131

Sharh Bab Tawhid Al-Uloohiyah min Fatawa Ibn Taymiyyah

شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية

ژانرونه

شبهات القائلين بجواز الاستغاثة بالنبي ﵊ وسائر الأنبياء والصالحين
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فبعون الله وتوفيقه نستأنف دروسنا في مجموع الفتاوى المجلد الأول، وسيكون موضوع هذا الدرس متعلق بنوع من أنواع العبودية، ألا وهو الاستعانة وعلاقتها بالاستغاثة، وهل بين الاستعانة والاستغاثة فرق أم لا؟ وبيان ما ينافي التوحيد أو ما ينافي كمال التوحيد في صورتي الاستغاثة والاستعانة بغير الله ﷿.
ومنشأ جواب شيخ الإسلام عن سؤال طويل تضمَّن بعض الإشكالات والجواب عليها، والعجيب أن السؤال يبدو أنه من عالم أو طالب علم متمكن كما سترون، ولذلك كان أحيانًا يعرض السؤال عرض الفاهم، وأحيانًا عرض المستفهم، وأحيانًا يتضمَّن السؤال بعض الجواب.
قال رحمه الله تعالى: [سئل الشيخ ﵀ عمن قال: يجوز الاستغاثة بالنبي ﷺ في كل ما يستغاث الله تعالى فيه، على معنى أنه وسيلة من وسائل الله تعالى في طلب الغوث، وكذلك يستغاث بسائر الأنبياء والصالحين في كل ما يستغاث الله تعالى فيه].
هذه الفقرة قد تضمَّنت شبهة فيها غموض أثرت في مفهوم كثير من الناس قديمًا وحديثًا بعد القرون الثلاثة الفاضلة، بينما قبل القرون الثلاثة لم يكن هذا من الإشكالات، حتى إن بعض العلماء التبس عليه الأمر، فأجاب بما يخل بالتوحيد، وهذه المسألة هي الاستعانة والاستغاثة بالمخلوق عمومًا، وبالنبي ﷺ على وجه الخصوص، فهل هي وسيلة مباحة أو غير مباحة؟ أو اتخاذ النبي ﷺ وسيطًا في دعاء الرب ﷿، ويسمونه: الوسيلة.
لذا فأقول: إن هذه المسألة عند التحقيق -بصرف النظر عن جزئياتها وفروعها- نجد أنها من الشركيات الصريحة في أصلها، لكن قد يختلف الناس في المفاهيم، وقد يجهل بعض الناس أنها شركية، وربما يبدع هذا النوع، أعني: اتخاذ الواسطة بين الله ﷿ وبين المخلوق، أيًا كانت هذه الواسطة من المخلوقات، فإن ذلك شرك.
والصورة المباحة منه لا تسمى في الحقيقة واسطة بالمخلوق، وأعني بالصورة: كون الإنسان يتخذ أعماله الصالحة وسيلة عند الله ﷿، فهذا في الحقيقة هو محض العبادة الحقة، والأعمال الصالحة وسيلة عند الله ﷿؛ وهي بذاتها مطلوبة من الله، وهي بذاتها موجهة إلى الله ﷿.
ودعوى بعض الناس: أن الدعاء صار واسطة أو وسيلة هو في الحقيقة عبث بالألفاظ، أو أنها أعمال صالحة قصد بها وجه الله، فالأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان لوجه الله ﷿ هي من الوسيلة؛ لأنها في حد ذاتها عبادة، لكن لم يتخذ المخلوق فيها واسطة بينه وبين الله، وإنما عبد الله بنفسه، أعني: عبده بدعائه، عبده بالعمل الصالح المخلص، عبده بالنية الصالحة، فهذه هي العبادة في الحقيقة.
وتسميتها الوسيلة فيها نوع من العبث كذلك ما أبيح من طلب دعاء الرجل الصالح، وهو أكثر إشكالًا، وهو الذي اتخذه كثير من المبتدعة ذريعة للشرك، إذ إن طلب الدعاء من الرجل الصالح من الوسيلة المباحة، ولم يكن في هذه الصورة عند التحقيق اتخاذ العبد ذلك الإنسان الصالح واسطة بينه وبين الله.
فالعبد الصالح ليس هو بذاته واسطة، وإنما هذا الإنسان طلب من رجل صالح آخر أن يدعو له، فكانت الصورة الحقيقية أن ذلك الرجل الداعي طلب من الله مباشرة، وعلى هذا فيكون طالب الدعاء توجه بقلبه إلى الله ليستجيب دعاء ذلك الرجل الآخر.
وهذه لولا أنها توقيفية لكانت على القياس العام لا تصح؛ لكن نظرًا لأنها جاءت عن النبي ﷺ وأقرها، وعمل بها وعمل بها الصحابة، لكانت من المتشابهات على الأقل، لكن لما أقرت شرعًا عرفنا وجه إقرارها، وهو: أن الإنسان الذي طلب من الرجل الصالح لم يطلبه بذاته، وإنما طلب دعاءه، فصارت الوسيلة هي أن ذلك الداعي دعا الله مباشرة، والطالب للدعاء طلب من الله أن يستجيب دعاء ذلك الداعي، أو رجا من الله وتعلق قلبه بالله في أن يستجيب دعاء ذلك الرجل الصالح، فهذه صورة تختلف عن بقية الصور المشتبهة التي ستأتي من خلال هذا السؤال.
لذا فينبغي تحرير هذه المسألة والرجوع فيها إلى كتب أهل العلم، خاصة (التوسل والوسيلة) لشيخ الإسلام ابن تيمية، فقد حرر هذه المسألة تحريرًا قويًا، وحشد لها الأدلة من القرآن والسنة وأقوال السلف وأعمالهم وتقريراتهم، فكان تفسيرها أشبه بالإجماع الذي لا ينبغي أن يحاد عنه.
قال رحمه الله تعالى: [وأما من توسل إلى الله تعالى بنبيه في تفريج كربة فقد استغاث به، سواء كان ذلك بلفظ الاستغاثة أو التوسل أو غيرهما مما هو في معناهما، وقول القائل: أتوسل إليك يا إلهي برسولك! أو أستغيث برسولك عندك أن تغفر لي استغاثةٌ بالرسول حقيقة في لغة العرب وجميع الأمم].
هذا الجزء من السؤال يقصد به السائل: أن هناك أناسًا يزعمون أنه لا فرق بين الاستغاثة والاستعانة، أو الاستغاثة والتوسل، وأنها كل

11 / 2