
في الصلة: وهي ان الفصل الماضي ذكر فيه ان حصول حالة يتبعها عدم حالة أخرى وهو أن حصول حمى الربع بعد التشنج المذكور يتبعها عدم حالة أخرى وهي التشنج، ذكر في هذا الفصل أيضا حصول حالة أخرى يتبعها عدم حالة * أخرى (1400) وهي أن تمدد الجلد وقحله يتبعها عدم حالة وهي العرق. وأيضا فإنه مشتمل على أن الأعضاء المتخلخلة يكون نفوذ المواد فيها أسهل من نفوذها في الأعضاء المتكاثفة. قال: والدليل على ذلك أن من قارب الموت وكان جلده صلبا متمددا فإنه يموت بغير عرق، ومن كان جلده متخلخلا فإنه يموت بعرق. ومن هذا الوجه كان ينبغي أن يجعل هذا الفصل بعد قوله PageVW5P274A «النافض أكثر ما تبتدئ في النساء من أسفل الصلب» غير أنه ذكر بين ذلك الفصل المتضمن ذكره الربع * ليتمم (1401) أحكام النافض.
البحث الثاني:
كثرة العرق قد تكون لكثرة المادة بحيث أنها تغمر القوة وتخرج من ذاتها، ويخص هذا أن لا يعقبه خفة وراحة ولا نفع. وقد يكون لتخلخل المسام وسعتها، ويخص هذا * حصوله (1402) من أدنى سبب * حركة (1403) . وقد يكون من قوة القوة ودفعها للمادة البدنية كما في البحارين العرقية، ويخص هذا أن يعقبه خفة وراحة. وقد يكون لضعف القوة وسقوطها بحيث أنها تتخلى عن مسك الرطوبات البدنية وحبسها، ويخص هذا أن العرق الخارج يكون لزج القوام بحيث أنه يدبق باليد لأنه خارج من الرطوبات الأصلية التي تكون بها تماسك الأعضاء وأكثر حدوث هذا فيمن كان جلده رخوا متخلخلا. وأما من كان جلده قحلا متمددا فإنه لا يكون معه شيء من ذلك بل يحصل الموت بدون ذلك. وذلك إما الفناء المادة وذهابها من البدن كما في المسهول وإما لانسداد المسام كما في حال من جلده كذلك. والله أعلم.
71
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به يرقان فليس يكاد تتولد فيه الرياح.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الاول
في الصلة: وهو أن الفصل الماضي لما ذكر فيه أن حصول حالة في الجلد يدل على حالة PageVW1P156A أخرى بدنية، ذكر في هذا أن حصول حالة أخرى في الجلد يدل على عدم حالة أخرى بدنية وتلك الحالة اليرقان والمعدومة * الرياح. (1405)
البحث الثاني:
تارة يفهم من الرياح المنعدمة الرياح العروقية وتارة الرياح المعدية والمعوية. أما الأولى فيستحيل حدوثها لأن حدوثها عن مادة رطبة وحرارة فاترة ضعيفة، وعروق صاحب اليرقان بضد ذلك فإن المستولى عليها من المواد المواد الصفراوية وحرارتها قوية ولذلك صار صاحب اليرقان يضعف انتشار قضيبه. وأما الثانية فيجوز حصولها، وذلك لبرد العضوين المذكورين وكثرة البلغم فيهما * لقلة (1406) انصباب الصفراء أو انعدامها إلى المعاء وأسافل المعدة، ولذلك صار لسان صاحب اليرقان يبيض وقيل في ذلك أيضا لأن اللسان من الأعضاء الباطنة واليرقان PageVW5P274B المواد الصفراوية فيه مندفعة إلى ظاهر البدن والمعدة والمعاء متى كان حالها كذلك تولدت الرياح فيهما هذا إذا كان سبب اليرقان سدة * في (1407) مجرى المرارة. أما العالي والسافل * وإن (1408) كان سببه كثرة الصفراء بحيث أنها تعم ظاهر البدن وتنصب إلى * الأحشاء (1409) على عادتها وزيادة فليس يتولد في أحشاء هذا الشخص رياح. ولما كان حال اليرقان كذلك عبر عن توليد الرياح بعبارة تعطي الغرض * فقال (1410) «ليس يكاد يتولد» ولم يقل «ليس يتولد» أو «يتولد». والله أعلم.
ابتداء المقالة السادسة
PageVfP154A [Y f. 274b ] 1 قال (1) أبقراط (2): إذا حدث الجشاء الحامض في العلة التي يقال لها زلق الأمعاء بعد تطاولها ولم يكن كان قبل ذلك فهو علامة محمودة. الشرح: هاهنا مباحث خمسة.
البحث الأول
في علة: ابتداء أبقراط بهذا الفصل في هذه المقالة وهو أن أبقراط من عادته، إذا انتهى كلامه في فصل، جعل الفصل الآتي بعده أوله مناسبا لأخر الأول، أو يكون حكمه مناسبا (3) لحكمه أو مقابلا له، وهو (4) لما انتهى كلامه في أخر الخامسة أن حصول حالة تدل على عدم حالة كاليرقان، فإنه يدل على عدم الرياح، ذكر في هذا الفصل أيضا أن هاهنا حالة أخرى حصولها يدل على عدم حالة أخرى كالجشاء الحامض، فإنه يدل على عدم زلق المعاء. والمراد بزلق المعاء في هذا الموضع، على ما ذكره جالينوس في شرحه لهذا الفصل وجمهور الأطباء المتقدمين والمتأخرين، خروج الغذاء والشراب بحالهما من غير أن يتغيرا في لونهما أو في قوامهما أو في طعمهما أو في رائحتهما، وبالجملة لا يتغيران في شيء من كيفياتهما. وعلى هذا كان من الواجب أن تسمي هذه العلة زلق المعدة، فإن هذا الفصل منسوب إلى المعدة غير أن الذي سموها بهذا الاسم تجوزوا (5) في العبارة، وأبقراط سماها بهذا الاسم المشهور وإن لم يكن اسمها في الحقيقة ولذلك قال «العلة التي يقال لها زلق المعاء» ولم يقل «التي هي زلق المعاء» [Y275a] أو نقول (6) أن الإمام سمى الملزوم باسم لازمه (7) كما سمى الأطباء ليثرغس بالنسيان، فإنه لازم للعلة المذكورة كذلك زلق المعاء فإنه لازم لزلق المعدة. فإن الغذاء إذا خرج من المعدة وهو بحاله عجزت المعاء عن هضمه وتغييره ومسكه فيتخلى عنه بل ينفر منه لأنه يصير كلا عليها فيخرج على سبيل الانزلاق، فهذا القدر لازم للأول ويجوز تسمية الملزوم باسم اللازم. والأفرق بين زلق المعدة وزلق المعاء فإن في الأول يخرج الغذاء كما ذكرنا وفي الثاني يكون البراز كيلوسيا وذلك لضعف ماسكتها لأن الغذاء لسرعة انحداره عن المعاء لا يتمكن الكبد من جذب صفوه على الواجب فيبقي مخالطا للبراز ويصير حاله كذلك لكن يجب أن تعلم أن هذا العرض ليس هو خاصا بضعف القوة المذكورة لخصوصية الأول بضعف المعدة. فإن هذا قد يكون لما ذكرنا وقد يكون لسدة في الماساريقا بحيث أنها تمنع الكيلوس من النفوذ إلى جهة الكبد فتخرج مع البراز وقد يكون لضعف جاذبة الكبد بحيث أنها تعجز عن جذب صفو الكيلوس بكليته فيبقى معظمه مخالطا للبراز ويخرج، وقد يكون لصغر الكبد بحيث أنها لا تقدر ولا تسع تجاويفها صفو الكيلوس جميعه ففي هذه الصور الأربع يكون البراز كيلوسيا كثيرا لمقدار رقيق القوام ويرتب على ذلك هزال الأعضاء ودبولها لكن الذي يخص ضعف ماسكة الأعضاء أن لا يحس فيه بثقل في أسفل الجوف ولا في الجانب الأيمن ويخص السددي ثقل ما دون الكبد ما يلى إلى جهة الغور وربما كان معه حمى إن كانت السدد عن ورم ويخص الكائن لضعف جاذبة الكبد وجود الثقل في أسفل الجوف لصحة قوة ماسكة المعاء وقلة البول لقلة ما ينفذ إلى جهة الكبد من صفو الكيلوس ورقيقه. ويخص الكائن للصغر أمور أربعة. أحدها قصر أصابع اليد فإن هذا القدر خاص بما ذكرنا على ما شهدت به الفراسة. وثانيها إحساس بالثقل في الجانب الأيمن ويرتاح هناك وذلك بسبب ضغط الكبد بالواصل إليها وضعف قواها الفاعلة عن المنقل الواصل إليها. وثالثها PageVW5P275B انتفاع العليل باستعمال المذرات المسهلات الخفيفة المنقية للكبد مما هو محتسب فيها من كثرة الغذاء الوارد إليها. ورابعها كثرة الأورام السدد في الجانب الأيمن بسبب الوارد عليها.
البحث الثاني:
الجشاء الحامض تارة يكون سببه سوء مزاج المعدة وهو إن تكون حرارتها قد ضعفت عن إحالة الكيلوس على الواجب وهو في هذه الصورة يستحيل إلى الحموضة. ثم هذا القدر تارة يكون بعد جودة الهضم وهو عندما يحصل للمعدة ما يضعف قواها وحرارتها. وتارة يكون حدوثه بعد فساد الهضم وهو عندما تنتعش حرارة المعدة وتنتهض لإجادة الهضم كما في هذه الصورة التي نحن فيها وهو مراد أبقراط. وتارة يكون سببه بلغما خاصا متشر به خمل المعدة أو سوداء طبيعية. فإن هذين الخلطين إذا كان حالهما كذلك أحالا ما يرد إلى المعدة من الغذاء إليها وظهر الجشاء الحامض والفرق بين حموضة الجشاء الحاصل من جهة المزاج والحاصل عن المادة المذكورة من وجوه ثلثة. أحدها أن الكائن للمزاج لا يحس معه بثقل في المعدة عند خلوها من الغذاء البتة، والمادي يحس معه عند خلوها مما ذكرنا (8). وثانيها أن المزاج إذا أطعم صاحبه غذاء صالحا وأسقى بعده ماء وأمر (9) بالقىء بعد ذلك فإنه لا يخرج به سوى الغذاء المستعمل. والمادي إذا فعل بصاحبه كذلك (10) خرج مع الغذاء شيء من المادة. وثالثها أن المزاجي لا يحصل معه جشاء حامض إلا إذا أخذ صاحبه الغذاء وتغير في معدته، والمادي الجشاء الحامض حاصل فيه أبدا سواء أخذ غذاء أو لم يأخذه. وأعلم أن المزاجي علاجه أصعب من علاج المادي لأن في المزاجي إيجاد شيء معدوم وفي المادي إعدام شيء موجود. والإيجاد يتوقف على أسباب كثيرة وأقلها (L5 154b) أربعة والإعدام على سبب واحد.
البحث الثالث:
قال جالينوس «أول من سمى هذه العلة بالاسم المذكور من اليونان توهم أنها تعرض من قبل ملاسة سطح المعاء الداخل حتى لا تضبط المعاء (11) بسبب تلك الملاسة ما في تجويفها. فإنها لما كانت على PageVW5P276A الحالة الطبيعية كانت تمسك ما فيها بخشونتها. وأنا لم أرض منهم تسميتهم هذه العلة بالاسم المذكور فإنهم جهلوا فعل البطن نفسه، أعني المعدة والمعاء، وهو أن المعدة تحتوي على الطعام مدة فعلها فيه فتضبطه وتمسكه ثم تدفعه بعد وتحدره إلى أسفل. فإن ضعفت عن مسكه دفعته أولا فأولا بحاله مثل المثانة في تقطير البول، فإنها لا تضبطه إلى حين يجتمع بل تدفعه (12) أولا فأولا ولا لحدة فيه. قال «فلو كان أول من سمى هذه العلة ملاسة المعاء عرف ما ذكرنا لما كان توهم ما توهمه من أن حدوث ذلك من ملاسة المعاء بل كان يجعل مكان (13) ذلك ضعف المعدة. قال: «وأما ما ذكره إرسطراطيس (14) في المقالة الثانية من كتابه في أمراض البطن من أمر هذه العلة فقد كذب على من قبله وأفسد على من جاء بعده» فإنه قال «إن من يقدمنا من الأطباء قسموا زلق المعاء إلى ثلثة أقسام. أحدها سحج المعاء، وثانيها زلق المعاء، وثالثها الزحير، فإنه متى خرج شيء من جنس الدم ومن جنس المخاط ثم خرج ما يخرج من رطوبات البطن منهضما، سميت هذه العلة سحج المعاء. ومتى كان البراز غير منهضم ولا نضيج (15) وكان يخالطه شيء من جنس المرار سميت العلة زحيرا. فهذا قول أرسطراطيس. (16) ولا أدري ما دعاه إلى ذلك، فإن هذا القول لم يقل به أحد ممن تقدمه مثل ديوقليس (17) وغيره ولا ممن كان في زمانه من المشهورين مثل فيلوطيس وغيره ولا ممن (18) جاء بعده مثل أرجيحانس (19) وغيره. فالحاصل مما ذكرنا ان تسميتهم هذه العلة بزلق المعاء تسمية غير مطابقة بل الواجب أن يسمي زلق المعدة.
البحث الرابع:
قد عرفت أن زلق المعدة يكون لأحد أمور ثلثة: إما انسلاخ سطح المعدة فلا تقدر على مسك الغذاء ريث ما يفعل فيه بل يبادر عند انحداره إليه فتدفعه أو لا، فأولا لأنه عند حصوله فيها إن كان فيه كيفية موذية مثل حرارة فعلية قوية أو كيفية لذاعة حريفة كما يحصل عن الأبازير الحادة أو كان شديد الحمض. فإنه متى كان كذلك لذعها وانكاها فتدفعه في أسرع وقت لذلك، فإن لم يكن فيه شيء من ذلك فإنه بخشونته PageVW5P276B يؤذيها ويزيدها جردا فيدفعه لذلك ويخرجه مثل هذا لا يكون معه جشاء حامض كما يكون لبلغم حامض مزلق متشرب في خملها لأن سببه مواد حادة لذاعة مقرحة فلا يحصل بعد برؤه وانضاجه (20) أيضا جشاء حامض لأن مزاجها لم يكن قبل ذلك ما يلى إلى البرد ثم حصل لها حرارة انهضت قواها لهضم الغذاء لأن حرارتها الأصلية ثابتة لم يتغير وينقص. وأما من رطوبة تملس سطحها الداخل ويزيل خشونتها التي بها تمسك الغذاء وتحتوي عليه بل يزلقه ويحدده بحاله ثم هذه الرطوبة قد تكون بلغما حامضا وقد تكون غير حامض. فإذا قويت حرارتها الغريزية وانهضمت (21) لهضم ما يأتي إليها من الغذاء حللت تلك الرطوبات وشرعت في فعلها في الغذاء فيحصل الجشاء الحامض أولا لذلك لأن في أول فعل المعدة في الغذاء لا بد أن يحصل الجشاء الحامض غير أن ذلك في الوقت الصحي لم يظهر لقصر الزمان فلا يحصل به شعور. وأما من ضعف قوتها الماسكة فإنه (22) عرفت أن الهضم موقوف على قوتين الهاضمة والماسكة: فالهاضمة لها الإحالة والتغير والماسكة لها المسك والضبط رتب ما تفعل تلك القوة فعلها. فإذا قويت حرارتها الغريزية حللت تلك الرطوبات من جرمها وقوى فعل الماسكة وحينئذ تجود الهضم ويحصل الجشاء الحامض لذلك. وهذا هو الذي مدح فيه أبقراط حصول الجشاء الحامض لأنه حاصل فيه بعد أن لم يكن. فإن بقوله حصل ميزة عن القروحي. وبقوله لم يكن كان قبل ذلك ميزة عن الزلقي لبلغم حامض. فهذا هو التحقيق في تأويل كلامه. وعند هذا نقول أن الإمام أبقراط لما كان عالما بأن زلق المعدة حاصل عما (23) ذكرنا أي إن بعضه لم يمكن أن يكون معه جشاء حامض مستمر وبعضه لم يكن معه ذلك في أول أمره عبر بعبارة مهملة ولم يحصر ذلك بحرف السور، وهو أن يقول «إذا حدث الجشاء الحامض في كل زلق المعدة فإن ذلك محال» بل عبر بما ذكره والمهملة عند المنطقيين في قوة الجزئية فكأنه يقول «إذا حدث الجشاء الحامض في بعض أنواع زلق المعدة وهو الضعفي كان ذلك دليلا محمودا»، ثم هذا PageVW5P277A الضعفي إذا كان في الابتداء أوجب نقصانا في الهضم، وذلك يلزمه جشاء حامض. ثم إذا تمكن وأوجب بطلان الهضم زالت الحموضة ثم إذا انتهضت الحرارة الغريزية وفعلت القوى الطبيعية فعلها الخاص بها حصل الجشاء الحامض لما عرفته. فهذا هو الجشاء الحامض المحمود لأنه حاصل بعد أن لم يكن بخلاف الحمض الأول، فإنه دال على نقصان الهضم وانذاره بالبطلان، والفرق بين الضعفي في ابتدائه وبين الزلقي لبلغم حامض لاشتراكهما في حموضة الطعم (24) أن الضعفي تكون الحموضة فيه عند الضعف والزلقي قبل (25) ذلك بزمان وبهذا يندفع اعتراض مقدر على كلام أبقراط وهو قوله «إذا حدث الجشاء الحامض» ولا شك أن الحادث هو الموجود بعد أن لم يكن، ثم قال بعد أن لم يكن هذا هو الأول فيكون كلام أبقراط تكرارا أو الجواب عن هذا الاعتراض ما ذكرناه والله أعلم.
2
[aphorism]
قال أبقراط: من كان في منخريه بالطبع رطوبة أزيد وكان منيه أرق فإن صحته أقرب إلى السقم، ومن كان الأمر فيه بالضد من ذلك فإنه أصح بدنا."
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلثة.
البحث الأول:
في الصلة وهي أن حكم هذا الفصل كالمقابل لحكم الفصل الماضي فإن الماضي يتضمن ذكر حالة مذمومة منذرة بحالة صحية في بدن مريض وهذا (26) يتضمن ذكر حالة مدمومة منذرة بحالة مرضية في بدن صحيح.
البحث الثاني:
قوله من كان في منخريه بالطبع (L5 155a) رطوبة أزيد، أقول رطوبة المنخرين بالطبع تدل على فرط رطوبة الدماغ الطبيعية، وذلك لأن المنخرين (27) مخرج فضلات الدماغ والدماغ وإن كان له مخرج أخر لفضلاته وهو أعلى الحنك غير أن هذا أظهر للحس فكان أظهر في الدلالة فلذلك خصصه بالذكر وقوله أزيد أي أكثر من الحاجة وذلك لأن الرطوبة من الكيفيات الانفعالية وهذه الكيفيات لا تنذر بحالة مرضية وبعد البدن لقبولها إلا إذا كانت كذلك أي تكون أزيد وضرب المثال في الإفراط المعد للبدن لقبول السقم بهذه الكيفية لأن الانفعالية (28) من شأنها الإعداد وخصص الذكر بالرطوبة دون اليبوسة لأنها أقوى المنفعلتين (29) وضرب المثال بذكر رطوبة المنخرين والمنى لوجهين: أحدهما أن رطوبة المنخرين PageVW5P277B دالة على ضعف الدماغ وكثرة فضلاته، ورقة المنى دالة على مائية الدم الواصل إلى الأنثيين وذلك يدل على فرط رطوبة الكبد وضعف فعلها في الهضم وذلك لأن مادة شهوة الجماع المنى وهي آتية إلى الأنثيين من الكبد ونفس الشهوة والإحساس آت إليه من الدماغ والانتشار من القلب ومن عادة أبقراط أن يستدل بسلامة فعل هذاين على سلامة (30) البدن وبضررهما على ضرره على (31) ما ذكرناه في شرح قوله في المقالة الثانية (32) «صحة الذهن في كل مرض علامة جيدة» (33) وإنما لم يذكرها هنا ما يدل على ضرر الحيوانية لما ذكرناه في شرح ذلك (34) الفصل والعلة فيما ذكرنا أن الأعضاء الرئيسة على نوعين منها ما يتعلق بتدبير النوع ومنها ما يتولى (35) بتدبير الشخص فالمتولي لحفظ الدماغ (36) الأنثيان والمتولي لبقاء الشخص وتدبيره القلب والكبد والدماغ أما القلب فبامداده له بالحياة وبالحرارة الغريزية التي هي آلة كل قوة وأما الكبد فبامدادها له بالغذاء الذي به بقاء البدن والزيادة فيه بالنمو وأما الدماغ فبامداده له (37) بالحس والحركة المحتاج إليها في تكميل الحياة. وثانيهما أن الدماغ بطبعه رطب فإذا اتفق أن كان مزاج البدن رطبا كان الدماغ رطبا جدا وكانت فضلاته كثيرة جدا وذلك يلزمه كثرة انحدار الرطوبات من المنخرين لأنهما مجرى فضلات الدماغ وكذلك الأنثيان فإنهما رطبتان بالطبع فيكونان في البدن الرطب رطبتين جدا وذلك يلزمه رقة المنى ومائية فإن قيل هاهنا علامات أخر تدل على رطوبة المزاج وهي مثل ترهل البدن ولين البراز وبياض اللون وغير ذلك وقد عرفت ذلك (38) وإذا كان كذلك فلم خصص أبقراط بالذكر المأخود من المنخرين والمنى دون تلك قلنا هذه العلامات لا تظهر إلا لغلبة الرطوبة وإفراطها وذلك موجب لحصول الأمراض لا لاستعدادها (39) فقط بخلاف حال رطوبة المنخرين والمنى فإن أدني (40) رطوبة أزيد مما يقتضي مزاج الشخص يوجب ما ذكره أبقراط فيكون ذلك منذرا بالستعداد للمرض فإن قيل فلم لا PageVW5P278A اقتصر في الستدلال على ذلك باحدي العلامتين دون الأخرى. قلنا يجوز أن يكون ذلك المزاج خاصا بعضو ويكون مزاج باقي الأعضاء معتد لا بخلاف ما إذا اجتمع ذلك فإنه في الغالب وأكثر الأحوال يكون لمزاج عام.
البحث الثالث:
في كيفية إعداد ذلك للسقم وذلك من وجوه اربعة. أحدهما أن الأعضاء إذا كانت أرطب كانت أرخى (41) وألين وأسخف وكل ذلك يوجب سهولة الانفعال مما يؤثر في البدن سوى كان منبعثا من داخله أو واردا عليه من خارجه. وثانيها أن رطوبات البدن متى كانت بهذه الصفة لزمها ضعف الحرارة الغريزية ومتى ضعفت، قصرت عن التصرف فيها على الواجب وعند ذلك تتصرف فيها الحرارة الغريبة. ثم إنها تقوى كلما طال الزمان بها وتعفن وتوجب أمراضا عفنة وردئية. وثالثها أن مزاج الدماغ متى كان كذلك تعذر على القوة المحركة النفوذ في منافذ الأعصاب لوجهين: أحدهما أن الرطوبة تغلظ قوام الأرواح الحاملة لها، وثانيهما أنها تسدد منافذ الأعصاب ومسالكها. ومتى تعذر على القوة المذكورة النفوذ إلى آلتها تعذرت الحركة وعند ذلك تخمد الحرارة الغريزية وتستولى الرطوبات على البدن. ثم إنها تعفن وتؤذيه وكذلك الحال في رطوبة المنى ورقته. فإنه يلزمه ضعف الانتشار وذلك يلزمه قلة الجماع المترتب عليها قلة تحليل الفضول وإنهاض الحرارة الغريزية. ورابعها أن الدماغ متى كان كذلك كثر حدوث النزلات وانحدار المواد الرطبة إلى قصبة الريه وعند ذلك تضيق مجاريها التي هي مجاري الهواء البارد والبخار الدخاني وذلك مما يضعف الحرارة الغريزية ويوقع صاحبه في أمراض الرئه. فإن قيل كما أن إفراط الرطوبة بعد البدن للأمراض المادية كذلك الإفراط في اليبوسة بعد البدن للأمراض الساذجة اليابسة كالدبول وغيره. ونقول قد ذكرنا الجواب (42) عن هذا وهو أن الرطوبة لما كانت أضعف المنفعلين كان إعدادها للبدن لقبول الأمراض أبلغ من إعداد اليبوسة له (43). فإن قيل قوله «ومن كان الأمر فيه بالضد فإنه أصح بدنا» ليس بصحيح [Y278b] فإن الذي هو على ضد ذلك المائل إلى اليبوسة بمقدار مثل ذلك إلى الرطوبة، وإذا كان كذلك فتكون اليبوسة مستولية إذا كان حال الضد كذلك كيف يصح قوله ويكون أصح بدنا. فنقول ليس المراد بالضدية ما أريد به في حد الضدين وهو أن يكون البعد بينهما في غاية الخلاف حتى يكون المائل إلى اليبوسة المفرط فيها على حكم المائل إلى الرطوبة، بل المراد به أن يكون انقص رطوبة وهو المعتدل، ولا شك من كان (44) حاله كذلك فهو (45) أصح بدنا لأنه ليس فيه استعداد لقبول الأمراض (46) المادية ولا الأمراض الساذجة. ومع هذا فقد رأينا في بعض النسخ «ومن كان الأمر فيه على خلاف ذلك فإنه أصح بدنا» وعلى هذا يصح أن يقال للمعتدل (47) أنه مخالف للمفرط في الرطوبة والله أعلم.
3
[aphorism]
قال أبقراط: الامتناع من الطعام في اختلاف الدم المزمن رديء وهو مع الحمى أردى.
[commentary]
الشرح: هاهنا ثلثة مباحث.
البحث الأول:
في الصلة وهي أنه ذكر في الفصل الماضي حالة مذمومة منذرة بمرض في بدن صحيح وفي هذا الفصل ذكر حالة مذمومة منذرة بأمر رديء في بدن مريض. فإن الحالات المنذرة بحسب هذه القسمة تنقسم إلى أربعة أقسام وهي هذه الثلثة وأخرى قباله بهذه (48) الثلثة، وهي (49) حالة جيدة منذرة بأمر جيد في بدن صحيح. ولما كان ذكر هذا ليس فيه فائدة طبية ترك ذكره وابتداء بالأول لأنه أفضل لكونه منذرا بحالة صحية. ثم ذكر الثاني لأنه دونه في الفضيلة لأنه في بدن صحيح منمذر بحالة مرضية. ثم الثالث لأنه دون الثاني في الفضيلة لأنه في بدن مريض منذر بالرداءة.
البحث الثاني:
في (50) المراد باختلاف الدم إسهاله. ثم هذا تارة يكون من جهة الكبد وتارة يكون من جهة المعاء والكل إذا حصل، حصل (51) معه ذهاب شهوة الطعام وهو رديء لا سيما متى كان مع ذلك حمى. أما الكبدي فهو أن الكبد إذا كان بها أفة PageVW1P155B عظيمة من سوء مزاج حار مذيب يجوهرها بحيث أنه يجعله صديدا أو يستمر سيلانه إلى جهة المعاء وأسافل المعدة. فإنه متى حصل منه ذلك بطلت الشهوة لوجوه ثلثة (52) PageVW5P279A أحدها لضعف القوة بسبب خروج الدم واشتغال الكبد بمقاومة أفتها عن أن تحدث شيئا من الكيلوس لتيحله دما وتغتذي به الأعضاء. وثانيها أن شهوة المعدة ثورانها وانتهاضها إنما يحصل عند خلو ما فيها، وذلك يكون بجذب الكبد كذلك (53) والجذب قد وقف لما قلنا. وثالثها أن المعدة تشارك المعاء في أفتها وأذيبتها بما هو منصب إليها من ذلك الصديد. وإذا كان كذلك فيكون ذهاب الشهوة في هذا المرض رديئا من حيث هو علامة ومن حيث هو سبب. أما من حيث هو علامة فلما ذكرنا وأما من حيث هو سبب فإنه يتبعه قلة الغذاء الوارد إلى الأعضاء أو عدمه، وذلك موجب لضعف القوة الموجب لتمكن المؤدي الموجب لفرط الإسهال. وأما المعوي فهو إذا حصل في المعاء سحج وهو المعروف «بالدوسنطاريا (54)» المعوية وآل أمره إلى اختلاف الدم، فإنه يدل على أن القرحة قد تعمقت في جرم المعاء، وعند ذلك تتأدي الأفة إلى المعدة إذا تطاول أمرها ويعرض لها بسبب ذلك سوء استمراء ثم امتناع أخذ الطعام وهو المراد به ذهاب الشهوة. وقوله المزمن أي الذي قد طالت مدته وشرط ذلك لأنه متى لم يطل زمانه لم يكن الامتناع من الطعام بذلك الرديء لدلالته على بقاء الرطوبات الأصلية والقوى البدنية.
البحث الثالث:
قوله «وهو مع الحمى أردى». يجوز أن يكون هو عائد إلى الامتناع من الطعام لأن الامتناع من الطعام مع اختلاف الدم رديء وهو مع الحمى أردى بدلالته على قوة الحمى وتوفر مادتها واشتغال الطبيعة بمقاومتها. ويجوز أن يكون عائد إلى الاختلاف لأن الاختلاف مع الحمى أردى من الامتناع من الطعام مع اختلاف الدم لدلالته على ورم الباطن أو على فرط سوء مزاج وفرط فساد المادة الموجبة للاختلاف. وأيضا فإن الحمى يلزمها التحلل، وزيادة التحلل مع قروح (55) الدم وعدم الغذاء لا شك أنه رديء. فإن كان مع المجموع حمى كان أردى والمجموع أولى لأنه ظاهر كلام أبقراط. فإن إسهال الدم إذا قارنه ذهاب الشهوة وحمى كان ذلك أردى مما إذا (56) كان خاليا من الحمى لزيادة الحمى نقصان أو عدم اغتذاء الأعضاء PageVW5P279B بما عساه أن يتصل (57) إليها من الغذاء. فإن كان سببها ورما كان ذلك أبلغ في الرداءة. قال ابن ابي صادق «وأحسب أن أبقراط عنى بقوله الامتناع من الطعام في اختلاف الدم رديء الاختلاف السحجي (58)، وبقوله «وهو مع حمى أردى» الاختلاف الكبدي لدلالة الأول على تمكن أفة المعاء ووصولها إلى المعدة، والثاني على استيلاء سوء المزاج المرتب (59) واستحالة الدم إلى الصديدية. فنقول هذا حق غير أن أبقراط ما (60) فصل الاختلاف وقسمه إلى ما ذكره بل قال اختلاف الدم مطلقا وجعل الضمير في الحمى عائدا إليه والله أعلم.
4.
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من القروح يتناثر (61) ويتساقط ما حوله من الشعر فهو خبيث.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان.
البحث الأول:
في الصلة وذلك من جهين. أحدهما أن المادة الغذائية تارة تكون أذيتها للبدن من جهة كميتها، وهي أن تقل أو تكثر (62). وتارة تكون من جهة كيفيتها وهي أن تفسد وتخرج عن مزاجها الصالحة به (63) للتغذية. والفصل الأول لما ذكر فيه الضرر الحاصل منها من جهة كميتها وهي قلتها ذكر في هذا الفصل الضرر الحاصل من جهة كيفيتها. وثانيهما أنه لما تكلم (64) في الفصل الماضي فيما (65) يدل على رداءة القرحة الباطنة وهي (66) ذهاب الشهوة الدال على رذالة (67) سحج المعاء وتمكنه بحيث أن أفته وصلت إلى المعدة حتى أوجبت ذلك ذكر في هذا الفصل ما يدل على رداءة القرحة الظاهرة وخبث مادتها، وهو انتثار ما حولها من الشعر.
البحث الثاني:
الشعر له سبب مادي وصوري وفاعلي وغابي. فالمادي الأبخرة المتصاعدة من المادة الغذائية فإن كثرته وقلته بكثرتها وقلتها بشرط صلاحيتها لذلك ولذلك صار يتساقط في حال المرض لا سيما الطويل المدة لانقطاع مدده ويقل في أبدان الناقهين لنقصان مادته ويكثر فيمن حاله بضد ذلك. لكن هذا بشرط اعتدال محله الذي هو الجلد في اللين والصلابة. فإنه متى كان مفرط اللين انطبقت المسام بعد خروج البخار كحال السمكة عند خرقها للماء. فإن الماء ينطبق بعد خرقها له ولذلك صار الشعر يقل في الصبيان. ومتى كان مفرط الصلابة بقيت المسام منفتحة بعد خروج PageVW5P280A البخار منها. فإنها عند ذلك تتحلل وتتلاشي ولذلك صار يقل في أبدان المشايخ. وأما الصوري فهو القوام الخاص واللون الخاص به. وأما الفاعلي فالطبيعة البدنية بالحرارة الغريزية (68). وأما الغابي فمنه عام ومنه خاص: فالعام هو تنقيه البدن من تلك الأبخرة. فإن نسبتها إلى الحرارة الغريزية نسبة فضلات الغذاء إليه. والخاص إما التوقيه وإما الزينة وإما هما معا. وأما التوقيه فكشعر الرأس والأهداب فإن الأول يوقي الرأس من الأفات الواردة عليه. والثاني يوقي العين مما ينحدر إليها من الرأس وما يرد عليها من خارج. وأما هما معا (69) فكما في شعر اللحية فإنه يزين الرجل ويخرج به من هيئة النساء إلا هيئة الرجال ويحصل به الابهة والوقار ويوقي الصدر مما يرد عليه من البرد الخارجي. إذا أعرفت هذا فنعود إلى غرضنا فنقول إذا تناثر ما حول القرحة من الشعر فإنه يدل على خبث المادة المنصبة إليها بحيث إنها خرجت عن صلاحية التغذية للعضو وامدادها للشعر بالبخار الصالح لتوليده ويلزم من ذلك فساد المنبث، أعني المسام أيضا. فلذلك صار يتساقط ويتناثر وهذا كله يدل على رداءة القرحة وخبثها. فإن تساقط مع ذلك ما حولها من الشعر (70) كان (71) أخبث وأردى، فإن وصل ذلك إلى اللحم كان ذلك (72) أيضا أردى والله أعلم (73)."
5.
[aphorism]
قال أبقراط: ينبغي أن يتفقد الأوجاع العارضة في الاضلاع ومقدم الصدر وغير ذلك من سائر الأعضاء عظم إختلافها.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول:
في صلة، وهو أن أبقراط من عادته إذا أثبت حكما في صورة خاصة نقله إلى ما هو أعم منها ولما ذكر في الفصل الماضي ما يعرف به رداءة حال القرحة والأردى بها وهو سقوط ما حولها من الشعر. والا سقوطه نقل هذا الحكم إلى الوجع مطلقا فإنه (74) ينبغي أن يعرف السليم منه وغير السليم وذلك PageVW1P156A من عظم اختلافه أي مقداره في القوة الذي هو العظم وفي الضعف الذي هو الصغر. ومراده هنا بالأوجاع الأمراض والأعراض، فإن القوية من ذلك رديئة والضعيفة سليمة لدلالة الأول على قوة السبب وضعف القوى والثاني على العكس. وابتداء بذكر هذا الحكم PageVW5P280B في الاضلاع ومقدم الصدر لأنه محل لأريس الأعضاء وأشرفها، وهو القلب. ثم قال ولست أقول ذلك فيما ذكرنا بل وفي سائر الأعضاء. وأعلم أن ما ذكره من الحكم في هذا الفصل والذي قبله فإنا ننتفع به في أمر العلاج وفي عاقبة المرض. أما الأول فإنا (75) متى رأينا القرحة يتناثر ما حولها والأوجاع قوية زدنا في قوى الأدوية التي نعالج العضو بها لتقوى على مقاومة السبب الموجب للخروج، ومتى كان الأمر بالخلاف فالمعالجة بالخلاف. وأما أمر العاقبة فأنا متى رأينا حال القرحة كذلك والأوجاع قوية تقدمنا وانذرنا بتلاف؟ العضو الذي القرحة فيه وبهلاك العليل، ومتى كان الأمر بالخلاف فالانذار بالخلاف.
البحث الثاني:
قوله «ينبغي أن تتفقد الأوجاع عظم اختلافها» تارة يقرأ العظم بكسر العين وفتح الظاء وتارة بفتحها وضم الظاء. فإن قرئ الأول، فهم منه مقدار الوجع في قوته وضعفه ويكون مراده بالعظم المقدار. قال جالينوس في شرحه لهذا الفصل كان من عادة الأطباء أن يسموا كل شيء هو أشد وأقوى على طريق الاستعارة أعظم (76). وإن قرئ بالثاني فهم منه مقدار النفع والفائدة من معرفة اختلافها تختلف. فإنها بحسب السبب الموجب لها وبحسب محلها في الأعضاء على ما سنبينه والمعالجة كما تختلف بحسب المفهوم الأول كذلك تختلف بحسب المفهوم الثاني بل اختلافها بالمفهوم الثاني أكثر منه بالمفهوم الأول. مثال ذلك (77) الأول ذات الجنب فإنها متى كانت أعراضها قوية ظاهرة دل ذلك على قوة السبب الموجب لها وضعف القوة وعند ذلك لها معالجة مخصوصة، ومتى كان حالها بالعكس كان لها معالجة أخرى. ومثال الثاني الوجع متى كان في العصب كانت معالجته غير معالجته (78) عند كونه في اللحم وهي غير معالجته عند كونه في الغشاء.
البحث الثالث:
الاطباء قد حصروا أنواع الأوجاع في خمسة عشر نوعا، وهي (79) الحكاك، الخشن، الناخس، الضاغط، الممدد، المفسخ، المكسر، الرخو،، الثاقب، المسلي، الخدري، الضرباني، الثقيل، الاعيائي واللاذع. فالحكاك سببه خلط حريف أو مالح أو سوداء حادة. فإن PageVW5P281A هذه المواد إذا استولت على العضو أكلته وأوجبت فيه الحكاك. والخشن عبارة عن وجع يكون معه اختلاف في سطح العضو وسببه خلط غليظ القوام يابس المزاج. والناخس وجع يحس معه بنخس في العضو ومن خواصه امتداده على العضو لأن هذا الوجع خاص بالاغشية وهي منبسطة على العضو محيطة به وسببه شيء ممدد يفرق اتصاله وذلك إما خلط يمدد الغشاء ويوجب ذلك له وإما ريح يمدده ويفرق اتصاله. والضاغط سببه شيء يزاحم العضو ويضيق عليه مكانه، وذلك إما ريح تكثفه وتحتوي عليه فيصير كأنه مقبوض عليه وإما مادة تضيق عليه مكانه.والممدد سببه الريح أو خلط يمدد العصب والعضل كأنه يجذبه إلى أطرافه (80) والمفسخ سببه شيء يتحلل بين العضلة والغشاء المحلل لها يمدد الغشاء ويبرئه عن جرم العضلة وذلك الشيء إما ريح وهو الأكثري وإما خلط غليظ وهو الأقلي لأن الريح أسهل مداخلة وأسرع نفوذا وتفريقا. والمكسر خاص بالغشاء المحيط بالعظام وذلك لتحليل (81) شيء بين الغشاء والعظم فيمنعه من ملاصقته وملاقاته وذلك إما مادة أو ريح، والمادة هاهنا أقوى في إيجاب ذلك من الريح لأنها معما أنها توجب (82) التفريق المذكور تضغط (83) العظم وتحدث فيها (84) حالة شبيهة بالتكسير وقد يكون سبب هذا الوجع بردا قويا استولى على العظم وكثف الغشاء وأوجب شدة قبضه واحتوايه عليه. والرخو خاص بلحم العضل فإن الأفة متى حصلت في هذا العضو مددته وأوجبت له تفرق الاتصال غير أن التمديد هاهنا يكون (85) أقل منه فيما ذكرنا. وسمي هذا الوجع رخوا لأن محله، أعني اللحم، أرخى من العصب والوثر والغشاء فسمي بذلك المجاز اشتقاقا من محله. والثاقب وجع يحس فيه بشيء ينفذ في جرم العضو مع دوران حتى كأنه يثقب، وسببه مادة غليظة تداخل جرم عضو غليظ (86) الجوهر كمعاء قولون (87) أو ريح تداخله. والثاني أولى بايجاب الوجع المذكور فإنه بطبعة متحرك. والمسلي هو أن يحس فيه بوجع ساكن وسببه ما ذكرنا في العضو المذكور. والمادة الغليظة هي أولى بذلك لأنها بطبعها ساكنة فالوجع الثاقب والمسلي يشتركان في المحل ويختلفان (88) PageVW5P281B في السبب وفي الحركة. والخدري هو أن يحس فيه ينقصان الحس وضعفه وسببه إما من داخل وإما من خارج. والداخل إما سوء مزاج بارد يكثف منافذ الاعصاب ويغلظ جوهر الروح ويمنعه من سرعة النفوذ والشريان أو مادة لزجة تسد منافذ الاعصاب وإما سوداء مضادة لقوى الحس والحركة ويمنعها من النفوذ، والخارج إما من أدوية مخدرة تفعل في الاعصاب وفيما ينفذ فيها ما يفعله سوء المزاج البارد أو مسك (89) السمكة المعروفة بالرعادة. (90) والضرباني له شروط ثلثة: أحدها أن تكون المادة الموجبة له حارة، فإن الباردة سواء كانت مرخية أو مصلبة. فإنها توجب الخدر على ما عرفت. وثانيها أن يكون الورم في عضو حساس فإن الغير حساس لا يشعر بالوجع. وثالثها أن يكون الورم بقرب شريان فإنه يظهر بمزاحمة الورم له ويظهر حركته. والثقيل وجع يحس معه بثقل في العضو الضعيف وكونه ثقيلا تارة يكون من جهة المرض نفسه وتارة يكون من جهة العضو. أما الأول فبميزله (91) الورم الصلب إذا حصل في عضو حساس كفم المعدة فإنه لسوداويته يبطل حسه ولغلظه يهبطه إلى أسفل ويحس معه بثقل. وأما الثاني فإن الأعضاء الغير (92) الحساسة كالكبد والطحال والرئه كل هذا على رأيهم. فإن هذه متى حصل فيها ورم انجذبت إلى أسفل فاتجذبت علائقها. والاعيائي وجع يحس معه بكلال في القوة المحركة للاعضاء وقد عرفت اقسامه في المقالة الثانية من هذا الكتاب. واللاذع وجع يحس معه بلذع في الأعضاء وحرقان وسببه خلط حاد لذاع ماربا (93) عضاء حساسه.
البحث الرابع:
فيما يوجبه الوجع. الوجع يوجب أمورا أربعة: أحدها تحليل القوة وضعفها وذلك لوجهين: أحدهما لتحليل الأرواح بسبب مجادهة الطبيعة للأمر الموذي. وثانيهما لقلة ما يرد على الاعضاء من الغذاء المقوي [L5 156b] للقوى بسبب اشتغال الطبيعة بمقاومة الموذي عن تدبير الغذاء. وثانيها أنه يشغل الطبيعة البدنية عن خواص فعلها حتى أنه يشغلها عن التنفس الذي هو ضروري في PageVW5P282A بقاء الحيوة، ولذلك صار التنفس يتواتر معه لاشتغالها عن استعمال العظم. وثالثها أنه يجذب إلى العضو مواد متوفرة المقدار وذلك من وجهين: أحدهما بسبب قوة الألم على ما دل عليه الاستقراء الطبي وذلك لثوران الحرارة الغريبة الجاذبة للمادة. وثانيهما لاتجاه الطبيعة البدنية إلى جهته. وقد عرفت أن الدم يتجه معها وكذلك الأرواح وكل هذه زائدة في مقدار المادة المائلة إليه. ورابعها اشتغالنا عن استعمال التدبير الواجب في مداواته، ولذلك صرنا نستعمل المخدرات في القولنج لأنها (94) خارجة عن مقتضي مداواته. وأما سبب الألم فقد عرفت أنه تفرق الاتصال وتغير المزاج دفعة أو أحدهما على اختلاف المذاهب. وقد تكملنا في هذا فيما مضى والله أعلم
.6
[aphorism]
قال أبقراط: العلل التي تكون في المثانة والكلى يعسر برؤها في المشايخ.
[commentary]
الشرح: أما صلة هذا بما قبله فهي أنه لما ذكر في الفصل الماضي أن الأوجاع تختلف بحسب عظمها وضعفها ويحسب محلها وسببها كذلك تختلف بحسب وضعها في القرب البعد من مورد الدواء و يحسب الأسنان. أما القرب والبعد فإن العضو الذي هو محل الأفة متى كان بعيدا عن مورد الدواء كانت افته عسرة البرؤ. فإن الدواء المستعمل لمداواتها إذا وصل إلى محلها وصل (95) وقوته ضعيفة لا تفي بمقاومة الأفة وشفائها بسبب أنه يمر بأعضاء كثيرة فيعمل كل واحد منها فيه وهي منافية له فيكون فعلها فيه فعل المنافي فيكسر من قوته ويضعفه وينضاف إلى هذا ما يخالطه من رطوبات الأعضاء المار بها فيغمر قوته ويضعفها. ولذلك يجب أن تكون أدوية البعيد أقوى مما تقتضيه علته. فإن انضاف إلى ذلك (96) البعد أن يكون محل الافة كثير الحركة كانت آفته أعسر برؤا لأن كثرة الحركة تخرج الادوية وتمنعها من طول الملامسة والملاصقة له ويمنع شفتي القرحة من الالتيام والالتصاق ولذلك صارت قرحة الرئه أسر برؤا من قرحة الحجاب وقرحة الحجاب أعسر برؤا من قرحة عضلات الاضلاع لذلك. وإن كان مخرجا للفضلات فإنه بمرورها دائما به تجرد الأدوية وتخرجها عنه وتمنع قروحه PageVW5P282B من الالتحام ولذلك كانت قرحة المعاء عسرة البرئ. فإن كانت الفضلات بورقية لذاعة كانت أكد في ذلك كحال علل الكلى والمثانة. ولذلك ضرب أبقراط المثال بهما فإنه قد اجتمع فيهما البعد وكثرة الحركة ومرور الفضلات وكونها حادة بورقية. فإن كانت هذه العلل حاصلة في سن الشيخوخة كانت أعسر برؤا وذلك لأنه شفاء كل ألم بالقوى البدنية والحرارة الغريزية التي هي التها ولا شك أن قوى المشايخ ضعيفة لأنهم أخذون في التلاشي والانحلال وكذلك حرارتهم الغريزية لكثرة الفضلات في أبدانهم والله أعلم.
7.
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأوجاع التي تعرض في البطن أعلى موضعا فهو أخف وما كان منها ليس كذلك فهو أشد.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أن حكم هذا الفصل كالمقرر والمؤكد لحكم الفصل الماضي (97) وهو اختلاف الأوجاع باختلاف مواضعها واختلاف المداواة كذلك فإن معنى قوله أعلى موضع ليس المراد به الأعالي في الطول في البدن والأسافل ما هو في سفل البدن بل المراد بالأعلى ما كان أعلى إذا استلقى العليل على ظهره. فإن عادة الأطباء أن يعتبروا أوجاع البطن بأن يضجعوا العليل على ظهره ثم يمر الطبيب يده على جوفه فما كان منه ظاهرأ ناتيا فهو أخف لبعد مادته عن الأعضاء الباطنة التي هي أشرف من الظاهرة لتمكننا من مداوته، وما كان منه غائرا فهو أشد لقربه من المعدة والمعاء وبالجملة الأعضاء التي داخل الصفاق، وعلى هذا التقدير الفاصل بين الأعلى والأسفل في العمق هو الغشاء والله أعلم.
8.
[aphorism]
قال أبقراط: ما يعرض من القروح في أبدان المستسقيين ليس يسهل برؤه. (98)
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان
البحث الأول:
في الصلة، فهو (99) أنه يتضمن ذكر بيان اختلاف حال الأوجاع باختلاف الأمزجة بمعنى أنه متى كان مزاجه مزاجا صالحا كانت أمراضه كالقروح الحاصلة فيه أسهل برؤا، ومتى كان فاسدا كانت الأمراض الحاصلة فيه أعسر برؤا لفساد المادة الواصلة إليها. ولذلك صار ما يعرض في بدن المستسقي من القروح أعسر برؤا لوجهين. أما [Y 283a] الأول فلأن المزاج الصالح هو المعد للشفاء والة الطبيعة في افعالها. وأما الثاني فلأن القرحة محتاجة في برؤها الحامها إلى التجفيف وتنشف الرطوبات والمستسقي كثير الرطوبة الغريبة لا الغريزية كرطوبات الصبيان، وذلك لسهل نبات اللحم فيهما ثم الحامها. ولذلك احتجنا في مداواتها ومعالجتها إلى ما يجفف باعتدال ليئلا يبلغ تجفيفه إلى أن يجفف الرطوبات الغريزية. وهذا الدواء هو المسمي عند الأطباء بالمنبت للحم، وفي الحقيقة المنبت هو الطبيعة البدنية بالمزاج المعتدل غير أن هذا هو المزيل للمانع من الأنبات وهو الرطوبات الغريبة وقد عرفتها.
