شرح فتح المجيد للغنيمان

Abdullah bin Muhammad Al-Ghunayman d. Unknown
100

شرح فتح المجيد للغنيمان

شرح فتح المجيد للغنيمان

ژانرونه

معنى لا إله إلا الله وأقوال العلماء في ذلك قال الشارح ﵀: [فصل: ذكر كلام العلماء في معنى (لا إله إلا الله): وقال شيخ الإسلام: الإله هو المعبود المطاع. فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد. وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع. قال: فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهه القلوب بحبها وتخضع له وتذل له وتخافه وترجوه وتنيب إليه في شدائدها وتدعوه في مهماتها وتتوكل عليه في مصالحها، وتلجأ إليه وتطمئن بذكره وتسكن إلى حبه، وليس ذلك إلا لله وحده، ولهذا كانت (لا إله إلا الله) أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه، والمنكرون لها أعداءه وأهل غضبه ونقمته، فإذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق، وإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في علومه وأعماله. وقال ابن القيم: (الإله) هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالًا وإنابة وإكرامًا وتعظيمًا وذلًا وخضوعًا وخوفًا ورجاءً وتوكلًا. وقال ابن رجب: (الإله) هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالًا ومحبةً وخوفًا ورجاءً وتوكلًا عليه وسؤالًا منه ودعاءً له، ولا يصلح هذا كله إلا لله ﷿، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية، كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول (لا إله إلا الله) وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك. وقال البقاعي: (لا إله إلا الله) أي: انتفاءً عظيمًا أن يكون معبود بحق غير الملك الأعظم، فإن هذا العلْم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما يكون علمًا إذا كان نافعًا، وإنما يكون نافعًا إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه، وإلا فهو جهل صرْف. وقال الطيبي: (الإله) فعال بمعنى (مفعول)، كالكتاب بمعنى (المكتوب)، من ألِه إلهةً أي: عُبد عبادة، قال الشارح: وهذا كثير في كلام العلماء وإجماع منهم. فدلت (لا إله إلا الله) على نفي الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى كائنًا ما كان، وإثبات الإلهية لله وحده دون كل ما سواه، وهذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل، ودل عليه القرآن من أوله إلى آخره، كما قال تعالى عن الجن: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ [الجن:١ - ٢]، فـ (لا إله إلا الله) لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفيًا وإثباتًا، واعتقد ذلك وقبله وعمل به، وأما من قالها من غير علم واعتقاد وعمل فقد تقدم في كلام العلماء أن هذا جهل صِرْف، فهي حجة عليه بلا ريب]. من أوضح الكلام وأبينه كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، وهي التي كان كل رسول من الرسل يفتتح دعوته إلى قومه بها، ولكن لكون كثير من الناس يعرض عنها ويتعلق بأمور تنافيها صار الجهل بها فاشيًا في كثير من البلاد والأحوال، والرسول ﷺ وضحها إيضاحًا بينًا، وهي واضحة من كلام العرب؛ لأن هذه الكلمة هي أصل الدين، وهي التي لا يصح إيمان أحد -بل إسلامه- حتى يتلفظ بها ويطابق قلبه ما يقوله لسانه، فلابد أن يعتقد معناها ويعمل بما دلت عليه مع قولها لفظًا، وإلا لا يكون الإنسان مسلمًا. وهنا يتكلم عن معناها في اللغة ووضعها، فاللغة هي التي نزل بها القرآن، والله جل وعلا أخبرنا في كتابه عن الكفار أنه لما قيل لهم: قولوا: (لا إلا الله) استكبروا. يعني: أبوا أن يقولوها لأنها تبطل ما كانوا يعملونه، وهذا هو السبب في كونهم لم يقولوها، فهم يعلمون أنهم إذا قالوا: (لا إله إلا الله) أنه يجب الاتجاه إلى الله وحده في كل دعوة، وفي كل قصد، وفي كل ما يتقرب به، وألا يكون هناك واسطة تُجعل بين الداعي والقائل لها وبين الله جل وعلا. فهذا هو السبب في كونهم أبوا أن يقولوها؛ لأن دينهم هو الشرك، وهو أنهم جعلوا بينهم وبين الله جل وعلا وسائط، وبهذه الوسائط يتجهون إلى الله بطلب الشفاعة وطلب القربة، وإلا فهم يعتقدون اعتقادًا جازمًا يقينيًا بأنه لا أحد يملك مع الله شيئًا، كما قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان:٢٥]، فهو المالك لما في السموات وما في الأرض وحده، وليس لأحد معه شيء، لا من الملائكة ولا من الرسل فضلًا عن غيرهم، وإنما كان شركهم أنهم جعلوا وسائط بينهم وبين الله، ويقولون: هذه الوسائط تقربنا إلى الله، فإذا دعوناها وتشفعنا بها فهي تدعو الله، وهي لا ذنوب لها فتكون دعوتها أقرب إلى الإجابة. وهذا هو الشرك الذي أخبر الله جل وعلا أنه لا يغفره لمن مات عليه، فجاءت هذه الكلمة مبطلة لذلك؛ فإنه إذا قال قائلها: (لا إله إلا الله) فمعناه أنه لا