48

[فصل رقم 93]

[aphorism]

قال أبقراط: فإن كان (129) شماليا يابسا، كان موافقا لمن كانت طبيعته رطبة، وللنساء. وأما سائر الناس، فيعرض لهم رمد يابس وحميات حادة وزكام مزمن، ومنهم من يعرض له الوسواس العارض من السوداء.

[commentary]

قال عبد اللطيف: قوله: "فإن كان شماليا" أي فإن كان الخريف شماليا، يعني أن يكون الخريف والصيف جميعا شماليين. ولاتصال هذا الفصل بما قبله رأي جالينوس أنهما فصل واحد وقول متصل. وإذا كانا شماليين قليلي (130) المطر، دام PageVW3P056A يبس الهواء، فانتفع به أصحاب (131) الأمزجة الرطبة لأنه يجفف بلتها ويعدلها، كالنساء والصبيان. وأما سائر الناس فتستحصف أبدانهم، وتجف رطوباتها، وتحتد أخلاطهم، وربما ذاب رقيق الصفراء وبقي غليظها، فيحدث رمد يابس وحميات حادة وزكام مزمن لكثرة (132) الاستحصاف. ومنهم من يعرض له الوسواس السوداوي، لأنه إذا احتقن، احترق. واعلم أن ما ذكر أبقراط من اختلاف حال الفصول وما يحدث فيها من الأمراض، إنما هو على جهة التمثيل، لا إنه جميع أصناف الاختلاف. فإن الفصل قد يخرج عن طبيعته إلى الطرفين، ويكون خروجه إما كثيرا (133)، وإما قليلا، وإما وسطا. وقد PageVW2P056B تختلف أجزاء الفصل الواحد، بأن يكون بعضه يشبه فصلا ما، وبعضه يشبه فصلا آخر، حتى أنه يختلف ذلك الاختلاف في اليوم الواحد. وقد يختلف هذا الاختلاف فصل واحد، وفصلان، وثلاثة، وجميع السنة. والواجب على الطبيب المتفرس (134)، أن يأخذ مبادئ حكمه على طبيعة الزمان من الأشياء السابقة والحاضرة، ومن طلوع الكواكب، ومن الأشياء الأرضية، واستعداد (135) الأبدان القابلة، فيحصل له من مجموع ذلك حكم قمين (136) بالصدق والصواب.

[فصل رقم 94]

[aphorism]

قال أبقراط: PageVW0P048B إن من حالات الهواء في السنة بالجملة: قلة المطر أصح من كثرة المطر، وأقل موتا.

[commentary]

قال عبد اللطيف: إن كثرة المطر سبب لرطوبة الهواء وكدورته، وقلة المطر سبب ليبس الهواء وصفائه. والأبدان في الهواء اليابس أقل فضولا وأصح؛ لأن يبس الهواء يجفف فضول الغذاء. فأما الهواء الرطب فيرطب الأبدان ويكثفها، ويمنع من تحلل فضولها فتترطب من جهتين: من قلة التحلل، ومن رطوبة الهواء. ولعله لو قدم هذا الفصل PageVW1P042B على الفصول السابقة كان أفضل، وهي التي وصف فيها أمر (137) مزاج الهواء في أوقات السنة، وذلك لأن الشيء المفرد متقدم على المركب (138). وفي بعض النسخ: "أن قلة المطر أصح من كثرته" على أن تكون هذه أن المفتوحة اسم إن المكسورة، وجاز ذلك حيث وقع الفصل PageVW3P056B بالخبر. وهذه النسخة عندي هي المختارة والمعنى عليها، كأنه يقول: من حالات الهواء في السنة بالجملة، أي على الإطلاق (139) وعلى كل نظر (140) وحال أن قلة المطر أصح من كثرته. وأما أكثر النسخ فبإسقاط أن الثانية هكذا: إن من حالات الهواء في السنة بالجملة قلة المطر، أصح من كثرته. وهذا كلام مضطرب الإعراب لا يوافق PageVW2P057A إعرابه معناه إلا بتأويل شديد، وأجود ما أراه فيه أن ينصب قلة بأن، ويرفع أصح على أنه الخبر، فيكون التقدير هكذا: "إن قلة المطر أصح من كثرته". ولكن يبقى قوله: "من حالات الهواء في السنة" كلاما عطلا لا متعلق له، إلا أن أحسن أحواله أن يكون حشوا على جهة التفسير والتوكيد.

ناپیژندل شوی مخ