البحث الثاني:
قال الأطباء إذا فرضنا قرحتين متساويتي الرطوبة ثم حصلت الواحدة في بدن (100) شيخ الأخرى في بدن صبى فالحاصلة في بدن الصبى أسهل برؤا من الحاصلة في بدن لأن مناسبة القرحة لبدن الصبى أبلغ منها لبدن الشيخ بسبب رطوبة بدن الصبى ويبس بدن الشيخ . وقد عرفت أن المرض المناسب أقل خطرا من غير المناسب، والذي أقوله لهم أنه على هذا التقدير تكون قرحة الشيخ أسهل برؤا من قرحة الصبى لأن رطوبة الشيخ غريبة ورطوبة الصبى غريزية، فيكون مزاج الشيخ أنسب للقرحة من مزاج الصبى لأن رطوبة القرحة غريبة. فإن قالوا أن رطوبة الصبى عند صيرورة؟ القرحة في بدنه تصير غريبة بالعفونة الحاصلة لها. فنقول وكذلك رطوبة الشيخ عند حصول ذلك له لكن بقي شيء وهو أن رطوبة الشيخ في الأصل غريبة ثم حصلت لها الغرابة بالعفونة. وأما رطوبة الصبى فإنها كانت غريزية ثم حصل لها الغرابة بالعفونة فهي غريبة من وجه واحد وتلك من وجهين. وإذا كان PageVLP157A كذلك فتكون مناسبتها للقرحة أبلغ من مناسبة القرحة لبدن الصبى بل ألحق في أمر القرحتين المفروضتين أن الحاصلة في بدن الصبى صارت أسهل برؤا منها في بدن الشيخ لأن القوى في بدن الشيخ ضعيفة والقوى في بدن الصبى (101) متوفرة لا سيما المتولية لتدبير القرحة وأصلاحها التي هي القوى الطبيعية PageVW5P283B وضعف هذه في بدن الشيخ, وكذلك الحال في الحرارة الغريزية والرطوبة الغريزية. ولذلك لما كان بدن الصبى كذلك في الرطوبة أمر الأطباء أن يكون المجفف المستعمل في بدن الصبى أقل تجفيفا منه في بدن الشيخ خوفا من أن تجفف الرطوبات الغريزية وتولد لحما صلبا منافيا للحمة بخلاف حال قرحة الشيخ. فإن الدواء المستعمل في مداواتها يجب أن يكون أقوى تجفيفا ليبلغ إلى أن تجفف الرطوبات الغريبة المتوفرة في بدنه ولتولد لحما مناسبا للحمه والله أعلم.
9.
[aphorism]
قال أبقراط: البثور العراض لا يكاد يكون معها حكة.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فلأنه يتضمن ذكر اختلاف الحالات باختلاف هيئاتها كالبثور مثلا (102)، فإن العراض منها لا يكاد يكون معها حكة كما يكون في الدقيقة المرؤوسة فإن نتوء ما يخرج من البدن يكون لحدة الخلط الفاعلي له وشدة حرارته فبسبب حدته ولذعه يكون معه حكاك مفرط فتطلب (103) الطبيعة بذلك لأن تفتح المسام وتحلل تلك المادة. وأما إذا أخذ الخارج في الانبساط والاستعراض فإنه يدل على برد مادته وغلظها، ومثل هذه لا يكاد يكون معها حكة ولم يقل «لا يكون معه حكة» لبرد المادة وعدم (104) الحرافة والحدة الموجبة لذلك. وقال «لا يكاد» ولم يقل «لايكون معه حكة»، لأن بعض البثور العراض يكون معها ذلك كالشرى الحادث عن مائية الدم (105) عند غلبانها والله أعلم.
10.
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به صداع أو وجع شديد في رأسه فأنحدر من منخريه أو من أذنيه قيح أو ماء لإن مرضه ينحل بذلك.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان.
البحث الأول:
في الصلة وهي أن هذا الفصل يتضمن ذكر اختلاف الاوجاع باختلاف خلقة الأعضاء في كثرة منافذها وقلتها. فإنه متى كان عضو من الأعضاء كثير المنافذ سهل خروج مادته المرضية منه، وكان مرضه سليما في الأكثر. ومتى كان قليل المنافذ عسر خروج تلك المادة عنه فإن حاله بالعكس. مثال الأول الدماغ، فإن المنافذ الصالحة لخروج فضلاته ثلتة المنخران والأذنان وأعلى الحنك. ومثال الثاني الاعصاب، فإنها ليس لها منافذ محسوسة تخرج منها موادها PageVW5P284A ولذلك صرنا إذا أردنا استفراغ مادة هذين العضوين جعلنا قوى ما يستفرغ من الاعصاب أقوى قوة مما يستفرغ من الدماغ فالمادة الحاصلة إذا أنحدرت من المنخرين أو من الأذنين زال بذلك الألم وإنما ترك ذكر اللهوات لأن مادة ألم الدماغ اندفاعها في الأكثر من المنخرين المذكورين لأن أعظم بطون الدماغ البطن المقدم الذي المنخران مخرج لفضلاته ومع كونه أعظمها هو أقبلها لرطوبة مزاجه وشدة لين قوامه وتخلخل جرمه. فإن كان سبب ذلك ورما أو مادة ذات قوام دفعتها الطبيعة قيحا لأنها لا يمكنها ذلك على الواجب إلا بعد صيرورتها كذلك. وإن كانت مادته مائية، دفعتها أيضا من دنيك المنخرين.
البحث الثاني:
مراده بالصداع والوجع ما كان مزمنا فإن من عادته إذا قال «من كان به كذا وكذا» المراد به من كان به منذ زمان طويل. وأما إذا كان قريب العهد فإنه يقول «من حدث به كذا وكذا» أو «من عرض له كذا» وإن كان ذلك مزمنا فإنه يكون في الغالب ماديا وعند ذلك يحصل منه ما ذكرنا عند نضج مادته ودفع الطبيعة لها. وقوله انحل بذلك مرضه وذلك لزوال سببه وهذا يشعر بأن ذلك الانحلال يكون عقب خروج القيح والماء وهو حق والله أعلم.
11.
[aphorism]
قال أبقراط: أصحاب الوسواس السوداوي وأصحاب البرسام إذا حدث بهم بواسير كان ذلك دليلا محمودا فيهم.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان.
البحث الأول:
في الصلة وذلك من وجهين: أحدهما أنه لما ذكر في الفصل الماضي أن الدماغ يندفع مادته من منافذ قريبة منه، قال في هذا الفصل وقد يدفع العضو مادته في منافذ بعيدة منه كما في هذه الصورة. وأعلم أن هذا الدفع أجود من الأول فإنه يتبعه نقاء العضو الضعيف من مادته المرضية بالكلية بخلاف الأول. فإنه لا بد أن يبقي منه بقية ولو ما يتلطخ منها بمنافذة ولذلك لما كان حال الدفعين كذلك عبر في هذا الموضع بعبارة أجود من عبارة في الدفع الأول. فقال «محمودا فيهم» وقال في الأول «انحل بذلك مرضه» فإن الانحلال يحتمل أن يكون يريد به PageVW5P284B الخفة ونقصان المرض وذلك قد يكون لنقصان المادة لالزوالها بالكلية، وقد يكون لزوالها بالكلية بخلاف قوله محمودا فإنها لفظة دالة على السلامة أكثر من دلالة الأول عليها وثانيها أنه ذكر في الفصل الماضي مرضا من أمراض الدماغ أعقبه السلامة. وفي هذا الفصل ذكر مرضا أخر من أمراضه أعقبه ذلك.
البحث الثاني:
مراده بالوسواس السوداوي على ما ذكره حنين هو تغير الظنون والفكر عن الحالة الطبيعية إلى الفساد وإلى الخوف وهو المعروف بالماليخوليا. والسرسام وهو المسمي باليونانية فرانيطس وهو عبارة عن ورم أحد حجابي الدماغ أو جرمه على ما عرفت ويلزمه اختلاط العقل وقد جاء في بعض النسخ عرض (106) السرسام البرسام وهو خطاء. فإن كلام أبقراط في أمراض الدماغ والبرسام من أمراض الصدر. وأصحاب هذه العلل إذا حدث لهم (107) البواسير انتفعوا به من وجهين. أحدهما من جهة عكس المادة ميلها إلى خلاف الوجع وثانيهما من جهة استفراغ مادتهما. وقوله «كان ذلك دليلا محمودا فيهم» لأن حدوث البواسير ليس هو دليلا محمودا فيمن لم يلزمه ذلك. قال الرازي رحمة الله عليه: «السرسام لا يكون عن الدم الغليظ المستفرغ بالبواسير بل حدوثه في الأكثر عن مواد لطيفة صفراوية أو دم رقيق.» وإذا كان كذلك فكيف يجوز أن يقال أن البواسير نافعة في ذلك؟ قلنا الأمر وإن كان كذلك لكن السرسام يلزمه احتراق المواد بسبب قوة الحرارة فمتى انحدرت هذه المادة إلى أسفل انتفع صاحبه بخروجها، وأيضا فإن تلك المواد وإن كانت لطيفة فإنها تخرج بطريق الاستتباع ومع هذا جميعه. فإن عكس المواد إلى خلاف الجهة نافع جدا منذر بزوال المرض المخالف والله أعلم.
12.
[aphorism]
قال أبقراط: من عولج من بواسير مزمنة حتى يبرأ ولم (108) يترك منها واحد فلا يؤمن عليه أن يحدث به استسقاء أو سل.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أنه لما ذكر في الفصل الماضي البواسير ذكر (109) في هذا الفصل الطريق في معالجتها أن استمر وجودها بصاحب المرض المذكور PageVW5P285A فإن من حصل له المرض المذكور نادر أن لا يستمر به لأن موضعه هو جهة ميل المادة بطبعها بل (110) نقول دم البواسير دم فاسد مائل إلى السوداء (111). فإذا اعتادت الطبيعة لدفعه استراحت الأعضاء الأخر منه (112) وسلمت من أذنيه وقوله مزمنة أي طويلة المدة لأنها متى كانت قريبة العهد بالحدوث لم PageVW1P157B يضر قطع الجميع فمثل هذه البواسير إذا عولجت الواجب أن يترك منها واحد وذلك لأن في قطع كلها حبس المادة المحتاجة الخروج منها وقد عرفت أن هذه المادة فاسدة رديئة الكيفية فمتى احتبست في البدن احدثت احوالا رديئة أكثرها وأشهرها الاستسقاء والسل ولذلك خصصهما أبقراط بالذكر. أما الأول فلأن الدم المذكور إذا حصل له ذلك رجع القهقر إلى الكبد وأفسد مزاجها ثم إنه بعد ذلك إما أن يورمها أو لا يورمها فإن ورمها كان الورم الحاصل منه ورما سوداويا فيحدث الاستسقاء من جهة أنه يضعف هضمها ويمنع القوة المميزة من تمييز المواد بعضها عن بعض فينفذ إلى جهة الأعضاء وهو بهذه الصورة لا شك أنه متى كان كذلك خرج عن الصلاحية لتغذية الأعضاء فيتولد منه الاستسقاء لأن القوى وإن قدرت على تشبيهه لكنها تعجز عن الصاقه فإن هذا القدر حاصل من القوة المغيرة في الاستسقاء وفي البرص بعكس هذا وهو أنه قد (113) حصل فيه الالتصاق ولم يحصل التشبيه. وأما عدمها لأمرين معا فكما في العلة المسماة باليونانية بأطروفيا وبالعربية الهلاس. وإن لم يورمها غمرت حرارتها وطفاتها أو أضعفتها صنيع الحطب الكثير بالنار القليلة لا سيما والمادة العامرة فاسدة. فإن الصالحة إذا أكثر مقدارها فعلت ذلك فضلا عن الفاسدة وحينئذ تفعل ما يفعله الورم في احداث الاستسقاء. وأما إيجاب ذلك للسل فهو أن الكبد إذا قويت عليها ودفعتها عن نفسها فإنها عند ذلك تميل إلى الأعضاء القابلة لها وأقبلها لها الرئه لأنها متخلخلة ودائما الحركة فتقرحها لحدتها وشدة أذيتها (114) نكايتها وتحدث السل. وقد يوجب بوجه أخر وهو أنها ربما مالت إلى الدماغ PageVW5P285B وأوجبت نزلات حادة إلى جهة الرئه وقرحتها و أوقعت في السل والذي علمناه في هذا الفصل أن أستمرار دم البواسير رديء من جهة أنه يوقع في فساد المزاج وتجحف بالقوى ومنعه بالكلية رديء من جهة ما ذكرنا، بل النافع في ذلك ما توسط بين ذلك وهو أن يخلي منها واحد ليسيل منها ما كان معتاد الانصباب إلى الأسافل ولا يجحف بالقوة لقلة مقدار الخارج هذا كله إن كانت البواسير أكثر من واحدة. وإن كانت واحدة وكان مزمنا فينبغي أن ينظر في الدم الخارج منه فإن كان كثير المقدار بحيث أن يخاف منه أن يجحف بالقوة. فالواجب قطعها لكن بعد تنقية البدن من المادة السوداوية ثم إصلاح مزاج الكبد وإن لم يكن الخارج منها كثيرا فلا يجب الخارج منه إلى في النادر إذا كانت البواسير مزمنة إن يكون واحدا لأن المادة السوداوية إذا اعتادت الميل إلى جهة السفل فلما تخرج من موضع واحد بحيث أنها توجب باسورا واحدا. ولما كان كلام الإمام في البواسير المزمنة قال «من عولج من بواسير» ولم يقل «من باسور» ثم قال يترك منها واحد لأنها متى كذلك نادر أن تكون واحدا وقد علمت أن قوانين الطب أكثرية والله أعلم.
13.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا اعترى انسان (115) فواق وحدث به عطاس سكن فواقه.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أن الفصل لما كان يتضمن ذكر حدوث مرض منذر بزوال مرض هو حدوث البواسير لمن به وسواس سوداوي أو سرسام ذكر في هذا الفصل حصول مرض منذر بزوال مرض كالعطاس بمن به فواق امتلائي. وعلى هذا كان من الواجب أن يكون هذا الفصل لاحقا بالماضي غير أنه لما ذكر البواسير احتاج أن يذكر معالجتها وتدبيبها على ما عرفته. ومراده بالفواق هنا (116) الامتلائي لوجهين. أحدهما أن الاستفراغي يضره العطاس لأنه يزيد في (117)سببه وهو التحليل. وثانيهما قوله اعترى إنما يحسن أن يقال فيمن (118) كان حدوثه دفعة. وأما ما كان حدوثه قليل قليلا فلا يقال فيه، ومراده بالعطاس هنا الكثير الملح ولذلك قال حدث بصاحبه PageVW5P286A عطاس لأنه إذا عطس (119) مرة أو مرتين لا يقال له ذلك بل يقال له عطس. ومثل هذا لا يقوى على إخراج مادة للفواق (120) المذكور ووجه إخراج الحركة لمادة هذا المرض هو أنها بزعزعتها تخرج منها بالعضو (121)، وعند ذلك تقوى الطبيعة على تحليلها وإخراجها من جرم المعدة والله أعلم.
14.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان بانسان (122) استسقاء فجرى منه الماء (123) في عروقه إلى بطنه كان بذلك انقضاء مرضه.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان
البحث الأول:
في الصلة وهي أن الإمام لما ذكر في الفصول الماضية أن من الأمراض ما ينتقض موادها من منافذ طبيعية كخروج مادة الصداع وأوجاع الرأس من المنخرين والاذنين ومنها ما تندفع موادها في منافذ غير طبيعية كخروج مادة الوسواس والسرسام بالبواسير ذكر في هذا الفصل أن من الأمراض (124) قسما ثالثا وهو منها (125) ما تندفع موادها في منافذ طبيعية من وجه وغير طبيعية من وجه كالعروق التي تخرج منها مادة الاستسقاء فإنها طبيعية من حيث هي منافذ للمواد وغير طبيعية لخروج المائية منها لأنها إنما أعدت لنفوذ الغذاء. وأما المائية فإن لها منافذ مخصوصة وهي التي بين الكبد والكلى وبين الكلى والمثانة والإحليل بخلاف الأذنين والمنخرين فإنهما مجريان بالطبع لفضلات الدماغ. وكان من الواجب على ما ذكرنا أن يذكر هذا الفصل بعد قوله أصحاب الوسواس السوداوي والسرسام (126) غير أنه قدم عليه ما قدمه لما عرفته ومع هذا فذكره عقيب فصل مناسب له فإن المتقدم يتضمن ذكر كون الشيء إذا أزيل سببه زال. وهذا يتضمن ذكر ذلك أيضا فإن المائية إذا أخرجت زال الاستسقاء.
البحث الثاني:
قد عرفت الاستسقاء وأصنافه ومراده هاهنا (127) به اللحمي والزقي لأنهما الذين تخرج فيهما رطوبة. فإذا أخرجت تلك الرطوبة حتى نقي البدن منها زال ذلك المرض (128) حقيقة. وبيان كيفية خروج تلك المادة في العروق أما في (129) اللحمي فهي إذا قويت الطبيعة على ذوبان تلك الرطوبة وتحليلها أخرجت الرطوبات التي عند الأعضاء في العروق إلى أن تصل إلى الكبد وحينئذ إما أن تدفعها إلى جهة مجذبها PageVW5P286B أو مقعرها، فإن كان الأول مالت إلى جهة المثانة ثم إلى خارج والمثانة يجوز تسميتها البطن. وإن كان الثاني خرجت من الماء سريقا إلى المعاء ثم إلى خارج. والمعاء يسمي بالبطن الأسفل. وأما الزقي فقد ذكر ابن أبي صادق في كيفية خروج مادته ثلثة أوجه. أحدها أن الطبيعة إذا قويت على دفع المائية عن الفضاء إلى مجذب الكبد ثم منها (130) إلى البربخين ثم منها (131) إلى الحالبين ثم منها إلى خارج، ويكون مراد أبقراط بالعروق المجاري والبطن جوف المثانة ولا شك أن حصول ذلك به يكون انقضاء مرضه. وهذا وجه ضعيف جدا لأنه كيف يتصور أن المائية تخرج إلى الفضاء المذكور وتدخل في النقب الذي خرجت منه في العروق ثم ينفذ منه إلا الكبد ثم يخرج منها إلى مجاري الكلى والمثانة إلى القضيب. وثانيها أن يفهم من العروق، العروق التي في حدبة الكبد لأن PageVW1P158A المائية إذا خرجت فيها وهي صائرة إلى بطن الكلى وفضاء المثانة لا محالة، وهذا هو الأول وفيه ما فيه، وثالثها أن المائية متى دفعتها الطبيعة من البطن في العروق التي في مقعر الكبد إلى العروق المعروفة بالماساريقى ومنها إلى جوف المعاء كان بذلك انقضاء المرض. وهذا أيضا ضعيف لما قلناه والحق عندي أن مراد ابقراط بالاستسقاء هنا اللحمي فقط. فإن مادة هذا إذا قويت الطبيعة على تحليلها أخرجتها في العروق المتصلة بالكبد ثم إلى المعاء ثم إلى المثانة كما تخرج الأدوية المسهلة للمواد المراد استفراغها والله أعلم.
15.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان بانسان اختلاف قد طال فحدث به قىء من تلقاء نفسه انقطع بذلك اختلافه.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلثة
البحث الأول:
في الصلة وهي أن هذا الفصل يشتمل على ما أشتمل عليه الفصل الماضي فإنه تضمن (132) ذكر مرض ينقضي بخروج مادته في منفض طبيعي من وجه وغير طبيعي من وجه. فإن المري والمعدة كل واحد منهما منفذ طبيعي لمادة لكن لا للمواد الفضلية إلى فوق، بل للغذاء إلى الأسفل. فلما شارك الماضي في هذا القدر استحق أن يجعله بعده (133). فإن قيل فإذا كان هذا يشتمل على ما اشتمل عليه الماضي فليس تقديم PageVW5P287A الماضي عليه بأولى من العكس. فنقول تأخر هذا الذي نحن في شرحه أولى لأنه قد ذكر بعده فصولا تتضمن ذكر الاختلاف والأول، وإن كان فيه اختلاف على تقدير اندفاع مادة هذا الاستسقاء المشار إليه إلى جهة المعاء لكن ليس هو اختلاف براز بل مائية. ومع ذلك فإن أكثر اندفاع مادة هذا الاستسقاء بالبول.
البحث الثاني:
في نفع القئ من الإسهال، وذلك من وجهين. أحدهما، لما فيه من الجذب إلى خلاف جهة المرض فإن الجذب على نوعين منه ما يكون معه خروج مادة كالمحاجم التي بالشرط ومنه ما لا يكون معه ذلك (134) كالمحاجم بلا شرط بل بالنار أو بلا نار. فالقئ والإسهال وإن كان فيهما جذب لمادة المرض إلى خلاف جهتها ففيهما إخراج المادة عن البدن ولا شك أن هذا أبلغ من الأول في سلامة العضو العليل من غائلة المادة المرضية لأنه متى كان الجذب فقط بالإسهال لم يؤمن على المادة أن تعاود الانصباب إلى مغيضها الأول لعادتها بذلك ولقبول العضو الضعيف لها. فلذلك خصص كلامه بالقئ لا بالتهوع والغثيان لخلوهما من الاستفراغ. وإن كان فيهما جذب وشرط في الاختلاف طول المدة لأنه متى كان مدته قصيرة ثم حصل لم ينذر بانقطاعه لاحتمال أن يكون ذلك تابعا لكثرة المادة بحيث أنها عمت الجهتين. أما إذا كان قد طال فإنه في الغالب (135) الأمر يكون الرطوبات والأخلاط قد نقصت فلا يبقي منها من الكثرة بحيث أنها تعم الجهتين بل تخص جهة واحدة فقد، وعند ذلك أي الجهتين مالت إليها انقطعت عن الأخرى.
البحث الثالث:
قوله من تلقاء نفسه معناه أن لا يكون صناعيا فإنه رديء لما في الادوية المقيئة من القوى السمية. فإنه قد ثبت أن الأدوية المقيئة أقوى من الأدوية المسهلة (136). ومثل هذه الأدوية تضعف القوة وتزيدها نكاية والقوى في الإسهال المتطاول ضعيفة. فإذا ورد عليها مثل ذلك زادها نكاية وضعفا. فلأجل هذا مدح القئ الطبيعي في الإسهال المزمن وما لا يكون صناعيا، أعني الدفع،فهو PageVW5P287B لأحد أمور ثلثة: إما أن يكون ذلك لكثرة المادة بحيث أن الطبيعة تتخلي عن مسكها وتحركت هي بطبعها كانت حركتها إلى أسفل لثقلها ولأنها اجسام سيالة لا نارية ولا بخارية. وقول الأطباء أن الصفراء متحركة بالطبع إلى جهة العلو قول مجازي معناه أن ليس فيها من الممانعة من الحركة إلى فوق كما في باقي المواد من الممانعة لأنها ألطفها جميعها فإنها لو بلغت من الحقة ما بلغت لكان الشراب الممزوج أخف منها وهو مع ذلك حركته الطبيعية إلى أسفل (137). وإما إن يكون ذلك لحدة المادة وشدة نكايتها للطبيعة ومثل هذا لا يكون (138) معه قئ لأن الطبيعة تكون في هذا ضعيفة لأدية المادة لها عن دفعها إلى خلاف جهة ميلها بطبعها. وإما أن يكون ذلك لقوة القوة البدنية وشدة عنايتها بالعضو الضعيف المعتاد انصباب المادة إليه بحيث أنها تتشمر لدفعها إلى خلاف جهة ميلها المعتاد. وهذا هو المعتاد لأبقراط (139) هنا. ولذلك صار منذرا بانقطاع الإسهال. وإنما قلنا أن هذا مراد أبقراط لأن الإسهال متى أزمن لم يكن حصول القئ معه لكثرة المادة (140) لأن المواد قد نقصت جدا و لا للحدة لأن حدة المواد قد أنكسرت باستمرار المداوات ولأن اللطيف منها الذي هو الحاد يكون قد سبق خروجه والباقي منها ليس يجاد فبقي أن يكون للقسم الثالث وهو المطلوب والله أعلم.
16.
[aphorism]
قال أبقراط: من أتعرته ذات الجنب أو ذات الرئه فحدث به اختلاف فذلك دليل سوء.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلثة
البحث الأول:
في الصلة، وهو أن أبقراط لما بين في الفصل الماضي أن المرض المادي إذا أخرجت مادته من الجهة المقابلة زال ذلك المرض. قال في هذا الفصل ليس ذلك مطلقا بمحمود بل إنما يكون كذلك بعد اعتبار شرطين. أحدهما أن يكون بين العضوين مشاركة. وثانيهما أن يكون ذلك الدفع بعد نضج مادة المرض. PageVW5P288A أما الأول فإنه متى كان من عضو غير مشارك فإنه في غالب الأمر يكون المادة غير مادة المرض لأن مواد الأعضاء الآلمة اندفاعها في الأكثر إلى الأعضاء المشاركة لها. وأما الثاني فإن الطبيعة البدنية في الغالب (141) دفعها المواد الأمراض بعد نضجها لتتهياء لذلك. أما إذا كان قبل ذلك فهو للكثرة. وإذا أثبت ذلك ظهر أنه ليس كلما كان ميل المواد إلى خلاف جهة المرض فهو محمود.
البحث الثاني:
قوله من اعترته ذات الجنب أو ذات الرئه وقد عرفت أنه متى ذكر هذه العبارة يكون المراد منها أن مدلولها حصل دفعة أو كان قريب العهد بالحدوث. فإذا أعرض إسهال في المرضين المذكورين كان رديئا من وجهين. أحدهما أنه يكون من مادة غير مادة المرض وذلك مضعف للقوة. وثانيهما أن الاختلاف متى حصل في مادي المرضين المذكورين ولم يكن بسبب خطأ العليل في تدبيره فهو لعظم الافة بحيث أنها شاركت الكبد وتأدي الالم إليها إذا كانت الافة عظيمة في الكبد، فإنها تشارك آلات التنفس وتحدث السعال وضيق النفس فالحاصل أن الاشتراك في العلل إنما يكون إذا كانت الأفة عظيمة. وأما إذا كانت ضعيفة فلا تتأدي الأفة إلى العضو الأخر فلا يحصل فيه ضرر. وإذا حصل للكبد من الألم للألات التنفس ذلك ضعفت عن جذب الغذاء وتوليد الدم. ولا شك أنه عند ذلك يحصل الاختلاف لا سيما إذا اتصلت الأفة بالمعدة.
البحث الثالث:
قوله فحدث به يريد أن حدوث الاختلاف كان عقيب حدوث ذات الجنب وذات الرئه. فإن الفاء للتعقيب والغرض أن ذات الجنب PageVW1P158B وذات الرئه كانتا قريبتي العهد بالحدوث، فيكون الإسهال حاصلا قبل النضج فيكون دليل سوء لدلالته على أنه حاصل من غير مادة المرض، وكل إسهال فهو مضعف للقوة على ما عرفته وستعرفه، ومتى ضعفت القوة في المرضين المذكورين عجزت عن نضج مادتها، ومتى تأخر النضج فيهما تأدي القلب أدية عظيمة لقرب الأفة منه, وذلك رديء جدا وإلا فمادة ذات الجنب إذا نضجت وكمل نضجها فإن الطبيعة تدفعها في بعض الأوقات إلا الكبد فتخرج إما بالأسهال أو بالبول (142) وقد شاهدت ذلك مرارا، وطريق دفعها من الرئه PageVW5P288B إذا مالت إلى جهة الرئه (143) من الوريد الشرياني إلى جهة الكبد ثم يخرج منها في أحد السبيلين. وذلك بحسب استعدادها وقوة أحد جانبي الكبد. وإن لم تميل إلى الرئه ودفعتها في الأوردة المتصلة بالحجاب أو في العرق العظيم الصاعد إلى الصلب ثم من ذلك إلى الكبد على ما قلناه وكذلك مادة ذات الرئه إذا أنضجتها الطبيعة ودفعتها إما بالسعال وإما إلى جهة الكبد في الوريد الشرياني والله أعلم.
17
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان بانسان رمد فاعتراه اختلاف فذلك دليل محمود.
[commentary]
الشرح: هذا الفصل له صلة بالذي قبله وبالذي قبل ذلك. أما الذي قبله فهو كالمؤكد والمقرر له وذلك من وجهين. أحدهما أنه ربما أن قائلا استبعد مشاركة الجنب والرئه للمعاء لا البعد بينهما. قال في هذا الفصل «هذا الاستبعاد ليس بصحيح» (144) فإن الاستقراء الطبي قد شهد بنفع الإسهال إذا حصل بعد حدوث الرمد والعين أشد بعدا من ذات الجنب والرئه للمعاء فقاس الباطن على الظاهر وهذا حق. فإن الظاهر أعرف من الباطن. وثانيهما أنا قد بينا أن الإسهال إنما ذمه أبقراط في ذات الجنب وذات الرئه إذا كان حصوله قبل نضيج (145) مادتهما. وأما إذا حصل بعد ذلك فهو محمود على ما عرفت. قال والدليل على هذا نفع الإسهال في الرمد بعد نضح مادته، فإن قوله إذا كان بانسان رمد هذه العبارة من عادته أن لا يطلقها إلا إذا كان الشيء بعيد العهد بالحدوث، وفي ذلك الوقت يكون المادة قد نضجت وفي الحقيقة المادة المحتبسة في العضو الذي قد استقرت فيه يستحيل خروجها بالإسهال لأنها لا يقوي الدواء المسهل على إخراجها والطبيعة لا يتمكن منه، وإن أخرجتها ربما أعقبها ضرر لأنها ببورقتيها تجرد المعاء وتوجب فيها سحجا ولذلك منع الأطباء من أن يتعرض للإسهال في الجدري بعد السابع لأنه في هذا الوقت إن كانت عاقبته سليمة تكون مادته قد اندفعت إلى الظاهر بالتمام والكمال وقاحت بل إخراج المادة المشار إليها يكون بالأدوية الموضوعة عليه. ويكون معنى PageVW5P289A قولنا هذا هو أن عند نضج المواد المذكورة تكون المواد البدنية قد سكنت عن حركتها وهدأت وانكسرت سورتها، فإنها عند ذلك تتهيئا للاندفاع والخروج عن البدن وأيضا فإن الطبيعة تتمكن من دفعها لفراغها من الاشتغال بتوليد القيح، ولذلك كان الاختلاف المذكور في الرمد محمودا. وأما اتصاله بما قبل ذلك فلأن ذلك الفصل يتضمن ذكر الاستفراغ الطوعي وهذا أيضا كذلك بدليل قوله فاعتراه اختلاف أي حصل له اختلاف من تلقاء نفسه والله أعلم.
18.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث في المثانة خرق أو في الدماغ أو في القلب أو في الكلى أو في بعض الأمعاء الدقاق أو في المعدة أو في الكبد فذلك قتال.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث أربعة
البحث الأول:
في الصلة، وهي أن أبقراط لما ذكر ذات الجنب وذات الرئه والرمد وكل هذه يحصل فيها تفرق الاتصال أراد أن يبين لنا في هذا الفصل الأعضاء التي إذا حصل فيها تفرق الاتصال كان قتالا لأنه لا يلتحم أصلا وتفرق الاتصال قد يراد به الجراحة وقد يراد به الخرق وقد يراد به القطع. أما الجراحة فترك ذكرها في هذه الأعضاء لأن حكمها في الأحظر والأخطر حكم الخرق فإن الجراحة متى كانت نافذة إلى الجهة الأخرى سميت خرقا. وأما القطع فسنذكره في الفصل الذي بعد هذا ولفظة القتال قد تطلق على ما يقتل كثيرا وقد تطلق على ما يقتل دائما. فإن عنى به المعنى الأول كان صحيحا فإن الأعضاء المذكورة ماعدا القلب لا يقتل خرقها إلا إذا كان عظيما جدا وإلا فمتى كان صغيرا امكن برؤه. وإن عنى به الثاني لم يصح ذلك إلا في القلب فإن جراحته أو خرقه لا يرجا معه حياة البتة سوى كان عظيما أو صغيرا. ولذلك قيل أن ورمه لا يقيح ولما كان حال الأعضاء المذكورة كذلك أطلق لفظة القتل إطلاقا مهملا من غير أن يعين أن ذلك أكثريا أو دائما والله أعلم.
البحث الثاني:
إنما ابتداء بذكر المثانة لوجهين. أحدهما أن كلامه في الفصل الماضي كان قد انتهى في الإسهال وهو من أسافل الأعضاء. ثم لما كان غرضه أن يبين لنا PageVW5P289B أن الاعضاء التي إذا تفرق اتصالها لم تلتحم ابتداء بذكر العضو الذي هو كذلك من هذه الجهة وهي المثانة. وثانيهما أن موانع الحامها كثيرة جدا على ما ستعرفه بحيث أنها أكثر من موانع الحام غيرها من الأعضاء المشاركة لها في ذلك الحكم. ثم ذكر ما يقابلها في الجهة وهو الدماغ. ثم ذكر ما توسط بين ذلك وابتداء بالقلب لأنه أشرف الأعضاء وأريسها ليكون الاهتمام بدفع مضاره أبلغ ومعالجة ما حصل له من ذلك أشد والله أعلم.
البحث الثالث:
في بيان علة ما ذكره في كل واحد من الأعضاء المذكورة. أما المثانة فلوجوه عشرة. أحدها عصبية جوهرها فيكون ألمها قويا جدا وذلك مما يعين على جذب المواد، وذلك مانع من الالتحام. وثانيها رقة جوهرها مع ميله إلى الصلابة، وذلك مما يعين على عسر الالتحام، فإنها بسبب الرقة تكون قابلة للخرق. وسبب الصلابة تكون عسرة الالتحام. فإن لين الجوهر مما يعين على ذلك. وثالثها قلة (146) الدم في جرمها، ومنع ذلك من سرعة الالتحام ظاهر. ورابعها مرور المائية بها، فتمنع شفتي العضو من الالتيام ولانضمام. وخامسها تندية المائية لها (147)، ومنع ذلك من سرعة الالتحام ظاهر لأنه مفتقر إلى التجفيف. وسادسها لذع المائية لها عند احتباسها وعند مرورها بها، واللذع جالب للوجع والدفع لما ذكرنا. وسابعها تزكرها بالمائية، فإن ذلك موجب للتمديد, والتمديد مفرق الاتصال غير معين على الاتحام. وثامنها كثرة حركتها للانضمام عند فراغها. والاتساع عند تزكرها. وتاسعها بعد موضعها والدواء لا يصل إليها إلا وقد ضعفت PageVW1P159A قوته لمروره بأعضاء كثيرة ومخالته رطوبات متوفرة. وعاشرها قلة ثبات الأدوية الواصلة إليها لأنها بجرئ لفضلة مستمرة الجريان والسيلان. أما الدماغ فقال جالينوس في ثانية منافع الأعضاء أن فتى أصابه نفث في أحد بطنى دماغه المقدمين فسلم، ولو أصيب فيهما لهلك (148) لا محالة. وقال في شرحه لهذا الفصل «وقد رأيت رجلا PageVW5P290A مرة واحدة في بلاد برقيا في مدينة سوريا في حياة معلمي قاليس أصابه في دماغه جراحة عظيمة غائرة فبرأ منها» إلا أن هذا من الأمور النادرة والعظيمة قاتلة، وذلك لأنها يلزمها تحليل الروح النفساني وتعطيل التنفس لأن المحركة لأعضاء الصدر انبساطا وانقباضا يتعذر عليها النفوذ إلى التهاء. وأما القلب فإن الهلاك يسبق الحام جراحته سواء كانت عظيمة أو صغيرة، وذلك لتبدد الأرواح الحيوانية التي مادة كل روح، وعند ذلك يتعطل حركته الانبساطية والانقباضية اللتان بهما حفظ المزاج الصالح لقبول الحياة، وكل ذلك لضرورة نقصان المحمول لنقصان الحامل فإن القوة الحيوانية حالة في روحها. قال الأطباء والدليل على أن الروح حامل للقوة أن السدة تمنع نفوذ القوى النفسانية والسدة لا تمنع إلا جسما والروح جسم وعندما امتنعت الروح من النفوذ امتنعت القوة من ذلك. وأما الكلى فإن خرقها متعذر الاتحام لوجوه أربعة: أحدها صلابة جوهرها، وثانيها أنها ممر الفضلات، وثالثها أن الفضلات المارة بها حادة لذاعة بورقية، ورابعها لقوة حركتها. وأما المعاء الدقاق فلوجوه أربعة: أحدها لعصبية جوهرها، وثانيها لكثرة ما ينحدر إليها من المعدة من المادة الكيلوسية وتزكرها وتمددها، وثالثها (149) لقربها من عضو رئيس وهو الكبد، ورابعها دوام انصباب الصفر إليها. وقوله «أو في بعض الأمعاء الدقاق» أي أن بعض الأمعاء الدقاق لا يمكن إلحام خرقها البتة سواء كان كبيرا أو صغيرا بخلاف غيره من المعاء الدقاق (150)، وتلك المعاء هي المعروفة بالصائم وذلك لشدة رقة جرمها (151) أو كثرة ما ينصب إليها من الصفراء الصرفة الخالصة. وخصص أبقراط الدقاق بالذكر لأن الغلاظ قد تبرأ خروقها وذلك لغلظ جرمها وكثرة لحميتها وانكسار حدة الصفراء المنصبة إليها وبعدها عن الأعضاء الرئيسة. وأما المعدة فإن كانت جراحتها غائرة (152) جدا لم يمكن إلحامها، PageVW5P290B فإن لم يكن كذلك أمكن إلحامها لكثرة لحمها وتمكن الدواء وثباته فيها وقرب موضعها عن مورده. وأما الكبد فمتى وقع فيها قطع وذهب شيء من جرمها وانخرق عرق عظيم لم يلتحم ذلك القطع لافراط النزف، فإن ذلك يجحف بالقوة (153) ويضعفها. إن حصل القطع في زوائدها فقد يبرأ صاحبها كثيرا وقد تكلمنا في كيفية انحدار هذه القطع إلى المعاء والله أعلم.
19.
[aphorism]
قال أبقراط: متى انقطع عظم أو غضروف أو عصبة أو الموضع الرقيق من اللحي والقلفة لم ينبت ولم يلتحم.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحوث ثلثة.
البحث الأول
في الصلة وهو أنه لما تكلم في الفصل الماضي في حكم من أحكام تفرق الاتصال للأعضاء مطلقا المنوية والدموية ذكر في هذا الفصل حكماء من أحكام تفرق الاتصال للاعضاء المنوية ومنه يعرف حكم تفرق الاتصال الأعضاء الدموية، فلذلك لم يفردها بالذكر ومراده بالقطع ما يعم الانفصال بالكلية وما بقي متصلا بالأصل ببعض أجزائه بدليل قوله «لم ينبت ولم يلتحم» فإن قوله «لم ينبت» عائد إلى الأول، وبقوله لم يلتحم عائد إلى الثاني، لكن قوله «لم يلتحم» لم يصح في القلفة ولا في الموضع المذكور من اللحي، وبالجملة جميع أجزاء الجلد فإنه متى انقطع منه قطعه ولم ينفصل إذا أعيدت إلى موضعها في الوقت والتصقت بما انفصلت منه وربطت فإنها تلتصق ومع ذلك فإن الحكم المذكور لا يصح في الأعضاء الصلبة إلا في سن الصبى. فإن العظام الغضاريف متى انفصلت والقى أطرافها بعضها إلى بعض فإنها تلتحم على ما ستعرفه. وأما فيما عدا ذلك، أعني في غير سن الصبى (154) فإنها إذا انفصلت لم تلتحم لكن الطبيعة تحيط بها شيئا يسمي الرشبد وإذا كان كذلك فحكم أبقراط هاهنا فيما ذكره بحسب الأغلب والاكثر فإن الأسنان التي لا تلتحم تلك الأعضاء فيها عند انفصالها أكثر من الأسنان التي تلتحم فيها والله أعلم.
البحث الثاني:
في ذكر قوله جامع لنوعي الأعضاء منه يعرف الحكم المذكور نقول الأعضاء لها أسباب أربعة: مادي وصوري وفاعلي وغائي. أما الفاعلي فهو القوى الطبيعية بالحرارة PageVW5P291A الغريزية. وأما الغائي فهو المنفعة الخاصة بكل واحد منها. بقي المادي والصوري غير أن فيضان الصوري من الفاعلي على المادة بحسب استعدادها وقبولها والمادة المتكونة منها الأعضاء مادتان المنى والدم على المذهب الحق وعلى غير هو باقي الأخلاط، فالأعضاء على نوعين منوية ودموية. ثم المنوية منها ما يتكون من المنى بغير واسطة ومنها ما يتكون منه بواسطة، والأول كالعظام والغضاريف والرباط والأعصاب والأوردة والشرايين. والثاني كالأغشية والأوتار فإنها متكونة من العصب والرباط على ما عرف التشريح والدموية. أما إن يكون من دم قريب الاستحالة إلى المنوية أو لا فالأول كالأسنان ولذلك أمكن ردها بعد سقوطها في السابوع الأول. والثاني إما أن يكون من متين الدم أو (155) من لطيفه، فإن كان الأول فهو كاللحم الأحمر، والثاني إما أن يكون من دسمه أو مما هو الغالب عليه المائية، فإن ك ان الأول فهو كالسمين الشحم، والثاني كاللحوم الغددية، والكائن من الدم والمنى غير أنه لا ينبغي أن يفهم من هذا أن المنى والدم امتزجا حتى صار (156) منهما عضو واحد بل معنى ذلك أن كل واحد منهما يكون منه عضو ذلك العضو صار جزؤا من المجموع كالعضل. فإن فيه عصبا ورباطا وهما منويان ولحما وهو دموي، فهذه الأعضاء المتكونة من المنى والدم، والمراد بالتكون هاهنا الحاصل في أول الخلقة. وأما بعد وجوده فزيادته إنما هي مما يغتدي به من الدم. وهذا القول يدفع به اعتراض يورد على الأعضاء المنوية وهو أن يقال إذا جاز رد عوض ما ذهب من الاعضاء المنوية بالغداء جاز رد عوض ما ذهب منها بالتفرق بالغذاء. فنقول الذاهب من العضاء المنوية بالتحليل ليس هو جزؤا من الأصل بل هو من الأجزاء الدموية الزائدة فيه والدم موجود في البدن والذاهب بالتفرق قطعه من الأصل ومادة الأصل ليست موجودة هناك. وإن كانت موجودة في البدن لكن وجودها فيه على سبيل إنها فضلة مستغني عنها محتاج إلى قدفها وخروجها. فإن قيل فلم لا يقال أن طبيعة العضو المنوي الذاهب PageVW5P291B منه القطعة تحيل ما يصل إليه من الدم إلى المنى ثم يكون منها عوض ما قد ذهب. فنقول في محل توليد المنى خلاف قد عرفته فعلى قول من جعله متولدا في كل عضو تكون طبيعة العضو المتغرق عاجزة عن إحالة [L5 159b] الدم الواصل إليه إلى الصورة المنوية ثم منه إلى العضوية بسبب مانا لها من ألم التفرق. وعلى قول من جعله متولدا في الأنثيين لا يجوز إعادته البتة فإن البدن الذاهب منه إن كان فيه منى فهو فضلة فيه محتاج (157) إلى قذفها ودفعها. وفي هذا الباب تفصيل أخر سنذكره.
البحث الثالث:
في ذكر ذلك التفصيل نقول التفرق الواقع بالأعضاء تارة يكون بين أجزائها وتارة في نفس أجزائها. فإن كان الأول فإنه يمكن عوده في كل سن وهو أن تضم أجزاء العضو بعضها إلى بعض وتربط، فإنها تلتصق وتعود إلى ما كانت ومثل هذا النوع لا يقال له في الحقيقة تفرق بل تباعد وإن كان الثاني (158) المسمي بالحقيقة تفرقا فهو إما أن يكون في الأعضاء الدموية إو في الأعضاء المنوية. فإن كان الأول فهذه الأعضاء منها ما يسهل التحامها ومنها ما يتعذر. أما الأول فكاللحم والشحم (159) فإن هذه متى حصل فيها تفرق التحم بسرعة للين قوامها ولوجود مادتهما ولسكونهما ولأنهما ليسا بمجريين. فإن هذه مما تعين على إلحام التفرق ومقابلاتها تمنع منه لكن يجب أن تعلم أن اللحم الأحمر أسهل التحاما من الشحم والسمين ومعظم اللحم الغددي وذلك لكثرة مائية هذه الأعضاء والمتعذر الحامه كالرئه. وقد اختلف الأطباء في تعليل ذلك فقال قوم «وذلك لدوام حركتها». فإن الالتحام متفقر إلى السكون. وأعلم أن هذا الدليل لا يكفي في ذلك فإنه ينتقض على قائله بقرحة الصدر، فإنها تلتحم أسرع من التحام تفرق الرئه وهو مع ذلك دائم الحركة. والحق أن يقال (160) إنما كان حال تفرق الاتصال للرئه كذلك لوجوه سبعة بعد موضعها ودوام حركتها وسخافة جرمها ورقة دمها وسعة عروقها وغضروفيتها وإنها يجري. وإن كان الثاني فهو أن يكون التفرق المذكور واقعا في الأعضاء المنوية فهذه PageVW5P292A الأعضاء منها ساكنة ومنها متحركة ومنها حساسة ومنها غير حساسة ومنها مجري ومنها مجوفة ومنها غير مجوفة فما كان منها ساكنا وليس بمجري ولا حساس على مذهبهم أو قليلة على مذهبي يسهل التحامه ولذلك لما كانت العظام كذلك كانت أسهل التحاما من غيرها من الأعضاء المنوية. وإن كان تفرقها في سن الصبى اتصلت اتصالا حقيقيا لا سيما متى كان العظم صغيرا ووقع التفرق في شعبة صغيرة منه. وأما متى كان التفرق في غير سن الصبى سواء كان حصوله في عظام صغيرة أو كبيرة فإنها لا تتصل اتصالا حقيقيا بل تلتصق وتنتسج عليها ما ذكرناه وصار حال ذلك ما ذكرنا في سن الصبى كذلك، وذلك لقرب عهدهم بالكون فيكون قد بقي في أبدانهم بقايا من المادة المنوية ولأن عظامهم لينة قابلة للاتصال ولأجل هذا كلما قرب الصبى من الكون كان أبلغ في ذلك وبعد العظام في سهولة (161) الالتحام الغضاريف، فإنها وإن كانت عديمة الحس على رأيهم أو قليلته على رأينا وغير مجوفة غير أنها دائمة الحركة بحركة المفصل التي هي ملتصقة به ثم بعدها الرباط. فإن كان الساكن كذلك في الحس لكنه دون ما ذكرناه في القوام غير أنه مجري فالتحامه يكون أسهل من الغضروف والرباط للين قوامه ولسكونه وذلك كالوريد. ولذلك كانت مرتبة هذا الجوهر في الالتحام قريبة من العظم لا سيما متى كان الوريد صغير المقدار. فإن تجويفه يكون أضيق فيكون الممدد له وهو ما في تجويفه أقل ولأن مونثه على الطبيعة أقل. وإن كان العديم (162) الحس أو القليلة ذو التجويف متحركا فالتحامه أعسر وربما لا يلتحم أصلا، وذلك كالشرايين لا سيما متى كان حاصلا في الكبيرة منها. وأما الحساسة فمنها ساكنة ومنها متحركة ومنها مجري ومنها ليست مجري ومنها ذات تجويف فالساكنة كالأغشيته التي على الكبد الطحال والمجري كعصبة البصر والتي ليست بمجري كباقي الأعصاب والمجوفة كالمثانة والمعاء الدقاق والغلاظ أيضا وقد عرفت PageVW5P292B علة (163) عسر الالتحام في هذه [Y والله أعلم].
20.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا أنصب دم إلى فضاء على خلاف الأمر الطبيعي فلا بد من أن يتقيح.
[commentary]
الفصل إلى نوع آخر من التفرق وهو ما يحدث عو المواد المورمة من استحداثها للفرج. فإن الإعضاء على نوعين صلبة ولينة، فالصلبة كالعظام وفرج هذه ظاهرة للحس واللينة فرجها خفية عن الحس فإذا انصب إليها مادة زاحمة ما حولها من الأعضاء واستحدثت لها فرجا وسكنت فيه. ومراده بالفضاء الفضاء الذي يحدثه الدم المنصب قوله على خلاف الأمر الطبيعي يجب أن يكون نعتا للفضاء أي إذا أنصب دم إلى الفضاء الذي هو غير طبيعي لا بد أن يتقيح ذلك الدم المنصب لأن الدم إذا أنصب إلى فضاء غير طبيعي يتقيح سواء كان الدم (164) طبيعيا أو غير طبيعي. فإذا أنصب الدم إلى فضاء طبيعي لم يتقيح سواء كان طبيعيا أو غير طبيعي (165) كالدوالي. فإن الدم الفاسد متى أنصب إلى فضاء بادرت الطبيعة البدنية إلى إخراجه وهو عند ذلك لا يواتي في الخروج ما لم ينضج ونضجه هو أن الطبيعة تتشبهه بجوهر العضو المنصب إليه وذلك عند صيرورته قيحا لأن شأنها أن تشبه ما يرد على العضو بجوهره وجوهره لونه أبيض فلذلك صار المندفع إلى العضو من المادة الفاسدة يصير قيحا. وعند ذلك يتهيئا للدفع والدم الجيد متى أنصب إلى فضاء غير طبيعي له حصل بينه وبين ذلك الدم منافرة فيفسد لذلك فيروم دفعة. ومتى رامت ذلك لم يواتيها الدم المشار إليه إلا إذا أعتدل قوامه وذلك هو صيرورته قيحا. وقوله «ولا بد أن يتقيح» فيه نظر لأنه قد يصلب وقد يتحلل، فإن مائل كل ورم إلى أحد أمور ثلثة إما جمع أو تحليل أو صلابة إلا أنه إنما ذكر التقيح لأنه أكثر وقوعا ولأن شأن الطبيعة أن تفعل ذلك. وأما التحليل فيحصل له بالعرض وذلك لقوة حرارة محلله، وكذلك التصليب فإنه يحصل إما لامعان الطبيب في استعماله المحللات فتحلل لطيفه المادة ويبقي كثيفها أو استعمال المبردات المجمدة PageVW5P293A فلذلك اعتبر التقيح وترك ذكر التحليل والصلابة لكن أجود المالات جميعها التحليل ثم التقيح وارداها التصليب لأن التحليل يدل على لطف المادة المورمة واستيلاء القوى عليها والحرارة الغريزية والتقيح يدل على اعتدال قوام المادة واستعصائها على الطبيعة البدنية، ولذلك آل أمرها إلى التصليب وضرب المثال في حدوث الورم بالدم (166). وإن كان يحصل ذلك من غير الدم لانه أكثر الأخلاط مقدارا وأشرفها ولأنه قلما ينصب إلى عضو من الأعضاء مادة منفردة عن الدم والله أعلم.
21.
