260

شرح العقیده طحاویه

شرح العقيدة الطحاوية

ایډیټر

أحمد شاكر

خپرندوی

وزارة الشؤون الإسلامية

شمېره چاپونه

الأولى

د چاپ کال

١٤١٨ هـ

د خپرونکي ځای

والأوقاف والدعوة والإرشاد

فِي ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ خَارِجًا عَنْ ذَاتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَّصِفْ سُبْحَانَهُ بِفَوْقِيَّةِ الذَّاتِ، مَعَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُخَالِطٍ لِلْعَالَمِ، لَكَانَ مُتَّصِفًا بِضِدِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَابِلَ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو مِنْهُ أَوْ مِنْ ضِدِّهِ، وَضِدُّ الْفَوْقِيَّةِ: السُّفُولُ، وَهُوَ مَذْمُومٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، لِأَنَّهُ مُسْتَقَرُّ إِبْلِيسَ وَأَتْبَاعِهِ وَجُنُودِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَابِلٌ لِلْفَوْقِيَّةِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ نَفْيِهَا ثُبُوتُ ضِدِّهَا. قِيلَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ قَابِلًا لِلْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، فَمَتَى أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّهُ ذَاتٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، غَيْرُ مُخَالِطٍ لِلْعَالَمِ، وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ، لَيْسَ وُجُودُهُ ذِهْنِيًّا فَقَطْ، بَلْ وَجُودُهُ خَارِجَ الْأَذْهَانِ قَطْعًا، وَقَدْ عَلِمَ الْعُقَلَاءُ كُلُّهُمْ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَا كَانَ وُجُودُهُ كَذَلِكَ فَهُوَ: إِمَّا دَاخِلُ الْعَالَمِ وَإِمَّا خَارِجٌ عَنْهُ، وَإِنْكَارُ ذَلِكَ إنكار ما هو أجل وأظهر من الْأُمُورِ الْبَدِيهِيَّاتِ الضَّرُورِيَّةِ بِلَا رَيْبٍ، فَلَا يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِدَلِيلٍ إِلَّا كَانَ الْعِلْمُ بِالْمُبَايَنَةِ أَظْهَرَ مِنْهُ، وَأَوْضَحَ وَأَبْيَنَ. وَإِذَا كَانَ صِفَةُ الْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ صِفَةَ كَمَالٍ، لَا نَقْصَ فِيهِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ نَقْصًا، وَلَا يُوجِبُ مَحْذُورًا، وَلَا يُخَالِفُ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً وَلَا إِجْمَاعًا، فَنَفْيُ حَقِيقَتِهِ يَكُونُ عَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْمُحَالِ الَّذِي لَا تَأْتِي بِهِ شَرِيعَةٌ أَصْلًا. فَكَيْفَ إِذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِهِ وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ، وَالْإِيمَانُ بِكِتَابِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ -: إِلَّا بِذَلِكَ؟ فَكَيْفَ إِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ شَهَادَةُ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ، وَالْفِطَرِ الْمُسْتَقِيمَةِ، وَالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ الْمُحْكَمَةِ عَلَى عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَكَوْنِهِ فَوْقَ عِبَادِهِ، الَّتِي تَقْرُبُ مِنْ عِشْرِينَ نَوْعًا:
أَحَدُهَا: التَّصْرِيحُ بِالْفَوْقِيَّةِ مَقْرُونًا بِأَدَاةِ"مِنْ"الْمُعَيَّنَةِ لِلْفَوْقِيَّةِ بِالذَّاتِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ (١).

(١) سورة النحل آية ٥٠.

1 / 263