============================================================
شرح الأنفاس الروحانية باب صقة الك قال الجنيد - قدس الله روحه- في قول الله تعالى ومكروا مكرا ومكزنا مثرا وهم لا يشعرون [النمل: 50] قال: "في طريق الله عب ألف قصر، في كل قصر قاطع من قطاع الطرق موكل على المريد السالك، ولكل موكل مكر، وغدر خلاف آخر، فإذا جاء السالك غدر الموكل معه بشيء يمطى شيئا ويمنعه من الطريق ويحجبه عن الله تعالى"(1).
اعلم أن المكر في لغة العرب: احتيال وخداع على الغير يقع بها في الشر، وفي اصطلاح المشايخ الصوفية هو: الابتلاء والامتحان، فأما العلماء حملوا ظاهر الآية على مجازاة المكر من الله تعالى ومكروا مخرا ومكزرنا مخرا [النمل: 50] اي: جازيناهم بمكرهم، وهذا صحيح، لأن مجازات العمل يسمى باسم ذلك العمل، وإن كان لا يسمى به إذا لم يكن جزاء كقوله تعالى والذين كسبوا السيثات جزاء سيتة بوثلها} [يونس: 27] سمى الجزاء سيئة وإن كان حسنا كذا قوله تعالى: ومكزنا مكرا} أي: جازيناهم بمكرهم، أما حمل الآية على المكر الذي هو اصطلاح الصوفية ممكن جائز لأن الذي أراد الله تعالى بقوله: ومكرنا مكرا كان ابتلاء أيضا لأن الابتلاء نوعان: ابتلاء بالنعمة، وابتلاء بالنقمة، كما قال الله تعالى: وبلؤناهم بالحسنات والسيتات} [الأعراف: 168] والذي أراد بهذه الآية كان مكرا هو نقمة وعذاب بدلالة قوله تعالى فانظر كيف كان عاقبة مرهم أنا دمزناهم وقومهم أجمعين (النمل:51] أما لا يمكن حمل الآية على المكر الذي ذكره الجنيد لأنه ما أراد به المكر الذي هو نقمة وعذاب.
(1) انظر: سر الأنفاس للجنيد (ص4 30).
مخ ۱۶۱