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه جنون فحدث به اتساع العروق PageVW1P160A التي تعرف بالدوالي أو البواسير انحل عنه جنونه.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول:
في الصلة. وهو أنه لما ذكر في الفصل الماضي أن دم إذا أنصب إلى فضاء غير طبيعي فإنه يتقيح ذكر في هذا الفصل ما يقابل ذلك، فإن الدوالي الدم المنصب إليها دم غير طبيعي ومع ذلك فإنه لم يتقيح. وليس لهذا علة سوى أن الفضاء المنصب إليه ذلك الدم فضاء طبيعي وهو الاوردة، فإنها محل الدم وعاؤه وفضاؤه وبينه وبينها سبة بسببها لم يتقيح، وكذلك الحال في انصباب هذا الدم إلى جهة المقعدة فإنه يخرج من أفواه العروق فإن حصل له أمر يحبسه ويمنع من خروجه فإنه يحدث البواسير ثم يخرج منها. فلو كان انصباب ذلك الدم إلى الفضاء غير طبيعي يحصل له ما ذكره أبقراط والله أعلم.
البحث الثاني:
قوله «من أصابه جنون» مراده بالجنون كل اختلاط يحصل للأفعال الدماغية عن مادة سواداوية سواء كانت مورمة له أو غير مورمة. فإن صاحب هذا الألم إذا حصل له أحد هاتين الأمرين المذكورين انتفع بهما وهما إما الدوالي أو البواسير لأن فيهما جذب المادة الممرضة إلى خلاف الجهة. قد عرفت أن الجذب تارة يكون معه استفراغ كالمحاجم بالشرط وتارة يكون خالية منه كالمحاجم بلا شرط. فلما كان الجذب كذلك ذكر في هذا الفصل ذلك فإن الدوالي فيها جذب بلا استفراغ والبواسير جذب مع استفراغ لكن يجب أن تعلم أن هذا الجذب لا ينتفع به إلا إذا كانت المادة في مبادي أحداثها للألم المذكور وإلا بعد PageVW5P293B أن يتمكن في العضو لم ينتفع به لأن المادة يكون قد استقرت في العضو الضعيف فلا يبقي حيله في إخراجها إلا من نفس العضو. وعند هذا إذا حصل شيء مما ذكره أبقراط فحصوله إنما يكون للكثرة لا لدفع الطبيعة. ولما كان الحال كذلك قال «من أصابه جنون» أي من كان قريب العهد لحدوثه ولم يقل من كان به جنون فإن قوله من كان به ذلك يفهم منه أن الجنون كان به من مدة زمانية. ومثل هذا لا ينتفع بما ذكره لما قلنا وإن كان ينتفع به كان الانتفاع قليلا بخلاف ما إذا كان الحادث قريب العهد. فإن الانتفاع بحدوث ما ذكره يكون أسرع وأكثر. ثم قال فحدث به والفاء للتعقيب أي مع كون الجنون يكون قريب العهد بالحدوث يكون حدوث الدوالي عقيب حدوثه والله أعلم.
البحث الثالث:
في معنى الدوالي. الدوالي هي اتساع عروق الساقين لكثرة ما ينزل إليها من الدم وأكثره سوداوي. وقد يكون دما غليظا بلغميا. وكيف كان يكون خاليا من العفونة وإلا لما سلمت الرجل من التقرح وأكثر عروضه للرجال المشاة والحمالين والقوامين بين يدي الملوك وأكثر عروضها بعد أمراض سوادوية لدفع الطبيعة مادتها إلى هناك والمستعدين لها والله أعلم.
البحث الرابع:
في البواسير، وهي زوائد تنبت على طرف المقعدة وسببها مواد سوداوية (167) وهي تنقسم إلى ظاهرة وباطنة، وكل منهما ينقسم إلى ثلثة أقسام: ثالولية وعنبية وتوتية. فالثالولية شبيهة بالثاليل الصفار والعنبية عريضة مدورة الرأس أرجوانية اللون. والتوتية رخوة دموية. والباطنة أردى من الظاهرة وخصوصا التي تلى أصل القضيب، فإنها ربما زاحمت البول في خروجه. وكل واحد من هذه ينقسم قسمين: مفتحة وعمى. فالأولى هي التي يسيل منها دائما والثانية لا يسيل منها شيء بل تكون متزكرة ممتلئية، وهذه ألمها أشد من ألم الأولى. وأعلم أن هذه العلل لعسرة البرؤ بل وجميع علل المقعدة، وذلك لوجوه أربعة: أحدها أنها ممر الفضلات، وثانيها أن قوى أدويتها تكون معكوسة نافذة من تحت إلى PageVW5P294A فوق، وثالثها أنها شديدة الحس، ورابعها أن وضعها في أسفل البدن، فإنه هو أحد أسباب ميلان المادة والله أعلم.
22.
[aphorism]
قال أبقراط: الأوجاع التي تنحدر من الظهر إلى المرفقين يحلها فصد العروق.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلثة
البحث الأول
في الصلة وهي أنه قد عرفت أن الأفعال الطبية يحذى بها حذو الافعال الطبيعية (168)، ولما مر في الفصل الماضي أن الدوالي والبواسير تحلان الجنون علمنا من ذلك أنا لو فعلنا ذلك بالصناعة وهو أن يحجم الساقين أو نفتح أفواه عروق المقعدة نجذب المواد الفاسدة عن الرأس لنفع أيضا منفعة بالغة وبالجملة كنفع الدفع الطبيعي ولذلك عبر عن نفع الجذب الصناعي بما عبر عن نفع الطبيعي. فقال يحلها فصد العروق كما قال في الفصل الماضي انحل عنه جنونه والله أعلم.
البحث الثاني:
قوله الأوجاع المراد بها مواد الأوجاع. فإن أبقراط لا فرق عنده بين الوجع والألم والمرض، وكثيرا ما يطلق لفظة المرض على مادته كما قال في ثانية هذا الكتاب البقايا التي تبقي من الأمراض بعد البحران، أي من مواد الأمراض، وغير ذلك في فصول شتي. فالأوجاع التي تنحدر من الظهر أي من أعلى الظهر، وهو ما بين الكتفين أو من الرقبة إلى المرفقين، تخرج مواد هذه الأمراض من فصد العروق، وذلك لأنه قد عرف أن قانون الجذب مخالف لقانون الاستفراغ. فإن الجذب ينبغي أن يكون من جهة المخالفة والاستفراغ من الجهة المائلة إليها المادة. وذلك كما قال أبقراط في أولة هذا الكتاب الأشياء التي تنبغي أن تستفرغ تجب أن تستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل بالأعضاء التي تصلح لاستفراغها، لكن المادة المائلة من الظهر إلى المرفقين ينبغي لنا أن ننظر إلى أحوال جملة البدن، فإن كانت علامة الامتلاء ظاهرة جعلنا إخراج المادة المنحدرة من اليد الأخرى المقابلة، وهو أن يفصد أحد عروقها ويخرج من الدم إلى حين يحصل الخفة والراحة. وإن لم يكن علامة الامتلاء ظاهرة فصد اليد التي المادة منحدرة إليها أو اليد الأخرى والله أعلم. PageVW5P294B
البحث الثالث:
قوله تنحدر من الظهر إلى المرفقين. قال جالينوس «المراد به الانحدار على سبيل الانتقال» بمعنى أن المادة انتقلت من الظهر إلى المرفقين. وقال غيره المراد به عموم الوجع وسريانه إلا أن السبب ينتقل، والعلة في ذلك أنه قد جاء في بعض النسخ الأوجاع التي تنحدر من الظهر إلى المرفقين وجاء في بعض النسخ الفسخ التي ينحدر من الظهر إلى المرفقين والفسخ تفرق اتصال يحصل (169) في الأعضاء اللحمية وتفرق الاتصال لا ينتقل بل وجعه يسري ويعم لعموم المواد المنصبة إليه. فمن قال بالنسخة الأولى قال بالانحدار على معنى الأول. ومن قال بالنسخة الثانية قال بالانحدار على المعنى الثاني.
23.
[aphorism]
قال أبقراط: من دام به التفزع وخبث النفس زمانا طويلا فعلته سوداوية.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلثة
البحث الأول:
في الصلة لهذا الفصل صلة بما قبله وبما قبل ذلك أيضا. أما الأول فلأن الفصل الأول يتضمن ذكر حاله حاصلة للبدن من أعاليه، وهذا أيضا يتضمن ذلك. وأما الثاني فلأن ذلك يتضمن (170) ذكر حالة سببها مواد سوداوية، وكذلك هذا الفصل والله أعلم.
البحث الثاني:
الأعراض التي توجد لأصحاب السوداء كثيرة جدا غير أن الذي يعمها عرضان، وهما المذكور هاهنا: التفزع والكأبة، المراد بها خبث النفس. والعلة في ذلك PageVW1P160B أن المادة السوداوية لونها أسود، فإذا كثرت في البدن بخرت لعمل الحرارة فيها، وإذا بخرت أرتفع منها ذلك البخار إلى جهة القلب والدماغ وبخار المادة لونه (171) كلونها لأنه جزء منها، فيكون أسود. وعند ذلك يكدر الروح ويظلمه ويكون حاله في هذه الصورة كحال الأنسان إذا أقعد في الظلمة الشديدة. وعند ذلك يحصل لمن استولى عليه هذا البخار الوحشة والحزن والكأبة والهم والغم بلا سبب ولذلك صارت هذه الأعراض متى ظهرت بانسان ولم يكن لها سبب من خارج فصاحبه واقع في السوداء. وقوله فعلته سوداوية أي مادتها سوداوية لأنه قد علم أن أبقراط كثيرا ما يطلق لفظة (172) العلة والمرض على المادة المرضية والله أعلم.
البحث الثالث:
قد عرفت فيما تقدم حيث ذكرنا شرح قوله لأن يملأ PageVW5P295A البدن من الشراب خير من أن تملأه من الطعام في ثانية هذا الكتاب (173) أن الروح الحيواني من حيث هي هي لها القبول لما يرد عليها لأنه قد علم أن القوة الحيوانية شأنها أن (174) تعد الأرواح البدنية لقبول إثار الحرارة (175) ولا شك أن هذه من إثار الحرارة (176) فالروح لها القبول فقط. وأما الاستعداد فلأمور طارئية؟ عليها، ولذلك قيل أن الاستعداد هو استكمال القوة بالقياس إلى أحد المتقابلين، وقد علمت المعدات للفرح فيجب أن يكون معدات الغم مقابلة لذلك ومعدات الفرح على ما عرفت (177) توفر مزاج الروح واعتدال قوامها بين الرقة والغلظ ونورانية والسوداوي قد اجتمع فيه مقابلات ذلك وهي قلة الروح الحيواني وكدورة قوامها وظلمتها. فبسبب قلة المقدار تنحل الطبيعة بها ولمسكها (178) في الباطن خوفا عليها لأنها متى كانت كذلك لم تف تدبير الظاهر الباطن ومتى لم تف بذلك مسكتها في الباطن عند المبدأ، وذلك كما هو عليه الناقهون والمشايخ والمهزولون. ومتى لم تنبسط الأرواح إلى جهة الظاهر لم تنبسط القوى لأنها محمولة الأرواح فلم يحصل الفرح على ما عرفت بل الغم والكأبة. فإن كان الأرواح مع ذلك كثيرة المقدار بحيث أنها نفى بالانبساط في الظاهر حصل من ذلك غضب ثابت وهو الحقد. أما الغضب فتميل المادة إلى الحدة ولاستعدادها للغم والكأبة. وأما الثبات فلغظ المادة. وبسبب الغلظ لا تطاوع في الحركة كما تطاوع اللطيف، ومتى لم تطاوع مالت إلى الجهة الباطن فيحصل الغم والحزن والكأبة. وبسبب ظلمتها توحش النفس كما هو عليه حال الظلمة في الخارج. ولما أجتمعت هذه الأمور الثلثة في السوداوي صار لا يفرح إلى لمفرح قوى جدا (179) بخلاف من كان حاله بالخلاف. فإنه يفرح من أدنى بسبب مفرح (180) كما هو عليه شارب الخمر إذا راعى في شربه ما ذكرنا في حفظ الصحة والله أعلم.
25.
[aphorism]
قال أبقراط: إنتقال الورم الذي يدعى الحمرة من خارج إلى داخل ليس بمحمود، وأما انتقاله من داخل إلا خارج محمود.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلثة.
البحث الأول:
في الصلة ولهذا صلة بما قبله وبما (181) قبل ذلك. وأما الأول فلأن هذا الفصل يتضمن ما يتضمنه الفصل الماضي وهو ذكر حاله ظاهرة PageVW5P295B دالة على أمر باطن. فإن الفزع والكأبة أي خبث النفس دالان على استيلاء السوداء على الباطن وكذلك هذا الفصل فإنه يتضمن ذكر حالة ظاهرة دالة على أمر باطن. فإن انتقال الحمرة من الظاهر إلى الباطن دليل على غور المادة إلى جهة الباطن والعكس (182) دليل على العكس. وأما الثاني فلأنه ذكر فيه انجذاب المواد من الظنر إلى المرفقين ففيه ذكر نوع من الانتقال، وهذه أيضا يتضمن ذلك.
البحث الثاني:
قال جالينوس ليس ينبغي أن يتوهم أن الورم الذي يدعى (183) الحمرة فقط هذه قضيته لكن كل علة إذا انتقلت من الأعضاء الباطنة التي هي أشرف إلى ما يلى الجلد فانتقالها دليل محمود وسبب محمود. ومتى كان الأمر على خلاف ذلك فانتقالها دليل رديء وسبب رديء. وهذا الذي قاله جالينوس هو الحق من كلام أبقراط. فإن عادته أن يثبت الحكم الكلي بذكر أمر جزئي . فإن هذا أحق في جميع الأمراض وذلك لأن الباطن أشرف من الظاهر واحتماله للادي أقل. أما الأول فلأنه محل الأعضاء الرئيسة والحرارة الغريزية فيه أقوى مما هي في الظاهر، وكذلك القوى. وأما الثاني فلأن قوام الأعضاء الباطنة ألين وألدن من قوام الأعضاء الظاهرة وإذا كان حال الأعضاء الباطنة كذلك فيكون نقل المادة الفاسدة فيها (184) إلى خارج نقلا لها إلى حيث ضررها أقل، وبالعكس نقلها من خارج إلى داخل. ولا شك أن هذا يدل على سقوط السبب بحيث أنه قهر القوى حيث هي قوية متوفرة، فيكون دليلا رديئا وسببا رديئا (185) وعكسه عكسه.
البحث الثالث:
لقائل أن يقول هاهنا نظر من ثلثة أوجه: أحدها أنه لم خصص المثال بالورم، وثانيها لم خصصه بالحمرة دون باقي الأورام، وثالثها لم قال في الانتقال من داخل إلى خارج محمود وفي العكس ليس بمحمود ولم لا قال (186) مذموم ضد حكمه الأول فنقول الجواب عن الأول أن الأورام انتقال موادها يظهر ظهورا بينا بخلاف باقي الأمراض والعادة جارية أن يقاس الخفي بالظاهر. والجواب عن الثاني أن الورم الصفراوي مادته لطيفة سريعة الحركة فيكون انتقالها أسهل وأكثر من انتقال غيرها من المواد. والجواب عن الثالث أن الانتقال إلى داخل قد يكون لقهر المادة للقوى الباطنة PageVW5P296A وغور المادة إلى الباطن. فإن ميل المادة إلى الأعضاء الباطنة بالنظر إلى ذاتها أكثر من ميلها إلى الأعضاء الظاهرة لأن (187) الباطنة ألين وألدن. وقد يكون على سبيل البحران ودفع المادة الممرضة بالإسهال ولا شك أن هذا ليس بمذموم والأول مذموم. ولو عبر عن المجموع بإحدى العبارتين لم يصح، فلذلك قال «ليس بمحمود». أما الأول فذلك ظاهر فيه، وأما الثاني فلما يلزمه من مرور المادة الرديئة الفاسدة بالأعضاء الباطنة الكريمة والله أعلم
26.
[aphorism]
قال أبقراط: من عرض له في الحمى المحرقة رعشة فإن اختلاط ذهنه يحلها عنه.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة وذلك من وجهين: أحدهما أن الأول يتضمن ذكر مرض حادث عن مادة صفراوية وهذا أيضا كذلك. فإن الحمى المحرقة حادثة عن تلك المادة إذا كانت قريبة من القلب. وثانيهما أن الفصل الماضي يتضمن ذكر (188) حكم انتقال المادة المرضية من موضع إلى موضع وهذا أيضا كذلك على ما ستعرفه.
البحث الثاني:
قد اختلف أقاويل الجماعة في تأويل هذا الفصل ونحن ننقلها جميعها ونختار الحق منها. قال جالينوس أن مادة الحمى المحرقة في العروق. فإذا قويت الطبيعة عليها ودفعتها إلى الأعصاب انقلتها ومنعتها عن الحركة الخاصة بها على الواجب وحدثت الرعشة. ثم إذا شارك في العلة الأصل الذي منه ينبت PageVW1P161A الأعصاب وهو الدماغ حدث اختلاط الذهن. فيكون اختلاط الذهن مندر بانحلال الحمى لدلالته على دفع مادة الحمى بالكلية. وهذا القول يفهم منه أنه فهم من الضمير في قوله يحلها أنه عائد إلى الحمى غير أنه قال لكن من عادته أبقراط أنه إذا أطلق لفظة الحل أن يريد به البرؤ بالكلية لا الانتقال إلى علة أخرى إلا أن يكون قد يجوز في قوله هذا، وأراد بالحل سكون العلة. وعلى هذا التقدير يكون التأويل الذي ذكره جالينوس ليس مطابقا لقول أبقراط وذهب الشيخ في رابع القانون إلى أن الضمير في قوله يحلها عائد إلى الرعشة لأنه أقرب المفهومين. قال وذلك لأن الدماغ يسخن جدا، فإذا سخن سخنت الأعصاب وتحللت المادة المندفعة PageVW5P261B إليها من مادة الحمى المحرقة. وقال أبن أبي صادق «الخلط الفاعل للحمى محضور في تجاويف العروق، فإذا انتقل إلى العصب أحدث الأرتعاش»، فإذا شارك الدماغ العصب في سوء المزاج وصارت إليه بخارات حارة نارية حدث اختلاط الذهن، وهذا الاختلاط يحل الحمى لكنه يلقيه في علة أخرى، ولم يبين بعد ذلك شيئا من أمر الضمير. ثم قال وزعم بعضهم أن الاختلاط يحدث لأن المادة تنتقل من البدن إلى الدماغ، وهذا قول فاسد، فإنه غير مطابق لقول أبقراط، وذلك لأنه لم يقل إذا حدث في الحمى (189) المحرقة اختلاط الذهن فإن اختلاط الذهن يحل عنه الحمى، بل قال «من عرض له في الحمى المحرقة رعشة فإن اختلاط ذهنه يحلها عنه.» وأيضا كيف يتصور أن المادة تنتقل من عروق البدن إلى الدماغ الذي هو عضو أرئس من تلك، ومع هذا فإن هذه المادة عفنه فإذا مالت إلى جهة الدماغ ورمته لأنه قابل لها، وعند توريمها له تحدث حمى. وعلى هذا لا يكون اختلاط الذهن يحل الحمى بل هو زائد فيها وفهم علاء الدين بن نفيس من الضمير أنه عائد إلى الرعشة. قال فإن مادة الحمى المحرقة قريبة من القلب فإذا انتقلت إلى الدماغ أوجبت اختلاط الذهن بحرارتها وحدتها إذ هي مادة الحمى المحرقة، وحينئذ تنقي الاعصاب ويتحلل ما فيها لاندفاعه إلى الدماغ وقوة الحرارة المحللة وذلك يحل الرعشة. والحق عندي أن الضمير عائد إلى الحمى لا إلى الرعشة لأن على قول الشيخ كيف يتصور أن يقال أن الحرارة الحاصلة للدماغ تحلل المادة المندفعة إلى الأعضاء بل لعل زيادتها فيها أولى من تحليلها لأنها مادة حارة وكيف لا وهي مادة عفنة؟ وأما قول علاء الدين فنقول له كيف يتصور أن يقال أن الأعصاب أقوى من الدماغ حتى دفعت المادة المندفعة إليها إليه وهو أرئس منها أو كيف يقال أن اعتناء الطبيعة بعضو خادم لعضو رئيس أكثر من اعتنائها بعضو رئيس؟ ولا شك أن هذا كله محال وإذا فهم ظهر أن الحق في الضمير أنه عائد إلى الحمى، يكون (190) مراده بالانحلال أحد أمرين: إما النقصان وإما الانتقال إلى علة أخرى. وبالجملة قد خرج عن اصطلاحه المشهور عنه وتجوز في العبارة. أما النقصان فهو أن الرعشة لما حصلت في الحمى المحرقة PageVW5P262A ولا شك أنها نقصت منها لاندفاع مادتها إلى الأعصاب وتكون اختلاط الذهن دليلا قويا على تمكن القدر المندفع من المادة إلى الأعصاب. وأما الانتقال فهو أن يقال أن الحمى الحاصلة عن اختلاط الذهن غير الحمى الأولى التي هي المحرقة. فإن هذه حمى سرسامية لا محرقة لأن المادة انتقلت من قرب القلب إلى الدماغ. ومتى لم يفهم كلام أبقراط في هذا الفصل على هذه الصورة لم يصح ما قاله فيه.
البحث الثالث:
في منعى الحمى المحرقة. هذه الحمى تسمي باليونانية قاوسوس وسببها مادة صفراوية خالصة والأنسب أن تكون هي الطبيعية منحصرة في العروق التي حول القلب والكبد وفم المعدة. وهذه المادة متى كانت منبتة في جميع عروق البدن فإن الحمى الحادثة عنها تسمي صفراوية دائمة. وقد ذكر أبقراط في كتاب إبيديميا أن هذه الحمى تحدث عن البلغم المالح، والمشايخ النساء قلما تعرض لهم الحمى المحرقة والشبان بالعكس ولذلك (191) صار عروضها للمشايخ والنساء دليلا رديئا وللشباب دليلا ضعيفا في ذلك والله أعلم (192).
البحث الرابع:
في الرعشة. الرعشة علة الية تحدث لعجز القوة المحركة عن تحريك العضل على الاتصال مقاومة للثقل المعاوق المداخل بتحريكه لتحريك الإرادة، فتخلط حركات إرادية بحركات غير إرادية أو ثبات إرادي بتحريكات غير إرادية. والموجب لهذا العجز إما من جهة القوة وإما من جهة الآلة وإما منهما جميعا. والكائن من جهة القوة إما خوف مفرط كالنظر في (193) موضع عال أو مشى على حائط دقيق عال أو على جدع ملقي على جبلين أو على حائطين مرتفعين أو مخاطبة رجل جليل القدر أو غم مفرط. فإن هذه الصور جميعها تنقبض المواد المحركة إلى الباطن فيعجز القدر المتبقي منها في الظاهر عن تحريك العضو على الواجب، ومن أسباب ذلك انهاك القوة بالجماع المفرط. وأما الكائن من جهة الآلة فهو كما إذا (194) حصل لها استرخاء بحيث أن لا يبلغ بها إلى الفالج فلا تماسك عند التحريك كما يحصل لها عند الشرب الكثير والسكر المتواتر وشرب الماء البارد في غير وقته. وأما الانسداد يحصل في منافد PageVW5P297B الأعصاب بسبب تخم تقدمت. وأما المشترك فكما يحصل من لسعة العقرب والله أعلم.
27.
[aphorism]
قال أبقراط: من كوى أو بط من المستسقيين أو من المتقيحين فجرى منه من المدة أو من الماء شيء كثير دفعة فإنه يهلك لا محالة.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان
البحث الأول:
في الصلة، وهي أنه لما بين في الفصل الماضي أن الحمى المحرقة قد تحصل عنها الرعشة بانتقال مادتها إلى الأعصاب وهذا القدر إنما يحصل من تلك المادة (195) إذا كانت محتبسة في البدن ولو تستفرغت لسلم البدن من نكايتها غير أنه ربما سبق إلى الوهم أن هذه المادة (196) كلما تولغ في استفراغها كان أجود لأنها مادة فاسدة. نبه في هذا الفصل على فساد هذا الوهم هو أنه لا يجب أن يكون استفراغها دفعة ولو كانت فاسدة لما سبق له وضرب المثال بما ذكره لأن العادة جارية باستعمال ماذكره من المعالجة في المرضين المذكورين.
البحث الثاني:
عادة أبقراط أن يعني بالتقيح اجتماع المدة في فضاء الصدر، فالمتقيحون (197) هم الذين اجتمع في صدورهم القيح وقد عرفت كيفية اجتماعه. ومراده بالمستسقيين من به استسقاء رقي، فإن إخراج المائية بالبزل لا تستعمل إلا (198) فيه. فقوله من كوى أو بط من المتقيحين أو المستسقيين فالكي يستعمل في التقيح والبط في الاستسقاء، وأراد بالبط البزل. قال فكل واحد من المرضين إذ استعمل فيه ما ذكرنا وخرجت مادته فلا ينبغي أن تخرج دفعة واحدة PageVW1P162B بل قليلا قليلا. فإن في إخراجها دفعة اسقاط القوة واجحافها، وإن كانت فاسدة وقد عرفت الاختلاف في تعليل ذلك والله أعلم.
28.
[aphorism]
قال أبقراط: الخصيان لا يعرض لهم الصلع ولا النقرس.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول
في الصلة وهي أن حكم هذا الفصل كالمقابل لحكم الفصل الأول فإنه يتضمن بوجه ما ذكر إخراج مادة وهذا يتضمن بوجه ما احتباس مادة. فإن الخصيان تحتبس فيهم المواد التي كانت تستفرغ بالجماع بعد تكونها منيا، ولذلك صارت الرطوبة تكثر في أبدانهم حتى أنهم كثيرا ما يعتر بهم الاستسقاء وقلما يصيبهم الصلع. وأما الخصى فالكلام فيه خارج عن صناعة الطب لأن شأن هذه الصناعة رد الأبدان من الحالة الغير طبيعية إلى الحالة الطبيعية والخصى بالعكس غير أن الأطباء لما كانو يستشارون في هذا الأمر احتاجوا إلى أن تكلموا فيه، وهو على أنواع منها أن يقطع القضيب من أصله مع الخصيتين وهذا هو أجود أنواع الخصي، ومنها أن تقطع الأنثيان فقط، ثم هذا تارة يشق جلدة الخصيتين وتسل، وتارة تقطع بجلدتها ومنمها أن يقطع القضيب أيضا فقط ومنها أن يشق أحد الفخدين ويجعل القضيب في وسط الشق ويضم عليه جوانب اللحم ويخيط ويلحم وتخرج الكمرة من وسط الفخدين لأجل خروج البول، وتارة يجعل الشق في أسفل الجوف تحت السرة وتخرج الكمرة من تحت السرة غير أن هذا لا يسمي خصيا ولا يسني بهذا الاسم حقيقة سوى الأول.
البحث الثاني:
في بيان علة امتناع عروض ما ذكره للخصيان. أما النقرس فلوجوه أربعة. أحدها أن هذا المرض مادته في الأكثر حارة والخصيان كثير الرطوبة لما عرفت ولكثرة توسعهم في المآكل والمشارب. وثانيها أن العروق التي يأتي المواد فيها إلى أرجلهم أنسد أكثرها لكي موضع الخصي، ولذلك صارت سوؤق الخدام رقيقة في الأكثر ضامرة أو إعجازهم عظيمة لتوفر المواد هناك. وثالثها قلة حركاتهم، فإن الخصيان كيف كانو حركتهم أقل من حركة غيرهم؟ ورابعها عدمهم للنكاح، فإنه من أقوى الأسباب له لأنه يجذب المواد إلى أسافل البدن ويهز مفاصله. وأما الصلع فلوجهين: أحدهما لكثرة الرطوبة في أبدانهم، وذلك لعدم النكاح ولكثرة ما يستعملون من الترفة والدعة. وثانيها لعدم استعمالهم النكاح والجاذب للمواد إلى أسفل البدن.
البحث الثالث:
النقرس هو نوع من أوجاع المفاصل وهو ما كان خاصا بمفصل إبهام الرجل، ولنبسط القول في أوجاع المفاصل فقول أوجاع المفاصل لها سبب فاعلي وقابلي وآلي. والفاعلي الامزجة الرديئة والمواد الفاسدة، والقابلي ضعف العضو، والآلي المجاري كسعتها. أما خلقه أو لعارض أحدثته الحركة كالتهلهل والتخلخل وأعلم أن العضو القابل يصير سببا لحدوث هذه الأمراض. فأما (199) PageVW5P298B متى صار كذلك أحال كل ما يرد عليه من المواد الصالحة إلى مادة تلك الأوجاع، والأوجاع تكثر في المفاصل دون غيرها من الأعضاء لوجوه أربعة: أحدها لوجود التجويف فيها، وثانيها لكثرة حركاتها، وثالثها التسفل أكثرها، ورابعها (200) لبرد مزاجها. وكثيرا ما تتحجر المواد في المفاصل وتصير شبيهة بالجص وخصوصا الخام منها، وذلك إما للإفراط في استعمال المبردات القوية أو المسخنات القوية. وكثيرا ما ينبت اللحم في تجاويفها لا سيما متى كانت المادة دموية وأوجاع المفاصل من جملة الأمراض المتوارثة (201). وأولى الفصول بأن تحدث فيها أوجاع المفاصل الربيع والخريف. أما الربيع فلأن الأخلاط فيه قد سالت وماعت. والخريف لبرده يحتبس (202) المواد فيه (203) في المفاصل ولاختلاف الهواء فيه وسبق توسيع المسام في الصيف. وإذا تدوركت أوجاع المفاصل في أول ما تظهر سهل علاجها. وإذا تمكنت واعتادت لم يسهل بل كثيرا ما تصير معالجتها وتعويتها ودفع الفضول عنها سببا للهلاك لأن تلك الفضول التي اعتادت الانصباب إليها تفصل. وإذا لم تصر إلى المفاصل أوقعت في خطر عظيم.
البحث الرابع:
في الصلع: هو ذهاب الشعر لذهاب الرطوبات الأصلية. ولنوسع القول في ذلك فنقول ذهاب الشعر ونقصانه إما لسبب في المادة وإما لسبب في الشيء الذي فيه ينبت. والكائن من المادة إما أن يقل أو يعدم، والقلة إما لوجود ما يغمر المادة وإما لقلة المادة في الأصل، والغامر كما في سن الصبى والمرأة وهو كثرة البخار الرطب الغامر. والكائن لحدة البخار والقلة الأصلية إما لعارض وإما لأنتهاء الطبيعة إليه، (204) والعارض كما يعرض لناقهين الذين كانت بهم أمراض متطاولة. وأما الذي من جهة الطبيعة فهو إما لقلة المادة في الأصل وإما لتطامن جوهر الدماغ عن مماسة القحف فيكون البخار ضعيف الاتصال بالقحف. وأما الذي في المنبت فعلى ثلثة أوجه: إما لأن ينفذ فيه مادة الشعر وإما ان ينفذ فيه ولا يحتبس وإما أن تفسد ويستحيل إلى كيفية رديئة غير ملائمة لتكون الشعر PageVW5P299A والانسداد وإما لتلزز المسام وإما ليبسها. ولذلك يسرع في حار المزاج ولذلك أيضا يكثر في المستعدين للصلع شعر الرأس والصدر، والذي لا يحتبس فهو لشدة تحليل المسام واتساعها، ولذلك يسرع في متخلخلي (205) السخنة. والذي يفسد كما في داء الثعلب وداء الحية والصلع يعسر معالجته إذا تمكن، ومن الناس من يكون أصلع فإذا جامع وأكثر منه ينبت شعر رأسه وسببه أنه كان هناك رطوبة سادة للمسام، ثم تحللت بحركة الجماع وصار الصلع تختصا بمقدم الرأس مع أنه أرطب من مؤخرة، وذلك لتخلخل جرمه، فتكون مسامه واسعة فلا يقف فيها (206)إلا ما غلظ من البخار. فإذا تناقضت الدخاينة فإن الشعر يدق لقلة الغذاء فيسقط ويبقي شعر المؤخر لضيق مسامه والله أعلم (207).
29.
[aphorism]
قال أبقراط:المرأة لا يصيبها النقرس إلا أن ينقطع طمثها.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فمن وجهين: أحدهما أن الأول لما كان يتضمن ذكر من ليس مستعدا للنقرس أردفه بهذا الفصل لاشتماله على ذلك، وثانيهما أنه كالمؤكد والمقرر للمتقدم فإن فيه بيان أن الرطوبة مانعة من حدوث النقرس، ولذلك صارت المرأة لا يعتريها النقرس إلا أن ينقطع دم حيضها لأنه فضلات بدنها. قال جالينوس «وهذا القول حق أعني أنه لا يمكن أن يحصل للمرأة نقرس دون PageVW1P163A أن ينقطع طمثها. وإنما كان هذا ذلك (208) حقا في ذلك الزمان لقلة الخطاء الذي كان للنساء في الزمان المتقدم. وأما في هذا الزمان فلعظم الخطاء الذي يخطينه على أنفسهن فالمرأة على جميع التقادير إذا كان طمثها جاريا على عادته نقي بدنها من فضلات لأنه فضل بدنها وذلك لأنها لما كانت كثيرة السكون والدعة سيئية التدبير كانت فضلات بدنها متوفرة فاحتاجت الطبيعة أن تدفعها، ولذلك لما كانت نساء البادية والبر كثيرات الحركة قل مقدار دم (209) طمثهن. فإذا انقطع احتبست تلك الفضلات واحتدت باحتقانها وتعفنها وأنصب شيء منها إلى مفصل إبهام الرجل وحصل فيه المرض المذكور، وذلك لأن هذا الفضل أسفل جميع مفاضل البدن فإن كان انقطاعه لأجل السن كان حدوث ذلك PageVW5P299A أكثر لأنه يلزمه ضعف الأعضاء واستحالة المزاج إلى اليبس والأخلاط إلى البورقية. وترك أبقراط ذكر الصلع لأنه نادر أن يوجد للنساء لرطوبة أمزجتهن والله أعلم.
30.
[aphorism]
قال أبقراط: الغلام لا يصيبه النقرس قبل أن يبتدي في مباضعة الجماع.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فإنه كالمقرر للماضي وهو قولنا أن رطوبة المزاج مانعة من حدوث النقرس ولذلك لا يعتري الصبيان إلا أن يجامعوا، فإن الصبى في مثل هذا الوقت يحتد مزاجه ويجف وأيضا فإن الجماع يعين على انحلال المادة إلى مفاصل الرجل لما عرفته. وأعلم أن أبقراط ذكر هنا حكما من أحكام النقرس في الأصناف الثلثة التي من نوع الانسان وهم الذكر والانثى وما ليس بذكر ولا انثى والله أعلم (210).
31.
[aphorism]
قال أبقراط: أوجاع العينين يحلها شرب الشراب (211) الصرف أو الحمام أو التكميد أو فصد العروق أوشرب الدواء.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أن الفصول الماضية مشتملة على بيان ما يوجبه الرطوبة العذبة الصالحة وهذا على بيان ما توجبه الرطوبة الرديئة وضرب المثال في ذلك بالعين لقربها من محل الصلع. إذا عرفت هذا فنقول هذه الرطوبة لا تخلوا. أما إن تكون باردة أو حارة فإن كانت باردة فأما إن تكون خاصة بالعينين أو عامة لجملة البدن فإن كان الأول نفعه شرب الشراب الصرف أو الحمام أو التكميد، وإن كان الثاني نفعه شرب والدواء. ثم ما ذكرناه أن أحتج إليه. وإن كان حارا فإما أن تكون المادة غليظة أو لطيفة، فإن كانت غليظة فإما أن تكون لاححة في العين والبدن كله. فإن كان الأول نفعه الحمام ثم الشراب الصرف ثم الفصد الماقين ثم التكميد. وإن كان الثاني نفعه الفصد ثم ما ذكرناه أن احتج إليه. وإن كانت لطيفة فإما أن تكون خاصة أو عامة، فإن كان الأول نفعه فصد الماقين أن أحتيج إليه ثم ما ذكرناه وإن كان الثاني نفعه شرب الدواء بعد الفصد ثم ما ذكرناه أن احتج إليه. فهذا الفصل قد ذكر فيه الإمام أبقراط جميع أنواع المعالجة المستعملة فيما يمكن أن يعرض للعين والله أعلم.
32.
[aphorism]
قال أبقراط: اللثغ يعتريهم خاصة اختلاف طويل.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أن هذا الفصل حكمه حكم الأول، وما قبله فإنه يتضمن ذكر ما يؤثره الرطوبة العذبة فيما يستولى عليه، وذكر اللسان بعد ذكر العين لأنه دونها في PageVW5P300A الوضع (212). والألثغ هو الذي لا يفصح عن الحروف لا سيما المتشابهة على الواجب، وهو أن يأتي باللام عوض الراء وبالتاء عوض السين وبالذال عوض الكاف (213), وذلك لأن هذه الحروف تحتاج في الأفصاح بها إلى حركة قوية لا يفى بها اللسان الرخو وذلك لاستيلاء رطوبة مرخيه على اعصابه وعضلاته. وهذه الرطوبة تارة تكون من الدماغ فيكون العصب النازل منه رطبا رخوا فتوجب ذلك رخاوة في اللسان، وتارة تكون خاصة باللسان وبعصبه. لكن اللسان متصل بالمعدة فإن غشاء الفم هو بعينه غشاء المعدة فإذا كان اللسان رطبا رخوا فالمعدة في الغالب الأمر تكون كذلك، ولهذا كثيرا ما يعتري الصبيان لثغا. فإذا نشؤوا وكبروا زالت في الأكثر إلا أن تكون الرطوبة مفرطة جدا. ويعتري أيضا هذا القدر للسكاري كثيرا بسبب الرطوبة الحاصلة من الشراب فتبل الدماغ ثم الأعصاب الناشية منه ولهذا صار اللثغ لا يصلعون حتى قيل أنه (214) لم يرأ أصلع الثغ البتة. وعلى جميع التقادير يكون اللثغ مستعدين للإسهال الطويل لأنه إن كانت الرطوبة من الدماغ انحدر منها شيء إلى المعدة وأوجبت ضعف الهضم لارخاية المعدة. وكذلك متى كان سبب ذلك رطوبة المعدة. ومعنى قوله اللثغ يعتريهم خاصة اختلاف طويل أي أنهم يكونوا مستعدين للاختلاف الطويل والله أعلم.
33.
[aphorism]
قال أبقراط: أصحاب الجشاء الحامض لا يكاد يصيبهم ذات الجنب.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أن الفصل الماضي لما أشتمل على ما يتضمن ذكر كثرة رطوبة الدماغ والمعدة للدرب ناسب أن يذكر هذا الفصل بهذه. فإن أصحاب الجشاء الحامض يكون معدهم رطبة وكذلك (215) ضعف (216) الهضم فيهم حتى حصل لهم الجشاء الحامض. وصار من يكون حاله كذلك قلما يعتريه ذات الجنب لوجهين: أحدهما أن من كانت معدته كذلك كان كثير الإسهال، ومن كان كذلك كان بدنه نقيا من الفضلات. قال أبقراط (217) في كتابه في الأهوية والبلدان «من كانت طبيعته لينة قلما يعتريه شوصة» وثانيهما أن من كان حاله كذلك كان الغالب عليه البلغم والبلغم غليظ الجوهر وذات الجنب ورم حار في الغشاء المستبطن للاضلاع. والغشاء لصفاقته PageVW5P300B لا ينفذ فيه إلا ما لطف من المواد والمادة الغليظة لا تنفذ فيه. وقوله «لا يكاد» أي يحتمل أن يحصل ذات الجنب عن ذلك فإنه من الجائز أن يتلطف البلغم حتى يصير رقيقا (218) ويرق قوامه ويحتد مزاجه وعند ذلك يجوز أن يحدث المرض المذكور والله أعلم.
34.
[aphorism]
قال أبقراط: الصلع لا يعرض لهم من العروق التي تتسع (219) التي تعرف بالدوالي شيء كثير ومن حدث له من الصلع الدوالي (220) عاد شعر رأسه.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فلأنه يتضمن ذكر حكم من إحكام الرطوبة الرديئة فإنه ليس مراده بالصلع ذهاب الشعر لذهاب الرطوبات الأصلية. فإن الصلع الحادث لذلك يستحيل زواله بل مراده بالصلع هاهنا انتشار الشعر ويندرج فيه داء الحية وداء الثعلب. فإن هذه تحدث من مواد بلغمية بورقية أو سوداوية, فإن هذه المواد إذا استولت على جلدة الرأس سدت المسام وأفسدت المنبت. فإذا قويت الطبيعة عليها ودفعتها إلى أسافل البدن حصل منها ما ذكره. وقوله شيء كثير يفهم منه أن ذلك يعرض في الأقل وهو إن يحدث بانسان صلع ودوالي وذلك عند توفر المادة المذكورة بحيث أنها تعم الجهتين. والفرق بين داء الثعلب وداء الحية (221) من وجهين: أحدهما أن داء الثعلب PageVW1P163B يحصل فيه ذهاب الشعر من غير انسلاخ جلدة الرأس وداء الحية يحصل فيها كما يحصل للحية عند سلخها لجلدها. وثانيهما أن ذهاب الشعر في داء الثعلب لا يكون فيه تعريج شبيهة بالحية عند مشيها والله أعلم.
35.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بصاحب الاستسقاء سعال فليس يرجى. وفي نسخة أخرى: كان ذلك دليل رديء. (222)
[commentary]
الشرح: أما الصلة فيهي أن هذا الفصل كالمقابل للأول فإن كل واحد منهما وإن كان يتضمن ذكر حالة تحدث عن حالة أخرى غير أن الفصل الماضي يتضمن إن الحالة الحادثة منذرة بزوال الحالة الأولى. وهذا الفصل يتضمن (223) أن الحالة الحادثة منذرة بردأة الحالة الأولى كالسعال الحاصل في الاستسقاء الدال على ردأته. وقد عرفت الاستسقاء له أقسامه. وقوله «إذا حدث بصاحب الاستسقاء سعال» أي إن السعال حادث عن ذلك لا عن أمر أخر كما إذا حصل له نزلة. فإن المستسقي إذا حصل له سعال من نزلة فإنه لا يدل على الرأدة [Y 301a] كما إذا كان حادثا عن الاستسقاء وسببه إما في الزقي فشدة مزاحمة المائية لآلات التنفس وكذلك الريحي وإما اللحمي فدلالته على توفر الرطوبة والاستيلائية على آلات التنفس والله أعلم.
36.
[aphorism]
قال أبقراط: فصد العروق يحل عسر البول وينبغي أن يقطع العروق الداخلة.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلثة
البحث الأول:
في الصلة ، وهي أن المواد المودية على نوعين منتشرة في جملة الأعضاء وخاصة بعضو دون عضو. ولما تكلم في الفصل الأول (224) في حكم العامة ذكر في هذا الفصل شيئا من أحكام الخاصة. ثم الخاصة على نوعين: مورمة وغير مورمة ذكر في هذا الفصل الخاصة بنوعيها. فإن عسر البول قد يكون لورم وقد يكون لغير ورم على ما ستعرفه.
البحث الثاني:
عسر البول هو توقفه لا امتناعه عند خروجه ولا خروجه قليلا قليلا. فإن الأول هو احتباس البول والثاني تقطيره. وعسر البول سببه إما أن يكون من جهة المثانة أو القوة أول الآلة أو العضو الباعث أو البول. والكائن من جهة المثانة هو أن تضعف عن دفع البول وذلك إما المزاج رديء أو لضربة (225) وقعت على العانة. والكائن من جهة المجري وذلك إما عنق المثانة أو الإحليل، وذلك إما ورم أو حصاة صغيرة. والكائن من جهة القوة إما في القوة الحساسة وهو أن تضعف فلا يحس باجتماع البول ولذعه للمثانة فيطول مقامه واحتباسه في المثانة. وذلك كما في فرانيطس أو ليثرغس. وأما في القوة المحركة الإرادية التي فيها فتضعف وتعجز عن دفع البول. وأما في القوة الطبيعية الدافعة لما عرفته. وأما الكائن من جهة الآلة وهي العضلة المحيطة بفمها، فمثل إن يحصل فيها تشنج أو استرخاء على هئية توقف خروج البول. والكائن من جهة الباعث مثل أن يحصل في الكلية ورم حار أو صلب أو حصاة أو ضعف جاذبة من فوق أو دافعة إلى أسفل أو ضعف مميزة الكبد. والكائن من جهة البول هو أن يقل مخالطة الصفراء له فيطول زمان احتباسه في المثانة. ومراده هاهنا بالعسر ما كان حادثا عن ورم خاصن PageVW5P301B بالمثانة أو حاصلا لها بالمحاورة.
البحث الثالث:
قوله «فينبغي أن تقطع العروق الداخلة» المراد بها الأناسية (226) وهي في اليد الباسليق لأنه ينحدر من الإبط والخارج القيفال لأنه ينحدر من الكتف والداخل في الرجل الصافن والخارج عرق النساء. وجالينوس لم يفرق بين نفع فصدهما لأنهما ينبعثان من عرق واحد إلا ان التجربة تشهد بنفع فصد العروق المذكورة.
[commentary]
37. قال أبقراط:إذا ظهر الورم في الحلقوم من خارج فيمن اعترته ذبحة كان ذلك دليلا محمودا.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أنه لما ذكر في الفصل الماضي طريقة (227) في معالجة بعض الأورام الباطنة ذكر في هذا الفصل علامة محمودة في تلك الأورام ضرب المثال بأورام الحلقوم أي الحنجرة لأن ورمه مخطر لكونه مجرى النفس وعليه تنفس سائر أورام الأعضاء الباطنة. وإلا ليس هذا القدر خاصا بورم العضو المذكور فقط وصار انتقال الورم من الباطن إلى الظاهر دليلا محمودا، لأن الباطن أشرف من الظاهر لما عرفته وأيضا فإن الانتقال المذكور نشاهد فيه المرض ونعرف سببه ونتمكن من وضع الأدوية عليه وبالجملة من معالجته والله أعلم.
38.
[aphorism]
قال أبقراط: من حدث به سرطان خفي فالأصلح له أن لا يعالج فإنه إن عولج هلك سريعا وإن لم يعالج بقي زمانا طويلا.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلثة.
البحث الأول
في الصلة وهي أن هذا الفصل كالمؤكد لما أدعاه في الفصل الماضي وهو أن ورم الباطن أردى من ورم الظاهر، ولذلك صار (228) السرطان الخفي أي الباطن رديئا إن عولج وإن لم يعالج ويفهم من هذا أنه لو كان في الظاهر لما كان كذلك فإن الخفي يفهم منه المبتدي في الظهور ويفهم (229) منه الباطن. وعلى (230) هذا التقدير يكون الصلة حاصلة.
البحث الثاني:
السرطان ورم سوداوي حادث عن سوداء احتراقية عن مادة صفراوية أو فيها مادة صفراوية (231). ويفارق الصلابة من وجوه أربعة: أحدها أن السرطان مود متحرك والصلابة ساكنة غير مودية، وثانيها أن السرطان متصل به عروق شبيهة بارجل السرطان والصلابة ليس حالها كذلك، وثالثها أن السرطان متقرح والصلابة غير PageVW5P302A متقرحة، ورابعها أن في غالب الأمر السرطان حدوثه ابتداء والصلابة انتقالا عن أورام حارة إما بافراط استعمال المحللات أو المبردات القوية. فإن الأول يحلل لطيف المادة ويبقي كثيفها، والثاني يجمد قوامها. ويفارق سقيروس الخالص وهو الحادث عن البلغم الحامد من ثلثة أوجه: أحدها أن سقيروس لا حس له والسرطان له حس، وثانيها أن سقيروس لونه يميل إلى البياض والكمودة والسرطان أسود، وثالثها أن سقيروس غير متقرح والسرطان متقرح وأكثر عروض السرطان في المواضع المتخلخلة ولذلك يكثر حدوثه بالنساء وبالثدى من الرجال. وأعلم أن الجدام سرطان عام والسرطان جدام خاص، ومع هذا فمداواة الجدام أسهل من مداواة السرطان وذلك لأن الجدام الافة فيه عامة لجميع الأعضاء، فإذا استعملنا العلاجات التي يجب استعمالها في مداواته لم تخف منها لأنه ليس هناك عضو صحيح يخشي عليه من ضرر الادوية المستعملة والسرطان الافة فيه خاصة بعضو دون عضو، فإذا اتسعملنا ذلك حصل فيه ضرر بالعضو السليم. وسمي هذا المرض بهذا الاسم المذكور لوجهين: أحدهما لأنه يتشبت بالعضو الحاصل فيه كما يتشبت السرطان، وثانيهما المشابهة للحيوان المذكور فإن PageVW1P164A وسطه مستدير الشكل ومتصل به عروق شبيهة بارجل السرطان.
البحث الثالث:
قوله خفي قد يفهم منه المبتدي الظهور وقد يفهم منه الحاصل في الباطن والثاني هو الأولى بكلام أبقراط. فإن المبتدي الظهور علاجه سهل بالادوية وبالحديد. أما بالادوية فذلك ظاهر وأما بالحديد فممكن فيه في جميع عروقة الساقية. وأما الباطن فهو الذي يصح كلام أبقراط فيه وهو الحاصل داخل الفم ولأنف والفرج. فإن مثل هذا السرطان هو مراد أبقراط بأن لا يعالج، ومراده هاهنا بالمعالجة العمل بالحديد أو بالكي لأن هذا هو العلاج الخاص بالسرطان ولذلك لم يحتج أن يقول بالحديد أو بالكي. فإن الباطن لا يمكن استيصال أصوله التي هي العروق الممدة له والممتدة منه. وإذا لم يكن PageVW5P302B كذلك تقرحت تلك الأصول والمادة التي فيها فاسدة فلا تقبل الالتحام والبرؤ وذلك مود إلى الموت، وإن ترك ذلك السرطان بحاله وهو أن لا يقطع ولا يكوي بقي زمانا طويلا وذلك لأخد مادته في الازدياد. وإن نقي البدن وبولغ في استعمال المبردات المرطبات كان تحليل ما بقي من مادته بالادوية الموضوعة في زمان طويل والله أعلم.
