Sharh Bab Tawhid Al-Uloohiyah min Fatawa Ibn Taymiyyah
شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية
ژانرونه
حكم التوسل بالنبي ﷺ
شرع الشيخ ﵀ في الوجه العاشر فقال ﵀: [وأما التوسل بالنبي ﷺ ففيه حديث في السنن رواه النسائي والترمذي وغيرهما: (أن أعرابيًا أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله! إني أصبت في بصري فادع الله لي، فقال له النبي ﷺ: توضأ وصل ركعتين ثم قل: اللهم أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد، يا محمد! إني أتشفع بك في رد بصري، اللهم شفع نبيك فيَّ، وقال: فإن كانت لك حاجة فمثل ذلك، فرد الله بصره)، فلأجل هذا الحديث استثنى الشيخ التوسل به].
مع أن هذا الحديث تفسره الروايات الأخرى لكنه مجمل، ولذلك من خصائص منهج السلف ﵏ -وهذا ما ينبغي أن نستمسك به، ونعود طلاب العلم على الاستمساك به-: أنهم في الأمور الغيبية والتوقيفية وأمور العقيدة لا يجوز أخذ نص واحد بدون أن يفسر، فالنص الواحد قد يفسره فهم الصحابة له، وهذا أمر يغفل عنه كثير من الناس، وقد يفسره سياق آخر للحديث؛ لأن الأحاديث أحيانًا تساق بإجمال وأحيانًا تساق بتفصيل، كما ورد في قصة استشفاع الصحابة بـ العباس، فإنه ورد في الحديث الصحيح أنهم قصدوا بذلك أن يدعو العباس ويؤمنوا وراءه.
وكما في قصة الأعمى، فإنه ورد في بعض رواياتها: أن النبي ﷺ دعا له، فكان استشفاعه بمعنى أنه طلب من النبي ﷺ أن يدعو له، فدعا له النبي ﷺ، لكنه طلب منه قبل ذلك أن يتهيأ بأن يكون قلبه مقبلًا على الله ﷿، وذلك حتى يكون على حال ترضي الله ﷿، بأن يتوضأ ويصلي ركعتين لاجئًا فيها إلى الله ﷿ بأن يقبل دعاء نبيه محمد ﷺ، فتأمل كيف فعل ﵊؟ فقد وجهه إلى العبادة المخلصة، ولم يوجهه إلى ذاته ﵊ أو وكله عليه.
إذًا: فهذه هي الصورة الصحيحة، ولذلك تميز منهج السلف بمثل هذا التوجيه دائمًا، وتميزوا بأن يأخذوا بالنصوص بعمومها، وأن يرجعوها إلى القواعد العامة القاطعة الضرورية، وأن يرجعوها إلى فهم الصحابة أيضًا، وإلا لو فهم الصحابة ذلك الفهم الذي فهمه أهل البدع من أن المقصود بالتوسل بذاته ﷺ فيما لا يقدر عليه إلا الله لفعلوه، وهم بحاجة إليه، لكنهم ما فعلوه، إلا أن يطلبوا من النبي ﷺ الدعاء، وطلب الدعاء منه ﵊ كان على صور: منها: ما يكون بصورة التوسل الظاهر به.
ومنها: ما يكون بمجرد طلب الدعاء.
ومنها: ما يكون على نحو غيبي، فقد يطلبون في بعض أمورهم أن يقبل الله ﷿ دعاء نبيه فيهم، وهذا أمر مشروع ولا يزال مشروعًا، لكن هذه الصورة ليست من باب التوسل بمعناه عند أهل البدع.
ثم قسم السلف التوسل إلى ثلاثة أقسام: توسل شركي.
وتوسل بدعي.
وتوسل مشروع.
وبناءً على هذه النصوص، فأهل البدع لا يفرقون في ذلك، بل كل أنواع التوسل عندهم مشروعة، فلم يفرقوا بين الممنوع وبين الجائز، ولا بين البدعي وبين الجائز.
11 / 9