تنبيهان: الأول: إنما عدت "هل" من المشترك نظرا إلى ما عرض لها في الاستعمال من دخولها على الجملتين، نحو: "فهل أنتم شاكرون" و"هل يستطيع ربك" لا نظرا إلى أصلها من الاختصاص بالفعل، ألا ترى كيف وجب النصب وامتنع الرفع بالابتداء في نحو: "هل زيد أكرمته" كما سيجيء في بابه، ووجب كون زيد فاعلا لا مبتدأ في "هل زيد قام" التقدير: هل قام زيد قام؛ وذلك لأنها إذا لم تر الفعل في حيزها تسلَّت عنها ذاهلة، وإن رأته في حيزها حنت إليه لسابق الألفة فلم ترض حينئذٍ إلا بمعانقته١.
الثاني: حق الحرف المشترك الإهمال، وحق المختص بقبيل أن يعمل العمل الخاص بذلك القبيل، وإنما عملت "ما" و"لا" و"إن" النافيات مع عدم الاختصاص، لعارض الحمل على "ليس"، على أن من العرب من يهملهن على الأصل كما سيأتي، وإنما لم تعمل "ها" التنبيه و"أل" المعرفة مع اختصاصهما بالأسماء ولا "قد" والسين وسوف وأحرف المضارعة مع اختصاصهن بالأفعال لتنزيلهن منزلة الجزء من مدخولهن، وجزء الشيء لا يعمل فيه، وإنما لم تعمل "إن" وأخواتها وأحرف النداء الجر لما يذكر في موضعه، وإنما عملت "لن" النصب دون الجزم حملًا على "لا" النافية للجنس لأنها بمعناها؛ على أن بعضهم جزم بها كما سيأتي.
"علامات الأفعال التي تميز كل نوع منها عن أخويه":
ولما كانت أنواع الفعل ثلاثة: مضارع، وماض، وأمر؛ أخذ في تمييز كل منها عن أخويه مبتدئا بالمضارع لشرفه بمضارعته الاسم -أي: بمشابهته- كما سيأتي بيانه، فقال: "فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي" أي: يتبع "لَمْ" النافية، أي: ينفى بها "كَيَشَمْ" بفتح الشين مضارع شممت الطيب ونحوه بالكسر، من باب "علم يعلم"، هذه اللغة الفصحى، وجاء أيضا من باب "نصر ينصر"، حكى هذه اللغة الفراء وابن الأعرابي ويعقوب وغيرهم، ولا عبرة بتخطئة ابن درستويه العامة في النطق بها. "وَمَاضِي الأَفْعَالِ بِالتَّا" المذكورة، أي: تاء فعلت وأتت "مِزْ" لاختصاص كل منهما به، ومز: أمر من مازه يميزه، يقال: مزته فامتاز، وميزته فتميز "وَسِمْ" أي: علم "بِالنُّونِ" المذكورة، أي: نون التوكيد "فِعْلَ الأَمْرِ إِنْ أَمْرٌ" أي: طلب "فُهِمْ" من اللفظ، أي: علامة فعل الأمر مجموع شيئين: إفهام الكلمة الأمر اللغوي وهو الطلب، وقبولها نون التوكيد؛ فالدور منتف، فإن قبلت الكلمة النون ولم تفهم الأمر فهي مضارع،
_________
١ كذا انظر كيف جعل "هل" تتسلى وتذهل، وتحن وتعانق! قال أحد الشعراء الظرفاء:
مليحة عشقت ظبيا حوى حورا ... فمذ رأته سعت فورا لخدمته
كهل إذا ما رأت فعلا بحيزها ... حنت إليه ولم ترض بخدمته
1 / 38