39.
[aphorism]
قال أبقراط: التشنج يكون من الامتلاء ومن الاستفراغ وكذلك الفواق.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أن معالجة التشنج تشابه معالجة السرطان، فإن كل واحد منهما من حيث هو هو يستعمل فيه الشيء وضده وينتفع بهما. فإن السرطان يستعمل فيه المرطبات والمجففات لأن المسهلات مجففات بوجه ما، ومع ذلك ينتفع بهما ويستعمل فيه العلاج بالحديد وتركه وينتفع بهما فيه، وكذلك التشنج من حيث هو تشنج. فإنا نستعمل فيه الترطيب والتجفيف وينتفع. (232) وفي هذا الكلام اشعار بدفع ظن في معالجة السرطان وهو أنه كيف يجوز استعمال الشيء وضده في مرض واحد وينتفع بهما، وهذا مثل ما يستعمل في المعالجة في التشنج من حيث هو تشنج فإنه يستعمل ذلك فيه وينتفع بهما فقدر هذا القدر في التشنج وصار التشنج كذلك لأنه يحدث عن سببين متقابلين: الامتلاء والاستفراغ. فإن هذا هو وجه استعمال الشيء وضده في المرض المذكور ونفعهما فيه وأما وجه استعمال (233) ذلك في السرطان فإن مادته يابسة فهو بالنظر إلى أنه مادي (234) يفتقر في معالجته إلى الاستفراغ وبالنظر إلى أن مادته يابسة (235) يفتقر في معالجته إلى المرطبات وقد عرفت التشنج والفواق فيما تقدم والله أعلم.
40.
[aphorism]
قال أبقراط: من عرض له وجع فيما دون الشراسيف من غير ورم ثم حدث به حمى حلت ذلك الوجع عنه.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان
البحث الأول:
في الصلة وهي أنه لما ذكر في الفصل الماضي مرضا ينفعه الشيء إذا كان بحالة ويضره إذا كان بأخرى، فإن التشنج (236) من حيث هو، إذا كان معه امتلاء نفعه الاستفراغ وتجفيف المادة وإذا كان معه استفراغ ضره ما ذكرنا ذكر في هذا الفصل هذا القدر في صورة أخرى وهو وجع PageVW5P303A فيما (237) دون الشراسيف فإنه من حيث هو (238) وجع قد يكون لرياح في هذا الموضع وقد يكون لورم. فإن كان الأول نفعت (239) منه الحمى لأنها بحرارتها تحلل الرياح، وإن كان الثاني ضرته لأنها تزيد في سببه فإنها ترق قوام المادة وتهيئها للاندفاع إليه وتزيد في عفونته.
البحث الثاني:
قال جالينوس وجع ما دون الشراسيف قد يكون لمواد لذاعة تلذع هذا الموضع وقد يكون لورم حادث فيه وقد يكون لسدد في هذا الموضع وقد يكون لرياح غليظة. قال غير (240) أن (241) من عادة اليونان (242) أن لا يسموا الوجع الحادث عن المواد اللذاعة وجعا بل لذعا وحرقا (243). وإذا كان كذلك فلا ينحصر اللذعي في قوله عن ورم فإن اللذعي لا تنفعه الحمى بل تزيد فيه فبقي أن يكون كلامه محمولا على الريحي والسددي ولا شك أن الحمى تحلل الرياح الغليظة وتلطف المواد المسددة وترققها والحمى إنما تشفي من الوجع المذكور إذا كان في ابتدائة. وأما إذا أزمن بحيث أنه يولد الاستسقاء الطبلي فإن الحمى لا تحلله بل تضعف القوة وتؤذيها. ولما كان الحال كذلك قال من عرض له وجع ولم تقل من كان به وجع أو صاحب الوجع والله أعلم.
41.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان موضع من البدن قد تقيح وليس (244) يتبين تقيحه فإنه (245) لا يتبين ذلك من قبل غلظ المادة أو الموضع.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان
البحث الأول:
في الصلة وهي أنه لما ذكر في الفصل الماضي نفع الحمى فيمن به وجع فيما دون الشراسيف عن ريح أو عن (246) سدد غير أنه ربما كان هناك ورم غائر غير بين للحس. فيظن بطلان قوله (247) نبه على هذا الأمر بما ذكره وهو أنه قد يحصل ورم هناك ولم يتبين للحس ويكون سببه إما غور الورم (248) وإما غلظ المادة وإما غلظ الموضع فلما كان حصول أحد هذه موجبا لخفاء الورم واشتباهه لغيره (249) نبه عليه بذكر هذا القدر وذكر من أسباب خفاء الورم غلظ المادة وغلظ الموضع وترك غور الموضع لظهوره لأنه إذا كان ما ذكره موجبا لخفاء الورم (250) فبالأولى إن يكون غور الألم (251) موجبا لذلك.
البحث الثاني:
في علة خفاء الورم بسبب غلظ المادة أو الموضع. أما PageVW5P303B الأول فإن المادة (252) متى كانت غليظة كانت ثقيلة طالبة للغور والغوص بخلاف ما إذا كانت لطيفة. فإنها تكون طالبة للظهور وصارت هذه كذلك (253) لا نطباعها لدفع الطبيعة (254) إلى ظاهر البدن الذي هو أقل شرفا من الباطن. وأما الثاني فإن الجلد متى كان غليظا لم يظهر لون المادة الموجبة للورم ولم يكن أيضا فيه قبول للتمديد إلى جهة العلو وعند ذلك تضغط المادة لما هو قابل للضغط. ولا شك أن الأعضاء الباطنة لينة فتكون المادة ضاغطة لها فلذلك يميل الورم إلى الباطن فيكون خفيا عن الحس. فلذلك قال «إذا كان موضع من البدن قد تقيح ولم يتبين تقيحه فذلك إما لغلظ المادة أو الموضع والله أعلم» (255).
42.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت الكبد فيمن به اليرقان صلبة فذلك دليل رديء.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحوث ثلثة
البحث الأول:
في الصلة. لهذا الفصل صلة بما قبله وبما (256) قبل ذلك. أما الأول فلأنه لما بين أن خفاء الورم قد يكون لغلظ المادة أو الموضع ذكر في هذا ما يدل على صحة هذا القدر وهو أنه لما كان الحال كذلك صار ورم محدب الكبد ظاهرا للحس لأن الحائل بيننا وبينه جسم رقيق وهو المراق. وأما الثاني فلوجهين: أحدهما أن الفصل المذكور يتضمن ذكر ألم ما دون الشراسيف والكبد موضوعة فيما دون الشراسيف (257) وثانيهما أنه قد عرف أن وجع ما دون الشراسيف في الأكثر قد يكون لريح وقد يكون لورم. والريحي قد ذكره في الفصل الماضي وفي هذا الفصل ذكر الورمي ولذلك ذكر ما يدل عليه وهو الصلابة وذكر اليرقان لأن له مع وجع هذا الموضع مناسبة وهو أن ورمه معه رديء والله أعلم.
البحث الثاني:
قد عرفت اليرقان وأقسامه وأسبابه، فاليقران من حيث هو هو رديء، لكن صلابة الكبد أردى لاحتياج الطبيعة إلى مقاومته ومقاومة الورم ثم ورم الكبد على نوعين حار وغير حار. ومراده هنا به الحار لأنه الذي يكون معه اليرقان في الأكثر وهو (258) أردى PageVW1P164B من غير الحار لأنه يتبعه ذوبان جوهر الكبد. فلذلك قال أن ذلك دليل رديء.
البحث الثالث:
ورم الكبد تارة PageVW5P304A يكون في جرمها ثم هذا تارة يكون أميل إلى المحدب وتارة إلى المقعر وتارة يكون في الغشاء وتارة في العضلات وربما عم أصنافا من أجزائها، ثم الورم نفسه تارة يكون دمويا وتارة صفراويا وتارة بلغميا وتارة سوداويا سرطانيا وغير سرطاني وأسباب ذلك سوء مزاج حار مادي أو غير مادي مذيب لجوهر الكبد وجاذب من المعدة (259) فوق ما تسعه أو من غير المعدة. وذلك إما مع حميات أو من غير حميات أو سوء مزاج بارد يمنع الهضم ثم الدفع عن الكبد أو ضعف هضم المعدة فينفذ الغذاء إليها وهو فاسد، أو سدة في مجاريها تمنع المواد من النفوذ عنها و تنفدها في جرمها ثم تعفن لاحتباسها ثم تورمها. وأما علامة هذا الورم أما مطلقا وهو أن يحس العليل بثقل في الجانب الأيمن تحت الشراسيف مع وجع شديد في بعض الأوقات وذلك عند نفوذ الكيلوس إليها واحتوائيها عليه لهضمه وإحالته، فإنه في هذا الوقت يقوي ويشتد وكذلك الحمى. وبهذا يفارق الورمي للسددي وبالحمى أيضا إن كان الورم حارا وإلا بالصلابة إن كان الورم باردا إن كان تحديبيا، وإن كان تقعيريا فبقوة الثقل في الباطن وتتغير معه السخنة إلى الصفرة إن كان حارا أو إلى الكمودة مع برد الأطراف إن كان باردا، وانجذاب الترقوة إلى أسفل لتمديد الورم، فإن كان الورم تحديبيا كان ميل الثقل إلى الظاهر ومدركا باللمس والوجع الممتد إلى الترقوة ظاهرا ومعه سعال يابس وضيق نفس وخصوصا إذا كان التنفس بقوة وذلك لمزاحمة الحجاب والرئه وقلة البول وربما احتبس لاحتباس المائية عن النفوذ إلى جهة الكلى، وإن كان تقعريا كان الثقل غائرا وهو ومع ذلك أقل مما في التحديبي لاعتماد التقعري على المعدة وفواق لما عرفته ولم يكن معه من السعال وضيق النفس كما يكون في التحديبي (260) بل أضعف ولم يقع تحت اللمس وقوعا معتدا به ويكون تمديد الترقوة أقل من تمديد التحديبي لاعتماده على المعدة فإن كان الورم في الجانبين تبعته (261) الاعراض المذكورة جميعا. ومتى كان الورم في الغشاء كان الوجع قويا لقوة حس الغشاء وكان (262) قريبا من الحس. وأما متى كان الورم في العضلات فإنه يكون ظاهرا للحس دائما ويكون شكله هلاليا ويكون PageVW5P304B أحد طرفيه غليظا والأخرى دقيقا والله أعلم.
43.
[aphorism]
قال أبقراط (263): إذا أصاب المطحول اختلاف دم وطال به حدث استسقاء أو زلق المعاء وهلك.
[commentary]
الشرح (264): هاهنا مباحث (265) ثلثة.
البحث الأول
(266): في الصلة وهي أن الفصل الماضي لما كان متضمنا (267) لحكم من أحكام أورام الكبد. ذكر في هذا الفصل حكما من أحكام أورام الطحال لأنه مقابلها ولأنه دون الشراسيف وقدم في هذا الحكم ذكر حكم الكبد على حكم الطحال لأن الكبد أشرف من الطحال.
البحث الثاني
(268): قال جالينوس «مراده بالمطحول من كان في طحاله صلابة مزمنة» وهذه الصلابة تارة تكون دموية وهو الأقل وتارة سوداوية وهو الأكثر، وذلك لأنه معدن السوداء لكن المزمن في الأكثر لا يكون إلأ عن سوداء. فإن السوداء لغلظها وأرضيتها يطول زمان ما يحدث عنها لا سيما متى كان وقوعها في عضو يحصرها كالطحال. فإن الغشاء يمنع المادة من التحليل (269) فإن (270) حدث بهذا المطحول اختلاف دم فهذا الدم إذا كان أحمر فهو لا محالة من غير الطحال لأن الطحال (271) أسود اللون وهذا أردى لأنه يضعف القوة. ثم الأسود تارة يكون من الطحال وتارة من دم محترق ويفرق بينهما بما يعقبه من الخفة والراحة. فإنه متى كان (272) من الطحال أعقبه ذلك ومتى كان من غير الطحال (273) فلا يعقبه ذلك (274). وليس مراده هاهنا بالخارج الاختلاف الطحالي وذلك لأنه لو (275) أراد به ذلك لا يقطع بسرعة وذلك عند فراغ ما كان محتبسا فيه ويلزم من ذلك زوال الصلابة لذلك. وأبقراط قد قال في اختلاف (276) أنه طويل وإن الصلابة باقية بعد فبقي حينئذ إن يكون مراده بما يخرج بالاختلاف الدم السوداوي (277) الاحتراقي فإنه يجوز تسمية السوداء الاحتراقية بالدم لأن لونها احتراقاني والدم غير المحترق.
البحث الثالث
(278): في كيفية إيجاب هذا الخارج للاستسقاء والزلق. أما الاستسقاء فإن الدم إذا أزمن خروجه آل أمر (279) مزاج الكبد إلى البرد فيضعف هضمها لما يرد عليها من صفو الكيلوس. وأما زلق الأمعاء فلطول زمان مرور الأخلاط المحترقة بالمعاء. والأجود عندي أن الاستسقاء حادث عن اختلاف الدم الطويل وزلق المعاء عن الدم الاحتراقي PageVW5P305A فإن الأول أولى بضعف الحرارة الغريزية وإيقاع صاحبه في الاستسقاء من الثاني. والثاني أولى بالجرد للمعاء من الأول (280). وكل واحد من الاستسقاء وزلق المعاء رديء مهلك إلا أنهما إذا عرضا بعد اختلاف الدم الطويل المدة الحاصل بعد صلابة الطحال المزمن كانا اولى بالهلاك والله أعلم (281).
44.
[aphorism]
قال أبقراط (282): من حدث به من تقطير البول القولنج المعروف بايلاوس وتفسيره المستعاد منه فإنه يموت في سبعة أيام إلا أن يحدث به حمى فيجري منه بول كثير.
[commentary]
الشرح (283): هاهنا مباحث خمسة
البحث الأول
(284): في الصلة. هذا الفصل عندي ليس هو (285) من كلام أبقراط بل مدلسا عليه ولنذكر ما قيل في شرحه ثم كلامنا فيه. ولما كان حاله عندي كذلك لم أذكر له صلة بل نقول القولنج مرض معوي مؤلم يتعسر معه خروج ما يخرج بالطبع. ويقال حقيقة على ما كان من ذلك خاصا بالمعاء الغلاظ (286) وخصوصا في قولن وذلك لبرودته (287) وكثافته. فإن كان في المعاء الدقاق فيخص بايلاوس وتفسيره يا رب أرحم. وقوله «من حدث به من تقطير البول القولنج المعروف بايلاوس» أي إن حدوث (288) ايلاوس يكون عن تقطير البول أو عن السبب الذي أوجب تقطير البول (289) لا أن تقطير البول موجب له. قال جالينوس «قال بعضهم المثانة إذا حدث فيها (290) ورم فإنه بسببه يحدث في المعاء ضيق بطريق المزاحمة فكان منه هذا الصنف من القولنج». قال «وقد رأيت خلقا كثيرا فيما سلف من دهري كله بعضهم أشرف على الموت وبعضهم مات من احتباس البول. وكانت المثانة ترى عيانا في جميعهم مملوءة منحازة». قال «ولو فرضنا أن ورمها بلغ (291) إلى أن زاحم المعاء فإنما (292) يزاحم المعاء المستقيم وذلك لا يوجب ايلاوس». ثم قال «وأشنع من هذا قولهم أن الحمى الحادثة تنفع من ذلك القولنج والحمى إنما يجب أن يكون حدوثها بسبب ورم المثانة. وكلما كان ذلك الورم أعظم وأصعب PageVW1P165A كانت الحمى (293) بحسب ذلك أزيد لأنها عارضة بسبب الورم وليس يرجى اقلاعها إلا بسكون ذلك الورم.فالعلامة المحمودة الدالة على انحلال ذلك القولنج بسكون تلك الحمى وإقلاعها. فأما حدوثها وتزيدها فليس علامة محمودة ولا سببا محمودا فإن الحمى لا ينتفع بها إلا إذا كان PageVW5P305B حدوث المرض المذكور عن البرد أو عن ريح غليظة أو عن أخلاط نية بلغمية». وهذا الكلام حق من جالينوس فإن المفهوم من كلام أبقراط أن الحمى حادثة بعد ايلاوس وهو خطاء، فإن الأورام لا تبلغ إلى أن توجب تقطير البول إلا إذا عظمت ومتى عظمت أوجبت الحمى فتكون الحمى سابقة على حدوث ايلاوس لا بعده. وعلى هذا التقدير يصح ما قاله جالينوس وهو أن هذا الورم كلما ازداد عظما اشتدت الحمى فتكون قوة هذه الحمى واشتدادها علامة رديئة في ايلاوس لا جيدة. ثم قال هذا (294) الفصل لا يصححه القياس (295) «ولا التجربة وليس نجد شيئا ثالثا يصححه. فإن كان أبقراط و (296) غيره قد رأى مريضا هذه حاله فاني لا أدري هل هذا الفصل لابقراط أو لغيره». هذا ما ذكره جالينوس في هذا الفصل (297) وفيه نظر من وجه أخر وهو قوله «فيجري منه بول كثير« فإن كثرة البول إنما تكون إذا زال سبب (298) تقطير البول. وإذا زال ذلك لزمه زوال الحمى فيكون عدم الحمى هو الذي يعقبه أو يكون معه كثرة البول لا وجودها.
البحث الثاني:
قال أبن أبي صادق: «تقطير البول إذا كان من كثرة خام دفعته الطبيعة إلى المثانة ثم دفعته بعد ذلك إلى المعاء الدقاق حدث منه القولنج المستعاد منه على سبيل الانتقال من العلة إلى العلة وليس ينفد في هذا القولنج شيء من الطعام إلى أسفل ولا يخرج شيء بالبراز أصلا إذا كانت المعاء (299) الفوقانية مسدودة بكثرة الخام الغليظ وصاحب هذا الداء يهلك في سبعة أيام لأن منتهي الامراض الحادة جدا الا تتجاوز هذه المدة (300). فإن حدث في هذه المدة حمى فإنها تذيب تلك الرطوبة (301) ويبول صاحبه بولا كثيرا ويبرأ وإلا فيهلك.فهذا ما أمكنني أن أقوله في تفسير هذا الفصل». ثم قال «وبالجري أن يكون هذا الفصل من الفصول المدلسة على أبقراط».
البحث الثالث:
قال علاء الدين أبن النفيس: «قوله «من حدث به من تقطير البول القولنج المعروف بايلاوس» المفهوم منه أن حدوث ايلاوس يكون عن تقطير البول والمراد به أن يكون حادثا عن المرض الذي أوجب تقطير البول وأسباب تقطير البول كثيرة. والذي يصلح منها PageVW5P306A لأحداث ايلاوس هو ورم المثانة والكلى والرحم والمعاء. فإن كل واحد من هذه يوجب تقطير البول ويوجب ايلاوس. أما ورم المثانة فايجابه لتقطير البول ظاهر، وذلك لأنه يضيق المثانة فلا تسع من البول الا مقدارا قليلا. ويكون ذلك المقدار القليل مؤلما بحدته وحرارته الورمية فتفتقر (302) الطبيعة إلى دفع كل قليل يرد إليها من البول. وأما ايجابه لايلاوس فقد منعه جالينوس واحتج بأنه شاهد (303) خلقا كثيرا ممن أفرط بهم احتباس البول حتى تمددت مثانتهم جدا. وكان ذلك يشاهد منها من خارج ومع ذلك فلم يصيبهم قولنج. قال «ولو فرضنا أن ورمها بلغ إلى أن زاحم المعاء فإنما يزاحم المعاء المستقيم وذلك لا يوجب ايلاوس». قال «نقول ما ذكره جالينوس ليس بلازم فإن الفرق بين البول المحتبس وبين الورم ظاهر وذلك لأن البول إذا ملأ المثانة انسد المجرى الذي منه البول إليها وبيان ذلك أن المثانة مخلوقة من طبقتين والمجريان الاتيان من الكلى ينفذان أولا في الطبقة الخارجة. وبين الطبقتين مسافة لها قدر ثم ينفذان في الطبقة الداخلة إلى فضاء المثانة، فإذا امتلأت بولا انطبقت لطبقة الباطنة على الخارجة حتى تصير طبقة واحدة فانسد المجريان ولهذا لا يرجع إلى فوق إذا امتلأت المثانة. وإذا كان الأمر كذلك فالمثانة لا يبلغ امتلاؤها (304) من البول إن تزاحم المعاء كمزاحمتها إذا كانت وارمة، لأن الورم يمكن أن يعظم حتى يزاحم أكثر من البول، وذلك إذا كان الورم في جانبها الأنسي. وأيضا فإن البول إذا أملأ المثانة فأكثر ما يظهر تمديده لها وتعظيمه اياها من خارج لأن إشهاقها أسهل من مزاحمة الأعضاء المجاورة لها من داخل، على أنا نمنع أن املتاء المثانة من البول لا يوجب مزاحمة الأمعاء (305) ولهذا فإنه لا يمكن الانسان أن يبول ويتبرز دفعة واحدة لأن البول إذا كان كثيرا زاحم المعاء فمنع خروج الثقل، وإن كان الثقل كثيرا زاحم المثانة فمنع خروج البول. وأما ورم الرحم فايجابه لتقطير البول ظاهر، وكذلك ايجابه لسدة المعاء، فإنه قد يبلغ من عظمه أن يسد المعاء الدقاق بالمزاحمة. وأما ورم الكلى فايجابه PageVW5P306A لانسداد المعاء ظاهر، وهو للقرب منها وخصوصا وحرارته تجفف الثقل فتعين على السدد وعلى حدوث ايلاوس. وأما ايجابه للتقطير (306) فإن كان قد يقيح فيها قد عرفته، وإن كان غير متقيح (307) فبالمزاحمة للمجرى النافذ إلى المثانة فلا يجري فيه البول إلا قليلا قليلا، ومع ذلك فإنه يكتسب حدة عند نفوذه في الكلى بسبب ما يوجب الورم من سوء المزاج. وأما ورم المعاء فايجابه لايلاوس ظاهر. وأما تقطير البول فبالمزاحمة للمثانة وحدة البول بسبب حرارة الورم». قال «وقول أبقراط «فإنه يموت في سبعة أيام» ظاهر، فإن ايلاوس من الأمراض الحادة جدا والطبيعة لا تصبر عليه أكثر من سبعة أيام (308)، هذا إذا كان وحده. فإذا كان مع تقطير البول ورم كان ذلك أولى». قال «وقوله «إلا أن يحدث به حمى فيجري منه بول كثير» ربما (309) قال قائل أن الحمى تلزم هذه الأورام من أول حدوثها والأورام توجب ايلاوس ولا تقطير البول المذكور يوجب ايلاوس إلا إذا عظم فتكون الحمى سابقة على حدوث ايلاوس. فكيف يصح أن يقال فإنه يموت في سبعة أيام إلا أن تحدث به حمى؟ فإن هذا إنما يقال إذا كانت الحمى حادثة بعد ايلاوس ثم أنه إجاب عن هذا بان». قال «قول أبقراط «إلا أن يحدث به حمى» لائنا في أن يكون قد كان قبل ذلك (310) حمى أخرى وهذه تكون عن انفجار الورم، فإن الأورام الباطنة يصحبها حمى وكلما تزيدت قويت الحمى. فإذا جمعت قويت الحمى (311) جدا لزيادة حرارة الجمع. فإذا نضجت خفت الحمى. فإذا انفجرت عرض أولا نافض بسبب لذع المادة ثم عرضت حمى خفيفة بسبب حرارة الحمى (312) ولذعها. فقوله «إلا أن يحدث به حمى فيجري منه بول كثير» يريد هذه الحمى فإنها لا محالة يعقبها بول كثير (313) بزوال (314) السدة الحادثة عن مزاحمة الخراج ولاختلاط المدة به فيكثر (315). فظهر اذن صحة هذا الفصل وإنه ليس PageVW1P165B من الفصول المدلسة » هذا كلام هذا الرجل مع الفاضل جالينوس.
البحث الرابع:
في النظر فيما قاله هذا الرجل. أما قوله أن أورام الأعضاء المذكورة يوجب (316) تقطير البول وايلاوس بما قاله، أقول إما ايجاب ذلك لتقطير البول فهو حق وإما لايلاوس PageVW5P307A فليس بحق لأن الأعضاء المذكورة بعيدة عن المعاء الدقاق التي القولنج المذكور خاص بها قوله، وأما ايجابه لايلاوس فقد منعه جالينوس واحتج أنه شاهد خلقا كثيرا ممن أفرط بهم احتباس البول حتى تمددت مثانتهم إلى خارج ومع ذلك لم يصيبهم القولنج. فإن هذا القول من الفاضل (317) جالينوس ليس (318) بلازم فإن الفرق بين البول المحتبس وبين الورم ظاهر، نقول لا شك أن ذلك ظاهر (319) لكن لا مما ذكره بل من جهة الصلابة والصلابة والحمى وعدمها، وذلك لأن المثانة إذا امتلأت بالبول على الوجه الذي ذكره. قال «وإذا كان الأمر كذلك فالمثانة لاتبلغ من امتلائها إلى (320) أن تزاحم المعاء كمزاحمة الورم. فإن الورم يمكن أن يعظم حتى يزاحم أكثر من البول، وذلك إذا كان الورم في الجانب الأنسي. نقول لا يمكن أن يزاحم الورم كمزاحمة البول البتة، فإن البول قد يملأ تجويف المثانة ملئا تاما والورم لو بلغ إذا كان في الجانب الأنسي من العظم (321) ما يملأ تجويف المثانة كما تملؤها المائية. قوله وأيضا فإن البول إذا أملأ (322) المثانة وأكثر ما يظهر تمديده لها من خارج لأن إشهاقها أسهل من مزاحمة الأعضاء المجاورة لها من داخل وكذلك نقول (323) في الورم. فإن ظهوره وميله إلى جهة التجويف أسهل من ميله إلى داخل لأن الأعضاء المجاورة له من داخل تمنعه من قبول التمديد والبروز إلى هذه الجهة. وإذا كان كذلك فيكون شهوقها في الورم أكثر من غورها. قوله على أنا نمنع أن امتلاء المثانة من البول لا يوجب مزاحمة المعاء ولهذا (324) فإنه لا يمكن الانسان أن يبول ولا يتبرز دفعة، نقول لا شك أن امتلاء المثانة بالبول يزاحم المعاء لكن المعاء (325) المستقيم لا المعاء الدقاق التي ايلاوس خاص بها. وأما باقي الأعضاء التي ذكرها فورمها لا شك أنه (326) يوجب تقطير البول. وأما ايلاوس فلا بل القولنج المشهور ولبعد أوضاعها عن موضع المعاء الدقاق. وقوله عن أمر الحمى وهو أنه لا ينافي أن يكون (327) قبل هذه الحمى الحادثة حمى وهي اللازمة لنضج مادة (328) الورم والحادثة هي الكائنة (329) عند (330) انفجاره، نقول لو كان الأمر على هذه الصورة لكان قال إلا أن تضعف حماه لأن الحرارة تأخذ في [Y 307b] الانتقاص فإن قوة الحرارة عند تولد المدة ثم إذا تولدت تناقصت إلى الغاية. وأما الحادثة عند (331) الانفجار فليست بتلك القوة حتى يصح أن يقال إنها حمى، بل ذلك سوء مزاج خفي إلى الغاية. وأما أن أورام الأعضاء إذا قاحت وانفجرت كثرت البول فهو صحيح لأنه إذا حصل خرجت المدة وخالطت البول وزادت في مقداره. وأيضا فإن البول الذي كان محمتبسا في عروق الكبد وفي غيرها فإنه أيضا يخرج .
البحث الخامس:
في النظر فيما قاله إبن أبي صادق. قوله «إذا كان تقطير البول عن بلغم خام ثم دفعته الطبيعة إلى المعاء الدقاق فأوجبت ايلاوس»، نقول كيف يتصور هذا الانتقال فإن المادة تحتاج أن تمر بالحالبين ثم بالكلى ثم بالبربخين ثم بالكبد (332) ثم بالماسريقا ثم بالمعاء. وإذا مرت بالكبد فلم لا يقال أن الكبد بحرارتها أفادتها رقة ونضجا وهيئتها للخروج لا لايلاوس. وأيضا فإن الحمى إذا حصلت بعد حصول ايلاوس على ما فرضه كيف يتصور أن المادة إذا رقت ولطفت ان تخرج بالبول وهي إن ترجع وتندفع في الماساريقا ثم في الكبد ثم في المجاري المذكورة بل خروجها بالإسهال أولى (333). وأيضا نقول (334) كيف يتصور حدوث الحمى وأي شيء يوجبها في هذه الصورة فإنه ليس هناك ورم حار ولا عفونة توجبانها. فإذا ظهر هذا القدر ثبتت أن هذا الفصل ليس من كلام أبقراط بل من الفصول المدلسة والله أعلم (335).
45.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا مضى للقرحة (336) حول أو مدة أطول من ذلك وجب ضرورة أن يتبين منها عظم وإن يكون موضع الأثر بعد اندمالها غائرا.
[commentary]
البحث الأول:
في الصلة. لهذا الفصل صلة بما قبله على تقدير أن يكون من كلام أبقراط وبما قبل الفصل المذكور. أما الأول فهو أنه قد عرف أن معنى قوله أن ايلاوس يحدث عما يوجب تقطير البول ومن جملة ذلك ورم بعض الأعضاء التي ذكرها والورم إذا انفجر وطالت مدته سمي قرحة. فذكر في هذا الفصل حكما من أحكام القرحة. فأما الثاني فهو أيضا كذلك فإنه قد عرف أن المراد بالمطحول من كان به ورم متقادم في الطحال وهذا الورم متى انفجر سمي قرحة. فذكر في هذا الفصل حكما من أحكام القرحة.
البحث الثاني:
طول زمان القرحة هو أن لا تندمل وإن اندملت انتقصت من غير خطاء يحصل في العلاج PageVW5P308A وهذا القدر يكون لأحد أمور ثلثة: إما مادة رديئة تنصب إليها، وإما رطوبات رديئة حاصلة فيها، وإما فساد في عظم من عظام الموضع بحيث أنه يرشح منه صديد دائما يفسد اللحم ويورمه. فمتى حصل أحد هذه طالت مدة القرحة أو نقصت بعد الاندمال. ومراد أبقراط بالقرحة الطويلة المدة الحادثة عن السبب الثالث لأن الكائنة عن المادة المنصبة أو عن رطوبة عفنة حاصلة فيها لم تطل هذه المدة لأنه لا بد أن يتقدم ذلك استفراغ تلك الرطوبات في النوع الأول ويستعمل أدوية مجففة بمقدار ترطيب الرطوبة في النوع (338) الثاني بل التي تبقى حولا أي (339) سنة أو أطول من ذلك هي الحاصلة عن الأمر الثالث. فإذا رأيت قرحة قد طالت مدتها مع حسن التدبير وهو (340) أن يكون قد حصل نقاء عام وخاص والأغدية المستعملة على ما ينبغي وكان مزاج البدن صالحا فسببها هذا الأمر حتى أن كثيرا من هذه القروح يندمل في الظاهر بحسب التدبير المذكور ثم بعد مدة يسيره يرسل العظم شيئا من صديده يورم ذلك الموضع وينقضه. ولأجل هذا قال وجب ضرورة أن يتبين منها عظم أي يخرج منها عظم لأنه متى فسد لم يكن هناك حيلة في برؤها سوى إخراجه لأنه هو السبب في طول المدة، ولا شك أنه متى أزيل السبب زال المسبب. وقال «وجب ضرورة أن يتبين منها عظم»، إنما أوجب ذلك لأنه سبب لطول المدة فلذلك وجب إخراجه [L5 166a] وقال «يتبين منها عظم ولم يقل كله أو بعضه، وذلك لأن حصول الغرض في ذلك قد يتم بحك العظم الفاسد وقد يتم بجرده وقد يتم بقطع بعضه وقد يتم بإخراجه كله. والعبارة التي ذكرها تعطي الغرض في هذا جميعه لأن في هذه الصورة (341) جميعها قد أبان (342) منها عظم أي أخرج. وإذا أخرج (343) منها هذا العظم أعادت الطبيعة اللحم الذي كان يعلوه على ما كان عليه غير أنه يبقى في ذلك الموضع غور، وذلك لأن الموضع يضعف هضمه فيقل استعماله للغداء والتحلل في البدن عام ودائم فيبقي ذلك الموضع غائرا والله أعلم.
46.
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه حدبة من ربو أو سعال قبل نبات الشعر في العانة PageVW5P308B فإنه يهلك.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلثة
البحث الأول:
في الصلة. وهي أن الفصل الماضي لما كان يتضمن ذكر (344) حكم من أحكام الرطوبة الغريبة بالإضافة إلى العظم ويلزمها غور في موضع ذلك العظم ذكر في هذا الفصل حكما أخر لتلك+++ الرطوبة بالإضافة إلى العظم يلزمها أيضا غور في موضع ذلك العظم (345). فإن الفقرة إذا زالت إلى أي جهة كانت حصل غور في الموضع التي زالت عنه لكن الفرق بين إضافة الرطوبتين أنها في الصورة الأولى إلى العظم بمعنى إفسادها له وفي الثانية بمعنى أنها زالته عن موضعه.
البحث الثاني:
الحدبة عبارة عن زوال ا لفقرات عن مواضعها الخاصة بها ثم هذا الزوال تارة يكون إلى قدام ويسمي حدبة المقدم وقوم يسمونه التقصع. فإن نتامع ذلك عظام القص إلى قدام سمى ذلك تقصعا وتارة إلى خلف ويسمي حدبة (346) المؤخر وتارة إلى أحد الجانبين ويسمي الالتوا، وإذا مالت الفقرة إلا قدام مالت التي بقربها إلى خلف لخلو الموضع هناك فتميل الفقرات المذكورة إلى الجهة المذكورة. ثم هذا الزوال تارة يكون سببه من خارج وتارة من داخل، فالخارجي كضربة أو سقطة تحصل لبعض الفقرات والداخلي إما رطوبات لزجة تزلق الفقرات وتهيئها لزوال بعضها عن بعض لا سيما عند الفقرة القوية أو الوثبة أو الصياح الشديد. وأما رياح غليظة تمدد الرطوبات والأوتار المتصلة بالفقارات فعند ما يزداد عرضها ينقص طولها فتجذب (347) الفقرات إلى قدام لذلك أو تدفعها إلى خارج غير أن هذا الزوال يكون إلى خلف. وأما من ورم في بعض الأعضاء الجاورة للفقرات فإنه متى حصل في أحد هذه ورم جذب الفقرات إلى داخل بتمديد الورم للرطوبات المتصلة بها إلى داخل. فالحدبة (348) إذا حدثت من تلقاء النفس من غير ضربة أو سقطة وبالجملة سبب خارجي فسببه من داخل وذلك من أسباب المذكورة.
البحث الثالث:
قوله «من أصابه حدبة من ربو أو سعال»: الربو علة في الرئة (349) لا يجد الوادع (350) منها (351) بدا، اي إن صاحب الدعة والراحة (352) كثيرا ما يعتريه الربو وذلك لما يتولد في بدنه من الرطوبات الفضلية بسبب ضعف الهضم. وأما كونها غليظة فلضعف الحرارة الغريزية المرققة الملطفة لها فإذا قويت الطبيعة عليها ودفعتها إلى جهة الصلب. فأما إن تورم ما مالت إليه أولا فإن لم تورمه بلت الأوتار والرباطات المتصلة بالفقرات. وأزلقت الفقرات أيضا وأوجبت الزوال وإن ورمته انجذبت أيضا بما ذكرنا (353). قوله «من أصابته حدبة (354) من ربو أو سعال» أي مما يحدث عنه الربو والسعال. فإن كان حصول هذه الحدبة (355) قبل (356) نبات الشعر في العانة فإنها تكون مهلكة وذلك لأن القلب والرئه فيمن هذه حاله ينميان ويزدادان عظما. ثم إنهما لا يجدان من عظام الصدر سعة بمقدارهما وذلك مما يلزمه سوء التنفس لا سيما والرئه ضعيفة مستعدة للافات فبسبب ما كان فيها من المادة (357) الربوية والسعالية لا سيما والحرارة أخذه في الازدياد والحدة والقوة وظهور الفعل عند قرب الإدراك المعبر عنه بنبات الشعر والمجاري التي للهواء الداخل والخارج ضيقة بسبب ما نالها من إذى المادة المذكورة ومن الالتواء عند زوال الفقرات إلى داخل. وصاحب الحدبة (358) أبدا تدق ساقاه وذلك لالتواء المجاري والمنافذ الواصل إليها فيما غداؤهما والله أعلم.
47.
[aphorism]
قال أبقراط: من أحتاج إلى فصد أو شرب دواء فينبغي أن يستعمل ذلك في الربيع (359).
[commentary]
الشرح : هاهنا مباحث أربعة
البحث الأول:
في الصلة. وهي أنه لما ذكر في الفصل الماضي أن الحدبة (360) تحصل من الربو أو من السعال. لما ذكرنا ذلك كان (361) دالا على أن بدن من هو كذلك ممتلئا وهو محتاج إلى استفراغ. ثم هذا الاستفراغ تارة يكون بالفصد وتارة يكون بالإسهال بما يخص واحدا واحدا من المواد الثلث، وذلك بحسب الحاجة. ولا شك أن المرض المذكور الذي هو سبب الحدبة (362) طويل المدة. ومتى كان المرض كذلك كان استعمال ذلك فيه قريبا من استعماله للإرادة، أي لحفظ الصحة التي تجب مراعاة (363) الفصد فيه (364). والفصل الموافق لذلك على مذهبه ومذهب الجمهور الربيع. وسنتكلم (365) في هذا وقدم في الاستفراغ الفصد على شرب (366) الدواء لأنه استفراغ عام وبالدواء استفراغ خاص، وتقديم العام على الخاص واجب لأنه أقل معاندا وشرطا.
البحث الثاني:
قد PageVW5P309B علمت أن الفصد والاستفراغ بالدواء (367) كل واحد منهما منه اختياري ومنه ضروري. فالاختياري يراعي فيه شروط وقد عرفتها ومن جملتها الفصد وقد اختلف الأطباء في هذا الفصل للإسهال المذكور. فذهب أبقراط وجمهور الأطباء إلى أنه الربيع. وذهب الشيخ الرئيس (368) في قوانين الإسهال في الكتاب الأول من القانون إلى أنه الخريف. وأحتج الجمهور على صحة ذلك باعتدال الربيع والقوة تقوى بالاعتدال. وقد عرفت أن خروج المادة البدنية تتم بشيئين: بجذب الدواء المسهل وبدفع الطبيعة، لذلك غير أن المواد المستفرغة متى كانت صفراوية الواجب أن يكون استفراغها في أول الربيع، وإن كانت سوداوية ففي وسطه أو بلغمية ففي أخره. وذلك لترق المادة وتلطف بحرارة الوقت المذكور. وأحتج الشيخ الرئيس (369) بوجهين: أحدهما أن خروج الأخلاط في الربيع خروج تنقيصه بالفصد أولى من تنقيصه بالدواء المسهل لأنه في الكمية وخروجها في الخريف خروج تنقيصه بالدواء المسهل أولى من تنقيصه بالفصد لأنه في الكيفية. وثانيهما أن الأدوية المسهلة أكثرها حار وإسهالها بقوة سمية فيها فهي بالصفة الأولى تفيد البدن سوء مزاج وبالثانية تفيد البدن ضعفا وإنهاكا. فإذا استعملت في زمان الربيع ولا شك أن (370) الربيع يعقبه الصيف وهو موجب لإفادة البدن سوء مزاج حار ويضعف القوة بفرط التحليل. فإذا كان قد سبقه ما يوجب ذلك فيكون البدن شديد الوقوع في ذلك بخلاف الحال في الخريف PageVW1P166B . فإن البدن فيه منتقل إلى الشتاء وهو كاسر من السوء المزاج الحار مقو للقوى يتوفر الحرارة الغريزية في الباطن فاستعماله حينئذ في الخريف أجود منه في الربيع. وأما الضروري فاستعماله واجب في أي وقت كان سواء (371) كان في الربيع أو في غيره .
البحث الثالث:
نقول خروج الأخلاط إما في كميتها أو في كيفيتها. فإن كان الأول فإما أن تكون نسبتها مع ذلك محفوظة أولا فإن كان الأول فإخراجها بالفصد ثم بما يخرج المستولى بعد ذلك، وإن كان الثاني فيما يخص الغالب من الإسهال وإن كان PageVW5P310A الثاني (372) وهو أن يكون خورجها في الكمية. فأما إن تكون النسبة محفوظة مع ذلك أولا فإن كان الأول فإخراجها بالفصد، وإن كان الثاني فإن كان الدم هو المستولى فإخراجه بالفصد وإن كان غيره فيما يخصه من الدواء وينبغي أن يكون مقدار قوته بحسب مقدار المادة وأن يكون أخذه (373) بعد ظهور النضج التام إلا في المرض المهياج وأن يستعمل معه المصلح وقد عرفت ذلك.
البحث الرابع:
لقائل أن يقول: تخصيص أبقراط ذلك بالربيع ليس له (374) وجه لأنه يقال له وكذلك من احتاج إلى ذلك في الخريف فينبغي أن يستعمله بل (375) وفي الصيف أيضا. وإذا كان كذلك فلا وجه للتخصيص والذي يمكن أن يقال في دفع هذا السؤال وجهان: أحدهما ما ذكره الفاضل جالينوس في شرحه لهذا الفصل وهو أن حكم الإمام أبقراط هاهنا يحتمل (376) على الاختياري من ذلك لا الضروري ولا شك أن ذلك يراعي في استعماله الفصل الموفق له وهو الربيع على مذهبه، وثانيهما أن يقال تقدير كلام أبقراط من احتاج إلى فصد أو شرب دواء العادة ينبغي أن يستعمل (377) ذلك في الربيع لا في الصيف لفرط تحليله ولا في الخريف لقلة الدم فيه ولا في الشتاء لجمود المادة فيه. واعلم أن في كل واحد من القوانين نظر. أما ما قاله جالينوس فهو أن نقول له متى وجد في البدن الصحيح (378) امتلاء يخاف منه حدوث حالة رديئة فإنه متى لم يبادر إلى تخفيفه بالفصد أو بشرب الدواء أوقع صاحبه في (379) ضرر لا يقدر على (380) تداركه ولا شك أن هذا ينبغي أن يستعمل في أي فصل كان، وإذا كان الحال كذلك فلا وجه لما ذكره جالينوس، وأما الثاني فإنه متى جرى للانسان عادة بفصد أو شرب دواء في أي فصل كان فينبغي أن يستعمل ذلك في ذلك الفصل لأنه متى أخره أضر ذلك به. واعلم أن الحق في هذا الموضع ما ذكره الفاضل جالينوس فإن الصحيح الذي أشار إليه المعترض أن احتاج إلى تخفيف امتلائه بالفصد وبشرب دواء فالأولى به أن يدافع بذلك إلى وقت الربيع إن أمكن لأنه هو الأولي بذلك على مذهبه لما عرفت مع استعمال تخفيف الغذاء وصلاح PageVW5P310B كيفيته والله أعلم.
48.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بالمطحول اختلاف دم فهو محمود.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أنه لما بين وجوب الاستفراغ عند خروج الأخلاط في كميتها وكيفيتها من جهة الطبيعة ومن جهة الصناعة ذكر في هذا الفصل ما يشهد بنفعه من جهة الحس. فإن المطحول إذا حصل له إسهال من مادته كان ذلك محمودا سواء كان من جهة الطبيعة أو من جهة الصناعة لكن يجب أن تعلم أن الطبيعي أفضل من الصناعي لراحة العليل من كراهة الدواء المسهل وقوته السمية ولأجل هذا ذكر الإسهال الطبيعي النوعي. وقوله «إذا حدث بالمطحول (381)» أي إذا كان ورم في الطحال قريب العهد بالحدوث ولا شك أنه متى كان كذلك ثم حصل بعده دفع طبيعي انتفع به المطحول لأنه لم تكن مادته قد استقرت استقرارا تاما ولا ضعفت كبده من ذلك. وقوله «إختلاف دم» أي دم (382) سوداوي وأيضا فإن السوداء تشابه الدم في للون فلذلك كان محمودا لأن فيه إخراج المادة المرضية. فإن قيل لم حكم بضرر الاختلاف في قوله إذا أصاب المطحول اختلاف دم فطال به حدث به استسقاء أو زلق الأمعاء وهلك. وينفعه في هذا الفصل قلنا الجواب عن هذا أن قول في الفصل الماضي «إذا أصاب المطحول اختلاف» المراد به من كان به ذلك في زمان طويل. وقوله في هذا الفصل «إذا حدث بالمطحول اختلاف دم» المراد به على ما فهمت أن يكون ورم الطحال قريب العهد بالحدوث والله أعلم (383).
49.
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأمراض من طريق النقرس وكان معه ورم حار فإن ورمه يسكن في أربعين يوما.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلثة (384).
البحث الأول:
في الصلة وهي أنه لما كان الفصل الماضي يتضمن ذكر ورم طويل ليس معه تقيح، ذكر في هذا الفصل ورما أخر على تلك الصورة كالنقرس. فإن الورم الذي معه تطول مدته بلا تقيح وصار كذلك لأن الفصل الذي هو محل هذا الورم دائم الحركة وذلك مانع من التقيح لاحتياجه إلى السكون بل أمر ذلك يؤول إلى أحد أمرين: إما إلى تحليل وإما إلى صلابة. والثاني هو الأكثري لما يستعمل عليه من المبردات القوية PageVW5P311A والمخدرات لأجل تسكين ألمه المبرح.
البحث الثاني:
قوله «ما كان من الأوجاع» مراده بالأوجاع الأمراض فإنه لا فرق عنده بين الأوجاع والآلام والأمراض. وقوله «من طريق النقرس» أي ما كان من ذلك حاصلا لأجل النقرس أو مع النقرس وبالجملة لازما له وقوله (385) ومعه ورم حار. أما حدوث الورم فلأجل الألم فإن الألم جذاب للمواد وأيضا فميل الطبيعة إلى الجهة طلبا لمقاومته ولميل الدم معها لما عرفت. وأما كونه حارا فذلك لقوة الألم (386) وشدته. فإن ذلك مما يثير الحرارة ويقويها وذلك مما يعين على تسخين المواد الموجبة للورم. فالحاصل أن الورم لازم للوجع وهو لازم للنقرس فإذا سكن الورم سكن (387) الوجع الذي هو المرض ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه ويلزم من ذلك انتقاءالنقرس لانتقاءلازمه (388) الذي هو الوجه.
البحث الثالث:
النقرس من أوجاع المفاصل وهو عند جالينوس على ما ذكره في كتاب الميامر عبارة عن وجع مفصل القدم. ثم قال وهو إنما يبتدي من مفصل واحد ولم يعين ذلك المفصل. وأما عند المتأخرين فعبارة عن وجع مفصل إبهام الرجل وهذا المفصل ضيق. فإذا انصبت المادة المرضية إلى المفصل المذكور وملاته تمددت الأعصاب والأوتار والرباطات التي هناك إلا أن الاشبه أن الأوتار والأعصاب لم يحصل لها ورم في وجع النقرس، ولهذه لم يوجد على ما ذكره جالينوس أحد ممن أصابه النقرس حدث به تشنج، فأنه لو حصل لأحدها ورم للزمه التشنج وذلك (389) PageVW1P168A لوصول الافة والادي (390) إلى الأعصاب المذكورة (391) ثم إلى الدماغ ثم هذه متى وصل إليها ذلك تقلصت إلى ذاتها واجتمعت لدفع المؤدي ثم إنها عند ذلك تمتد ثم تجتمع وبالجملة يحصل لها حركة تشنجية. وأما ما يوجد فيها من الوجع فهو لأجل التمديد الحاصل لها من امتلاء المفصل. وأما الرباطات فإنها قد تتورم فيكون الأمراض التي تعرض للنقرس التي هي الأوجاع حاصلة في الأجسام المحيطة بالمفصل والورم الحار هو ورم الرباط. وهذا الورم يسكن في أربعين يوما وذلك لأنه قد أجتمع فيه ما يوجب الازمان وما PageVW5P311B يوجب الحدة. أما الأول فإن ورم الرباط يقتضي طول المدة بسبب تكاثفه وغلظ جرمه. فيعسر تحلل المواد منه وأيضا يعسر تشربه لها ولذلك تقل أورامها وإن حصلت فلم تعظم. وأما الثاني فلأن قوة الوجع تقتضي قصر المدة التي هي الحدة وذلك لشدة ضرر الطبيعة وانتهاضها لمقاومته. ولما كان حال الورم كذلك وجب أن يكون بحرانه فيما هو مشترك بين الأمراض الحادة والمزمنة وذلك هو الأربعون. فإنه أخر بحارين الأمراض الحادة وأول بحارين الأمراض المزمنة، وتقدير هذا المدة بعد شرط وهو أن يكون علاج العليل على الواجب وكذلك تدبيره هو في حق نفسه من جهة الحمية على ما ينبغي وإلا فمتى حصل تفريط في ذلك وهو أن مال تدبيره (392) إلى جانب الغلظ أو إلى (393) اللطافة طالت مدة المرض أو قصرت والله أعلم.
50.
[aphorism]
قال أبقراط: من حدث به في دماغه قطع (394) فلا بد أن يحدث به حمى وقىء مرار.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان
البحث الأول:
في الصلة. وهي أنه قد عرف أن المرض المذكور إذا لم يكن (395) حصوله للعضو لذاته فقد يكون حصوله له بطريق المجاورة وقد يكون بطريق المشاركة ولما تضمن الفصل الماضي المعنى الأول فإن ورم الرباط وضرر الأعصاب والأوتار في النقرس بطريق المجاورة، ذكر في هذا الفصل المعنى الثاني وهو الحاصل بطريق المشاركة وضرب المثال في ذلك بالدماغ لأن مشاركته لغيره من الأعضاء ظاهرة وذلك بالأعصاب وهذا القدر وإن كان حاصلا للأعضاء الثلثة التي هي الدماغ والقلب والكبد غير ذكره للدماغ (396) أولى وذلك لأن كلامه في الفصل الماضي يتضمن ذكر ضرر الأعصاب والأوتار والأعصاب نابتة من الدماغ والقوة التي فيها وفي الأوتار أتية إليها من الدماغ. وإذا كان كذلك فذكر الدماغ بعد ما (397) ذكره في الفصل الماضي أنسب من ذكر العضوين الأخرين. ثم المشاركة عند الأطباء على نوعين: عامة وخاصة. وقد أشار إليها أبقراط في هذا الفصل بقوله «حمى وقيء مرار» فإن الحمى عامة وقيء المرار خاص بالمعدة وقدم ذكر العام على ذكر الخاص لما عرفته.
