98

Sharh Bab Tawhid Al-Uloohiyah min Fatawa Ibn Taymiyyah

شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية

ژانرونه

مشروعية الرقية الشرعية وحكم طلبها من الآخرين
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [فصل: في ألا يسأل العبد إلا الله.
قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ [الشرح:٧ - ٨]، قال النبي ﷺ لـ ابن عباس ﵄: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، وفي الترمذي: (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع، فإنه إن لم ييسره لم يتيسر)، وفي الصحيح أنه قال لـ عوف بن مالك والرهط الذين بايعهم معه: (لا تسألوا الناس شيئًا.
فكان سوط أحدهم يسقط من يده فلا يقول لأحد ناولني إياه).
وفي الصحيح في حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون)، والاسترقاء: طلب الرقية، وهو نوع من السؤال].
لقد كثر الكلام فيما يتعلق بمسألة طلب الرقية، وخاصة في الآونة الأخيرة مع كثرة فزع الناس إلى الرقاة، وكثيرًا ما يرد السؤال عن وصف الذين وصفهم الرسول ﷺ -أعني: السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب- من كونهم لا يسترقون، وهل هذه من الأمور التي يستطيعها كل إنسان؟ وهل يجب على كل مسلم ألا يسترقي؟ الظاهر من سياق الحديث أن هذا لا يعني عدم جواز الرقية، فالرقية مشروعة، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يرقي غيره ورقاه جبريل، وأن النبي ﷺ أقر الرقية وأيدها، وذكر لها ضوابط وأوصافًا، وعرض عليه الناس أنواعًا من رقاهم فأقر منها ما يصح ومنع منها ما لا يصح، والذين يخلطون بين وصف السبعين ألفًا وبأنهم لا يسترقون وبين جواز الرقية، يخطئون أشد الخطأ.
وعلى هذا فإن المقصود بكونهم لا يسترقون أمورًا وإن اُختلف في أكثرها، لكن أغلب أهل العلم الذين شرحوا هذا الحديث يتفقون على جملة أمور في معنى (لا يسترقون)، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل، ومن جملة هذه الأمور كما قلت أنه لا يشك أحد من أهل العلم بجواز الرقية ومشروعيتها.
أيضًا: أن هذا الوصف ليس وصفًا لجميع المسلمين، وإنما هو لأهل العزم، وليس كل الناس يستطيع أن يرقى إلى درجتهم؛ لذا ينبغي لكل مسلم أن يسعى إلى ذلك، وأن يكون من السابقين إلى الخير، وهذا مطلب عزيز يحتاج إلى مواصفات عديدة في الشخص، ولا يكون تركيزه فقط على عامل الرقية، بل يصلح أحوال قلبه وأعماله، وأن تكون صلته بالله ﷿ قوية، وأن يكون دائم السباق إلى الخير عاملًا بالفرائض مقيمًا للنوافل، وأن يكون من السبّاقين إلى كل وجوه الخير، ثم بعد ذلك يسدد ويوفق.
كما أنهم أيضًا اتفقوا على أن (لا يسترقون) بمعنى: لا يطلبون الرقية، لكن لماذا لا يطلبون الرقية؟! وهل طلب الرقية عيب أم لا؟ هذه مسألة أخرى، والراجح فيها والله أعلم: أن وصفهم بأنهم لا يسترقون، يعني: أنهم من قوة اعتمادهم على الله ﷿، ومن قوة توكلهم واستكانتهم وإنابتهم إلى الله ﷿، ومن قوة توجههم في التعبد إلى الله بقلوبهم وجوارحهم، فإن نفوسهم لا تنزع إلى طلب الرقية أصلًا، ولا يعني: أنهم يتكلفون عدم طلب الرقية، أو أنهم يصبّرون أنفسهم على عدم طلب الرقية، وإن كان هذا قد يكون مقصودًا، لكن المقصود أعظم من ذلك، وهو أنهم لقوة صلتهم بالله ﷿، وقوة تعلق قلوبهم بالله ينسون طلب الرقية، بل ولا ترد على بالهم أصلًا، حتى وإن أصيبوا بالضر والمرض لا يرد عليهم طلب شيء من الناس، فهم يلجئون إلى الله ﷿ في السراء والضراء.
ويبدو لي أن هذا المعنى واضح، وإن كان هذا النص أيضًا يحمل معاني أخرى، لكن هذا المعنى نجده واضحًا في نماذج لسلف هذه الأمة، فالرسول ﷺ وكبار صحابته الذين اشتهروا بالعبادة، واشتهروا أيضًا بقوة الاعتماد على الله ﷿، وكذلك كبار التابعين وتابعيهم، نجد منهم نماذج وصل بهم الحال مع قوة الصلة بالله ﷿ وقوة التوكل عليه والاعتماد عليه إلى أن أحدهم لا يفكر أصلًا في أن يطلب الرقية.
أما الذين تكلفوا في البحث عن هذا المعنى فيبدو لي أنهم تكلّفوا في أمر لا ينبغي التكلف فيه؛ لأن النص ظاهر.

8 / 3