معبود يتوجه إليه ويطلب منه ما يطلب من الله إلا الله وحده فقط. ومن قالها وهو يعمل بما دلت على إبطاله فقوله لها لغو لا يفيد. ولهذا اشترط أن يكون قولها عن علم بمعناها؛ لأنها تنفي جميع العبادة عن الله جل وعلا، والعبادة أنواع، منها ما يكون باللسان، مثل هذه الكلمة ومثل الذكر والدعاء وغير ذلك. ومنها ما يكون بالقلب، مثل الخوف والرجاء والخشية والإنابة وما أشبه ذلك. ومنها ما يكون بالجسد، مثل السجود والركوع وما أشبهه. وكل هذا يجب أن يكون لله وحده، ولا يكون لأحد من الخلق منه شيء، فإن وجد منه شيء لأحد من الخلق فقد حصل الشرك ووقع الإنسان في الشرك، والشرك يفسد جميع الأعمال، فإن الدين الإسلامي مبني على الإخلاص، والإخلاص معناه أن يكون العمل لله وحده ليس لأحد مع الله فيه شيء أصلًا لا عمل القلب ولا عمل اللسان وقوله ولا عمل الجوارح. وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة:٥] أي أن كل ما يفعله الإنسان يرجو بفعله ثوبًا أو يتركه يرجو بتركه ثوبًا أو يخاف أنه لو فعله لعوقب كله عبادة، فكل شيء يفعله الإنسان يرجو بفعله ثوابًا، وكل شيء يتركه الإنسان يرجو بتركه ثوابًا، أو أنه لو فعله يخاف أن يعاقب يجب أن يكون هذا كله لله وحده، ولا يكون شيء منه لأحد من الخلق، وإلا فقد وقع الإنسان في الشرك، وليس المقصود بهذه الكلمة قولها في التلفظ فقط مع الجهل بمعناها، ولهذا سيأتينا في الحديث: (إن الله حرم على النار من قال: (لا إله إلا الله) يبتغي بذلك وجه الله)، وتقدم في حديث عبادة بن الصامت أنه رتب دخول الجنة على أمور خمسة: على أن يشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله، وأنه روح منه، وأن الجنة حق، والنار حق. وهذه الأصول هي أصول الدين الإسلامي، فإذا أتى بها الإنسان فغيرها من سائر فروع الدين الإسلامي يكون تابعًا لها. ومن المعلوم أنه ثبت في أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ أن كثيرًا ممن يقول هذه الكلمة يدخل النار، والرسول ﷺ كلامه لا يتناقض، ولا يكون بعضه مخالفًا لبعض، بل كله يأتي من الله جل وعلا وحيًا وبعضه يصدق بعضًا. فمعنى ذلك أن الناس يتفاوتون في قول هذه الكلمة بالعلم والصدق والإخلاص واليقين وعدم الارتياب، فمنهم من يقولها وهو غير صادق، ومثل هذا قوله لها لا يغني عنه شيئًا، ومنهم من يقولها عن علم ويقين وإخلاص لله جل وعلا، فإذا قالها بهذه المثابة فمعنى ذلك أنه متجه بكليته إلى الله جل وعلا، ولا يكون عنده في مراداته ولا في تصرفاته شيء مما يبغضه الله إلا الشيء الذي لا يستطيعه، فقولها بصدق وإخلاص لا يتفق مع فعل المعاصي وفعل الإجرام فضلًا عن الوقوع في الشرك؛ لأنها هي التي تضاد الشرك وتبطله تمامًا، وإذا وجد الشرك فقولها ممن يقولها كالهذيان لا يفيد ولا يجدي؛ لأنها وضعت للمعنى ولم توضع للفظ، ولو كان المقصود منها قولها مع المخالفات فلن يشكل ذلك على الكفار، ولقالوها وهم مقيمون على دينهم، ولكن علموا أنهم إذا قالوها بطل دينهم كله فأبوا قولها، ويوضح هذا تمامًا قصة أبي طالب حينما حضرته الوفاة فأتى إليه رسول الله ﷺ وطلب منه أن يقول هذه الكلمة، فقال له: (يا عم! قل (لا إله إلا الله) كلمة أحاج لك بها عند الله)، فكان عنده قرناء السوء حضورًا، وهم من المشركين الذين أبوا أن يقولوها، فقالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فما قالوا: لا تقلها. بل قالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ وهذا يدل على أن قولها يخرجه من ملة عبد المطلب إلى ملة أخرى وهي ملة الدين الإسلامي، فأعاد عليه الرسول ﷺ قوله هذا، فأعادوا عليه هذا القول فقط، فأبى أن يقولها وقال: هو على ملة عبد المطلب. وهذا يدلنا على أنه ليس المقصود قولها باللسان، وإنما المقصود الخروج من دين يدين به من يخالفها إلى الدين الذي جاء به الرسول ﷺ، فالدين كله يدور على هذه الكلمة، ولا يجوز للمسلم أن يجهل معناها؛ لأنها هي أصل الدين، وهي أساسه، وهي التي يسأل عنها الأولون والآخرون، فكل الناس وكل الخلق يُسألون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم به المرسلين؟ فلابد من هذا السؤال لكل أحد، والرسول ﷺ بين هذا ووضحه غاية البيان، وبين الأمور التي هي من حقوقها، ومن لوازمها أنه يجب على العباد أن يلتزموا ذلك وأن يعملوا به، فلهذا لما أبى بعض العرب بعد وفاة النبي ﷺ أداء الزكاة إلى أبي بكر استدل أبو بكر على وجوب قتالهم بهذه الكلمة: (لا إله إلا الله)، فإنه قال: إن الرسول ﷺ قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: (لا إله إلا الله)، فإذا قالوها منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)، وأداء الزكاة من حقها، فإذا امتنعوا عن أداء الزكاة للإمام قُوتلوا؛ لأن ذلك من حق (لا إله إلا الله)، وليس معنى ذلك أنهم يجحدون وجوب الزكاة أو يمتنعون عن إخراج

10 / 5