البحث الثاني:
في كيفية حصول ما ذكره. أما الحمى فلأن قطع كل عضو يتبعه ورم حار وكل ورم حار وكل ورم حار (398) لا سيما متى كان في عضو رئيس يتبعه حمى. أما الأول فلأن القطع متى حصل في عضو مالت الطبيعة إليه بكليتها طلبا لمقاومة المؤذي. فإن كان العضو رئيسا كان الميل (399) أبلغ وأقوى والطبيعة يصبحها عند ذلك الدم والروح والحرارة الغريزية لما عرفته وتوفر المادة فيه مع الحرارة ولأن قواه الخاصة (400) به قد ضعفت بسبب القطع فيضعف تصرفها وتدبيرها في ذلك الدم الكائن فيه والواصل إليه وعند ذلك يستعد للعفن ثم يعفن ثم يورم لأنه قد عرف أن الدم متى أنصب إلى فضاء غير طبيعي له فإنه لا بد أن يتقيح في الأكثر أي يأخذ في التوريم ثم في التقيح. وأما الحمى فسببها (401) عفونة الورم ولكونه حاصلا في عضو رئيس وذلك لاهتمام الطبيعة به. وأما وصول الحرارة الغريبة إلى القلب ففي الشرايين المتصلة بالقلب، وأما في المرار فلما ينحدر من ورم الدماغ إلى فم المعدة في العصب المتصل به وأيضا فإن الحرارة القوية تحيل رطوبات البدن إلى المرار ولأن الذهن مشغول ويلزم ذلك ضعف الشعور أو عدمه وبعوز (402) الغداء فتبقى المعدة خالية في أكثر أوقاتها من الغداء ومتى خلت المدة (403) المذكورة أنصبت (404) إليها رطوبة مالية لها وأكثرها الصفراء لأنها ألطف المواد وأقبلها للانصباب لا سيما في هذا الوقت. فإنها أوفر مواد البدن القابلة للانصباب والميل إلى أي عضو ضعيف والله أعلم.
51.
[aphorism]
قال أبقراط: من حدث به وهو صحيح وجع بغفة (405) في رأسه (406) ثم أسكت على المكان وعرض له غطيط فإنه يهلك في سبعة أيام إلا أن يحدث به حمى.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلثة
البحث الأول:
في الصلة. وهي أنه لما ذكر في الفصل الماضي عروض حالة للدماغ الصحيح موجبة لميل المواد إليه ذكر في هذا الفصل حالة أخرى عارضة له عند كونه صحيحا موجبة لميل المادة (407) إليه وهو حصول الصداع له الذي أراد به الوجع فإنه متى حصل وكانت المواد الموجبة له متوفرة وكان الدماغ ضعيفا أوجب السكتة.
البحث الثاني:
قوله «من حدث به وهو صحيح» إنما قيد هذا الحكم بالصحيح لأن المريض PageVW5P312B متى حصل له هذا الورم العظيم فإنه يموت لضعف قواه ولا ينتفع (408) بالحمى الحادثة. ومراده بالوجع الصداع وقوله «بغتة» لأن مثل هذا الوجع يكون لصعود مواد كثيرة دفعة إلى الدماغ ومثل هذا يوجب السدة. أما إذا كان حدوثه قليلا قليلا فإنه لم يمكن حصول السدة التامة إلا بعد حصول السدة الناقصة التي هي موجبة للصرع وحدوث مانع من حدوث السكتة لأنه يحلل المادة بحركته وبقصه للمواد إلا مخارجها (409)، فلأجل هذا قال «بغتة» والوجع الحاصل بغتة الانسب به أن يكون سببه رياحا لكن الرياح لا تبلغ أن يسد مسالك الحس والحركة وتوجب السكتة وذلك للطافتها. فبقي أن يكون سبب ذلك على ما ذكره جالينوس في شرح هذا الموضع أحد أمرين: إما رياح غليظة جدا وإما بلغم رقيق متوفر المقدار والغليظ لاستكراه النفس. وذلك لأن الدماغ لما حصل له ما حصل للأعصاب النابتة منه أحد أمرين: إما امتناع نفوذ القوة المحركة للصدر حركة الانبساط والانقباض إليه بسبب اشتغال قوى الدماغ بمقاومة المؤذي أو بسبب الشدة (410) والضغط الحاصل لمبادي الأعصاب وذلك من الريحي. وأما استرخاء الأعصاب وضغط أجزائها بعضها على (411) بعض ولا شك أنه عند ذلك يتعذر على القوة المحركة للصدر النفوذ على الواجب فيحصل الغطيط. والسكتة من الأمراض الحادة جدا فهي لا تجاوز السابع لأن الأفة فيها حاصلة في عضو رئيس فلا يحتمل صعوبة المرض أكثر من هذه PageVW1P168B المدة فلذلك قال فإنه لا يتجاوز السابع.
البحث الثالث:
قوله «إلا أن يحدث به حمى» المادة الموجبة للمرض المذكور محتاجة في مداواتها إلى تحليل وتلطيف وليس شيء في ذلك أبلغ من الحمى. فإنه لا يقوم مقامها شيء في التحليل والتلطيف والتسخين والتجفيف. وشفاء المرض المذكور بالحمى يدل على أن سببه ما ذكرنا وسبب حصول الحمى بمن هو بهذه الصورة مجاهدة الطبيعة ومقاومتها للمرض المذكور بحصوله في عضو. وقد عرفت ما هي السكتة وأنها تنقسم إلى قوية وضعيفة. ومراده PageVW5P212B هنا بها القوية وكذلك (412) فإنه ذكر ما يدل على ذلك وهو الغطيط فإن الغطيط لا يحصل إلا في القوية والله أعلم (413).
52.
[aphorism]
قال أبقراط: قد ينبغي أن يتفقد باطن العين في وقت النوم فإن (414) تبين شيء (415) من بياضه (416) والجفن منطبق وليس ذلك يعقب اختلاف دم (417) ولا شرب دواء فتلك علامة رديئة مهلكة جدا.
[commentary]
الشرح: أما الصلة هذا بما قبله فهي أن الفصل الماضي يتضمن ذكر حالة دماغية توجب أيضا ضررا في القوة المحركة للصدر، وهذا أيضا يتضمن ذكر حالة دماغية توجب (418) أيضا ضررا في القوة المحركة للأجفان. وقدم ذكر ما يتضمن ضرر القوة المحركة للصدر على ما يتضمن ضرر القوة المحركة للأجفان لأن الحركة الأولى أشرف من الثانية. قوله «ينبغي أن يتفقد باطن العين في وقت النوم»، نقول ظهور بياض العين عند التغميض قد يكون لقصر الجفن في الأصل وقد يكون ليبس في الأجفان فتقصر عن الالتفاء والانطباق عند التغميض. ومراد أبقراط للظهور الحاصل للضعف فإن قوله «ينبغي أن يتفقد باطن العين» يخرج الظهور الطبيعي لأنه موجود في حالة الصحة. ومثل هذا لا يصلح أن يقال له يتفقد لأنه حاصل ليس له حاجة بالتفقد. وقوله «ليس ذلك يعقب اختلاف أو شرب دواء» يخرج اليبسي فبقي أن يكون سببه ضعف القوة المحركة للأجفان وعجزها عن الانطباق على ما ينبغي لكن قد يكون هذا العجز لا للضعف بل لاحتلال القوة في فعلها وهو اشتغالها بمقاومة موذ للدماغ كما في قرانيطس وليثرغس فإن في هذه الصورة ينام العليل وتبقى العين مفتوحة ولا شك أن ذلك ليس بطبيعي ولا يبسي ولا للضعف. فلذلك عبر عن ذلك بلفظه قد أتى أن دلالة ذلك على ضعف القوة المحركة الدماغية للأجفان دلالة أقلية. ومتى حصلت كانت علامة رديئة مهلكة جدا أي دالة على الموت السريع بخلاف الكائن للإسهال سواء كان عن شرب دواء أو عن هيضة التي أرادها بقوله اختلاف لأن حدوث ذلك يكون دفعة فإذا انقطع وعادت الأعضا إلى الاغتذاء ولا شك أنها PageVW5P313B ليس فيها مانع من قبول الغذاء الموجب لبرد الرطوبات فيمكن الترطيب بالتغذية في مدة قصيرة. وأما إذا كان ذلك عن المرض كان وقوع ذلك في زمان طويل لأن الرطوبات لا تنحل عن المرض إلا قليلا قليلا وصار هذا القدر يظهر في الجفن أو لا لأنه يابس في الأصل. فإن (419) جوهر غضروفي فيكون الجفان إليه أسرع من غيره من أعضاء الوجه لأن أعضاء الوجه الغذاء (420) الآتي إليها يصل إليها من جهة الدماغ. فإذا انقطع عنها ذلك لضعفه عن إحالة الغذاء (421) ذلك لنفسه ولغيره ضعفت أعضاء الوجه وضعف أولا منها ما كان مستعد الجفاف وهو الاجفان والله أعلم.
53.
[aphorism]
قال أبقراط: ما (422) كان من اختلاط العقل مع ضحك فهو أسلم وما كان منه مع هم وحزن فهو أشد خطرا.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أن الفصل الماضي يتضمن ما يدل على ضعف قوى الدماغ اللازم لنقصان غذائه اللازم للجفاف الساذج، وهذا الفصل يتضمن ما يدل على أحوال الدماغ بما يستولى عليه من السوء المزاج اليابس المادي. قوله «ما كان من اختلاط العقل مع ضحك فهو أسلم»، قال جالينوس ليس من اختلاط العقل شيء سليم إلا أن الاختلاط الذي معه ضحك فهو أقل خطرا وهذا أحق. فإن الذهن لا يختلط إلا الأمر قوي (423) غير أنه متى كان مع ضحك دل على أن المادة الموجبة له مادة دموية (424) محترقة والدم المحترق نكايته بالاعضاء أقل من نكاية الصفراء والسوداء المحرقتين والبلغم المحترق. وإن كان أقل نكاية من الدم المحترق لأنه أبرد من الدم في الأصل وأرطب بالرطوبة الغريبة غير أنه لم يبلغ المحترق يبلغ من قوة إحراقه إلى أن يوجب اختلاط الذهن ومع ذلك لو فرضنا أن البلغم المحترق يبلغ من قوته وتأثيره إلى أن يفعل الفعل المذكور. فإن الدم المحترق أقل نكاية منه فإنه طبيعي وهو العادى على المذهب الحق (425) ومادة الحرارة الغريزية بخلاف البلغم فإنه كيف كان خارجا عن الطبيعة بالنسبة إلى الدم؟ ولما كان حال الاختلاط الحاصل عن احتراق الأخلاط الأربعة لذلك قال PageVW5P314A إن الحادث عن احتراق الدم أسلم (426) أي من غيره ولم يقل سليم. وصار هذا النوع من الاختلاط أسلم (427) لأن حرارة الدم أكثر غريزية من باقي الأخلاط. فإذا احترق لم يبعد عن ذلك بعد غيره من المواد ورطوبته بعينه على الانبساط والانتشار فيعرض لصاحبه عند احتراقه حالة شبيهة بالرعونة والحمق فلذلك كان الاختلاط الدموي معه ضحك. وأما الذي يكون معه تقحم وإقدام وكثرة اضطراب فسببه مادة صفراوية محترقة لأن هذه إذا احترقت كانت شديدة النارية واليبس فتكون نكايتها بالدماغ قوية جدا والذي يكون معه من وحزن وكآبة فسببه مادة سوداوية فإن هذه لميلها إلى البرد واليبس وسواد اللون تجمع النفس ويقبضها ويمنع الحرارة الغريزية والقوى البدنية من الانبساط والانتشار وبالجملة يعرض منها ضد ما يعرض مع الفرح. فيحصل من ذلك الهم والحزن والكآبة. ولما كانت السوداء موجبة لذلك وكان الطحال جامعا وجاذبا وحاصرا لها، قيل أن الطحال من آلات الضحك لكن من الآلات العرضية. وإن كان مع الاختلاط فتور في الحركات وجبن وسكون فهو حادث عن البلغم المحترق والله أعلم.
54.
[aphorism]
قال أبقراط: نفس البكاء في الامراض الحادة التي يكون معها حمى دليل رديء.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فظاهرة، فإن نفس البكاء هو الذي ينقطع في وسطه شبيه بنفس الصبى عند بكائيه (428) وله أسباب. أما في الأمراض التي ذكرها فسبب ذلك احتراق المواد بحيث أنها تقبض القوى وتمنعها من الانبساط التام. وإذا كان حال هذا الفصل كذلك ناسب أن يذكر عقيب الفصل الماضي المتضمن ذكر ما تؤثره المواد السوداوية. وأما في غير هذه الأمراض فهذا النفس له سبب من جهة القوة وسبب من جهة الآلة والكائن من جهة القوة إما لأن القوة المحركة في الأصل ضعيفة وإما لمانع يمنعها من النفوذ على الواجب، وذلك لسدة في الأعصاب، وإما لاشتغال الدماغ بافة فيه،فتشتغل القوة التي فيه بمقاومة المؤدي عن النفوذ كحركة (429) التنفس PageVW5P314B على الواجب. والكائن من جهة الآلة هو أن يكون صلبه فلا تطاوع القوة للتحريك. PageVW1P167A وفي هذه الصورة جميعها تعجز القوة عن أن تبسط الصدر قدر الحاجة، وعند ذلك تقف كالمستريحة في وسط المسافة، ثم بعد ذلك تعود وتتم الانبساط فتقف قسرا ولذلك يغيرها عند الانقباض (430). وإذا كان حال نفس البكاء كذلك كان حصوله في جميع الأمراض علامة رديئة. لكن إنما خصص كلامه بالأمراض الحادة لأنه كان قد تقدم منه ذكر هذه الأمراض. وقال التي يكون معها حمى لأمرين: أحدهما لتخرج السكتة عن هذا الحكم، فإنها مرض حاد وليس معها احتراق المواد، وثانيهما ليفهم منه أن الموجب للاحتراق الموجب (431) للتنفس المذكور قوة المرض لأن طبيعة المادة الموجبة للمرض موجبة لذلك كالأمراض السوداوية، فإنه متى كان التنفس المذكور حاصلا فيها لم يكن فيه من الردأة كما إذا كان عن قوة المرض، وأحتاج إلى ذكر هذا القيد ليكون كلامه مناسبا لما مضى من كلامه في اختلاط الذهن لأنه حاصل عن المواد المحرقة الحاصلة عن قوة الحرارة الغريبة. ولا شك أن قوة الحرارة الغريبة (432) إذا أبلغت في القوة إلى أن تحرق المواد وتوجب ما ذكرناه من التنفس كان ذلك علامة رديئة والله أعلم.
55.
[aphorism]
قال أبقراط: علل النقرس تتحرك في الربيع والخريف على الأمر الأكثر.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أنه جواب عن اشكال مقدر وهو أنه لقائل أن يقول إذا كان البكاء واختلاط الذهن حادثين عن السوداء فلم كانا يحدثان في الربيع لأن طبيعة الربيع ليس من شأنها توليد المواد السوداوية. أجاب عن ذلك بقوله هذا هو أنه ليس توليد الأمراض الحادثة فيه بطبيعته بل بما يحدثه من حركة المواد لما عرفته في المقالة الثالثة من هذا الكتاب، ولهذا صار النقرس يتحرك فيه وهو حادث عن مواد مختلفة، فإنه يحدث عن مادة (433) دموية وصفراوية وبلغمية لطيفة. وضرب المثال بالنقرس لأنه مرض قد جمع بين الزمانة والحدة (434). ولا شك أنه قد تقدم منه ذكر أمراض حادة وهو لأن منتقل إلى ذكر أمراض مزمنة، ولما كان الحال كذلك ناسب أن يذكر PageVW5P315A هذا الفصل في هذا الموضع. وذكر الخريف في هذا الفصل لأنه ناسب الربيع في أحداثه للمرض (435) المذكور من جهة أن توليده له بطريق العرض كما ولده الربيع. فإن كل واحد من الفصلين المذكورين يولد ذلك بطريق العرض، أما الربيع فبواسطة إنهاض القوة وتسييل المواد وترقيقها، والخريف من جهة تكثيفه للمسام وجمعه (436) للمواد البدنية. فالربيع لما كان بطبعه يحرك المواد ويفعل فيها الفعل المذكور فأي عضو كان ضعيفا أنصبت تلك المواد إليه وفعلت فيه ما من شأنها أن تحدثه، والخريف أيضا لما كان شأنه الجمع والتكثيف للمواد المحترقة صارت إذا احتبست. فأي عضو كان قابلا لها مالت إليه وأوجبت فيه ما من شأنه أن توجبه والله أعلم.+++
56.
[aphorism]
قال أبقراط: الأمراض السوداوية يخاف منها أن تؤول إلى السكتة أو إلى الفالج أو إلى التشنج أو إلى الجنون أو إلى العمى.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحوث ثلثة
البحث الأول:
في الصلة. وهي (437) أنه لما تكلم في شيء من أحكام الأمراض الحادة انتقل إلى ذكر شيء من أحكام الأمراض المزمنة ليكون قد أعطى نوع المرض خطاء من الذكر وقدم ذكر ما توجبه المواد السوداوية على ذكر ما توجبه المواد البلغمية لأن كلامه فيما مضى في الأمراض السوداوية. قوله «الأمراض السوداوية» مراده بالأمراض المواد فكأنه قال المواد السوداوية يخاف منها كذا وكذا، فإنه كثيرا ما يطلق لفظة الأمراض على المواد (438) الموجبة لها كقوله «البقايا التي تبقى من الأمراض» أي من مواد الأمراض، وقوله «حيث كان العرق فهناك المرض» أي مادة المرض، وقوله «إنما ينبغي أن يستعمل الدواء أو التحريك بعد أن ينضج المرض» أي مادة المرض.
البحث الثاني:
قال ابن أبي صادق: «أحسب أنه لم يعن بالأمراض السوداوية نفس الأمراض بل المتهئيين للوقوع في الأمراض كمن يكون في صحته ماليخوليا أو سوداويا، فإنه يكون مستعدا للوقوع في الأمراض (439) التي ذكرها على أنه لو فهم منه نفس الأمراض كان جديرا بأن يكون حقا. فإنا نرى كثيرا ممن به صرع سوداوي يبرأ منه بجنون يصيبه كما يوجد كثيرا ممن به جنون يبرأ بصرع يعرض له». قال «ولا يلتفت إلى ما قاله الرازي من أنه رأى من طال به الماليخوليا أو السرطان في وجهه وبدنه وفي أصل أذنيه وفي مواضع [Y 315b] كثيرة من بدنه لا يصير إلى السكتة ولا إلى العمى». أقول هذا الكلام من أصله خال عن الفائدة فإنه على التأويل الأول لم يصح لأنه لا يجوز (440) أن يسمي المستعد للمرض مريضا والإ جاز أن يسمي الأصحاء مرضى، فإنهم مسعدون للأمراض. وعلى الثاني فهو أيضا خطاء فإن من حصل له مرض سوداوي لا يخاف منه (441) أن يحصل له منه مرض أخر بل الحق في هذا ما ذكرناه، فإن المواد السوداوية يخاف منها أن تحدث ما ذكره لأنها مستعدة لحدوثها وليس هذا خاصا بهذه المادة فقط بل (442) وبجميع المواد. وذكر هذه المادة على سبيل المثال وجعل المثال بها لأنه قد كان سبق منه ذكر أمراض سوداوية ثم أنه ذكر ما يحدث عنها من الأمراض الحادة والمزمنة. وما ذكر الرازي ليس بشيء.، فإن أبقراط جعل حكمه في مطلق الأمراض السوداوية لا في مرض واحد أي أن هذا المرض يخاف منه أن يحدث منه (443) كذا وكذا فإن هذا محال لا سيما إذا كان قد يمكن.
البحث الثالث:
في كيفية إيجاب هذه المادة لما ذكره. أما السكتة فإنها تكون من سدة تامة في بطون الدماغ ومجارى عروقه. ثم هذا السادة تارة يكون سوداء وتارة يكون بلغما وتارة يكون غير ذلك. فإن السدة تحدث عن الأخلاط إما لغلظها أو للزوجتها أو لكثرتها. وأما التشنج فالمراد به الامتلائي، فإن السوداء إذا داخلت جرم العصب غلظته وزادت في عرضه ونقصت فيه طوله وقد تفعل ذلك بلذعها إذا كانت محترقة. لكن هذا يخص باسم العقال في المشهور. وأما الفالج فهو عندما تقوي الطبيعة على دفع المادة عن أحد الجانبين إلى الجانب الأخر وهو الضعيف. وأما الجنون فذلك ظاهر. وأما العمى فهو عندما تميل إلى أحد عصبتي الروح الباصر أو إليهما جميعا وذلك بحسب الاستعداد وفيسد منفذها ويحجب الإبصار والله أعلم.
57.
[aphorism]
قال أبقراط: السكتة والفالج يحدثان خاصة بمن كان سنه فيما بين الأربعين سنة إلى الستين.
[commentary]
الشرح: ههنا بحوث (444) ثلثة
البحث الأول
في الصلة: وذلك ظاهر. قال جالينوس «لو أوصل هذا الفصل بما قبله كان ذلك حقا وهو أن يقال الأمراض السوداوية PageVW1P167B يخاف منها أن تؤول إلى السكتة أو الفالج اللذين (445) يحدثان خاصة لمن كان سنه فيما PageVW5P316A بين الأربعين سنة والستين، فإن هذا هو وقت توليد السوداء، فأما الحادثان عن البلغم ففي السن التي بعد هذه السن.
البحث الثاني:
قال الرازي «مراده بالسكتة والفالج الحادثان عن البلغم فإنه قال (446) لا سن من الأسنان أشد استعدادا لهذين المرضين عن البلغم من سن الكهول من قبل أن كلا سني الصبى والشبيبة حارة بعيدة عن حدوث الأمراض الباردة الرطبة وسن الصبى وإن كان فيها رطوبة فإن حرارتها غريزية والتحلل فيها متوفر فتسلم من الأمراض الرطبة (447). وأما الشباب فمزاجهم مضاد في الكيفيتين جميعا للبلغم. وأما المشايخ فاليبس مستول عليهم فإن الحيوان كلما كان أسن كان دماغه أجف فلم يبق في الأسنان ما هو أكثر استعدادا لهذين المرضين إذا كانا بلغميين سواء الكهول. وأما استعدادهم لهما إذا كانا سوداويين فبعيد لقلة حدوثهما عن السوداء حتى أنا لم نجد طبيبا يروم أن يرطب مفلوجا أو مسكوتا».
البحث الثالث:
هذا الكلام من الرازي فيه نظر. فإن لكل سن من الأسنان مادة مخصوصة فكما أن لسن الصبى المادة الدموية والشباب المادة الصفراوية والمشايخ المادة البلغمية والكهول المادة السوداوية. وأما قوله أن المشايخ اليبس مستول عليهم نقول لا شك أن مزجتهم الأصلية كذلك. وأما بحسب ما يتولد في أبدانهم من ضعف الهضم فالرطوبة الغريبة متوفرة فيهم ولا شك أن مادة المرض المذكور الرطوبة الغريبة. وأما قوله أنا «لم نجد طبيبا يروم أن يرطب مفلوجا أو مسكوتا» نقول لأن حدوث ذلك عن السوداء قليل الوجود ولأن الغالب على مزاج الدماغ البرودة والرطوبة واغتداؤه بدم بارد رطب أو ببلغم على اختلاف المذهبين. ولما كان حاله كذلك صار أكثر حدوث السكتة والفالج من المواد البلغمية بخلاف حصولهما من المادة السوداوية. وأبقراط جعل حكمه بحصولهما في هذه السن مأخوذا من جهة القياس بالنظر إلى نفس السن، فإن طبيعة السن تقتضي حدوث السوداء كما تقتضي باقي الأسنان لمادة مادة على ما عرفت والله أعلم.
58.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا بدأ الثرب (448) فهو لا محالة يعفن.
[commentary]
الشرح: PageVW5P316B لم (449) أجد لوضع أبقراط هذا الفصل في هذا الموضع علة لأنه مباين لما هو فيه ولذلك لم أجد له صلة بما قبله بل الواجب أن يكون هذا الفصل ذكره بعد ذكر قوله «من حدث به في دماغه قطع» فإن هذا القدر من لوازم تفرق الاتصال. قوله إذا بدأ الثرب أي إذا ظهر إلى خارج بخراجات واقعة في المراق والثرب هو الغشاء الملبس على المعدة والمعاء وغيرهما من الأعضاء الموضوعة في الجوف الأسفل. وقوله «لا محالة يعفن» وذلك لأنه إذا خرج برد بردا شديدا (450). فإنه لرطوبته ودهنيته شديد الانفعال مما (451) يرد عليه، فإذا خرج ضعفت الحرارة الغريزية التي فيه ثم أعيد إلى موضعه. فإنه يعفن لحصوله في موضع حار رطب ويولد في الجراحة بعد ختمها فتقا. ولذلك تقطع الأطباء ما ينذر منه اللهم إلا أن يكون زمان ظهوره قصيرا جدا. والزمان حارا أو يسيل عليه دم كثير فإنه إذا صادف هذه الأمور لم يبرد. وإذا برد وأعيد إلى موضعه لم يعفن. فأما ما يظهر مع الثرب من زواية الكبد أو من المعاء فإنه إذا أعيد إلى موضعه فإنه لم يعفن (452) وذلك لصلابة جوهره والله أعلم.
59.
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به وجع النسي (453) وكان وركه ينخلع ثم يعود فإنه قد حدث فيه رطوبة مخاطية.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان
البحث الأول:
في الصلة: لما تكلم فيما يوجبه المواد السوداوية تكلم فيما توجبه المواد البلغمية وذكر ما يوجبه من أوجاع المفاصل لأنه قد تقدم له كلام في النقرس الذي هو منها قوله «من كان به وجع النسي» المراد به الوجع المزمن فإنه قد عرف أنه إذا قال من كان به كذا المراد به ما تقادم عهده من ذلك. وقال «وجع النسي» ولم يقل وجع عرق النسي (454) بحسب المشهور في زماننا اليوم وذلك لأن النسي اسم للعرق. ومن هذا الوجه يسمي النسي لأنه لقوة وجعه ينسى غيره من الألم. قوله «وكان وركه» يريد به عظم الفخذ فإنه يقال له الورك على سبيل المجاز، وإنما لم يقل عظم الورك ليعلم أنه أراد به الطرف الذي عند الورك. قوله «ينخلع ثم يعود» المراد به أنه يكون سهل الزوال سهل العود وهذا سببه توفر الرطوبة المرخية للرباطات حتى PageVW5P317A لا يبقى فيها مما نعة عن الانخلاع ولا عن العود إلى الموضع الطبيعي. ومراده بالرطوبة المخاطية الغليظ من البلغم (455).
البحث الثاني:
قال جالينوس في كتاب الميامر «العلة إذا كانت في المفاصل كلها كان من ذلك وجع المفاصل، وإذا كانت في مفصل الورك وحده سميت عرق النسي. وإذا كانت في القدم سميت نقرسا. والعلة التي يقال لها النقرس إنما ييبتدي من مفصل واحد والتحقيق في ذلك وجع النسي هو من جملة أوجاع المفاصل وهو وجع يبتدي من مفصل الورك وينزل من (456) خلف على الفخذ وربما امتد إلى الركبة وإلى الكعب وإلى أصابع القدم وهو ما بين الخنصر والبنصر منها. ومادة عرق النسي تنجلب إلى أسفل من المفصل المذكور في عصبة عريضة وصار قصد العرق المشهور وهو الذي بين الخنصر والبنصر مسكنا لوجعه، وذلك لأنه يخرج المادة المزاحمة للعصبة وصار ملمس الدم الخارج باردا لأنه ستفيد البرد من مجاورة العصبة. والدليل على أن مادة هذا الوجع منحدرة إلى العصبة من وجهين (457): أحدهما أن الشد بالنوار عندما يراد فصد العرق (458) المشار إليه (459) ينحدر الموضع، وقد عرفت أن الوجع الخدري خاص بالعصب، والثاني أنه قد عرف بالتحربة أن الصموغ المسهلة فعلها في الأعصاب والأغشية. والتجربة أيضا تشهد أن صاحب النسي إذا استعمل الأدوية المذكورة انتفع بها في إزالة وجعه وتسكينه وصار وجعه يختلف في الامتداد إلى أسفل على ما عرفت وذلك لوجهين: أحدهما من جهة طول مدته وقصرها فإنها متى طالت نزل (460) الوجع إلى أسفل. وثانيهما من جهة المادة في مقدارها وهو أنها متى كانت متوفرة المقدار انحدر الوجع إلى أسفل، ومتى كانت قليلة لم تنحدر. وأوجاع المفاصل غير عرق والنسي والنقرس PageVW1P170A إذا عولجت واستوصل مادتها لم تعد بسرعة. وأما النسي والنقرس (461) فيهما مما يعود بسرعة من أدنى سبب وذلك لوضع العضو في أسفل البدن. وهما مما يتوارث خصوصا النقرس ومادة النسي في الأكثر بلغمن لزج PageVW5P317B بطي التحليل. والدليل على أنه بلغم انتفاع صاحبه باستعمال المسهلات للبلغم. والدليل على غلظه احتياج صاحبه إلى مسهلات متواترة، واستعمال ما يحلل من النطولات وغيرها وسبب النقرس دم لطيف أو صفراء وربما كان في بعض الأوقات عن بلغم لطيف والله أعلم (462).
60.
[aphorism]
قال أبقراط: من أعتراه وجع الورك المزمن وكان وركه لا ينخلع فإنه (463) رجله كلها تضمر ويعرج إن لم يكوي (464)."
[commentary]
الشرح: ههنا بحثان
البحث الأول:
في الصلة. وذلك ظاهر حتى إن جالينوس قال «لا ينبغي أن يعزل هذا الفصل عن الفصل الذي قبله بل ينبغي أن يقرن به حتى يكونا قولا واحدا، وهو أن يقول «صاحب وجع النسي» الذي يعرض من قبل كثيرة الرطوبة البلغمية في الورك إن كان ينخلع فخذه ثم يعود إلى موضعه فرجله كلها لا محالة على طول المدة تضمر وتنقص إن لم يبادر فيجفف تلك الرطوبة بالكي».
البحث الثاني:
الفرق بين وجع الورك والنسي أنه متى كان الوجع حاصلا (465) بمفصل الفخذ ولم ينزل إلى أسفل فإنه يسمي وجع الورك. ومتى امتد إلى أسفل ونزل فإنه يسمي وجع (466) النسي. وانخلاع الورك يكون لرطوبة بلغمية تبل رباط المفصل وترخيه. وعند ذلك ينخلع المفصل عن موضعه أي تخرج الزمانة عن موضعها. ومتى حصل ذلك حصل العرج لقلة التمكن من الوقوف على الرجل وضعفها عن حركة النقل. ومتى يقيت الرجل على هذه الصورة ضمرت لوجوه ثلثة: أحدها استيلاء البرد عليها من البلغم، وثانيها لقلة حركتها وعند ذلك تضعف عن إحالة الغذاء الوارد إليها، وثالثها أن تجاويف العروق التي هي مصب الغذاء إلى الرجلين يتغير وضعها الطبيعي بخروج المفصل عن موضعه فيعرض لها التواء (467) ويتغير عن استقامتها الطبيعية فيتعذر نفوذ الغذاء فيهما إلى الرجل على الواجب فيقل اغتذاؤها وتضمر. فإذا كوى المفصل جفت الرطوبة التي كانت ترخي الرباط المهيئة لزوال الزمانة عن موضعها، وعند ذلك تبقى الزمانة في موضعها وينصلح حال المفصل ويشتد ويقوى وأيضا فإن الكي يشد رخاوة الجلد الذي PageVW5P318A كانت الزمانة تميل إليه والله أعلم.
تمت المقالة السادسة تحمد الله وعونه...
ومنه المقالة السابعة وعدد فصولها أحد وستون * فصلا. (1)
1
[aphorism]
قال الإمام الأوحد أبقراط رحمة الله * عليه (2) : برد الأطراف في الأمراض الحادة دليل رديء.
[commentary]
الشرح: هاهنا ثلاثة * بحوث (3) .
البحث الأول:
أقول إنما ابتداء أبقراط في هذه المقالة بهذا الفضل، وذلك لأنه انتهى كلامه في آخر السادسة في أوجاع المفاصل، وذلك يلزمه برد الأطراف لأنها حادثة في الأكثر عن مواد بلغمية، وهي باردة * اللمس (5) ، فتكون الأطراف كذلك. ومثل هذه البرودة لا تدل على المكروه لأن طبيعة المادة الموجبة لذلك كذلك، فلما كانت البرودة في الأمراض المزمنة كذلك ربما ظن أن حكمها في الأمراض الحادة كذلك فنبه على فساد هذا، وقال إنها في الأمراض الحادة علامة رديئة على * ما (6) ستعرفه.
البحث الثاني:
أطراف البدن كالأذنين ورأس * الأنف (7) والكفتين والقدمين وبرد هذه في الأمراض الحادة دليل رديء. قال جالينوس: «لأنه يدل على ورم عظيم في الأحشاء بحيث أنه يجذب الدم إلى جهته كما تجذب المحجمة للدم، والدم حار، فتبرد الأطراف وتلتهب الأحشاء بحيث أن صاحبه لا يقدر أن يلقي عليه ثوبا أو غيره». وهذا وجه ضعيف لوجهين: أحدهما أن هذا التعليل أخص من الحكم، فإن المرض الحاد أعم من أن يكون معه ورم في الأحشاء، وليس في كلام أبقراط ما يعطي * هذا (8) التخصيص بل جعله عاما. فإن مراده بالألف واللام في قوله «الأمراض» الاستغراق في الجنس، لأن الحكم المذكور صحيح في جميع الأمراض الحادة. وثانيهما أن * المرض (9) لورم في الباطن يكون معه التهاب في الأحشاء، وأبقراط لم يذكر في هذا الفصل شيئا من هذا بل هذا قد سبق ذكره منه، وسنتكلم فيما بعد فيما يناسبه. وقال ابن أبي صاقد: «وذلك لنقصان الحرارة الغريزية وضعفها عن الانتشار إلى الأطراف». وهذا كلام ضعيف، فإنه ليس الموجب لسخونة الأطراف في الأمراض الحادة قوة الحرارة الغريزية وتوفر مقدارها حتى تكون قلتها وضعفها موجبا لبردها، بل PageVW5P318B الموجب لسخونتها الحرارة الغريزية التي الحكم لها، والحق عندي في هذا أن يقال سبب ذلك ضعف القوة بحيث أنها لا تفي بدفع الحرارة الغريبة عن القلب والأعضاء الشريفة إلى جهة الأطراف التي هي أخس من تلك. ولا شك أن هذا دليل رديء.
البحث الثالث:
لقائل إن يقول: هذا الحكم يناقضه ما قاله في رابعة هذا الكتاب حيث قال: «أي موضع من البدن كان حارا أو باردا ففيه المرض»، وذلك لأنه قد علم أن سبب برد الأطراف في الأمراض الحادة على ما ذكره جالينوس ورم حاصل في الأحشاء، فتتجه القوى والحرارة الغريزية إلى جهته لمقاومته، فتبرد الأطراف لبعدها عن محل الحار الغريزي، وعلى ما ذكره ابن أبي صاقد «ضعف الحرارة الغريزية في القلب»، وعلى ما ذكرنا ضعف القوى القلبية. فعلى جميع التقادير لا يكون حيث البرد فهناك المرض، وإذا كان الحال فيما ذكرنا كذلك فكلامه حينئذ هنا إن كان صحيحا * فما (10) ذكره في الرابعة فاسد، وإن كان هنا فاسدا فما ذكره في الرابعة صحيح. قلنا الجواب عن ذلك أن أبقراط يريد في الرابعة بدلالة كل واحد من الحرارة والبرودة على مكان المرض إذا وجد أحدهما خاليا عن الآخر لا إذا وجدا معا في البدن وفرق بين الصورتين. ولأجل هذا قال: «أي موضع من البدن كان حارا أو باردا، ففيه المرض»، أي إذا وجد في البدن موضع حار من غير أن يكون فيه موضع * آخر (11) بارد أو بالعكس لا ان يجتمعا معا في البدن في * موضعين (12) مختلفين. وحكمنا ذلك إنما هو بحسب الأكثر وغالب الأمر، وإذا عرف ما ذكرنا لم يصح ما قيل في التناقض لأن حكمه في الرابعة بشرط ذلك * بشرط (13) منتف في حكمه هاهنا. وقد علم في المنطق أنه لا بد من اتحاد الشرط في التناقض والله أعلم.
2
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان في العظم علة وكان لون اللحم * فيها (14) كمدا فذلك دليل رديء.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فظاهرة، لأنه يتضمن ذكر أثر ظاهر يستدل به على حالة باطنة، وهو كمودة لون الجلد على علة باطنة PageVW1P170B * لحال (15) الماضي، فإنه أيضا يتضمن ذكر ذلك * لبرد (16) الأطراف على ضعف القوى في الباطن. PageVW5P319A وأما أن «ذلك دليل رديء» فلدلالة على قوة العفن، وتمكن الفساد من العظم بحيث أنه أفسد ما حوله من باقي الأعضاء حتى تأدى الفساد إلى ظاهر البدن، وهو الجلد. وهذه العلة هي المعروفة عند أطباء زماننا * بريح (17) الشوكة، وهو أن يكون قد استولى على العظم مادة فاسدة سمية بحيث أنها غيرت لونه، وربما فتته وقطعته قطعا، والله أعلم.
3
[aphorism]
قال أبقراط: حدوث الفواق وحمرة العينين بعد القيء دليل رديء.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أن حكمه كحكمه، فإن الأول كما * أنه (18) يتضمن ذكر أثر ظاهر يستدل به على أمر باطن، كذلك هذا الفصل فإنه يتضمن ذكر أثر ظاهر يستدل به على أمر * باطن، (19) كحدوث الفواق وحمرة العينين بعد القيء، فإنهما يدلان على ورم إما في المعدة أو في الدماغ على ما سنبينه، لا على مادة في المعدة إذا لو كان ذلك كذلك لزال بزوال المادة بالقيء. وأما بيان رداءة ذلك، فاعلم أن * الفواق (20) تارة يكون المادة رديئة في المعدة بحيث أنها تؤذي المعدة وتنكيها وتحوجها إلى أن تتحرك الحكرة المذكورة لقذفها، ويخص هذا سكونه بعد القيء لزوال سببه وإنه كائن قبل القيء لا بعده إلا أن يفرط القيء، فيحدث بعد ذلك اليبس وحمرة العينين لكثرة ما يرتقي إليهما من المواد الصفراوية. وأبقراط قال بعده:+++ وقد يكون لورم في المعدة يلذع صديده لفمها، ويوجب الحركة المذكورة وحمرة العينين * مما (21) يرتفع إليها من المواد الصفراوية ويخص هذا وجود الثقل في المعدة، وبهذا يفارق النوع الحادث لفرط القيء واستيلاء اليبس، وقد يكون لورم في الدماغ بحيث أنه ينحدر منه شيء إلى المعدة في العصب المتصل بفمها، فيؤديها ويؤلمها ويحوجها إلى أن تتحرك الحركة المذكورة لدفعه. ويخص هذا اختلال الذهن وفساد التنفس لتضرر القوة الآتية إلى الصدر المحركة له انبساطا وانقباضا. وأما حمرة العينين في هذا النوع، فهي أخص الأشياء به لقرب وضعها من الدماغ واندفاع شيء من المادة الموجبة للورم إلى جهتها لأنها قابلة لذلك بسبب تخلخلها ودوام حركتها.
البحث الثاني:
لقائل PageVW5P319B أن يقول * إن (22) الفواق كائن * عن (23) ورم في المعدة والدماغ، وإذا كان كذلك، فما بال أبقراط قال بعد القيء بل كان ينبغي له أن يقول قبله ومعه وبعده. فإن الحادث لانصباب المادة يكون ذلك قبله ثم يسكن بخروجه والكائن لليبس يكون بعده لما أوجبه من الجفاف واليبس، والكائن للورم يكون قبله ومعه * وبعده (24) ، فنقول هذا حق، لكن في قوله «بعده» فائدة، وهي أنا نعرف أن ذلك ليس لمادة مصبوبة في تجويفها بل لأمر ثابت فيها، وبقوله «حمرة العينين» تمييز الورمي عن التشنجي، وهذا هو الأصح بما أنذر به أبقراط، فإن الفواق * الورمي (25) أردى من التشنجي لكن يجب أن تعلم أن حمرة العينين في ورم الدماغ أكثر من الفواق، وفي ورم المعدة الفواق أكثر من حمرة العينين، والله تعالى أعلم.
4
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بعد العرق أقشعرار فليس ذلك بدليل محمود.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أنه يتضمن ما تضمنه ما قبله من الاستدلال بأمر ظاهر على أمر باطن، وهو ظهور القشعريرة بعد العرق على رداءة المادة الموجبة للعرق وقلة انطباء عنها للدفع والخروج على ما ستعرفه، فإن قيل: فإذا كان كذلك فلم قدم ذلك على هذا، * فنقول (26) : لأنه يتضمن * بعض (27) ما تضمنه الفصل الأول، وهو الاستدلال على الباطن من أمر السخنة، فإن الأول ذكر فيه الاستدلال من لون الجلد على حال الباطن وما بعده ذكر فيه أيضا الاستدلال من لون العين على الباطن. وصارت القشعريرة بعد العرق دليلا رديئا، وذلك لأنها تدل على أحد أمور ثلاثة: إما على أن المادة كثيرة فخرجت عن * مادتها (28) وبقي منها بقية * لكثرتها (29) أوجبت القشعريرة بعد العرق. وإما على أن القوة ضعيفة عاجزة عن دفع المادة المرضية بكمالها، فبقي منها بقية أوجبت القشعريرة بعد ذلك. وإما على أن المادة لم يتكامل نضجها بل كان بعضها رقيقا وبعضها غليظا، فاندفع الرقيق منها بالعرق وبقي الغليظ لقلة مطاوعته، وأوجب القشعريرة بعد ذلك وهذا جميعه يترتب عليه أحد أمرين: إما هلاك العليل إن قارن ذلك علامات رديئة، وإما طول المرض إن قارن * ذلك (30) علامات محمودة. وقوله: «وليس ذلك بمحمود»، ولم يقل: وذلك PageVW5P320A دليل رديء، لأن ذلك بالنظر إلى كونه استفراغا لبعض المادة المرضية، فهو محمود. وبالنظر إلى أنه دال على بقايا من المادة المرضية فهو رديء، فلما كان الحال كذلك عبر بعبارة تعطي الغرض وتوافق المقصود، فقال «ليس بمحمود»، والله أعلم.
5
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بعد الجنون اختلاف دم أو استسقاء أو حيرة فذلك دليل محمود.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول:
في الصلة وهي من وجهين: أحدهما أن هذا الفصل كالمقرر والمؤكد لما في الفصل الماضي، فإن هذا الفصل يتضمن ذكر أن زوال السبب يلزمه زوال المسبب كما يلزم اختلاف الدم والاستسقاء والحيرة زوال الجنون. قال: «وإذا كان كذلك فالدفع في الصورة الأولى بالعرق لو كان دفعا تاما لما أعقبه ما ذكره لكن حصول ما ذكره دليل على أن السبب لم * يزل (31) . وثانيهما أن الأول يتضمن ذكر حدوث حالة محسوسة دالة على حالة باطنة وهذا الفصل كذلك فإنه يتضمن ذكر حالة محسوسة دالة على * حالة (32) بدنية أيضا.
البحث الثاني:
نقول الاختلاف والاستسقاء دالان على زوال الجنون. أما أولا فلأن فيهما انتقال المؤدي عن الدماغ إلى غيره لكن في الإسهال خروج المؤدي عن جملة البدن، وفي الاستسقاء عن الرأس فقط، لكن فيه أمر آخر استدرك به، ما فاته بخروج المادة عن جملة البدن باطنة . وهذا الفصل كذلك، فإنه يتضمن ذكر حالة محسوسة دالة على * حاله (33) ، وهو ميل مزاج المادة إلى الرطوبة فضادت مزاج مادة * الجنون (34) ، ووجه حدوث ذلك. أما الاختلاف، فعندما قويت الطبيعة على المادة بالمداواة انتهضت لدفع المادة المرضية عن جملة البدن، ولذلك قدمه على غيره من العلامات المحمودة. وأما الاستسقاء، فهو أن المادة إذا انكسرت حدتها قويت القوة على دفعها إلى المعاء، وحصل منها الإسهال. وإن كانت ضعيفة عجزت عن دفعها، وعند ذلك تبقى محتبسة فيها وتغمر حرارتها وتولد الاستسقاء على ما ذكرنا. وفي الحقيقة ليس هذا الانتقال بمحمود إلا أن يحمل قوله ذلك ليس على الإطلاق بل بالإضافة إلى الصورة الأولى.
البحث الثالث:
قال ابن أبي صادق: «وهذا لأن المادة انتقلت من عضو أشرف PageVW5P320B إلى ما هو أقل شرفا، والدماغ أشرف من الكبد». قال: «غير أن هذا PageVW1P169A * فيه (35) نظر، فإن الدماغ مبدأ للقوى التي بها حس الحياة والكبد مبدأ للقوى التي بها بقاء الحياة. وعلى هذا التقدير يكون ما هو مبدأ لما به الحياة أشرف مما هو مبدأ الحس الحياة. فيكون الكبد أشرف من الدماغ. والذي أقوله في هذا إن الاستسقاء أسلم من الجنون وأرجى، وذلك لوجوه ثلاثة: أحدها أن الجنون مرض حاد والاستسقاء مرض مزمن،+++ والأمراض الحادة أشد خطرا من المزمنة، وذلك لقصر زمان الحادة وطول زمان المزمنة، فتتمكن من المعالجة في الثانية أكثر من الأولى. وثانيها أن الجنون المواد فيه خارجة في كيفيتها والاستسقاء المواد فيه خارجة في كميتها، والأول إضراره بالقوة أكثر من الثاني، ولذلك سمي امتلاء بحسب القوة، والثاني بحسب الأوعية وما يكون ضرره بالقوة فهو أشد خطرا مما ضرره بالأوعية لأن القوة عليها الاعتماد في التدابير الطبية. وثالثها أن الجنون يتضرر معه التنفس الذي به بقاء الحياة بل ربما تقطل في بعض الأوقات، وإنما قلنا ذلك لأن الدماغ مبدأ للأعصاب المحركة للصدر ومبدأ للقوة المذكورة أو لصدور الفعل عنها، ومتى تضرر التنفس لم يدخل الهواء البارد على ما ينبغي ولم يخرج البخار الدخاني أيضا على ما ينبغي، وعند ذلك يتغير مزاج القلب، ثم مزاج الروح المعد لقبول الحياة، وهذا القدر وإن كان حاصلا في الاستسقاء، فإنه يضعفه للكبد عن إحالة الورم على الواجب يتغير الأرواح التي هي بخاره عن الاستعداد لقبول الحياة على ما ينبغي، لكن حصول ذلك من الجنون أسرع وأشد، فلما كان الحال في الجنون والاستسقاء كذلك مدح أبقراط انتقال الجنون إلى الاستسقاء بمعنى أن الأفة انتقلت من الحدة والشدة إلى الزمانة والتراخي. لا أنا نأخذ المقايسة بين العضوين.
البحث الرابع:
قول: «أو حيرة»، فهم جالينوس من الحيرة الجنون القوى الدائم. قال « * وذلك (36) لأنا رأينا من كان به جنون يسير فاشتد وقوي ودام، وكان به سكون جنونه». قال: «وفكرت في أمره فوجدت PageVW5P322A السبب في برؤه شدة حركة تلك الأسباب التي كانت أحدثت له الجنون كما قد نرى في الأمراض الحادة * أنه (37) إذا حدث فيها أعراض قوية، فكثيرا ما تجلب بحرانا محمودا، فالحاصل مما ذكره أن اشتداده عند انحلاله كان بصورة البحران، فإن الأعراض تشتد فيه وتقوى ثم تسكن وتؤول إلى السلامة». وفهم ابن أبي صاقد منها سكون الجنون * وهدؤ (38) حركات صاحبه، وهو أن يزول الوثوب والأقدام، ولا شك أن الطبيعة في ذلك الوقت تقوى على نضج مادة العلة ثم على دفعها، ويكون السبب في ذلك المداواة الطيبة، أي الإفراط في استعمال المبردات والمرطبات، وفهم غيره من ذلك ليثرغس وبالجنون فراططس، فإن فرانيطس كثيرا ما ينتقل إلى ليثرغس، وهو عندما يفرط الطبيب في استعمال المبردات والمرطبات، وقد يحصل الاتنقال بالعكس لكن هذا الانتقال أجود لأن ليثرغس أقرب إلى الزمانة من * فرانيطس (39) ، وقد عرفت ما في هذا، فإن قيل المفهوم مما ذكر في الانتقال إلى ليثرغس أن المادة انتقلت من كونها صفراء إلى كونها بلغما، وهذا لا يتصور، فإن الأطباء اتفقوا على أن الانتقال الأخلاط بعضها إلى بعض ممكن في البعض دون البعض، فالأول كانتقال البلغم إلى الدم وإلى الصفراء أو السوداء والثاني كانتقال الصفراء إلى البلغم، فإن هذا محال. ومثاله في الخارج انتقال اللحم المنهري إلى الفج. وأما انتقال الفج إلى المنهري فجائز وذلك مثال للصورة الأولى. فنقول: معنى قولنا في فرانيطس ولثيرغس أن الإفراط في التبريد والتسخين لم ينقل نفس المادة الموجبة لفرانيطس التي هي الصفراء إلى البلغم وبالعكس، فإن هذا محال، بل إنها أضعفت الحرارة الغريزية التي هي آلة في الهضم * وترتيب (40) على ذلك ضعف الهضم وتقصيره، ويلزم ذلك كثرة توليد المواد الباردة الرطبة، وهذه الرطوبة غريبة، ولذلك ولدت مرضا آخر مقابلا للمرض الأول. ولو كانت غريزية لما ولدت مرضا البتة. وأما قول ابن أبي صادق أن هذا الفصل من الفصول المدلسة على أبقراط، فإنه كثير الاضطراب. وأنا PageVW5P322B أقول إنه من الفصول الصحيحة المنقولة عن أبقراط، وليس فيه اضطراب البتة على ما عرفت من شرحنا له والله أعلم.
