أنه خلف حرفًا في معناه، أي: أدى به معنى حقه أن يؤدى بالحرف لا بالاسم، سواء تضمن معنى حرف موجود كما فِي "مَتَى" فإنها تستعمل للاستفهام، نحو: متى تقوم؟ وللشرط، نحو: "متى تقم أقم"، فهي مبنية لتضمنها معنى الهمزة في الأول ومعنى إن في الثاني، وكلاهما موجود. أو غير موجود "وَ" ذلك كما فِي "هُنَا" أي: أسماء الإشارة، فإنها مبنية لأنها تضمنت معنى حرف كان من حقهم أن يضعوه فما فعلوا، لأن الإشارة معنى حقه أن يؤدى بالحرف كالخطاب والتنبيه. "وَكَنِيَابَةٍ عَنِ الْفِعْلِ" في العمل "بَلا تَأَثُّرٍ" بالعوامل، ويسمى الشبه الاستعمالي، وذلك موجود في أسماء الأفعال، فإنها تعمل نيابة عن الأفعال ولا يعمل غيرها فيها، بناء على الصحيح من أن أسماء الأفعال لا محل لها من الإعراب كما سيأتي، فأشبهت "ليت" و"لعل" مثلًا، ألا ترى أنهما نائبتان عن "أتمنى" و"أترجى"، ولا يدخل عليهما عامل؟ والاحتراز بانتفاء التأثر عما ناب عن الفعل في العمل، ولكنه يتأثر بالعوامل: كالمصدر النائب عن فعله فإنه معرب لعدم كمال مشابهته للحرف "وَكَافْتِقَارٍ أُصِّلا" ويسمى الشبه الافتقاري، وهو: أن يفتقر الاسم إلى الجملة افتقارًا مؤصلًا -أي: لازمًا- كالحرف، كما في "إذ" و"إذا" و"حيث" والموصولات الاسمية. أما ما افتقر إلى مفرد كـ"سبحان"، أو إلى جملة لكن افتقارًا غير مؤصل -أي: غير لازم- كافتقار المضاف في نحو: ﴿هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ ١ إلى الجملة بعده؛ فلا يبنى؛ لأن افتقار "يوم" إلى الجملة بعده ليس لذاته، وإنما هو لعارض كونه مضافًا إليها، والمضاف من حيث هو مضاف مفتقر إلى المضاف إليه، ألا ترى أن "يومًا" في غير هذا التركيب لا يفتقر إليها؟ نحو: هذا يوم مبارك، ومثله النكرة الموصوفة بالجملة، فإنها مفتقرة إليها لكن افتقارًا غير مؤصل، لأنه ليس لذات النكرة، وإنما هو لعارض كونها موصوفة بها، والموصوف من حيث هو موصوف مفتقر إلى صفته، وعند زوال عارض الموصوفية يزول الافتقار.
تنبيهان: الأول: إنما أعربت أي: الشرطية والاستفهامية والموصولة و"ذان" و"تان" و"اللذان" و"اللتان" لضعف الشبه بما عارضه في "أي" من لزوم الإضافة، وفي البواقي من وجود التثنية، وهما من خواص الأسماء، وإنما بنيت "أي" الموصولة وهي مضافة لفظًا إذا كان مصدر صلتها ضميرًا محذوفًا نحو: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ﴾ ٢ قرئ بضم "أي" بناء وبنصبها؛ لأنها لما حذفت صدر صلتها نزل ما هي مضافة إليه منزلته، فصارت كأنها منقطعة عن الإضافة لفظًا ونية مع قيام موجب البناء؛ فمن لاحظ ذلك بنى، ومن لاحظ الحقيقة أعرب، فلو حذف ما تضاف إليه أعربت أيضًا؛ لقيام التنوين مقامه كما في "كل"، وزعم ابن الطراوة أن "أيهم" مقطوعة عن الإضافة، فلذلك بنيت، وأن "هم أشد"
_________
١ المائدة: ١١٩.
٢ مريم: ٦٩.
1 / 43