51

[فصل رقم 99]

[aphorism]

قال أبقراط: قد يعرض في الربيع الوسواس السوداوي والجنون والصرع والسكتة وانبعاث الدم والذبحة والزكام والبحوحة والسعال والعلة التي يتقشر فيها الجلد والقوابي والبهق والبثور الكثيرة التي تتقرح والخراجات (176) وأوجاع المفاصل.

[commentary]

قال عبد اللطيف: لما ذكر أن بعض الأمراض في بعض أوقات السنة PageVW2P059B أحرى بأن تحدث وتهيج، ذكر ما كان من الأمراض أحرى بفصل فصل، وابتدأ بالربيع لأنه أول أوقات السنة وأفضلها، ولذلك يكتب في بعض النسخ "فقد" بزيادة الفاء حتى يكون هذا الفصل كله كالجواب والنتيجة عن آخر الفصل المتقدم وهو قوله: "إلا أن بعضها في بعض الأوقات أحرى بأن يحدث ويهيج". واعلم أن هذه الأمراض كلها تحدث في الربيع على جهة الاستسقاء والبحران ودفع الطبيعة للكيموسات الرديئة عن عمق البدن إلى سطحه، وعن الأعضاء الرئيسة إلى الخسيسة. وأما سائر فصول (177) السنة فإنها نفسها (178) تحدث الأمراض، فإن الصيف يحدث في الأبدان الصفراء ويزيد في مقدارها، والشتاء PageVW3P059A يزيد في البلغم، والخريف في السوداء. وأما الربيع خاصة فإنه يحفظ الأبدان الصحيحة والنقية على حالها، فإن كانت مملوءة أخلاطا رديئة حللها ونبه الطبيعة لدفعها فاندفعت إلى سطح البدن، فعرض منها القوابي والبهق والبثور والخراجات (179)، وقد تندفع إلى أسفل (180) البدن والأعضاء غير الشريفة فيحدث عنها أوجاع المفاصل. وقد تنحدر من الرأس - إذا كانت عظيمة - إلى الحلق والصدر فيحدث عنها البحوحة والسعال والذبحة. وقد تكون PageVW0P051A كثيرة جدا فتهيج ولا تقوى الطبيعة على تحليلها ودفعها (181)، فيحدث عنها إذا كانت في الدماغ الوسواس PageVW1P044B السوداوي لأن مادته غليظة يعسر تحللها، وكذلك الجنون والصرع والسكتة لأن مادتها باردة غليظة. وأما ابنعاث الدم، فإن كان سوداويا (182)، وكان انبعاثه من الرحم أو من المقعدة، فهو على جهة دفع الطبيعة كما ذكرنا، فإن كان صحيحا وانبعث بالرعاف أو نحوه فهو من الأمراض الخاصة بالربيع بالذات لأن الدم يغزر في الربيع ويحسن تولده PageVW2P060A لملائمته له، فإن قيل: كيف صار الربيع - وهو أصح أوقات السنة وأقلها موتا - يحدث فيه هذه الأمراض كلها؟ فالجواب أن هذه الأمراض مع كثرتها فهي قليلة وسليمة بالقياس إلى ما يحدث في سائر الفصول، ثم إن هذه الأمراض التي عددناها ليست قاتلة (183) إلا السكتة وحدها. وأيضا فقد قلنا أن حدوث هذه الأمراض في فصل الربيع، لا بذاته ولا مما يحدثه، بل على جهة البحران والدفع؛ وذلك أنه إن صادف أبدانا غير نقية حمل الطبيعة على الإبراء منها، فتارة تحلله التحليل الخفي، وتارة تدفعه إلى سطح الجلد، وتارة تعجز فيكون عنه تلك الأمراض. وصار هذا بمنزلة الحمام والرياضة وأصنافها فإنها تصحح الأبدان وتحفظ صحتها وتحلل فضول الغذاء عنها، فإن صادفت البدن مملوءا حركت الكيموسات الساكنة وعجزت عن تحليلها وإنقاء البدن منها PageVW3P059B لكثرتها فعرض من ذلك أمراض كالصرع، والفالج، والسكتة. وقد قال أبقراط: من تعب وبدنه غير نقي، ظهرت به قروح. وبعض الناس يعرض لهم من الرياضة حمى حادة، وبعضهم سكات، وبعضهم صرع، وبعضهم غير ذلك، بحسب الخلط الغالب في أبدانهم، هل هو صفراء أو بلغم أو سوداء؟ فإن الرياضة تحركه وتثيره فتتولد عنه الأمراض بحسبه.

[فصل رقم 100]

[aphorism]

قال أبقراط: فأما في الصيف فيعرض بعض هذه الأمراض، وحميات دائمة ومحرقة، وغب كثيرة، وقيء، وذرب، ورمد، ووجع الأذن، وقروح في الفم، وعفن في القروح وحصف.

[commentary]

قال عبد اللطيف: إن أكثر هذه الأمراض يعرض في الصيف لملاءمتها مزاجه، وهو الحرارة واليبس، كالغب والمحرقة ونحوها. وقوله: "فأما في الصيف PageVW0P051B فيعرض بعض هذه الأمراض" يريد أن بعض أمراض الربيع تحدث في أوائل PageVW2P060B الصيف لأن أول الصيف يشبه الربيع (184)، ثم تحدث فيه أمراض خاصة (185) به، وهي كل مرض صفراوي كالحميات ، والقيء الصفراوي، والذرب الصفراوي، وذلك أن المادة إن صعدت إلى المعدة كان القئ، وإن انحدرت كان الذرب، ويعرض الرمد الصفراوي أيضا. ولأن الدماغ يمتلئ فيدفع عنه إلى الأعضاء القريبة إليه كالعين والأذن والفم، ومعلوم (186) أن قروح الفم يغلب عليها الصفراء، فإن كان معها رطوبة طبيعية عفنت تلك القروح. وإن كان الصيف PageVW1P045A مائلا أيضا إلى الرطوبة لكثرة مطره أو لكثرة هبوب الجنوب فيه، رطبت القروح فعفنت. وأما الحصف فهو من جنس البثور، ويحدث في سطح الجسد (187) فيخشن الجلد. وحدوثه عن كثرة العرق المراري اللذاع فيحرق الجلد ويحدث فيه حكة وخشونة، وقد سماه اليونانيون لذلك باسم مشتق من اسم العرق لأن مادتهما واحدة، وسماه العرب باسم مشتق من الاجتماع والتقبض لخشونة (188) ملمسة وتقبض حاسة اللمس منه فاشتقوا له اسما من جهة الإحساس به.

ناپیژندل شوی مخ