6
[aphorism]
قال أبقراط: ذهاب الشهوة في المرض المزمن والبراز الصرف دليل رديء.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أن هذا الفصل كالمقرر والمؤكد لمقابله الفصل * الأول (41) ، وذلك من وجهين: أحدهما أن الأول يتضمن ذكر حصول حالة منذرة بالسلامة، وهذا يتضمن ذكر حالة منذرة بالعطب. وثانيهما أن الأول يتضمن ذكر حكم من أحكام الأمراض الحادة، وهذا يتضمن ذكر حكم من أحكام الأمراض المزمنة.
البحث الثاني:
قد عرفت أن الشهوة على نوعين: طبيعية ونفسانية. والطبيعية عامة لجميع الأعضاء، والنفسانية خاصة بفم المعدة، وهي تتم بقوة حساسة شاعرة * بعوز (42) الغذاء يأتي إليه من الدماغ والمنبه لهذا الحاس على * طلب (43) الغذاء السوداء والمنصبة * إليه (44) من جهة الكبد، فإنها يحمضها وعفوصتها تدغدغ فم المعدة وتلذعه. ومراد أبقراط بالشهوة هذه الشهوة. وذهاب هذه إما لضعف القوة الشهوانية، أي الآتية من الدماغ، وإما لسدة من العصب * الذي (45) تجري هذه القوة فيه. وأما لضعف في مبدأ هذه القوة بحيث أن القوى التي فيه تشتغل بدفع المؤذي عن النفوذ إلى العضو المذكور إلى غيره. وأما لقلة ما ينصب * إليه (46) من السوداء المنبه للقوة الحساسة الآتية إلى فم المعدة، ومراده هاهنا بالذهاب الكائن لضعف القوة لا لغيره. فإنه قال «في المرض المزمن»، ولا شك أن المرض المزمن طويل المدة، * فطول (47) مدته تضعف القوة وتتلاشى. وهذا القدر رديء في المرض المذكور من حيث هو علامة ومن حيث هو سبب. أما من حيث هو علامة، فلما ذكرنا، وأما من حيث هو سبب فلأن المرض المزمن يحتاج إلى غذاء متوفر لطول مدته على ما عرفت وتوفر الغذاء يفتقر إلى قوة الشهوة. فإذا كانت ضعيفة ترتب على ذلك قلة الغذاء، فيكون ذلك خلاف مقتضي حاجة المرض.+++
البحث الثالث:
قوله: «والبراز الصرف». PageVW5P323A قال جالينوس: «البراز الصرف هو الذي يخالطه شيء من الرطوبة المائية، وإنما يخرج فيه ذلك الداء الذي في البدن فقط إن كان من جنس الصفراء أو من جنس المرار الأخضر أو * الكراثي (48) أو * الزنجاري (49) » فالحاصل أن مراده بالصرف الخارج من أي خلط كان بحيث أن لا يخالطه نوع آخر. ومنهم من قال «إن هذه اللفظة تطلق على الخارج من الصفراء أو السوداء فقط». وصار هذا البراز رديء لدلالته على تمكن السبب الموجب له بحيث أنه لا يكون معه مزاج آخر يعد له. ومتى قارن هذا مرضا مزمنا كان رديئا لدلالته على أن المرض قد تمكن وصار مستويا. وقد علمت أن هذا المرض رديء جدا والله * أعلم (50) .
7
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث من كثرة الشرب اقشعرار أو اختلاط ذهن فذلك دليل رديء.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أنه لما استدل في الفصل الأول على الخلط الغالب على البدن بصرافة البراز ، ذكر في هذا الفصل دليلا آخر يدل على ذلك الخلط، وهو ما يظهر عن الشراب من الأثار. فإن الشراب من شأنه أن * يثيرها (51) ما يصادفه في البدن من المواد بسبب حرارة مزاجه ولطف قوامه. ومتى فعل ذلك فيها بخر منها أبخرة متوفرة لأن من شأن الألطف منها فالألطف إن يتصاعد غير أن أقبل المواد لذلك في الأكثر المواد الصفراوية لأنها ألطف المواد البدنية ولأنها هي التي إذا تبخر عنها بخار أحدث ما ذكره من اللذع الموجب للاقشارار والاختلاط الذهن. فإذا تحرك هذه الأبخرة إلى الجلد أوجبت القشعريرة للذعها للأعضاء الحساسة التي هناك فتهرت الحرارة الغريزية إلى الباطن ويستولى البرد على الظاهر، فتحصل القشعريرة. فتكون القشعريرة دليلا على غلبة الصفراء، وإن تحركت إلى الرأس خصوصا إن كان ضعيفا أوجبت سكرا مفرطا مع تشويش في * أفعاله (52) ، هو المراد باختلاط العقل. ولا شك أن هذا كله رديء لدلالته على استعداد مواد البدن وأعضائه للأدية، وهذا القدر يدل على قبول المواد الفاعلة لذلك العفن. وشرط في الشراب أن يكون كثيرا، أي في المقدار، PageVW5P323B ليقوي تأثيره، فإن قوة الأثر يكون لقوة المؤثر، * تارة (53) ولدوام تأثيره آخرى.
البحث الثاني:
أعلم أن جالينوس نزل هذا الفصل على وجه آخر، وهو ضعيف. فإنه قال «إن كثرة الشرب للشراب تملاء * الدماغ (54) دما ورياحا حارين، ولذلك توجد الحرارة فيهم أكثر، وخاصة في الرأس، ويوجد البدن * أيضا (55) على شبه ذلك». لا يكاد يعرض مع اختلاط * العقل (56) أقشعرار وبرد إلا في القليل منهم، والذين يعرض لهم القشعريرة هم الذين لا تشتعل حرارتهم الغريزية من الشراب، لكنها تخمد وتطفا من قبل كثرته عليها، كما يعرض للنار إذا ألقى عليها حطب كثير، والسراج إذا صب فيه زيت كثير دفعة. وهذا تأويل ضعيف لأن المفهوم منه أن الشراب لا يحدث منه اختلاط ذهن وقشعريرة إلا نادرا بل على ما قاله لا يمكن اجتماعهما البتة لأنه جعل علة أحداثه لاختلاط الذهن تسخينه للدماغ وللبدن أيضا، وأحداثه للقشعريرة إطفاءه للحرارة الغريزية وإخماده لها كما قد قال صنيع الحطب على النار والزيت على السراج. وعلى هذا التقدير والفرض لا يمكن اجتماع اختلاط الذهن والقشعريرة البتة في وقت، ولا شك أن هذا مخالف لقول أبقراط لأنه قال: «إذا حدث من كثرة الشرب اقشعرار واختلاط ذهن فذلك دريء» أي أنهما إذا اجتمعا معا، وعلى ما فهمه جالينوس كان يقول اقشعرار واختلاط ذهن، وهو لم يقل ذلك البتة. وإذا ظهر ضعف هذا التأويل ثبت أن الحق ما ذكرناه، والله أعلم.
8
[aphorism]
قال أبقراط: إذا انفجر خراج إلى داخل حدث عن ذلك سقوط قوة وقيء وقلق وذبول نفس.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان
البحث الأول:
في الصلة، وذلك من وجهين: أحدهما أنه لما ذكر في الفصل الماضي القشعريرة، وهي تحدث ذبول نفس وضعف في القوى في الظاهر لميلها إلى جهة الباطن لو رود المؤذي. فإن مرادنا بالسقوط الضعف، وربما أوجب القيء لانصباب شيء من المادة إلى المعدة، ذكر في هذا الفصل أمر آخر يوجب ذلك، وهو انفجار المدة إلى داخل المعدة. وثانيهما أن الخراج يشارك الشراب في أحداث القشعريرة من جهة مرور المادة الخارجة من الخراج بالأعضاء الحساسة. فإنها لما فيها من البورقية والحدة إذا مرت بالأعضاء المذكورة، فعلت فيها من النكاية والأذية ما تفعله المواد والأبخرة الصفراوية، فتهرب لذلك الحرارة الغريزية إلى داخل البدن وتحدث القشعريرة، غير أن أبقراط لم يتعرض لذكر القشعريرة عند انفجار الخراج إما للعلم بها وإما لأنها لن تحدث حدوثا محسوسا إلا إذا كان مادة الخراج مادة حادة. وأبقراط قال: «الخراج مطلقا سواء كان سببه مادة حادة أو غير حادة».
البحث الثاني:
قال جالينوس: «مراده بالخراج الدبيلية، ومن عادته أيضا يسميه في بعض المواضع التقيح،+++ ومراده بالداخل داخل المعدة، لا داخل الصدر أو المعاء. والدليل على ذلك قوله: «يحدث قيء» والقيء لا يكون إلا إذا كان الانفجار إلى داخل المعدة والذي إلى تجويف الصدر يكون معه سعال وضيق * النفس (57) وإلى المعاء إسهال، وأما حدوث الذبول، أي رخاوة الجسم وسقوط القوة، لما بيناه أن كل إفراط من استفراغ، فإنه مؤدي إلى ذلك لما عرفته ولسيلان المادة إلى عضو شريف قوي الحس الذي هو المعدة، والله أعلم.
9
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بعد سيلان الدم اختلاط ذهن أو تشنج فذلك دليل رديء.
[commentary]
الشرح: هاهنا البحثان.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أنه لما تكلم في الفصل الماضي فيما يحدث عن سيلان المدة ذكر في هذا الفصل ما يحدث عن إفراط سيلان الدم، وقدم ذكر أعراض سيلان المدة على ذكر أعراض سيلان الدم لما بين الماضي * وبين (58) ما قبله من المناسبة من جهة القشعريرة، وقد عرفت * ذلك (59) .
البحث الثاني:
في كيفية حدوث اختلاط الذهن عن ذلك. قال * الفاضل (60) جالينوس: «مراده باختلاط الذهن الهذيان واضطراب أفعال الدماغ لضعف القوى الدماغية بسبب الإفراط في خروج الدم كما يعرض لليدين والرجلين من الرعشة وعدم التمكن من * الثبات (61) بسبب ضعف القوة المحركة». وقال ابن أبي صادق: «يشبه أن يكون سبب ذلك أن اختلاف الدم يتبعه احتداد المرة الصفراء بسبب خروج المضاد لها والمصلح لمزاجها برطوبته، فإذا صارت هذه الصفراء إلى الدماغ أحدثت اختلاط PageVW5P324B الذهن. * قال: (62) «ولا شك أن هذا دليل رديء، فإن الإسهال يجب فيه أن ينحدر المواد إلى الأسافل، فإذا تصاعدت إلى فوق دلت على رداءة الحال من ضعف الدماغ. وأما التشنج فيدل على جفاف الأعصاب والعضلات لفرط الاستفراغ». واعلم أن في بعض النسخ «إذا حدث بعد سيلان الدم اختلاط في الذهن أو تشنج» وفي بعضها «وتشنج»، والأولى أصح، فإن اختلاف متى فرط بحيث أن يوجب التشنج لا يحدث اختلاط الذهن على ما فسره جالينوس، ومتى أحدث اختلاط الذهن على ما فسره * جالينوس (63) لم يبلغ أن يحدث التشنج، وعلى نسخة الأولى وهي الصحيحة، فالتشنج أقوى دلالة على الهلاك من اختلاط الذهن، والله أعلم.
10
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث عن القولنج المستعاد منه قيء وفواق واختلاط ذهن وتشنج فذلك دليل رديء.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان.
البحث الأول
في الصلة، وهي أنه لما بين أن فرط الاستفراغ يحدث اختلاط الذهن والتشنج، ذكر في هذا الفصل أن ذلك يحدث أيضا عن فرط الاحتباس . واسم القولنج مشتق من اسم محله، وهو المعاء. والمسمي قولن لأن الفضلات البرازية كثيرا ما يحتبس فيه غير أن مراده هاهنا بالقولنج أيلاوس، وهو ما كان خاصا بالمعاء الدقاق، وعند ذلك يكون تسميتهم للمرض المذكور على طريق الاستعارة، وهو من جهة الاشتراك في احتباس ما من شأنه أن يخرج بالطبع من الفضلات البرازية. وتفسير أيلاوس على ما ذكره جالينوس في أغلوقن يا رب ارحم. وقد عرفت أسبابه وأعراضه.
البحث الثاني:
في كيفية عروض ما ذكره عن القولنج المذكور. أما القيء فلشدة الاحتباس، فإن الطبع يبلغ من احتباسه في هذا المرض إلى أن يخرج بالحقن الحادة لقوة السبب الموجب للاحتباس ولبعد المعاء عن تأثير الحقن. فإن هذه الأمعاء لا يتولد فيها البراز، فكيف صار يحتبس في هذا المرض؟ فنقول: «لأن مادة البراز واصلة إلى المعاء الغلاظ * من (64) هذه المعاء التي هي محل هذا المرض، فإذا احتبس الطبع وتعذر اندفاعه إلى جهة السفل دفعته PageVW5P325A الطبيعة إلى جهة العلو غير أنه ينفذ منه أولا * فأولا (65) دفع الرطوبات الفضلية، ثم في الرجيع، فإن قيل الرجيع لا يتولد في المعاء الدقاق، * كيف (66) صار يحصل في هذا المرض في الرجيع؟» فنقول: «قد مضى الجواب عن هذا والفرق بين الخارج بالقيء في هذه العلة وفي العلة التي يقال لها انقلاب المعدة أن هذه العلة صاحبها يقذف ما أكله منهضما كيلوسيا، وسببه سحج في * البواب (67) أو في المعاء ذات اثنا * عشر (68) إصبعا، فإذا وصل الغذاء المنهضم إليهما لذعهما فيدفعانه إلى الجهة التي ينزل منها، وهي المعدة. ثم إن المعدة تنفر منه وتدفعه بالقيء إلى خارج، وفي هذه العلة لا يكون منتنا لأنه لم يطل مكثه ومقامه في المعاء الدقاق والخارج في أيلاوس يكون رديئا منتنا لطول مقامه ومكثه في المعاء الدقاق، وعند حصول القيء * يحصل (69) الفواق لما ينال فم المعدة من أذى ما اندفع إليها. وأما اختلاط الذهن فلمشاركة الدماغ للمعدة في الضرر، وهو صعود الأبخرة الرديئة الحاصلة من احتباس الثقل، والتشنج لضرر الأعصاب بمشاركة الدماغ. وصارت هذه الأمور دالة على السوء لدلالتها على تمكن السبب الموجب لانسداد المجري إلى أسفل حتى تعذر على الطبيعة الدفع إليه، وهذه الأعراض وإن حصلت في القولنج غير أن دلالتها في أيلاوس على الرداءة أبلغ من دلالتها على ذلك في * القولنج (70) ،+++ وذلك لقوة حس المعاء * الدقاق (71) وقربها من القلب وقلة اغتذاء الأعضاء فيه بالنسبة إلى اغتذائها في القولنج، وذلك لأن الكيلوس لا ينحدر إلى أسفل بحيث أن الكبد يتمكن من جذب صفوه. وأردى أنواع أيلاوس الالتواي، وهو الحادث عن التواء المعاء الدقاق، وهو الذي يعالج بابتلاع الزيبق الحي والله أعلم.
11
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث عن ذات الجنب ذات الرئة، فذلك دليل رديء.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلاثة
البحث الأول:
في الصلة، وهي أن هذا يتضمن ما تضمنه الفصل الأول من الدلالة على الرداءة، فإن الأول قد ذكر فيه دلائل رديئة دالة على رداءة المرض، وهي حصول القيء والفواق واختلاط الذهن والتشنج عن أيلاوس، وهذا قد ذكر فيه شيئا PageVW5P324B من ذلك، وهو حصول ذات الرئة عن ذات الجنب. وزاد فيه مع كونه * دليلا (72) رديئا أمرا آخر، وهو الانتقال، * لأنه (73) قد تكلم فيما بعد في الانتقالات الرديئة، وذلك ليكون هذا الفصل واسطة لما قبله وما بعده.
البحث الثاني:
في بيان رداءة هذا الانتقال. الانتقال الجيد عند الأطباء هو ان المادة الرديئة تنتقل من عضو أشرف إلى عضو أخس، ولذلك كان الانتقال من الباطن إلى الظاهر انتقالا جيدا، وبالعكس رديئا. ولا شك أن انتقال ذات الجنب إلى ذات الرئة من قبل العكس، فإن * أشرف (74) الأعضاء جميعها وخستها بحسب قربها من الأعضاء الرئيسة وبعدها عنها، لا سيما متى كان ذلك الرئيس القلب الذي معدن * القوى (75) جميعها على المذهب الحق، ومبدأ * آلات (76) تلك القوى. وعلى هذا التقدير الرئة * أشرف (77) من الغشاء المستبطن للأضلاع لأنها أقرب إلى القلب، بل هي محيطة به من جميع جهاته، وينضاف إلى هذا أنها أقبل لتأثير المؤثر من قبول الغشاء لذلك لسخافة جوهرها وتخلخلها، ومع بلوغ * ذلك (78) القدر * فيه (79) أمراضا أعسر برؤا من أمراض الغشاء لما عرفته غير * مرة (80) . ولما كان الحال كذلك كان هذا الانتقال أردى. وأما عكس هذا الانتقال فنادر الوجود لوجهين: أحدهما أن مادة ذات الرئة غليظة والمواد الغليظة يتعذر نفوذها في جرم الغشاء، وثانيهما أن ذات الرئة إن كانت * مادتها (81) قليلة، دفعتها الطبيعة بالنفث، وإن كانت كثيرة، خنقت وقتلت.
البحث الثالث:
قال جالينوس: «قد * جاء (82) في بعض النسخ من بعد ذات الجنب ذات الرئة من غير أن يلحق بذلك رديء، وهذا النقل يحمل على وجهين: أحدهما أن يقال إن من شأن ذات الجنب أن ينتقل إلى ذات الرئة، والآخر أن ذات الرئة يحدث بعد ذات الجنب. والفرق بين الوجهين أن الأول يشعر بزوال ذات الجنب * عند (83) حدوث ذات الرئة، والثاني يشعر باجتماعهما، والكل رديء، أما الأول، فلما عرفته، وأما الثاني، فلدلالته على كثرة المادة وقوفر مقدارها. ولما كان الحال في هذا النقال PageVW5P325A كذلك لم يحتج أبقراط إلى ذكر الحكم المذكور، وهو قوله: فذلك دليل رديء، والله أعلم.
12
[aphorism]
قال أبقراط: وعن ذات الرئة السرسام.
[commentary]
الشرح: أما الصلة، فلأن هذا يتضمن ذكر انتقال رديء أو ذكر علامة رديئة. أما الأول، فإن ذات الرئة إذا كانت من فضل مراري حاد فإنه يرتفع منه بخار حاد كثير المقدار. أما حدته فلحدة المادة، وأما كثرته * فإن (84) جوهر الرئة قابل للتبخير، فإذا ارتفعت * تلك (85) الأبخرة المذكورة إلى الدماغ ملأته ثم ورمته لأنها أبخرة صاعدة عن مواد رديئة عفنة، ومتى ورمته أحدثت المرض المعروف بالسرسام بعد ذلك، ويحتمل أن المادة الموجبة لذات الرئة ارتفعت جميعها إلى جهة الدماغ لضعفه بذلك، ويحتمل أن لا يرتفع جميعها بل عمت الجهتين، وإن كان الأول فهو انتقال رديء، فإن الرئة وإن كانت قريبة من القلب لكن الدماغ أشرف منها لأنه رئيس. وأيضا فإن PageVW1P171B الأعراض الرديئة الحاصلة في ذات الرئة حاصلة في السرسام من ضيق النفس وردائته لضعف الأعصاب المحركة للصدر. وإن كان الثاني فهو رديء لدلالته على كثرة المادة بحيث أنها عمت الجهتين ولدلالته على قوة الأفة بحيث أنها قهرت عضوا رئيسا على قبول تأثيرها. وقد جاء في بعض النسخ عوض السرسام البرسام، والمراد به اختلاط العقل على ما عرفت لأن مادة الرئة تنتقل إلى الغشاء القاسم، فتوجب المرض المذكور، وهذا متعذر الوقوع، ومع ذلك فإنه دفع رديء، والله أعلم.
13
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الاحتراق الشديد التشنج والتمدد.
[commentary]
الشرح: أما صلة هذا بما * قبله (86) ، فلأنه يتضمن ذكر الانتقال الرديء، وهو علامة رديئة، ومراده بالاحتراق الالتهاب الحاصل للبدن سواء كان من حمى محرقة أو عن شدة حرارة الهواء أو عن كي ومتى بلغ الالتهاب * الحاصل (87) من أي هذه كان إلى تجفيف رطوبات الأعصاب والعضلات وأوجب التشنج والتمدد الاستفراغيين، فهو رديء لدلالته على قوة الأفة، ولأن المرضين المذكورين رديئان، وقد يمكن أن يولد الالتهاب المذكور تشنجا وتمددا امتلائين PageVW5P325B عند ما ينجذب بسبب الحرارة الحاصلة من الالتهاب المواد إلى جهة الأعصاب والعضلات بحيث أنها تحدث المرضين المذكورين. ورداءة ذلك ظاهرة إلا أن * ذلك (88) أقل شرا من الأول، والله أعلم.+++
14
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الضربة على الرأس البهتة واختلاط الذهن.
[commentary]
الشرح: أما الصلة، فظاهرة لتضمنه علامة رديئة، وهي قوة الضربة بحيث أنها بلغت من القوة إلى أن أوجبت اختلاط العقل والحيرة. أما الأول، فلتشويش الأفعال الدماغية، وأما الثاني، فلانسداد بطونه ومنافذه بسبب الضغط الذي نال * الدماغ (89) لانكسار القحف بحيث امتنعت القوى من النفوذ في مسالكها، فبقي صاحبها باهتا، أي شاخصا، والله أعلم.
15
[aphorism]
قال أبقراط: وعن نفث الدم نفث المدة.
[commentary]
الشرح: أما الصلة، * فلأنه (90) يتضمن ذرك الانتقال الرديء. واعلم أن نفث الدم لا يعقبه نفث المدة إلا إذا كان الدم المنفوث خبيثا رديئا بحيث أنه يقرح جوهر الرئة ويولد المدة ويخرج بالنفث، وإلا فمتى كان الدم المنفوث صالحا فإنه كثيرا ما ينقطع ولا يوجب ذلك نفث المدة. وقد علمت أن الرئة مستعدة للتقريح بسبب * سخافتها (91) وتخلخلها ورطوبة مزاجها ولين قوامها والله أعلم.
16
[aphorism]
قال أبقراط: وعن نفث المدة السل والسيلان، فإذا احتبس * البزاق (92) مات صاحب العلة.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فلأنه يتضمن علامة رديئة. * فإنه (93) لما قال: «نفث الدم الخبيث من شأنه أن يحدث في الرئة قرحة»، * قال (94) «هذه القرحة إذا آل أمرها إلى هزال الأعضاء وذبولها فإنه المراد به السل». وإلا فالمرض نفسه الحادث عنه ما ذكره هو * السل (95) ، لكن هذا السل إذا أبلغ من قوته و تمكن العفن أن يسخن الأعضاء سخونة يحصل منها هزالها وذبولها كان ذلك رديئا. وأما السيلان، فقال جالينوس: «هذه اللفظة كان من عادة اليونان أن يطلقوها على انتشار الشعر وعلى رقة البراز وانطلاقه، والكل رديء في السل لدلالته الأول على عدم الغذاء بسبب استيلاء الجفاف، والثاني على شدة ذوبان الأعضاء لاستيلاء المذيب عليها PageVW5P326A أو ضعف القوة المساكة عن مسك الرطوبات». وقول: «فإذا احتبس * البزاق (96) مات صاحب العلة»، هذه العبارة فيها فائدتان: أحدهما قوله «احتبس * البزاق (97) »، ولم يقل«النفث»، لأمرين: أحدهما أن القوة إذا عجزت وضعفت عن دفع النفث دفعت منه قليلة ولطيفة وأيضا فيشابه * البزاق (98) . وإذا كان كذلك فيجوز تسميته به. وثانيهما أن لفظة البزاق في العرف العامى المراد بها دفع الريق المتولد دائما في الفم وعند هذا نقول فإذا عجزت عن * دفع (99) هذه المادة التي هي قريبة من الخروج ولطيفة وقليلة المقدار فبالأولى أن تعجز عن دفع النفث من الرئة الذي هو أغلظ قواما وأبعد مسافة وأضيق مسلكا وطرقا. وثانيتها قوله: «مات صاحب هذه العلة»، وذلك لأن الضعف إذا بلغ من احتباس النفث إلى أن لا يرجع في القوة نهضه لدفعه إلا إلى القليل منه والرقيق مع ذلك أو البصاق، فإن الخارج إذا احتبس، فإنه يسد مجاري التنفس بغلظة وكثرة مقداره ويخنق العليل، ولأجل هذا، قال «مات صاحب العلة»، ولم يقل «فإنه يموت»، أو «إن ذلك من علامات الموت». فإن قوله يموت * ان (100) يحتمل يقع ذلك في الاستقبال، وقوله من علامات الموت، أي في ذلك تراجى. وأما قوله: مات، * فإنه (101) * لفظة (102) * يدل (103) على المبالغة في قرب الموت لدلالته على الزمان الماضي، ويكون معناه ان موته قد وقع، والله * أعلم (104) .
17
[aphorism]
قال أبقراط: وعن ورم الكبد الفواق.
[commentary]
الشرح: أما الصلة، فلأنه يتضمن ذكر علامة رديئة، فإن ورم الكبد إذا بلغ من عظمه بحيث أنه يوجب الفواق فهو رديء من جهة * قوة (105) ضرره بالكبد ومن جهة * ضرره (106) بالمعدة، فإن تدبير عضوين على الطبيعة أصعب من تدبير عضو واحد، * وكذلك (107) على الطبيب. أما التجذبي فلأنه لا يوجب الفواق بالمجاورة إلا إذا كان عظيما جدا. وأما ايجابه بالمشاركة فعلى ما عرفت. وأما التقعبري، فإنه يوجب ذلك من الوجهين جميعا. قال جالينوس: «وقد * أخبر (108) أبقراط في ثانية كتاب ابيديميا أن * العصبة (109) التي وقعت بها المشاركة بين الكبد PageVW5P326B والمعدة دقيقة جدا، فلا يبلغ ورم الكبد أن يحدث الفواق بحيث أن الافة تصل إلى المعدة في العصبة إلا إذا كان الورم عظيما، والله * أعلم (110) .
18
[aphorism]
قال أبقراط: وعن السهر التشنج واختلاط الذهن.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فظاهرة لأنه منذر بحصول علامة رديئة. أما السهر فهو الإفراط في اليقظة، ولا شك أن اليقظة حركة لأن الطبيعة تحتاج أن تقل الأعضاء وتمسكها على هيئتها، ولذلك صار الإنسان إذا نعس * سقط (111) على الأرض لتعطيل القوة الإرادية عن مسك الأعضاء وإقلالها في اليقظة. وإذا كانت اليقظة حركة فيكون الإفراط فيها إفراطا في الحركة، والحركة محللة والتحليل استفراغ. فإذا بلغ التحليل في السهر إلى أن أحدث تشنجا كان ذلك دليلا رديئا لدلالته على فرط التحليل. وأما ايجابه لاختلاط العقل فمن جهة تجفيفه * لرطوبات (112) الدماغ وإحداثه لاحتداد المزاج الموجب لاضطراب حركة الأرواح واختلال أفعال القوى، والله أعلم.
19
[aphorism]
قال أبقراط: وعن انكسار العظم الورم الذي يدعى الحمرة.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فمن جهة العلامة الرديئة. قال جالينوس: «ليس المراد * به (113) أنه دائما إذا انكسر العظم، فإنه يتبعه الورم الذي يسمي الحمرة، بل هذا نادر، فإنه قد يحدث ذلك الورم عن الكسر، وقد لا يحدث.+++ وذلك بحسب مقدار المادة في الاستعداد للعفن وقوة العضو وضعفه في قبول الأفة، لكن إذا قارنه ذلك، فإنه رديء لما ستعرفه. وإنما صار إذا قارنه ورم كان حمرة في الأكثر لأن الموجب لانصباب المواد إلى جهة الكسر هو قوة الألم وشدته، فإن الألم لم جذاب للمواد وأقبل المواد لذلك المواد الصفراوية لأنها * ألطفها (114) وأحرها مزاجا. ومتى حصلت المقارنة كان ذلك رديئا من وجوه ثلاثة: أحدها من جهة المعالجة، وهو أنه بالنظر إلى الورم يجب استعمال المبردات المرادعات، وهي من أضر الأشياء بالعظم وبالنظر إلى العظم الذي هو الأصل في الأفة يجب أن يستعمل المسخنات لئلا يتأدى هو وما يجاوره من الأعصاب والأغشية، وهذه من أضر PageVW5P327A الأشياء بالورم. وثانيهما أن حدوث الورم المذكور يمنعنا من رد أجزاء العظم المكسور إلى موضعها الطبيعية. وثالثها تعفينه للعظم وايقاعه في ريح الشوكة، ولأجل هذا كان من الواجب على أبقراط أن يلحق بآخر الفصل لفظه رديء غير أنه تركها للعلم بها مما تقدم والله أعلم.
20
[aphorism]
قال أبقراط: وعن ورم الذي يدعى الحمرة العفونة والتقيح.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أنه لما كان كلامه في الفصل الماضي في الحمرة ذكر في هذا الفصل حكماء من أحكام الحمرة * أيضا (115) . واعلم أن الحمرة سواء كانت حادثة عن انكسار العظم أو عن غيره إذا حصل معها عفونة وقيح فهو رديء لدلالته على خبث المادة المورمة، وهذه المادة متى كانت كذلك أفسدت اللحم والعظم المكسور، فإن كانت القوة قوية رامت إخراج هذه المادة الرديئة. وقد عرفت أن إخراجه إما بالتحليل وإما * بالتقيح (116) . والأول جيد والثاني رديء لأن المادة المتقيحة تحتاج أن تثبت في العضو المتقرح زمانا طويلا، وفي ذلك الزمان يفسد ما ذكرناه لحدوثها والله أعلم.
21
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الضربان الشديد في القروح انفجار الدم.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أن ما قبله كان قد انتهى الكلام في حكمه إلى التقيح والتقيح لا يمكن بقاء الموضع منه إلا بخروجه * فيحتاج (117) أن يبط الموضع إما بالصنعة * وإما (118) من الطبيعة، وعند ذلك يسمي قرحة. قال: فهذه القرحة إذا حصل فيها ضربان شديد أعقب ذلك انفجار الدم، وذلك رديء، وبيان ذلك أنه قد عرف أن الوجع الضرباني له أسباب ثلاثة: إما ورم حار وإما أن محل الأفة قوي الحس وإما أن بقربه شريان. أما اشتراطنا ان * كون (119) الورم حارا فلأن المواد المذكورة اذيتها للقوة أشد من أذية الباردة لأنها أقوى الفاعلين، وعند ذلك تهتم القوة بدفع نكايتها اهتماما عظيما، والقوة الفاعلة لذلك من القوى الطبيعية القوة الدافعة، وليس هذا فعلها فقط، بل هي التي تدفع العرق في البخارين، وانفجار الدم والإسهال، وكذلك الحال فيها إذا كان محل القرحة عضوا حساسا، فإن الألم أيضا يكون قويا. وأما الشريان PageVW5P327B فإنه قبل حصول الورم كان ضربانه حاصلا لكنه كان مستورا بما حوله من اللحم. فإذا حصل الورم زاحمه وأظهر ضربانه وحينئذ إذا استمر حركة القوة المذكورة في الصورتين الأولتين أو حركة الشريان في الصورة الثالثة وآل أمر ذلك إلى انفجار الدم. فإن ذلك يكون رديئا جدا، لا سيما متى كان الانفجار في الشرايين، فإنها لن تنفجر إلا لسبب قوي. ومتى انفجرت تعذر إلحامها، وكان الخارج منها الأرواح الحيوانية والقوى الحيوانية، فالحاصل أن انفجارها رديء من كل وجه والله أعلم.
22
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الوجع المزمن فيما يلي المعدة التقيح.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فلأنه كالأول يتضمن الكلام في القرحة على ما ستعرفه، مراده بالوجع السحج. وقول: «ما يلي المعدة التقيح أي ما * يلي (120) المعاء الدقاق فإن قروح هذه أردى من قروح الغلاظ على ما عرفت. وخصص كلامه بالدقاق لأن غرضه أن يذكرها هنا ما يعرض من الحالات الرديئة جدا، ويخصص كلامه أيضا بالمزمن لأنه لطول مدته تكون القرحة قد تمكنت وآل أمرها إلى الفساد، ومثل هذه القرحة تكون حادثه عن مواد غليظة سوداوية، فإن القرحة الصفراوية مكثها إلى أسبوعين والبلغمية إلى شهر والسوداوية إلى أربعين يوما وما بعدها. لا شك أن القرحة إذا طالت مدتها كان أردى مما إذا قصرت، والله * أعلم (121) .
23
[aphorism]
قال أبقراط: وعن البراز الصرف اختلاف الدم.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فلأنه يتضمن ما تضمنه غيره من الفصول من العلامات الرديئة. ومراده بالبراز الصرف، وهو الخارج من أحد المرتين بحيث أن لا يخالطها غيرها حتى يكسر من أحدى كيفيتها. وهذا البراز إذا استمر جريانه اسحج الأمعاء وأوقع في إسهال الدم. ولا شك أن هذا أردى ، والله أعلم.
24
[aphorism]
قال أبقراط: وعن قطع العظم اختلاط الذهن إن نال الخالي.
[commentary]
الشرح: أما الصلة * فإنه (122) يتضمن ما ذكرناه من العلامات الرديئة، ومراده بالعظم قحف الرأس، وليس كل قطع يحدث ما ذكره بل بشرط أن ينفذ القطع في العظم حتى تبلغ إلى سطحه الداخل الذي يقضي إلى الموضع الخالي،+++ وهو ما PageVW5P328A بين القحف والغشاء الصلب، فإنه متى كان القطع كذلك وصلت الأفة إلى غشاء الدماغ ثم إلى جرمه بواسطته، وعند ذلك يفسد مزاج الدماغ * وإخراج (123) أرواحه الذي به استعدت لقبول قواه وصدور أفعاله على ما ينبغي، وهذا القطع يسمي على الإطلاق شجة، ثم على الخصوص ينقسم بحسب المشهور إلى ستة أقسام: الصادعة والهاشمة والواضحة والمنقلة والمأمومة والجايفة. فالصادعة هي التي لا يحصل منها الا صدع العظم، والهاشمة هي التي * ينهشم (124) لها العظم، والواضحة هي التي يتبين منها بياض العظم، والمنقلة هي التي يخرج فيها شيء من العظم، فالمأمومة هي التي تبلغ إلى أمى الدماغ، والجايفة هي التي تبلغ إلى تجويف الدماغ. قال جالينوس: «وأما رنيوس فلا أدري ما دعاه إلى أنه كان يقطع قول أبقراط ويجعل الفصل وحده قوله وعن قطع العظم اختلاط الذهن، وقول إن نال الخالي ابتداء فصل آخر وتمامه قول والتشنج الذي يكون من شرب الدواء مميت. قال جالنوس: «لو انفصل القول * الأول (125) لما تم بأقراط غرض، وذلك أن قطع عظم الرأس لا يوجب اختلاط إلا إذا وصل القطع إلى الموضع الخالي حتى تصل الأفة إلى غشاء الدماغ ثم إلى جرمه على ما عرفت» والله أعلم.+++
25
[aphorism]
قال أبقراط: التشنج من شرب الدواء مميت.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فمن وجهين: أحدهما أن كلام أبقراط في هذا الموضع كله فيما كان حدوثه رديئا جدا سواء كان ذلك الحادث عن دواء أو غيره. وقد عرفت أن أبقراط إذا قال دواء يريد به المسهل، قد يريد * به (126) المقيء أيضا. والمسهل إسهاله بما فيه من القوة السمية، فيكون التشنج عن شرب الدواء المسهل أردى من التشنج الحاصل عن الإسهال لا عن الدواء لأن الكائن عن الدواء فيه ضرران: أحدهما من جهة * برد (127) عوض ما خرج من رطوبات البدن أو تحليل تلك * الرطوبات (128) ، وثانيها أن كسر العظم إذا بلغ إلى أن يحدث اختلاط الذهن PageVW1P005 فإنه لا بد أن يتبعه تشنج PageVW5P328B البدن لأنه متى وصل إليه الأذى الحاصل مما ذكرنا اجتمع إلى ذاته وانقبض لدفع لمؤذي عنه فتجتمع الأعصاب النابتة منه لذلك ويحصل التشنج كما يحصل عن * لذع (129) العقرب * وعند (130) استحالة مادة في بعض الأعضاء إلى كيفية سمية على ما عرفت في الكتب المبسوطة، فلما كان الفصل الماضي يتضمن ما يشعر بحدوث التشنج ذكر للتشنج سببا آخر موجبا له بالسمية وبإخراج الرطوبات. فإن قيل قد ذكر في * المقالة (131) الخامسة التشنج الذي يكون من شرب الخربق من علامات الموت والخربق دواء، فأما أن يكون ذكر ذلك أولا كافيا في الغرض ان يكون هذا الحكم مغنيا عن ذكر الأول لأنه أعم منه؟ فنقول: «ليس في ذكر هذا بعد الأول تكرارا، فإن حكمه في * هذا (132) الفصل حكم عام على مطلق الدواء، وفي الأول حكم خاص ببعض الأدوية». واعلم * أنا (133) إذا * امنعنا (134) النظر فيما قاله أبقراط هاهنا وفي أول الخامسة كان المفهوم من التشنج الحادث عما ذكره أنه امتلائي ولا استفراغي لأنه لم يقل الذي يكون عن استفراغ الأدوية أو عن استفراغ الخربق، بل قال: «عن شرب الدواء أو شرب بالخربق»، فجعل الموجب * للتشنج (135) في كلا الصورتين نفس الشرب لا الاستفراغ، وحينئذ لا يكون هذا التشنج استفراغيا بل امتلائيا أو سميا، ووجه حدوث الامتلائي عن ذلك أن الدواء المسهل بما فيه من القوة السمية يضعف الأعصاب ويحرك المواد مع ذلك، فإذا تحركت * قبلت (136) الأعصاب من المواد المتحركة أكثر من قبول غيرها لها. فيكون دفعها لما قبلت أقل من دفع غيرها لما قبله منها، فلذلك قال: «إن التشنج الحادث عن شرب الدواء مميت». وأما السمي فظاهر، فإن الكيفية السمية إذا وصلت إلى الأعصاب أو الدماغ اجتمعت إلى نفسها اجتماع من يروم دفع شيء عن نفسه ويتبع اجتماعها تقلصا وتشنجا والله أعلم.
26
[aphorism]
قال أبقراط: برد الأطراف عن الوجع الشديد * فيما (137) يلي المعدة رديء.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أنه قد عرف أن غرضه في هذا الموضع أن يذكر ما كان حدوثه رديئا سواء كان ذلك ا لحادث عن دواء PageVW5P329A أو عن غيره، وكان قد سبق منه في أول * هذه (138) المقالة أن برد الأطراف في الأمراض الحادة رديء لما قلنا ذكر في هذا الموضع هذا الحكم مع زيادة شرط، وهو أن يكون حدوث ذلك البرد لورم فيما يلي المعدة وما يلي المعدة هو مكان الأعضاء الرئيسة كالكبد والقلب. ولا شك أن البرد متى كان كذلك كان أردى مما إذا كان لا لورم في ذلك الموضع، فلما كان غرضه في هذا الموضع ان يتكلم فيما كان حدوثه رديئا ذكر حكم برد الأطراف لورم في نواحي الأعضاء الأصلية. وذكر حكم ذلك لا لورم في نواحي المذكورة بل من المرض الحاد مطلقا في غير هذا الموضع لأنه أقل ردائة ووجه برد الأطراف في الورم المذكور انجذاب الدم والحرارة الغريزية إلى الباطن إلى جهة الورم لا تجاه الطبيعة إلى جهة المقاومة * الموجب (139) للورم وقال: «ما يلي المعدة»، لأن ما هو بعيد عنها كالكلى * والمثانة (140) والرحم بل هي نفسها، فإن ورمه يكون رديئا لكن لا لرداءة هذا، فلذلك ذكر في هذا الموضع لما * عرفته (141) .
البحث الثاني:
قال جالينوس «برد الأطراف قد يكون لورم عظيم في الأحشاء فتتجه الطبيعة إلى جهته لمقاومته وتتجه باتجاها الدم والروح والحرارة الغريزية فتبرد الأطراف. وقد يكون * لذبول (142) النفس والغشي، وذلك لقلة الحرارة الغريزية ، فيتجه إلى المبدأ الذي هو القلب، وقد يكون لجمود الحرارة * الغريزية (143) وانطفائها، فيعجز عن الانبساط إلى الأطراف، وقد يكون لوجع شديد في الجوف، لا لورم، وقد يكون لانغمار الحرارة الغريزية واختناقها بسبب كثرة المادة وخاصة إذا كانت المادة باردة. هذا جميعه منه مبني على أن المسخن للأطراف في حال المرض الحرارة الغريزية، وهو خطاء، فإنه ليس في ذلك الوقت للحرارة الغريزية حكم، بل الحق في هذا ما ذركناه في سبب برد الأطراف في الأمراض الحادة في أول المقالة، فإن كان ذلك البرد لورم في الأعضاء الرئيسة كان أردى لأنها على ما قلنا إذا كانت ضعيفة عن دفع الحرارة الغريبة إلى الأطراف، PageVW5P329A فكيف يكون حالها إذا كان مع تلك الحرارة ورم في عضو رئيس والله أعلم.+++
27
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بالحامل زحير كان سببا لأن تسقط.
[commentary]
الشرح هاهنا بحثان.
البحث الأول:
في الصلة، وهي من وجوه ثلاثة: أحدها أنه قد عرف أن كلامه في هذه المواضع فيما كان حدوثه رديئا، ولا شك أن الزحير متى حصل لإمرأة حامل، وقد بلغ في الرداءة إلى أن أضر بما يجاوره من الأعضاء حتى أوجب سقوط الجنين، فهو رديء جدا مهلك. وثانيها أن الفصل الماضي يتضمن ذكر حكم من أحكام أورام الأحشاء والزحير الذي كلامنا فيه لورم على ما ستعرفه في المعاء، وهو من جملة أورام الأحشاء، وثالثها أنه ذكر في الفصل المتقدم الوجع فيما المعدة ومن جملة ذلك الوجع الذي يكون في طرف المعاء المسمي بالمخرج الذي هو الزحير.
البحث الثاني:
الزحير حركة من المعاء المستقيم تدعو إلى البراز اضطرارا يخرج منه شيء يسير يخالطه * رطوبة (144) لزجة أو دم ناصع، وهو على نوعين: صاقد وكاذب. فالصادق سببه ورم في المعاء المذكور، والكاذب ثفل متحجر، والفرق بينهما من وجوه ستة: أحدها أن الصادق يخرج فيه يسير من البراز، ويكون * رقيقا (145) مخالطا لدم يسير، والكاذب لا يخرج فيه براز البتة، وإن خرج فكان سيرا جدا، بل رطوبات من طرف المعاء. وثانيها أن الصادق إذا أعطى صاحبه بزر قطونا أو حبه خرنوب بلعا، فإنها تخرج مع الخارج، والكاذب لا يخرج في شيء من ذلك. وثالثها أن الصادق لا يحس معه بثقل محسوس في الظهر كما يحس في الكاذب، وذلك لاجتماع البراز وتحجره. ورابعها أن الصادق يحس معه بلهيب في الباطن ويكون معه عطش شديد للورم، والكاذب لا يكون معه شيء من ذلك. وخامسها أن الصادق ينتفع بما فيه قبض، والكاذب يستضر بذلك. وسادسها بما تقدم ذلك من الأسباب، وهو أنه إذا تقدم ذلك استعمال ما فيه قبض فكاذب، وإن تقدمه إسهال * حاد (146) فصادق. ومراد أبقراط بالزحير * هنا (147) الصادق PageVW5P330A لا الكاذب، فإن الكاذب وإن أوجب سقوط الجنين بسبب كثرة لحركة الرحم لحركة المعاء وتزعزع علائق المشيمة غير أن إيجاب الصادق للسقوط أبلغ من إيجاب الكاذب، فإنه يوجبه من وجوه خمسة: أحدها PageVW1P000 من جهة الورم، فإن الرحم يتضرر به بسبب المشاركة والمجاورة، فإذا * تأوي (148) اشتغلت قواه بدفع الأذى عن تدبير الجنين فيسقط. وثانيها من جهة خروج * الدم (149) بالزحير، فينقص غذاء الجنين ويضعف ويؤول أمره إلى السقوط، وثالثها بسبب مرور المواد الحادة بالمعاء، فيتأذى الرحم بالمجاورة ويحصل ما ذكرناه. ورابعها من جهة كثرة الحركة الزحيرية وقوتها، فيتحرك لذلك الرحم على طريق المشاركة والمجاورة فيتقلقل علائق المشيمة ويسقط الجنين، وخامسها قلة الغذاء الواصل إلى الجنين التابع لتلطيف الغذاء اللازم * للمرض (150) المذكور، فتضعف قوته ويسقط، فإن كان الحمل بأنثى فما أسرع ما تسقط لضعف قواها وكثرة فضلاتها المعينة لها في إزلاق المشيمة بالنسبة إلى الذكر والله أعلم.
28
[aphorism]
قال أبقراط: إذا انقطع شيء من العظم أو الغضروف لم ينبت ولم يلتحم.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أنه قد عرف أن غرض أبقراط في هذا الموضع ذكر ما حدوثه رديء، ولا شك أن قطع الأعضاء * المنوية (151) أردى من قطع الأعضاء الدموية لأن ما قطع من تلك لا يمكن رد عوضه والأعضاء الدموية يمكن ذلك فيها. وقد عرفت علة ذلك، فلذلك ذكر في هذا الموضع قطع تلك. فإن قيل هذا الحكم داخل فيما قاله في المقالة السادسة، فنقول: هذا حق غير أنه إنما ذكره هاهنا لما ذكرنا، وهو أنه لما كان غرضه في هذه المواضع ذكر ما يكون حدوثه رديئا، ذكر ذلك والله أعلم.
29
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بمن غلب عليه البلغم الأبيض اختلاف قوي دائم انحل عنه مرضه.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلاثة
البحث الأول:
في الصلة، وهي أنه لما كان كلامه في الفصل الماضي في الزحير وقد عرفت أن مراده به الصادق، هذا معه إسهال، فناسب أن يذكر PageVW5P330B بعده كلاما متعلقا بالإسهال، لا سيما والإسهال الخارج بالزحير * المذكور (152) معه رطوبات لزجة شبيهة بالبلغم، والإسهال بمن قد غلب عليه البلغم المشار * إليه (153) حاله كذلك. وعلى هذا * التقدير (154) كان يجب أن يجعل هذا الفصل بعد ذكر الزحير غير أنه * إنما (155) كان ذكر الفصل المتضمن ذكر قطع العظم والغضروف، ولما قلناه من ذكر ما يحدث أمرا رديئا.
البحث الثاني:
قال الفاضل جالينوس: من عادة الإمام أبقراط وسائر أطباء اليونان أن يسموا الاستسقاء اللحمي البلغم الأبيض، وسموه بهذا الاسم لأن صاحب هذا المرض يغلب عليه البلغم لضعف الهضم، فاطلقوا اسم اللازم على الملزوم على ما عرفته غير * مرة (156) ، والفائدة من ذلك يعرفنا اللزوم بين ذلك. قال: «والبلغم الأبيض وإن كان البلغم كله أبيض» وذلك لوجهين: أحدهما البلغم الذي يكثر في هؤلاء يكون فجا غليظا، فيكون أشد بياضا لأن البلغم إذا انضج مال لونه إلى الحمرة، ولذلك * إن (157) فعل فيه كيفية أخرى مال لونه إلى ما يناسبها. وثانيهما احتراز عن المخالط لخلط آخر، فإنه يخرج عن محوضة البياض.+++
البحث الثالث:
قوله: اختلاف قوي دائم. أعلم أن الإسهال الحاصل في الاستسقاء اللحمي تارة يكون عن دفع الطبيعة لمادة المرض، وتارة يكون لضعف الهضم وفساد، الاستمراء، وهذا النوع رديء مضر بصاحب العلة المذكورة لأنه يضعف قوته ويفسد أخلاطه. والأول محمود لأنه يكون سببا لا زالته. وقد فرق الإمام أبقراط بين الإسهالين بقوله: «قوي دائم، فإن الكائن لفساد الهضم لا يكاد يكون في الأكثر قويا، وإن كان * قويا (158) ، فلا يكون دائما، فإنه ينقطع بزوال سببه، وهو إخارج ما فسد من الغذاء عن المعدة إما بالقيء أو بدفعه إلى أسفل بالإسهال». وأما الذي عن مادة المرض فيكون قويا دائما. أما قوته فلأنه عن دفع الطبيعة، وأما دوامه فلأن المادة كثيرة لأنها عامة لجملة البدن، والطبيعة لم يمكنها أن تدفعها * دفعة (159) واحدة خوفا من ضعف القوة. واجحافها على ما ذكرنا والله * أعلم (160) .
