واختلف العلماء في أنه هل يكتب على الإنسان جميع ما يلفظ به وإن كان مباحا أو لا يكتب عليه إلا ما فيه الجزاء من ثواب أو عقاب وإلى القول الثاني ذهب ابن عباس وغيره، فعلى هذا تكون الآية الكريمة مخصوصة، أي(ما يلفظ من قول) يترتب عليه جزاء. وقوله صلى الله عليه وسلم: " فليكرم جاره - فليكرم ضيفه " فيه تعريف لحق الجار والضيف وبرهما وحث على حفظ الجوارح وقد أوصى الله تعالى في كتابه بالإحسان إلى الجار، وقال صلى الله عليه وسلم: " ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " والضيافة من الإسلام وخلق النبيين والصالحين. وقد أوجبها بعض العلماء وأكثرهم على أنها من مكارم الأخلاق. وقال صاحب الإفصاح في هذا الحديث من الفقه: أن يعتقد الإنسان إن إكرام الضيف عبادة لا ينقصها أن يضيف غنيا ولا بغيرها أن يقدم إلى ضيفه اليسير مما عنده، فإكرامه أن يسارع إلى البشاشة في وجهه، ويطيب الحديث له، وعماد أهل الضيافة إطعام الطعام فينبغي أن يبادر بما فتح الله من غير كلفة، وذكر كلاما في الضيافة، ثم قال: وأما قوله: " فليقل خيرا أو ليصمت " فإنه يدل على أن قول الخير خير من الصمت والصمت خير من قول الشر وذلك أنه أمره بلام الأمر بقول الخير وبدأ به على الصمت، ومن قول الخير الإبلاغ عن الله تعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليم المسلمين والأمر بالمعروف عن علم والنهي عن المنكر عن علم والإصلاح بين الناس وأن يقول للناس حسنا، ومن أفضل الكلمات كلمة حق عند من يخاف ويرجى في ثبات وسداد.
النهي عن الغضب
16 - " عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصيني قال: " لا تغضب " فردد مرارا قال: " لا تغضب " رواه البخاري " .
......................................................
قال صاحب الإفصاح من الجائز أن النبي صلى الله عليه وسلم علم من هذا الرجل كثرة الغضب فخصه بهذه الوصية وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الذي يملك نفسه عند الغضب فقال: " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الشدائد " . ومدح الله تعالى: (الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كظم غيظه وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور ما شاء " .
وقد جاء في الحديث: " إن الغضب من الشيطان " ولهذا يخرج به الإنسان من اعتدال حاله ويتكلم بالباطل ويرتكب المذموم وينوي الحقد والبغضاء وغير ذلك من القبائح المحرمة، كل ذلك من الغضب أعاذنا الله منه. وقد جاء في حديث سليمان بن صرد " أن الإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم تذهب الغضب " وذلك إن الشيطان هو الذي يزين الغضب وكل ما لا تحمد عاقبته، فإن الشيطان يغويه ويبعده عن رضى الله عز وجل فالإستعاذة بالله منه من أقوى السلاح على دفع كيده.
الأمر بإحسان الذبح والقتل
17 - " عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " رواه مسلم " .
......................................................
" القتلة " بكسر القاف هي الهيئة والحالة، " والذبحة " بكسر الذال ويضم، وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث " فأحسنوا الذبح " بغير هاء، وهو بالفتح مصدر والكسر الهيئة والحالة.
وقوله: " وليحد أحدكم شفرته " هو بضم الياء من حد يقال أحد السكين وحدها واستحدها.
قوله: " فأحسنوا القتلة " عام في القتل من الذبائح والقتل قصاصا أو في حد ونحو ذلك.
وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد كثيرة ومعنى إحسان القتل أن يجتهد في ذلك ولا يقصد التعذيب. وإحسان الذبح في البهائم أن يرفق بالبهيمة، ولا يصرعها بغتة ولا يجرها من موضع إلى موضع وأن يوجهها إلى القبلة ويسمي ويجهد ويقطع الحلقوم والوجدين، ويتركها إلى أن تبرد، والاعتراف لله تعالى بالمنة والشكر على نعمه فإنه سبحانه سخر لنا ما لو شاء لسلطه علينا وأباح لنا ما لو شاء لحرمه علينا.
حسن الخلق
18 - " عن أبي ذر جندب بن جنادة، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن " رواه الترمذي وقال حديث حسن. وفي بعض النسخ: حسن صحيح " .
مخ ۱۸