30
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به اختلاف وكان ما يختلف زبديا فقد يكون سبب PageVW5P331A اختلافه شيئا ينحدر من رأسه.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول:
في الصلة، وذلك من وجوه ثلاثة: أحدها أنه لما كان كلامه في الفصل الماضي في الإسهال، أراد أن يتممه بكلام آخر في هذا الفصل. وثانيها أن الفصل الأول يتضمن ذكر دفع طبيعي، وكذلك هذا الفصل أيضا. وثالثها أن هذا الفصل كالمؤكد والمقرر لما ذكره في الفصل الماضي، وهو أنه كان مستبعدا استبعد دفع مادة الاستسقاء اللحمي بالإسهال لأن مادته قريبة من الجلد، ودفع المادة على الطبيعة من أقرب الطرق أسهل وأمكن من دفعها من أبعدها. وإذا كان كذلك فيكون دفع هذه المادة بالعرق أولى منه بالإسهال، فإن كان فيها غلظ واستعصاء فبالبول، فإن جهة الإسهال أبعد من جهة الإدرار لأن في الإسهال تحتاج المادة أن * تنجذب (161) من مجذب الكبد إلى مقعرها إلى المعاء على اختلاف مرابتها إلى خارج. فلما علم أن هذا الظن حاصل فيما ذكره، أراد يدفعه بما يماثله في البعد، فقال: «المواد الدماغية بعدها عن مخرج الإثفال أكثر من * بعدما (162) مادة الاستسقاء اللحمي عن ذلك المخرج». ومع ذلك فلا نسلم أن الطبيعة قصدها دفع فضلات العضو من أقرب الطرق بل قصدها دفعها من الجهة التي هي أبلغ في السلامة، ولا شك أن البعد كذلك، ولذلك كان دفع فضلات * الدماغ (163) بالإسهال أجود من دفعها من المنخرين والأذنين لأن في الأول سلامة العضو الضعيف من عائلة المادة أكثر مما إذا كان الدفع بالصفة الثانية.
البحث الثاني:
قد تقدم لنا كلام في البراز، والذي نقوله الآن المواد الخارجة بالإسهال تارة تكون من جهة المعدة وتارة من جهة المعاء وتارة من جهة الماساريقا وتارة من جهة الكبد وتارة من جهة المرارة وتارة من جهة الطحال وتارة من جهة الرأس وتارة من جهة الأعضاء كلها. والمعدي نوعان: الخارج بحاله والكيلوسي. والمعوي ثلاثة أنواع: بغراسي ودردي وشحمي. ثم هذا منه دموي ومنه صديدي ومنه مري، ومنه زبدي، والماسريقي كيلوسي، والكبدي عسالي. PageVW5P331B ثم هذا منه ورمي ومنه ضعفي والطحال سوداوي . ثم هذا على نوعين: احتراقي وجمودي، * والرأس (164) زبدي القوام على ما عرفته، والمراري معروف، والكائن من جهة الأعضاء كلها منه أحمر ومنه أصفر ومنه أسود ومنه مائي ومنه ذوباني، ويخصه الجمود.
البحث الثالث:
الزبد يحدث من اختلاط الأجزاء الريحية وبالأجزاء السيالة وزبدية البراز قد يكون لقوة الغليان PageVW1P173B وذلك عند استعمال الحرارة كما يكون في القدور إذا غليت، ولذلك صار هذا الإسهال دليلا على توفر الحرارة وقوتها، وقد يكون لفساد الهضم وضعفه، فيتولد فيه * لذلك (165) رياح غليظة، ومثل هذا النوع من البراز يكون معه قراقر ورياح عند خروجه، وقد يكون سبب ذلك بعد المسافة بحيث أنه بسبب تموجه وتردده في المنافذ ومخالطة الرطوبات له يكون زبديا، وهذا هو سبب زبدية خروج المواد من الرأس، وذلك لأن الريح يحتاج في اشتباكها بالرطوبة إلى زمان ما وحركة ما، والدماغ قد يحصل فيه سبب الزبد أوفر مما حصلا في غيره، فإن الريح فيه متوفر بسبب ما يرد عليه من الهواء المستنشق، وأما الرطوبة، فإنه كثير الرطوبة لأنه يغتذي في حال صحته بدم بارد رطب أو ببلغم على اختلاف المذهبين، ولذلك كانت المواد المنحدرة من الدماغ إلى جهة المعاء أكثر زبدية لكن غيره يشاركه في الزبدية، فلذلك قال: «فقد يكون من رأسه لأن هذه اللفظة تستعمل للتقليل» وبهذا يندفع وقول من يعترض على أبقراط، ويقول قوله: «فقد يمنعه عن تقييده زبديا»، وهو أن يقول: من كان به اختلاف فقد يكون اختلافه من رأسه، فنقول: له لو قال هذا لم يكن لهذا القول فائدة، فإن كل * واحد (166) يعلم * ذلك (167) بل ويعلم أنه يكون من المعدة ومن المعاء ومن الكبد ومن الأعضاء بل أحتاج أن يذكر علامة تدل على أن الإسهال من جهة الرأس،+++ فذكر الزبدية غير أنها ليست خاصة بهذا النوع من الإسهال على ما عرفت. فلأجل هذا قال: فقد، أي، ومع كون الإسهال الدماغي PageVW5P332A زبديا ليس هو من الدماغ فقط لأن الزبدية علامة أعم من كون الإسهال الزبدي راسبا، والله أعلم.
31
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت به حمى وكان يرسب في بوله * ثفل (168) شبيه بالسويق الجريش، فذلك يدل على أن مرضه يطول.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أنه قد علم أن الاستدلال على أحوال الأعضاء الباطنة تارة يكون من جهة البراز وتارة من جهة البول، وتارة من جهة النبض غير ان النبض لم يذكره. وقد سبق منه ذكر البراز وكان قد بقي أحكام من أحكام البول، لم يستنقص ذكرها في المقالة الرابعة، فأراد أن يتمها في هذا الموضع إذا عرفت هذا، فنقول: قد عرفت معنى الثفل وأقسامه، والذي نقوله هاهنا: الثفل الشبيه بحلال السويق هو الدشيشي، وهذا تارة يدل على الموت وتارة يدل على طول المرض. وذلك لأن هذا الثفل تارة يكون من تفتت الأعضاء الأصلية، وهو الذي يدل على الأول، ويخص هذا أن يكون لونه أبيض والحمى معه حادة والبول غير نضيع، وتارة يكون من انحلال اللحم، ثم عقدة الحرارة الغريبة، وتارة يكون من عقد الحرارة للأجزاء الدموية. ويعم هذه جميعها حمرة اللون غير أن الحاصل مع اللحم أقل حمرة وأشد اتصالا والحاصل من الدم أشد حمرة وأقل اتصالا، وتارة يكون من بلغم قد عملت فيه الحرارة، وجففته. ويخص هذا رمادية اللون، وهذا هو الذي يدل على طول المرض، وذلك لأنه متولد عن مادة غليظة عاصية على الطبيعة والا صغرت أجزائها، * وكبرت (169) المقدار والألم يخرج شيء منها قبل النضج، وإذا كانت المادة كثيرة غليظة فالمرض الحادث لا محالة الطويل، وهذا الحكم عام في كل مرض مادي، وخصصه بمن كان به حمى، وذلك لأن حرارة الحمى تزيد في لطافة المادة، فإذا كانت تلك المادة مع حرارة الحمى المطلقة لها كذلك كان غلظها أكد في الدلالة على طول المرض.
البحث الثاني:
قال جالينوس: «ذكر أبقراط في كتاب ابيديميا عدة مرضى ظهر في أبوالهم هذا الثفل بعضهم مات سريعا وبعضهم سلم بعد أن طال مرضه». قال: «ويكفيني أن أذكر منهم مريضين: أحدهما ذكره في * أولة (170) هذا الكتاب اسمه PageVW5P331B سلينس»، وصف حاله، ثم قال: «وبال بولا كثيرا إلى الغلظ كان إذا حرك روي فيه ثقل شبيه بجريش السويق أبيض، وكانت أطرافه بعده باردة، ومات في اليوم الحادي عشر من مرضه». واخر ذكره في ثالثة هذا الكتاب كان ملقى في مبقلة داء القس. قال: «وبال بولا رقيقا فيه أشياء معلقة صغار بمنزلة جريش السويق». قال: «وهذا أتاه البحران في أربعين يوما من أول مرضه وسلم، فمراده بالثفل الأول * المنفصل (171) من جواهر الأعضاء، وبالثفل الثاني الحاصل من المواد الغليظة»، والله أعلم.
32
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان الغالب على الثفل الذي في البول المرار وكان أعلاه رقيقا دل على أن المرض حاد.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول:
في الصلة وهي أن حكم هذا الفصل مقابل لحكم الفصل الماضي، فإن الماضي يتضمن ذكر ما يدل على طول المرض، * وهذا (172) يتضمن ذكر ما يدل على قصره. فإن الثفل المراري الحاد الرأس، أي المحروط الشكل، دال على قصر مدة المرض للطافة مادته ولا معنى للمرض الحاد إلا القصير المدة.
البحث الثاني:
قال جالينوس: «اسم المرار مطلقا في عرف * الطب (173) المراد به الأصفر. وأما إذا أراد به الأسود كان ذلك محتاج إلى أن يقيد بالأسود، وهذا الثفل يدل على قصر مدة المرض وعلى خبثه، أما الأول فلما عرفت، وأما الثاني فلأن الصفراء حادة شديدة النكاية، وهذا القدر من هذه المرة بحسب غلبة الصفراء عليها. فإن كان مع هذا الثفل بول أبيض فهو رديء من جهة خبث دلالة الثفل ومن عدم النضج من جهة اللون».
البحث الثالث:
قول: «وكان أعلاه رقيقا». أما جالينوس فإنه فهم من الرقة المائية، أي وكان أعلاه مائيا، وفهم من الضمير في قول: «أعلاه، أنه عائد إلى البول»، ثم أخذ يتعجب في هذا ويقول: «كيف يدل على الحدة والرقيق غير نضيج، ويدل على طول المرض؟» وحكى عن قوم من المفسرين أنهم فهموا من الأعلاء الزمان، أي أن الثفل إذا كان في أول أمره رقيقا ثم يصير مائيا مراريا من بعد، فإنه يدل على أن المرض حاد، وهذا وجه بعيد، فإنه إذا كان من أول أمره رقيقا ثم صار أصفر، كيف يكون مدته PageVW5P333A قصيرة فإنه لن يصير كذلك إلا في زمان طويل فإنه أخذ من الفجاجة إلى ما يدل على قصر مدة المرض». وفهم حنين من الرقة انخراط شكل الثفل، وهذا هو الحق، فإن الثفل إذا كان نيا كان ثقيلا غليظا مسطح الأعلاء، وإذا كان نضيجا كان مفتت الأعلاء، ففهم هذا الرجل من الضمير في قوله أعلاه أنه عائد إلى الثفل، أي وكان أعلاء الثفل رقيقا على هئية المخروط، فظاهر الحال أنه كان عوض الرقيق الدقيق، وكان أعلاه دقيقا وأسفله غليظا. فإن هذا يدل PageVW1P174A على لطافة المادة وقبولها للنضج بخلاف ما إذا كان مسطح العلو، فإنه يدل على برد المادة وغلظها، ولذلك قيل إن الثفل المتعلق إذا كان مائل الأهداب إلى فوق دل على طول المرض، ومتى كانت الأهداب مائلة إلى أسفل دل على قصر المرض وسرعة البرء، فإن الأول يدل على توليد الريح بحيث أنها * رققت (174) الأهداب، والثاني يدل على تحللها فانحدرت الأهداب إلى أسفل، والله أعلم.
33
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بوله متشتتا فذلك يدل على أن في بدنه اضطرابا * قويا (175) .
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أن الفصلين الأولين يتضمنان الحكم على طول المرض وقصره، وهذا الفصل يتضمن عاقبة المرض في الخطر والشر من غير أن يتعرض لذكر الطول والقصر. أما التشتت فإن فهمنا منه الحقيقي، فهو محال في البول، فإن المتشتت هو المفرق الأجزاء، ويكون بين أجزائه خلا، وهذا في حق البول محال. فإن البول جسم مائي سيال بطبعه، فكيف يتصور أن يكون الأجزاء الغليظة التي فيه المتشتتة بينها خلا، بل الحق في ذلك أن مراده بالتشتت اختلاف الأجزاء في المقدار والشكل من غير أن يتحلل فضاء. ولا شك أن ذلك يدل على مواد مختلفة وعصيان منها على النضج، وذلك موجب للاضطراب.
البحث الثاني:
قال ابن أبي صادق: «هذه الأجزاء المشار إليها إذا رسبت سميت أثفالا نخالاية وهذا يدل تارة على انحلال السطح الظاهر من الأعضاء الأصلية كما ان الدشيشي يدل على أن الانحلال قد بلغ إلى عمق الأعضاء * الأصلية (176) والاضطراب القوي هو لمقاومة الطبيعة للمرض، ومعاندته لها. واعلم أن الأثفال النخالية كلما كانت أصغر فهي أردى لدلالته على أن الفساد في أجزاء متقاربة وكلما كانت أكبر كانت أقل رداءة لدلالتها على استيلاء الفساد على أجزاء متباعدة. وقد يدل الثفل النخالي على جرب المثانة على ما * (177) عرفت، وقد عرفت الفرق غير أن مراده بالنخالي الأول لا الثاني، والله أعلم.
34
[aphorism]
قال أبقراط: من كان فوق بوله عبب دل على أن علته في الكلى وأنذر منها بطول.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أن الإمام أبقراط لما تقدم كلامه في الفصول الماضية فيما يدل على طول المرض * وعلى (178) قصره وعلى عاقبته مطلقا ذكر في هذه الثلاثة الفصول الآتية ما يدل على طول مرض معين وقصره وردائه على ما سيظهر لك عند تمام شرحها. والعبب هو الزبد الكبار، وقد عرفت أن الزبد سببه اشتباك الأجزاء الهوائية بالأجزاء المائية اشتباكا على وجه لا يقوي الريح على مفارقة الرطوبة صاعدة ولا يقوي الرطوبة على الرسوب في الريح نازلة. وهذا القدر حصوله من الرطوبة كائن عند تصغر أجزائها جدا إذا الأجزاء الكبار تقوي على الانفصال فينفجر العبب ويزول. فإن كانت الرطوبة غليظة لزجة الريح غليظة بطية الحركة كان العبب الحاصل بطيء الانفصال، وإن كان بالعكس فبالعكس. فالحاصل ان العبب حادث عن مادة لزجة وريح غليظة، ثم الزبد له مواطن خمسة. الأول في اليرقان، وسببه فعل الحرارة في المادة الغليظة الموجبة للسدة، ويخص هذا سواد اللون مع شقره، فإن كان صاحب اليرقان قد استعمل شيئا من البقول كانت هي سبب ذلك، والثاني في ضعف الهضم المعدي، وسببه تحليل الأجزاء الريحية للأجزاء الغذائية. والثالث عند انحلال الأمراض * البلغمية (179) كالصرع والفالج والتشنج الامتلائي، فإن مواد هذه إذا تحللت هاجها حرارة * قليلة (180) أوجبت فيها ذلك ويخص هذا أن لا يدوم. والرابع ما ذكره جالينوس عن قوم من اليونان، وهو انفتاح * أفواه (181) PageVW5P334A بعض الشرايين التي في الكلى بسبب حدة البول وجرده، فيخرج الدم الذي في تجويفها ويخالط البول، وعندما يخالطه يوجب فيه ذلك بسبب ما فيه من الروح. ولا شك أن هذا منذر بطول المرض لأن الحام الشرايين متعذر لا سيما شرايين الكلى، فإنها ممر الفضلات البولية الحادة البورقية. والخامس عندما يكون في الكلى مرض حادث عن مواد غليظة لزجة. ومراد أبقراط بالعبب هو ما كان حادثا من هذه الصورة، فإنه هو الذي يدوم وينذر بطول المرض، ومثل هذا العبب لا يمكن أن يتولد فيما هو أعلى من الكلى ولا فيما هو دونها. أما الأول فلأن ما كان من المواد كذلك لطفت ورقت وتصغرت أجزاؤها بحرارة الكبد وطول المسافة. وأما الثاني فلأن الكلى إذا كانت صحيحة أنضجت المواد المارة بها نضجا تاما، وهذه لا يمكن أن يتولد عنها عبب هذا على تقدير أن لا يكون تقدم فساد هضم، وبالجملة سوء التدبير. إذا عفرت هذا، فنقول: ولأجل هذا خصص دلالة العبب بأمراض الكلى، وأما إنذاره بالطول فلما عرفته في سببي العبب، والله أعلم.
35
[aphorism]
قال أبقراط: من * رأى (182) فوق بوله * دسم (183) دل ذلك على أن في كلاه علة حادة.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أنه قد علم أن هذه الفصول الثلاثة دلالتها مخصوصة بأحوال الكلى غير أن الأول هو الذي قبل هذا يتضمن ذكر حالة دالة على طول مرضها، وهذا يتضمن ذكر ما يدل على حدثته، والذي بعده يدل على رداءته، وجعل ترتيب الفصول المتضمنة ما يخص الكلى على ترتيب * الفصول (184) المتضمنة لذكر البول الدال على أحوال البدن مطلقا، فإنه قدم أولا ما يدل على طول المرض، وهو الثفل الشبيه بالسويق، ثم ذكر ما يدل على قصره، وهو الثفل الأصفر المذكور، ثم ما يدل على الردائة، وهو المتشتت، وكذلك فعل بما يخص الكلى قوله: «من روى فوق بوله دسم الدسومة التي ترى فوق البول تارة تكون من ذوبان شحم الكلى وتارة تكون من ذوبان شحم ما فوقها من الأعضاء وتارة من ذوبان لحم تلك الأعضاء. والمذيب لهذه حرارة قوية PageVW5P334B إذا الضعيفة لا يقدر على أن تفعل ذلك، لكن المذيب لرطوبات اللحم أقوى من المذيب للشحم لصلابة اللحم ويفرق بين الخارج من اللحم وبين الخارج من اللحم وبين الخارج من الشحم مطلقا بلون * الخارج (185) ، وهو أن الخارج من اللحم لونه مائل إلى الحمرة، ومن الشحم مائل إلى البياض». وأما الفرق بين الخارج من الكلى وبين الخارج مما فوقها فقد عرفته، وقد أشار إليه بقوله: جملة، غير أنه يجيب أن تعلم أن المفسرين قد اختلفوا في معنى الجملة هاهنا على جميع أنواع التفاسير يفهم الفرق بين الكائن من جهة الكلى ومما فوقها، فإن منهم من عنى بالجملة الاجتماع الذي هو مقابل التشتت، وهو حق. فإن الخارج من الكلى يكون مجتمع الأجزاء لقرب المسافة بخلاف الخارج مما فوقها، فإنه يكون متشتت الأجزاء لطول مروره مع المائية في المسافة البعيدة. PageVW1P174B +++ وقال قوم: «المعنى به الوقوع دفعة، وهو حق أيضا، فإن الكلى لقرب وضعها يكون خروج ما يخرج كذلك بخلاف ما فوقها، فإنه لبعد مسافته يكون الخارج منها قليلا قليلا، إلا في وقت البحران، فإنه يكون خروجه دفعة بحسب استيلاء الطبيعة، وتدرجها في النضج». فإذا كان في وقت البحران خرجت ذلك دفعة ثم ظهر النضج بعده دفعة. وقال قوم: «المعنى بها قصر الزمان الحاصل بين الخارجين، وهو حق، فإن الكلى لقربها لم يكن بين الخارجين منها زمان طويل بخلاف الخارج مما فوقها، فإنه يكون بين الخارج والخارج زمان * طويل (186) لبعد المسافة، ولما كان الحال كذلك، قال: إذا أظهر فوق البول دسم جملة فهو من كلاه لعلة حادة، وقد يخص هذا أمران أخران قد عرفتهما، وهو سخونة القطن ونضج البول، وأما كيفية خروج دسم شحم الكلى إلى تجويفها فقد عرفته، والله أعلم.
36
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت به علة في كلاه وعرضت * له (187) هذه الأعراض التي تقدم ذكرها وحدث به وجع في عضل صلبه فإنه إن كان ذلك الوجع في المواضع الخارجة فتوقع خراجا يخرج به من خارج وإن كان * ذلك (188) الوجع في المواضع الداخلة فأحرى أن تكون الدبيلة من داخل.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان.
البحث الأول:
الأول في الصلة، وهو أن الفصلين الأولين لما ذكر في أحدهما ما يدل على طول المرض وفي الآخر ما يدل على حدته، ذكر في هذا الفصل PageVW5P335A ما يدل على حصول حالة رديئة. قوله: من كانت به علة في كلاه، المراد بها ما هو أعم من الحارة والباردة، وذلك لأنه قد تقدم منه ذكر ما يدل على المرض البارد للكلى والحار ولما كان غرضه بعد ذلك أن يذكر عاقبة ذلك المرض، قال: «من كان به علة في كلاه من غير أن يعين تلك العلة»، وقال أيضا «عرضت له هذه الأعراض التي تقدم ذكرها»، وهي العبب والدسومة.
البحث الثاني:
قوله: * «وحدث (189) به وجع في عضل صلبه» أقول: قال: «وحدث، ولم يقل فحدث به أو ثم حدث به أو غير ذلك من الحروف الدالة على الترتيب لأن الحكم هاهنا واحد سواء كان الوجع حادثا بعد العيب أو معه أو قبله، فإنه متى حصل الوجع في القطن من داخل أو من خارج انذر بما قاله، وحدوث هذا الوجع لانصراف مادة هناك فتارة يكون انصرافها قبل حدوث العيب والدسومة وتارة معهما وتارة بعدها. ومراده بعضل الصلب العضل المنسوب إلى الصلب الحاذي لموضع الكلى وهو القطن. ولا شك أن من هذا العضل ما هو من خارج ومنه ما هو من داخل، فإن كان ذلك الوجع في العضل الخارج فليتوقع حدوث خراج هناك، وإن كان في العضل الداخل فليتوقع حدوث دبيلة هناك، وذلك لأن المادة متى كان الغالب عليها الحرارة وهي ما حدث عنه الدسومة فإن اندفعاها إلى خارج البدن يكون أسهل وأمكن فيحدث عنها الخراج، ومتى كان الغالب عليها البرودة، وهو ما انذر به العيب، فإنه يتعذر اندفاعها إلى ظاهر البدن، بل تحتبس داخلا فيما ذكره وتحدث عنها الدبيلة. وقوله: «فأحرى به»، معناه الأولى به الدبيلة لما ذكرناه، أي لغلظ المادة وبردها ورطوبتها، وسمي ما يحدث عن المندفع إلى الخارج خراجا لأن المادة الموجبة حارة وما يحدث عن المائل إلى الداخل البدن دبيلة لبرد المادة المائلة، وقد عرف أن الخارجات الحادثة عن المواد الباردة العفنة عفونة رديئة تخص باسم الدبيلة، والله أعلم.
37
[aphorism]
قال أبقراط: الدم الذي يتقيا من غير حمى سليم، وينبغي أن يعالج صاحبه بالأشياء القابضة، والدم الذي يتقيا مع حمى رديء.
[commentary]
الشرح: أما الصلة هذا بما * قبله (190) PageVW5P335B فهي أن الذي قبله يتضمن ذكر حكم حركة المادة من العمق إلى الظاهر، وهذا يتضمن حكم حركة المادة من الباطن إلى الظاهر طولا. ثم نقول في الدم تارة يكون خاليا من الحمى وتارة يكون معه حمى، فالأولى كالحاصل لانفجار عرق في المعدة أو في * الكبد (191) وأما لكثرة المادة أوجبها فرط الامتلاء من الأغذية المولدة للدم أو ترك رياضة وفصد معتادين أو قطع عضو كبير أو احتباس دم معتاد الخروج كخروجه من أفواه * العروق (192) أو دم الحيض، فإن هذه متى حصلت حصل في الدم وهو قذفه من المري إلى خارج. فإن قيل: فلم قال هو سليم ولم لا قال فإنه ينفع ويسهل احتماله كما قال في باقي الاستفراغات النوعية؟ فنقول: هذا وإن كان حقا غير أن في خروجه ومروره بالمعدة ضررا من وجه آخر، وهو من جهة لذعه ونكايته لفم المعدة، فلهذا كان * قوله (193) «سليم» أجود من قوله ينفع ويسهل احتماله. قوله: «وينبغي أن يعالج * صاحبه (194) بالأشياء القابضة الأشياء القاطعة للدم على أنواع منها قابضة ومنها مغرئة ومنها مخدرة ومنها كوية ومنها ما هو بخاصية فيها وأولى هذه بالذكر القابضة لأنها مع ما فيها من قطع الدم فيها قبض لجرم العضو وتقوية له. والمغرية وإن نفعت من قطع الدم لكن فيها إرخاء للمعدة وتغشيه. والمخرة وإن نفعت لكنها تجمد الحرارة وتضعفها وتجمد الدم في تجويف المعدة وذلك من أضر الأشياء بها. والكاوية ضررها بها ظاهر، والذي تفعله بالخاصية ليس فيها سوى قطع الدم فقط. وأما الثاني وهو أن يكون مع قيء الدم حمى، فسببه قرحة عفنة قد تعمقت في جرم المعدة بلغت إلى أن قرحت اتصال عرق على سبيل التأكل. ولا شك أن ذلك دليل رديء من حيث هو سبب ومن حيث هو علامة. والله أعلم.
38
[aphorism]
قال أبقراط: النزلة التي تنحدر إلى الجوف الأعلى تنقتح في عشرين يوما.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أنه تتضمن حركة المواد في الطول غير أن الأول ذكر فيه حركة المواد في الأسافل إلى الأعالي وهذا بالعكس مع اشتراكهما في جهة القطر. ونقول: الجوف في PageVW5P336A لغة العامة كل ما له تجويف، وأما في العرف الطبي فمنه أعلى ومنه أسفل فالأعلى هو ما حوى الرئة والقلب والأغشية التي هناك، والأسفل ما حوى المعدة PageVW1P175A الكبد والمعاء والطحال والرحم والمثانة والمادة إذا انحدرت من الرأس إلى الصدر، فإن ذلك يسمي نزلة، وهذه المادة تنضج في ثلاثة أسابيع، وهي * عشرون (195) يوما، لأن جرم الرئة والصدر لا يحتمل من الصبر على ضرر المادة أكثر من هذه المدة. ومراده بالتفتح النضج، والله أعلم.
39
[aphorism]
قال أبقراط: متى عدم اللسان قوته بغتة أو استرخي عضو من الأعضاء فالعلة سوداوية.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحوث ثلاثة.
البحث الأول:
في الصلة وهي أن الفصل الماضي لما كان يتضمن ذكر حكم من أحكام النزلة ذكر في هذا الفصل حكماء آخر من أحكامها، وهو أنها متى كان انصباب مادتها إلى اللسان أو إلى أي عضو كان، فإنها تحدث استرخاء في ذلك العضو. قال جالينوس: «والواجب أن يزاد في هذا الفصل أو بلغمية، وهذا هو الحق، ولعل هذه الزيادة كانت موجودة في كلامه الأول وأسقطها الناسخ الأول، فإن السوداء والبلغم يوجبان الاسترخاء على ما عرفته.»+++
البحث الثاني:
الأولى عندي أن يفهم من قول أبقرط متى عدم اللسان قوته أي الدائقة فإن هذه القوة هي قوة اللسان لأنها خاصة به ويجوز * أن (196) من ذلك قوته المحركة، ويكون تقدير الكلام ان قوة اللسان المحركة إذا بطلت دفعة بل وأي عضو كان إذا بطلت قوته المحركة * دفعة (197) فسبب ذلك البطلان إما مادة سوداوية أوبلغمية، فإن من عادة أبقراط إذا أراد أن يثبت حكما أثبته أولا في صورة خاصة ثم نقله إلى ما هو أعم، كما فعل في هذه الصورة. وقوله: «دفعة، لأن ما لا يكون من ذلك دفعة فسببه ورم وغالب هذه الأورام عن سقطة أو ضربة، وذلك موجب لكون * الورم (198) دمويا لأن الطبيعة في ذلك الوقت تنصرف إلى موضع الوجع وتصحبها في الأكثر وغالب الأمر الدم». وإذا كان كذلك فيصح حكمه أنه متى كان بطلان ذلك دفعة فسببه إما سوداء أو بلغم، وأما الصفراء فيشبه أن تكون قد انجذبت إلى جهة الورم بسبب حرارته أو بسبب ألمه، أو نقول إنها لا تبلغ أن تسد مسالك القوة وترخيها كما يفعل PageVW5P336B البلغم في ذلك، وأما السوداء، فإنها توجب ذلك لأنها مضادة للقوة المحركة * والحساسة (199) ، ومتى كان حالهما كذلك فأي عضو استوليا عليه * أوجبنا (200) له الاسترخاء لأن هذا المرض يعدم العضو فيه الحس والحركة، وذلك لسدهما مسالك هاتين القوتين.
البحث الثالث:
إيجاب السوداء للاسترخاء بوجه غير الذي أوجب * به (201) البلغم لذلك فإن السوداء تفعل ذلك من وجهين: أ حدهما المسالك، وتمنع القوة المحركة والحساسة من النفوذ، وذلك لغلظ قوامها. وثانيهما من جهة مضادتها لقوى الحس والحركة ببردها ويبسها، فلمضادتهما لهما يمنعانهما من النفوذ والسريان، وفي هاتين * الصورتين (202) إذا عدم العضو الحركة بقي كالمسترخي. وأما البلغم فإنه يوجب ذلك من جهة * سده (203) ومن جهة إرخائه وبلة للعضو غير أن * السدة (204) الحاصلة من هاتين المادتين لا تخلوا إما أن تكون في عصب الحس وإما في عصب الحركة وإما في عصب الحس والحركة معا. ومعنى قول الأطباء هذا هو أن * معظم (205) ما في عصب الحركة القوة المحركة، وكذلك معنى * قوله (206) : في عصب الحس، وإلا كيف يتصور ما قالوه على ظاهره ومنبت الجميع من معدن واحد، وهو مبدأ القوتين * المذكورتين (207) ، غير أنه لما كان بعض الأعصاب الغالب عليه اليبس، وهي النخاعية، وبعضها الغالب عليه الرطوبة، وهي الدماغية؟ كان * قبول (208) الأول للقوة المحركة أبلغ منه للقوة الحساسة، والثاني بالعكس، فاختلاف * القوتين (209) ليس هو لاختلاف المعدن بل لاختلاف القابل. ولا شك أن السدة متى حصلت في العصبة التي أحدى القوتين فيها أبلغ، كان ضررها بتلك القوة أكثر. وأما إذا كانت العصبة القوتان فيها متساويتان كالأعصاب النابتة من مؤخر الدماغ، فهذه العصبة متى حصلت فيها سدة وكانت عظيمة منعت القوتين من النفوذ، ومتى كانت غير عظيمة كان ضررها بالقوة المحركة أبلغ منه بقوة الحس لوجهين: أحدهما أن القوة المحركة أكتف من القوة الحساسة لما عرفت من جهة الأعصاب. وثانيهما أن حاجة العضو القابل إلى القوة المحركة أبلغ من حاجته إلى القوة الحساسة، فيكون أدنى حس ينفذ إلى العضو يكفيه وليس أدنى حركة تكفيه، والله أعلم.
40
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث تشنج بسبب استفراغ مشى أو قيء فواق فليس ذلك بدليل محمود.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فعلى قدر ما جاء في النسخ. أما النسخة التي اختارها جالينوس وهي التي فهمت من شرحه وغيره من المتأخرين أنه جاء عوض التشنج الشيخ، هي على هذه الصورة إذا حدث تشنج بسبب استفراغ مشي أو قيء أو فواق، فهو رديء، وتقديره بسبب قيء، وصار ذلك رديئا من قبل أن جميع الأمراض إذا حصلت للتشنج فهي رديئة لضعفه بسبب سنه، فكيف إذا حصل له مرض رديء، وهو الفواق، ويكون استفراغيا؟ ولا شك أن التشنج مستعد للمرض الاستفراغي ليبس مزاجه وجفاف أعضائه، وتكون الصلة على هذا التقدير لأن الفواق حركة تشنجية حاصلة للمعدة، فيشابه التشنج من هذا الوجه، والتشنج من أمراض العصب والفصل الماضي يتضمن ذكر مرض من أمراض * العصب (210) ، وهو الاسترخاء. وقد جاء في بعض النسخ عوض الشيخ التشنج، وقد شرحنا بعض المتأخرين، ويكون على هذا التقدير الفواق عطفا على التشنج كأنه قال: «إذا حدث تشنج أو فواق بسبب مشى فهو رديء» لأن المشى لا يبلغ إلى أن تجفف الأعصاب، وبالجملة الأعضاء العصبية إلا إذا كان قويا أو كانت الأعضاء مستعدة للجفاف، وعلى هذا العرض تحصل الصلة، وهي أن التشنج من الأمراض العصبية التي يتضمن الفصل الماضي ذكر مرض من أمراضها. واعلم أن النسخة الأولى عندي أصح لأن حكم هذه النسخة قد مضى كلام أبقراط فيه، والله أعلم.
41
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه حمى ليست من مرار، فصب على رأسه ماء حار كثير، انقضت به حماه.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أن الفصل الماضي يتضمن ذكر التشنج الفواق الحادثين عن مواد حادة، وذلك لا محالة، ويلزمه حمى يوم بسبب حركة المواد وحرارة مزاجها، فذكر في هذا الفصل تلك الحمى وتدبيرها مثل هذا الفصل قد ذكره في أولة ابيديميا في رجل اسمه * صيطن (211) أنه استعمل صب الماء الحار على رأسه، فإن الحمى إذا كانت من حر الشمس أو برد الهواء فإن صاحبها ينتفع بالاستحمام وصب الماء الحار على * الرأس (212) .
البحث الثاني:
قوله: من أصابه حمى، يريد بذلك أن الحمى حدثت به في زمان قريب، وبهذا يخرج حمى الدق، فإن هذه الحمى في الغالب * حدوثها (213) بعد حميات قد طالت، وإذا كان كذلك فلا * يصح (214) أن يقال فيها من أصابه حمى، بل من كان به حمى أو صاحب الحمى، وقوله: «ليست من مرار يخرج الحمى الخلطية» وقال: «ليست من * مرار (215) » ولم يقل:«ليست من خلط لأن غالب الحميات الخلطية حمى المراري الصفراوية». وإذا علم هذا تعين أن يكون مراده بالحمى حمى يوم لأنه قد عرف أن أقسام الحميات ثلاثة: دقيقة وخلطية * ويومية (216) . ولا شك أن حمى * يوم (217) سواء كانت عن حر أو برد مكتف للمسام أو عن استحصافها أو عن تعب، فإن صاحبها ينتفع بصب الماء الحار على بدنه، فإنه بحرارته العرضية يفتح المسام ويحلل مادتها وتبريده وترطيبه الدائتين ينتفع من الحرارة الحاصلة للبدن، فإن كانت حاصلة عن تخمة وفساد هضم فلا ينتفع بذلك، وكذلك الحادثة عن الغضب المفرط. ولا يناقض هذا الحكم أبقراط، فإن حمى يوم حدوثها عن ذلك أقلي الوجود، وعن الأسباب الأول أكثري الوجود، واحكام الطب أكثرية.
البحث الثالث:
قوله: «على رأسه، ليس المراد به أن يكون على رأسه فقط بل وعلى جميع بدنه غير أن أبقراط تبع المشهور في ذلك، وإن العادة جرت بأن يعبر بصب الماء على البدن بصب الماء على الرأس، فإنه يقال دخل الحمام لا صب ماء على * رأسي، (218) ويكون المراد به الصب على جميع البدن». وقوله: «ماء حار كثير الكثير هنا * صفة (219) للماء لا الحار، فإن الحار الكثير يضر من جهة تحصيفه للمسام، فلا ينفذ قوة الماء إلى داخل البدن، بل المراد به أن يكون الماء المستعمل كثير المقدار حتى يعمل عمله في البدن من الترطيب والتحليل وتفتيح المسام».+++
البحث الرابع:
قال جالينوس: «قد جاء في بعض النسخ عوض الماء العرق، وهو على هذه الصورة: «من أصابه حمى ليست من مرار فانصب من رأسه عرق حار PageVW5P338A كثير انقضت بذلك حماه»، غير أنه ليس مراده أن العرق يجري من الرأس دون سائر البدن، لكن إنما ذكر أول عضو يظهر من البدن فيه العرق، قال: «ويلزم على حسب ما في هذه النسخة أن صاحب الحمى التي من المرار لا ينتفع بهذا العرق، وقد نرى كثيرا من الحميات التي من المرار ينتفع بالعرق المذكور، والحق هو النسخة الأولى. والعلاج المذكور نافع منها في الأكثر، وبذلك بفرق بين حمى * يوم (220) وحمى العفن. فإن صاحبه حمى يوم متى دخل الحمام أو صب على بدنه ماء حار فإنه ينتفع به ولا يقشعر منه أصلا، وصاحب حمى العفن بعكس ذلك»، والله أعلم.
42
[aphorism]
قال أبقراط: المرأة لا تكون ذات اليمينين
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلاتة.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أنه لما تكلم في الفصلين الأولين في أمراض العصب والعضل ذكر في هذا الفصل حكما من أحكامها في حال الصحة وهو ما يدل على قوتهما وصعفهما فإن قوة العضو في البسط والقبض وغير ذلك دليل على قوتهما والتقصير دليل على ضعفها ولذلك لما كانت هاتان الألتان في المرأة ضعيفة تبعا لضعف الحرارة الغريزية لم تكن ذات يمينين، أي انها لم تعمل بيدها اليسرى ما تعمل بيدها اليمنى. قال جالينوس «إني لم ار إلى هذه الغاية إمرأة حالها هذه الحال».
البحث الثاني:
توفر القوة في الجانبين في الذكور في الأكثر لتوفر الحرارة الغريزية يوجب استعمال اليدين، فإن الحرارة شديدة المناسبة للفعل والنساء لضعف الحرارة فيهن لا توجدن كذلك ولا الرجال إلا الاقوياء منهم، بل غاية النساء أن يعملن باليد اليمنى اعمالا معتدلة. قال جالينوس «ولأجل هذا كان نساء الصقالبة على ما قاله جالينوس عن * الإمام (221) أبقراط تكون الثدي منهن حتى يأتى غذاؤه الى اليد اليمنى فتقوى على الاعمال.
البحث الثالث:
قد فهم بعضهم من قوله المرأة لاتكون ذات يمينين أي إن المرأة لا تتكون في الجانب الأيمن من الرحم وفهم قوم منه انها لا تكون ذات فرجين أي أن الذكر قد يكون له مع آلة الذكور آلة الأناث وهي الفرج، وذلك هو الخنثى، والأنثى لا يكون لها مع الفرج الة الذكر، فكل هذا هذيان. والله أعلم.
43
[aphorism]
قال أبقراط: من كوى أوبط من المتقيحين PageVW5P336B فخرجت منه مدة نقية بيضاء فإنه يسلم، وإن خرجت منه مدة حمائية منتنه، فإنه يهلك.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول:
في الصلة، وهي بما قبله، بما قبل ذلك. أما الأول، فإن الذي قبله يتضمن ذكر وجه يعرف به قوة القوة في حال الصحة * وضعفها (222) ، وهو أن المرأة إذا كانت تستمعل يدها اليسرى كما تستعمل يدها اليمني، فإن ذلك يدل على قوة قوتها، وإذا كانت لا تستعملها في ذلك فقوتها ضعيفة، ذكر في هذا الفصل وجها يعرف به قوة القوة وضعفها في حال المرض، وهو من المدة الخارجة من التقيح عند بطه وكيه، فإنها متى كانت بيضاء متشابهة الأجزاء غير قوية النتن، فالقوة قوية، والمرض سليم، متى كانت حمائية منتنة كمدة فالقوة ضعيفة والمرض رديء. وأما الثاني، فإن الفصل المذكور لما كان يتضمن ذكر حمى يوم وحمى يوم كثيرا ما يحدث عند أخذ المدة في الجمع والتقيح كما قال في ثانية هذا الكتاب في وقت تولد المدة تعرض الحمى * والوجع (223) أكثر مما PageVW1P176A يعرضان بعد تولدها. ومراده بالحمى حمى يوم لأنها كثيرا ما تحدث عند أخذ المدة في الجمع والتقيح وهو ألم المقاومة فناسب ذكر النضج بعد ذكر الحمى اليومية لأنه من جملة أسبابها، ثم لما كان قد سبق منه ذكر علاج من معالجة تلك الحمى من حيث تلك الحمى، ذكر أيضا في هذا الفصل طريقا من طرق معلاجة ذلك التقيح الذي هو أحد أسباب تلك * الحمى (224) ، وضرب المثال في ذلك بالتقيح لأنه فيه طول، وذلك ليكون مناسبا لما سنذكره بعد ذلك من الفصول المتضمن لذكر أمراض متطاولة.
البحث الثاني:
قال جالينوس: «أما لفظ التقيح، فإنه يعني * بها (225) في الأكثر اجتماع المدة في فضاء الصدر، وهو ما بين الغشاء المستبطن للأضلاع وجرم الرئة، وهو الذي جرت عادة الأوائل أن يستعملوا فيه الكي فيستخرجوا به المدة الحاصلة في الفضاء المذكور. وأما في هذا الموضع فالمراد به كل خراج ودبيلة قد استحال فيها قيحا ومدة، لا متى كان ذلك في الصدر فقط لكن في أي عضو كان من أعضاء البدن». هذا ما قاله جالينوس، والحق عندي أن المفهوم من هذا الفصل المعنى الثاني لا الأول، فإن كل PageVW5P339A خراج استحال ما فيه قيحا سواء كان في الصدر أو في غيره، فإن * الكي (226) ينفعه ويخرج ما فيه من المدة وليس ذلك مخصوصا بالصدر فقط، والله أعلم.
البحث الثالث:
قوله * فخرجت (227) منه * مدة (228) نقية بيضاء. نقول: «قد عرفت أن المدة منها محمودة ومنها مذمومة، وقد أشار إلى صفات كل واحدة منهما،+++ فقال: المحمودة إن تكون نقية بيضاء، فإن مراده بالنقاء أن لا تكون كريهة الرائحة، لا أنها تكون عديمة الرائحة. فإن عدم الرائحة يدل على قوة البرد وموت الحرارة الغريزية. وأما إذا كان لها رائحة لكن لا تكون كريهة، فإن ذلك يدل على * ضعف (229) العفن وتوفر فعل القوة المغيرة والحرارة الغريزية. وأما بياض اللون، فلدلالته على سلوكها سبيل النضج وتشبهها بجواهر الأعضاء الأصلية على ما عرفت. ومتى كان البياض كذلك لزمه أمران استواء الأجزاء وتشبابهها لنضج جميع أجزائها وملاستها، أي أن لا يكون بعضها خشنا وبعضها أملس بل يكون جميعها أملس، والمذمومة إن تكون حمائية منتنة. فإن قوله «حمائية» يفهم منه تغير اللون عن البياض واختلاف القوام، والنتن يدل على تمكن العفن، والفساد الدال على توفر الحرارة الغريزية، ودلالة هذه على الهلاك ظاهرة، والله أعلم.
44
[aphorism]
قال أبقراط: من كان في كبده مدة فكوى فخرجت منه مدة نقية * بيضاء (230) فإنه يسلم، وذلك * لأن (231) تلك المدة في غشاء الكبد، وإن خرجت منه مدة شبيهة بثفل الزيت هلك.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أن من عادة الإمام * أبقراط (232) أنه * إذا (233) أثبت حكما في صورة عامة نقله إلى ما هو أخص منها، وربما فعل بخلاف ذلك تقريبا للادهان، وفي هذا الفصل فعل الصورة الأولى، فإنه لما قال: «من كوى من المتقيحين»، مطلقا «وخرجت منه مدة بيضاء نقية»، فإن أمره يؤول إلى السلامة، «ومن خرج منه مدة حمائية فإنه يهلك»، نقل هذا القدر في مدة عضو مخصوص، وهو الكبد، وجعل المثال في هذه الصورة الخاصة بهذا العضو لأنه من الأعضاء الرئيسة، وعليه يقاس * الأعضاء (234) الخسيسة. أو يقال إنه إن أزيد PageVW5P339A بالتقيح جمع المدة في فضاء الصدر والمدة متى اجتمعت في هذا الموضع تأدى القلب بها بالمجاورة، فناسب أن يذكر بعده جمع المدة في الكبد ولأنها قريبة منه حتى لا يقال فلم لا ذكر جمع مدة الدماغ بعد * ذلك؟ (235) وذكر الكي لأنه على ما عرفت كانت عادة اليونيين أن يعالجوا به القيح لأي عضو كان.
البحث الثاني:
قد أخبر * الإمام (236) أبقراط بالعلة التي من أجلها يسلم بعض أصحاب هذه العلة ويهلك البعض، وتلك العلة من جهة المحل، وهو أنه متى كان محل المدة قليل الشرف كان خطره أقل مما إذا كان كثير الشرف، ولمية ذلك أن العضو الشريف اهتمام الطبيعة العامة المدبرة للبدن به أبلغ من اهتمامها بتدبير ما هو أقل شرفا، وذلك لأن حاجة البدن إلى العضو الشريف أشد حاجة إلى ما هو أقل شرفا منه، فإذا بلغت الأفة إلى أن قهرت الطبيعة العامة عند قوتها واهتمامها بتدبير الشيء، فإنها لا شك تكون عاقبتها خطرة، ولذلك كان الخراج الحاصل في غشاء الكبد أقل خطرا من الحاصل في جرمها لأن جرمها أشرف. وقد ذكر ما يدل على أن الخراج في أي العضوين هو وهو لون المدة الخارجة، فإنها متى كانت بيضاء فهي من الغشاء، متى كانت غليظة شبيهة بثفل الزيت فهي من الكبد، ولذلك قال «هلك» والعلة في ذلك أن الخراج متى كان في جوهر الغشاء فإن جوهرها في الغالب يكون صحيحا، ومتى كان كذلك قوي على إنضاج تلك المدة وإصلاحها، فتخرج بيضاء نقية، ومتى كان في جوهر الكبد، فإنه يكون قوي الفساد للحمية جوهرها، وعند ذلك لم يقو على إنضاج المادة الموجبة للخراج كما يقوي إذا كانت تلك المادة في غير جوهرها كما في الصورة الأولى، فتخرج المدة شبيهة بكون ثفل الزيت فصار لونها يميل في الردائة إلى هذا اللون لأن لون الكبد قريب من هذا. ولا شك أن هذا قتال، فإن ورم الكبد رديء إذا لم يبلغ إلى هذا الحال، فكيف إذا بلغ إليها؟ وهو أن المادة المؤذية قد بلغ من نكايتها إلى أن أخرجت شيئا من جوهر الكبد.
البحث الثالث:
اعلم أن الرازي PageVW5P340A لما نظر في كلام * الإمام (237) أبقراط بقي متحيرا قائلا بأن الغشاء الذي * للكبد (238) ليس يمكن أن يكون فيه ورم إذا تقيح بلغ * من (239) عظمه أن تسيل المدة منه فضلا عن أن يحتاج أن ينقب لتخرج المدة منه. قال: «اللهم إلا أن يفهم من الكبد موضع الكبد من مراق البطن، وهو ما يعلوها منه». فإن هذا الغشاء يخين الجرم فيه أجزاء الحمية، فهو قابل للتوريم التقيح وجمع المدة. واعلم أنا إن فهمنا من كلام أبقراط ما ذكره الرازي لم يكن مطابقا لما قاله، فإنه قال: «من كان في كبده مدة»، ثم أدخل الغشاء في جملة الكبد، ولو كان المراد من قول أبقراط ما قاله الرازي، لكان القول المطابق له «من كان في كبده مدة» أو فيما يحاذيها أو * فيما (240) يجاورها مما يحيط بها أو فوقها. وأيضا فإنما نقول له الغشاء المحيط بالكبد كثيرا ما يحصل فيه نفاخاة من خارج وتتفقا إلى خارج وتمتلئ البطن منها، ويحدث استسقاء. وإذا كان كذلك فليس من المستبعد أن يكون ما يسيل منها إلى الفضاء الذي بين الغشاء وبين الجرم الكبد. ويحصل من ذلك مدة هناك، والله أعلم.
45
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان في العينين وجع فاسق صاحبه شرابا صرفا ثم أدخله الحمام وصب على * رأسه (241) ماء حارا كثيرا، ثم أفصده.
[commentary]
الشرح: PageVW1P176B هاهنا بحثان.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أن هذا الفصل كالمقرر والمؤكد للفصل الماضي، فإن الماضي لما ذكر * فيها (242) نوعا من معالجة مرض من أمراض الكبد، وهو الورم مثلا، ومعالجة أورام الكبد بالأشياء الملطفة، ثم المحللة لما لطفته، فإن المادة لا تلحج في العضو وتقف في مجاريه ومنافذه إلا إذا كانت غليظة. ولا شك أن هذه متى ورد عليها الملطف رقق قوامها وأخرجها عن سطح العضو اللاحجة فيه أولا فأولا، ثم إذا ورد * عليها (243) المحلل حلل منها ما هيئة الملطف. ولما كان الحق في معالجة ذلك ما ذكرناه ذكر في هذا الفصل ما يؤيد ذلك ويصححه من جهة التجربة، وهو أنه إذا كان في العين وجع مزمن كما في هذه الصورة، فإن قول أبقراط إذا كان في العين وجع المفهوم منه الوجع المتطاول، ولا شك أن الوجع المتطاول سببه لا محالة خلط غليظ قد لحج في منافذ العضو ومسامة PageVW5P341B +++ والمداواة التي ذكرها من أوفق الأشياء له. فإن الشراب بما فيه من التسخين والتلطيف وتقوية القوى وانعاش الحرارة الغريزية التي هي آلة كل قوة من أوفق الأشياء لذلك. وشرط فيه أن يكون صرفا ليكون تحليله أبلغ من ترطيبه. فإن حاجتنا هنا إلى الترطيب حاجة يسيرة، والحمام فيه التحليل وإخراج المادة بالعرق، ولما كان حال الحمام كذلك أمرنا بأن يكون * المستعمل (244) منه كثيرا جدا وجعله صبا ليدخل في مسام الرأس وينفذ إلى العين غير أنه الواجب أن يكون اسعماله بعد أخذ الشراب ليكون قد سبقه الشراب وهئيا المادة للتحليل. ولذلك قال: «ثم الحمام»، لأن هذه اللفظة للتعقيب، وأما الفصد، فإنه يخرج المادة المرضية لكن بجب أن يكون استعماله بعد تهيئة المادة للخروج، ولذلك أمر بأن يكون اسعماله بعد استعمال الشراب الصرف والحمام، فإن ذلك مما يعين على ترقيق المادة تهيئتها للخروج غير أنه لا يجب أن يفهم من الفصد فصد الباسليق أو القيفال، وبالجملة العروق البعيدة من العين. فإن خروج المادة اللاحجة في العضو يتعذر خروجها من جهة بعيدة. بل مراده بالعروق عروق الماقين والأرنبة، وبالجملة القريبة من العين لأنك قد عرفت أن المادة إذا كانت قد أنصبت إلى العضو واستقرت فيه تارة يكون جذبها من جهة قريبة، وهو إذا كانت قريبة العهد بالاستقرار، وتارة من نفس العضو، وهو إذا كانت بعيدة العهد بذلك، لكن هذا القدر لا يمكن استعماله في العين، فإنه من المستحيل أن تخرج مادتها المستقرة في جوهرها بالشرط كما في الخبيثة أو بتعليق العلق على طبقات العين، بهذا التأويل يندفع ما قاله جالينوس، فإنه هو الحق من مفهوم هذا الفصل.
البحث الثاني:
قال جالينوس: «هذا من الفصول المدلسة على أبقراط، وذلك لأنه لم يوافق قوله المتقدم في السادسة من هذا الكتاب أوجاع العين يحلها شرب الشراب الصرف أو الحمام أو التكميد أو فصد العروق أو شرب الدواء. فقال أوجاع العين مطلقا، وذكر * معالجة (245) العين مطلقا ليستعمل الطبيب الحاذق كل نوع من معالجة PageVW5P342A لنوع من الوجع، وفي هذا الفصل ذكر نوعا واحدا من الوجع يستعمل فيه ثلاثة * أصناف (246) من المعالجة، فإنه قال: «إذا كان في العين وجع»، ولم يقل: أوجاع. قال: «وقد قال بعض من فسر هذا الفصل إنه متى كثر في البدن دم غليظ فإنا نحتاج أن نستفرغ ذلك الدم بشرب الشراب الصرف واسعمال الحمام»، قال: «والقائل بهذا القول جاهل بأعمال الطب»، وذلك لأنه متى كان في البدن امتلاء فهذا الامتلاء لا يخلو إما أن يكون في البدن كله أو في البدن فقط. فإن كان الأول نفعه الفصد وضره شرب الشراب والحمام، فإن ذلك يخلخل المادة ويزيد في حجمها، وعند ذلك لم يؤمن أن يتمزق بعض طبقات العين. وإن كان الثاني نفعه شرب الشراب الصرف ودخول الحمام لأنهما يعينان على تحليل المادة اللاحجة ولم ينفعه الفصد لأنه لم يقدر على إخراج المادة اللاحجة في طبقات العين. فالحاصل أن الحالة المفروضة لا ينتفع بالمعالجة الثلاثة المذكورة والذي نقوله نحن: إن أبقراط قال: «من كان به وجع»، أي وجع قديم، وغالب الأمر أن من كان به ذلك فإنه لا بد أن يتقدمه استفراغات كثيرة، ولم يبق في مثل هذه الصورة في البدن مادة سوى التي في العين فقط لاستعصائها على الدواء الجاذب لها، وذلك لغلظها، ولذلك أوجبت طول المرض، وهذه المادة متى استعمل في معالجتها ما ذكره الإمان انتفع به لا سيما على الترتيب الذي ذكره، وهو استعمال الشراب الصرف لتسخين المادة اللاحجة وترقق قوامها وتهيئتها للخروج، ثم الحمام ليحلل منها ما أمكن تحليله، ثم الفصد ليخرج ما عساه ان يستعصى على الحمام في التحليل، وليس مراده بالفصد فصد الأكحل أو الباسليق أو القيفال بل عرق الماقين الذي يحصل بفصدهما استفراغ المادة من نفس العضو الواجب استعماله في هذا الوقت، فثبت بما ذكرنا أن حكمه في هذا الفصل حكم صحيح، وإنه ليس من الفصول المدلسة على أبقراط بل هو كلامه، والله أعلم.
46
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بصاحب الاستسقاء سعال، فليس يرجى.
[commentary]
الشرح: أما الصلة، فهي أن المرض الذي سببه مادة غليظة قد يكون في عضو واحد وقد يكون في جملة البدن. فالأول ذكره في PageVW5P342B الفصل الأول والثاني ذكره هذا الفصل. واعلم أنه أطلق لفظة الاستسقاء، فالذي يبادر إليه الفهم الاستسقاء اللحمي لا الطبلي والزقي، ربما ظن أن هذا الفصل قد يكرر بقوله في سادسة هذا الكتاب: إذا حدث بصاحب الاستسقاء * سعال (247) كان دليلا رديئا، وليس الأمر كذلك، فإن مراده بالاستسقاء المذكور في السادسة مطلق الاستسقاء، وفي هذا الفصل اللحمي فقط، وهو أخص من مطلق الاستسقاء. وأيضا فإنه قال في السادسة: «كان ذلك دليلا رديئا»، وفي هذا الفصل قال: «ليس يرجى» ولا شك أن الحكمين متغائرين، فإن معنى قول «ليس يرجى»، أبلغ في الدلالة على الهلاك من قول: «دليلا رديئا» ولكل واحد من أنواع الاستسقاء إذا حدث به سعال كان ذلك فيه دليلا رديئا لدلالته على أن الأفة قد بلغت من القوة بحيث أنها زاحمت آلات التنفس وأوجبت السعال واللحمي يختص بأنه متى حدث فيه ذلك PageVW1P177A فإنه لا يرجى، فإن الزقي والطبلي محلهما قريب من من القلب، فبسرعة ما يحدثان المزاحمة ثم السعال. وأما اللحمي فإن مادته منتنة في الأكثر في الأعضاء الظاهرة لاعتناء الطبيعة بالباطن لشرفه، فإذا بلغت الأفة إلى أن أوجبت * مزاحمة (248) آلات التنفس ثم السعال، فليس يرجى لصاحبه برؤا، والله أعلم.+++
47
[aphorism]
قال أبقراط: تقطير البول وعسره يحلهما شرب الشراب الصرف أو فصد * العروق (249) ، وينبغي أن تقطع العروق الداخلة.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أن هذا الفصل كان من الواجب أن يذكر بعد الفصل الذي أوله: إذا كان في العين وجع فاسق * صاحبه (250) ، وذلك لاشتمال الفصلين على منافع الشراب، إلا أنه ذكر الفصل الذي قبل بينهما لما ذكره. والفرق بين تقطير البول وعسره أن التقطير هو أن يخرج البول قليلا * قليلا (251) من غير عسر، والعسر هو أن يتعسر في خروجه ولا يلزم أن يكون * خروجه (252) قليلا. واعلم أن المقصود هنا هو حكم تقطير البول، وأما عسره * فقد (253) ذكره فيما تقدم حيث قال: «في السادسة فصد * العروق (254) يحل عسر البول، وينبغي أن تقطع العروق الداخلة»، غير أن أبقراط إنما ذكر عسر * البول (255) هنا لمشاركته لتقطير البول في النفع بالشراب والفصد. وتقطير البول قد يكون لحدة البول، وذلك PageVW5P342A إما لمخالطة دم حاد أو مرة صفراء أو شرب شراب قليل * المزج (256) . وشرب الشراب الكثير المزاج الذي هو مراد أبقراط ينفع من ذلك بإدراره وتسكينه لحدة * المادة (257) ، وقد يكون لضعف القوة الماسكة لاستلاء سوء مزاج بارد والشراب ينفع من ذلك لكن بشرط ميله إلى الصرافة، ولما كان حال الشراب في التقطير ذلك لم يشترط فيه أن يكون صرفا أو كثير * المزاج (258) ، بل جعله مهملا. وأما عسر * البول (259) فقد يكون لبرد غير مفرط وقد يكون لريح غليظة تسد طبقتي عنق المثانة وقد يكون لسدة عن * دم (260) غليظ أو بلغم لزج. والشراب ينفع من ذلك لكن بشرط ميله إلى الصرافة. وقد يكون لورم في المثانة، ويخص هذا أن يكون معه ألم قوي، وهذا ينفع منه الفصد، لكن من العروق الداخلة، وهي الأبطى من اليد والصافن من الرجل. فإن هذه أقرب من غيرها إلى المثانة، والله أعلم.
48
[aphorism]
قال أبقراط: إذا ظهر الورم والحمرة في مقدم الصدر فيمن اعترته الذبحة، كان ذلك دليلا محمودا إلا ان المرض قد مال إلى خارج.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فلأن ما تقدمه * يتضمن (261) ذكر ورم حاصل في الأعضاء الباطنة، وكذلك هذا الفصل، فإن الأول ذكر فيه عسر البول، وقد يكون عن ورم، وأما هذا فذلك * ظاهر (262) فيه غير أن الأول ذكر فيه نوعا من معالجته وهذا ذكر في علامة جيدة دالة عليه. ومراده بالذبحة الخوانيق وظهور الورم في مقدم الصدر، أي في أعلاه، عند حصول المرض المذكور، تارة يكون لكثرة المادة بحيث أنها عمت الباطن والظاهر، * و (263) تارة يكون لدفع الطبيعة للمادة. ومثل هذا يكون لون مقدم الصدر معه دائما أحمل لميل الطبيعة بحاملها آلتها إلى هذه الجهة طلبا لدفعها عن جملة البدن بخلاف النوع الأول. فإن لون مقدم الصدر قد لا يكون معه أحمر لأن الطبيعة وآلتها بعد مشغوله بمقاومة المؤذى الباطني، وبهذا غائر هذا الفصل الفصل المذكور في السادسة، وهو قوله: «إذا ظهر الورم في الحلقوم من خارج فيمن اعترته الذبحة كان ذلك دليلا محمودا». فإن ظهور الورم في الصدر قد يكون لدفع الطبيعة وقد يكون للكثرة، فإذا كان مع الخارج حمرة كان أكد في الدلالة على أن ذلك لدفع الطبيعة، ولذلك زاد في هذا الفصل إلا * أن (264) المرض PageVW5P342B قد مال إلى خارج لأنه لما ذكر الحمرة مع الظهور جزم الحكم بميل المرض إلى الخارج ولم يذكر هذا القدر في الفصل الأول لأن الحكم بالدلالة المحمودة منه مشكوك فيها، وبهذا يظهر أن حكم هذا الفصل غير حكم الفصل الأول، فلا يكون في ذكر هذا الفصل * هنا (265) تكرارا، وإن الزيادة التي زادها هاهنا وأوجبه الذكر وعبر عن مادة المرض بالمرض تجوزا في العبارة، وقد استعمل هذا القدر في هذا الكتاب في مواضع عدة، والله تعالى أعلم.
49
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه في دماغه العلة التي يقال لها سقافلس، * فإنه (266) يهلك في ثلاثة أيام، فإن جاوزها، فإنه يبرأ.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول:
في الصلة وهي أن سقافلس يقال حقيقة على * شيء (267) ومجازا على شيء آخر، فالأول هو فساد جوهر العضو، وهو موته، والثاني هو ورم دموي عن دم عفن يعرض لجوهر الدماغ، ووجه التجوز من وجوه ثلاثة: أحدها أن هذا الداء يلزمه الموت سريعا لرياسة العضو وقلة احتماله للأذى، وثانيها أن الدم فيها يكون عفنا وثالثها أن كل واحد منهما يتغير لون العضو عن اللون الطبيعي الخاص به تغيرا فاحشا، فلاشتراكهما في هذه الأمور الثلاثة جاز إطلاق اسم سقافلس على هذا الورم. ولهذا قال: العلة التي يقال لها سقافلس، ولم يقل: «العلة التي هي سقافلس». وإلا لو فهمنا من سقافلس الحقيقي، فإنه بعد حصوله في الدماغ لا يرجى لصاحبه حياة البتة لا قبل ثلاثة أيام ولا بعدها، ولما كان المفهوم من قوله هذا الورم الدموي، ناسب ذكره بعد ذكر الفصل الماضي لاشتراكهما في أن كل واحد منهما ورم دموي وفي ان كل واحد منهما حاصل في أعالى البدن وفي أن كل واحد منهما مرض مهلك.
البحث الثاني:
قال جالينوس: «قد ذكر أبقراط هذه العلة في كتاب الخلع وفي كتاب الكسر وفي كتاب العظام، وأراد بهذا فساد العظم، وأما في هذا الفصل فليس يمكن أن يفهم منه هذا الأمر، فإنه استثنى في قوله أن جاوز ثلاثة أيام، فإنه يبرأ. ولا شك أن هذه العلة إذا أريد بها ما ذكره في الكتب المذكورة ليس يمكن أن يبرأ من أصابه هذه العلة في دماغه، والحق أنه يجوز في هذا الفصل في العبارة، PageVW5P343A وأراد بها هاهنا الابتداء في العلة المذكورة، لا أنها حدثت وكملت، فإن هذه العلة إذا كملت مات العضو، وإذا مات كيف يمكن أن يبرأ بعد ثلاثة أيام؟ بل هذه العلة تسمي * قبل (268) استحكامها غانغرانا، وإذا تمكنت سميت سقافلس». ثم قال ويشبه أن يكون اليونانيون كانوا يسمونه أيضا * سقافلس (269) وهذا الكلام من جالينوس موافق لما قلناه، فإن هذه اللفظة تقال بالحقيقة على شيء وبالاستعارة على شيء آخر، وهذا مثل ما PageVW1P177B إذا كانت العلة في الابتداء، وهي التي تعرف بغانغرانا وإذا تمكنت سميت * سقافلس (270) . قال: «والعلة في سرعة حدوث الموت بصاحب هذه العلة أنها متى أضعفت العليل والعضو الحادثة فيه من أشرف الأعضاء وأرئسها، فإذا لم يمت صاحبها في ثلاثة أيام وبقي إلى الرابع فينبغي أن يرجى أن علته قد انحطت وانتعشت قوته حتى تقاوم العلة وتقهرها غاية القهر.
البحث الثالث
(271) : نقول فساد العضو وتعفنه. أما السبب مفسد للروح الحيواني أو مانع من وصوله إليه والجامع للأمرين معا. فالأول كالسموم الحارة والباردة الضارة بجوهرها للروح الحيواني، فإن هذه متى وردت على الروح أضعفتها، وعند ذلك تضعف القوى المدبرة الأعضاء، فيستولى عليها الفساد. والثاني مثل السدة. فإنها متى حصلت في العضو منعت الروح من النفوذ إلى العضو. والثالث وهو الجامع للأمرين مثل الأورام إذا استحالت موادها إلى كيفية سمية، فإنها بمقدار مادتها وغلظ قوامها توجب السدة بالكيفية السمية التي استحالت إليها تفعل ما تفعلها السموم، وما كان من هذه في الابتداء ولم يفسد معه حس ما له حس * فإنه (272) يسمي غانفرا، وخصوصا ما كان قلفونيا في ابتدائه وما كان في الاستحكام بحيث أن يبطل حس ما له حس، وهو أن يفسد اللحم وما يليه حتى العظم، فإنه يسمي سقافلس، والله أعلم.
50
[aphorism]
قال أبقراط: العطاس يكون من الرأس إذا سخن الدماغ ورطب المواضع الخالي الذي في الرأس، فانحدر الهواء الذي فيه فيسمع له صوت لأن نفوذه وخورجه من مواضع ضيق.
[commentary]
الشرح PageVW5P343B : هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول:
في الصلة، وذلك من وجهين: أحدهما أنه يتضمن ما يتضمنه الفصل الماضي، وهو ذكر حالة من أحوال الدماغ، فاشتركا في محل الحالة. وثانيهما أنه يتضمن بيان * أمكان (273) برؤ العلة المذكورة في الفصل المتقدم، وهو أن الدماغ له منافذ ومجاري يتحدر ويخرج منها فضلاته.
البحث الثاني
في حقيقة العطاس. العطاس حركة * وحامية (274) من الدماغ لدفع المؤذي باستعانة من الهواء المستنشق دفعا من طريق الأنف والفم ونسبته إلى الدماغ كنسبة السعال إلى الرئة. والعطاس على نوعين: منه ما يكون من جهة الطبيعة، بمعنى أنها تنهض لدفع ما يؤذي الدماغ، ومنه ما يكون من * جهة (275) استعمال أدوية معطسة، وهذا في الحقيقة أيضا من جهة الطبيعة، فإنها إذا تشمرت في مثل هذا الوقت لدفع ما وصل إلى الدماغ من أدى الأدوية المعطسة. والأول دال على قوة القوة، ولذلك صار بحمد في الأمراض وينذر بالسلامة منها، وفي قرب موته لا يقدر عليه، ولو استعمل فيه المعطسات وهو ضار في ابتداء النزلة والزكام لحاجة الخلط الموجب لذلك إلى السكون لأجل النضج.
البحث الثالث:
قوله «العطاس» يكون من الرأس. معناه أن الداعي للعطاس تارة يكون من الرأس وتارة يكون من غير الرأس، فمتى كان داعية من الرأس فحصول داعيه سخونة تسخنه وتسيل رطوباته، ثم هذه السخونة تارة تكون من سخونة الهواء كما يعرض للمتعرض للشمس الحارة بغتة لا بالتدريج. فإنها متى كانت كذلك لم ينفعل عنها الدماغ فلا يتسيل ما فيه من الرطوبات وتارة يكون من سخونة المستنشق إذا كان سريع النفوذ إلى الدماغ كما يحدث عند شم الأشياء الحارة، فإن كان مع هذه قوة قابضة منعت خروج ما يحدث من تلك الحرارة من الأبخرة بسدها المنافذ كان إيجابها للعطاس أبلغ. PageVW5P344A ولهذا كان الورد يعطس كثيرا غير أن حرارة الورد ضعيفة، لذلك لا ينفعل عنها الا محرور المزاج * و (276) الدماغ فإن كانت الحرارة لذاعة لذعت الخياشيم كان * أيضا (277) إيجابها للعطاس أكثر، ولذلك صار يحدث العطاس من شم رائحة الكندس، ولذلك لا يختص تأثيره بدماغ دون دماغ لأن لذعه لا يفارقه، وقد يكون سبب هذه السخونة مسخنا بالعرض كالهواء البارد، فإنه يبرد ظاهر الرأس ويسخن باطنه، والذي يكون من غير الرأس مثل أن يدخل في * أنفه (278) ريشة أو عود فإن من استعمل ذلك عطس عطاسا قويا، وذلك لما ينال الدماغ من الأذى فيتحرك لدفعه ولا ولا شك أن إيجاب هذا الداعي للعطاس ليس بتسخين الدماغ ثم سيلان رطوبته، بل إيجابه للعطاس بأمر آخر، فلذلك قال: العطاس يكون من الرأس، أي الذي يكون داعيه من الرأس، وإلا فكل واحد يعلم يعلم علما يقينا أن العطاس حركة خاصة بالرأس، وإذا كان كذلك فيكون تعريفه بأنه من الرأس خال من الفائدة للعلم به.
البحث الرابع:
قوله: «وترطب الموضع الخالي الذي في الرأس». المراد بهذه الرطوبة ا لحادثة من جسم رطب لا الرطوبة المزاجية. ولا يشترط في هذه الرطوبة أن يكون رطبة في تأثيرها بل في قوامها، بمعنى أن تكون مائعة، فإن ما كان من هذه الرطوبة أكثر حدة وأشد لذعا كان إيجابه للعطاس أكثر. وجالينوس شرط في إيجاب هذه الرطوبة للعطاس أن يستحيل ريحا، فإنه قال: «وإن كثرت الرطوبة في الرأس لم يحدث عطاسا دون أن ينحل فيصير ريحا، وهذا يظهر عيانا في كثير من الناس تخرج منهم رطوبة من المنخرين كثيرة جدا من غير أن يعطسوا، ومن الناس من لا يخرج بعطاسه رطوبة البتة». وهذا الشرط غير واجب، وذلك لأن للعطاس انقباض الدماغ، ثم دفعه للمؤذي، ثم هذا المؤذي تارة يكون رياحا وتارة غير رياح. وأما قوله: ومن الناس من يعطس ولا يخرج من منخرينه رطوبة البتة، فهو صحيح لكن هذا إنما يصح ان لو شرطنا أن الرطوبة لا يستحيل رياحا البتة. فإنا لو شرطنا هذا الشرط لورد ما قاله بل قلنا: إنها تارة PageVW5P344B تستحيل رياحا، فلا يدركها البصر، وتارة لا يستحيل فتخرج رطوبة. ثم لما ذكر في الرطوبة ما ذكره، قال: «وإذا كان كذلك فاشتراط أبقراط الرطوبة في حدوث العطاس فصل لا يحتاج إليه، وهذا الكلام منه فيه نظر، فإن الرطوبة المغروضة هي بالحقيقة المؤذية غير أن أذيتها تارة تكون بواسطة استحالتها رياحا وتارة يكون ذلك منها بذاتها لأنه لا معنى للعطاس على ما ذكرناه إلا حركة من الدماغ لدفع المؤذي والمحدث لهذه الرطوبة الحرارة المذكورة، فتسيل منه رطوبة أو لجذبها البتة. وأما المحيل لهذه الرطوبة هواء فهو الحرارة الغريزية، فإن تلك الفضول الرطبة اجتماعها كان لضعفها، ومراده بالموضع الخالي، أي الخالي من الأعضاء، وإلا فانحلاء محال. ومراده بذلك البطون والتجويف الحاوي للدماغ.
البحث الخامس:
قول: فانحدر الهواء الذي فيه، ليس المراد بالهواء المذكور الهواء PageVW1P178A الحادث عن الرطوبة فقط، بل وما يصل إليه بالاستنشاق. فإنا نرى عيانا هواء كثيرا يرتفع من الرئة دفعة بانقباض الصدر في حالة العطاس، والدليل على ذلك انا نرى العاطس يستنشق قبل عطاسه هواء متوفرا، والعلة في ذلك أن الهواء المؤذي قليل والعليل لا يتمكن الطبيعة من دفعه بالتمام دفعا قويا، فاحتاجت إلى معونة من هواء آخر في دفع تلك الفضلات وتنقيه مجاري الدماغ ومنافذه منها. وقال: «فانحدر، ولم يقل فخرج لأن المنفذ إلى الأنف من الدماغ متسفل عنه.
البحث السادس:
وقوله: «فيسمع له صوت قوي». أما الصوت فهو أمر يحدث من تموج الهواء، وليس المراد به حركته الانتقالية من هواء واحد بعينه بل حالة شبيهة بتموج الهواء، فإنه يحدث بالتداول لصدم بعد صدم مع سكون بعد سكون. وسبب التموج قرع أو قلع عنيفان، وشرطنا العنيفين لأن القرع لو لم يكن كذلك لم يحدث صوتا، وكل واحد منهما موجب للتموج. أما القرع فإنه يحرك الهواء إلى أن ينقلب من المسافة التي يسلكها القارع، وكذا القلع. ثم في الأمرين يلزم المتباعد من الهواء أن ينقاد للتشكل والتموج غير أن القرعي أشد PageVW5P345A انبساطا من القلعي. فالصوت حينئذ معلول التموج لأنا متى رأيناه حاصلا حصل الصوت، فإن طنين الطشت ينقطع عند تسكينه، ونرى الصوت مستمرا باستمرار تموج الهواء الخارج من الحلق. فالعلة القريبة للصوت التموج والقرع لا بد فيه من حركتين قبله وبعده. أما التي قبله، فهي تارة تكون من أحد الجسمين وتارة تكون منهما، لا بد مع ذلك من قيامها أو أحد هما في وجه الآخر لأنه متى لم يوجد المماسة لم يكن صوت، ثم إنه ليس من شرط القيام أن يكون القائم صلبا فإنه قد يكون في غاية اللين ويحصل الصوت إذا كان الخرق في زمان قصير فإنه متى فعل ذلك بالمقابل فإنه يقوم في وجه الخارق ويقاومه الا ترى أن الماء إذا أخرق برفق سهل الخرافة ولم يسمع له صوت وإذا أخرق بالعجلة فإن خرقة يصعب والهواء أيضا كذلك حتى قيل إنه يصير الهواء في هذه الصورة ثلاثة أجزاء قارع ومقاوم ومنضغط فالعلة الأولية هي المقاومة لا الصلابة. وأما الحركة التي بعد القرع فهي انقلاب الهواء من المسافة التي يسلكها الفارع، فإن قابل ذلك التموج وقابله جسم صلب مرتفع بحيث يرد ذلك المتوج إلى خلف، ويكون شكله شكل الأول وعلى هئية حصل الصدا فكل صوت له صدا لأنه إذا تموج الهواء بحركة القارع تموج الذي يليه ثم الذي يليه على قدر القرع والقلع لكن في بعض الصور لا يسمع إما لانتشاره كما في الصحراء أو لذلك لا يسمع للمغني صوت في الصحراء كما يسمع منه عند كونه تحت سقف. وإما لغاية قرب المسافة وإما لكثرة أصوات مرتفعه مختلقة تخفي صوت القارع والقالع، فإن كان منفذ هذا التموج صلبا أو أملس أو قصير المنفذ وضيقه أو شديد الالتواء كان ذلك الصوت حادا ومن مقابلاتها يكون ثقيلا ومن هذا يعلم سبب قوة الصوت الحاصل من العطاس، والله أعلم.
51
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به وجع شديد في كبده فحدث به حمى حللت ذلك الوجع عنه.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فهي أن حكمه كالمقابل لحكم الفصل الماضي، فإن الماضي يتضمن ذكر PageVW5P345B مرض عضو له حركة محسوسة من ذاته ومنافذ تندفع منها فضلاته كالدماغ، وهذا الفصل يتضمن * ذكر (279) مرض عضو ليس له حركة محسوسة ولا له منافذ محسوسة تندفع فضلاته منها كالكبد، فإنه متى حصل فيها رياح انحصرت تلك الرياح فيما بينها وبين غشائها والغشاء ليس فيه منافذ محسوسة يتحلل منها، فلذلك احتاجت إلى محلل يحللها، فكانت الحمى سببا لتحليل تلك * الرياح (280) . ثم نقول الوجع في الكبد يكون إما من ورم أو من ريح نافخة وإما من سدد في مجاريها ومنافذها. ومراده هنا بالوجع الريحي لا الورمي والسددي. أما الورمي فإن الورم لا ينحلوا إما أن يكون حارا أو إما أن يكون باردا فإن كان حارا كان معه حمى. وأبقراط قد قال: «فحدث به حمى»، والفاء للتعقيب، أي انها يفيد أن حصول الشيء بعد حصول شيء قبله، وإن كان باردا لم يكن معه وجع شديد بل ممدد لتمديد العلاقة. وأما السددي فلا يكون معه وجع شديد بل تمديد وثقل في الحاصرة في الجانب الأيمن، وإذا ثبت هذا القدر بقي أن يكون الوجع المذكور عن ريح غليظة. أما أنها ريح فالدليل عليه زوالها بالحمى وأما أنها غليظة فالدليل عليه قول «من كان به وجع شديد»، فإن قوله «من كان به وجع»، أي وجع متقادم، وتقادم الوجع الريحي لا يكون إلا عن ريح غليظة، وهذه تحتاج في تحللها إلى حرارة قوية، فلذلك كانت الحمى نافعة من ذلك، والله أعلم.
52
[aphorism]
قال أبقراط: من احتاج أن يخرج من عروقه دم فينبغي أن يقطع له العروق في الربيع.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أن هذا الفصل يتضمن ما يتضمنه الفصل الماضي، وهو أنه كما أن الماضي يتضمن ذكر انحصار مادة غليظة في وعاء ليس له منافذ محسوسة، كذلك هذا الفصل. فإنه يتضمن ذكر انحصار مادة غليظة * محصورة (281) في أوعية ليس لها منافذ محسوسة، ولذلك احتاجت هذه الأوعية إلى مخرج تخرج المادة التي فيها لعجز الطبيعة عن تحليها من منافذها مثل المادة المتضمن PageVW5P346A ذكرها الفصل الماضي، فإنها احتاجت إلى الحمى غير أن تلك ألطف من هذه المادة، فلذلك كانت الحمى كافية في إخراجها من أوعيتها. وأما هذه فلما كان حالها كذلك لم تكن الحمى كافية في إخراجها، فلذلك احتاجت تفرق اتصال أوعيتها لتخرج من موضع التفرق، فلذلك أمر بفصد هذه العروق.
البحث الثاني:
قوله: «من احتاج أن يخرج من عروقه دم»، ليس المراد به الفصد لأن الفصد لا يقال فيه ذلك بل يقال فيه من احتاج إلى فصد، بل مراده بذلك إخراج الدم من العروق المعروفة بالدوالي، فإنه إذا قيل في عرف الطب عند ذكر الأمراض مرض العروق أو اتساع العروق، المراد به الدوالي. ولا شك أن إخراج دم هذه يجب أن يكون في الربيع دون باقي الفصول لوجهين: أحدهما أنه في غالب الأمر إن لا بد أن ينقي بالدواء المسهل فيه لا سيما بدن من به هذه العروق، فإذا استعمل بعده إخراج الدم منها لم يخف منه انصباب مادة أخرى إليها PageVW1P177B بخلاف فصدها * على (282) غير نقاء. وثانيهما أن دمها في الشتاء يكون جامدا لا سيما ومادتها سوداء والمواد متى كانت جامدة لم يتيها إخراجها بالفصد، وفي الصيف تكون القوى فيه ضعيفة لم يحتمل إخراج دم كثير الذي هذه العروق محتاجة إليه. وأيضا فإن حر الصيف قد حلل لطيف مادتها وبقي الغليظ منها. وقد عرفت أن هذه لم تهيا إخراجها بالفصد. وفي الخريف يكون غليظة لسبق الصيف في تحليل لطيفها ولأن القوى أيضا فيها ضعيفة لذلك، فلم يبق فصل يصلح لإخراج دم العروق * منها (283) سوى الربيع، فإن حرارته معتدلة، فتكون المواد فيه قد رقت ولطفت وتهيئت للخروج والقوى بعد فيه قوية لأنه معتدل والمعتدل مناسب للقوى ومقولها ولأن الحرارة بعد في الباطن قوية والهضم * فيه (284) متوفر.
البحث الثالث:
قال جالينوس إن هذا الفصل هو جزء من الفصل الذي ذكره في السادسة، وهو قوله: «من أحتاج إلى الفصد أو شرب الدواء فينبغي أن يسقى الدواء أو * يفصد (285) في الربيع»، وإني، وحق الله، لأعجب من المفسرين PageVW5P346B كيف يفسرون كل واحد من المكررة ولا يعلمون ذلك! وربما * فصلوا (286) الفصل الواحد إذا تكرر مع اتحاد العبارة بتفسيرين مختلفين، ونحن نقول لجالينوس إن هذا الفصل ليس هو جزء من الفصل المتقدم حتى يلزم ما ذكرته بل هو غيره ولا أيضا المفسرون فهموه على الوجه الذي فهمنا نحن منه، وهو الحق، ولو فهموه كما فهمنا نحن منه لما قال في حقهم ما قاله، والله أعلم.
53
[aphorism]
قال أبقراط: من تخير فيه بلغم فيما بين المعدة والحجاب وأحدث به وجعا إذ كان لا منفذ له ولا إلى واحد من الفضائين فإن ذلك البلغم إذا جرى * منه (287) في العروق إلى المثانة انحلت عنه علته.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث أربعة.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أن هذا الفصل يتضمن ما يتضمنه ما قبله من ذكر مرض مادتها منحصرة في وعاء ليس له منافذ محسوسة غير أن المادة المذكورة فيه مادة بلغمية والذي قبله مادة سوداوية والذي قبله مادة ريحية.
البحث الثاني:
قال جالينوس أما مارينوس فقد تخير في فهم هذا الفصل، فإنه قال «إن البلغم لا يمكن أن يجتمع فيما بين المعدة والحجاب وإن اجتمع فهو ينحدر إلى أسفل إلى أن يبلغم عظم للغاية لأنه يدخل إلى العروق كما يدخل الرطوبة الرقيقة المائية في أصحاب الاستسقاء فيها ويخرج بالبول». ثم قال: «إلا أنه وإن كان الأمر على هذا فينبغي أن يفهم من قوله «فيما بين المعدة والحجاب»، أي فيما بين جرم الحجاب الخالص الذي هو لحمي وهو المسمي بالصفاق وبين الغشاء الممدود على البطن كله الذي يسميه اليونان فاراطين. قال جالينوس: «إنا وإن فهمنا الأمر على ما قاله مارينوس فالشك في المصير ذلك البلغم إلى العروق قائم، فإن قال إن ذلك البلغم يجري في هذا الموضع إلى الكلى في العروق فليس هو من المحال بل هو أحرى أن يجري من الفضاء الذي في جوف الغشاء الممدود على البطن في العروق التي هناك مع هذا أيضا، فهذا النوع من الاستعارة للأسماء حتى يستعمل موضع الغشاء الممدود على البطن المعدة بعيدا جدا، فإنه ليس بين الغشاء المذكورة وبين المعدة PageVW5P247A تشابة البتة حتى يجوز نسبته أن نسمي ذلك الغشاء باسم المعدة، ثم قال: «والأولى عندي أن يفهم ما بين المعدة والحجاب الفضاء الذي هو دون الحجاب المعروف الصفاق في جوف الغشاء المعروف بقاراطين، فإن البلغم متى كان في هذا الموضع دفعته الطبيعة في العروق لأنها متى كانت قوية لم يعجزها طريق ينفذ فيه الشيء الذي تريد إنفاذه، وإذا كان الشيء غليظا والطريق ضيقا فإنها تدفع المادة في الوصل الذي بين الأعضاء، وإن كان عظاما ولذلك فهي تدفع المادة عن * فضاء (288) الصدر بالسعال بأن تلطف المادة قليلا قليلا.
البحث الثالث:
قال ابن أبي صاقد إنه في الممكن أن يكون أبقراط عنى بقوله «البلغم» الماء، فإنه يطلق لفظة البلغم على الاستسقاء كثيرا ويخبره فيما بين المعدة والحجاب ووقوفه بين الفضاء الذي فيما دون الحجاب في داخل الصفاق الممدود على البطن. وقد فهمت * في (289) الفصل القابل إذا كان بإنسان استسقاء فجرى منه الماء في عروقه إلى بطنه كان بذلك انقضاء مرضه، كيف يصير في هذا الموضع في العروق إلى المثانة؟ وهذا الكلام فيه نظر، فإنه لما أطلق لفظة البلغم في الفصل الماضي على الاستسقاء أراد به اللحمي فقط، والمذكور في الفصل الآخر الاستسقاء الرقي لا اللحمي، ومراده بالفضاء بين فضاء الصدر وفضاء البطن، والحق في هذا جميعه أن يقال إن الطبيعة متى كانت قوية فإنها تدفع المادة الحاصلة في العضو تارة في منافذ محسوسة وتارة في منافذ غير محسوسة، فالفضاء المذكور متى اجتمع فيه بلغم فإن الطبيعة متى كانت قوية أخرجته من منافذ غير مدركة، وقد حكى لي رجل جليل القدر أنه أخذ غذاء وكان فيه شطيه زجاج حادة الرأس فوفقت في مريه فورم حلقه وأفصد وابتلع لقمة كبيرة واحتال بأنواع من الحيل في إخراجها فلم يخرج، وكان كلما طال به الزمان تغور في المري ويسهل عليه البلع والوجع يفور فلما كان بعد ثلاثة عشر سنة حصل له حكاك في رقبته في الجانب الأيمن منها PageVW5P347B بقرب قصبة الرئة سواء وكان كل يوم يزداد الحكاك ثم لما كان في بعض الأيام ظهر في الموضع المذكور نفور ورأسه حاد ثم ازداد حكه ثم خرج طرف الشطية وقد صارت مستديرة الشكل. قال: «فمسكتها بيدي وأخرجتها. وكان رجل آخر يشتكي إلى دائما ثقلا في مقدم دماغه وأحميته مرارا وأعطيته مسهلات منقيات لدماغه ثم الاطريفل المقوي بالأيارج وبالغت في تنقية دماغه ثم أعطيته السعوطات والمعطسات ولم يتغير ذلك لكن كان يقول لي: إنني أحس ينزول الثقل إلى أسفل، ثم غاب عنى مدة زمانية ثم حضر إلى عندي وفي يده زج حديد، فسألته عن ذلك وكيف حصل له هذا، فأخبرني أنه حاضرا على حصار عسقلان وأنه وقع في مقدم دماغه نشابه وإن الزج غار وجذب بعض أصحابه السهم على أن الزج يخرج معه فبقي داخل القحف وخرج السهم فقط وتحيل جراحية زمانه في إخراجه فلم يخرج بل غار إلى داخل فبقي محتبسا إلى المدة المذكورة ثم خرج من منخره الأيمن وقد دق جرمه ولبسه وسج كثير فحسبنا كم له من تلك المدة فوجدنا له قريبا PageVW1P178A أربعين سنة فأنظر إلى حيل الطبيعة في تحصيل أغراضها مع دفع الضار وجلب النافع وكيف تدفع المؤذي في منافذ غير محسوسة وغير مدركة تبارك صاحب الخلق والأمر والله أعلم.
54
[aphorism]
قال أبقراط: من امتلأت كبده ماء ثم انفجر ذلك الماء إلى * الغشاء (290) الباطن امتلأ بطنه ماء ومات.
[commentary]
الشرح: أما الصلة بما قبله فهي أنه يتضمن ذكر مرض مادته منحصرة في عضو ليس له منافذ محسوسة، وقد ذكر في ذلك ما مادته ريحية ثم سوداوية ثم بلغمية، وهذه مائية. قال جالينوس: «الكبد يسرع إليها نفاخات * الماء (291) أكثر من سائر الأعضاء، وذلك لأنها هي المميزة للمائية عن باقي المواد، فإذا ضعفت عن ذلك احتبست في جرمها وأحدثت فيها نفاخات مائية، أي أوراما مائية، ويظهر هذا القدر ظهورا بينا في كبود الحيوانات التي تذبح، فإن قويت الطبيعة على دفع هذه PageVW5P348A المائية دفعتها في العروق التي في جرم الكبد إل جهة مقعرها وخرجت بالإسهال أو إلى مجذبها وخرجت بالبول، فإن قويت المائية على الطبيعة أخرقت الغشاء وخرجت إلى الفضاء الذي في المعدة والمعاء وحصل من ذلك الاستسقاء الزقي، وكان هذاقتالا لموافاته ضعف الكبد بسبب تلك الأورام، وكون هذه المائية لذاعة مقرحة، ولذلك أوجبت انفجار الغشاء، والله أعلم.
55
[aphorism]
قال أبقراط: القلق والتثاؤب والاقشعرار يبريها شرب الشراب إذا مزج واحد بواحد سواء.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثلاثة.
البحث الأول:
في الصلة، وهي أنه لما تكلم في الحالات التي موادها منحصرة في أوعية ليس لها منافذ محسوسة، وكان قد بقي من تلك الحالات ما التي موادها دم صفراء. ذكر ذلك في هذه الفصل، فإن القلق والتثاوب سببهما امتلاء من المادة الدموية التي خروجها في كمية، والقشعريرة من * المادة (292) الصفراوية، أي خروجها في كميتها، * لا (293) في كيفيتها، وإلا أحدثت ناقضا ثم حمى لا قشعريرة فقط ولا يبريها الشراب على ما ذكره.
البحث الثاني:
القلق حاله توجب للإنسان سرعة الانتقال من هيئة إلى هيئة أخرى بسبب الملل من تلك الهيئات، واعلم أنه ينبغي * لنا (294) أن نفهم أن أبقراط عنى بحدوث الحالات المذكورة للأصحاء لا للمرضي لأن من كان مريضا أو مشرفا على المرض وحصل له الحالات * المذكورة (295) فلا يجوز له أن يداوي ذلك بشرب الشراب البتة. إذا عرفت هذا فنقول: القلق يحصل للأصحاء بحالة بدنية وحالة نفسانية. أما البدنية فهي أن يجتمع في المعدة رطوبة مؤذية قليلة المقدار، وليست بذلك الرداءة وإلا ولدت الفواق مداخلة لجرمها عرض لصاحبها القلق، وهو أن يمل الحال التي هو عليها ويشتهي أن ينتقل إلى غيرها. وعلى هذه الصورة يحصل القلق للمرضى، فإنه اذا مل الشكل الذي هو عليه اشتهى أن ينتقل إلى شكل آخر. وأما النفسانية، فهي مثل الوحدة وطول الفكر في الشيء، فإن الإنسان إذا حصل له ذلك قلق * وضجر (296) مما هو عليه وفزع إلى مقاومة صديق فيما هو مفكر فيه أو للانتقال إلى موضع آخر. وفي هاتين الصورتين إذا استعمل الشراب PageVW5P348B على ما ذكره أبقراط سخن المواد البدنية ولطف قوامها وهيئاها للتحليل وأشغل الفكر عما هو فيه وأراح القوى البدنية وسر النفس وزاد في الأرواح وبالجملة أزال ما يشكوه الإنسان من الحالة النفسانية. قال الرازي: «إن القيء أولى بشفاء ذلك من الشراب»، ونحن نقول له إن القيء إنما يخرج ما هو مصبوب في تجويف المعدة، وأما ما هو مداخل لجرمها فالقيء لا يقدر على إخراجه، وأمر بأن يكون مقدار الشراب كمقدار الماء، وذلك ليعتدل حر الأول ببرد الثاني لئلا يفرط تسخينه، فيزيد في أدابة الرطوبة المؤذية الموجبة للقلق.
البحث الثالث:
قوله: «القلق والتثاوب والاقشعرار» * نقول (297) التثاوب حركة من عضل الفكين لدفع المؤذي، فإن كان المؤذي عاما لجميع البدن حصل من ذلك التمطى. وقد عرفت من أي نوع هو حركة التثاوب والتمطى، والمؤدي الفاعل لذلك أبخرة كثيرة الكمية، ولذلك صارت تتحلل بسرعة وهو بالحركة التثاوبية والتمطية دموية، ولذلك صار الفصد نافعا منها شافيا لها. وأما القشعريرة فهي حالة تحصل للإنسان يحس معها ببرد يسير، وسببها مواد مائلة إلى الجلد بحيث أنها تلذع الأعضاء الحساسة، فتهرب الحرارة منها إلى جهة الباطن فيحدث البرد، لكنها غير عفنة وإلا ولدت ناقضا ثم حمى. والشراب * الممزوج (298) بالصفة المذكورة نافع مما ذكرنا، أما في التثاوب، فبتسخينه اللطيف واعانته على تحليل ما اجتمع في العضلات، وأما القشعريرة فبكسره عادية الخلط الفاعل لها تعديل مزاجه والله أعلم.
56
[aphorism]
قال أبقراط: من تزعزع دماغه فإنه يصيبه من وقته سكتة.
[commentary]
الشرح: هاهنا بحثان
البحث الأول:
في الصلة، وهي من وجوه ثلاثة. أحدها أن الأول يتضمن ذكر حالة رديئة * حادثة (299) بمن هو صحيح، وهذا الفصل أيضا يتضمن ذلك. وثانيها أن الأول يتضمن ذكر حالة سببها امتلاء دموي، وهو التثاوب، وهذا أيضا يتضمن * ذلك (300) . فإن من تزعزع دماغه لسقطة أو ضربة، فإن حدوث السكتة له في الأكثر وغالب الأمر لمواد دموية، وذلك لاتجاه الطبيعة بكنهها إلى مقاومة المؤذي ويتجه معها الدم لما عرفته فيزيد في سد منافذ الدماغ مع الضغط الحاصل لها بسبب كسر PageVW5P349A القحف والتزعزع. وثالثها أن الحالات المذكورة لما كانت أمورا عارضة لأعضاء حساسة ومتحركة ناسب أن يذكر بعده حالة حاصلة لمبدأ ذلك.
البحث الثاني:
التزعزع هو اضطراب شديد خارج عن المجرى الطبيعي يعرض للدماغ عن السقوط من موضع عال على الرأس أو لضربة قوية تقع عليه. وهذا القدر يحدث السكتة من وجوه ثلاثة. أحدها من جهة ضغط القحف لجوهر الدماغ، فإنه عند كسره أو السقوط عليه يدخل إلى داخل PageVW1P178B الدماغ فيضغطه، فعند ضغطه أياه تنسد مجاريه ومنافذ قواه، وعند ذلك يمتنع على القوة الحساسة * والمحركة (301) النفوذ إلى التهاء. ولا معنى للسكتة إلا ذلك. وثانيها أن الدماغ عندما يعرض له ذلك، فإن مجاريه ومنافذه تنتقتل وتلتوي فيه، وذلك موجب لما ذكرنا. وثالثها أن الدماغ * عندما (302) يحصل له ذلك تميل الطبيعة إلى جهته، والدم أيضا لما ذكرنا، والدم غليظ القوام كثير المقدار، وكل ذلك معين في * الانسداد. (303) * وقوله (304) «في وقته»، أي إن عروض السكتة له دفعة لأن ما كان بالتدريج فإن الانسداد الناقص منه يتقدم التام منه، والناقض يلزمه الصرع والصرع في أكثر الأمر مانع من الانسداد التام لما يلزمه من الحركة التشنجية المحللة الدافعة للمادة، والله أعلم.
57
[aphorism]
قال أبقراط: من كان لحمه رطبا، فينبغي أن يجوع، فإن الجوع يجفف الأبدان.
[commentary]
الشرح: أما الصلة، فهي أن الفصل المتقدم يتضمن ذكر السكتة، وقد علمت أن كل حالة لا بد لها من سبب فاعل وقابل. فالفاعل هاهنا للسكتة السقطة أو الضربة على الرأس، والقابل كثرة رطوبة الدماغ، فيكون المرطوبين هم المستعدين للسكتة، ولذلك ذكر حكماء من أحكام هذه الرطوبة، وهو إصلاحها خوفا من إيقاعها للبدن في حالة رديئة. ولا شك أن هذا الحكم هم الأصحاء والمرضى، فإن استعمل في الأصحاء سمي التقدم بالحفظ، وإن استعمل في المرضى سمي مداواة، لأن المداواة بالضد، ولما كان الفصل محتملا للحالتين الصحة والمرض، أمر بأن يكون تجفيف الرطوبات المستولية على البدن بالجوع لا باستعمال الأدوية المجففة PageVW5P349B لأن هذه بما فيها من القوة الدوائية يخاف منها أن تضر من هو معدود في الأصحاء والجوع لا يضره وينفع من به حالة مرضية والجوع يجفف الأبدان الرطبة بطريق العرض، وذلك لأن الغذاء من شأنه أن يخلف على البدن عوض ما تحلل منه، فإذا كان الوارد أقل من المتحلل حصل الجفاف لا محالة، وهذا القدر يحصل من الأغذية القليلة التغذية كالفواكه والبقول، فإنها يفيد الدبن جفافا من جهة تقليلها للدم غير أنه يفيده رطوبة فضلية على سبيل الاستنقاع والابتدال، فلما كانت هذه مجففة من وجه ومرطبه من وجه آخر لم تكن مفيدة في تجفيف الأبدان الرطبة التي المراد تجفيفها لا جرم لم يذكره في ذلك بل ذكر الجوع لا الأغذية القليلة التغذية، ولا الحمام أيضا، فإن فعله في البدن فعل الفواكه وبالبقول، ولله أعلم.
58
[aphorism]
قال أبقراط: العرق الكثير الذي يجري دائما حارا كان أو باردا يدل على أنه ينبغي * أن (305) تخرج من البدن رطوبة إما بالقوى فمن فوق وإما بالضعيف فمن أسفل.
[commentary]
الشرح: أما الصلة فظاهرة، وذلك لأنه يتضمن ذكر حكم من أحكام الرطوبة، وهو من جهة كثرتها، وأول الفصل ظاهر مما عرفته في المقالة الرابعة حيث ذكرنا شرحه لكن بقي فيه شيء، وهو قوله: «ينبغي أن يخرج من البدن رطوباته إما في القوى فمن فوق وإما في الضعيف فمن * أسفل (306) ». فأقول: أما أشارته في إخراج الرطوبات فليعتدل مزاج البدن، وأما أشارته بأن ذلك في القوى من فوق وفي الضعيف فمن أسفل، فلأن هذه الرطوبات كائنة عن أغذية كثيرة فوق ما ينبغي، ثم هذه الأغذية إما أن تكون قريبة العهد بالاستعمال أو بعيدة العهد به، فإن كان الأول فهذه الأغذية لا تستعمل كذلك إلا فيمن هو صحيح أو ناقه، فإن المرض لا يستعمل فيه أغذية كثيرة المقدار، ولا شك أن الصحيح ومن هو ناقه قوى القوة وهؤلاء ينبغي أن يكون استفراغ رطوباتهم من فوق، أي بالقيء، لأن الأغذية الكثيرة الزائدة على ما ينبغي القريبة العهد بالاسعمال لا شك إما أنها تفسد في المعدة أو يكون انهضامها ضعيفها، والقيء في ذلك واجب لينقي المعدة من الرطوبات الفاسدة أو الفجة، وإن كان الثاني وهو أن تكون الأغذية الكثيرة المقدار بعيدة العهد بالاستعمال فيستعملوها يكونون مرضى، فإن مواد هذه الأغذية إذا طال زمانها في البدن ولم يستفرغ أوجبت أخلاطا فاسدة، وهذه الأخلاط الفاسدة لا شك أن القوى تكون معها ضعيفة واستيصال هذه المادة وتنقيه البدن منها يكون بالإسهال، وذلك من أسفل، والله أعلم.
ناپیژندل شوی مخ